د. سمير فرج

بعد إعلان الأقصر المحافظة ٢٩ :
١٥ عاماً والحكومة لا تهتم إلا بشرم الشيخ.. والنتيجة أن الأقصر «اتبهدلت»
----------------------------------------
حوار - رانيـا بـدوى ٢١/ ١٢/ ٢٠٠٩
----------------------------------------

٤ سنوات فقط قضاها الدكتور سمير فرج رئيساً للمجلس الأعلى لمدينة الأقصر، قبل أن تصبح محافظة بقرار من رئيس الجمهورية ويصبح سمير فرج محافظا لها، فى واقعة أثارت الاهتمام، رغم كل ما تركه سمير فرج من بصمات لا تخطئها عين..

فمنذ اللحظة التى وطئت فيها قدماى مدينة الأقصر، وفور خروجى من المطار اكتشفت مستوى التغير الذى طرأ على المدينة التى توحدت ألوان مبانيها وشكل شوارعها، واتسعت ميادينها، وأزيلت عشوائياتها، ولمعت آثارها، ومع ذلك سمعت أحاديث متناقضة وشديدة التطرف حول ممارسات الدكتور سمير فرج فى الأقصر ما بين إعجاب جمّ، وهجوم شرس، فوضعت الاثنين فى عين الاعتبار، فى أول حوار له كمحافظ..

ولكن على أى حال وأياً كان الموقف من سمير فرج فستكتشف أن التطوير ليس بحاجة إلى سنوات طويلة ولا إلى إصلاح تدريجى- كما تدّعى الحكومة- فهو يحتاج فقط إلى قرار من رئيس الجمهورية باعتبارنا دولة مركزية، وتوحد إرادة الحكومة غصباً عنها حتى ولو اختلف الوزراء مع المحافظ، ورجل قوى ينفذ بحزم وإيمان هذا التطوير والتغيير.

■ دكتور سمير أصبحت محافظا فى موقف لم يتكرر من قبل.. زارك الرئيس وأعلن الأقصر محافظة وعينت محافظا فما تفسيرك شخصيا للموقف؟

- أولا إعلان الأقصر محافظة جاء تلبية لرغبة شعب الأقصر فى تحويل مدينتهم إلى محافظة، أما السبب الثانى فهو التطوير الذى لمسه الرئيس خلال زيارته الأخيرة مما شجعه على اتخاذ القرار، والسبب الثالث هو احتياج الأقصر إلى ظهير صحراوى بعمق محافظة وليس مدينة لتنفيذ خطط الاستثمار والتنمية.

■ ولكن يقال إن المدينة أعلنت محافظة خصيصا من أجلك أنت وليس لضرورة إدارية؟

- غير صحيح.. فهى جاءت لتلبية رغبة شعب الأقصر.

■ هل فعلا سبق أن تقدمت بفكرة تحويل الأقصر إلى محافظة منذ عامين؟

- غير صحيح.. واستطرد قائلاً: هناك اقتراح كان مقدماً بالفعل ولكن لم أكن أنا صاحبه بل وزارة التنمية المحلية.

■ لماذا لم يتم إعلان المحافظة من قبل فى حركة المحافظات السابقة؟

- ربما الوقت لم يكن مناسبا كما هو الحال الآن، وأعتقد أن الرئيس خشى أن يعلنها محافظة، وأن تنضم إليها منطقتا إسنا وأرمنت فتأخذان الجهد كله لما فيهما من مشكلات عديدة فلا يتحقق الغرض الأساسى وهو تطوير الأقصر.. أما الآن وقد شهد الرئيس انتهاء الكثير من المشروعات وتطوير الأقصر تحمس لفكرة إعلانها محافظة، وكان التكليف بضرورة رفع مستوى كفاءة اسنا وأرمنت، خاصة أنهما تعدان امتداداً طبيعياً للسياحة الآثرية فى جنوب الصعيد.

■ هل تعتقد أن إعلان الأقصر محافظة له فوائد تعود على الناس أم أنه مجرد تقسيم إدارى وتوسيع لرقعة صلاحياتك؟

- القرار سيشعر بفوائده أهل إسنا وأرمنت، فعندما أعلنت الأقصر مدينة مستقلة بمجلس أعلى مسؤول عنها كان ذلك سببا فى تقسيم محافظة قنا إلى قسمين، واحد فى الشمال وآخر فى الجنوب، فأصبح أهالى إسنا وأرمنت كلما أرادوا إنهاء مصالحهم مروا على الأقصر أولا أما الآن فبينهم وبين رئاسة محافظتهم مساحة لا تتجاوز العشرة كيلو مترات كما أن إسنا وأرمنت ستدخلان ضمن خطط التنمية، خاصة أن رئيس الوزراء طلب منى إعداد خطة لتطويرهما وعرضها عليه خلال شهر.

■ هل كنت تعلم بقرار الرئيس مسبقا؟

- لا على الإطلاق، وكان مفاجأة لى.

■ دكتور سمير قلت إن الرئيس مبارك أبلغك أثناء حلف اليمين أن أمامك ثلاث سنوات لتطوير الأقصر، فماذا كانت تعنى هذه الرسالة خاصة أننا لم نسمع من قبل عن أنه حدد مددا واضحة لإنهاء تطوير المحافظات؟

- الرئيس قال لى ذلك لأن الأقصر كانت «اتبهدلت» طوال السنوات الماضية، وكل الاهتمام كان منصبا على تطوير شرم الشيخ والغردقة لمدة ١٥ عاماً، فى حين أن التعديات على الأماكن الأثرية والعشوائيات فى الأقصر دمرت جمالها، وكان الرئيس يعنى بهذه الرسالة سرعة انتشال الأقصر مما وصلت إليه. وبالفعل وفور أن توليت منصبى بدأت بإعداد دراسات علمية للتطوير، بها رؤية مستقبلية وهى «الماستر بلان»، حتى عام ٢٠٣٠.

■ وكيف تمت الدراسة فى هذا الوقت الوجيز لإعداد خطة بهذه المدة الزمنية؟

- كل قطاع فى المحافظة قام بعمل دراسة خاصة به، سواء قطاع السياحة، أو القطاع الهندسى، وغيرهما.. كما أننى وبعد جمع بيانات عن كل قطاع وجدت دراسة لـUNDP «البرنامج الإنمائى للأمم المتحدة» لتطوير الاقصر، فقرأتها ووجدت فيها أبحاثا مفصلة ومستفيضة لتطوير جميع القطاعات وقد ساعدتنى على التخطيط.

■ وأين وجدت هذه الدراسة؟

- وجدتها مهملة فى الأدراج.

■ ولماذا اهتم البرنامج الإنمائى بالأقصر بالذات؟

- هذه الدراسة موجودة فى مكاتب ٢٤ محافظة، وليس الأقصر فقط، ولكن لا ينظر إليها رغم أنها وافية وبها دراسة عن كل القطاعات «بشر وحجر» ورغم أنه أنفق على إعدادها ٢ مليون دولار مقدمة لنا على الجاهز وربما لا نستطيع ماديا إعداد مثل هذه الدراسات بل وبهذه الدقة.

■ وما سبب إهمالها ما دامت بهذه الأهمية؟

- سؤال يوجه للمحافظين الآخرين وليس لى، فأنا أخذت بما جاء فيها.

■ بأى نسبة استفدت مما جاء بهذه الدراسة؟

- حوالى ٦٠%.

■ خطة لمدة ٢٥ سنة، ألا تراها غريبة فى دولة لا تؤمن إلا بالخطط الخمسية؟

- أعلم أنها لأول مرة تحدث فى مصر، ولكن فى الحقيقة فإن الخطط طويلة الأمد هى الخطط الصحيحة والمتبعة فى العالم المتحضر، وأنا مؤمن بالدراسات والخطط طويلة المدى، وهذا ما تعلمته فى أمريكا.

وقد تم التصديق على الخطة من اللجنة الوزارية المختصة برئاسة رئيس مجلس الوزراء.. بل إنه وفى مسابقة تطوير المدن التابعة لمنظمة العواصم الإسلامية والتى اشتركت فيها ٤٤ مدينة وعاصمة إسلامية، حصلنا على المركز الثانى بعد المدينة المنورة والتى أعدت خطة قام بها أربعة مكاتب أجنبية، عموما هذه الجائزة تعنى أن خطتنا صحيحة علميا، كما أن العام الماضى شكرت منظمة اليونسكو مصر، على تحويل الأقصر لمتحف مفتوح.

■ فلنتحدث عن أكبر عملية نقل شهدتها الأقصر فى عهدك، وهى خروج آلاف البشر من منطقة القرنة «مقابر عامة الشعب والأشراف أيام الفراعنة» كيف استطعت تنفيذ هذه العملية التى عجزت حكومات متتالية عن تنفيذها؟

- القرنة عبارة عن ٩٥٠ مقبرة من مقابر عامة الشعب والأشراف من الفراعنة، يسكن فوقها ٣٢٠٠ أسرة، تسكن فوق وداخل هذه المقابر الأثرية، وتلقى بالصرف الصحى الخاص بها على المقابر، وهو أمر لا يعقل أن يهان التاريخ بهذا الشكل، لذا كانت هناك صعوبة فى النقل ليس فقط لتمسك المواطنين ببيوتهم، رغم أنها بلا مرافق «لا مياه ولا كهرباء ولا صرف صحى»، وإنما للكنوز الموجودة فى منازلهم من مومياوات وآثار ذهبية، وعندما تم التفكير فى هدم سور منزل فى مرحلة من المراحل توفى ٤ أشخاص.

■ إذن كيف استطعت أنت نقلهم وهل فعلا ساعدتك الحكومة؟

- لا أنكر مساعدة الحكومة فقد تم بناء قرية جديدة كاملة المرافق، مما كان أحد أسباب اقتناع الأهالى مقارنة بالأماكن التى كانوا يعيشون فيها.

■ ولكن الكهرباء والصرف الصحى ليسا ميزة إذا ما تم مقارنتهما بمومياوات من الذهب الخالص يستخرجونها ويتكسبون منها، إضافة إلى أن المعمارى الفنان حسن فتحى سبق أن بنى لهم مدينة رائعة ورفضوا الانتقال إليها؟

- لديك حق ولكن هذا بالنسبة للأجداد وكبار السن وليس بالنسبة للشباب الطامحين فى الحياة الرغدة والتطور، وهذا كان مدخلى معهم، فالزمن تغير ومغرياته كثرت، والشباب بدورهم ضغطوا على أمهاتهم للموافقة، والمرأة فى الصعيد قوية بطبعها وكلمتها مؤثرة حتى اقتنع الناس بالنقل.

■ ما تقوله يعنى أن عملية النقل تمت بشكل سلمى؟

- نعم.

■ ولكن سمعنا عن أحداث عنف وتحرش أمنى بمواطنى القرنة لإجبارهم على ترك أماكنهم؟

- عندما تنتقل آلاف الأسر ويتبقى حوالى ٧٠ أسرة فلا وقت لمزيد من الإقناع أو الانتظار لذا لجأنا إلى بعض العنف، خاصة أن من تبقوا كانوا عددا لا يذكر بالنسبة لمن انتقلوا.

والمهم أنه تم تعويض الاشخاص بشكل مناسب، «يعنى لو الشخص عايش وابنه متزوج معه فى المنزل نعطيه شقة وابنه شقة»، وفى البداية كان تصميم المنزل على أساس دورين لكنهم رفضوا وقالوا لا نريد أن يسكن معنا فى البيت أحد حتى لا يطلع على نسائنا وقد تم تنفيذ طلباتهم بالفعل، وبالمناسبة القرية بها مدرستان إحداهما لغات ومكتب بريد.

■ دكتور سمير دعنى أطرح السؤال بطريقة أخرى: منذ عام ١٩٤٨ الدولة تعلم أن القرنة تحتها ٩٥٠ مقبرة ولم يتم ذلك إلا فى عهد سمير فرج لماذا سمح لك أنت بالذات برفعها من مكانها؟

- هذا السؤال لا يوجه لى، فالقرنة موضوع مطروح منذ حوالى ٢٤ عاما وكان أمام المجلس الأعلى للآثار ولم يتحرك فيه أحد وعندما تقدمت لرئيس الوزراء بطلب رفع القرنة سمح لى، واتخذت فيه خطوات عملية وسريعة، وكنت قد عرضت الأمر قبلها على المجلس الأعلى للآثار وظل الأمر متداولاً ٦ أشهر بلا نتيجة، حتى حسمه رئيس الوزراء. الأمر كان يحتاج لخطة جيدة وحزم فى القرار بلا تردد أو خوف وتنفيذ بقوة والأهم هو تكاتف جميع الجهات ولا تنسى أن الرئيس أمر بتطوير الأقصر بما فيها القرنة، لتصبح ثانى أكبر عملية تهجير بعد النوبة.

■ رفع القرنة من مكانها مهمة قومية ولكن بماذا تفسر إزالة عشرات البيوت بل شوارع بأكملها؟

- العشوائيات فى الأقصر وصلت إلى حد مرعب، فساحة معبد الكرنك التى هى أكبر أثر فى العالم، حيث بنى على ٢٠٠ فدان، بنوا فيه ملعب كرة وموقف ميكروباصات وعشش فهل ذلك معقول؟، طبيعى عند إزالتها أن يغضب بعض الناس ويضجونا.. فالبعض يهمه لعب الكرة أكثر من تاريخ بلده ولا أحد يستطيع أن يلومنى فى إزالة مثل هذه العشوائيات.

■ وكم شارعاً بصراحة أزلت من داخل الأقصر نفسها، ولم تكن لتؤذى الآثار فى شىء؟

- ١٢ شارعاً ولكن لأن مساحة الشارع داخل مدينة الأقصر ٤ أمتار «يعنى لو منزل احترق لن تستطيع سيارة المطافئ الدخول للإطفاء» فكان لا بد من توسيع الشوارع وتوحيد شكلها.

■ وهل أنت متفهم لثورة الناس ضدك؟

- نعم وأنا معهم، الإنسان إنسان.. بيته عزيز عليه حتى ولو كان عشة ولكن الأقصر تستحق أن تكون عاصمة للثقافة فى العالم كما كانت قبل ٣٠٠٠ سنة.

■ إذن ما يقال عن أنك انتزعت أراضى قرية المريس من الناس الغلابة صحيح؟

- المريس عبارة عن ٥٠٠ فدان، وقد وضعت ضمن خطة التطوير لإقامة ١٨٠ فندقاً عائماً عليها بتكلفة ٢.٥ مليون دولار لتشغيل ١٠ آلاف شاب، على أن يكون ذلك على غرار خليج نعمة، إضافة إلى عشرات الكافيهات والبازارات لتنشيط السياحة فى الأقصر وتقديم خدمة عالية الجودة.

■ كم بالتقريب؟

- لا أستطيع التصريح بالمبلغ لأن المسألة ستكون مسألة تفاوض للوصول للمبلغ المناسب.

■ وهل فعلا ضمن خطتك انتزاع أراضى أكبر كنيسة فى الأقصر وأرض المطرانية؟

- لم يحدث.

■ ولن يحدث فى المستقبل؟

- ولن يحدث فى المستقبل وهذا كلام أحاسب عليه ولكن بالنسبة للمطرانية فلن ننتزع الأرض ولكن تم الاتفاق معهم على تطوير هذه الأرض بالشكل الذى نراه نحن على أن تكون ملكهم.

■ هل يوجد آثار تم اكتشافها فى عهدك أثناء عملية التطوير؟

- البعثة الإسبانية وجدت مقبرة كاملة بكل ما فيها من مومياوات وذهب وغيرهما، ولم يمسسها بشر بعد خروج سكان القرنة منها، كما اكتشفنا ٨٤ تمثال «سخمت» فى منطقة أخرى.. كما اكتشفنا ٤ تماثيل على غرار تمثالى «ممونون» أكبر تمثالين فى العالم يبلغ ارتفاع الواحد منهما ١٨ متراً ولكن لم نستطع نصبهما بسبب المياه الجوفية.

■ وأحضر لى الدكتور سمير فرج الصور التى تظهر ارتفاع منسوب المياه الجوفية بشكل مرعب ويهدد الآثار فى الأقصر فسألته وما سبب ارتفاع هذا المنسوب بهذه الدرجة؟

- أحد الأسباب هو أن الأقصر تزرع قصب السكر على مساحة ٢٢ فداناً حول معبدى الأقصر والكرنك وهو يحتاج إلى كميات مياه ضخمة، أما بالنسبة لارتفاع منسوب المياه داخل معبد الكرنك فذلك لأن الفراعنة من ٣٠٠٠ سنة أنشأوا خندقا أو مصرفا تتجمع فيه مياه الزراعة والصرف وتسير بداخله حتى تصب فى النيل ولا تدخل المعبد لكن الإنسان المصرى الحديث بنى على الخندق وزرع فوقه وردم أجزاء منه بالقمامة فتسربت المياه إلى داخل المعبد، فأبلغنا اليونسكو وأرسلوا لنا بعثة من السويد واكتشفوا خندق الفراعنة وأبلغونا بضرورة حفره مرة ثانية بالسير على نفس الخط القديم

ولكن بدأت تعترضنا بعض المبانى كعمارة من أربعة أدوار فطلبت منهم أن يحفروا بجوارها ويتفادوها فاكتشفوا أن المياه لا تسير وتأتى إلى هذه النقطة وتقف فاضطررنا لإزالة العمارة وسرنا على الخط القديم فسارت المياه، وظلت البعثة لمدة عام ونصف تدرس سر وأسس بناء هذا الخندق، هل حفر طبقا لطبوغرافية الأرض أم تبعا للنيل أم وفق الأجرام السماوية وما الذى يجعل المياه تقف مكانها إذا ما ابتعدوا عن الخط القديم ولو لمتر واحد، ولكن حتى الآن لم يعرف أحد السر.

وعموما نجح المشروع الذى تكلف ٧٠ مليون جنيه، ٥٠ مليوناً دفعتها المعونة الأمريكية و٢٠ مليوناً دفعتها الحكومة المصرية.

■ طريق الكباش الاكتشاف الأعظم فى الأقصر الآن.. فجأة تحمست له وقررت إزالة كل ما يعترض هذا الطريق من فنادق أو أقسام شرطة أو مساجد أو بيوت.. كيف اتخذت هذا القرار وأنت غير متخصص بالآثار؟

- كل شىء موجود فى دراسة الـUNDP، وهى التى دفعتنى إلى التفكير فى طريق الكباش الذى يربط معبد الكرنك بمعبد الأقصر.

■ ألم تخش أن تكون الدراسة مخطئة وتتورط فى هدم كل هذه المنازل وتنفق أموالاً طائلة ولا تجد طريق الكباش؟

- صمت قليلا.. ثم قال: بصراحة وأول مرة أقولها، «كنت مرعوب ومش عارف أنام» ولكن بعدما حفرنا ووجدنا الكباش، بل فى حالة جيدة، شعرت بسعادة غامرة.. أقصى ضرر للكباش كان أن رءوس بعضها مقطوعة.. وجدنا بعضها والبعض الآخر أخذه الناس وبنوا بها بيوتهم.

■ وكيف تم تعويض الأهالى عن بيوتهم؟

- كل بيت هدمته تم تعويض صاحبه بدفع ثمن الأرض والعقار، والمستأجر القديم خيرته ما بين الحصول على ٧٥ ألف جنيه، أو شقة ٨٥ متراً تشطيب سوبر لوكس.

