د. أحمد عكاشة

يتحدث لـ «المصرى اليوم» عن الصحة النفسية لـ«الحكومةوالشعب»
قادة مصر امتداد لمسلسل القهر الذى بدأه الاستعمار ضدالمواطنين
----------------------------------------------------------
حوار رانيا بدوى ٢٨/ ٩/ ٢٠٠٩
----------------------------

دائماً ما يصدمنا الدكتور أحمد عكاشة رئيس جمعية الطب النفسى بآرائه الجريئة.. لكنه عندما سألته «المصرى اليوم» عن الوزراء الذين يحتاجون إلى زيارة لعيادته أجابنا بضحكة مجلجلة ساخرة.

ودائما ما يستند الدكتور عكاشة فى آرائه إلى الدراسات والأبحاث العلمية والتحليل النفسى، وخلال حواره حذر الحكومة من انضمام رجل الأمن إلى الشارع وقت «الزنقة» وأرجع التشوهات المجتمعية التى تسيطر على الشعب المصرى إلى غياب الضمير والقدوة وانعدام القيم.

وقال إن التليفزيون المصرى يوزع العلل النفسية على المجتمع بالعدل نتيجة العشوائية فى سياسته وبرامجه.

وحذر من غياب العدالة، لافتاً إلى أنها تدفع الفرد للحصول على حقه بيده، مما يؤدى إلى انتشار السرقة والقتل والبلطجة، وأعرب عن حزنه الشديد لأن المشهد العام للإضرابات لا يسعى لتحقيق أهداف قومية، وقال إن الشباب يلجأ إلى الدين والتطرف والإدمان نتيجة شعوره باليأس والاغتراب، ويرى أن أخطر أمراض السلطة هو السلطة ذاتها، لأنها هى التى تدفع الأب للتخلص من ابنه، والزوج من زوجته، والابن من والده.. وإلى نص الحوار:

■ ماذا يعنى مفهوم الصحة النفسية.. وكيف ترى صحة المصريين النفسية؟

- الصحة النفسية تعنى جودة الحياة، وتعريفها هو قدرة الإنسان على التكيف مع مشاكل الحياة، وقدرته على الصمود كلما حدث له ظلم أو حزن أو ألم، أما الشخص الذى لا يستطيع التكيف مع أمور الحياة فتكون صحته النفسية غير سوية، والشخص يستطيع أن يعمل ويحب بكفاءة ويخدم الآخرين، كلما أصبحت صحته النفسية جيدة.. باختصار الصحة النفسية تعنى أن يشعر الإنسان أن له قيمة ولديه حرية التعبير عن نفسه.

وار:

■ ما هو تقييمك لصحة المصريين النفسية؟

- الصحة النفسية لمعظم المواطنين فى مصر غير سوية بالمعنى العام.. والسبب.

كثرة الإحباطات التى تصيب المواطن المصرى، أدت إلى عدم قدرته على الصمود، الفقر والظلم وانعدام العدالة، الفساد، والبطالة، الازدحام وتردى التعليم والصحة، كل هذه الأشياء تجعل قدرة الفرد على التكيف أقل، فتلاحظين أنه مع كل حادثة فى الشارع، يتشاجر الناس مع بعضهم بدون داع، فلم يعد أحد يتحمل الآخر، المساءلة غير موجودة فى مصر، لذا من الممكن أن يصل من لا يعمل إلى منصب عال، وفى المقابل نجد أن شخصاً آخر يعمل ولا ينال حقه، فلا أضمن لك أن تعملى، وفى نفس الوقت تصلين إلى أعلى المناصب، العمل الجاد والعلم لا يوصلان إلى أى شىء فى مصر.

فالإنسان المصرى لم يعد يشعر بآدميته سواء فى التعامل مع الشرطة أو المؤسسات الحكومية أو القضاء أو غيره، فمن أين تأتى الصحة النفسية إذن.

■ وما هى آثار غياب الصحة النفسية على المصريين؟

- عدم وجود الصحة النفسية يعنى السلبية واللامبالاه، ضعف الإنتاج، عدم التطور والتقدم، ويتحول الشارع إلى حالة من الحقد، فتجدين الطفل خلال سيره يجرح سيارة بمسمار، أو يرمى قشرة موز فى الشارع ليؤذى الناس، وكل هذا يعنى أننا لا نحب البلد.

■ هل للاقتصاد علاقة بانكسار الشخصية المصرية وتدنى إنتاجها.. أحياناً نلاحظ عدم رغبة البعض فى العمل.. ومن يعمل لا يجيد عمله.. وأصبح من الطبيعى أن تسمع العامل يردد «على قد فلوسهم».. وينسى أنه قبل من البداية أن يعمل مقابل هذه القيمة.. أو أنه يعلم مسبقاً أن الحكومة رواتبها ضعيفة، وبعد تعيينه فى الوظيفة يبدأ فى الإهمال مدعياً ضعف الرواتب؟

- التغيرات الاجتماعية والسياسية فى السنوات الماضية أثرت فى نفسية الفرد، حتى أصبح غير منتج، ولا أرى حلاً طويل المدى لتحسن الاقتصاد إلا بتغيير نفسية الفرد وإحساسه بالانتماء، والأهم هو البدء فوراً فى عملية التغيير النفسى، الذى يجب أن يسبق التغيير السياسى والاقتصادى، لأنه ينبع من العمق والإقناع، أما التغييرات الأخرى فهى تمتلئ بالخوف والإرهاب، وهى وقتية وزائلة، ولا أمل فى تحسين الاقتصاد إلا بظهور الحرية والديمقراطية التى تنمى وتنضج الشعب، حتى يتحمل مسؤوليته مع الحاكم ويشاركه فى السراء والضراء لأنه لن يتحمل ذلك وهو مكبل اليدين، إن حماية الأمن وازدهار الاقتصاد يتوقفان على إحساس الفرد بالانتماء.

■ لكن مركز المعلومات أصدر دراسة مفادها شعور عدد كبير من المصريين بالانتماء؟

- المشكلة فى مصر أنه ليس لنا قدوة فى البلد لتعلم الشباب حب البلد والانتماء، ومن أين يأتى الانتماء فى بلد لا توجد فيه شفافية، لا أحد يعلم لماذا تتم إقالة وزير ما أو كيف يختار الآخر، لا أحد يعلم ماذا يحدث فى البلد المسألة مرتبطة بنزوة الحاكم.. من يخطئ لا يعاقب، والعقاب مقتصر على الفقير، وتداول السلطة غائب.. والأخوة فى الحزب الوطنى لا يفهمون أن وجود أحزاب معارضة معناه أن يسعى الحزب للوصول إلى السلطة، وهو هدف نبيل وطبيعى لكن الحزب الوطنى يراه هدفاً غير نبيل، ولا يجوز لأى حزب أن يسعى إليه، وإلا اعتبرت جريمة، كل ذلك يجعل المواطنين بدون انتماء.

■ هل تثق فى دراسات مركز معلومات الوزراء؟

- هى مجرد مسوح تتوقف على طريقة اختيار الناس الذين يمثلون عينة الدراسة وفى مصر حينما تسأل أحداً: هل أنت سعيد؟ يقول لك الحمدلله، فهل هذه الإجابة تعنى السعادة، وهل يمكن القول بعدها إن الشعب المصرى سعيد.

■ ماذا عن أزمة الثقة التى يعيشها المجتمع الآن، وهل هى إحدى دلالات اعتلال الصحة النفسية؟

- مركز معلومات مجلس الوزراء الذى سبق وأكد سعادة المصريين، هو نفسه الذى قال فى دراساته إن ٨٢٪ من المصريين لا يثقون فى بعضهم البعض، ولا فى الحكومة ولا فى المرؤوسين، وإن الأباء والأبناء لا يثقون فى بعضهم.

وهناك كتاب لكاتب يدعى كوفى، اسمه سرعة الثقة، يشير إلى أن نسبة الثقة بين الناس فى الولايات المتحدة ٦٠٪.. وتراجعت فى عهد بوش إلى ٤٠٪ وفى بريطانيا ٤٠ وتركيا ٨٢٪ والبرازيل ٨٢٪ لكن كوفى رفض تقييم الثقة فى البلاد العربية إهمالاً لنسبها الضعيفة، وجاءت البلاد الأفريقية أعلى منا فى مدى ثقتهم فى بعضهم البعض.

■ هل للديمقراطية أو الديكتاتورية يد فى اعتلال الصحة النفسية أو تحسنها للشعب؟

- الديكتاتورية لا تظهر إلا فى شعوب تتميز بعدم النضج، فالحاكم الأوحد يحب أن يحكم شعباً فى مرحلة الطفولة، وقد استطاع الاستعمار منذ مئات السنين أن يجعل شعبنا طفلاً، ثم تولى المصريون حكمهم بواسطة قيادات كان أولى بها أن تنضج هذا الشعب وتزرع فيه روح المسؤولية والمشاركة، غير أن هذه القيادات كانت امتداداً لمسلسل القهر والضغط والكبت، فأصبح الشعب أكثر طفولة بمعنى عدم النضوج الانفعالى، والدفاعية وعدم المثابرة وعدم الانتماء وأصبحت الشخصية النفسية منكسرة.

■ الأمراض النفسية للمسؤولين فى الدولة هل تنعكس على قراراتهم وبالتالى على الشعب؟

- أى قرار صادر من مختل يؤثر بالطبع على الناس.

■ ما هى أشهر أمراض المسؤولين فى الدولة؟

- السلطة.. فهى مرض، وحبها يَجُبُّ حب الأب والأم، فكم من آباء تخلصوا من أبنائهم من أجل السلطة، وكم من أبناء تخلصوا من آبائهم من أجل السلطة، وأقرب مثال فى عمان وفى قطر، والحبيب بورقيبة وتيتو اللذان سجنا زوجاتهما من أجل السلطة، وحب السلطة ليس فقط فى السياسة ونجد مثلاً أستاذ فى الجامعة يظل لسنوات ويطلب المد له حتى يبقى محتكراً للعلم والمنصب، ويكون لدى محب السلطة شعور دائم بوجود محاولات للتخلص منه، وأبرز مثال على ذلك قصة استانلى الذى كان يقول إن من حوله يضعون له السم فى الأكل، وعندما تم عرضه على الأطباء قالوا إنه يعانى من البارانويا، لحرصه على السلطة، وأنه يحتاج إلى علاج، ولما قالوا ذلك أمر بإعدام الأطباء.

■ نفسياً هل يمكن للشخص أن يعطى كل حياته للمنصب، أم أن هناك لحظة لا يستطيع فيها تقديم المزيد؟

- طول مدة السلطة تخلق حالة من الجمود، ويتلاشى التجديد مهاتير محمد نموذج لرئيس يمتلك الشجاعة وقوة الشخصية، فقد أعطى بزخم، وعندما أحس أنه لا جديد لديه أعلن تنحيه عن منصبه، ليتركه لدم جديد، وهذا أمر يحتاج إلى أن يكون الرجل يتمتع بالصحة النفسية.

مثال آخر، وهو نيلسون مانديلا الذى سجن ٣٧ عاماً وخرج وجلس ليحكم لمدة ٣ سنوات، قبل أن يترك منصبه، ولم يفكر فى الانتقام لسنوات سجنه بالجلوس أطول مدة ممكنة على العرش.

والطبيعى فى كل بلاد العالم أن الذى يجلس على كرسى الحكم مدة طويلة يشك فى كل من حوله، ويصل إلى مرحلة لا يستطيع أن يقدم لبلده شيئاً وينحسر كل تفكيره.. كيف يستمر فى السلطة وهى تماماً كما قالها الأستاذ هيكل «السياسة فى مصر هى حب البقاء».

■ وأنت تتابع تصريحات المسؤولين والوزراء وقراراتهم السياسية من هو الوزير أو المسؤول الذى ترى أنه فى حاجة لزيارتك؟

- ضحك قائلاً سأجيبك بطريقة مختلفة.. كتب أحمد رجب فى «نصف كلمة» أن هناك وزيران يعالجان لدى طبيب نفسى كبير.. فاتصلت به معقباً إذا كان هناك وزيرين يعالجان من مرض نفسى فهذا أحسن كثيراً من باقى الوزراء الذين فى حاجة إلى علاج ولا يذهبون للطبيب، وضحك الدكتور عكاشة ولم يكمل باقى الإجابة واكتفى بما قال.

■ أعدت عليه السؤال بطريقة أخرى عله يجيب فبادرنى بالقول:

المسألة ليست فقط خللاً أو مرضياً نفسياً، الأزمة أن هناك وزراء وصلوا إلى مناصب وهم ليسوا أهلاً لها، الوزراء «بيدربوا سياسة فينا» فلا يشترط أن أفضل جراحاً يكون وزيراً للصحة، ولا ضابطاً فى الشرطة وزيراً للحربية، وكل هذا لم يظهر إلا بعد الثورة فأحسن وزير داخلية قبل الثورة، كان فؤاد سراج الدين كان محامياً وليس ضابط شرطة، لا توجد سياسة فى مصر نحن حرمنا طلاب الجامعة من ممارسة السياسة منذ ٥٠ سنة، فكيف لنا أن نخرج كوادر سياسية.

■ ذكر لى المستشار عدلى حسين فى حوار لـ«المصرى اليوم» أن أكبر عقاب للحكومة، هو أن يستغنى المواطن عنها كما هو الآن.. فما رأيك فى ذلك؟

- المواطن بدأ بالفعل يستغنى عن الحكومة فى كل جوانب المعيشة، يعنى مثلاً بدأ يقيم الأماكن العشوائية بنفسه، ويستغنى عن الكهرباء والمياه والصرف الصحى، وهذه العشوائيات يمكن استقطاب أهلها بسهولة، واتجاه الشباب للتطرف، ما هو إلا إسقاط لحالة اليأس الداخلى وشعوره بالاغتراب داخل وطنه، وعن طريق تقديم قليل من الخدمات مثلاً من قبل المتطرفين يمكن ضم شباب العشوائيات إلى صفوفهم، مثل إنشاء مستوصف أو تزويج أبنائهم، فى الصعيد حينما تحدث عملية قتل يأخذون بالثأر ولا يلجأون للحكومة، وما يحدث الآن هو نوع من الانفصام والفجوة الشديدة بين الشعب والحكومة، إضافة إلى أن بطء التقاضى وازدحامه، جعل المواطن ويأخذ حقه بنفسه، فانتشرت السرقة والنهب والبلطجة، وبالتالى كلام المستشار عدلى حسين صحيح تماماً.

■ إذا تحدثنا عن الإضرابات المهنية.. هل تعد حالة من استعادة الصحة وإفاقة من سلبية دامت سنوات؟

- للأسف لا.. وحزنت كثيراً لأن كل الإضرابات فى مصر إضرابات مهنية، من أجل لقمة العيش، وليست لهدف قومى، وكلها كانت بحثاً عن زيادة فى الراتب وتحسين أوضاع فى العمل وكل فئة مهمومة بمشاكلها فقط.

■ وماذا عن إضراب ٦ أبريل وكيف قرأته؟

- ٦ أبريل لم يكن له هدف عام ولا قيادة جيدة، إضافة إلى أننا دولة بوليسية، وأى محاولة من أى شخص أو حزب يحاول أن يصل إلى السلطة، يوقفه الحزب الوطنى عند حده، ويمنع احتجاجه وإضرابه، وإن كانت الإضرابات فى حد ذاتها أمراً جيداً، ولكن هذا كان له هدف وقيادة كاريزيمة، تدفع الناس للالتفاف حولها، وهنا لا يسعنى إلا أن أحيى الحكومة التى أوصلت المواطن المصرى إلى هذا الحال المخزى، وأقول لها إنه فى وقت الزنقة سينضم الأمن إلى الشارع.

■ وما هو وقت الزنقة؟

- عندما يحدث استبداد وظلم.

■ البعض يعانى من ظلم واستبداد ومع ذلك لم يحدث شىء؟

- ابتسم قائلاً: كل شىء له وقته.

■ يقول البعض إن هذه الحكومة من هذا الشعب، فلو أنها فاسدة فالشعب أيضاً فاسد؟

- «سمعتى النكتة التى تقول «إن مسؤول مصرى كبير ذهب لمقابلة الرئيس الأمريكى الذى قيل له أمريكا بلد ديمقراطية تعطى المواطن ٣ آلاف دولار شهرياً ولا تسأله فيما ينفق ماله، فرد عليه المسؤول المصرى قائلاً: الموظف فى مصر دخله ٤٠٠ جنيه لكنه ينفق ٣٠٠٠ شهرياً فسأله الرئيس الأمريكى، ومن أين يأتى بباقى دخله، فأجابه المسؤول المصرى، نحن بلد ديمقراطى لا نسأل المواطن من أين حصل على ماله».