■ ننتقل إلى مشكلة هدم فندق «الونتر بالاس».. لن أتحدث عن قيمة الفندق كمعمار، ولكن سأتحدث عن تقرير صدر عن جودت الملط ورفعه إلى الرئيس أكد فيه أن هدم الونتر بالاس يعد إهداراً للمال العام وسيتسبب فى خسارة ٥٠ مليون جنيه؟

- أولاً أنا هدمت الونتر بالاس الجديد لأنه فى واجهة المعبد ومانع للرؤية، ثم إنه كان مبنى للاتحاد الاشتراكى وليس تحفة معمارية كالونتر بالاس القديم.. وحتى لو إن الخسارة ٥٠ مليوناً، فإن أهمية تطوير المعبد وما سيجنيه أكبر، خاصة أنه سيكشف الونتر بالاس القديم على ساحة المعبد، مما سيعطى له قيمة أكبر. والدليل أن سعر الغرفة فى الونتر الجديد فى الأعياد كانت ١٢٠ يورو أما الونتر الأصلى ١٢٠٠ يورو، ويتوقع أن تصل إلى ٢٠٠٠ يورو، بعد أن أصبحت تطل على معبد الكرنك.

ثم إن كل هذه المشروعات تمت بمعرفة رئيس الوزراء واللجنة الوزارية القائمة على تطوير الأقصر، وهى مكونة من رئيس الوزراء، ووزراء الثقافة والسياحة والإسكان والزراعة، والتنمية الإدارية، والاستثمار.

■ الإعلان الأول لتكلفة تطوير معبد الأقصر كانت ١٨ مليوناً ثم صرحت فيما بعد أنها تكلفت ٢٥ مليوناً؟

- عندما قررنا نشتغل فى ساحة المعبد، كانت الدراسة الأولى تقول إنها ستتكلف حوالى ١٨ مليوناً، ولكن بعدما بدأ العمل اكتشفنا أن البنية التحتية للأقصر كلها مدمرة، فبدأت من نقطة البداية، وكان ذلك سبب ارتفاع التكلفة وهذا ما استفادته الأقصر طوال الأربع سنوات الماضية بنية تحتية ممتازة.

■ بصراحة هل استعنت بأى شركات أجنبية فى أى مرحلة من مراحل التطوير؟

- أعلم ما ترمين إليه وأحب أن أطمئنك أن كل مشروعات التطوير أسندتها إلى جهاز الخدمة الوطنية بالجيش المصرى، ولم أعط أى مشروع لا للقطاع خاص ولا لشركة أجنبية، وبالمناسبة الرئيس قال لى «برافو عليك يا سمير إنك تعاقدت مع الجيش فهم التزام فى المواعيد ودقة فى التنفيذ.. قلتله وكمان طهارة يد يا ريس علشان محدش يقول سمير أخد أو أسندها لشركات خاصة لمصلحته.. فرد قائلا مفيش حد يقدر يقول حاجة عليك قلت له بس الشارع ممكن يقول».. فنحن فى مجتمع لا يرحم لذا كنت أضع عينى فى وسط رأسى لأحقق التنمية والتطوير اللذين أحلم بهما للأقصر، دون أن يعكر صفو نجاحى شىء أو أعطى فرصة لأحد لتشويه سمعتى.

■ كيف تم توفير الأموال للتطوير؟

- جزء من الحكومة والجزء الآخر من المعونات، والفضل يعود إلى الدكتورة فايزة أبوالنجا وزيرة الدولة للتعاون الدولى، حيث قابلت الرئيس مبارك وأقنعته بأن يخصص للأقصر نصف مليار من أموال المعونات، فقال لها «مش كتير يا فايزة» فأجابته أن الذى سينفق على الأقصر «سنسترده وزيادة»، ووجود سمير فرج معناه أننا سنكون متأكدين أن الأموال ستنفق فى مكانها.

■ لاحظت توحيد لون الأبنية الجديد والشوارع داخل الأقصر فهل للتنسيق الحضارى دور فى ذلك؟

- لا.

■ إذن كيف تخطط للميادين وشكل ولون المبانى، أليس ذلك ضمن مهام هيئة التنسيق الحضارى؟

- يفترض ولكن هذا لا يحدث.

■ ألهذا السبب ولاغفالك لدور سمير غريب، هاجمك فى بعض المقالات فى الصحف؟

- كل ما أستطيع أن أنفذه دون مصاريف إضافية أفعله على الفور، ثم إن «مثل هذا العمل لقمة حلوة لأى جهة»، لذا يحدث الخلاف لكن أنا المهم عندى هو تحقيق الهدف بأقل تكلفة وبالفعل سمير غريب هاجمنى بأربعة مقالات وتحدثت مع رئيس الوزراء بهذا الشأن فقال لوزير الثقافة: سمير غريب إما أن يكون موظفاً أو يكون صحفياً، ولو عنده انتقاد يقوله لوزير الثقافة.

■ هل أجبرت المواطنين على دهان العمارات باللون الذى حددته؟

- تطوير الشوارع الداخلية ودهانات البيوت والعمارات تم على حساب الدولة وتكلف حوالى ٩ ملايين جنيه، وبالنسبة للمبانى الجديدة لابد من تنفيذ الأشتراطات قبل السماح بإدخال المرافق .

■ لماذا اجتمعت الإرادة السياسية لتطوير الأقصر؟

- لأن الرئيس مبارك طلب ذلك.

■ إذن إذا لم يأمر الرئيس بتطوير محافظة، فلن تتطور؟

- أظن ذلك فنحن دولة مركزية.

■ قرار تطبيق نموذج اللامركزية فى ثلاث محافظات، السويس والفيوم والأقصر.. كيف تراه؟

- المركزية أحد عيوب الحكم الحالى، ومصر لن تتطور إلا إذا تحولت بالكامل إلى نظام اللامركزية.

■ وهل نحن مستعدون لذلك؟

- هذا حلم وأمل كبير وإذا نجحت هذه المحافظات الصغيرة فى تطبيق اللامركزية سيتم تعميم التجربة تدريجياً.

■ وإذا فشلت؟

- لن يفشل أحد وإنما سوف تكون هناك أخطاء سيتم تداركها بعد ذلك.
---------
نشرت في المصري اليوم بتاريخ ٢١/ ١٢/ ٢٠٠٩
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=237353

الحكومة ضربتنا من الداخل

بقلم صبرى غنيم-المصري اليوم ٣/ ١٢/ ٢٠٠٩
----------------------------------------
توقعت أن تقوم الدنيا وتقعد بعد الخبطة الإعلامية التى انفردت بها «المصرى اليوم» الأسبوع الماضى وكشفت عن المستور فى أحداث مباراتنا مع الجزائر فى السودان.. الصحفية المتألقة رانيا بدوى حاصرت سفيرنا المصرى فى الخرطوم وأخرجت أحشاءه فى حوار جرىء أذاب ثورة الغضب التى اجتاحت قلوب عدد كبير من المصريين بسبب إهمال هذا السفير.. الرجل فتح قلبه وكشف عن المستخبى.. كلام السفير عفيفى عبدالوهاب كان كفيلاً بفتح الملف على الأقل بتشكيل لجنة تحقيق عاجلة كاللجنة التى شكلت فى أعقاب حصولنا على صفر المونديال..

لكن لم نسمع صوتاً للقيادة السياسية.. ولا للحزب الحاكم.. بعد القنبلة التى فجرها سفير مصر فى الخرطوم.. ومع ذلك لم نسمع تكذيبا لما قاله الرجل مع أننا كنا نتوقع التحقيق فى مواجهة الأجهزة المعنية.. جهاز الرياضة.. واتحاد الكرة.. والمحطات الفضائية.. الحكومة تعرف جيداً أن هذه الجهات ساهمت فى هذه المأساة وألهبت مشاعر الجماهير حتى تحولت إلى قنابل موقوتة.. وإذا كنا قد انضربنا فالضربة جاءت من الداخل وليس من خارج حدودنا.

يخطئ من يقول إن الأمن سبب هذه الكارثة لأن الحزب الحاكم نحى الأمن جانبا عن دوره فقد كان يريدها مهرجاناً شعبياً، الحزب أيقن أننا ذاهبون إلى هناك فى رحلة يعرف نتيجتها وكأنها واحدة من نتائج الانتخابات التى تعود أن يدخلها.. ولذلك كان يتوهم أننا سنعود منها فائزين منتصرين وقد استعد لتنصيب نفسه فى احتفالية وطنية يعلن فيها أنه صاحب الفضل فى وصولنا إلى المونديال.

ولا أعرف لماذا يحاول الحزب الحاكم دائماً أن يستثمر المناسبات ليصنع فيها بطولات على أمل اجتذاب أعضاء جدد، فقد كان يأمل أن يضم أعضاء الفريق القومى فى الدخول تحت بطانته كما فعلها مع رؤساء تحرير الصحف القومية.. يوم أعلن عن انضمامهم للحزب بقرار منه ودون علمهم.. الحزب يتصور أنه صاحب الفضل فى تجميع القوى الوطنية فى حين أن الحس الوطنى هو الذى يجمع هذه الجماهير تحت علم مصر.. وليس الحزب الوطنى.. الجماهير رفعت العلم بإرادتها.. وأخشى أن يأتى اليوم الذى ينسب فيه الحزب لنفسه الدعوة إلى رفع العلم ويدعى أيضاً أنه هو الذى غرس الحس الوطنى عند الجماهير.

أعجبنى أن أسمع أحد أعضاء البرلمان وهو من أعضاء الحزب الحاكم وقد أزعجه كلام سفيرنا فى الخرطوم كما جاء فى «المصرى اليوم» وطالب بتشكيل لجنة تقصى الحقائق بعد أن اتهم الحكومة بالتقاعس والإهمال الشديد وأنها السبب فى إهانة المصريين.

كلام النائب معناه أن الحكومة ضربتنا على «قفانا».. وهى التى أهانتنا.. وقد كان من الطبيعى أن نسمع عن هذه اللجنة، لكن كل شىء دخل الجحور!!

أما الكابتن حسن صقر رئيس جهاز الرياضة فمن الواضح أنه محدود الرؤية.. وأنه لا يتمتع لا بالخبرة.. ولا بالرؤية.. وقد كان فى إمكانه أن يلعب دوراً فى وقف الاحتكاكات والاعتداءات التى تعرضنا لها فى الخرطوم.. فقد كان يستطيع تنظيم أفواج من مشجعى الدرجة الثالثة حتى ولو على حساب رجال الأعمال أو من ميزانية جهاز الرياضة التى خصصها للمونديال.. ولأعضاء الجهاز أو لضيوفهم.. لكن نعمل إيه فالكابتن حسن يهمه مشجعو المقصورة والدرجة الأولى..

أما الغلبان الذى كان يستقطع من قوته لشراء تذكرة للاستاد فى القاهرة لا يستطيع أن يشترى تذكرة طائرة للسفر إلى الخرطوم.. ولو كنا قد أرسلنا مشجعى الدرجة الثالثة لكانت الأمور اختلفت تماماً.. فالمواجهة سوف تصبح متكافئة.. والأقوى هنا هو أولادنا لأن المصرى عمره ما كان «خرع».. على الأقل بوجود هذه الشريحة من المشجعين لنضمن وجود العين الحمرا وساعتها لن تحدث الاحتكاكات التى رأيناها..

أنا شخصياً لا أتشكك فى وطنية الكابتن حسن صقر.. فهذه إمكاناته فى إدارة المواقف الصعبة.. فقد كان ينقصنا التنسيق، على الأقل تربيط المصريين ببعضهم فى جبهة واحدة وهذه مهمة جهاز الرياضة وليست مهمة اتحاد الكرة أو قنصليتنا فى الخرطوم.. لقد توقعنا أن نسمع أن رئيس جهاز الرياضة عقد مؤتمراً لمراسلى وكالات الأنباء والصحف العالمية يشرح أبعاد الاعتداء على المصريين عقب المباراة.. لكن لم يحدث ويبدو أنه ترك هذه المهمة لوزير الإعلام الذى كان خارج الحلبة وليس شاهد عيان للأحداث فقد تعلمنا أن الحجة على الراوى.. وكلام صقر سيكون مسموعاً عن الفقى.

من هنا سقطنا إعلامياً وفشلنا فى عرض قضيتنا على محبى كرة القدم فى أوروبا والمنطقة العربية، فأدوات الإدانة التى نمتلكها ضعيفة ولا أعرف قد تكون هناك أدوات غيرها لم تعرض حفاظاً على السير فى إجراءات التحقيق.. وبخلاف هذا أو ذاك كان لابد من التحرك إعلامياً بين الصحف والمحطات العالمية.. لكن سؤال أخير من الذى يحاسب عن هذا التقصير.. هيئة الاستعلامات أم مكاتبنا الإعلامية فى أوروبا.. هذا هو السؤال الذى تاه وسط الزحام لأن سكوت وزير الإعلام أعطى حماية لكل من أخطأ.. سواء كانت الفضائيات التى شحنت الجماهير قبل وبعد المباراة.. أو إعلامنا الذى فشل فى توضيح الرؤية.

الأيام القادمة ستكشف تفاصيل المؤامرة التى تعرضنا لها فى الخرطوم.. وستكشف معها أوجه التقصير فى أجهزتنا التى عرضت أولادنا للإهانة.. ناهيك عن أنهم نقلوهم من السودان إلى القاهرة.. فى زمن قياسى بعد تدخل الرئيس شخصياً.. موقف يحسب للرئيس مبارك وهو يتابع مع ابنيه علاء وجمال الأحداث كل دقيقة.. فقد أثبتت المواقف المعدن الأصيل لهذين الشابين ورفضهما مغادرة الخرطوم قبل رحيل اللاعبين والمشجعين.. هذه هى أخلاقيات علاء وجمال التى توجت كل المصريين.. المصريون الآن بعد هذا الحب يريدون من جمال أن يتحدث بلغة علاء ولا يتحدث بلغة السياسيين!!

http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=235342

من «الهجان»٦٧.. إلى «عفيفى» ٢٠٠٩..!

بقلم مجدى الجلاد- المصري اليوم في ٢٦/ ١١/ ٢٠٠٩
-----------------------------------------
قرأت مثلكم الحوار الخطير الذى أجرته فى الخرطوم الزميلة المتميزة رانيا بدوى مع السفير عفيفى عبدالوهاب، سفير مصر فى السودان.. أجابت رانيا على الأسئلة التى أجهدتنا وأرهقتنا وأتعبتنا طوال الأيام الماضية.. ولكنها فتحت ملفاً لا يحبه أحد فى النظام الحاكم.. ملفاً «مسكوت عنه» منذ سنوات طويلة.. سكوت سياسى لإخفاء أخطر مرض تعانيه مصر: غياب الرؤية.. ضعف التنسيق.. افتقاد المستشارين.. والسقوط فى خطأ الجزر المنعزلة فى الدولة..!

لا أعرف لماذا قفزت إلى ذهنى، وأنا أقرأ الحوار، صورة الفنان الكبير محمود عبدالعزيز فى مسلسل «رأفت الهجان».. قلت لنفسى ما أشبه الليلة بالبارحة.. مصر هى مصر.. لا شىء يتغير.. الدولة فاشلة فى إدارة الأزمات، وحين تقع الكوارث تفعل نفس الشىء: حشد الناس حول فكرة «المؤامرة»، وإقناع الشعب بأن ما حدث كان «مفاجأة»، وأن مصر ضحية.. ثم نكتشف بعد ذلك أننا لا ضحية.. ولا دخلنا مواجهة من أصله..!

تسألوننى ما الذى ذكّرك بـ«رأفت الهجان».. وما الرابط بين السفير المصرى فى السودان ومحمود عبدالعزيز؟!.. والإجابة تسكن ضمير مصر، وقلوب المصريين.. فالبطل رفعت الجمال ــ الاسم الحقيقى لرأفت الهجان ــ كان يعيش فى قلب إسرائيل عام ١٩٦٧.. قام الرجل بواجبه، وأبلغ النظام المصرى بأن تل أبيب ستهاجم مصر، وحدد الموعد باليوم والساعة.. مصر كانت نائمة، كما قلنا أمس.. استلمت معلومات «رفعت الجمال»، ودفستها تحت «المخدة»، واستأنفت النوم ليلة ٥ يونيو على هدير الطائرات الإسرائيلية وهى تقصف كل شىء فى البلد!

نفس المشهد ــ مع الفارق ــ تكرر يوم ١٨ نوفمبر ٢٠٠٩.. أى بعد ٤٢ عاماً.. السفير المصرى فى الخرطوم يرسل معلومات للسلطات بالقاهرة حول الاستعدادات الجزائرية للمعركة الدموية.. الجزائريون احتلوا الخرطوم بالمطاوى والسكاكين والسنج، فعل الرجل ما عليه ــ حسب قوله ــ وترك القرار لحكومته، ولكن حكومته اعتادت النوم منذ نصف قرن.. فأرسلت السياسيين والإعلاميين والفنانين وجمهورنا المسالم ليلقى حتفه فى السودان.. نعم.. كنا سنستقبل عشرات، وربما مئات التوابيت، لو فازت مصر بالمباراة.. وكنا سنبكى بدموع أكثر حرقة من دموعنا الحالية.. ولكنها للأسف «دموع التماسيح»، لأن الواقعة ستقيد فى ملفات الدول انتحاراً مع سبق الإصرار والترصد.. أو انتحاراً بجهل وإهمال..!

هل يصدق عقل أن فى الكون دولة لم تتغير منذ ٤٢ عاماً.. أو هى تغيرت، ولكن إلى الأسوأ؟!.. شاهدت مرة حلقة من البرنامج العبقرى «العلم والإيمان» للمفكر العبقرى د. مصطفى محمود ــ رحمه الله ــ كان النمل فيها إذا سلك طريقاً محفوفاً بالمخاطر لا يعود إليه مرة أخرى.. النمل يتعلم من تجاربه ودروسه، بينما مصر ٢٠٠٩ لا تتعلم من تجارب وأزمات لاتزال محفورة فى أنحاء جسدها!!

.. اقرأوا جيداً حوار السفير المصرى على الصفحة السابعة من هذا العدد.. لن يصعب عليكم إدراك حجم الأزمة التى نعانيها.. ففى كلام الرجل، الذى يتحلى بحرص الدبلوماسى، اتهامات خطيرة لأركان مهمة فى الحكومة والدولة.. وربما يدفعنى ذلك إلى استخدام حقى الدستورى والقانونى والبشرى فى مطالبة الرئيس مبارك شخصياً بفتح تحقيق رسمى لمن أخطأ.. ومن قصّر.. ومن أهمل.. ومن ركب الموجة.. وبدون ذلك سوف يتكرر ما حدث كل يوم.. وستفيض دموعنا أنهاراً.. وبحاراً!
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=234670

السفير عفيفي عبد الوهاب

سفير مصر في السودان يفجر مفاجآت صادمة فى حوار لـ«المصرى اليوم»:
أبلغنا القاهرة بتحركات الجزائريين وشراء الأسلحة قبل المباراة بثلاثة أيام
-------------------------------------
حوار: رانيا بدوى
-------------------------------------

بدا السفير المصرى فى الخرطوم عفيفى عبدالوهاب شديد الحزن واللوم على كل الإعلاميين ممن اتهمهم بعدم تقصى الحقائق وتهويل الأمور وتجاهله فى الرد على ما نُسب إليه طوال الأيام الماضية.. رغم أنه الجهة الأعلم بالحقائق على حد قوله والأكثر وقوفا على تفاصيلها..
ورغم أنه بدأ فى الحديث عن الترتيبات التى أجرتها السفارة قبل وبعد المباراة، وأنه لولا السفارة لما حصل أى شخص على تذكرة واحدة بعد أن أصر الجانب السودانى على دفع ثمن التذاكر مقدما، فتم الاتفاق مع البنك السودانى - المصرى على شرائها ثم إعادة بيعها للمصريين وإلا لكان حصل عليها الجزائريون..
مرورا بطباعته آلاف الأعلام بعد أن فوجئ بأن جهات كثيرة أتت بمشجعيها دون أن يحملوا أعلاما وغيرها من تفاصيل المباراة التى كانت مهمة للبعض ولكنها كانت هامشية بالنسبة للسؤال الأهم الذى كان يشغلنى طوال مسافة الطريق إليه: هل كانت السفارة المصرية مغيبة طيلة ثلاثة أيام عما قام به الجزائريون على أرض الخرطوم قبل المباراة؟
وأن لم تكن فلماذا لم تُعلم القاهرة لتتخذ احتياطاتها الأمنية؟ وبعد إصرار منه على تبرئة المسؤولين فى القاهرة اعترف بما كان مفاجأة توالت بعدها المفاجآت فى هذا الحوار الذى أجرى من داخل السفارة المصرية بالخرطوم.

■ سيادة السفير لماذا تلوم على الرأى العام والإعلام الهجوم عليك فى غياب المعلومات من قبل السفارة المصرية بالخرطوم؟

- أتفق معك فى مسألة غياب المعلومات وبالتالى غضب الرأى العام، ولكن ما لا يعرفه أحد أننى لم تتح لى أى فرصة للحديث للإعلام لتوضيح الصورة، وأعتقد أن هناك هدفاً وغرضاً ما وراء خروج كل هذا الهجوم وكأنهم أرادوا إرسال رسالة محددة للرأى العام وهى تحميل كل الأخطاء على السفارة المصرية فى الخرطوم، دون أن تحصل السفارة على أى فرصة للرد على هذا الهجوم.

■ هل تعنى أن الأمر مقصود؟

- طبعا ألف فى المائة.. وأنا شخصيا أؤكد أننى مستهدف ومن ورائى السفارة.. والدليل أنه لم تتح لى الفرصة للرد اطلاقا، وحتى المرة الوحيدة التى أتيحت لى الفرصة تحدثت لمدة دقيقة واحدة ثم قطعوا الهواء على.

■ لماذا؟

- لا أعرف، ربما ليتمكنوا من تعليق جميع الأخطاء علينا.

■ مستهدف من الإعلام الخاص أم الحكومى؟

- الإعلام الحكومى قبل الخاص.. فقد كنت أتوقع أن يتصل الإعلام الحكومى بى لتوثيق الحقائق أو الرد على الاتهامات ووضعها أمام الرأى العام بدءاً من نهاية صافرة الحكم فى مباراة القاهرة، انتهاء بآخر طائرة عائدة إلى أرض الوطن سالمة بآخر مشجعين مصريين مساء الخميس ١٩ نوفمبر، أعنى كنا سنوضح للجميع الترتيبات من المبتدى إلى المنتهى.

■ ولكن من مصلحة إعلام الحكومة أن يبرئ السفارة لأنه يفترض أن للجميع هدفاً واحداً فى الحكومة المصرية؟

- هذا سؤال يوجه للسيد أنس الفقى وزير الإعلام.

■ لماذا تولى أنس الفقى التصريحات خلال مدة الأزمة ولم تتول السفارة المصرية الأمر؟

- ربما رأوا أن تتم معالجة الأمر مركزيا، ولكننى لم أُراجع فى أى من هذه التصريحات.

■ الاتهام الأكبر لكم هو أن السفارة كانت مغيبة عن البلد طوال الأيام الثلاثة التى سبقت المباراة حتى أنكم لم تدروا بحجم الجمهور الجزائرى وانتشاره فى الخرطوم لشراء الأسلحة البيضاء وغيرها، ولم ترسل السفارة تقريرا واحدا لإعلام القاهرة بالوضع لاتخاذ الإجراءات والتدابير المطلوبة؟

- يوم ١٤ نوفمبر بادرت بالاتصال بالكابتن سمير زاهر، رئيس الاتحاد، والكابتن حمادة صدقى، للاطلاع على رغباتهما والترتيبات التى يريدانها، وصباح الأحد أرسلت نائب السفير للالتقاء برئيس الاتحاد السودانى لكرة القدم لوضع جميع الترتيبات للبعثة المصرية والترتيبات الأمنية.

■ إذن الاتهام صحيح.. اهتممتم بترتيبات المباراة ولم تهتموا باستعدادات الجزائريين؟

- الاتحاد المصرى كان على علم بهذه السكاكين.. وكذلك القنصلية المصرية فى السودان كانت على اتصال بالقاهرة وأعلمتها أولاً بأول بكل التفاصيل.. طبعا القاهرة علمت بكل الظروف.. وكذلك الجانب السودانى كان على علم تام بكل تصرفات الجزائريين فور وصولهم وشرائهم الأسلحة البيضاء من الأسواق.

■ هذه مفاجأة.. القاهرة تعلم ومع ذلك بعثت بالسياسيين والإعلاميين والفنانين وكل هذا الكم من المشجعين دون تأمين كاف؟

- القاهرة كانت تثق فى مقدرة الجانب السودانى على تأمين البعثة المصرية والجمهور والمشجعين.

■ هل كنت على ثقة بكلام السودان؟

- بالنسبة لى إلى حد ما.

■ هل أرسلت تقريراً بنوعية المشجع القادم من الجزائر؟

- القاهرة تعلم تماما نوعية المشجع القادم من الجزائر علم اليقين حتى قبل المباراة بغض النظر عن كونهم أتوا من السجون أو غيرها.

■ ولماذا لم يكن التأمين كافياً؟

- تقديرات خاصة بالأمن وليس بالسفارة نحن أعلمناهم والتصرف يرجع لهم.

■ تقصد المخابرات المصرية؟

- المخابرات المصرية والشرطة المصرية، الكل تصرف على أساس أن الجانب السودانى سيسخر كل إمكاناته لتأمين المباراة وقد أطلعنى نائب مدير عام الشرطة السودانية على الخطة وتتضمنت تفريغ مدينة أم درمان بالكامل لعدم حدوث اختناقات مرورية خاصة بالمنطقة المحيطة بالاستاد بعمق ٢ كيلو متر على الجانبين، ومسارات محددة لكل فريق ومشجعيه، إضافة إلى ١٨ ألف فرد ما بين ضابط وعسكرى انتشروا فى هذه المسارات، وبالفعل تدخلت القوات فى الوقت المناسب لفض الاشتباكات، وحتى لا نظلم الجهات السودانية فمثل هذه الأحداث تحدث فى كل الدول بين مشجعى كرة القدم.

■ بعد أن علمت القاهرة بكل شىء قبل المباراة.. هل باعت وزارة الخارجية السفارة المصرية بالخرطوم وقدمتها كبش فداء لتفادى الأزمة؟

- لا أستطيع القول بذلك، فالسيد أحمد أبوالغيط، وزير الخارجية، كان داعما لنا من البداية والدليل أنه أرسل لجنة برئاسة نائب مساعد الوزير للشؤون المالية والإدارية محمد فريد منيب وبصحبته عدد من الدبلوماسين للمساهمة فى التنظيم وتوفير الأماكن للمشجعين ووسائل انتقالهم والتأمين الخاص بالطرق والاستاد.

■ عفوا معالى السفير.. هذا دليل تضامن ما قبل الأزمة وليس دليل ما بعد الأزمة، فلم يخرج وزير الخارجية لتبرئة السفارة والتزم الصمت؟

- الوزير لم يلتزم الصمت وتحرك مع الجهات المعنية الأخرى وأطلعها على جميع الجهود التى قمنا بها، وفى نفس الوقت أنا أعلم أن وزير الخارجية فى موقف من المواقف أثناء متابعته لأحد البرامج حاول القيام بمداخلة تليفونية ولم يستطع، وأنا نفسى حاولت كثيرا ولم أستطع، فعلى ما يبدو أن من يتلقى المكالمة يعرف رقمى ولديه توجيه بعدم الرد.

■ ولكن العلاقة بين الوزيرين أبوالغيط والفقى جيدة، ولو طلب الأول الإدلاء بتصريحات لـ«البيت بيتك» لتم حجزه له خصيصا بل وستنشر تصريحاته فى الصفحة الأولى بجريدة الأهرام.. إنه وزير الخارجية وليس موظفاً صغيراً.. ما أقصده أنه برأ السفارة أمام السياسيين كما قلت ولكنكم ظللتم فى أعين الرأى العام مخطئين؟

- ربما لم ير وزير الخارجية أن هذا هو الوقت المناسب لإعلان ذلك وتبرئتنا فى ضوء هذه العاصفة حتى تتم إحاطة الرأى العام بالحقيقة كاملة.

■ متى يكون الوقت مناسباً؟

- تهرب من الإجابة قائلا: تلقيت شكراً من الوزير ومن السفير فريد منيب، رئيس اللجنة، الذى أحاط الوزير بكل ما شاهده هنا، إضافة إلى إحاطته بجميع الخطوات، وفى النهاية الشكر والثواب عند الله لأننا مسؤولون أمام الله عن أعمالنا.

■ هل حزنت لهذا الهجوم عليكم وتخلى جميع الأطراف عنكم؟

- حزنت لأن كل من هب ودب، كل من قدم مع الجمهور المصرى ومن بقى فى القاهرة أدلى بدلوه بشكل أساء إلى شخوص أعضاء السفارة وإلى شخصى دون علم بالحقيقة رغم المجهود المضنى الذى قمنا به حتى أننا جميعا لم ننم لساعة واحدة طوال أربعة أيام، وكان أفراد السفارة يبيتون هنا على مكاتبهم.

■ بشكل شخصى بعيدا عن منصبك، هل تعتقد أن اختيار السودان كان خطأ بالأساس؟

- لا.. لا أعتقد أنه كان اختيارا خاطئا.. بل كان اختياراً لأبعاد كثيرة غنية عن التعريف، أولها أن الجانب المصرى كان يدرك أن السودان هى الامتداد الجغرافى لمصر، والجمهور السودانى امتداد للجمهور المصرى، واللاعب المصرى حين يلعب على استاد المريخ فكأنه يلعب على استاد القاهرة.

■ ولكن الشعب المصرى صدم لأمرين: الأول أنه كان يدرك أن السودان هى الامتداد الطبيعى لمصر، ومع ذلك فوجئ أن أغلب الجمهور السودانى فى مدرجات الجزائريين، وأعداد قليلة جدا فى المدرجات المصرية، والثانى أنهم يعلمون جيدا أن السودان من أسوأ الدول العربية أمنيا بشهادة التقارير العربية والأجنبية، فدولة لا تستطيع أن تؤمن أفرادها فكيف لها أن تؤمن أفراد دول أخرى؟

- هذا غير حقيقى.. السودان مستقر أمنيا.

■ وماذا عن دارفور والمشاكل بين الشمال والجنوب، والاعتداءات المسلحة من حين إلى آخر من قبل الحكومة على المتمردين؟

- هذا شىء مختلف، أنا أتحدث عن الخرطوم والمدن السودانية الرئيسية البعيدة عن الصراع بين الحكومة والحركات المسلحة فى دارفور، أو حتى المناوشات بين القبائل فى الجنوب، أقولها بصراحة وبشكل موضوعى تماما: السودان بلد آمن فى كل أجزائه.. حتى فى دارفور، حوالى ٩٠ % منها الوضع الأمنى فيه مستقر الآن.. وأنا والزملاء لم نشهد أى قلاقل فى الخرطوم أو المدن الأخرى فى الوسط والشرق والشمال وحتى الغرب.. أما من ناحية الإمكانيات فهم لديهم الإمكانيات القادرة على استيعاب مثل هذه الأحداث.

■ قاطعته.. لكن هذا يناقض تصريحاتك حين قلت إن المطار لا يستوعب كل هذه الطائرات وأننا تعاملنا مع الخرطوم على أنها ستستوعب جسراً جوياً و٣٠ ألف جزائرى و٦ أو ٧ آلاف مصرى ولكنها غير قادرة على ذلك.. والآن تقول إن لديهم الإمكانيات؟

- هناك حدود معينة.. أقصد أنه رغم الإمكانيات المحدودة، إلا أنهم فعلوا كل ما فى وسعهم واستخدموا كل الإمكانات لديهم بكل كفاءة.. هناك ممر واحد صحيح فى المطار، فلك أن تتخيلى مدى الجهد الذى بذلوه لتسيير حركة الطيران مع كل هذا العدد من الطائرات.. إذا كان هناك ٤٠ رحلة من مصر ونفس العدد تقريبا من الجزائر إضافة إلى الرحلات الأخرى العادية.. كل ذلك فى نفس يوم المباراة، ويديرون ذلك بكل هذه الكفاءة.. فهذا جهد يشكرون عليه.

■ ماذا عن رد فعل الجانب السودانى وتشجيعهم للفريق الجزائرى؟

- هذا أيضا به بعض المبالغات وما قيل عن وجود مليون علم جزائرى كان مبالغة.. والإصابات كانت طفيفة ولم يكن فيها قتل وذبح كما نقل البعض وهول ولكن طبعا مجرد تخويف وترهيب المصريين أمر لا يقبل.

■ كان واضحا للغاية من خلال شاشات التلفاز كم السودانيين الموجودين فى المدرجات الجزائرية؟ آلاف مؤلفة فى المدرجات الجزائرية وسودانيون يرفعون علم الجزائر فى الشوارع.. أنا شخصيا أحب السودان جدا لكننى صدمت! فطوال أسبوع قبل المباراة، كان الإعلام المصرى يشحن المشجعين المصريين.. «متقولوش إحنا رايحين السودان قولوا جنوب الوادى». و«السودان هى بلدنا الثانى».. ثم ضربهم السودانيون فى مقتل وكان ذلك سبب الهجوم الإعلامى المصرى على السودان فى اليومين الأولين، حتى أتت التعليمات الرسمية بوقف هذا الهجوم؟

- بعض الجمهور فعلا شجع الجزائر.. وهذا يرجع إليهم ولا نملك فى هذا الأمر شىء كل شخص حر وأنت لا تملكين أن تجبرى أحدا فهذه هى مشاعرهم.

■ لكنك قلت فى البداية إن اختيارنا السودان لأسباب كثيرة منها حبهم لمصر. إذن التقدير الأول كان خطأ؟

- بعض الجمهور السودانى نعم شجع الجزائر.. لكن الغالبية العظمى كانت مع الفريق المصرى.. بدليل حتى الإعلام.. النقاد الرياضيين على صفحات الجرائد وضعوها بصراحة شديدة أنهم متحيزون للفريق المصرى.. هل تتخيلى ذلك؟ كتبوا بصراحة ومع احترامهم للإخوة الجزائريين وأننا كلنا عرب، وأنهم سيلقون كل ترحيب.. لكن هواهم مع الفريق المصرى، هذا على مستوى الإعلام.. وفى أكثر من جريدة.. على مستوى الشعبى لنا أصدقاء سودانيون كثيرون جدا.. الكل كان يشجع الفريق المصرى.. فى الاستاد ما لاحظتوه أتصور أنه ليس معبرا فعلا عن الجمهور السودانى الذى كان يؤيد ويشجع الفريق المصرى.. ولا تتخيلى مدى الحزن الذى أصاب الإخوة السودانيين أننا لم نحقق الفوز فى هذه المباراة.

■ لكنك بشكل شخصى لا سلمت من الصحف المصرية ولا السودانية.. أنا رأيت عددا من الصحف السودانية تهاجمك فى بعض النقاط؟

- لسبب واحد فقط أن هناك تصريحا دس على لسانى ولم أدل حتى بحرف واحد منه ولا يعقل أن أدلى بحرف واحد منه.

■ وما هو؟

- أننى قلت أنه جارى إرسال قوات مصرية خاصة لتأمين عودة المشجعين المصريين من السودان.. وهذا الكلام لا وجود له على وجه الإطلاق ولا يعقل.. وتشكيك فى قدرات السودان الأمنية.

■ وماذا عن تصريح المسؤولين إرسال مصر لجسر جوى لنقل المشجعين المصريين من السودان إلى القاهرة؟

- لا أعلم عنه شيئا.

■ لم ترسل مصر جسرا جويا؟

- من الذى قال هذا.. لم يحدث وهذا غير صحيح.. كيف نرسل جسرا جويا؟؟ والمقدر أن المباراة ستنتهى فى وقت معين وبعد انتهائها مباشرة الطائرات موجودة أصلا على أرض المطار، وكل من جاء إلى المطار سيقلع إلى القاهرة تباعا سواء على رحلات مصر للطيران أو الرحلات الخاصة.. فمن أتوا بالمشجعين هم من عادوا بهم ولا زيادة فى عدد الطائرات وعددها ١٩ طائرة ولم ترسل مصر جسراً جوياً.

■ هل صحيح أنك ذهبت لاصطحاب السيدين علاء وجمال مبارك إلى المطار، وبعثة المنتخب، وتركت المصريين العاديين بلا أى حماية؟

- هذا غير حقيقى على الإطلاق.. هناك فريق عمل كان موجودا فى المطار وآخر فى السفارة، وكانوا على اتصال دائم بى لأخذ رأيى فى أى مسألة تطرأ.. وفى نفس الوقت بعد سفر الوفد الرسمى، جئت إلى السفارة، وفى طريقى لذلك، قمت بجولة سريعة فى المطار للاطمئنان على الجمهور المصرى، وإلى الأماكن التى قيل إن بها بعض المشجعين المصريين المحاصرين.. كما أرسلت زميلا من السفارة لتفقد من قيل أنهم محاصرون فى مكتب طارق نور، فلم يجد أحدا إذ كانوا قد غادروا بصحبة قوة أمنية إلى المطار.. ثم جئت إلى السفارة،

وتلقيت عدة اتصالات من السيد أحمد عز والسيد رائد الببلاوى الذى أشرف على مشجعى الحزب الوطنى، والوزير زهير جرانه، بخصوص مجموعتين من مشجعى الحزب كانوا موجودين فى قاعتى الخليل والحضرى فى أم درمان والخرطوم، وقمت باتصالاتى مع وزير الشباب والرياضة السودانى الذى كان فى مكتبه فى الثالثة صباحا، وعمل اتصالاته بالجهات الأمنية، وبعد ربع ساعة جاءت القوة الأمنية واصطحبتهم بالسلامة إلى المطار.

كذلك فى السادسة والنصف صباحا، وارجعوا إلى كل من إسلام فرحات وأفكار الخرادلى فى الأهرام وسحر رمضان فى الوفد.. تلقيت اتصالا منهم فى ٦.٣٠ صباح الخميس.. .أقول هذا لأثبت أننا لم نكن بعيدين أو نمنا أو غير ذلك.. أنا لم أخلد إلى الراحة.

المهم.. اتصلوا بى وقالوا إننا فى الطائرة منذ عدة ساعات ولم نقلع بعد، فانقذنا.. فاتصلت بمدير مكتب مصر للطيران وزميل من السفارة كان متواجد هناك، لبحث الأمر مع السلطات السودانية، إما بالسماح بإقلاع الطائرة، أو السماح لهم بالنزول منها حتى تقلع، وبالفعل، أقلعت الطائرة بعد ربع ساعة.. وحسب ما قالوا لى كان معهم ٣٠٠ راكب.. فالحمدلله «بتدخلى الأمور مشيت».

وعدت للسفارة لمتابعة باقى الموقف مع مجموعة العمل التى كانت فى المطار حتى اطمأننت تماما حوالى الساعة ١١ صباحا أن غالبية الجمهور المصرى قد غادر إلى أرض الوطن.. حيث كان هناك حوالى ١٦ طائرة أقلعت.. و طائرتان أخريان يجرى إعدادهما لنقل ما تبقى من الجمهور، وأنا كلفت مدير مصر للطيران بألا تقلع أى طائرة منهما إلا بعد أن تستكمل بالمشجعين المصريين.

■ السؤال الأخير.. ما هو موقف السفارة بعد انتهاء الأزمة.. هل هناك أى مواقف رسمية اتخذتموها؟

- بمعنى؟

■ تم الاعتداء على محال مصرية فى السودان مثلا؟ فماذا فعلتم؟

- كنا نتابع مع جهات التحقيق.