■ ولكن ما تقوله يؤكد إحصائية مركز دعم واتخاذ القرار والتنمية الإدارية «إن عدد المرتشين من عينة البحث فى الجهاز الحكومى وصل إلى ٦٠٪ من العاملين فى القطاع الحكومى؟

- هذا ما يسمى بالاقتصاد الموازى، فقد ابتدع المواطن المصرى-لفقر الحال وزيادة أسعار وتكاليف كل شىء فى الحياة- مصادر أخرى للدخل بعضها مشروع وبعضها غير مشروع، والدليل.. هل من الممكن أن يصدق أحد أن عدد من لديهم موبايل فى مصر ٤٥ مليون نسمة، فى بلد عدد سكانه ٨٠ مليون نسمة، بل وبلد فقير، وأكثر ما يثير التناقض فى القرى، أن تجديهم يغسلون ملابسهم فى الترعة، وعندهم دش وأبناؤهم لديهم موبايلات، فهذا يعكس تفشى ثقافة التفاهة، فنحن شعب ليس لدينا أولويات.

■ لكن ربما يكون «الدِش» لدى الغلابة والفقراء، محاولة للتخلص من الإحباطات التى تحيط بهم؟

- بالعكس، الدش معناه إحباط مضاعف، لأنه يطلع المواطن البسيط على الرفاهية الشديدة من حوله، فالإعلام مثلاً يعرض أسعار الفيلات بـ٣ ملايين، والشاب لا يجد شقة «إيجار»، وأرى أن الإعلام أصبح أقوى من المدرسة ومن الأبوين، ومع تناقض المؤثرات التى تحدث فى الإعلام وعدم وجود خط واضح، جعل الشاب فى حالة من الحيرة والتناقض، واللامبالاة والقابلية للإيحاء تصبح خطيرة، ويكون عرضة للانتماء لأى مذهب يعرض عليه.

■ إذن الإعلام جزء من معاناة الشعب المصرى النفسية؟

- بل جزء من انتشار الجرائم فى المجتمع.

■ كيف؟

- عندما تنشر أخبار عن الاغتصاب والقتل فى الصفحة الأولى فإن جريمة الاغتصاب تتزايد، وثبت رسمياً أن الكلام عن ظاهرة معينة بصفة مستمرة يزيد من حدة هذه الظاهرة، لأنه يحدث نوعاً من أنواع التحصين للإنسان، فيقبل شيئاً لم يكن يقبله، التليفزيون فى مصر أقوى أجهزة إعلامنا نفوذاً وتأثيراً، وهو مع السينما يساهمان بفاعلية فى توزيع العلل النفسية والتشوهات الاجتماعية على الجميع بالعدل والقسطاس، وأثبت العلماء أن تأثير التليفزيون على عقول ونفسية الأطفال والشباب الناضجين تفوق الأسرة والمدرسة، لذا فإن معظم الدول المتحضرة تتجه بطريقة علمية إلى تقديم مواد من خلال هذا الجهاز الخطير لتنمية الشخصية والعقول والأفكار، والتليفزيون المصرى فى حاجة إلى مسؤولين يدركون هذا الأمر على أن تكون الأهداف أمامهم واضحة، ولا يكون اختيار المواد عشوائياً كما نرى الآن.

■ فعلاً أصبحنا نعيش عالماً دموياً، القتل فى كل مكان، وأخبار ذبح البشر تملأ الصحف، ولكن البعض يرجع الظاهرة إلى العامل الاقتصادى؟

- لا، بل لغياب الهدفين العام والقومى وغياب القدوة يجعل الإنسان غير قادر على التضحية، ومن ثم يكون فردياً، وبما أن الإنسان لا يستطيع العيش فردياً بلا مجموعة، فهو يبحث دائماً عن الهرب، إما إلى الإدمان أو إلى الدين هروباً من الواقع الأليم، وحتى العنف سواء القتل أو الاغتصاب، هو نوع من تحطيم الذات غير المباشر، لأن الإنسان يعلم أن نهايته ستكون الموت أو السجن والانتحار، لا يكون فقط بقتل الذات، ولكن نتيجة لسلوك يؤدى إلى القتل.

■ الشباب يدخنون المخدرات فى العلن على المقاهى وفى الجامعات، كما أصبح إدمان الخمور أمراً طبيعياً، ناهيك عن البودرة والحقن وغيرها، فإلى أين يتجه المجتمع المصرى، وكيف تعرف الأسرة أن ابنها مدمن؟

- هناك علامات كثيرة تدلك على دخول الابن إلى الإدمان، منها الانطوائية والانعزال بشكل غير طبيعى، الإهمال فى الاهتمام بالنفس، وعدم العناية بالمظهر، الكسل الدائم والتثاؤب المستمر، إضافة إلى شحوب فى الوجه، عرق، رعشة فى الأطراف، الهياج لأقل سبب، فقدان الشهية، الهزال والإمساك، الإهمال فى النواحى الدينية، وعدم الانتظام فى الدراسة أو العمل، اللجوء إلى الكذب والخدع والحيل، من أجل الحصول على مزيد من المال، ولكن علينا أولاً أن نؤكد أن الأسرة هى التى تدفع بالشاب إلى الإدمان،

فمن البيت تبدأ الكارثة، فانشغال الأب والأم بالعمل وأحياناً بالسفر خارج الوطن وازدواجية الأم فى التعامل مع ابنها، فهى تحيطه بالحنان والدلال، وفى الوقت نفسه تتحول إلى الغضب الجارف والمعاملة الغليظة، وهذه الازدواجية تفرز شاباً (مدمناً)، كذلك الأب الذى يحقر من زوجته أمام أولاده أو معايرة الابن بالفشل والتنبؤ له بعدم النجاح تدفعه تجاه الإدمان، وطبعاً أسوأ ما يمكن أن يحدث فى حياة الابن أن يكون الأب مدمناً، إضافة إلى الأسباب المجتمعية، مثل التشكيك فى القيادات والمسؤولين، والتشكيك فى التاريخ والقيادة والقدوة، لأن ذلك يشعر الشباب بالاغتراب واليأس وفقد الأمل والهروب من الواقع.

■ إلى أى مدى تؤثر الصحة النفسية على الصحة العضوية؟

- الصحة النفسية تعطى جودة الحياة، إذا اعتلت الصحة النفسية يضعف جهاز المناعة ويصاحب ذلك أمراض فى الجهاز الهضمى، وبعض أمراض السرطانات والسكر والضغط والقلق والاكتئاب، وأثبت بحث علمى أن ٤٨٪ من الناس يعانون من الضغط العالى يسكنون المدن، و١٩٪ فى الأرياف، والاكتئاب الجسيم أصيب به مليون وثلاثة أرباع المليون، وأرجع الأمر للصحة النفسية ومعدلاتها بين الريف والحضر.

■ هل الإصابة بالسرطان نتيجة للإصابة بالاكتئاب، وما أنواع السرطان التى تسببها الأمراض النفسية؟

- سرطان الثدى والقولون من الأمراض التى تسببها الأمراض النفسية، وعموماً صحة المصريين النفسية والعضوية فى خطر حقيقى.. فلينتبه الجميع!
-----------------------
نشرت في المصري اليوم بتاريخ 28/9/2009
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=227258&IssueID=1542

النبوي إسماعيل

وزير الداخلية الأسبق يكشف لأول مرة:
اعتقالات سبتمبر ناقشتها لجنة رباعية..
«أنا والسادات ومبارك وأبوغزالة».. والسادات صاحب القرار
-------------------------------------------------------
أجرت الحوار رانيــا بــدوي- المصري اليوم في ١٦/ ٣/ ٢٠٠٨
-----------------------------------------------------



لا كلام في السياسة يخلو من الحديث عن الأمن والتأمين: تأمين السياسات.. تأمين الأنظمة.. تأمين الرئيس.. ولكن هل يتعارض أمن النظام مع أمن المواطن؟ هل تراجع أمن المواطن واعتلي العرش أمن النظام؟.. علي مدي العهود الثلاثة ـ عهود البحث ـ إلي أي مدي ساهمت الأجهزة الأمنية في تأمين السياسات الخاطئة للرؤساء؟! وإلي أي مدي حمت الأنظمة من الغضب الشعبي.. وهل أمن النظام ضد أمن الشعب؟

* في منزله بشارع جامعة الدول العربية جلسنا في أحد الأركان، التي ينضح كل شيء فيها بالصمت.. وبلا انتظار سألته: من يضع السياسة الأمنية لمصر؟

ـ وزير الداخلية ويشاركه الرئيس.

* هل السادات كان يضع معك السياسة الأمنية؟

ـ كنت أعود إليه وأتناقش معه، بل كان يشارك في رسم هذه السياسة نائب الرئيس محمد حسني مبارك، وأحيانا كثيرة كان يترك التصرف لي، والحمد لله كان يشيد في النهاية بأدائي حتي إن اختلفنا.

* إلي أي مدي كان مسموحاً لك بالاختلاف مع الرئيس؟ وهل كان الرئيس يعترف بأخطائه؟

ـ في أحداث الزاوية الحمراء «الفتنة الطائفية» كان حريصاً علي إنهاء حالة الشغب فورا، وطلب مني استخدام الرصاص، وكنت رافضا ذلك تماما، لأنه سيسقط الناس بين قتيل وجريح، وسيطلقون عليهم شهداء.. وتداعيات ذلك ربما تكون أكبر من الموقف نفسه.. فرفضت ولم أستمع إليه واعتذرت ولم أسمح لقوات الأمن إلا بالتدخل بالعصي والغازات المفرقة للناس، ولكن الرئيس أصر وغضب لعدم استجابتي لرغبته.. وبعد ما انتهت الأزمة قال لي: يا نبوي أنا الصورة لم تكن واضحة أمامي بالشكل الكافي وللأمانة أنت عالجت المسألة بشكل جيد.. لذا أعتقد أنه عندما يشعر بأنه أخطأ في قرار سرعان ما يعترف ويصحح الأمر.

* كيف تم اختيارك لمنصب وزير الداخلية؟

ـ بعد أحداث مايو ٧١ كنت أعمل مديرا لمكتب وزير الداخلية، ثم مديرا لمكتب رئيس الوزراء في أبريل ١٩٧٥، وبعد أحداث يناير «أحداث الشغب» توليت منصب وزير الداخلية في أكتوبر ١٩٧٧.

* كل وزير جديد يأتي إلي السلطة يكون مكلفاً بمهمة في الصدارة إلي جانب باقي المهام.. فأي مهمة توليت؟

ـ أهم قضية في عهد السادات كانت قضية السلام وحجم المتطلبات، والتداعيات التي ترتبت عليها كانت كبيرة، وكان السادات يريد ترتيب البيت من الداخل بعد عقد اتفاقية السلام مع إسرائيل.

* وهل رتبت البيت؟

ـ كانت مهمتي تأمين البلد ضد الأخطار ورافضي السلام. فقد كانت هناك محاولة لنسف مجمع التحرير ووزارة الخارجية ومبني الإذاعة والتليفزيون.. هذا خلاف عدد من المحاولات لاغتيال الرئيس السادات.. لقد قلبت علينا عملية السلام عدداً كبيراً من منظمات الإرهاب الفلسطينية وعدد من الدول العربية علي رأسها صدام حسين، وكذلك عدد من المنظمات العربية المتطرفة المدعومة من إيران.. لقد فتحوا علينا نار جهنم بعد زيارة السادات للقدس.. وقد حاربنا الجماعات المتطرفة بكل قوة، ولم تفلح هذه الجماعات إلا في شيء واحد فقط هو اغتيال الرئيس.

* وهل هناك بعد اغتيال رمز الدولة؟

ـ نحن لم نقصر، وما حدث كان قضاء الله.

* ولكن البعض يعتبر هذه الجملة خارج السياق الأمني؟

ـ إرادة الله فوق الأمن وأي خطط تأمينية.

* هل الرئيس السادات كان يتابع الحالة الأمنية في مصر؟

ـ نعم وكان دائم السؤال والاتصال بي للاطمئنان.

* يقولون إن جهازي الـ CIA والـFBI في أمريكا لم يتعاونا سويا في أحداث ١١ سبتمبر، فإلي أي مدي وزارة الداخلية تعاونت مع وزارة الدفاع والمخابرات في الأحداث الكبري في مصر؟

ـ هناك تعاون دائم بين الأجهزة الأمنية في مصر في كل ما يتعلق بشؤون الدولة .

* ولماذا لم ينعكس هذا التعاون فيما حدث يوم المنصة عندما تم اغتيال الرئيس السادات؟

ـ منطقة العرض العسكري هي منطقة حرب تتبع الجيش وأنا أدخلها كوزير مدعو بشكل عام، فأنا فقط كُلفت بتأمين الطريق من منزله وقبل منطقة العرض.

* هل أبلغت وزير الدفاع وقتها بحقيقة شريط الفيديو الذي تم تصويره لجماعة الجهاد، والذي كان يشير لمخطط قتل السادات؟

ـ نعم كان يعرف.

* وماذا كان رد فعله؟

ـ رد فعل إيجابي، واتخذ التدابير اللازمة، لكن مهما عملت خطط أمن لا يسلم الأمر، ويجب أن تعرفي أن هناك قاعدة أمنية تقول إن الشخص المطلوب حراسته ما لم يتعاون مع الأجهزة الأمنية فلن تفلح معه أي خطط تأمين.. فالرئيس السادات وصله شريط فيديو صورناه لأفراد إحدي الجماعات المتطرفة، وهم يشترون سلاحاً عن طريق أحد رجالنا الذي اخترقنا من خلاله التنظيم، ودار الحوار بين أعضاء التنظيم علي أن أول طلقة ستكون في صدر السادات، ومع ذلك لم يقتنع بخطورة الوضع.

وهنا أذكر أن أحد المصادر التابعة لنا أخبرنا بأنه تلقي تعليمات من قبل أحد قيادات تنظيم الجهاد، حيث قال له: «فيه حدث مهم سوف يحدث في المنصة مش عايزينك تتحرك من البيت، لأنه فيه تكليفات لينا بعد ذلك»، وعندما تأكد مصدرنا من رحيل هذه القيادة سارع إلي الضابط المكلف بالمتابعة معه وذهب له في المكتب فقال له الضابط: «ما الذي أتي بك.. ممنوع أي مصدر يأتي إلي هنا»، فقال له المصدر: «الأمر خطير»، فاتصل الضابط بقياداته وحاولوا الاتصال بي لإبلاغي، لكنني كنت في المنصة أشاهد العرض العسكري مع الرئيس، وحاولوا أن يأتوا لي داخل العرض، ولكن الشرطة العسكرية منعتهم، فأرسلوا لي ضابطاً من أمن الدولة وحاول أن يقنع الشرطة العسكرية بالدخول لأمر خطير وهو يحاول ويجادل معهم، وكان الضرب اشتغل! وأنا أعرف أنه حتي ولو كان الضابط وصل لي وأبلغني وأبلغت الرئيس لم يكن ليقوم، فالسادات كان سيعز عليه ترك العرض.. هذه كانت شخصيته.

* ماذا كان أول رد فعل لك بعد حادث الاغتيال وما أول قرار اتخذته؟

ـ سارعت إلي أقرب سيارة قريبة من المنصة والتقطت اللاسلكي، وأصدرت أوامري لجميع الوحدات بتنفيذ «الخطة ١٠٠» وتحويل جميع التشكيلات إلي قتالية، أي لا تستخدم العصي والغازات، وإنما ضرب النار.

* قاطعته: ما هي «الخطة ١٠٠»؟

ـ هي خطة أمنية وضعناها بعد أحداث يناير في مجلد من حوالي ٦٠٠ صفحة تغطي أسوأ الحوادث الأمنية التي يمكن أن تحدث في الجمهورية كاملة، وهي موزعة الأدوار وكل واحد عارف يعمل إيه بشكل أوتوماتيكي وكل ضابط معه نسخة منها ورقم سري.

* وهل لايزال معمولاً بها حتي الآن؟

ـ لا أدري.

إذا كان النبوي إسماعيل يؤكد أنه لم يترك موقع الحادث وبدأ يتصرف بشكل أمني، إلا أن محمد حسنين هيكل كان له رأي آخر، حيث قال: في البداية لم يكن أحد متأكدا مما إذا كان اغتيال السادات مقصورا علي هجوم المنصة، أو أنه جزء من خطة أوسع.. وبعد الاغتيال هرول كثيرون من أركان الحكم يحاولون بكل طاقاتهم أن يحصلوا علي معلومات عما حدث، وما الذي يجري في بقية البلاد، حتي أن وزير الداخلية ذهب إلي بيت أحد أصدقائه، ومن هناك اتصل تليفونيا بمكتبه ليسأل عن الأخبار.. ولم تعرف جماهير الشعب المصري أن رئيسها قد اغتيل إلا بعد إذاعة محطة مونت كارلو أن السادات قتل (١).

* أيهما كان أخطر علي المجتمع من وجهة نظرك.. الشيوعيون أم الجماعات الإسلامية؟

ـ أولا يجب أن تعرفي أن الشيوعيين لم يكونوا يعملون من منطلق مصلحة البلد ولا الوطنية، والدليل أنه عندما يكون السادات راضياً عنهم يكونون هادئين ولا يثيرون المعارك، وإذا غضب عليهم حركوا المظاهرات وأعمال الشغب، دون منطق أيديولوجي واضح، ولا أهداف محددة، كذلك الجماعات الإسلامية فهي تتحرك من منطلق سياسي، وليس دينياً، وتسعي للوصول إلي الحكم.. لكن الجماعات كانت هي الأخطر لاستخدام بعض عناصرها السلاح والمفرقعات.