■ هل هناك أى محاضر رسمية أجريت بشأن الاعتداء على المحال؟

- للأسف الشديد حتى الإخوة المصريين تنازلوا عنها.. رغم أننى شددت عليهم على عدم التنازل عن أى محاضر.. فقد تم الاعتداء على مطعم «جاد»، الذى يملكه شريكان، مصرى وسودانى، وعلمت أنه بعد عمل المحضر وإجراء الجانب السودانى لتحقيقاته تم حبس ١٢ جزائرياً، لكننى فوجئت بعد ذلك بأنه يتم إجراء تنازل وتسامح، ورغم أنى رفضت أن يتم هذا الأمر، فوجئت بأن المصريين تنازلوا وتم التغاضى عما حدث، وتم تسفير الجزائريين.. كنت أتمنى أن يأخذ القانون مجراه.. لكن يبدو أن المصريين «آثروا السلامة».. وهذا ما أحزننى.

■ والبقية؟

- البقية الأخرى تقريبا كانت على نفس المنوال.

■ ألم تتقدم السفارة بعمل محضر رسمى بما شاهدته من تدمير ٦ أتوبيسات وما حدث من اعتداءات جزائرية على المصريين؟ ألم تجرِ السفارة محضرا رسميا موثقا يمكن الاستفادة منه لاحقا فى القاهرة؟ أو اتخاذ موقف سياسى بناء عليه؟

- هذا كان متروكاً للجهات السودانية المعنية.

■ لكنك رئيس جمهورية مصر فى السودان؟

- لكن لم تكن تحت أيدينا وقائع محددة على سبيل التحديد.

■ وماذا عما نقلته الصحف والتليفزيونات؟

- الأمن السودانى يتولى هذا الأمر.

■ سعادة السفير حينما ضرب أتوبيس اللاعبين الجزائريين فى القاهرة عملوا محضراً وأثبتوا الواقعة.. لم يقل أحد أنه متروك للجانب المصرى؟

- نحن أيضا عملنا محضراً حينما تم الاعتداء على أتوبيس المنتخب أثناء عودته من التدريب الأول، وأنا أصررت على ذلك، وكنت متواجدا فى موقع الأحداث، وأصررت أن يأتى مندوبين من الفيفا مع المقدم السودانى الذى كان يقود فريق الأمن المرافق للبعثة.

■ لكن لا يوجد أى محاضر أخرى خاصة بالاعتداء على الجمهور؟ لا توجد عندنا أى وثائق تثبت الاعتداء علينا؟

- «لا طبعا فيه»، ونحن نسعى للحصول على هذه المحاضر، وأنا تحدثت أمس مع وزير العدل السودانى، وأعربت عن رغبتنا فى الحصول على كل هذه المحاضر.

■ لكن لماذا لم تتقدم باسم السفارة بأى محضر رسمى عن كل المصريين الذين تم الاعتداء عليهم؟ أنت المسؤول عن جميع المصريين فى السودان وولى أمرهم؟

- نعم أنا المسؤول، لكن الجانب السودانى مضطلع بكل هذه الأمور، والجهات الأمنية السودانية أثبتت كل هذه الاعتداءات، لقياداتها، بعد حصر التلفيات، حتى قيام الجمهور الجزائرى بتحطيم صالة الحج والعمرة التى كانت مخصصة لهم.

■ وهل الجهات السودانية المعنية أعطتك نسخة من هذه المحاضر كى ترسلها للقيادة السياسية المصرية؟

- نحن بصدد الحصول على هذه المستندات.

■ متى؟

- طلبت أن نحصل عليها اليوم إن أمكن.. وتمت كتابة خطاب رسمى من السفارة للمدعى العام السودانى.

■ ولو رفضوا؟

- سيكون هناك موقف.. هذا من حقنا.. ولن نسكت.


----------------------------------
نشر في المصري اليوم بتاريخ 26-11-2009

http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=234668
----------------------------------

الأنبا بسنتى

أسقف حلوان والمعصرة يكشف لـ «المصرى اليوم»:
مفيد شهاب وعدنى بأن تكون الانتخابات المقبلة بنظام القائمة..
وأن يحصل الأقباط على ٢٠٪ من مقاعد البرلمان
---------------------------------------
حوار رانيا بدوى ١١/ ١١/ ٢٠٠٩
--------------------------------------

تصاعدت حدة التوتر بين المسلمين والمسيحيين فى الشارع المصرى، اعترفنا أم لم نعترف.. لكن المياه لم تعد، كما كانت، إلى مجاريها من قبل، فهناك غضب وتحفز واستنفار، البعض أرجعه إلى أن الحالة الاقتصادية التى يعيشها المصريون، جعلت الجميع فى حالة رفض للآخر، وآخرون قالوا إن السبب هو «تمييز الحكومة واستمراؤها لحقوق المسيحيين بعدم قبولهم فى المؤسسات والأجهزة الأمنية المهمة فى الدولة وكأنها تخونهم وهم شركاء الوطن فى الحلو والمر»..

وآخرون يؤكدون أن موجة التطرف التى اجتاحت الكنيسة والأزهر هى السبب.. ولكن ظهور عشرات المدونات المسيحية التى تقول إن مصر ليست عربية وأصل المصريين مسيحيون وأن الإسلام دخلها غازيا آسرا للرجال، سابيا للنساء، وناهبا للغنائم..

وفى المقابل متطرفون مسلمون يكفرون المسيحيين على شبكات الإنترنت ليل نهار، كان الدافع لقيام «المصرى اليوم» بالتحاور مع أحد أبناء ورموز الكنيسة، وهو الأنبا بسنتى، أسقف حلوان والمعصرة والتبين و١٥ مايو، الذى كشف عن أن د. مفيد شهاب وعده أن يحصل الأقباط على ٢٠٪ من مقاعد البرلمان فى الانتخابات المقبلة التى ستكون بنظام القائمة.

■ البعض يؤكد تصاعد التوتر فى الشارع المصرى بين المسلمين والمسيحيين.. فما الذى جد فى الأمر؟

- المشكلة أن هناك من المسلمين من يربط بين مسيحيى الشرق والغرب. فأيام الحروب الصليبية، وأنا أحب أن أسميها حروب الفرنجة، عندما أغاروا على مصر والشرق الأوسط، كان موقف مسيحيى مصر الانضمام إلى صفوف الجيش المصرى مع المسلمين فى وجه العدو الغربى، وقد قدم صلاح الدين الأيوبى للمسيحيين ديراً سمته الكنيسة دير السلطان، لأنه كان هدية من صلاح الدين الأيوبى بعد انتصاره على العدو الغربى الذى رفع الصليب رمز الحب، وجعله رمزاً للحرب.

■ أنت تتحدث عن الماضى.. وأنا أسألك ما الذى تغير الآن فى العلاقة؟

- أنا أحدثك عن الماضى لأربط بينه وبين الحاضر، فالبعض مازال يربط بيننا وبين بعض الحركات الاستعمارية التى تنال من الشرق الأوسط.

■ماذا تقصد؟

- أليست حرب أمريكا على العراق حرباً استعمارية، وما يفعله الاسرائيليون فى فلسطين استعماراً.

■ لكن لا أعتقد أن مسلمى مصر يربطون هذا الربط، فهم يعرفون أن الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل أعداء لمسيحيى مصر كما هما أعداء للمسلمين؟

- الحب هو الذى يجمعنا بالمسلمين فأنا أصدقائى المسلمين منذ أن كنت طفلاً لم يتغيروا، وها أنا فى الثامنة والستين من العمر وصداقتنا لم تتغير، كما أن أى مشاكل تواجه المنطقة التى أنا مسؤول عنها يتم حلها بمشاركة المسلمين والمسيحيين.. ولا تنسى أننا أصبحنا ننتظر بفارغ الصبر والحب قدوم شهر رمضان لدعوة شيخ الأزهر وبعض الرموز الإسلامية لهذا اليوم الجميل الذى يجمعنا.

■ وبماذا إذن تفسر أحداث الكشح والإسكندرية وأحداث المنيا وقنا وغيرها؟

- المشكلة الحقيقية فى كل هذه الأحداث، تعود إلى سبب واحد وهو أزمة بناء الكنائس فى مصر، والتى كانت سببا فى أن يشعر المسيحى بأنه مطلوب منه كل واجبات المسلم وليس له كل حقوقه.. فأى جامع يبنى بسهولة لكن أى كنيسة فى حاجة إلى تصاريح كثيرة وصبر لسنوات طويلة وإن تم إعطاء التصاريح يتعطل البناء لأسباب أخرى.

■ ولكن بعض المسؤولين يقولون إن الكنائس فى مصر عددها يكفى كنسبة وتناسب مع عدد المسيحيين؟

- عدد المسيحيين ليس قليلاً، وأنا لدى مرجعان فى هذا الأمر، مرجع مصرى وآخر أجنبى، الأول هو سيد مرعى رئيس مجلس الشعب فى السبعينيات، وكنا وقتها فى أستراليا وقال له أحد زملائنا إن عدد المسيحيين فى مصر١٢ مليوناً فى عام ٧٧ فقال له سيد مرعى لا، أنتم فقط ٦ ملايين، فى نفس العام كان البابا شنودة فى الولايات المتحدة يقابل الرئيس جيمى كارتر الذى قال لقداسة البابا أنا أعلم أنك رئيس دينى لـ ٧ ملايين قبطى يعيشون فى مصر، وما أقصده هنا أنه حتى لو كان العدد ٦ أو ٧ ملايين فبالمتوسط الحسابى نكون ٦.٥ من حوالى ٤٠ مليون مصرى آنذاك عام ٧٧، الآن وقد تضاعف عدد المصريين ووصل إلى ٨٠ مليوناً، فهل يمكن القول إن المسيحيين مازالوا على عددهم أم أن المسيحيين لا يتكاثرون؟!

هذا يعنى أننى يفترض أن أكون الآن ١٣ مليوناً بل وربما ليس أقل من ١٥ مليوناً، وليس أقل من ١٠ ملايين كما يدعون، وقد أعجبنى الدكتور مصطفى الفقى عندما قال لو افترضنا أنهم حتى ١٠ ملايين أو ١٠ % من عدد السكان فهذا يعنى أنه أمام كل ١٠٠ جامع يجب أن تبنى ١٠ كنائس، على أن توجد مجموعة من القواعد توضع أثناء البناء، حتى لو ترك الأمر مفتوحا، لا المسلم لديه مال يبنى جوامع أكثر من احتياجه ولا المسيحى كذلك.

■ وهل عدد الكنائس الحالى غير كاف؟

- طبعا غير كاف على الإطلاق، فحينما ننظر إلى أى يوم جمعة سنجد الناس على بعضها مثل النمل فى الكنائس.. وأضطر أحيانا لأن أصلى ثلاثة قداسات فى اليوم الواحد فى أوقات مختلفة لاستيعاب جميع الأعداد.

■ هل تعتقد أن الخلاف بين الكنيسة والجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء حول عدد المسيحيين يجعلنا نقول إن عدد المسيحيين الحقيقى أصبح أمناً قومياً؟

- أعتقد أن الأمن القومى فى مصر يترسخ بالاستقرار والوضوح والشفافية وليس بإخفاء الرقم الحقيقى.. وحتى يتحقق الاستقرار وتهدأ المناوشات كل ما نطالب به هو قانون موحد لبناء دور العبادة.

■ ولماذا يتم تعطيل مناقشة هذا القانون؟

- لا أعرف فهو الآن فى مكاتب المسؤولين ولم يعرض للمناقشة.

■ هل طلب من الكنيسة تعديل لأى بند فى القانون لتمريره؟

- لا.

■ هل الاعتراض على مبدأ القانون نفسه؟

- نعم.

■ هل وضعت فى القانون النسب التى تريد على أساسها بناء الكنائس؟

- لا.. ولا أستطيع الحديث عن نسب لأنها متغيرة ومتفاوتة من مكان إلى آخر، ثم من الممكن تحديد نسبة فى مكان معين ثم يزيد عدد السكان فيه.

■ ترك المسألة أيضا هكذا بشكل مفتوح قد يقلق الطرف الآخر.. فإذا تمت الموافقة على تمرير القانون من الممكن أن تبنى ١٠ كنائس فى شارع واحد؟

- لا فلن نبنى أكثر من الاحتياج.

■ ومن يحدد هذا الاحتياج؟

- المسؤولون من رجال الدين.

■ على أى حال ترك المسألة هكذا مفتوحة ربما يثير تشكك الآخر.. كما أنه يعنى ضمنيا رغبة فى التساوى فى أعداد الكنائس وليس فقط فى تصاريح البناء؟

- لم نطمع أبداً فى أن نبنى كنائس بعدد الجوامع تماما، كما لا نستطيع أن نقول إن رئيس الجمهورية مسيحى فى مصر فلو وصلنا فقط إلى واحد على عشرة من عدد الجوامع سنقول رضا والحمد لله.

ثم صدقينى الشروط والقيود كلها توضع فى جانب واحد، وأحكى لك قصة دكتور مسيحى أخذ تصريحاً ببناء عيادة وهو فى الواقع كان يبنى كنيسة ورغم أنه تم بناؤها وتشغيلها للمسيحيين فى المنطقة علم الأمن وأصر على إزالتها وكان من الممكن أن يعديها ويتجاوز عن الأمر.

■ ربما أتفهم رغبتك فى تسهيل تصاريح بناء الكنائس على أنه حق من حقوقك.. ولكن أن تتعدى القانون فهذا غير مقبول وإلا فكل مسلم على الطرف الآخر سيبنى جامعاً بمزاجه؟

- هم يبنون فعلا بمزاجهم والأمن يتغاضى عن مخالفاتهم.. ألست تريدين الحديث بصراحة، وإن عرقل الأمن بناء الجامع يبنون زوايا أسفل منازلهم.

■ لماذا يلجأ البابا إلى الاعتكاف فى كل مرة تطل فيها الفتنة الطائفية برأسها فى البلد وكأنه يعطى تصريحاً ضمنياً للمسيحيين بالاستمرار؟

- قداسة البابا يكون قد بذل أقصى ما فى وسعه لحل الأزمة فيلجأ إلى الله ليطلب منه الحل، خاصة أن الأمور تكون قد اشتعلت إضافة إلى الهجوم الإعلامى فيذهب للهدوء والتدبر وإعمال العقل.

■ فى كل مرة؟

- لا البابا لم يعتكف سوى ثلاث أو أربع مرات فقط.

■ إذا كانت أحداث الفتنة الكبيرة خلال السنوات القليلة الماضية حوالى ٧ مرات اعتكف فيها البابا أكثر من النصف فهى نسبة كبيرة بكل تأكيد؟

- «يكون الراجل وقتها بذل أقصى ما فى وسعه وعمله، فليس أمامه إلا أن يقول يا رب»، وغير المستطاع عند الناس مستطاع عند الله.

■ هل تعتقد لو أن الفتنة بدأت من الجانب المسلم.. من الممكن قبول أن يدخل المشايخ ورموز الدين إلى المساجد يصلون لله لكى يطفئ النار بإرادته.. ويتركون المسلمين يحرقون المسيحيين بالكنائس.. هل تعتقد أن هذه هى الطريقة المثلى لحل مثل هذه الأزمات؟

- لا رهبانية فى الإسلام.

■ الصلاة والدعوة إلى الله موجودة فى الدين الإسلامى والمسيحى بغض النظر عن الطقوس؟

- الاعتكاف لدينا حسب مبدأ الرهبانية مختلف إلى حد ما لأننا عندما نعجز عن الكلام نقول لله فلتتكلم أنت.

■ البابا يستخدم الحل الدينى وقتما يشاء والحل السياسى وقتما يشاء وأنت تعلم أن تأثير البابا على شعب الكنيسة يفوق ضعف تأثير رموز الأزهر على المسلمين فلو خرج إليهم وقال لا سيتوقف الجميع فلماذا يهرب وكأنه يعطى إشارة بالاستمرار؟

- أولا أنا أعترض على أن السياسة دخلت إلى الكنيسة.. فالبابا ليس لديه أى منصب سياسى.

وثانيا مبدأ أن تقول للباكى لا تبك فالأولى أن تقول للضارب لا تضرب.

■ من يضرب من ومن يبكى ممن؟

- الأمور واضحة ولا يعقل أن أكون أنا عشرة فى وسط مائة، وأنا الذى سأشاغب فيهم، لذا على المسلمين أن يراعوا أننا إخوانهم فى الوطن وحملناه معهم فى السراء والضراء فى الحلو والمر. على مدى ١٤ قرناً.

■ هل تعتقد أن أحداث الشغب فى كل مرة تأتى من المسلمين؟

- احسبيها انتِ وراجعى الأحداث.

■ ألا تعتقد أنه يوجد أى خطأ تتحمله الكنيسة؟

- لا لا يوجد.

■ هل مجالس الصلح بين المسلمين والمسيحيين أصبحت ضحكاً على الذقون؟

- لو قامت على أساس سليم وصدق تكون مفيدة للغاية وهى عادة ريفية موروثة، ولكن إذا لم تقم على الصراحة فلا قيمة لها.

■ ماذا فعلت الكنيسة تجاه القسيسين والرهبان المتعصبين ضد الإسلام أمثال زكريا بطرس والقس فلوباتير والأب يوتا والأنبا توماس الذين يهاجمون الإسلام وسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام؟

- موقف الكنيسة واضح ونحن نرفض الإساءة لأى دين آخر. القس زكريا بطرس خارج الإدارة الكنسية لأنه متقاعد من عمله الدينى والقس فلوباتير تم إيقافه أكثر من شهر.

■ والأب يوتا؟

- سمعت عنه ولكننى لا أعرف من هو ولم أهتم بهويته لأنه اسم رمزى فلا يوجد أب اسمه يوتا فى الكنيسة.

■ والأنبا توماس؟

- من يراجع كلام الأنبا توماس يجده لم يخطئ، فهو قال إن أقباط مصر ليسوا من أصل عربى إنما من أصل فرعونى وهو كلام حقيقى لا غبار عليه لأنها الحقيقة والتاريخ، فنحن مصريون أقباط، أنا مسيحى قبطى بل وأنتِ مسلمة قبطية، نحن أقباط فراعنة تثقفنا بالعربية.

■ وهل تتفق معه فى أن الأصل فى مصر هم المسيحيون؟

- هذه حقيقة، وسيادة الرئيس مبارك قالها من قبل.. كما أن محافظ بورسعيد قال فى إحدى الندوات إن من يبحث فى شجرة عائلتى ربما يجد الجد السابع لى مسيحياً.

■ وهل أتى المسلمون إلى مصر كغزاة كما يروج بعض المسيحيين؟

- إذا كنتِ تريدين معرفة الطريقة التى دخلوا بها مصر فعليك بقراءة كتاب عقبة بن نافع كما قلت لك.

■ وكيف دخل الإسلام مصر من وجهة نظرك؟

- الطريقة التى دخل بها الإسلام مصر هى نفس الطريقة التى دخل بها إلى غرب أفريقيا وبلاد الشام وغيرها من الدول وهى مكتوبة فى كتب التاريخ الإسلامى نفسه، فمثلا أنا قرأت كتاب عقبة بن نافع الذى يدرس فى المدارس للطلبة فى أولى إعدادى وأتمنى أن تتم مراجعته جيدا لأنه يسىء إلى الدين الإسلامى ويصوره على أنه دين حرب ودين غزو ودين يقتل الرجال ويسبى النساء،

كما أنه صدر عن سلسلة القراءة للجميع تحت إشراف السيدة سوزان مبارك كتاب لمحمد سعيد العريان عن صلاح الدين الأيوبى وقال فيه طريقة دخول الإسلام لأى قطر تتم كالآتى نذهب إليهم بجيش ونعرض عليهم الإسلام فإن دخلوا فيه صاروا منا وصرنا منهم وإن لم يدخلوا نجاهدهم ومن يرد أن يبقى على دينه يدفع الجزية، والكتاب عندى لمن يريد التأكد وطبع مؤخرا وليس كتاباً قديماً يؤكد نفس هذا المعنى.. وأتمنى أن يعاد كتابة التاريخ الإسلامى بحسب روح العصر الذى يدعو إلى المحبة والأخوة واحترام الأديان.

■ المهم هل تسىء الكتب إلى الدين المسيحى؟

- لا لم يتم ذكر الدين نفسه وإنما مثلا قال كتاب عقبة بن نافع عن الملك البيزنطى الذى يدين بالمسيحية وأتى للغزو إنه كافر، ورغم أن مسيحيى مصر يعتبرونه غازيا فعلا، بل وأتى لقتل البطريرك المصرى، فإنه يجب ألا أقول عليه كافراً إنما يمكن وصفه بالوحشية واللاإنسانية.. فكان يصعب على الإمبراطورية الرومانية وهى الإمبراطورية الضخمة أن تكون مصر المستعمرة منبراً وقيادة للفكر المسيحى فى العالم.. كما هو الآن أن يخرج من مصر قيادة الفكر الإسلامى فى حين أن السعودية هى مهد الإسلام.

■ لماذا الشعور الآن بأن الكنيسة أصبحت دولة داخل الدولة؟

- قولى لى مَنْ وزير الخارجية فى الكنيسة؟ أو مَنْ هو وزير المالية؟ مش بتقولى دولة بقى، يعنى فيها وزراء.

■ نيافتك تعلم ما أقصد.. الكنيسة على سبيل المثال رفضت مؤخرا تنفيذ حكم قضائى صادر عن المحكمة الإدارية العليا بإعطاء تصاريح الزواج.. وكأنها تؤكد أنها يجب أن تسيِّر أمور شعبها بعيدا عن القانون الذى يحكم البلد؟

- أنا فى النهاية مرجعى الإنجيل ولا يمكن أن أخالفه لصالح حكم قضائى.

■ وما مرجع باقى الطوائف المسيحية مثل الإنجيلية والكاثوليك؟

- الإنجيل أيضا.

■ ولماذا الطوائف الأخرى تعطى تصاريح الزواج بينما ترفض الكنيسة الأم إذا كان المرجع واحداً؟

- الطوائف الأخرى تريد توسيع الأمور بعض الشىء.

■ ولكن هناك معاناة شديدة داخل الأسر المسيحية؟

- دعينى أسألك ما رأيك فى الثلاثة ملايين طفل الموجودين فى الشارع.. أليسوا هؤلاء نواتج طلاق، وارمى على الشارع، فتشدد الكنيسة يأتى من باب الحفاظ على الدين والعائلة، فنحن نحاول أن نمنع تدفق المزيد من الأطفال إلى الشارع.. ولو أن الكنيسة ترفض تنفيذ حكم قضائى لتمسكها بدينها فسأقول لها برافو، ويجب أن يحيينا الجميع لأننا نتمسك بديننا إلى هذا الحد.

■ البعض رأى أن التأييد العلنى للبابا شنودة لترشح جمال مبارك لرئاسة الجمهورية حالة من توجيه أصوات المسيحيين لتأييد نفس الشخص.. فى حين أن البابا مسؤول دينياً عن الأقباط وليس عن اتجاهاتهم السياسية؟

ــ البابا عندما أعلن تأييده لترشيح جمال مبارك كان يعرب عن رغبته الخاصة ورؤيته وقناعته هو، ولم يلزم الأقباط بتبنى الموقف نفسه.

■ ولكن البابا يتمتع بذكاء شديد ربما لم يطلب من أحد تأييد جمال مبارك ولكنه يعرف أن له حباً وتقديراً فى قلوب الأقباط، مما يجعلهم يختارون من يختاره هو؟

ــ هذا شىء عظيم أن يكون البابا محبوباً، وكما تقولين من سيختار جمال مبارك لن يختاره عن إكراه وإنما لقناعته وثقته فى حسن اختيار البابا.

■ إذن هو قصد هذا الأمر؟

ــ ليس قصداً ولكننا نثق فى رأى البابا، وأنا نفسى سأعطى صوتى لجمال مبارك.

■ ولماذا يؤيد البابا جمال مبارك فربما يأتى شخص أفضل منه؟ أعنى لماذا لم يعط نفسه فرصة لمعرفة باقى المرشحين لاختيار أفضلهم؟

ــ المثل الشعبى يقول: «اللى نعرفه أحسن من اللى مانعرفوش».. ثم إن جمال مبارك هو ابن الرئيس مبارك الذى عشنا فى ظل حكمه فى سلام، وهو غير راض عن أعمال التطرف التى تشوب العلاقة بين المسلمين والمسيحيين من حين إلى آخر، كما أنه ابن الرئيس الذى يرفض أن تتحول مصر إلى دولة دينية.. نعم هى دولة متدينة والشريعة الإسلامية فى الدستور هى مصدر التشريع الأساسى، ولكنها ليست المصدر الوحيد، وأعتقد أن جمال مبارك سيسير على النهج نفسه.

■ لماذا فى رأيك ترفض الحكومة تحديد كوتة للأقباط؟

ــ على حسب الحوار الذى دار مؤخراً بينى وبين أحد المسؤولين الكبار فى البلد بهذا الشأن، قال لى إن الكوتة ليست فى صالحكم أنتم لستم عاجزين عن النجاح فى البرلمان ولستم أغراباً.. ولكنه وعد بنظام انتخابى بديل، وهو نظام القوائم، على أن يوضع فى مقدمة القوائم الأقباط، كما وعد بألا تقل نسبة تمثيلهم فى البرلمان عن ١٥ إلى ٢٠٪ من مقاعد البرلمان، أما إذا ترك الانتخاب بالنظام الفردى فلن يأتى الأقباط.

■ من هذا المسؤول وما مدى صلاحياته للتصريح بذلك؟

ــ أجاب، بعد تردد شديد، الدكتور مفيد شهاب.

■ وهل كانت هذه هى الصفقة أن تؤيدوا جمال مبارك فى مقابل ٢٠٪ من مقاعد البرلمان؟

ــ لا.. وفى النهاية الأقباط لن يغيروا القرارات داخل البرلمان، بل سيكونوا قلباً وقالباً مع رأى الأغلبية، ولكن هذه النسبة ستعبر عن سمو مصر.

■ وهل يوجد أى اتفاقات أخرى مع باقى الأحزاب؟

ــ لا يوجد اتفاقات ولكن منير فخرى عبدالنور، سكرتير حزب الوفد، يدعم ترشح الأقباط.

■ لماذا رفض البابا تغيير لائحة انتخاب البطريرك رغم كل الجدل المثار حولها؟

ــ من يريدون تغيير اللائحة لهم أغراض شخصية ويريدون تغييرها على أن تكون مفصلة بالمقاس على شخص بعينه وليس لأغراض جيدة، وقد فطن البابا لهذا الأمر فقرر أن يبقى الوضع على ما هو عليه إلى أن توافيه المنية والعمر الطويل له، وأن يأتى البابا الجديد عن طريق القرعة الهيكلية واختيار واحد من بين الثلاثة الأعلى فى الأصوات، وهى الطريقة نفسها التى جاء بها البابا كيرلس السادس والبابا شنودة الثالث.

■ أياً كانت الخلافات الداخليه بين الأقباط والنظام السياسى فى مصر.. هل يبرر ذلك الاستقواء بالخارج لنيل الحقوق فى الداخل؟

- أنا ضد أى استقواء بالخارج، وأرفض هذه الطريقة، وحينما كنت أعيش فى كندا ثم أستراليا ولمدة ٤ سنوات كلما حدث شىء نذهب ونقف أمام سفارتنا المصرية بالخارج.

■ ألا تعرف أنه يوجد صندوق للشكاوى خاص باضطهاد الأقباط فى مصر فى السفارة الأمريكية؟!

- لا أعرف ولا أريد أن أعرف وغير مهتم بالأمر، وأقول لكل مسيحى مصرى خارج مصر لن يحل مشاكل المسيحيين إلا حكومة مصر ورئيس مصر.

■ كيف تقرأ النقد اللاذع للسياسة المصرية الداخلية من قبل أقباط المهجر؟

- يجب التفريق بين الجماهير الغفيرة لأقباط المهجر وعدد من الأصوات العالية فى الخارج، فهم لا يعبرون عن جميع أقباط المهجر.

■ ما علاقة الكنيسة بعدلى أبادير؟

- عدلى ليست له علاقة بالكنيسة وهو يتحدث كمواطن مصرى مر بظروف معينة قبل السفر هى التى تدفعه للتصرف بهذه الطريقة ولا توجد للكنيسة سيطرة عليه وكلما تحدثنا معه لا يستمع إلينا ولا أحد يستطيع مراجعته فيما يقول.

■ هل تتلق الكنيسة دعماً مادياً من أقباط المهجر؟

- أولا أود أن أراجع هذه الجملة فنحن لا نتلقى دعماً مادياً من أحد، إنما نأخذ أموالاً من أبناء مصر الذين يعيشون فى الخارج ممن يريدون أن يساهموا فى حل أزمات إخوانهم هنا وتحسين فرص معيشتهم، أو لإنفاقها على اليتامى، فأشقاء فى الخارج يعطون أشقاء بالداخل.

■ ألم تتلقى الكنيسة أموالاً من منظمات أمريكية بل ويقال من منظمات صهيونية أيضا؟

- هذا كلام عار من الصحة تماما.

■ ومن أين ينفق شعب الكنيسة إذن؟

- ينفق مما يسمى «العشور» وهى نسبة عشرة فى المائة تدفع من الدخل ليرضى الله ويبارك فى مال هذا الشخص.

■ وهل هذا كاف لبناء الكنائس ودفع الرواتب والإنفاق على الأديرة؟

- كاف جدا والشعب القبطى كريم جدا.. ولا تنسى أن هناك أديرة تشيل نفسها بنفسها تماما من خلال مزروعات وتصنيع بعض المستلزمات.

■ سؤال أخير: من القادم بعد البابا شنودة؟

- لم أدع ذهنى لحظة يفكر فى هذا الأمر.

هيلدا أرليانو

مديرة المعونة الأمريكية فى أول حوار
لدينا مشاريع ضخمة ومتعددة لدعم الديمقراطية والإصلاح السياسى فى مصر
---------------------------------------
حوار رانيـا بـدوى ٥/ ١١/ ٢٠٠٩
---------------------------------------

الآن فقط يمكننا الحديث عن تحرر أعناقنا من المعونة الأمريكية.. ليس بالطبع لأن مصر طلبت
قطعها، ولكن لأن الولايات المتحدة خفضتها للحد الذى يمكن معه الاستغناء عنها تماما.

وهذا بالطبع ليس تكهناً صحفيا إنما معلومات مؤكدة أدلت بها هيلدا أرليانو مديرة المعونة الأمريكية أو ما يسمى «الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية»، وهى المسؤولة عن توزيع المعونة بين المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص والإشراف على إنفاقها فى مصر.

وفى أول حوار صحفى لها كشفت أرليانو عن أسباب خفض المعونات الأمريكية لمصر الحليف الاستراتيجى لها. ففى خلال الثلاثين عاماً الماضية ساهمت الحكومة الأمريكية بأكثر من ٢٨ مليار دولار فى شكل مساعدات اقتصادية بما فيها ٢ مليار دولار منذ عام ٢٠٠٤، هذا بخلاف المعونة العسكرية.

ورغم عدم إنكارنا للجهود والمبالغ التى دفعتها المعونة الأمريكية فى مصر فى تطوير البنية الأساسية والتعليم والصحة والزراعة، والتى وصلت إلى حد أن بعض المسؤولين المصريين كانوا ينسبونها لأنفسهم ولجهود الحكومة فى حين أنها ممولة من المعونة الأمريكية، إلا أنه مازال هناك سؤال فى حاجة إلى إجابة: ما هو المقابل الذى تحصل عليه أمريكا؟

■ هناك قناعة لدى المصريين بأن حجم وطريقة دفع المعونات الأمريكية تتوقف كثيرا على حالة العلاقة السياسية المصرية الأمريكية.. ما صحة ذلك؟

- حجم المعونة الأمريكية تحدده أمور كثيرة منها الحالة الاقتصادية لمصر واحتياجها الفعلى لها، إلى جانب قائمة أولويات الولايات المتحدة الأمريكية فى دفع هذه المعونات والتى تتحدد وفقا للدول الأكثر احتياجا.

■ على أى أساس يتقرر إعطاء هذا المحافظ ٥ ملايين جنيه وتلك الوزارة ٢٠ مليونا، ولماذا شبكة صرف صحى هنا أو بناء مدرسة هناك؟

- الأمر كله يتوقف على طلبات الحكومة ونوعية المشروعات المقدمة لنا، فهناك مشروعات تطلبها الحكومة فنقوم بدراستها ثم تمويلها وهناك مشروعات تقدم من القطاع الخاص والمجتمع المدنى لا نقبل منها إلا تلك التى ينطبق عليها الشروط التى سبق أن وضعناها، وهناك قوانين خاصة بالمساعدات الأجنبية تحكمنا فى ذلك.

■ ألا تقبلون المشروعات على هواكم وطبقا لما يحقق أغراضكم السياسية؟

- غير صحيح، فأى أغراض سياسية فى بناء شبكات ضخمة للصرف الصحى فى مصر، وأى غرض سياسى وراء مشاريع خفض المياه الجوفية فى معابد الأقصر والكرنك التى أنقذت هذه المعالم التاريخية من أضرار كبيرة وغيرها من المشروعات التنموية.

■ أليست مصر تابعة للولايات المتحدة الأمريكية ومربوطة من عنقها بالمعونات الأمريكية؟

- غير صحيح.. ودعينى أكشف لك الصورة على حقيقتها، مصر الآن لم تعد هى مصر التى كانت فى عام ١٩٧٠ وقت بدء المعونة الاقتصادية.. ربما كانت فى حاجة حقيقية وقتها للمعونة الأمريكية، أما الآن مع النمو الاقتصادى والاستقرار فى الأسواق لم تعد مصر بنفس الحاجة السابقة للمعونة.. وتخفيض المعونة الاقتصادية من مبلغ ٨١٥ مليون دولار إلى ٤١٥ مليونا كان بالاتفاق مع الحكومة المصرية على اعتبار أن وضعها الاقتصادى الحالى أفضل بكثير من وقت بدء المساعدات.

■ ولكن قرار خفض المعونة للمرة الثانية كان قرار الولايات المتحدة الأمريكية منفردة ودون رغبة مصر؟

- نعم كان قرار الولايات المتحدة وحدها وتم تخفيض المبلغ من ٤١٥ مليون دولار إلى ٢٥٠ مليون دولار للسنة المالية ٢٠٠٩، ولكن السبب لم يكن خلافا سياسيا، بل نظرا لزيادة الطلب على المساعدات الأمريكية من دول أخرى، وشعور الولايات المتحدة بأن هناك دولاً فى حاجة أكثر إلى هذه المعونات مثل العراق وأفغانستان.

■ هل تغيرت أولويات إنفاق المبلغ حاليا بتغير الإدارة الأمريكية؟

- بعد زيارة الرئيس أوباما فى يونيو الماضى أجريت مناقشات عديدة بين الولايات المتحدة الأمريكية والحكومة المصرية، التى بدورها أخبرتنا أن لديها رغبة فى الاهتمام بالتعليم بجميع مراحله، ليثمر عن خريجين لديهم المهارات المطلوبة فى سوق العمل، والجزء الثانى هو رغبتها فى الاهتمام بالبحث العلمى والعلوم التكنولوجية لجذب الاستثمارات.. إذن الأولويات تغيرت ليس نظرا لاختلاف السياسة والإدارة الأمريكية، ولكن لتغير الاحتياجات والمتطلبات المصرية.

■ ولكن كان الإصلاح السياسى والديمقراطية على رأس الأولويات فى عهد الرئيس بوش، فهل هذا يعنى أنها تراجعت فى أولويات إدارة أوباما خاصة أنه قد خفت الحديث عنها تماما؟

- لا أبدا.. ما زالت لدينا مشاريع ضخمة ومتعددة فى مجال الإصلاح السياسى ودعم الديمقراطية وإحلال اللامركزية وزيادة الشفافية فى المجتمع المصرى، من خلال ميكنة ثمانى محاكم فى جميع أنحاء البلاد وتطوير البرامج، التى تسمح للحكومة المصرية على نحو مستقل بميكنة خمس محاكم إضافية، وبرنامج تدريبى شامل لأول قاضيات من النساء المعينات فى المحاكم الابتدائية، كما قمنا بإعداد استراتيجية قومية لتطبيق اللامركزية وتنفيذ نماذج رائدة فى أسيوط وقنا والبحيرة وتم دعم أكثر من ١٠٠ مبادرة مشتركة بين المجتمعات المحلية والحكم المحلى فى حل المشاكل المحلية، وتوفير التدريب على القيادة لأكثر من ٤٧٠٠٠ من النساء والطلاب والشباب فى جميع أنحاء البلاد، إضافة إلى دعم إصدار بطاقات الرقم القومى وبطاقات الاقتراع لتسهيل مشاركة المواطنين فى الانتخابات القومية والمحلية. وكلها برامج تسهم فى تعزيز اللامركزية المالية والسياسة والحكم الإدارى، وتشجيع المزيد من المنافسة والشفافية فى العمليات الانتخابية.

■ ولكن رغم كل الجهود المبذولة فى مجال الإصلاح الديمقراطى والسياسى فإنها ليست ملحوظة للعيان، فلا توجد نزاهة فى الانتخابات ولا شفافية فى القرارات، ولا حتى الوعى بضرورة الانتخاب موجود لدى المواطن المصرى، فهل تعتقدين أنه فى ظل الحكم الحالى كل الأموال المدفوعة فى دعم الديمقراطية هى أموال تذهب فى الهواء ولا طائل منها؟

- يوجد تحسن كبير فى عدد من المجالات منها النظام القضائى واللامركزية على مستوى المحافظات وحقوق المرأة، ولكن بالنسبة للجزء الخاص بالديمقراطية ونزاهة الانتخابات، فإن الدور الأول والأخير والمسؤولية الأولى تقع على عاتق الشعب المصرى، نحن فقط نقدم المساعدة لهم، وحتى يظهر تأثير المعونة فى هذا المجال نحن فى حاجة إلى وقت طويل.

■ إذا كان الأمر أولا وأخيرا راجعا للمصريين، فلماذا ضغطت إدارة بوش بكل قوة لتطبيق الديمقراطية لدرجة أنها دعمت كبار المعارضين للرئيس مبارك مما تسبب فى سوء العلاقات؟

- لا أستطيع أن أخوض فى هذا الأمر، لأننى شخصيا ومنذ أن توليت هذا المنصب لم يحدث أبدا أن تم ربط المعونات الاقتصادية بالأمور السياسية، ولم يأتنى أمر بتوجيهها وفق نمط معين مرتبط بالسياسة.

ثم أضافت: لماذا كل هذه الضجة على المعونة الأمريكية والتشكك فى نواياها، ومصر لديها الآن شركاء أقوياء جدا تحصل منهم على المعونة والمساعدات، مثل الاتحاد الأوروبى، هناك دول كثيرة تدعم مصر الآن، فلماذا لم نسمع المصريين يصرخون باتهامات فى وجه معونات الاتحاد الأوروبى؟!

■ قلت فى بداية الحديث إن مصر لم تعد كالسابق، ولم تعد فى حاجة للمعونة الاقتصادية.. هل هذا يعنى أن مصر لم تعد فى حاجة إلى المعونة الأمريكية، ونستطيع دفع عملية التنمية دون هذا المبلغ؟ وهل يمكن أن نشهد قطعها تماما قريبا؟

- لا لم أقصد هذا تماما، فمصر فى النهاية تعد دولة من ذوات الدخل المتوسط وتحتاج إلى المعونات، ولكن على أن تكون موجهة بطريقة مختلفة، فقديما كانت مصر فى حاجة إلى المساعدة فى بناء البنية الأساسية مثل مشاريع الصرف الصحى ومياه الشرب وغيرها، ولكن الآن مصر لم تعد بحاجة للمساعدة فى هذه المجالات بل فى حاجة أكثر لبرامج تطوير وتدريب وبناء قدرات وإدارة الموارد البشرية للأفراد، وهذا بناء على طلب الحكومة المصرية نفسها.