* هل شعر الرئيس السادات يوما بالندم صراحة بإخراجه هذه الجماعات من السجن وفتحه الباب لهم علي مصراعيه لمواجهة الشيوعيين؟

ـ أعتقد أنه في الآخر أحس بذلك، وأحس بخطورتهم علي البلد.

* من أشار علي السادات بخروج الجماعات من السجون؟

ـ عثمان أحمد عثمان ومحمد عثمان إسماعيل الذي تولي محافظ أسيوط، ولكن الوقت كان متأخرا.

جاء نصا في خطاب الرئيس السادات الشهير أمام مجلسي الشعب والشوري بتاريخ ٥ سبتمبر عام ١٩٨١:

«أريد أن أقول لكم شيئا.. إن هذه الإجراءات التي بدأت أتخذها هي وفقا للمادة ٧٤ ـ هوجمت هذه المادة في المجلس بدعوي أن رئيس الجمهورية قد يستخدم هذه المادة ضد أي شيء ـ أريد أن أوضح هنا أمام المجلس أنه حتي بدون المادة ٧٤ كنت سأتخذ نفس الإجراءات وأقف أمامكم وأخاطب الشعب. إن المسألة ليست المادة ٧٤، المسألة هي مصر، سلامة مصر، سمعة مصر، وحدة مصر». (٢)

وهو ما يعكس الطريقة التي كان يتخذ بها نموذج للرؤساء قراراته، إنها طريقة الاستثناءات.. الاستثناءات من كل شيء وأي شيء حتي ولو كان الدستور.

* وبعد استراحة قصيرة تناولنا فيها مشروبنا، قلت للنبوي إسماعيل مستفسرة : كُتب كثيرا عن اعتقالات سبتمبر، ولكننا في إطار البحث عن كيفية اتخاذ القرارات الحاسمة في حياة مصر: هل لك أن تصف لي كيف اتخذ هذا القرار، ومن أشار به علي الرئيس؟

ـ كان اجتماعاً عاجلاً يضم ٤ أشخاص ساهموا في اتخاذ القرار.

* من هم، وما الذي دار في هذا الاجتماع؟

ـ اعفيني من الإجابة.

* أرجوك، فلا يهمني أن نحكي عن أحداث سبتمبر، الأهم في المشروع هو كيف اتخذ هذا القرار.. وبعد محاولات مضنية، أغلقنا الكاسيت فيها أكثر من مرة، وافق علي الإجابة قائلا:

ـ كنت أنا والنائب مبارك والمشير أبوغزالة وطبعا الرئيس السادات (٣).. وناقشنا مخطط تحويل مصر إلي دولة خومينية، وكانت إيران تدعم هذه الجماعات المتطرفة، وتهدف علي الجانب الآخر لإشعال نيران الفتنة الطائفية في مصر، وركب الموجة الجماعات الإسلامية والشيوعيون، رغم الهوة السحيقة في الأيديولوجية، ولم يكن نهاية المخطط اغتيال السادات، وهم اعترفوا بذلك، وتزامن ذلك مع تقرير أمني يشير إلي تلكؤ إسرائيل في الانسحاب.

فقال السادات: لازم نحد من المعارضة لعملية السلام. فأثير رأي من أحد الجالسين في الاجتماع، حول تنفيذ القانون تنفيذاً حازماً وحاسماً، وعدم السماح بالتجاوز عن أي فعل، فرد السادات: هذا كان ممكناً لو أن الوقت مبكر، ولكنه ضيق الآن. فثار رأي آخر يشير إلي عودة العمل بقانون الطوارئ، وكان أيامها قد توقف التعامل به، فرد السادات: نحن أوقفنا العمل به منذ عام، لو عاد مرة ثانية الناس سوف تثور ونصبح في مشكلة؟ واستمع السادات للجميع، ثم قال: أنا سوف أستخدم حقي، الذي أعطاه لي الدستور، في المادة ٧٤، وهي المادة التي استخدمتها في أحداث يناير «الشغب».

فتحفظ النائب حسني مبارك، فقال له السادات: «ده تحفظ مش اعتقال، ويوم ٢٥ أبريل مع خروج آخر جندي إسرائيلي من مصر، سيتم الإفراج عن الجميع، وبعد كده يعترضوا زي ما هم عايزين، ساعتها البلد بقت ملكنا»، وبعد جدل أصر السادات علي رأيه، وقال: هذا هو الحل الوحيد.. وجاءت مرحلة اختيار الأسماء التي اشتركت فيها جميع الأجهزة الأمنية، داخل وخارج وزارة الداخلية، وتضمنت القائمة ١٥٣٦ شخصاً وكان ممكناً أن تكون أكثر من ذلك؟ كان من بينهم ٩٠٠ شخص تقريبا من الجماعات المتطرفة، ومجموعة من أئمة المساجد المتعصبين الذين يقفون ضد السلام، ويشعلون الفتنة الطائفية، ومجموعة أخري من القساوسة عددهم حوالي ٢٠٠ شخص بالإضافة إلي حوالي ٢٥٠ من المجرمين الجنائيين أما المثقفون والسياسيون، فلم يتعد عددهم حوالي ٤٠ أو ٥٠ شخصاً.

* إلي أي مدي تم التأكد وتحري الدقة أثناء إعداد قوائم الأسماء؟

ـ المفروض إنه فيه دقة وتحري، ولكن لا يسلم الأمر من أسماء كده ولا كده، ليس لها علاقة بالأمر.

وتم الاعتراض علي بعض الأسماء، أنا عن نفسي اعترضت علي اعتقال أشخاص، مثل عمر التلمساني والشيخ كشك وبعض السياسيين.

* وهل اعترض النائب مبارك علي أحد؟

ـ علي ما أتذكر، فهو قد اعترض علي فتحي رضوان وفؤاد سراج الدين وبعض كبار السن .

* وماذا فعل الرئيس السادات باعتراضاتكم؟

ـ رفضها ولم يستثن أحداً.

* كيف اعترضت، وأنت المتهم الأول بصياغة هذه القوائم وأنك من زكيت فكرة الاعتقالات لدي السادات؟

ـ هذا ليس صحيحاً، وقد شاركت جميع الأجهزة الأمنية في صياغة هذه القوائم، أنا فقط كنت أجمعها .

وعدت إلي النبوي إسماعيل لأسأله فجأة:

* كيف كانت علاقتك بالرئيس مبارك أيام أن كان نائبا لرئيس الجمهورية؟

ـ كانت علاقة وثيقة، فهو إنسان علي خلق وبسيط ومتواضع، وكنا نلتقي مبكرا الساعة الثامنة صباحا يوميا في مكتبي، أو لديه في المنزل، نتحدث في كل شيء خاص بأمور الدولة، وكان السادات يثق فيه كثيرا.

* مادامت علاقتك بمبارك جيدة لماذا لم يستعن بك فور وصوله إلي الحكم؟

ـ أنا طلبت أترك الداخلية، وكان الرئيس مبارك متمسكاً بي، والدكتور فؤاد محيي الدين قال لي: ما دمت تريد ترك وزارة الداخلية أنا عندي مشكلة في المحافظين، فهم يا نبوي، علي رأي السادات، الله يرحمه، كان دائما يقول: كل محافظ عمل لي رئيس جمهورية في محافظته، كل هذه الأوضاع يجب أن تتغير وتتصلح، وعرض علي منصب نائب رئيس الوزراء، ووزير الحكم المحلي، وقبلته بالفعل، وعملت من يناير حتي سبتمبر ٨٢، أي عدة أشهر، وطلبت أمشي لأني عندي حساباتي الخاصة.. وقدرت أن من حق الرئيس أن يختار رجاله، وللأمانة قبول مبارك الترشيح لرئاسة الجمهورية تضحية كبيرة منه، لأنه لو كان رفض يبقي بيسيبنا في أمواج متلاطمة، لا يعلم بها إلا الله.. وهو رئيس عقلاني جَنّبَ مصر كثيراً من المشكلات بأسلوبه الهادئ والحكيم، وكونه قادراً وسط الضغوط المحلية والعربية والدولية والمتغيرات السريعة علي عمل هذه التوازنات فهذا إنجاز كبير.

* مد فترة الحكم للرئيس، هذا المشروع الذي بلت به السيدة حرمكم الحالة السياسية في مصر بالمشاركة مع النائبة نوال عامر.. ما رأيك فيه؟

ـ أنا كنت معترضاً عليه، ولم أكن أعرف أنها ستتقدم به.

* ألم يوعز لك الرئيس بأن تخبر زوجتك أن تتقدم بهذا المشروع؟

ـ إطلاقا فهو أيضا لم يكن يعرف.

* لكنه جاء علي هواه، بدليل أنه قبل وتم العمل به؟

ـ الرئيس ليس له دخل، فمجلس الشعب هو الذي وافق.

* ومجلس الشعب تسيطر عليه الأغلبية التابعة للحكومة، لذا اختاروا ما فيه مصلحة الرئيس وليس مصلحة البلد؟

ـ انفعل قائلا: بقولك إيه المادة اتعدلت وأصبح اختيار الرئيس بالانتخاب.. اللي مش عايز ينتخب الرئيس دلوقت ماينتخبوش.

* من زوجتك إلي زوجة الرئيس الراحل السادات إلي أي مدي كانت جيهان السادات تتدخل في الحكم؟ خاصة أن الأستاذ هيكل كتب عنها قائلا: حاولت جيهان أن تعوض لبعض الوقت قصور السادات في عدم القراءة، وكانت تهتم كثيرا بتقارير مراقبة التليفونات وتقارير المخابرات وتقارير اتجاهات الرأي العام.. إن جيهان أصبحت بهذا الشكل عيون السادات وآذانه (٤)

ـ ليس تدخلاً بمعني التدخل، ولكن لا تحرمي زوجة الرئيس من أن يكون لها طلبات لدي أحد الوزراء.

* هل كانت تطلب منك أشياء؟

ـ أذكر مرة من المرات طلبت مني عدم نقل ضابط، كان يتفاني في خدمتها، لكنني لم أستجب لطلبها.

* هل أنت راض عن السياسة الأمنية الآن؟

ـ اللي إيده في الميه مش زي اللي إيده في النار.

* هل أخبرك الرئيس السادات يوما عن رغبته في أن يأتي بمنصور حسن وزير الإعلام ووزير شؤون الرئاسة السابق نائبا له؟

ـ لا فهو رفعه من وزير شؤون الرئاسة، وعينه في منصب وكيل مجلس الشعب، فالسادات قال له «أنا بادخرك يا منصور» وكان يلمح إلي أنه ممكن يمسكه مجلس الشعب، لكن كان ينتظر عليه حتي يحصل علي الخبرة الكافية، أما منصور فقال له «ادخرني لموقع مناسب»، وامتنع عن التنفيذ.

ويقال في رواية أخري عن منصور حسن، ذكرها محمود فوزي في كتابه «السادات المفتري عليه» إن السادات كان يدخره لمنصب رئيس الوزراء وفي روايات أخري أنه أراد أن يأتي به نائبا لرئيس الجمهورية.

وهنا عدت لأسأل النبوي إسماعيل.

* إذن هل أخبرك السادات يوما كيف اختار مبارك نائبا له وكيف كانت علاقته به؟ إلي أي مدي كان يساهم في اتخاذ القرارات المصيرية؟

ـ الرئيس السادات كان يتخذ القرار الذي يراه مناسباً، بعد أن يستمع إلي الجميع والدليل ما حدث في أحداث سبتمبر لقد عارضناه في بعض الأسماء ونفذ ما رآه صالحاً.

السادات كان يحبه وقال لي ذات مرة: يا نبوي أنا تعاملت كثيرا مع قادة الجيش، ولكنني لم أجد عقلية تنظيمية مثل محمد حسني مبارك لذا قررت تعيينه نائباً لي.

ولأن إجابة النبوي إسماعيل لم تكن شافية في هذا المجال لذا أعرض ما كتبه أنيس منصور، علي لسان الرئيس مبارك في كتابه «الرئيس قال لي وقلت أيضا»، عندما سأله قائلا: سيادة الرئيس.. ما الذي استفدته من علاقتك العميقة بالزعيم الراحل؟ وكيف تتفق معه وتختلف عنه في تناولك وتقديرك لشؤون الدولة؟

أجاب: لقد كنت الرجل الثاني؟ ولهذا السبب كنت أري أكثر مما كان يراه الرجل الأول.. وقد أتيحت لي فرصة عظيمة لكي أشاهد الأحداث والقضايا . وكنت أناقش الرئيس السادات ـ يرحمه الله ـ في جميع ما يعرض له من أمور. وأحيانا يكون لي رأي مختلف. ولكن خبرته وتجربته أوسع. وكان يري رأياً أخر؟، ويتخذ قراراً غير الذي كنت أتصوره، وعندما يتخذ هو القرار فإنني أتبناه فوراً، لأن هذه هي المصلحة العليا للبلد«٥».

*الهوامش
(١) كتاب «خريف الغضب» ـ محمد حسنين هيكل ص ٢٤٦
(٢) من خطاب السادات أمام مجلسي الشعب والشوري ٥ سبتمبر ١٩٨١
(٣) علمت من مصدر كان قريباً من السادات في هذه الفترة ـ رفض ذكر اسمه ـ أن فؤاد محيي الدين كان موجودا بهذه اللجنة.
(٤) كتاب «خريف الغضب» ـ محمد حسنين هيكل ص ٩٦
(٥) كتاب «الرئيس قال لي وقلت أيضاً» «أنيس منصور» ص ١٠٢

-----------------------
نشرت في المصري اليوم بتاريخ
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=97567

د. مصطفى الفقي

في حوار جريء (١ - ٢):
الأفضل أن تترك مصر دون نائب.. وأن نختار رئيسنا القادم.. لا أن يختاره لنا مبارك
-------------------------------------------------
بقلم رانيا بدوى - المصري اليوم ٢٧/ ٣/ ٢٠٠٨
-------------------------------------------------


في مكتبه بالجامعة البريطانية علي بعد ٢٥ كيلو متراً عن وسط القاهرة.. مشوار طويل قطعته علي الطريق الدائري أفكر في شيء واحد هل شخصية مثل الدكتور مصطفي الفقي بدبلوماسيتها وتوازناتها يمكنه الإجابة عن أسئلة من نوع، كيف تُحكم مصر؟.. هل يمكن ان يكشف لنا بصراحة طبيعة الرجال حول الرئيس؟ هل من الممكن أن يصف بدقة شخصية الرئيس في الحكم؟

توقعت أن يرفض أسئلة وتوقعت أن يشعر بمحاولاتي لاستنطاقه فيصمت أو يهرب لكن المفاجأة كانت حواراً جريئاً مع الدكتور مصطفي الفقي، عضو أمانة السياسات بالحزب الوطني.

كان صريحا إلي درجة ربما لا تتواءم مع وضعه في الحزب الوطني، ومنطقي، إلي درجة ربما تخجل الأحزاب المصرية.. كان أهم مافي هذه السطور هو ما بينها، وأجرأ ما في هذه الكلمات هو ماخلفها.. جاءت تعليقاته أحيانا غير مكتملة.. وبعض جمله كانت علي إطلاقها، إلا أن أنها معبأة بالرصاص.. فقد قرر أن يطلق الرصاص علي الجميع.. لكنه علي أي حال قرر استخدام مسدس يتصدر فوهته كاتم للصوت..

* القرار السياسي في مصر كيف يصنع ومن يتخذه؟

- سأتحدث عن الفترة التي عملت فيها في مؤسسة الرئاسة، حيث كان القرار يتخذ من خلال قنوات مختلفة تصب منها المعلومات سواء من المخابرات أو مباحث أمن الدولة أو وزارة الخارجية أو المخابرات الحربية أوهيئة الاستعلامات و غيرها، فضلا عن أن الرئيس يتلقي معلومات مباشرة من أصدقاء قدامي ومن مواطنين مغمورين وعاديين، من خلال تجميع هذه المعلومات يدعو الرئيس إلي اجتماع مع القيادات تتضمن رئيس الحكومة ورئيسي مجلسي الشعب والشوري والوزراء وبعض الوزارات السيادية الهامة وبعض مستشاريه ليتم مناقشة هذه المعلومات وعلي ضوئها يتخذ القرار.. وكانت مهمتي كسكرتير الرئيس للمعلومات هي تميع هذه المعلومات الرسمية وتنسيقها وتقديمها إلي الرئيس من مصادرها المختلفة، ولكنه لم يكن يكتفي بها لأنه لا يريد أن يحتكر أحد أذنيه.

* كيف يصل إليه المواطنون المغمورون والعاديون؟

- هو يلتقي في حديقة منزله صباحا بشخصيات غير معروفة يستمع إليهم في أوقات الأزمات الداخلية أو في المشكلات الخاصة بالشأن الداخلي، هو يعرف مجنداً كان معه في الجيش أو شخصاً عادياً التقي به في مناسبة عامة وأحيانا يتصل به أناس عاديون ويرد عليهم بنفسه كما يجلس مع ضباط صغار من الجيش أو الشرطة، موظفين عاديين في بعض الهيئات أو بعض رجال القضاء، هو يعتبر أن كل صاحب تخصص هو مستشاره في هذا التخصص فهو لا يدعي المعرفة الشاملة في كل الفروع وليس لديه هذه العقد، ولا مشكلة لديه في أن يغير رأيه علي ضوء المعلومات الجديدة.. أو الرأي الذي لم يكن قد سمع به من قبل.

* من هم مستشارو الرئيس؟

- أنا تركت الرئاسة منذ ١٥ عاماً ولا أستطيع الحديث إلا عمن عاصرتهم.. فكان هناك الدكتور أسامة الباز الذي كان كبير مستشاري الرئيس ومستشاره السياسي، وكنت أنا رئيساً لمكتب المعلومات.. وكان هناك مستشار اقتصادي هو السفير سعد الفرارجي، ومستشار إعلامي هو الأستاذ محمد عبد المنعم الصحفي ورئيس مجلس إدارة روزاليوسف السابق، وكان هناك سكرتير عسكري للرئيس وهو أحد الضباط المرموقين، أي أن هناك مجموعة كبيرة تقوم بالتخديم علي مكتب الرئيس، فضلا عن أن مكتب عابدين هو المطبخ الحقيقي، الذي تصب فيه كل مصادر الإعلام والتحليل السياسي، التي يوافي بها سكرتارية الرئيس والتي يترأسها شخصية عاقلة وهادئة جدا، وهو اللواء جمال عبد العزيز وهو أقدم مرافق للرئيس، بدأ معه منذ ١٩٨٦ وحتي الآن.

* قلت في إحدي المرات إن اختيار المسؤولين في عهد الرئيس مبارك يرتكز علي أمرين، الأول: هو التميز التكنوقراطي والثاني: استبعاد المتطلعين إلي المناصب؟

- الرئيس من شدة حرصه من مراكز القوي يخشي من اللاهثين إلي المناصب والساعين إليها ويري أن من يطلب شيئا تكن دوافعه شخصية وليست موضوعية.. اختيارات مبارك تأخذ وقتاً طويلاً جدا إذا رأي شخصاً في مناسبة عامة وأعجب به، يظل يتابعه لعدة سنوات قبل أن يوليه أي منصب، فهو شخص شديد الحذر، باعتباره طيار قاذفات، وهي نوع من الطيران يحتاج إلي قدر كبير من الحيطة والحذر قبل الإقلاع وأعتقد أن لديه نفس التصور في عمله في مؤسسة الرئاسة.

* أي أن الرئيس يعمل بمقولة العرب: طالب الولاية لا يولي؟

- نعم.. فعندما يشعر الرئيس بأن هناك شخصاً ما لديه شبق وهلع شديد للمنصب العام تأتي غريزة الحذر وهي غريزة متأصله لديه في تقييم هذا النوع من الشخصيات ويراجع نفسه كثيرا قبل أن يوكل إليه منصب عاماً أو حساساً لأنه يعتقد أن الدوافع الشخصية في هذه الحالة هي التي تحكمه وليست المصلحة العامة وأنا أعتقد أن الرئيس لديه موضوعية شديدة في الاختيار.

* ولكن طالب المنصب أحيانا يكون مهياً بالفعل عن طريق اندماجه في العمل السياسي بعكس العازف عنه؟

- لديك حق تماما، فأنا أيضا لي رأيي مختلف عن المعمول به فليس هناك ما يجعل طالب الولاية لا يولي، بدليل أن التدريب السياسي يتم في الغرب بشكل منظم ومرتب قبل وصول الشخص إلي المنصب، وقد شاهدتهم في بريطانيا في مطلع حياتي عام ١٩٧٥ وهم يأخذون تاتشر من الصفوف الخلفية إلي الصفوف الأمامية في مؤتمر حزب المحافظين في بلاك بول، كنت ممثلا للسفارة في هذا المؤتمر وهذا يعني أن هناك عملية تأهيل سياسي، وإلا ما جدوي أن يعد إنسان نفسه للحياة السياسية، ثم تقولين له أنت تعد نفسك للحياة السياسية فلا يجب أن تتولي منصباً لأنك تريده، كلمة «طالب الولاية لا يولي» كانت خاصة بالدولة الإسلامية عندما يريد شخص أن يتولي ولاية الشام أو ولاية مصر، فكان هناك تخوف من النزاهة المالية، أما ما عدا ذلك فالأمر مختلف.

* ما هو الفرق بين اختيار الرئيس عبد الناصر والرئيس السادات لمسؤولي الدولة من وجهة نظرك؟

- عبد الناصر كان يختار أهل الثقة، والسادات كانت تأتيه قرارات مفاجئة، يعجب بشخص فيسرع في توليته مايريد علي الفور.. وكان له رؤية مختلفة في اختيار الأشخاص فقد ولي الماركسيين رغم اختلافه معهم في بداية عهده، مثل إسماعيل صبري عبد الله، والدكتور إمام والدكتور إبراهيم حلمي عبد الرحمن وغيرهم، أما الرئيس مبارك فيخضع الأشخاص لاختبارات لمدة طويلة قبل أن يوليهم أي مناصب، فعلاقة الرئيس مبارك بالزمن تشبه علاقة الأسيويين بالزمن أي الشعوب الأسيوية وليس كالشرق أوسطيين، فهم في عجلة من أمرهم، أما هو فيفضل أن يأخذ وقته في اختيار الشخص، واذا ائتنس إليه ووثق فيه يوليه منصباً ويبقي عليه إذا لم يصدر منه شيء يجعله يعدل عن قراره.

* وأي الطرق كانت أجدي وأنفع في حكم مصر؟

- النتيجة توضح لك ذلك.. ففي عهد مبارك لا توجد أخطاء كبري مثل عهدي السادات وعبد الناصر وأيضا ليس هناك فرقعات كبري بينما في عصر كل من عبد الناصر والسادات كانت هناك إنجازات ضخمة وأخطاء ضخمة أيضا، أما السياسة التي اتبعها مبارك فقد جنبت مصر التورط في مشكلات داخلية وإقليمية.

* ما هو الخطأ الفادح في كل من العهدين السابقين؟

- الخطأ في عهد عبد الناصر كان الحملة علي اليمن لأنها كانت مقدمة لاستنزاف قدرات مصر العسكرية وجرها إلي مؤامرة ١٩٦٧، بالإضافة إلي غياب الديمقراطية، فهو كان يري أن شعبيته الكاسحة تغنيه عن الديمقراطية، أما خطأ السادات فكان في التعجل في التسوية في كامب ديفيد، وأنا لست ضد ذهابه إلي القدس، ولست ضد اتفاقية السلام، ولكنني أعتقد أن مزيداً من الوقت كان يمكن أن يكسبه دعما عربيا، يجعل نتائجها أكثر شمولا وتأثيرا.

* وما هو تقييمك للحكم في العهود الثلاثة ولشخصيات الرؤساء في إدارة البلاد؟

- عبد الناصر له إنجازات ضخمة، فقد أقام قومية عربية لا تقارن بأي زعيم آخر، فهو شخص له مفهوم البطل القومي فهو في تاريخنا مثل نابليون في فرنسا، نعم مات مهزوما والأرض محتلة، ولكن لا يجب أن نحكم عليه بالنهاية، فهو يبقي في التاريخ تحولاً فكرياً ضخماً ليس في العالم العربي فقط ولكن في العالم الثالث كله.. أنا عشت في الهند ورأيت مدي تأثرهم بالزعيم عبد الناصر.. أما السادات فهو رجل دولة، بمعني أنه كان يعرف المتغيرات الدولية والإقليمية جيدا.. كان يستطيع أن يعطي إشارة شمال ويدخل يمين..

وبالمناسبة لا يوجد في تاريخنا رجال دولة فهموا المتغيرات الدولية والإقليمية إلا محمد علي، مؤسس الدولة الحديثة، وأنور السادات، أما حسني مبارك فهو شخص مختلف فهو يريد أن يمنع الضرر أكثر من أن يجلب الفائدة.. ولذلك عندما يقيم التاريخ فسيقول إن عبد الناصر أخطأ عندما فعل كذا وكذا، والسادات أخطأ عندما فعل كذا وكذا، أما مبارك فقد أخطأ أنه لم يفعل كذا وكذا، هذا هو الفارق بين الرؤساء الثلاثة في رأيي الموضوعي.

* أعود لمسألة اختيار الرئيس لمعاونيه هل لك أن تحكي لي كيف تم اختيارك أنت شخصيا لهذا المنصب الحساس؟

- كنت أعمل في مكتب الدكتور أسامة الباز وجدت ظروفاًً غاب فيها، فقمت أنا ببعض الأعمال المطلوبة نيابة عنه فاستدعاني الرئيس وتعرف علي ثم عدت إلي «الخارجية» لمدة عامين٨٣-٨٥ واستدعاني مرة ثانية وكلفني بالعمل معه كسكرتيرالرئيس للمعلومات والمتابعة.

* رجال السياسة كانوا في العهد الملكي من رجال الفكر أما الآن فرجال السياسة أصبحوا موظفين في الدولة، فما السبب؟

- كان الفكر هو الذي يأتي بالشخص إلي المنصب، ولكن بعد ثورة يوليو تغلبت معايير أخري وأصبحنا في صراع ما بين أهل الثقة وأهل الخبرة، ومازلنا في أثرها حتي الأن ولم تعد الخبرة هي المعيار الوحيد في الاختيار، فهناك معايير أخري خاصة بالولاء للنظام ودعم أسلوب الحكم..وعلي امتداد الخمسين عاماً الماضية ابتعد أهل الثقافة والفكر عن العمل العام.. أتذكر الفترة الليبرالية في تاريخ مصر عندما كان أحمد لطفي السيد ومحمد حسين هيكل وزيرا وطه حسين والسنهوري وغيرهم من أهل الفكر يترأسون المناصب العليا في الدولة، ولكن انظري علي سبيل المثال إلي الانتخابات البرلمانية لا يقتحمها إلا أصحاب رؤوس الأموال ومن يمثلون التيار الديني أو من لهم عصبيات عائلية ولا تجدين شخصيات عامة مرموقة ولا أساتذة جامعة.. هناك حالة عزوف من المثقفين وهذا حصر دائرة الاختيار في نطاق أضيق، فأصبح عندما نختار نريده ألا يكون سياسيا سابقا وألا يكون منتميا إلي حزب من الأحزاب الأخري، وألا يكون في تاريخه السياسي صعود وهبوط ومن أمضي تجربة من قبل لا تتكرر ومثل هذا الأمر يضيق دائرة الاختيار.

* هل يخشي الرئيس مبارك أهل الفكر؟

- لا غير صحيح فهو يقدر أهل الفكر والدين والقضاء ولهم مكانة خاصة لديه..لا يهوي التهويلات النظرية والأحاديث الفلسفية يحبذ فكرة الكلام المحدد، والخيارات الواضحة، وأن تأتيه المعلومة المجردة بدون رتوش ويفضل في النهاية الأرقام ولغة الإحصائيات.

* ما هو رأي الرئيس مبارك الحقيقي في مسألة وصول نجله إلي الحكم؟

- لم أسمع في أي لقاء مع جمال مبارك أو مع أبيه أو أي أحد من الأسرة حديثا حول التوريث.

* ولاحتي رئاسة جمال مبارك للحزب الوطني؟

- ولا حتي ذلك، فكل المناقشات تدور حول مشكلات سياسية وأتحدي من يقول إنه قد جري أي حوار عن مستقبل السلطة في مصر.. كل ما أسمعه هو ما نردده نحن في صالونات المثقفين وحوارات المفكرين.

* ألست مع من يقول إن هذا الصمت يسمح بمساحات أوسع من سوء التأويل؟

- ربما كان هذا صحيحا فجزء كبير من انتشار شائعة مرض الرئيس، كان بسبب المساحة الضبابية لفكرة المجهول في المستقبل لدي الناس، فأصبحت هذه الشائعة رغم خبثها لها جاذبية شديدة لديهم.. والأعمار في يد الله في النهاية.

* الشائعة الأخيرة فتحت من جديد باب الحديث عن ضرورة تعيين نائب للرئيس؟

- قضية اختيار نائب في الدستور مسألة جوازية وليست حتمية.. الأمر الثاني أن هناك مشكلة حقيقية في اختيار نائب وهي الاشتباك بين وظيفة نائب رئيس الجمهورية والرئيس القادم.. كان السادات نائبا لعبد الناصر، فأصبح رئيساً وكان مبارك نائبا للسادات فأصبح رئيساً.. إن تعيين نائب سيلقي في ذهن المصريين مباشرة أن هذا هو الرئيس القادم.. إنما كان يجب فض الاشتباك بين نائب الرئيس والرئيس القادم، لأنها ستحدث استقطابا تلقائيا داخل مراكز صنع القرار، وسيتم النظر للقادم الجديد باعتباره هو المستقبل وهي نقطة خطيرة لم يعالجها الدستور المصري، ولا المشرع المصري.

* هل أفهم من ذلك أن الأفضل أن يختار الشعب من يحكمه في المستقبل، بدلا من أن يختاره لنا الرئيس مبارك؟

- أعتقد أن هذا أكثر ديمقراطية.. فهل الأفضل لنا أن يختار شخص من يخلفه أم أن يأتي من خلال عملية ديمقراطية بالانتخاب المفتوح؟.

* هنا يبقي أن أطرح عليك السؤال الملح: ماذا يحدث إذن لو غاب الرئيس؟

- سوف يتولي رئيس مجلس الشعب بحكم الدستور مهام الرئاسة التي لا تزيد علي ٦٠ يوماً ويفتح باب الترشيح ويعرض علي البرلمان، وفقا للقواعد المعمول بها بعد التعديلات الدستورية، وفي هذه الحالة يسمح لأكثر من مرشح أن يتقدم.

* وهل هناك بديل قوي يستطيع أن يحل محل مبارك؟

- لم لا! الحياه دائما منجبة فعندما رحل سعد زغلول توهم الناس أنها النهاية ثم جاء مصطفي باشا النحاس وهو أفضل في رأيي من سعد زغلول، وعندما رحل عبد الناصر توهم كثيرون أنها النهاية ثم جاء السادات وأصلح أموراً كثيرة، عندما ذهب روزفلت توهم الأمريكيون أنه ليس هناك من يملأ الفراغ بعده ثم جاء رومني وكان رئيسا جيدا.. الحياة لا تتوقف علي شخص بعينه.

* أفهم من ذلك أنه ليس هناك أي خطورة من عدم وجود نائب للرئيس كما يعتقد البعض؟

- مادام هناك ضمانات دستورية واضحة فهناك سيناريو محدد.. مشكلتنا أننا حبيسو الماضي، نريد نائبا لكي يكون رئيسا، أنا في رأيي أن اختيار نائب فيه قدر كبير من تحكم الرئيس الحالي في الرئيس القادم.. لكن لو كنا فضضنا هذا الاشتباك بأن قلنا إن نائب الرئيس يتولي بشكل مؤقت لحين انتخاب رئيس للجمهورية في هذه الحالة يمكن تعيين نائب.

* بشكل شخصي هل أنت مع وصول جمال مبارك لي الحكم؟

- أنا لست مع شخص ولست ضد شخص بعينه.. يهمني العملية التي تتم بها عملية الانتخابات إذا كانت عملية ديمقراطية شفافة، وليس فيها أي قدر من التدخل للتمييز بينه وبين مرشح آخر فأهلا به، ولكن هو شخص جيد وله الحق مثله مثل غيره، المهم كما قلت الطريقة التي يأتي بها.

* الأصدقاء في حياة الرئيس؟

- موجودون لكنني أستطيع أن أجزم أنهم لا يؤثرون في أي شيء، بل علي العكس، صداقة الرئيس والقرب منه تعدم صاحبها الامتيازات الشخصية لأن الرئيس يقظ دائما لإمكانية أن يستغل أصدقاؤه أو أقاربه وضعه.

* إلي أي مدي تتحكم الأجهزة الأمنية في اختيار الوزراء والمسؤولين ممن يحكمون مصر؟

- قلت لك إن الرئيس يعتمد علي مصادر كثيرة في معلوماته عن الأشخاص وبالتالي لا يوجد ما يمكن اعتباره مصدرا وحيدا للمعلومة سواء جهة أمنية أو غيرها.

* ولكن لها اعتبار؟

- طبعا لها اعتبار.. فهناك بعض الملاحظات الأمنية علي أشخاص لايمكن تجاوزها لا في مصر ولا غير مصر.

* كان وزراؤنا قبل ثورة يوليو سياسيين فلماذا اختفي الوزير السياسي؟

- الرؤية السياسية مهمة والوزير يضع الخطوط العريضة باعتباره مسيسا، ويوجد وكيل للوزارة يسير دولاب العمل اليومي..الاختيار يتم علي أساس الكفاءات ولكن باستثناء ذوي الاتجاهات التي يري النظام أنها لا تتمشي مع توجهاته، إنما في النهاية يتم الاختيار علي المستوي الشخصي والفردي وليس علي المستوي الحزبي أو المؤسسي وهذا أعدم الوزير السياسي.