■ وما المجالات التى ساهمتم فيها لاستقرار الوضع الاقتصادى فى مصر؟

- أنشأنا هيئة لحماية المستهلك، وعززنا نظام حقوق الملكية الفكرية لتقليص الوقت الخاص بتسجيل العلامات التجارية من ٤٨ إلى ١٢ شهرا ومن ٦٠ إلى ٣٤ شهرا، للحصول على براءات اختراع، فهرسة إلكترونية للقوانين والأنظمة فى ١٢ وزارة والقضاء لعدم إعاقة الأعمال التجارية، زيادة الضرائب بنسبة ٤٠% فى عام واحد نتيجة إصلاح الهيكل الضريبى، تخفيض معدلات الرسوم الجمركية بنسبة ٥٠% وتخفيض ٦٠% فى تكلفة الإفراج عن السلع من الموانئ، مما أدى إلى استيراد سلع استهلاكية أقل سعرا وغيرها من المشروعات.

وفى مجال مياه الشرب والصرف الصحى تم تحسين خدمات مياه الشرب لأكثر من خمسة ملايين شخص يعيشون فى الإسكندرية من خلال تركيب ١٦٠ كيلومتراً من خطوط الأنابيب وتطوير سبع محطات لتنقية المياه، وبناء أكثر من ٣٠ مرفقاً لمياه الشرب والصرف الصحى فى محافظات الفيوم وبنى سويف والمنيا يستفيد منها أكثر من ثلاثة ملايين شخص، وتحسين خدمات المياه والصرف الصحى لما يقرب من ٥٠٠٠٠٠ شخص يعيشون فى الأقصر وأسوان و٩٠٠٠٠٠ شخص يعيشون فى المنصورة، ولدينا إصلاحات بعيدة المدى فى هذا القطاع منها إنشاء هيئة تنظيمية وشركة قابضة قائمة على إدارة شبه ذاتية وشركات إقليمية فرعية تعمل على تحسين خدمة العملاء واسترداد التكاليف والاستمرارية.

■ هل تعتقدين أن أموال المعونات تنفق فى محلها أم أن للعمولات والرشاوى نصيباً منها؟

- كل الأموال التى حددت للمعونة الاقتصادية ذهبت لمشاريع تنموية فى مصر وترسل بشكل دائم تقارير عن هذه المشاريع وطريقة الإنفاق وسير العمليات التنموية لحكومة الولايات المتحدة الأمريكية والكونجرس الأمريكى، وهناك متابعة دائمة لإنفاق المعونة فى مصر وإذا ما حدث ووجدنا أن هناك مشروعاً انحرف عن الهدف الذى يقام من أجله سرعان ما نوقف هذا المشروع ونعيد الدراسة ونصحح الأوضاع لتحقيق الهدف الذى ننشده.

■ وهل حدث ذلك من قبل وأوقفت مشاريع انحرفت عن الهدف المنشود؟

- نعم.

■ وهل لديك جميع الضمانات أن أموال المعونات التى تعطونها للمحافظات أو للمجتمع المدنى تنفق كاملة على المشروعات المحددة؟

- لدينا لجان متخصصة وموظفون مهمتهم متابعة تنفيذ هذه المشروعات، ومراجعة والتأكد من صحة الحسابات لضمان استفادة الشعب المصرى من أموال المعونة.

■ جاء ضمن أهداف الوكالة الأمريكية للتنمية المساعدة على الإصلاح الهيكلى للأحزاب، فهل لديكم أى مشروعات مشتركة مع الأحزاب المصرية؟

- لا على الإطلاق، فنحن لا نعمل مع الأحزاب السياسية.. فقط الحكومة المصرية.

■ لماذا؟

- لأننا ليس لدينا مهام سياسية، إنما مهامنا اقتصادية وتنموية.

■ ولكن جزءاً من هذه المهام هو الإصلاح السياسى والديمقراطية، فكيف تفعلون ذلك بعيدا عن الأحزاب وتتجاهلونها؟

- لا نتجاهلها ولكن هذا ليس من صميم اختصاصنا، فعندما نتحدث عن إصلاح سياسى وإحلال الديمقراطية فهذا لا يعنى التدخل المباشر فى السياسة أو شؤون الأحزاب، إنما نعمل على رفع درجة الوعى لدى المواطنين بحقوقهم المختلفة والمساعدة على تعزيز أهمية مشاركتهم فى الانتخابات المختلفة، نهتم بحقوق المرأة ودخولها مجلس الشعب وتفعيل دورها، هذا ما نقصده بالإصلاح السياسى.

■ ولكنكم تتعاونون أيضا مع القطاع الخاص والمجتمع المدنى؟

- نعم، ولكن بالتنسيق مع الحكومة المصرية أيضا وفى إطار الاتفاقيات الثنائية التى بيننا.

■ لننتقل إلى برامج تطوير المناهج الدراسية التى ترعاها المعونة الأمريكية كثيرون يتهمونكم بالتدخل بتغيير أنظمة التعليم لأغراض عليها علامات استفهام؟

- ردت منفعلة : حتى ننهى هذا الأمر لا يوجد أى مشروعات نقدمها فى مجال التعليم إلا بموافقة وزارة التربية والتعليم، وذلك فى إطار الاتفاقية التى بيننا وبين الوزارة ولا نقدم على بناء مدرسة أو مشروعات محو الأمية فى القرى أو أى برامج تطوير أو ما شابه ذلك إلا بموافقتهم وتحت رعاية منهم بل وأحيانا بطلب منهم.

■ هل ما وصلت إليه المرأة المصرية يرضى طموحاتك وبرامجك؟

- ضحكت قائلة: الثقافة تختلف من بلد إلى بلد وكذلك سقف الطموحات ولا يهم ما يرضينى أنا، المهم هل المرأة المصرية تشعر بهذا التحسن أم لا؟ هل هى راضية عما وصلت إليه وهل تطمح للمزيد؟ فما يرضى ثقافة شعب قد لا يرضى ثقافة شعب آخر.

■ سؤال أخير سيدة هيلدا.. لطالما أنفقتم مليارات فى مصر، فما هو الثمن أو المقابل هل هى مسؤولية اجتماعية تجاه الشعوب أم مسألة أمن قومى لأمريكا أم أسباب أخرى لا يعلمها أحد إلا أنتم؟

- حقيقة ليس لدى أى رد على هذا السؤال، أنا فقط أقوم بالمهام التى أكلف بها.

------------
نشرت في المصري اليوم بتاريخ 5-11-2009
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=232078&IssueID=1580#CommentFormAnchor


أحمد ماهر



وزير الخارجية السابق لـ «المصرى اليوم»:
مشكلة مياه النيل سوء انتفاع.. وإسرائيل حولتها إلى أزمة سياسية
---------------------------------------------------------
حوار رانيا بدوى ١/ ١١/ ٢٠٠٩
---------------------------------------------


وصف أحمد ماهر، وزير الخارجية السابق، ترشيح حزب «الوفد» للدكتور محمد البرادعى، مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية لرئاسة الجمهورية، بأنه فضيحة للحزب الذى لا توجد به كوادر، لدرجة أنه يستعين بكوادر من الخارج، معتبراً أن عمرو موسى، الأمين العام لجامعة الدول العربية، لا يصلح للمنصب أيضاً لابتعاده عن السياسة الداخلية، وعدم انخراطه فيها، معرباً عن أمله ألا يتكرر ما حدث فى انتخابات ٢٠٠٥ التى وصفها بأنها كانت نكتة، مطالباً الدولة، وأجهزة الأمن، والأحزاب بإفساح المجال للشباب للمنافسة على المنصب، واصفاً اقتراح الأستاذ محمد حسنين هيكل بتشكيل مجلس أمناء، بأنه أمر فرعى.

وكشف ماهر فى حواره مع «المصرى اليوم» عن معرفته السبب الحقيقى وراء خسارة فاروق حسنى، وزير الثقافة فى انتخابات «اليونسكو»، لكنه رفض الإعلان عنه، نافياً أن تكون خسارته بسبب مؤامرة، معتبراً أن معاهدة «كامب ديفيد» مخلوق مشوه لن يكتمل نموه إلا بحل القضية الفلسطينية، واستعادة كل الأراضى المحتلة، مشدداً على ضرورة أن تسعى مصر لجعل علاقتها بأمريكا ثنائية، وليست ثلاثية مرهونة بعلاقتها مع إسرائيل، وإلى نص الحوار:

■ نعيش الآن حالة من الجدل السياسى والإعلامى حول مستقبل مصر، وهناك آراء عديدة واقتراحات كثيرة ومناقشات أكثر حول الرئيس القادم وطريقة تغيير الحكم، ما رأيك فى كل هذا الزخم؟

- هذا الجدل، وهذه المناقشات شىء إيجابى جداً جداً، ويدل على اهتمام المواطن بالسياسة ووعيه بحقوقه، بعد أن كان فى فترة من الفترات عازفا تماماً عن السياسة وغير مهتم بها، وإدراك المواطن أن مصر بها مشكلات كثيرة، وهناك انتخابات برلمانية ورئاسية مقبلة، واقتناعه بوجوب التفكير فى مستقبل مصر، أمر يسعدنى جداً، لكن ما يسعدنى أكثر هو هذا المناخ الذى يسمح للجميع بالتعبير عن آرائهم وطموحاتهم.

■ ما رأيك فى اقتراح الكاتب الصحفى الأستاذ محمد حسنين هيكل بتشكيل «مجلس أمناء الدولة والدستور»؟

- بشكل عام الكلام عن مجلس هنا، أو لجنة هناك أمور فرعية، وأنا من أنصار أن تبدأ الأحزاب النشاط والعمل من الآن، وحتى الانتخابات، فمصر فى حاجة أكثر إلى حياة سياسية حقيقية، وعلى الدولة من الجانب الآخر أن تسمح للتيارات المختلفة بالتعبير عن آرائها وبرامجها فى إطار حزبى مشروع، وأن يتقدم للترشح كل من يرى فى نفسه أن لديه برنامجاً، وأنه سيحظى بالتأييد.

■ لكن المادة «٧٦» من الدستور لن تسمح بذلك؟

- تعديل المادة «٧٦» عليه ملاحظات كثيرة، لكن يمكن للأحزاب تجاوزها.

■ هل يفهم من ذلك أنك مع الفكرة التى طرحها حزب «الوفد» باستدعاء الدكتور محمد البرادعى، رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وضمه للهيئة العليا للحزب، ليتمكن الحزب من ترشيحه، فى محاولة للتحايل على المادة ٧٦؟

- لا على الإطلاق، أنا ضد هذه الفكرة، فليس من المقبول أن تجلس الأحزاب دون عمل، ثم تستأجر مدرباً من الخارج ليقود الفريق، أو كمن يجلب لاعباً من خارج النادى الأهلى مثلاً، ليلعب باسمه، ولو كنت رئيس حزب فلن أقبل على نفسى هذا الأمر لأنه فضيحة.

■ لكن معظم الأحزاب ليس لديها كوادر تخوض به الانتخابات؟

- من قال هذا، الأحزاب بها شباب ممتازون، لكنهم غير ظاهرين للعيان، وليس من الضرورى إصرار الأحزاب على ترشيح من قاربوا سن السبعين، فليبحثوا عن شباب فى الأربعينيات، لكن المشكلة أن كل شخص يجلس على رأس حزب، لا يريد أن يظهر غيره، فليفسحوا المجال للشباب.

■ وهل الوقت كافٍ لتتمكن الأحزاب من تحقيق ذلك؟

- مازال هناك عامان، وهما مدة كافية، فلو بدأ الجميع من الآن، فمن الممكن جدا أن نرى شباباً بارزاً داخل الأحزاب خلال عام واحد، المهم أن تعرف الأحزاب ماذا تريد، وأن تنشط بشكل منظم وفعال فى الشارع.

■ الأحزاب تتهم أجهزة الأمن والحزب الوطنى بعرقلة عملها، ما تعليقك على هذا الاتهام؟

- هذا كلام غير واقعى، نعم هناك مضايقات من الأمن والحكومة، لكن لا يجب أن تنسى الأحزاب، ومنها «الوفد» مثلاً، أنها مارست الحياة السياسية بكل قوة وفاعلية فى ظروف أسوأ من ذلك، حيث الاحتلال الإنجليزى، والملك، وكان أعضاؤها يتعرضون للنفى إلى مالطة، أو جزيرة سيشل، ومع ذلك لم يكفوا عن ممارسة السياسة، فالسياسة ليست طبق كافيار يقدم على صينية من ذهب، لكن من يريدها عليه أن يتحمل ويصبر، وطالما أخذت الأحزاب حيزاً ومساحة من العمل، فماذا فعلوا بها، هل استفادوا من هذا الحيز؟! أبدا بل أخذوا يتشاجرون على من هو رئيس الحزب، وعندما اختلفوا، قرر أحدهم رفت الآخر، فما كان من الثانى إلا أن رفض الرفت، وتركوا السياسة وتفرغوا للخلافات.

■ البعض يعتبر أن الفائز الوحيد من الخلافات التى تسيطر على الأحزاب هو الحزب الوطنى؟

- لا الكل خاسر بمن فيهم الحزب الوطنى، والخاسر الأكبر مصر، وبما أننى أدعو الأحزاب لبدء العمل، فأنا أيضا أدعو أجهزة الأمن إلى الكف عن الممارسات التى تعرقل عمل الأحزاب، ولتسهم الدولة فى إفساح المجال للجميع للتعبير عن آرائه وبرامجه.

■ وماذا عن جماعة «الإخوان المسلمين»؟

- أعتقد أن الطريقة التى تم التعامل بها مع الإخوان هى التى جعلتهم يظهرون فى الشارع المصرى، وهناك عدد من الإخوان اجتمعوا وقرروا تأسيس حزب سياسى هو حزب «الوسط»، أعتقد أنه سيكون حزباً معتدلاً يعبر عن الإسلاميين باعتدال، لذلك من المفيد أن يخرج هذا الحزب للنور، على أن يلتزم أعضاؤه فعلاً بفصل السياسة عن الدين، ويظلوا على اعتدالهم.

■ ما رأيك فى الأسماء التى تم ترشيحها للرئاسة فى الفترة الماضية مثل الدكتور أحمد زويل، والدكتور محمد البرادعى، وعمرو موسى؟

- مع احترامى لكل هذه الأسماء وتقديرى لهم، لكنهم شخصيات لها خبرة عميقة فى مجال معين، وظلوا سنوات طويلة خارج مصر، ولا علاقة لهم بالمشكلات الداخلية ولا يعرفون عنها شيئاً.

■ وهل ينطبق الأمر نفسه على عمرو موسى؟

- عمرو موسى يسافر كثيرا بحكم عمله، ورغم أنه يذهب ويجىء إلى مصر، إلا أنه فى النهاية ابن وزارة الخارجية، وليس منخرطاً فى الحياة السياسية الداخلية.

■ بعيداً عن الأسماء المطروحة، هل هناك شخصيات بعينها ترشحها لخوض الانتخابات الرئاسية؟

- لماذا نحدد أشخاصاً، فمن المبكر جداً طرح أسماء الآن، فلنترك الأمور تسير، ربما يظهر من هم جديرون بالمنصب، ووقتها كل شخص ينتخب من يرى أنه يرضى طموحاته.

■ وماذا لو رشح جمال مبارك نفسه، ضمن مجموعة من المرشحين، أمثال من خاضوا الانتخابات السابقة، هل ستختار جمال مبارك؟

- ولم لا، لكن آمل ألا يتكرر ما حدث فى الانتخابات الماضية، فهى كانت «نكتة»، وحتى لا يتكرر ذلك يجب أن تنشط الأحزاب وتقدم كوادر جديدة.

■ بعيداً عن الشأن الداخلى، وأنت كنت أحد المشاركين فى مفاوضات كامب ديفيد، هل تعتقد أن مصر دللت إسرائيل بما يفوق ما جاء حتى فى كامب ديفيد ومعاهدة السلام؟

- «كامب ديفيد» أقيمت على سوء تفاهم، مصر وقّعت، وفى ظنها أنها توقع على الخطوة الأولى فى طريق التسوية، والحصول على جميع الأراضى العربية، وكان الرئيس الراحل أنور السادات يصر على ذلك، وإسرائيل وقعت وفى تصورها أنه بإعطائها سيناء لمصر ليس على مصر المطالبة بأى أرض أخرى، حتى سيناء لم تعطها لنا بسهولة، لكن «بطلوع الروح»، وظلت متمسكة بأجزاء منها حتى حسم التحكيم الدولى الأمر.

■ بعد كل هذه السنوات كيف تقيّم عملية السلام بين مصر وإسرائيل؟

- السلام المصرى الإسرائيلى طالما بقى اتفاقا ثنائيا فهو مخلوق مشوه لم يكتمل النمو، وحتى يكتمل وتنمو له أطراف وأنف وفم يجب أن يكتمل بحل القضية الفسطينية، والجولان، وباقى الأراضى المحتلة.

■ لكن هناك من يرى أن مصر دللت إسرائيل وسمحت لها بانتهاك المعاهدة، رغم كل ما فيها من تشوه، بعدم اتخاذ أى رد فعل على الاعتداء المتكرر على الحدود بدعوى ضرب الأنفاق، وعدم اتخاذ موقف واضح من أحداث غزة وغيرها؟

- العلاقة بين مصر وإسرائيل قائمة على المصلحة، ونحن نريد أن نتقدم فى عملية السلام الشامل، لكن تصرفات إسرائيل تجعل مصر «تغتاظ»، وكنت أتمنى، كمواطن وأنا فى بيتى الآن، أن نرد ولو بشكل أعنف، كلامياً على الأقل، أو حتى نضرب على المنضدة اعتراضاً على ما يحدث.

■ ولماذا فى تقديرك لم نستطع اتخاذ أى رد فعل حتى ولو بالكلام، على حد تعبيرك؟

- ربما مصر تتحمل، وتحاول أن تكتم مشاعرها لتستطيع الاستمرار فى حل القضية الفلسطينية، لكن لو اتفقت الأطراف الفلسطينية كانت ستسهل على مصر الأمر كثيراً، وستجنب الجميع وقوع مثل هذه الأحداث، فمصر تريد دولة فلسطينية، وتريد أن تنسحب إسرائيل من الأراضى المحتلة، لكن الخلاف الفلسطينى يؤزم القضية، ولا يوجد طرف فلسطينى برىء، حركة «فتح» أخطأت بشدة، ومن أرادوا انتخابات ديمقراطية فى فلسطين، هم أنفسهم من لم تعجبهم نتيجة الانتخابات، والعالم كله تعامل مع الموضوع بشكل سيئ جداً، وتم حصار غزة بشكل غير مقبول وغير مفهوم، ثم تم تشجيع أبومازن على إقالة الحكومة، وهذا خطأ كبير.

■ أبومازن أصدر مرسوماً بإجراء الانتخابات فى أبريل المقبل رغم عدم إتمام المصالحة الفلسطينية، كيف ترى هذه الخطوة؟

- إزاى يعنى؟! «هو الكلام مش بالعقل»، كيف سيجرى انتخابات فى غزة، ثم يقول لو حدث صلح أنا ملزم بتأجيل الانتخابات، لا يوجد داع لهذه التصرفات، حركة «حماس» جزء من القوى الفلسطينية، ويجب مصالحتها، لأن الفائز الوحيد هو الفلسطينيون.

■ كيف ترى التقرير الذى أصدره القاضى ريتشارد جولدستون حول الحرب على غزة، واللغط الذى أثير حول تأجيله؟

- التقرير كان فرصة عظيمة للتوحد وليس فرصة للتفكك، وكان تأجيل مناقشته خطأ، وأهمية هذا التقرير تظهر عندما اعترف رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بأن بلاده خالفت القانون الدولى، وأنه أخطأ، والدليل أنه طالب بتغيير القانون الدولى الذى بموجبه تم توجيه اتهامات وإدانة لبلاده، وهناك دليل آخر أنه قال سيتم تشكيل لجنة ترد على تقرير جولدستون، إذن هو يعرف أن التقرير صحيح، وأنهم أقدموا على جرائم حرب للهروب من التقرير، لذلك فإن مطالبة المنظمة بتأجيل مناقشة التقرير كانت خطأ، وضع جميع العرب فى وضع حرج للغاية.