* إلي أي مدي أمانة السياسات تسهم في وضع الاطار العام للدولة؟

- تسهم إلي درجة كبيرة جدا وتسهم بالأفكار والدراسات شديدة التميز.

* في الخارج توجد سياسة عامة للدول تظل ثابتة حتي ولو تغير المسؤولون في حين يتم تعيين المسؤول هنا فينسف السياسة السابقة عليه ويطبق سياسته الخاصة .. ألا يوجد إطار عام لسياسة الدولة؟

- هذا صحيح إلي حد كبير، المشكلة لدينا أن كل مسؤول يأتي بسياسته الخاصة وكل شخص يري في رؤيته وسياسته ما هو صحيح، والغريب أنه عند اختيار الحكومة لا يضع صاحب القرار عضوية الحزب الوطني من عدمها في الاعتبار، ولكن عندما يتولي الوزير يصبح تلقائيا عضواً في الحزب الوطني..

* الحياة البرلمانية؟

- لايزال أمامها الكثير لكي تتواءم مع ما تستحقه مصر، فنعم لا يوجد سقف لحدود المناقشة داخل البرلمان الآن.. ولكن في النهاية طغيان الأغلبية في مواجهة ديكتاتورية الأقلية يؤدي إلي ضياع كثير من الفرص، أما البرلمان فالأغلبية الطاغية تفرض رأيها بالكثرة العددية في التصويت والأقلية الديكتاتورية تفرض رأيها بالصياح والانسحاب، وكلاهما شيء معيب.


---------------------
د. مصطفي الفقي في حوار جريء (٢ ـ ٢)
كل إنجاز يتم يجري تفسيره علي ضوء التوريث..وهذا ما يجهض عملية الإصلاح
----------------------------------------------------
حوار رانيــا بــدوي - المصري اليوم ٢٩/ ٣/ ٢٠٠٨
---------------------------------------------------

بعد توليه عمله كسكرتير للمعلومات في مكتب الرئيس قال الدكتورمصطفي الفقي: إن الرئيس مبارك يراهن علي الديمقرطية ، وإن نفسه طويل، وصبره بلا حدود، فإلي أي مدي مازال الفقي مصرا علي ماقاله، وهل مازالت لديه القناعات نفسها؟.. هل الإصلاح السياسي والتعديل الدستوري كان امتثالا لضغوط خارجية؟

في هذه الحلقة من الحوار فتحنا ملف الديمقراطية مع الدكتور الفقي باعتباره أحد المفكرين الذين اقتربوا من قصر الرئاسة ومازال عضوا بارزا في الحزب الوطني وأمانة السياسات فتحدث بصراحة يشوبها بعض الدبلوماسية ودبلوماسية فيها كثير من الجرأة:

* هل مازلت مقتنعا بما قلته في حق الرئيس في عام ١٩٨٦؟

- الظروف أثبتت صحة ما قلته انظري إلي الصحف الحزبية والمستقلة لتدركي التحول الذي حدث في مساحة الحرية في مصر.

* قاطعته: ولتنظر أنت إلي حكم قضائي بحبس ٤ رؤساء تحرير صحف مؤخرا؟

- بغض النظر عن الأحداث الأخيرة، والتي كان سببها التجاوزات، وإن كنت أنا وبوضوح ضد حبس الصحفيين علي الإطلاق، وحبس أي شخص صاحب رأي.. ولكن يجب أن يتحري الصحفيون الدقة في المعلومات.. علي أية حال اتساع مساحة الحرية التي نعيشها الآن سبق بكثير الفترة الليبرالية من ١٩١٩ إلي عام ١٩٥٢ التي كنا نتباهي بها.، ونرجو أن تتوقف مثل هذه المنغصات عند حدود معينة ليظل هذا العصر ناصع البياض في التعامل مع الصحافة والصحفيين، وأعتقد أن الرئيس يؤكد دائما علي هذا المعني، وأن ما حدث هو عارض لا نرجو أن يتكرر وهو بمثابة لفت نظر.

* لفت نظر بحبس أربعة من أهم الصحفيين في مصر بأقصي العقوبتين السجن والغرامة؟!

- لا تعليق لي علي أحكام قضائية ولكني أتذكر أنه أثناء المناقشات الخاصة بقانون الصحافة في مجلس الشعب كان موضوع حبس الصحفيين مستبعدًا إلي حد كبير، ولا يأتي إلا في الضرورات القاسية جدا التي نتمني ألا تحدث.

* جريدة الشعب صدر لها ١٤ حكمًا قضائيا بالصدور ولم تصدر؟

- ليس لدي خلفية كاملة عن هذا الموضوع وأعتقد أن الأمر متعلق باتجاهات معينة للحزب.

* كنت أحد المسؤولين المقربين من دائرة الحوار والنقاش في مطبخ التعديلات الدستورية فهل أنت راض عنها؟

- كل ما أستطيع قوله أن هذه التعديلات لو كانت حدثت في أي دولة أخري غير مصر لكانت طبيعية إنما مشكلة من ينتقدونها ومعهم حق أن تلبيسها علي الحالة المصرية يدعو إلي سوء التأويل.. لدينا مشكلة حقيقية تتمثل في أن كل إنجاز تم في السبع سنوات الأخيرة يفسر علي ضوء ظاهرة التوريث التي يتحدث عنها الناس لذا جري إجهاض لعملية الاصلاح وكل إصلاح يتم لا يتم تفسيره تفسيرا وطنيا بل تفسير شخصي.. من هنا دخلت التعديلات الدستورية في هذا الاطار حيث يظن كثيرون أنه تم تعديل المادة ٧٦ لأننا نريد أن نمهد للتوريث.. وأن تعديل المادة ١٧٩ مقصود به ضرب الإخوان المسلمين وهكذا

* ومن فتح الباب إلي سوء التأويل؟!

- سوء التأويل هو طبيعة التراكم التاريخي للتجربة المصرية وهذا سوف يأخذ وقتا طويلا.. وأنا قد ترجمت بعض نصوص التعديل لشخصيات أجنبية كثيرة فلم يعترضوا عليها..فهذه التعديلات طبيعية جدا اذا حدثت في أندونسيا أو بلغاريا أو أي من الدول المتوسطة في تاريخ الديمقراطية.

* ما تقييمك للتعديلات الدستورية عموما.. وما المواد التي كنت مع تعديلها وما المواد التي لم تعدل؟

- أعتقد أنه كان هناك بعض المواد التي كان يمكن ان يتم تعديلها فنحن نثق في الرئيس مبارك وفي حكمه ولكننا لا نعرف القادم الجديد، لذلك كنت أتمني أن تتحدد مدة الرئاسة بتعديل المادة ٧٧ بمدتين أو ثلاث.. ثاني: أنا أعرف ظروف الإرهاب ومواجهته وأن الرئيس سيلجأ إلي المحاكم العسكرية في أضيق الحدود، ولكنني أشعر ببعض القلق في المستقبل من استخدام القضاء العسكري والإحالة اليه في بعض القضايا التي ليست بالضرورة عسكرية.

* هل أنت موافق علي تعديل باقي المواد بشكلها الحالي؟

- أعتقد أن مادة التعليم المجاني بشكلها الحالي مادة خادعة لأنه ليس صحيحًا أن التعليم في مصر مجاني والدليل مليارات الجنيهات التي تنفق سنويا علي الدروس الخصوصية، حتي إنه أصبحت هناك إعلانات في الشوارع علي الدروس الخصوصية علي الملأ ودون مواربة.. أيضا مادة العمال والفلاحين (٥٠ % في المجالس النيابية المنتخبة) أسيء استخدامها لأن الظروف تغيرت ولم يعد تعريف العامل والفلاح هو ذلك التي انطلقت منه فلسفة هذه الفكرة عندما تحددت في الستينات من القرن الماضي.. كنت أتمني أيضا الدخول اليها لأنني أرفض الازدواجية، وأن نقول مالا نفعله، فأنا أريد أكبر قدر ممكن من صدق الوطن مع ذاته هذه كانت بعض آمالي في التعديل الدستوري.

* وهل أعربت عن رأيك هذا بصراحة أثناء المناقشات؟

- نعم وكان هناك من يتفقون معي ومن يختلفون فمثلا الأستاذ حسين مجاور اعترض، وقال لي إن أي مساس بهذه المادة ربما يكون سببا في احتشاد مائة ألف عامل في ميدان التحرير.. لقد ناقشت بصراحة وأعربت عن رأيي بصراحة.. لكن القرار في النهاية للأغلبية.

* كيف توصل الرئيس من الأساس لقرار التعديل الدستوري.. وهل أشار به أحد عليه؟

- بدا هناك تحول في المناخ السياسي ليس فقط في مصر بل في العالم بشكل عام نتيجة التغير في الظروف الدولية خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر.. والاتجاه إلي توسيع دائرة الإصلاح والحريات فرأي الرئيس بأن هناك مطالبة دائمة بأن يكون هناك أكثر من مرشح لمنصب رئيس الجمهورية، وأعتقد أنه قراره الشخصي ربما لأنه كان متأكدًا من أنه سيحظي بالأغلبية في مواجهة أي مرشح آخر نتيجة تاريخه السياسي وتاريخه في الحكم، وبالتالي أقدم علي تعديل المادة ٧٦ في خطابه الشهير في محافظة المنوفية في فبراير ٢٠٠٥.

* كيف تقيم الديمقراطية في الثلاثة عهود؟

- عبد الناصر كان يري أنه لا يجب أن يتحدث عن الديمقراطية وأن حماس الجماهير له كل يوم في الشوارع بمثابة استفتاء شعبي عليه لا يحتاج معه إلي ديمقراطية، أما الرئيس السادات فكان مؤمنًا بالديمقراطية ذات الأنياب وهو مصطلح جديد أي أن الديمقراطية تقف عند حد معين وهذه كانت طبيعة المرحلة والتحول من مجتمع مركزي مغلق إلي مجتمع منفتح.. وأنا أعتقد أن مساحة الحرية التي أعطاها الرئيس مبارك والتي لا أقول إنها مائة بالمائة والا أكون كاذبا، ولكنها نسبيا خطوة متقدمة جدا علي الطريق.

* كثيرًا ما لجأ الرئيس السادات إلي القرارات الاستثنائية وحقه في المادة ٧٤ التي أتاحت له اتخاذ كثير من القرارات الاسثنائية وهو ما ظهر جليا سواء في أحداث يناير أو أحداث سبتمبر، فمتي يلجأ الرئيس مبارك إلي القرارات الاستثنائية؟

- لا يقدم علي ذلك بسهولة فأنا أذكر أيام أحداث الأمن المركزي لم يقدم علي قرار حظر التجول إلا لحماية للمنشأت العامة ولفترة ليلة أو اثنتين.

* هل كان القرار قراره؟

- كان قرارًا لابد منه، واتفقت عليه جميع أطراف صناعة القرار السياسي آنذاك.. فهي مشكلة فئوية من بعض الجنود ظروفهم الحياتية صعبة، ليست مشكلة شعبية.. ولو كانت تركت ربما أصبحت مشكلة أكبر بعد أن تندس فيها قوي كثيرة، ولكل نظام من معه ومن عليه.

* إلي أي مدي الرئيس حر في اتخاذ قراره خاصة أنك قلت أن هناك قوي كثيرة لا تجعل قرار الرئيس حرًا مائة بالمائة؟

- كل رئيس حر في اتخاذ قراره.. ماعدا مراعاته للبعد الاجتماعي والظروف الاقتصادية واحترام الوحدة الوطنية وبالمناسبة هذا هو أكبر مكسب لمصر لأنه تم النص عليه في المادة الأولي سابقا علي مادة الشريعة الاسلامية وهذا إنجاز ضخم للدولة المدنية المصرية.

* لكن أقصد بسؤالي إلي أي مدي يتأثر الرئيس بالضغوط الخارجية في اتخاذ قراره؟

- مبارك بطبيعته شديد الحساسية للضغوط الخارجية ولا يقبلها.. أذكر أنني كنت سكرتيرا له وطلبت الولايات المتحدة الأمريكية انزال ٢٠٠ طائرة هليكوبتر في إحدي القواعد العسكرية علي البحر الأحمر استعدادا للعمليات العسكرية ضد العراق عام ١٩٩١ ولكن الرئيس رفض وكاد يضحي بالتحالف لأنه رأي أن سيادة مصر لا تمس.

* دخولنا في اتفاقية مثل «الكويز»، وتوتر العلاقة من قبل مع ايران، وموقفنا من حماس، هل له علاقة بارضاء أمريكا؟

- إيران بالذات علاقاتنا بها جيدة والرئيس حريص عليها.. فهو استقبل كل مسؤول ايراني جاء إلي مصر بل والأكثر أنه استقبل الرئيس خاتمي وهو بعيد عن السلطة، ودعاه إلي إفطار عمل معه وهذا خارج السياق البروتوكولي، لا يقدم عليه الرئيس إلا إذا كان يقدر وزن الدولة الأخري، وأعتقد أنه هو الذي يرفع صوته دائما بأن أي عمل عسكري ضد إيران سيؤدي إلي انفجار في المنطقة.. أما اتفاقية الكويز فلا أستطيع أن أدلي برأيي فيها لأنني غير متخصص في الاقتصاد ولا أعرف حجم الفائدة أو حتي الخسائر من ورائها.. عموما لا يجب أن نعطي الضغوط الخارجية حجمًا أكبر من حجمها فالرئيس في النهاية لا يرضخ لأي ضغوط.

* قلت إن الرئيس مبارك يعطي القرار السياسي أكبر قدر من الاستقلالية فاذا عرض عليه أكثر من بديل يختار فورا ما يعكس المصلحة الوطنية؟ فهل يمكن أن تحقق لي هذا الكلام بـأمثلة؟

- أذكر حادث السفينة أكيلي لوروا عام ١٩٨٥، وكان هناك رأي يقول بتسليم الفلسطينين المتهمين للولايات المتحدة الأمريكية، ولكنه بخيار وطني وقوي رفض ذلك.. وقرر أن يرسلهم إلي قيادتهم الطبيعية في تونس لمحاكمتهم فاعترضت الولايات المتحدة الأمريكية الطائرة وأجبرتها علي النزول في إيطاليا، وهو موقف يعكس وطنية مبارك وحسه القومي.

* في مؤتمر الحزب الوطني عام ٢٠٠٢ تقرر أن يكون رئيس الحزب بالانتخاب الحر المباشر وهو القرار الذي سبق تعديل المادة ٧٦ بأكثر من عام أي أنه يفترض أن يكون الحزب قد أفرز قيادات قادرة علي الدخول في المنافسة علي رئاسة الحزب.. فهل تم ذلك ومن هم هؤلاء القيادات؟

- مازالت الإصلاحات في الحزب الوطني فوقية ولم تصل بعد إلي القاعدة، تماما مثل الاقتصاد القومي فكل المؤشرات العالمية تؤكد أن المؤشرات الاقتصادية في مصر تتجه إلي التحسن في العامين الأخيرين ولكن هذا لم يصل لي قاع المجتمع ولم يشعر به الفقراء.. يجب إعادة النظر في هيكلة الحزب الوطني وإصلاحه حتي لا تظل فوقية.

* هل يعني ذلك أنه لا يوجد قيادات قوية داخل الحزب الوطني؟

- هناك قيادات كثيرة ومتعلمة وعندما أحضر اجتماع أمانة السياسات أري حولي معظم العقول المفكرة من المثقفين والعلماء وأساتذة الجامعات في مصر.

* لماذا لا نري دورًا بارزًا لهؤلاء الأعضاء ولماذا الأبرز بينهما علي الاطلاق هو جمال مبارك؟

- لا.. هذا كلام غير صحيح جمال عضو من أعضاء هيئة مكتب الحزب وليس هو الوحيد ولكن لأنه ابن الرئيس فهو لامع بالضرورة وهو أمر لا يمكن تحاشيه في ظل تركيبة الشخصية المصرية.

* هل تري أنه يوجد قيادات داخل الحزب الوطني قادرة علي خوض انتخابات رئاسية؟

- لايبدو لي ذلك متاحًا ولكن مصر ليست دولة عقيمة ولكن لديها كثير من الكفاءات التي يمكن أن تخوض هذه الانتخابات وليس بالضرورة من داخل الحزب الوطني.

* ولكنه حزب الأغلبية؟

- لكنه ليس الحزب الوحيد.

* نري أن الزعيم في مصر أقوي من الحزب في حين في الخارج نجد الحزب أقوي من الزعيم؟

- هذه قضيه موجودة في مصر فعلا، فالفرد أقوي من المؤسسة، بينما يفترض أن المؤسسة هي الباقية لكن الذي يحدث هنا هو العكس ليس فقط داخل الحزب الوطني إنما كل الأحزاب فحزب التجمع هو: خالد محيي الدين تاريخيا مع احترامي لرفعت السعيد، وحزب الأحرار هو، مصطفي كامل مراد، وحزب الوفد هو فؤاد سراج الدين، مع احترامي للدكتور محمود أباظة ومن سبقه.. نحن مازلنا نعيش في ظل الشخصيات التاريخية.

* وما السبب في هذا الخلل؟

- الخلل في أننا نعيش حالة حزبية ضعيفة.. لم يوجد لدينا حزب بالمعني المفهوم الا حزب الوفد من عام ١٩١٩ إلي عام ١٩٥٢ ليس لأنه كان حزبا تنظيميا بالمعني المفهوم ولكن لأنه كان يعبر عن الحركة الوطنية أي أن النظام الحزبي بتركيبته الحالية ضعيف تاريخيا.. فليس لدينا أحزاب برامج، ولكنها أحزاب أشخاص.

* هل تتفق مع القول الذي يقول بأن الأجهزة الأمنية تضيق علي الأحزاب وأنها السبب في ضعف الأحزاب؟

- كلام صحيح إلي حد كبير كما أن الحزب الوطني ضيق أيضا علي باقي الأحزاب.

* هنا يجب أن أطرح عليك وجهة النظر الأخري، ومن يقولون أن الأمن حجة البليد، والدليل تواجد الإخوان المسلمين في الشارع المصري رغم تضييق الأمن عليهم أيضا؟

- الإخوان يعملون بلا ضوابط ولا قوانين بعكس الأحزاب فهم أصحاب أكبر حرية حركة في الشارع المصري رغم كل القيود عليهم لأنهم لا يخضعون لضوابط ولا قواعد بحكم أنهم خارج إطار الشرعية. وان كنت ضد فكرهم مائة بالمائة فأنا مع حقهم في وجود منبر مدني يعبر عن وجهة نظرهم.

* وليكن الحزب؟

- نعم ولكن علي ألا يستند إلي مرجعية دينية ولا شعارات دينية.

* هل هناك استحالة لتطبيق النموذج التركي في مصر؟

- في الظروف الحالية نعم نتيجة تجذر الدين في الشارع المصري، واختلاط التدين بالإسلام السياسي خاصة إن كلمة العلمانية كلمة كريهة في المجتمع المصري، وكأنها تقف علي الطرف النقيض من التدين وهذا غيرصحيح بالمرة.. العلمانية ليست ضد الايمان، فقد يكون هناك مسلم متدين متعمق في إيمانه لكنه علماني في توجهاته السياسية هكذا كان محمد علي وعبد الناصر أي مؤسس الدولة الحديثة وأكبر زعيم في تاريخنا القومي كانا ذا توجهات علمانية.

* إلي أي مدي تري الخارجية المصرية ملامة أو بريئة من تراجع الدور المصري مؤخرا.. والفشل في كثير من الملفات؟

- لا أستطيع أن أقول إن وزارة الخارجية فشلت، فجهاز الدبلوماسية المصري عريق وجهاز وطني، وهو يفعل ما يوكل اليه فهو لا يصنع سياسة بل هو منفذ سياسة، وأعتقد أن الرئيس هو الواضع الأساسي للسياسة الخارجية لمصر؟

* وهل تري أنه هناك فروقًا فردية بين منفذ ومنفذ؟

- طبعا فالعامل الفردي يختلف، فخارجية عمرو موسي تختلف عن خارجية أحمد ماهر، التي تختلف عن خارجية أبو الغيط.

* أيهما أصلح؟

لا أستطيع المفاضلة فكلهم زملاء ،وكل له طريقته فخارجية عمرو موسي هي دبلوماسية الكبرياء الوطني، أحمد ماهر دبلوماسية الخبرة الهادئة، أبو الغيط الدبلوماسية العملية التي تقوم علي الأسس الموضوعية.

* هل دفعت ثمن كونك صوتًا متفردًا في مؤسسة من هذا النوع «مؤسسة الرئاسة»؟إ

- إلي حد ما النظام يحسبني علي المعارضة المعتدلة والمعارضة تحسبني علي غيلان العاملين في النظام وهو أمر يسعدني لأنه يعني أنني محسوب علي مصر قبل الجانبين.

* هل آن الأوان أن تصرح بالأسباب الحقيقية التي أخرجتك من منصبك كمدير لمكتب المعلومات؟

- لقد قلت الأسباب الحقيقية من قبل ومفادها أنني ارتكبت مخالفة أمنية نتيجة أن سيدة كانت تتصل بي تليفونيا تشكو لي أوضاعها مع صهرها وكانت هذه السيدة علي اتصال بمسؤولين آخرين في الدولة الأمر الذي اعتبر خرقا للقواعد الأمنية لمؤسسة الرئاسة.

* ما المخالفة الأمنية التي يجب علي شخص تجنبها إذا كان يعمل في مؤسسة من هذا النوع؟

- أنا بطبيعتي يسمونني المتحدث وأنا أعمل في وظيفة لها قيود أمنية وأنا شخص لي اهتماماتي الأدبية والفكرية والأكاديمية ولي ندواتي ومؤتمراتي، ولي دور في الحياة العامة وهي أشياء تتعارض مع نوع الوظيفة التي أشغلها.

* وكيف تصف علاقتك الآن بالأجهزة الأمنية؟

علاقة ودية للغاية، ولست طرفا معهم في عمل.

* هل يلومك أحد منهم علي تصريح أدليت به؟

- لا إطلاقا فعندما يكون لي تصريح لا يتفق مع سياسة الدولة تأتيني الملاحظة من الرئيس شخصيا، وليس من الأجهزة الأمنية.

* هل تري أن تاريخك مع الرئيس مبارك لم يكن ليشفع لك في هذه المخالفة الأمنية؟

- هذا يؤكد موضوعية الرئيس مبارك فأنا تركت العمل ولكنني ظللت علي صلة شخصية به وبأسرته.

وهو أعطاني مساحة من السماحة طويلة المدي فهو لديه رحابة صدر واسعة نتمني أن تستمر حتي النهاية.

* اشرت كثيرا إلي المكائد وسوء التأويل اللذين تعرضت لهما ولكنني هنا أسألك إ لي أي مدي التأويل والمكائد يؤثران علي طبيعة الحكم في م- صر؟

- الحياة في كل مكان في العالم في دائرة صنع القرار صعبة، وعندما يكون هناك رجال حول الرئيس، يجب أن يكون الإنسان يقظًا مائة بالمائة، وأنا دخلت الرئاسة وعمري ٣٩ عامًا وهي سن صغيرة نسبيا للخبرة في مثل هذا المجال، هناك صراعات وكواليس ولابد أن يلتفت الإنسان ويحذر كثيرا، ولكن للأسف الحذر ليس من صفاتي.

* وهل يعلم الرئيس بما يدور حوله في الكواليس؟

أعتقد فهو لديه خبرة طويلة في معرفة الأفراد منذ تخرجه عام ١٩٤٨ هو عمل فترة طويلة أستاذا في كلية الطيران و مديرا لها كان يقود فرقًا ومجموعات.

* ما طبيعة الرجال حول الرئيس؟

- لابد أن يكونوا من الكفاءات العالية كل في تخصصه وأن تكون لديهم قدرات قوية في فهم الرأي العام. وتحليله، وأن يكونوا علي قدر كبير من الصدق والشفافية، هذا ما يجب.

* وهل هذا هو الموجود فعلا؟

- لكل بلد ظروفه لا أستطيع أن أجزم أو أحسم شيئًا.

* هل هذه الدائرة حول الرئيس تمنع وصول أحد إليه، ولا تسمح إلا بمساحات صغيرة من القرب؟

- هذه ظاهرة موجودة في العالم كله، وفي كل زمان ومكان وليست في مصر فقط.

* ولكن هل هي طريقة تشوش علي اتخاذ القرار السليم؟

- لا أعتقد هذا، فكما قلت لك، للرئيس مصادر متعددة في الوصول إلي الرأي العام إذا أراد ذلك.

------------
نشر في المصري اليوم بتاريخ 28 و 29/3/2008

http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=98863&IssueID=992
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=99113

د. علي لطفي

رئيس الوزراء الأسبق يعترف:
«١-٢» كنت رئيساً للحكومة.. لكن «فيه رئيس فوقي»
--------------------------------------------
حوار رانيا بدوى - المصري اليوم ١٩/ ٣/ ٢٠٠٨
--------------------------------------------


علي طريقة زعيم اليمين الأمريكي باري جولد ووتر الذي قال قبل سنوات طويلة «إن الفقير مسؤول عن فقره ولا حل له، كما أن من ولد بقدمين كبيرتين لا يمكن له تغييرهما».. وقد أزاحه هذا القول في أمريكا ذاتها من مرشح قوي للرئاسة إلي هامش المسرح السياسي..

لا أعرف لماذا تذكرت هذه المقولة أثناء الحوار مع الدكتور علي لطفي رئيس الوزراء السابق وخبير الاقتصاد وعضو الحزب الوطني وأمانة السياسات الذي ألقي ـ مثل ووتر ـ باللوم بشكل كبير علي المواطن.. فهو من أخطأ في حق نفسه وهو الجاني وليس المجني عليه..

فالحكومة تعمل، والمواطن لا يكف عن الشكوي.. الحكومة تنتج، وهو يستهلك.. بل الأدهي أن المواطن يجلس علي القهوة «لا شغلة ولا مشغلة».. يشكو حاله ويلعن الحكومة.. ولأن الحوار يدور في الجزء الأكبر منه حول «كيف تُحكم مصر؟» أردت أن أتعرض لأفكار أحد المسؤولين وكيف كان يدير هذا البلد وهؤلاء المواطنين من علي كرسي رئاسة الوزارة فبادرته بالسؤال :

* كيف تم اختيارك رئيسا للوزراء؟ ولماذا خرجت من الحكومة سريعاً؟

ـ مضطر أن أعود إلي عام ٧٨ عندما تم اختياري وزيرا للمالية في حكومة الدكتور مصطفي خليل، حيث اتصل بي النبوي إسماعيل وكان وزير الداخلية، وقال لي أنت مرشح لمنصب وزاري لذا لديك موعد مع الدكتور مصطفي خليل الذي قابلني، وقال لي أنت مرشح لمنصب وزير المالية فاعتذرت.. وهو أمر نادر الحدوث، وعندما سألني عن السبب قلت له إنني أستاذ جامعي وأحب التدريس فطلب مني أن أعتذر للرئيس السادات فشعرت بالحرج لذا قبلت المنصب، ولكن قلت له علي شرط أن تتركني أدّرس في الجامعة، لأنني أعشق التدريس الجامعي فوافق، وعينت وزيراً للمالية عام ٧٨ حتي عام ١٩٨٠.

ثم اتصل بي الرئيس مبارك وكان نائبا لرئيس الجمهورية، وقال لي جملة لم أفهم معناها إلا فيما بعد «متزعلش يا دكتور إحنا شايلينك لوقت عوزة» بعد ٥ سنوات فهمت الجملة عندما اتصل بي الرئيس مبارك وكنت في أمريكا أعمل أستاذاً زائراً هناك وطلب مني العودة فوراً، وكلفني بتشكيل الحكومة، ورفضت للمرة الثانية ولكنه أصر فقبلت.

* هل تتذكر أول قرار أقدمت عليه فور توليك هذا المنصب؟

ـ نعم.. وضعت ما يسمي دستورعمل من ١٥ مادة عرضتها علي الوزراء في أول جلسة، وكان من بين ما تقدمت به هو مصارحة الشعب ورئيس الجمهورية بجميع الحقائق أول بأول وقد طبقت ذلك علي سبيل المثال في أحداث الأمن المركزي وكان أيامها الأخ صفوت الشريف وزيراً للإعلام فقلت له ياصفوت نزّل المصورين يصوروا كل ما تم حرقه في البلد ويعرضونه علي الشعب المصري ويقولون له ما حدث بالضبط، ووقتها الشعب سيقف معنا وقد كان.. كما نبهت علي السادة الوزراء عدم استخدام جملة بناء علي توجيهات الرئيس فلماذا تحملون الرئيس ما لا يحتمل.. كل الوزراء يتحملون مسؤوليتهم كاملة.

* هل رفضك هذه الجملة كان سبب الإطاحة بك سريعا؟

ـ لا أعلم! ولكنني تركت الحكومة وتوليت رئاسة مجلس الشوري وهو منصب بدرجة نائب رئيس الجمهورية.. وأعتقد أنه ثقة كبيرة.

* هل الحرس القديم في حكومتك كانوا سبب الإطاحة بك؟

ـ أنا علاقتي بهم كانت جيدة وكنت أعمل معهم بروح الفريق أما عن كونهم سبباً أو لا فهم يسألون عن ذلك.

* قيل إنك اشتكيت من شللية الوزراء خاصة شلة الحرس القديم الذين مثلوا العقبة الحقيقية في تنفيذ سياساتك؟

ـ إطلاقا لم يحدث ولم أشك أحداً لأحد.

* كيف يتم اختيار الوزراء في مصر؟

- سأتكلم فقط عن تجربتي الشخصية فكان هناك ثلاث مجموعات، المجموعة الأولي هم من يري رئيس الجمهورية أهليتهم لمناصبهم واستمرارهم في أماكنهم.. لذا يستمرون، والمجموعة الثانية يري رئيس الجمهورية في حدود متابعته للعمل العام أنهم يصلحون لبعض الوزارات، إذن فهم يصلحون، أما المجموعة الثالثة فقد تركها لي الرئيس مبارك لأختارها كرئيس للحكومة.

* قاطعته وبالطبع من اخترته تعرضه علي الرئيس مبارك أولا؟

ـ نعم ولكن نتفاهم بشأنهم.

* إذن الرئيس تقريباً هو الذي يشكل الحكومة وليس رئيس الوزراء؟

ـ طبقاً لنص الدستور رئيس الجمهورية هو رئيس السلطة التنفيذية، ثم إن التشكيل الوزاري يصدر بقرار رئيس الجمهورية.. أنا كرئيس جمهورية لن أوقع قرار اختيار الوزراء دون أن أكون علي معرفة بهم.. هل سأبصم عليه؟ أم سأتدخل في الاختيار؟ هذا شيء منطقي ويجب أن يفهم الناس ذلك.

* رؤساء الحكومات متهمون دائما بأنهم سكرتارية تنفيذية للرئيس؟

ـ إطلاقاً غير صحيح.

* إلي أي مدي لدي رئيس الحكومة صلاحية في رسم السياسات واتخاذ القرارات؟

ـ في السياسات أتفاهم مع الرئيس في كل أمر، أما في القرارات فإذا كان من سلطة رئيس الوزراء فأتخذه دون الرجوع إلي رئيس الجمهورية،أما اذا كان قراراً جمهورياً بعد العرض من قبل رئيس الوزراء فأنا أعرض عليه ويكون القرار قراره إما بالقبول أو الرفض، فمثلا تعيين رؤساء الجامعات سلطة رئيس الجمهورية فيتم التفاهم بين رئيس الوزراء ووزير التعليم ثم يعرض علي رئيس الجمهورية يقره أو يرفضه.

* هل اعترض الرئيس مبارك يوما علي قرار اتخذته؟

ـ لم يعترض علي قرار اتخذته.. وإنما قرار كنت سأتخذه، عند تعيين رئيس جامعة ما اعترض الرئيس علي هذا الشخص وتم استبداله بآخر، ولا أذكر أنه اعترض علي شيء أثناء رئاستي للحكومة، وإنما فعل ذلك عند رئاستي لمجلس الشوري، حيث كنا نناقش تقريراً عن ضريبة التركات وأنا كنت من أنصار إلغائها، لأنها أحد معوقات الاستثمار، وكان الرئيس متخوفاً من أن حصيلة موارد الدولة تتأثر وتقل عن معدلها، وتحدثنا سوياً وقلت له: إن حصيلتها ضعيفة، وأنها معوقة للاستثمار فاقتنع وألغيت بعد ذلك، ولكن في الأول كان لديه تخوف.

* علاقتك بالرئيس مبارك؟

ـ علاقة طيبة فأنا عضو في الحزب الوطني وعضو في أمانة السياسات.

* كيف تحكم مصر؟ كل ما قلته يؤكد أن اختيار المسؤولين في الدولة يتم بمعرفة الرئيس سواء من يختارهم مباشرة أو حتي بتدخله بالرفض أو القبول في ترشيحات الآخرين وهذا يعني أن الجميع سيكونون من أصحاب الولاء للنظام وأفكاره؟ فهل نستطيع أن نقول إن الحكم فردي حتي إن اتخذته مجموعة، لأنها مجموعة تدين للفرد بالولاء؟

ـ الحكم في مصر يتم اتخاذه بمعرفة عدة جهات: رئاسة الجمهورية، مجلس الوزراء، مجلسا الشعب والشوري، والحزب الحاكم، هؤلاء الخمسة هي من تحكم مصر وكل منها له اختصاصات منصوص عليها في الدستور وفي القوانين، ولا تتعدي جهة علي أخري، فمثلا إذا أردنا أن نعمل مشروع قانون هنا تبدأ الحكومة بالاقتراح، وتقدم هذا الاقتراح إلي مجلسي الشعب والشوري، وهما بدورهما من حقهما القبول أو الاعتراض أو التعديل ولو رفضا مشروع القانون لا تستطيع الحكومة تطبيقه، من ناحية أخري الحزب الوطني هو حزب الأغلبية لذا من حقه أن يدرس كل الموضوعات ودراساته ترفع إلي الحكومة تأخذ بها أو لا تأخذ بها وهنا انطلق الدكتور علي لطفي بصراحة تلقائية قائلا: ولكن عادة تأخذ بها، لأن لدينا الحكومة حزبية، فالحكومة هي حكومة الحزب الوطني أما رئيس الجمهورية فله اختصاصات منصوص عليها في الدستور هكذا تدار مصر.