■ كنت سفيراً لمصر فى الولايات المتحدة الأمريكية.. فهل مازلت تؤمن بمسألة العدالة الدولية؟

- العدالة الدولية غير فعالة، ويجب أن تساندها القوة والعلاقات المتشعبة بين الدول. الإدارة الجديدة فى أمريكا تعطى فرصة إلى حد ما، للحديث عن العدالة الدولية، لكنها إدارة تواجه مشاكل ضخمة، ليست فقط ضغوط اللوبى الإسرائيلى، لكن مشاكل داخلية أيضاً، مثل الأزمة الاقتصادية، والتأمين الصحى، ومشاكل خارجية مثل أفغانستان، لذلك أنا أعتبر أن نوايا هذه الإدارة أطيب كثيراً من إمكانياتها، وربما غير قادرة على التنفيذ،

لذلك صعب جدا أن نطالبها باتخاذ مواقف حاسمة، لكن علينا مساعدتها على اتخاذ هذه المواقف، وذلك عن طريق إتمام المصالحة الفلسطينية، ويجب أن نعمل على تهدئة الأمور فى المنطقة، حتى يمكن الاستفادة من الروح الطيبة للإدارة الجديدة، فهى مستعدة للحوار مع إيران، ومن الممكن أن نستغل هذه الأجواء لإثارة الملف النووى الإسرائيلى فيما بعد،

وما أقصده هو أن أوباما لن يقول كن فيكون، لكن إدارته أكثر قدرة على الحوار والاستماع، ويجب أن نسعى لجعل العلاقات المصرية - الأمريكية ثنائية، وليست ثلاثية مرهونة بعلاقة مصر مع إسرائيل، وهذا ممكن فى ظل الإدارة الحالية، ورغم كل ما يقال عن تأثير اللوبى الإسرائيلى، والكونجرس، فإن الرئيس باراك أوباما له تأثير على الكونجرس، كما أن المصالح الأمريكية فى المنطقة، أكبر من المصالح الأمريكية الإسرائيلية، لأن إسرائيل بدأت تهدد المصالح الأمريكية فى المنطقة، بعد أن كانت مخلب القط، والحارس على العلاقات.

■ وهل لدينا كروت عربية للضغط على أمريكا أو حتى اللعب بها؟

- نعم كروت كثيرة.

■ ماذا بخلاف البترول؟

- البترول كارت قوى لا يمكن تجاهله.

■ لكنه أصبح سلعة أكثر منه سلاحاً؟

- نعم لكنه مازال كارتاً قوياً لو توحدت الإرادة، بالإضافة إلى تسوية المشكلات فى العراق، وأفغانستان، فالدول العربية قادرة على التدخل للمساعدة فى حل هذه الأزمات وتهدئة الأوضاع لوقف نزيف الدم الأمريكى.

■ هل القواعد الأمريكية فى الدول الخليجية من الممكن أن تكون أحد الكروت؟

- والله الدول التى سمحت بهذه القواعد مبسوطة بها فلن تضغط على أمريكا بها.

■ هل أنت مع بيع مياه الخليج، خاصة أن فرنسا تسعى أيضا إلى وجود قواعد لها فى المنطقة؟

- أنا لا أحب القواعد الأجنبية، ومصر طالما رفضت هذه القواعد، والتاريخ أثبت أن هذه القواعد إلى زوال.

■ هل تمثل هذه القواعد خطورة على المنطقة؟

- دول الخليج ترى أن هذه القواعد تحميها من أخطار إيران، فإذا كانت أمريكا فى طريقها إلى إجراء تسوية مع إيران، فأنا أعتقد أن هذه القواعد ستفقد وظيفتها، وربما تتم تسويتها والوصول إلى اتفاق بشأنها.

■ وهل تعتقد أن هذا من الممكن أن يحدث، خاصة أن القواعد ليست فقط من أجل إيران، وإنما أيضا لحماية إسرائيل فى المنطقة؟

- الأمور معقدة وهى دائرة مرتبطة ببعضها، يجب إجراء تسويات شاملة فى المنطقة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، لتهدأ الأجواء فى الشرق الأوسط.

■ لكن رغم تفهم أوباما، فإن هناك تهديداً إسرائيلياً مستمراً بضرب إيران؟

- إيران لديها قوة للدفاع عن نفسها، وأمريكا لن تدع إسرائيل تضربها، لأن معنى ذلك أن المنطقة ستشتعل، ومن مصلحة أمريكا الآن الاستقرار فى المنطقة، وإسرائيل بهذه التهديدات تهدد أيضاً المصالح الأمريكية فى المنطقة، لذلك فهناك ضرورة لإعادة توزيع الكروت، وأن يجتمع العرب لاستخدامها بالشكل الأمثل.

■ على ذكر العرب، ما تقييمك للقمم العربية التى تعقد سنوياً؟

- قمم تقليدية، كل واحد يحضر معه ١٠ أو ٢٠ شخصاً، والأوراق التى خرجت العام الماضى، هى نفسها التى تخرج فى القمة التى بعدها وهكذا، وأنا أرى أن الحل يكون بالدعوة إلى عقد قمة عربية للرؤساء فقط دون معاونين فى جلسة مغلقة بعيدة عن الخطب والهتافات والأوراق والبيروقراطية، وكل منهم يواجه الآخر بوجهة نظره وما يغضبه، لتسوية كل الخلافات، فلا توجد مشكلة ليس لها حل.

■ ما رأيك فيما تردد عن وجود مؤامرة صهيونية أمريكية فى معركة اليونسكو التى خسر فيها المرشح المصرى فاروق حسنى؟

- أعرف السبب الحقيقى لخسارة فاروق حسنى، لكننى لن أعلنه، وعلى أى حال خسارته لم تكن مؤامرة كما تردد، فهى انتخابات فى النهاية، وللكل الحق فى اختيار من يريده ويراه مناسباً للموقع، ومن المؤكد أن هناك خطأ فيما حدث يجب دراسته لنستفيد من أخطائنا.

■ وهل تعتقد أننا درسنا الخطأ لنتعلم منه؟

- هذا خطأ أكبر أن نترك معركة مهمة مثل اليونسكو تمر بنتائجها دون دراسة، حتى نتجنب الأخطاء فى المرات المقبلة، ليس اليونسكو فقط، ولكن فى كل الأحداث التى فشلنا فيها، لماذا لم نشكل لجاناً لدراستها، وعلى المسؤولين اتخاذ قرار بهذا الشأن، فكل الشعوب تتعلم من أخطائها إلا نحن.

■ ننتقل إلى ملف أفريقيا، وأنت عضو فى لجنة «مبيكى» التى شكلها الاتحاد الأفريقى لبحث أزمات دارفور، والتى قدمت تقريرها فى القمة الخاصة لمجلس السلم والأمن الأفريقى فى أبوجا، إلى ماذا خلص التقرير؟

- الغرض من التقرير هو مناقشة قضايا السلام والعدالة وتحقيق المصالحة فى دارفور، وقد تم انضمامى لهذه اللجنة بترشيح مصرى، وقد حضرت عدداً من الاجتماعات التى عقدت فى الخرطوم وأديس أبابا، حيث اجتمعت هذه اللجنة مع أعضاء بارزين فى المعارضة السودانية، وممثلين عن المجتمع المدنى، كما التقت عدداً من زعماء دارفور، وأشخاصا من الجنوب، والتقرير بذل فيه جهد كبير، وقد أدار رئيس جنوب أفريقيا السابق سابو مبيكى الجلسات باقتدار شديد، وهو تقرير متوازن ويحاول فى تقديرى البحث عن حلول لمشكلة دارفور، والتى تقوم على أساس السلام والتوافق والعدالة، بمعنى إنهاء العمليات العسكرية، وتقديم من ارتكب أعمالاً مخالفة للقانون للمحاكمة، لكن المحاكمة التى يتحدث عنها التقرير هى محاكمة سودانية، وأن يتولاها القضاء السودانى الذى يوجد به أعضاء أفارقة.

■ هل تطابق التقرير مع تقرير المحكمة الجنائية؟

- لا مختلف تماماً، فتقرير المحكمة الجنائية كان من وجهة نظرى تقريراً سياسياً بالدرجة الأولى، وكان متحاملاً على الرئيس السودانى عمر البشير، وكانت فيه مبالغة فى تصوير الأمور، فالمطالبة بمحاكمة رئيس دولة أفريقية أمام محكمة دولية أمر غير مقبول على الإطلاق.

■ هل هذا يعنى أن التقرير يبرئ الرئيس مما نسب إليه من ارتكابه جرائم ضد الإنسانية فى دارفور؟

- التقرير لا يهدف إلى إدانة أو تبرئة أحد، فالهدف هو رصد الوقائع والأوضاع الخاطئة، ووضع آلية لحل أزمة دارفور بشكل موضوعى يحقق للجميع السلام والتوافق، والأهم هو تحقيق العدالة، لكن عن طريق جهاز ادعاء سودانى به أعضاء من دول أفريقية كما قلت يختارهم السودان ويوافق عليهم الاتحاد الأفريقى.

■ وهل تم رصد أوضاع خاطئة فى التقرير؟

- نعم منها النزاع على الموارد وما يحيط به من نزاع بين الهويات العرقية على ملكية الأراضى، ونزوح جزء كبير من السكان وتشريدهم، كما رصد عمل الحركات المسلحة، وحث الحكومة على التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار الذى يتبعه أمن دائم، كذلك فإن أهالى دارفور- بعد سنوات من التشرد - يطالبون بالحق فى العودة للعيش بسلام فى ديارهم ومجتمعاتهم المحلية، وهم ينتظرون من الحكومة أن تقدم تعويضات فردية وجماعية.

■ هل حمَّل التقرير أسماء بعينها مسؤولية تدهور الأوضاع فى دارفور؟

- التقرير ليس به أسماء، وكما قلت لسنا جهة ادعاء، نحن نرصد الأوضاع ونحرص على أن يقدم المتورطون فى هذه الجرائم للعدالة، وهذه مهمة القضاء السودانى، ومن يثبت تورطه يحاكم.

■ حتى ولو كان الرئيس عمر البشير؟

- تجريم الرئيس غير وارد وأمر غير مقبول من الأساس وهمنا هو الخروج من مأزق المحكمة الجنائية الدولية التى أُثير حولها الكثير من اللغط.

■ هل تعتقد أن الملف السودانى مازال تحت السيطرة المصرية أم أن الأوضاع هناك أصبحت خارج السيطرة؟

- مصر تحاول دائما حل أزمات السودان والحفاظ على وحدته وعملنا منذ اتفاق «نيفاشا» على مساعدة وحث الطرفين على جعل الوحدة هى الخيار المفضل لدى السودانيين.

■ لكن التقارير الأجنبية تؤكد أن انفصال الجنوب عن الشمال قادم لا محالة؟

- نحن نأمل ألا يحدث هذا، فمن مصلحة السودانيين جميعاً العيش فى دولة كبيرة موحدة قوية، بدلاً من الانفصال الذى ربما ينتج دولة غير مستقرة.

■ بعيداً عن الآمال والطموحات بالنسبة للمستقبل، ما هو الواقع هناك؟

- خطر الانقسام موجود وكلا الطرفين يساهم فى ذلك بأخطاء متبادلة أدت إلى ظهور نزاعات قبلية وعرقية، وتوتر فى الأجواء مع تدخل قوى أجنبية بشدة لحث السودان على الانفصال والوقت يمر.

■ وأين مصر من هذا الخطر؟

- المسألة صعبة للغاية ومعقدة والتفكك فى السودان موضوع خطير ليس للسودانيين فقط وإنما للقارة بأكملها.

■ هل هناك تهديد على مصر إذا حدث انقسام فى السودان؟

- مصر من مصلحتها أن تكون جارتها مستقرة، لكن تهديد بمعنى التهديد لا أظن، فقط ستزيد المنطقة دولة.

■ وهل تعتقد أنه لو حدث الانقسام، ستطالب السودان الجديدة بحصة منفصلة من نهر النيل، ووقتها لن يكون صراعنا مع ٩ دول إنما ١٠ دول؟

- السودان بأكمله شماله وجنوبه من دول المصب وليس المنبع، لذلك سيكون فى نفس كفة مصر فى مقابل دول المنبع، وليس ضدنا، وإن كنا نأمل ألا يكون هناك أى خلاف بيننا وبين أى دولة من دول حوض النيل، فالمشكلة ليست قلة مياه، فالمياه موجودة وبوفرة، لكنها مشكلة سوء انتفاع، وفاقد كبير يذهب فى المستنقعات وبرك الحشائش، والهدف العام لكل دول حوض النيل - وهو هدف لا خلاف عليه - هو زيادة موارد المياه وتقليل الفاقد، ومصر لديها الكثير من المشروعات فى دول حوض النيل، والموضوع يجب أن يعالج على أساس فنى ليستفيد الجميع الاستفادة القصوى من مياه نهر النيل دون الإضرار بأحد، لكن للأسف هناك دول على رأسها إسرائيل حولت الأزمة إلى سياسية.

■ إسرائيل تدفع ملايين الدولارات فى مشروعات المياه فى دول حوض النيل، فهل هى فعلاً تضغط لتقليل حصة مصر من المياه؟

- إسرائيل مهما كان السلام بيننا وبينها، لا تريد أن تعيش مصر فى هدوء، ولا أن تكون بينها وبين جيرانها علاقات طيبة، فالعلاقة بيننا وبين إسرائيل ليست صداقة ولا ودا، إنما قائمة على المصالح.

■ برؤيتك هل ستنجح إسرائيل فى التأثير على دول المنبع ضد مصر خاصة مع تمويلها مشروعات إقامة سدود دون رغبة مصر؟

- لا تستطيع دول المنبع إقامة سدود دون رغبة مصر، والسدود الموجودة لا تحجز المياه إنما هى سدود كهرباء، ولحسم هذا الأمر حتى لا نتحدث فيه كثيراً، أقول إن مصر حريصة على علاقات جيدة مع دول منبع النيل، وتسعى لإقامة مشروعات لزيادة الموارد، والمصالح متكاملة وليست متناقضة، لكن مصر لن تسمح بالمساس بحصتها فى المياه مهما حدث.

■ مصر أهملت أفريقيا كثيراً وأفاقت مؤخراً عندما فوجئت بحجم التواجد الإسرائيلى فى دول حوض النيل فبدأت تنشط نشاطاً مرتبكاً.. فما تعليقك؟

- لم نهملها أبداً، ودخلنا فى منظمات أفريقية مثل «نيباد» و«الكوميسا»، إضافة إلى اتفاقيات رفع الجمارك وغيرها.

■ ومع ذلك علاقتنا التجارية بإسرائيل أقوى من علاقاتنا بأفريقيا؟

- ليس لدى أرقام فى هذا الشأن.

■ إذن ما الذى يجعلنا نشعر أننا أهملنا أفريقيا مادمت تنفى الأمر وما الذى خلق لدينا هذا الإحساس؟

- فى فترة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر كان اهتمامنا بأفريقيا ظاهر للعيان، لأنه كان يرتكز على مساعدة الحركات التحررية فى أرجاء القارة، لكن الدول الآن استقلت، وربما نحن انشغلنا فى مرحلة من المراحل بعلاقات أخرى، لكن الآن أؤكد أنه يوجد اهتمام كبير بأفريقيا، ربما يكون غير ظاهر ويدور فى الأوساط السياسية والدبلوماسية، لكنه موجود، الاهتمام لم ينقطع، لكنه يتذبذب أحياناً يزيد وأحياناً يقل لكنه دائماً موجود.

■ وهل أنت راض عن حجم الاهتمام الموجود؟

- نحتاج لجهود أكبر وأكبر.

د. أحمد عكاشة

يتحدث لـ «المصرى اليوم» عن الصحة النفسية لـ«الحكومةوالشعب»
قادة مصر امتداد لمسلسل القهر الذى بدأه الاستعمار ضدالمواطنين
----------------------------------------------------------
حوار رانيا بدوى ٢٨/ ٩/ ٢٠٠٩
----------------------------

دائماً ما يصدمنا الدكتور أحمد عكاشة رئيس جمعية الطب النفسى بآرائه الجريئة.. لكنه عندما سألته «المصرى اليوم» عن الوزراء الذين يحتاجون إلى زيارة لعيادته أجابنا بضحكة مجلجلة ساخرة.

ودائما ما يستند الدكتور عكاشة فى آرائه إلى الدراسات والأبحاث العلمية والتحليل النفسى، وخلال حواره حذر الحكومة من انضمام رجل الأمن إلى الشارع وقت «الزنقة» وأرجع التشوهات المجتمعية التى تسيطر على الشعب المصرى إلى غياب الضمير والقدوة وانعدام القيم.

وقال إن التليفزيون المصرى يوزع العلل النفسية على المجتمع بالعدل نتيجة العشوائية فى سياسته وبرامجه.

وحذر من غياب العدالة، لافتاً إلى أنها تدفع الفرد للحصول على حقه بيده، مما يؤدى إلى انتشار السرقة والقتل والبلطجة، وأعرب عن حزنه الشديد لأن المشهد العام للإضرابات لا يسعى لتحقيق أهداف قومية، وقال إن الشباب يلجأ إلى الدين والتطرف والإدمان نتيجة شعوره باليأس والاغتراب، ويرى أن أخطر أمراض السلطة هو السلطة ذاتها، لأنها هى التى تدفع الأب للتخلص من ابنه، والزوج من زوجته، والابن من والده.. وإلى نص الحوار:

■ ماذا يعنى مفهوم الصحة النفسية.. وكيف ترى صحة المصريين النفسية؟

- الصحة النفسية تعنى جودة الحياة، وتعريفها هو قدرة الإنسان على التكيف مع مشاكل الحياة، وقدرته على الصمود كلما حدث له ظلم أو حزن أو ألم، أما الشخص الذى لا يستطيع التكيف مع أمور الحياة فتكون صحته النفسية غير سوية، والشخص يستطيع أن يعمل ويحب بكفاءة ويخدم الآخرين، كلما أصبحت صحته النفسية جيدة.. باختصار الصحة النفسية تعنى أن يشعر الإنسان أن له قيمة ولديه حرية التعبير عن نفسه.

وار:

■ ما هو تقييمك لصحة المصريين النفسية؟

- الصحة النفسية لمعظم المواطنين فى مصر غير سوية بالمعنى العام.. والسبب.

كثرة الإحباطات التى تصيب المواطن المصرى، أدت إلى عدم قدرته على الصمود، الفقر والظلم وانعدام العدالة، الفساد، والبطالة، الازدحام وتردى التعليم والصحة، كل هذه الأشياء تجعل قدرة الفرد على التكيف أقل، فتلاحظين أنه مع كل حادثة فى الشارع، يتشاجر الناس مع بعضهم بدون داع، فلم يعد أحد يتحمل الآخر، المساءلة غير موجودة فى مصر، لذا من الممكن أن يصل من لا يعمل إلى منصب عال، وفى المقابل نجد أن شخصاً آخر يعمل ولا ينال حقه، فلا أضمن لك أن تعملى، وفى نفس الوقت تصلين إلى أعلى المناصب، العمل الجاد والعلم لا يوصلان إلى أى شىء فى مصر.

فالإنسان المصرى لم يعد يشعر بآدميته سواء فى التعامل مع الشرطة أو المؤسسات الحكومية أو القضاء أو غيره، فمن أين تأتى الصحة النفسية إذن.