* هل توجه هذه المؤسسات من خلال مؤسسة الرئاسة؟

ـ في حدود سلطات رئيس الجمهورية وطبقا للدستور من حقه أن يوجه الحكومة والوزراء باعتباره رئيس السلطة التنفيذية، ولكن ليس من حقه توجيه مجلسي الشعب والشوري.

* باعتبارك الآن عضواً في أمانة السياسات إلي أي مدي تساهم هذه الأمانة في رسم سياسات مصر وإلي أي مدي تتدخل في إدارتها؟

ـ أمانة السياسات هي أمانة مناقشات ودراسات ورفع تقارير للأمانة العامة للحزب ومنها إلي الحكومة.. وأنا عضو في هذه الأمانه وأقول إن ما يقال عن أن أمانة السياسات تحكم مصر هذا كلام مبالغ فيه وغير حقيقي، فنحن نجتمع مرة أو اثنتين في الشهر نناقش بعض الموضوعات المطروحة علي الساحة ويحضرها الوزير المختص وفي النهاية نصل إلي عدد من التوصيات ترفع إلي الأمانة العامة، والأمانة العامة إذا أرادت تعديل أمر ما تعدله وإذا لم تشأ فهي ترفعها مباشرة إلي الحكومة، والحكومة قد تأخذ بها وقد لا تأخذ.

* قلت له: وغالبا تأخذ؟

ـ فأجاب: نعم.

* إذن نحن ندور في دائرة واحدة فبما أن الحكومة هي حكومة الحزب وبما أن أمانة السياسات جزء مهم من تشكيل الحزب الوطني إذن لها دور كبير؟

- بالطبع لها دور كبير.

* رئيس الوزراء في مصر مسؤول عن الشأن الداخلي ومؤسسة الرئاسة مسؤولة عن الشأن الخارجي.. ما صحة هذا الأمر؟

- أنا كنت رئيسا للوزراء وكانت لي علاقة بالشأن الداخلي والخارجي كنت أقابل كل سفراء الدول، وكنت أسافر إلي الخارج، وأقابل رؤساء الدول والملوك ورؤساء الوزارات.

* قاطعته ولكن المقابلات شيء والسياسة الخارجيه شيء آخر وأنا أقصد من يتخذ القرار النهائي بشأن العلاقات الدولية؟

ـ بالتشاور مع الرئيس.. هناك رئيس فوقي يجب أن أتفاهم معه قبل السفر وبعد الرجوع.

* أحمد أبوالغيط وزير الخارجية أعلنها صراحة بأن الرئيس هو الذي يرسم السياسات الخارجية للدولة ولو اعترض وزير الخارجية علي ذلك يخرج من المنظومة التي تنفذ سياسات الرئيس، واستشهد بما حدث مع وزراء خارجية سابقين مثل إسماعيل فهمي ومحمد ابراهيم كامل، فهل أي وزير يجب أن ينفذ السياسة علي مجملها وإن اعترض فليترك منصبه فوراً؟

ـ كل شيء في الحكم يتم بالتشاور وليس كما يعتقد البعض.. ولكن لنقر أن هناك سياسة عامة للدولة لا يجب أن يتصرف كل شخص علي كيفه وبطريقته الخاصة، ومن يعترض فليعتذر عن مهمته.

* في الدول المتقدمة توضع سياسة الدولة ويأتي رئيس الوزراء يكمل المسيرة ويتبع السياسة العامة التي وضعت مسبقا، ولكن هذا لا يحدث في مصر، كل رئيس حكومة يأتي بأولوياته ولا يعترف بما بدأه السابق له؟ لماذا لا توجد سياسة عامة لمصر؟

ـ الاستراتيجية الرئيسية للبلد موجودة ولا تتغير، ولكن الأولويات تختلف من حكومة إلي أخري بل من عام إلي آخر، لكن السياق العام للتنمية في مصر لا يتغير.

* وما السياق العام؟

- زيادة الإنتاج الزراعي باستصلاح ١٥٠ ألف فدان، الاهتمام بالصناعة.

* وهل هذا حدث؟

- مازلنا نسير قدما.

* السؤال بشكل آخر: مصر قبل الثورة كانت دولة زراعية بالدرجة الأولي، ثم أتت الثورة ومعها ثورة في بناء المصانع والاهتمام بالإنتاج، ولكن في ٢٠٠٧ كيف تري مصر دولة زراعية أم دولة صناعية أم رقصنا علي السلم؟

ـ انظري إلي الإنتاج في مصر وحجم التصدير.. ليس صحيحاً أن الإنتاج يساوي صفراً واستهلاكنا بالكامل من الواردات.. هي معادلة، انظري إلي الإنتاج والتصدير بالنسبة للواردات.

* ماذا نصدر؟

ـ نصدر بترولاً ومواد غذائية معلبة وأدوات صحية وحديد تسليح هذا ما يحضرني الآن.

* وماذا عن الزراعة؟

ـ والله لم نجد رئيس حكومة أتي وقال لن أهتم بالزراعة أو رفض استكمال مسيرة الاستصلاح.

* من يضع السياق العام للدولة؟

ـ نحن في دولة المؤسسات، مجلس الوزراء يقترح، ثم تعرض الاقتراحات علي مجلسي الشعب والشوري ليتم تعديله أو إقراره ومن هنا تأتي السياسات العامة للدولة،أي أنه ليس رئيس الجمهورية وحده ولا رئيس الوزراء وحده.

* حكومة رجال الأعمال والمصالح الخاصة بهم هل تتحكم في رسم السياسات العامة للدولة؟

ـ أولا أنا أعترض علي هذا السؤال فالحكومة الحاليه ٣٤ وزيراً وعدد رجال الأعمال بينهم حوالي ٧ رجال أعمال وهي نسبة ليست ضخمة.

وكذلك الأمر في أمانة السياسات أتحدي أن يقول أي شخص أن أغلبهم من رجال الأعمال فهم لا يتعدون أربعة، أفراد والباقي أطباء ومهندسون ومثقفون وعمال وفلاحون وغيرهم.. وبعدين يعني هما رجال الأعمال دول «جربة» هم موجودون في المجتمع ومن حقهم أن يمثلوه سياسياً.

* انهيار أسعار البترول، اختطاف الطائرة المصرية في قبرص، اختطاف الباخرة أكيلي لورو، أحداث الأمن المركزي، وإضراب سائقي السكة الحديد كلها أحداث جسام حدثت في عهدك فهل أنت سيئ الحظ؟

ـ كل شيء مقدر وكل شيء بأمر الله أنا شخص متفائل بطبعي.. نعم حدثت أحداث جسام أثرت علي إنجازات حكومتي.. ولكن المهم كيف واجهت الأزمات.

* وهل تعتقد أنك نجحت في مواجهتها؟

ـ أعتقد ذلك، فقد واجهتها بالشكل العلمي، فأنا رجل درست إدارة أزمات فمثلا في إضراب سائقي السكة الحديد فتحنا غرفة إدارة الأزمات في حوالي ٥ دقائق وكانت تضم فيها وزير الدفاع، ووزير الداخلية، وزير النقل، ووزير السياحة، وأنا باعتباري رئيسا للحكومة وتساءلنا كيف ندير الأزمة ووزعنا المهام فمثلا وزارة الدفاع تساهم بإرسال سيارات لنقل الناس، وكذلك وزارة النقل والمواصلات وتمدنا وزارة السياحة بالسيارات السياحية من شركة مصر للسياحة لنقل السائحين من القاهرة إلي أسوان بدلا عن القطار الذي تعطل.. وبعد ذلك نفكر في حل المشكلة، ثم طلبت نقيب السائقين للجلوس معه والتفاوض دون أن يلي ذراعنا أو نخضع له.

أما أزمة السفينة أكيلي لورو فأدرتها عن طريق الاتصالات علي جميع الاتجاهات، حيث فتحنا اتصال بسوريا وأمريكا وفلسطين وكانت برئاسة الرئيس مبارك.

* هل ما يقال إن هذه الأزمة تسببت في تجسس أمريكا علي الرئيس مبارك لتعرف مدي تضامنه مع ماحدث وكيفية حله للأزمة؟

ـ لا أعرف.

أما أحداث الأمن المركزي فقد بُلغت بالخبر حوالي الساعه السادسة أو السابعة بعد الظهر من وزير الداخلية أحمد رشدي وقال لي ما حدث مضيفا أنني لم أرد إبلاغ سيادتك، لأنه موضوع بسيط وأعتقدت أنني أستطيع حله، ولكن الموضوع تعاظم فجأة.. فطلبت منه أن يأتي إلي في مكتبي لنحل الأزمة سويا.

وقلت له: أنت رجل وزير اجلس في مكتبك ولا تجلس معهم علي الأرض حتي لا يصيبك مكروه.. وطبعا كنت علي اتصال برئيس الجمهورية لحظة بلحظة نمده بآخر التطورات واتخذنا قرار إعلان الأحكام العرفية وجمعت مجلس الوزراء وعرضت عليهم الأمر وأصدرنا قراراً بمنع التجول.

* ولكن في الخارج جميع المسؤولين ينزلون إلي موقع الحدث لحل الأزمة وليس من خلف مكاتبهم؟

ـ أنا طلبت من وزير الداخلية ألا يجلس معهم حتي لا تناله طلقة أو ضربة أو ما شابه ذلك وطلبت منه أن يبلغ عبدالحميد حسن محافظ الجيزة آنذاك أن يعود إلي مكانه هو الآخر بعدما أخبرني أنه أصيب في رأسه بزلطة.

* هل تتذكر.. قرار نزول الجيش للشارع كان قرارك أم قرار الرئيس؟

ـ لا أذكر بالضبط فهو قرار جاء عن طريق المناقشة ونزل الجيش الشارع وطبعاً منعت الشرطة من النزول، لأن الأمن المركزي من الشرطة ومن غير المعقول أن تضرب الشرطة بعضها، وكان ذلك قراراً حكيماً، ونزلت وحدات محدودة لتأمين القاهرة ومناطق أخري ولم تمكث سوي ٤٨ ساعة إلم يكن أقل وكان معنا وزير الدفاع آنذاك المشير أبوغزالة، الذي كان متجاوبا للغاية واستطعنا السيطرة علي الموقف.

* إلي أي مدي يتدخل الأمن في الطريقة التي تحكم بها مصر؟

ـ كون ملفات هناك تعطي للأمن فهذه طبيعة عمله.

* وماذا عن الأمن والانتخابات وما يقال عن تدخلهم في تقفيل الصناديق والتدخل لصالح مرشحي الحزب الوطني؟

ـ علي الأقل في الفترة التي ترأست فيها الحكومة لم أطلب من أي جهه أمنية فعل ذلك.. ولكن عمليا بيتدخلوا أم لا الله أعلم.

وهذا لا يعني أنهم يحكمون البلد.. فهم في حكومتي لم يكن يتدخلون في سياسات الدولة ولا في تعيين أواستبعاد شخص ما.

* ولكن يؤخذ برأيهم؟

ـ طبعا اذا كنت أشرح شخصاً ما لموقع مهم طبيعي أن أحصل علي التقارير الأمنية عنه ونسأل الأمن عن ملفاته.

* هل ضمن التقرير الأمني يتم تقييم أفكاره وأسلوب عمله، وهل هو ضد النظام أو يختلف معه في شيء ما؟

ـ بأمانة شديدة لم أقرأ أبداً في تقرير أمني أتي لي كلمة ضد النظام قد يكون حدث بعد ذلك في حكومات أخري، الله أعلم.

* من هم مستشارو رئيس الجمهورية؟

ـ الرئيس مبارك ليس له مستشارون.. ولا يحب أن يكون له مستشارون ويقول إن المستشار الاقتصادي مثلا حيضرب في وزير الاقتصاد وهكذا، ولم يكن له إلا مستشار في الشؤون السياسية وهو الدكتور أسامة الباز.. أما أنا عن نفسي أري أن فكرة المستشار مهمة جداً، فعندما كنت رئيسا للوزراء كان لي مستشار قانوني وآخر اقتصادي، ولكن كل واحد حر في طريقة إدارته.


---------------------
د. علي لطفي رئيس الوزراء الأسبق:
«٢ ـ ٢» الخصخصة ليست بيعاً فقط.. إنما إعادة هيكلة
---------------------------------------------
حوار رانيا بدوى ٢٠/ ٣/ ٢٠٠٨
---------------------------------------------
* هل وزع جمال عبدالناصر اشتراكية الفقر بدلا من اشتراكية الغني؟.. وهل خرب السادات اقتصاد مصر وفتح باب النهب والسلب سداح مداح حتي تعاظمت ديون مصر؟ وهل أصلح مبارك الاقتصاد؟

ـ رد هيكل في كتابه «لمصر لا لعبد الناصر» دفاعاً عن عبدالناصر وأدان السياسة الاقتصادية للسادات.. أما الدكتور علي لطفي فقد قررت محاورته لنقيم العهد الاقتصادي للرئيس مبارك الذي لم يكتب عنه أحد بعد:

قال هيكل: لقد بدأت التنمية في عهد عبدالناصر بخطوة تبدو الآن مرتجلة لكنها في الحقيقة كانت الخيار الوحيد المطروح أمامه وقتها.. أما عن كيف اتخذ الرئيس عبدالناصر قرارات التنمية في ظل عدم وجود وقت كاف للدراسة يقول الأستاذ هيكل (١)

تحرك عبدالناصر في ثلاثة اتجاهات علي طريق التنمية جاء بالمشروعات التي وردت في وعود وزارات ما قبل الثورة أثناء خطب العرش، واعتبر أن هذه المشروعات درست بما فيه الكفاية وأنشأ مجلساً أعلي للإنتاج خارج اطار الجهاز الحكومي وضم فيه مجموعة من أبرز خبراء مصر الاقتصاديين قبل الثورة وجعل علي رأسهم حسين فهمي وهو اسم من ألمع الأسماء الاقتصادية وقتها وكان قد تولي وزارة المالية من قبل، وكان من أبرز المشروعات التي نفذت تحت إشراف مجلس الإنتاج: مصنع حديد حلوان، ومصنع السماد في أسوان، وكهربة خزان أسوان وكهربة خط حلوان.. إلي آخره.

ثم أقر عبدالناصر بتوصية لمجلس الإنتاج في ذلك الوقت، بأن يعهد إلي بيت خبرة أمريكي عالمي هو بيت «آرثر دوليتل» الشهير بإجراء مسح شامل لإمكانات مصر الاقتصادية وكيف يمكن التخطيط لها تخطيطاً شاملاً، وقامت هذه المجموعة بمهمة استغرقت سنتين كاملتين وجاءت حرب السويس وكانت في حقيقتها حرب التنمية في مصر.. فقد كان محورها هو السد العالي، وكان تأميم قناة السويس هو رد عبدالناصر علي سحب المساهمة الأمريكية البريطانية في السد العالي، وعلي إحجام البنك الدولي إثر ذلك عن أن يقوم بتمويل المشروع..

ويستطرد هيكل قائلا مع بداية سنة ١٩٧٥ كانت الفرصة قد أصبحت متاحة للتخطيط المدروس الشامل وبدأ العمل، واستمر حتي سنة ١٩٦٧، طوال هذه السنوات العشر كانت نسبة النمو الاقتصادي في مصر تسير بمعدل ٦.٢ % سنويا بالأسعار الثابته الحقيقية، بل إن هذه النسبة ارتفعت في وسط الفترة أي من سنة ١٩٦٠ إلي سنة ١٩٦٥ إلي معدل ٦.٦ % ومصدر هذا الرقم تقرير البنك الدولي رقم ٨٧٠ ـ أ عن مصر الصادر في واشنطن بتاريخ ٥ يناير ١٩٧٦ ويضيف الأستاذ هيكل متسائلا: وما الذي يعنيه هذا الرقم؟

ويجيب علي نفسه قائلا: يعني أن مصر استطاعت في عشر سنوات في عصر عبدالناصر أن تقوم بتنمية تماثل أربعة أضعاف ما استطاعت تحقيقه في الأربعين سنة السابقة علي عصر عبدالناصر، ويشير هيكل تفصيلاً إلي كيف لهذا الاقتصاد أن يتحمل صدمة النكسة وعبء إعادة بناء القوات المسلحة وإتمام بناء السد العالي وأعباء مشروعات جديدة ضخمة أبرزها مشروع مجمع الحديد والصلب الذي وصفه السادات بأنه مشروع «لا يقل ضخامة عن مشروع السد العالي».. وتحمل هذا الاقتصاد فوق ذلك كله عبء تثبيت أسعار السلع الاستهلاكية.