■ وما هى آثار غياب الصحة النفسية على المصريين؟

- عدم وجود الصحة النفسية يعنى السلبية واللامبالاه، ضعف الإنتاج، عدم التطور والتقدم، ويتحول الشارع إلى حالة من الحقد، فتجدين الطفل خلال سيره يجرح سيارة بمسمار، أو يرمى قشرة موز فى الشارع ليؤذى الناس، وكل هذا يعنى أننا لا نحب البلد.

■ هل للاقتصاد علاقة بانكسار الشخصية المصرية وتدنى إنتاجها.. أحياناً نلاحظ عدم رغبة البعض فى العمل.. ومن يعمل لا يجيد عمله.. وأصبح من الطبيعى أن تسمع العامل يردد «على قد فلوسهم».. وينسى أنه قبل من البداية أن يعمل مقابل هذه القيمة.. أو أنه يعلم مسبقاً أن الحكومة رواتبها ضعيفة، وبعد تعيينه فى الوظيفة يبدأ فى الإهمال مدعياً ضعف الرواتب؟

- التغيرات الاجتماعية والسياسية فى السنوات الماضية أثرت فى نفسية الفرد، حتى أصبح غير منتج، ولا أرى حلاً طويل المدى لتحسن الاقتصاد إلا بتغيير نفسية الفرد وإحساسه بالانتماء، والأهم هو البدء فوراً فى عملية التغيير النفسى، الذى يجب أن يسبق التغيير السياسى والاقتصادى، لأنه ينبع من العمق والإقناع، أما التغييرات الأخرى فهى تمتلئ بالخوف والإرهاب، وهى وقتية وزائلة، ولا أمل فى تحسين الاقتصاد إلا بظهور الحرية والديمقراطية التى تنمى وتنضج الشعب، حتى يتحمل مسؤوليته مع الحاكم ويشاركه فى السراء والضراء لأنه لن يتحمل ذلك وهو مكبل اليدين، إن حماية الأمن وازدهار الاقتصاد يتوقفان على إحساس الفرد بالانتماء.

■ لكن مركز المعلومات أصدر دراسة مفادها شعور عدد كبير من المصريين بالانتماء؟

- المشكلة فى مصر أنه ليس لنا قدوة فى البلد لتعلم الشباب حب البلد والانتماء، ومن أين يأتى الانتماء فى بلد لا توجد فيه شفافية، لا أحد يعلم لماذا تتم إقالة وزير ما أو كيف يختار الآخر، لا أحد يعلم ماذا يحدث فى البلد المسألة مرتبطة بنزوة الحاكم.. من يخطئ لا يعاقب، والعقاب مقتصر على الفقير، وتداول السلطة غائب.. والأخوة فى الحزب الوطنى لا يفهمون أن وجود أحزاب معارضة معناه أن يسعى الحزب للوصول إلى السلطة، وهو هدف نبيل وطبيعى لكن الحزب الوطنى يراه هدفاً غير نبيل، ولا يجوز لأى حزب أن يسعى إليه، وإلا اعتبرت جريمة، كل ذلك يجعل المواطنين بدون انتماء.

■ هل تثق فى دراسات مركز معلومات الوزراء؟

- هى مجرد مسوح تتوقف على طريقة اختيار الناس الذين يمثلون عينة الدراسة وفى مصر حينما تسأل أحداً: هل أنت سعيد؟ يقول لك الحمدلله، فهل هذه الإجابة تعنى السعادة، وهل يمكن القول بعدها إن الشعب المصرى سعيد.

■ ماذا عن أزمة الثقة التى يعيشها المجتمع الآن، وهل هى إحدى دلالات اعتلال الصحة النفسية؟

- مركز معلومات مجلس الوزراء الذى سبق وأكد سعادة المصريين، هو نفسه الذى قال فى دراساته إن ٨٢٪ من المصريين لا يثقون فى بعضهم البعض، ولا فى الحكومة ولا فى المرؤوسين، وإن الأباء والأبناء لا يثقون فى بعضهم.

وهناك كتاب لكاتب يدعى كوفى، اسمه سرعة الثقة، يشير إلى أن نسبة الثقة بين الناس فى الولايات المتحدة ٦٠٪.. وتراجعت فى عهد بوش إلى ٤٠٪ وفى بريطانيا ٤٠ وتركيا ٨٢٪ والبرازيل ٨٢٪ لكن كوفى رفض تقييم الثقة فى البلاد العربية إهمالاً لنسبها الضعيفة، وجاءت البلاد الأفريقية أعلى منا فى مدى ثقتهم فى بعضهم البعض.

■ هل للديمقراطية أو الديكتاتورية يد فى اعتلال الصحة النفسية أو تحسنها للشعب؟

- الديكتاتورية لا تظهر إلا فى شعوب تتميز بعدم النضج، فالحاكم الأوحد يحب أن يحكم شعباً فى مرحلة الطفولة، وقد استطاع الاستعمار منذ مئات السنين أن يجعل شعبنا طفلاً، ثم تولى المصريون حكمهم بواسطة قيادات كان أولى بها أن تنضج هذا الشعب وتزرع فيه روح المسؤولية والمشاركة، غير أن هذه القيادات كانت امتداداً لمسلسل القهر والضغط والكبت، فأصبح الشعب أكثر طفولة بمعنى عدم النضوج الانفعالى، والدفاعية وعدم المثابرة وعدم الانتماء وأصبحت الشخصية النفسية منكسرة.

■ الأمراض النفسية للمسؤولين فى الدولة هل تنعكس على قراراتهم وبالتالى على الشعب؟

- أى قرار صادر من مختل يؤثر بالطبع على الناس.

■ ما هى أشهر أمراض المسؤولين فى الدولة؟

- السلطة.. فهى مرض، وحبها يَجُبُّ حب الأب والأم، فكم من آباء تخلصوا من أبنائهم من أجل السلطة، وكم من أبناء تخلصوا من آبائهم من أجل السلطة، وأقرب مثال فى عمان وفى قطر، والحبيب بورقيبة وتيتو اللذان سجنا زوجاتهما من أجل السلطة، وحب السلطة ليس فقط فى السياسة ونجد مثلاً أستاذ فى الجامعة يظل لسنوات ويطلب المد له حتى يبقى محتكراً للعلم والمنصب، ويكون لدى محب السلطة شعور دائم بوجود محاولات للتخلص منه، وأبرز مثال على ذلك قصة استانلى الذى كان يقول إن من حوله يضعون له السم فى الأكل، وعندما تم عرضه على الأطباء قالوا إنه يعانى من البارانويا، لحرصه على السلطة، وأنه يحتاج إلى علاج، ولما قالوا ذلك أمر بإعدام الأطباء.

■ نفسياً هل يمكن للشخص أن يعطى كل حياته للمنصب، أم أن هناك لحظة لا يستطيع فيها تقديم المزيد؟

- طول مدة السلطة تخلق حالة من الجمود، ويتلاشى التجديد مهاتير محمد نموذج لرئيس يمتلك الشجاعة وقوة الشخصية، فقد أعطى بزخم، وعندما أحس أنه لا جديد لديه أعلن تنحيه عن منصبه، ليتركه لدم جديد، وهذا أمر يحتاج إلى أن يكون الرجل يتمتع بالصحة النفسية.

مثال آخر، وهو نيلسون مانديلا الذى سجن ٣٧ عاماً وخرج وجلس ليحكم لمدة ٣ سنوات، قبل أن يترك منصبه، ولم يفكر فى الانتقام لسنوات سجنه بالجلوس أطول مدة ممكنة على العرش.

والطبيعى فى كل بلاد العالم أن الذى يجلس على كرسى الحكم مدة طويلة يشك فى كل من حوله، ويصل إلى مرحلة لا يستطيع أن يقدم لبلده شيئاً وينحسر كل تفكيره.. كيف يستمر فى السلطة وهى تماماً كما قالها الأستاذ هيكل «السياسة فى مصر هى حب البقاء».

■ وأنت تتابع تصريحات المسؤولين والوزراء وقراراتهم السياسية من هو الوزير أو المسؤول الذى ترى أنه فى حاجة لزيارتك؟

- ضحك قائلاً سأجيبك بطريقة مختلفة.. كتب أحمد رجب فى «نصف كلمة» أن هناك وزيران يعالجان لدى طبيب نفسى كبير.. فاتصلت به معقباً إذا كان هناك وزيرين يعالجان من مرض نفسى فهذا أحسن كثيراً من باقى الوزراء الذين فى حاجة إلى علاج ولا يذهبون للطبيب، وضحك الدكتور عكاشة ولم يكمل باقى الإجابة واكتفى بما قال.

■ أعدت عليه السؤال بطريقة أخرى عله يجيب فبادرنى بالقول:

المسألة ليست فقط خللاً أو مرضياً نفسياً، الأزمة أن هناك وزراء وصلوا إلى مناصب وهم ليسوا أهلاً لها، الوزراء «بيدربوا سياسة فينا» فلا يشترط أن أفضل جراحاً يكون وزيراً للصحة، ولا ضابطاً فى الشرطة وزيراً للحربية، وكل هذا لم يظهر إلا بعد الثورة فأحسن وزير داخلية قبل الثورة، كان فؤاد سراج الدين كان محامياً وليس ضابط شرطة، لا توجد سياسة فى مصر نحن حرمنا طلاب الجامعة من ممارسة السياسة منذ ٥٠ سنة، فكيف لنا أن نخرج كوادر سياسية.

■ ذكر لى المستشار عدلى حسين فى حوار لـ«المصرى اليوم» أن أكبر عقاب للحكومة، هو أن يستغنى المواطن عنها كما هو الآن.. فما رأيك فى ذلك؟

- المواطن بدأ بالفعل يستغنى عن الحكومة فى كل جوانب المعيشة، يعنى مثلاً بدأ يقيم الأماكن العشوائية بنفسه، ويستغنى عن الكهرباء والمياه والصرف الصحى، وهذه العشوائيات يمكن استقطاب أهلها بسهولة، واتجاه الشباب للتطرف، ما هو إلا إسقاط لحالة اليأس الداخلى وشعوره بالاغتراب داخل وطنه، وعن طريق تقديم قليل من الخدمات مثلاً من قبل المتطرفين يمكن ضم شباب العشوائيات إلى صفوفهم، مثل إنشاء مستوصف أو تزويج أبنائهم، فى الصعيد حينما تحدث عملية قتل يأخذون بالثأر ولا يلجأون للحكومة، وما يحدث الآن هو نوع من الانفصام والفجوة الشديدة بين الشعب والحكومة، إضافة إلى أن بطء التقاضى وازدحامه، جعل المواطن ويأخذ حقه بنفسه، فانتشرت السرقة والنهب والبلطجة، وبالتالى كلام المستشار عدلى حسين صحيح تماماً.

■ إذا تحدثنا عن الإضرابات المهنية.. هل تعد حالة من استعادة الصحة وإفاقة من سلبية دامت سنوات؟

- للأسف لا.. وحزنت كثيراً لأن كل الإضرابات فى مصر إضرابات مهنية، من أجل لقمة العيش، وليست لهدف قومى، وكلها كانت بحثاً عن زيادة فى الراتب وتحسين أوضاع فى العمل وكل فئة مهمومة بمشاكلها فقط.

■ وماذا عن إضراب ٦ أبريل وكيف قرأته؟

- ٦ أبريل لم يكن له هدف عام ولا قيادة جيدة، إضافة إلى أننا دولة بوليسية، وأى محاولة من أى شخص أو حزب يحاول أن يصل إلى السلطة، يوقفه الحزب الوطنى عند حده، ويمنع احتجاجه وإضرابه، وإن كانت الإضرابات فى حد ذاتها أمراً جيداً، ولكن هذا كان له هدف وقيادة كاريزيمة، تدفع الناس للالتفاف حولها، وهنا لا يسعنى إلا أن أحيى الحكومة التى أوصلت المواطن المصرى إلى هذا الحال المخزى، وأقول لها إنه فى وقت الزنقة سينضم الأمن إلى الشارع.

■ وما هو وقت الزنقة؟

- عندما يحدث استبداد وظلم.

■ البعض يعانى من ظلم واستبداد ومع ذلك لم يحدث شىء؟

- ابتسم قائلاً: كل شىء له وقته.

■ يقول البعض إن هذه الحكومة من هذا الشعب، فلو أنها فاسدة فالشعب أيضاً فاسد؟

- «سمعتى النكتة التى تقول «إن مسؤول مصرى كبير ذهب لمقابلة الرئيس الأمريكى الذى قيل له أمريكا بلد ديمقراطية تعطى المواطن ٣ آلاف دولار شهرياً ولا تسأله فيما ينفق ماله، فرد عليه المسؤول المصرى قائلاً: الموظف فى مصر دخله ٤٠٠ جنيه لكنه ينفق ٣٠٠٠ شهرياً فسأله الرئيس الأمريكى، ومن أين يأتى بباقى دخله، فأجابه المسؤول المصرى، نحن بلد ديمقراطى لا نسأل المواطن من أين حصل على ماله».

■ ولكن ما تقوله يؤكد إحصائية مركز دعم واتخاذ القرار والتنمية الإدارية «إن عدد المرتشين من عينة البحث فى الجهاز الحكومى وصل إلى ٦٠٪ من العاملين فى القطاع الحكومى؟

- هذا ما يسمى بالاقتصاد الموازى، فقد ابتدع المواطن المصرى-لفقر الحال وزيادة أسعار وتكاليف كل شىء فى الحياة- مصادر أخرى للدخل بعضها مشروع وبعضها غير مشروع، والدليل.. هل من الممكن أن يصدق أحد أن عدد من لديهم موبايل فى مصر ٤٥ مليون نسمة، فى بلد عدد سكانه ٨٠ مليون نسمة، بل وبلد فقير، وأكثر ما يثير التناقض فى القرى، أن تجديهم يغسلون ملابسهم فى الترعة، وعندهم دش وأبناؤهم لديهم موبايلات، فهذا يعكس تفشى ثقافة التفاهة، فنحن شعب ليس لدينا أولويات.

■ لكن ربما يكون «الدِش» لدى الغلابة والفقراء، محاولة للتخلص من الإحباطات التى تحيط بهم؟

- بالعكس، الدش معناه إحباط مضاعف، لأنه يطلع المواطن البسيط على الرفاهية الشديدة من حوله، فالإعلام مثلاً يعرض أسعار الفيلات بـ٣ ملايين، والشاب لا يجد شقة «إيجار»، وأرى أن الإعلام أصبح أقوى من المدرسة ومن الأبوين، ومع تناقض المؤثرات التى تحدث فى الإعلام وعدم وجود خط واضح، جعل الشاب فى حالة من الحيرة والتناقض، واللامبالاة والقابلية للإيحاء تصبح خطيرة، ويكون عرضة للانتماء لأى مذهب يعرض عليه.

■ إذن الإعلام جزء من معاناة الشعب المصرى النفسية؟

- بل جزء من انتشار الجرائم فى المجتمع.

■ كيف؟

- عندما تنشر أخبار عن الاغتصاب والقتل فى الصفحة الأولى فإن جريمة الاغتصاب تتزايد، وثبت رسمياً أن الكلام عن ظاهرة معينة بصفة مستمرة يزيد من حدة هذه الظاهرة، لأنه يحدث نوعاً من أنواع التحصين للإنسان، فيقبل شيئاً لم يكن يقبله، التليفزيون فى مصر أقوى أجهزة إعلامنا نفوذاً وتأثيراً، وهو مع السينما يساهمان بفاعلية فى توزيع العلل النفسية والتشوهات الاجتماعية على الجميع بالعدل والقسطاس، وأثبت العلماء أن تأثير التليفزيون على عقول ونفسية الأطفال والشباب الناضجين تفوق الأسرة والمدرسة، لذا فإن معظم الدول المتحضرة تتجه بطريقة علمية إلى تقديم مواد من خلال هذا الجهاز الخطير لتنمية الشخصية والعقول والأفكار، والتليفزيون المصرى فى حاجة إلى مسؤولين يدركون هذا الأمر على أن تكون الأهداف أمامهم واضحة، ولا يكون اختيار المواد عشوائياً كما نرى الآن.

■ فعلاً أصبحنا نعيش عالماً دموياً، القتل فى كل مكان، وأخبار ذبح البشر تملأ الصحف، ولكن البعض يرجع الظاهرة إلى العامل الاقتصادى؟

- لا، بل لغياب الهدفين العام والقومى وغياب القدوة يجعل الإنسان غير قادر على التضحية، ومن ثم يكون فردياً، وبما أن الإنسان لا يستطيع العيش فردياً بلا مجموعة، فهو يبحث دائماً عن الهرب، إما إلى الإدمان أو إلى الدين هروباً من الواقع الأليم، وحتى العنف سواء القتل أو الاغتصاب، هو نوع من تحطيم الذات غير المباشر، لأن الإنسان يعلم أن نهايته ستكون الموت أو السجن والانتحار، لا يكون فقط بقتل الذات، ولكن نتيجة لسلوك يؤدى إلى القتل.

■ الشباب يدخنون المخدرات فى العلن على المقاهى وفى الجامعات، كما أصبح إدمان الخمور أمراً طبيعياً، ناهيك عن البودرة والحقن وغيرها، فإلى أين يتجه المجتمع المصرى، وكيف تعرف الأسرة أن ابنها مدمن؟

- هناك علامات كثيرة تدلك على دخول الابن إلى الإدمان، منها الانطوائية والانعزال بشكل غير طبيعى، الإهمال فى الاهتمام بالنفس، وعدم العناية بالمظهر، الكسل الدائم والتثاؤب المستمر، إضافة إلى شحوب فى الوجه، عرق، رعشة فى الأطراف، الهياج لأقل سبب، فقدان الشهية، الهزال والإمساك، الإهمال فى النواحى الدينية، وعدم الانتظام فى الدراسة أو العمل، اللجوء إلى الكذب والخدع والحيل، من أجل الحصول على مزيد من المال، ولكن علينا أولاً أن نؤكد أن الأسرة هى التى تدفع بالشاب إلى الإدمان،

فمن البيت تبدأ الكارثة، فانشغال الأب والأم بالعمل وأحياناً بالسفر خارج الوطن وازدواجية الأم فى التعامل مع ابنها، فهى تحيطه بالحنان والدلال، وفى الوقت نفسه تتحول إلى الغضب الجارف والمعاملة الغليظة، وهذه الازدواجية تفرز شاباً (مدمناً)، كذلك الأب الذى يحقر من زوجته أمام أولاده أو معايرة الابن بالفشل والتنبؤ له بعدم النجاح تدفعه تجاه الإدمان، وطبعاً أسوأ ما يمكن أن يحدث فى حياة الابن أن يكون الأب مدمناً، إضافة إلى الأسباب المجتمعية، مثل التشكيك فى القيادات والمسؤولين، والتشكيك فى التاريخ والقيادة والقدوة، لأن ذلك يشعر الشباب بالاغتراب واليأس وفقد الأمل والهروب من الواقع.

■ إلى أى مدى تؤثر الصحة النفسية على الصحة العضوية؟

- الصحة النفسية تعطى جودة الحياة، إذا اعتلت الصحة النفسية يضعف جهاز المناعة ويصاحب ذلك أمراض فى الجهاز الهضمى، وبعض أمراض السرطانات والسكر والضغط والقلق والاكتئاب، وأثبت بحث علمى أن ٤٨٪ من الناس يعانون من الضغط العالى يسكنون المدن، و١٩٪ فى الأرياف، والاكتئاب الجسيم أصيب به مليون وثلاثة أرباع المليون، وأرجع الأمر للصحة النفسية ومعدلاتها بين الريف والحضر.

■ هل الإصابة بالسرطان نتيجة للإصابة بالاكتئاب، وما أنواع السرطان التى تسببها الأمراض النفسية؟

- سرطان الثدى والقولون من الأمراض التى تسببها الأمراض النفسية، وعموماً صحة المصريين النفسية والعضوية فى خطر حقيقى.. فلينتبه الجميع!
-----------------------
نشرت في المصري اليوم بتاريخ 28/9/2009
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=227258&IssueID=1542

المتابعون