أما عن ديون مصر في عهدي عبد الناصر والسادات فيقول هيكل (٢):

سنة ١٩٧٠ «سنة رحيل الرئيس عبدالناصر» كان مجموع الديون التي تتحملها مصر هو أربعة آلاف مليون دولار، هي مجموع الدينين المدني والعسكري، وكانت معظمها للاتحاد السوفيتي، علي أقساط ممتدة، وبسعر فائدة قدره ٢.٥ بالمائة.

وكان الدين المرهق هو الدين قصير الأجل وكان حجمه ١٠٤ ملايين جنيه وهو ما وصل في يناير ٧٥ إلي ١٠٠٤ ملايين جنيه أي زاد عشر مرات (٣).

ويقول هيكل في هامش كتابه «من سنة ٧٥ حين استشهدت بهذه الأرقام الي ست سنوات بعدها أي سنة ١٩٨١ وصل مجموع الديون الخارجية علي مصر إلي أكثر من ثلاثين ألف مليون جنيه».

يقول هيكل معلقاً علي سياسة الانفتاح في عهد السادات «يقال إن الحل هو الانفتاح» وتشجيع رأس المال الخاص علي استثمار أمواله.. تقول الأرقام إن القطاع العام يسيطر علي ٣٠ بالمائة من وسائل الإنتاج، وإن القطاع الخاص يسيطر علي ٧٠ بالمائة ومع ذلك، فإن القطاع العام أسهم مباشرة في ميزانية الدولة سنة ١٩٧٥ بما قيمته ٨٠٠ مليون جنيه بينما إسهام القطاع الخاص لا يزيد علي ثلاثين مليون جنيه!!

ولست أريد أن أقلل من أهمية نشاط القطاع الخاص، ولكن قوة التقدم الكبري تبقي هي القطاع العام، ويشير هيكل في كتابه إلي أنه وبرغم أصابعنا العشر التي أوقدناها شموعاً لرأس المال الأجنبي، فإن مجموع استثماراته في مصر حتي شهر يوليو ١٩٧٥ ـ من أولها إلي آخرها ـ ثلاثة ملايين جنيه استرليني بالتمام والكمال، جاءت مساهمة في مشروعات مشتركة أبرزها مشروع ويمبي لبيع اللحم المشوي، ثم مشروع دجاج كنتاكي لبيع الدجاج المقلي، وقد دخلت في الاستثمارات تحت بند مشروعات سياحية (٤).

ولكن إعمالا للإنصاف يجب أيضا أن أعرض ما قاله الباحث الإسرائيلي حجاي أرليخ عن ازدهار الاقتصاد في عهد السادات، ولكنه أرجع المشكلة إلي عدم توظيف واستثمار المبالغ بشكل يخفف الضغط علي المواطنين، بل أكدت الدراسة أن جزءاً كبيراً من عوائد الانفتاح تم استغلالها في إحكام قبضة السلطة وتعزيز النظام الحاكم، حيث تحسنت الوسائل التي تستخدمها أجهزة الأمن. (٥)

وهنا عدت للدكتور علي لطفي رئيس الوزراء السابق والخبير الاقتصادي وسألته:

* في خطاب لك في ديسمبر ٨٥ رفضت الخصخصة.. وأكدت أن القطاع العام هو قاطرة التنمية إلي أي مدي أنت مستعد لتغيير رأيك الآن؟

ـ أولا هذا الكلام غير صحيح بالمرة فلم أقل هذا الكلام.

* إنه تصريح كررته في حوار لك مع الكاتب الكبير مكرم محمد أحمد في مجلة المصور (٦)!

ـ غير صحيح فأنا طوال عمري من أنصار الخصخصة، والخصخصة ليست بيعاً فقط إنما إعادة هيكلة واستئجار، ونحن لن نبيع القطاع العام بأكمله، وإنما جزءاً منه، والخصخصة ليست هدفاً في حد ذاته وإنما وسيلة.

* ولماذا أنت مع الخصخصة؟

ـ لأن القطاع الخاص أكثر كفاءة من القطاع العام.. فالقطاع العام في مصر فيه سرقات واختلاسات وتزوير وخسائر وميزانيات وهمية.

* هل يمكن إصلاحه بدلاً من بيعه؟

ـ لا يجدي معه، لأن طول ما الناس بتتعامل مع القطاع العام إنه بتاع الحكومة حينتجوا ليه؟ كده كده مرتبها ماشي.. ثم إننا نريد أن تتفرغ الحكومة لمهامها الأساسية فأنا مثلا أخجل أن أكون رئيس حكومة من ضمن مهامها «تقلي سمك وتشوي فراخ» مثل شركة النيل وشركة المجمعات، هذا يجب أن يكون من اختصاصات القطاع الخاص، وأنا أتفرغ للصرف الصحي والمياه والطرق والكباري والتعليم والصحة هذه هي مسؤوليتي كحكومة.

* وماذا عن بيع البنوك فهذه لا تقلي سمك ولا بتشوي فراخ؟

ـ المبدأ واحد، ولكن هناك بعض الاستثناءات، فمثلا لو نظرنا إلي بنك القاهرة كان غارقا في الديون ومليئاً بالسرقات، ورئيسه تحول للمحاكمة ومات في السجن وضاع علي هذا البنك ما لا يقل عن ١٠ أو ١٥ ملياراً.. وهذا البنك كي يتم إصلاحه يحتاج علي الأقل إلي ٢٠ مليار جنيه، والحكومة لا تملك هذه المبالغ.. ثم إن لدينا بنكين كبيرين جدا يفوقان بنك القاهرة وهما بنكا مصر والأهلي، وقد تم التصريح بعدم النية في بيعهما.

* أود تذكيرك أننا سمعنا نفس التصريح عند بيع بنك الإسنكدرية وتعهدت الحكومة أمام مجلس الشعب بأنها لن تبيع أي بنوك أخري؟

ـ أنا لست الحكومة لتحاسبيني أنا مسؤول عن كلامي فقط، وأنا عن نفسي مع بيع بنك القاهرة.. وإن كنت أفضل أن مجموعة من رجال الأعمال المصريين يتكتلون ويقومون بشراء البنك مثلما فعل رجلا الأعمال محمد أبو العينين ومحمد فريد خميس وكسبا مناقصة العين السخنة من شركة إعمار وهي شركة ضخمة.

* باعتبارك خبيراً اقتصادياً، هل لديك أي شروط أو محددات لعملية البيع؟

ـ التقييم السليم من أكثر من جهة.. مراجعة التقييم من قبل البنك المركزي.. وضع كراسة البيع بكل شفافية أمام الجميع.. تنص علي عدم فصل أي عامل إجباريا إلا إذا كانت تلك رغبة العامل ويعطي التعويض الملائم.. وينص العقد علي عدم بيع أي فرع أرض فضاء وألا يغلق الفرع.. وأن يستحضر من الخارج أعلي تكنولوجيا المصارف إلي البنك.

* وهل هذه الشروط طبقت في الشركات والبنوك التي تم بيعها؟

ـ أعتقد أنه باستثناء أول شركة تم بيعها لم يأخذوا بالهم من مسألة بيع الأرض، ولكن بعد ذلك انتبهوا ووضعوها في الشروط.

* قلت قبل الحديث إنه قد طلب من مكتبك تقييم إحدي الشركات لبيعها فقلت لهم بيعوها ببلاش وأعطوا المشتري ٥٠ مليون جنيه فوقها فهل لي أن أنشر هذه الواقعة؟

ـ نعم فقد طلب من مكتبي تقييم لإحدي الشركات للبيع فطلبت منهم أن يبيعوها بصفر أي أن يعطوها للمشتري ببلاش ويعطوه فوقها ٥٠ مليون جنيه.

* هل أنت جاد أم أنها كناية عن سوء وضع الشركة؟

ـ كنت جاداً، وأقصد ما أقوله، فبعد تقييم الشركة وجدتها تدين بحوالي ١٥٠ مليون جنيه وأصول هذه الشركة من مبان وأرض وغيرها لا تتجاوز الـ ١٠٠ مليون جنيه فاقترحت بيعها ببلاش بشرط أن يلتزم المشتري بسداد الديون، أو الحل أن الحكومة تسدد الديون، ثم تبيعها بالـ ١٠٠ مليون «وطبعا هيه هيه».

* وزارة الاستثمار أوكلت إليك تصفية عدد من الشركات فهل هذا تكريم لأنك من الحكومة؟

ـ لا، والدليل أن هذا المكتب مفتوح منذ عام ٩٠ منذ آخر منصب توليته وهو رئاسة الشوري أي منذ ١٧ عاما وعمر الخصخصة ١٥ سنة، ورغم ذلك لم يطلب مني تقييم سوي شركتين فقط ليس تكريماً انما باعتباري خبيرا اقتصاديا.

* وماذا عن بيع المرافق العامة؟

ـ أعتقد أنها آخر شيء يمكن أن نفكر في بيعه وإن تم التفكير في ذلك فهناك بعض المرافق لا يجب أن تباع فأنا لا أتصور أن أحداً يستطيع تشغيل السكة الحديد، لأنه سيخسر إذا حافظ علي نفس التعريفة فهي مدعمة من الدولة لذا سيلجأ إلي رفع التعريفة وهذا أمر صعب.. إلا إذا خصخصناها وأعطينا المستثمر دعما للدرجة الثالثة بحيث لا يرفع سعر التذكرة.

* لو أن الدولة ستضطر للدفع فلماذا إذن الخصخصة؟

ـ من أجل الإدارة الجيدة ومنع السرقات وتطوير الخدمة.

* أذاعت قناة الـ «سي إن إن» تقريراً بتاريخ ٤/٦/٢٠٠٦ أن مصر تحتل المرتبة السبعين بين قائمة الدول الجاذبة للاستثمار، وأنها مصنفة عالميا في المركز الـ ١١٠ في الأداء الاستثماري فما تعليقك؟

ـ أساس مشاكل مصر إداري.. وأعتقد أنه لا يوجد دول متخلفة اقتصاديا، ولكنها متخلفة إداريا، وهذا التخلف الإداري ينتج عنه تخلف اقتصادي.. النظام الإداري لدينا يحتاج إلي تغيير شامل لذا يجب إدخال الحكومة الإلكترونية في كل مكان والتخلي عن الورق والملفات.. وإعادة النظر في إجراءات التقاضي فالقضايا تتداول أحيانا في المحاكم لأكثر من ثماني سنوات حتي يستطيع المستثمر أن يأخذ حقه وهذا أحد معوقات الاستثمار الرئيسية.

* روشتة العلاج من وجهة نظرك؟

ـ استكمال برنامج الإصلاح الاقتصادي بكل حزم وحسم وجرأة دون تردد أو تراجع.. ضرورة إعطاء أهمية كبري لمشكلة البطالة.. مزيد من تشجيع الاستثمار للعرب والأجانب والمصريين.. الاهتمام بالصناعات والمشروعات الصغيرة.. ضرورة الاهتمام بالصناعات المغذية للصناعات الكبري.. الاهتمام بالأسر المنتجة.. حل مشكلة الفرق بين الأجور والأسعار.. العلاوة لا يجب أن تكون نسبة مئوية.. ولكن يجب أن تعطي بحسب العبء والوضع الاجتماعي أي أن علاوة الأعزب غير المتزوج ولا يعول غير المتزوج ويعول.

* ما رأيك في الاقتصاد الحالي؟

ـ ما يحدث الآن هو استكمال لحالة الإصلاح الاقتصادي الذي بدأ منذ أكثر من ٢٥ عاما.. فعندما تولي الرئيس مبارك مقاليد الحكم دعا إلي مؤتمر اقتصادي، وهذا دليل علي اهتمامه بالجانب الاقتصادي، فتقدم الدول في الآونة الأخيرة يقاس بتقدمها الاقتصادي، هذا المؤتمر وضع توصيات من أهمها ضرورة إعداد وتنفيذ برنامج للإصلاح الاقتصاي.

* وهل وضع ونفذ؟

ـ نعم نفذ جزء منه ومازال تنفيذه مستمرا.. فعلي سبيل المثال قد تمت عملية الإصلاح المالي والإصلاح النقدي مثل عملية توحيد سعر الصرف وتحريره، وتحرير سعر الفائدة وكذلك عملية الإصلاح السكاني فقد تم الحد من الزيادة السريعة للسكان، فمعدل النمو اليوم بلغ ٧ % وكان نتيجة ذلك تحقق عدد من الإيجابيات منها انخفاض عجز الموازنة العامة للدولة كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي، وانخفاض معدل التضخم، كما أصبح هناك فائض في ميزان المدفوعات، واستقر سعر صرف الجنيه أمام الدولار، إن لم يكن تحسن في الشهور الأخيرة، وأخيرا تحقق نقد أجنبي احتياطي لدي البنك المركزي زاد علي ٢٨ مليار دولار.

* ولكن الناس تعاني معاناة شديدة؟

ـ من منطلق الحديث بصراحة، ترجع معاناة الناس إلي البطالة تلك المشكلة التي لم تحل حتي الآن، وكذلك مشكلة الأسعار وعدم توازنها مع الدخول، ومشكلة البيروقراطية بالإضافة إلي ما ظهر مؤخرا من مشكلات مثل نقص مياه الشرب وانقطاع التيار الكهربائي عن بعض المناطق.

* وماذا بعد ذلك أليس هذا كافيا لخلق حالة من الاختناق لدي الناس؟

ـ لا، فرغم ذلك هناك إيجابيات كثيرة تحققت وهذا ما كنت أقصده بأن عملية الإصلاح عملية مستمرة للقضاء علي المشاكل المتبقية.

* ولكنك أحصيت بنفسك عدداً من المشكلات التي تواجه الناس؟ إذن، هناك خلل ما فمن المسؤول عنه؟

ـ المشكلة في الناس وطموحاتهم التي تزداد يوما بعد الآخر فإذا كان طموح المواطن أن يسكن في قصر وأنا أعطيته فيلا لن يشعر بالرضا، فقد أدي انتشار الفضائيات إلي توليد طموحات كثيرة عند الناس مهما جاهدت الحكومة فلن تسد احتياجاتهم وان أعطتهم هم لا يشعرون.

* أنا أتحدث عن الفقراء في القري والعشوائيات وليس من يمتلكون الفيلات ويطمحون في القصور؟

ـ إذا نظرت إلي العشوائيات ستجدين عددا كبيرا منهم لا يجدون قوت يومهم ويمسكون الموبايل في أيديهم.

* أعدت عليه السؤال بشكل آخر: مازلنا لا نشعر بارتفاع مؤشرات النمو الاقتصادي التي تتحدث عنها الحكومات المتعاقبة؟

ـ أجاب ساخرا: هذا كلام مواطن غلبان قاعد علي القهوة مش فاهم حاجة في الاقتصاد.

* أعتقد أن هذا المواطن الغلبان الذي لا يفهم شيئا في الاقتصاد من حقه أن يفهم وأعتقد أنه أتي بالحكومة التي يفترض أنها تفهم عنه الكثير لتحل له مشاكله؟

ـ أنا أقول لهذا المواطن.. هذا الكلام غير صحيح فنحن ننتج ولكن هذا الإنتاج لا يكفي الاحتياج لذا نستورد من الخارج، وأنا أتمني أن نقلل وارداتنا ونزيد من صادراتنا لضبط الميزان التجاري ولكن غير صحيح أن نقول إن وضعنا الاقتصادي سيئ أو أننا نستورد فقط ولا ننتج والأرقام الرسمية تؤكد ذلك.

* الأرقام الرسمية أيضا تؤكد وجود ملايين تحت خط الفقر في العشوائيات؟

ـ من هم تحت خط الفقر في مصر حوالي ٢٠ % وهي نسبة أعرف أنها ليست بسيطة ولكن العشوائيات ـ والفقر ـ لم تأت بين يوم وليلة لذا هي ستحل بعشرات السنوات أيضاً.

* هناك تقارير تؤكد أن سوء التخطيط يتسبب في الأزمة وسوء التخطيط في حلها يتسبب في أزمة أكبر؟

ـ سوء التخطيط هذا أمر لا وجود له، هناك استراتيجية عامة مقسمة إلي خطط خمسية مقسمة بدورها إلي خطط سنوية خاضعة للتنفيذ، ومن يضع هذه الخطط خبراء وطنيون مصريون وعلماء لا يمكن أن نتهم بالخيانة ولا بالجهل من هم قبلي ومن هم بعدي.

لا تنسي أنه في الأول كانت كل موارد مصر مخصصة للمجهود الحربي، لماذا ننسي الحروب التي دخلتها مصر في ٥٦ و٦٧ و٧٣ والشعار الذي كان مرفوعا «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة» أي أن كل موارد مصر تسخر لخدمة القوات المسلحة وما يفيض يعطي للشعب ليأكل به.. المواطن نفسه الذي ينجب ١٠ أطفال ألا يتسبب ذلك في مشاكل للحكومة فهم في حاجة إلي التعليم والرعاية الطبية، في حين أنا وضعت خطتي كحكومة علي أساس أن كل مواطن ينجب ثلاثة أطفال، وهنا نقول إن السبب هو سوء التخطيط أم أن الخطأ هو خطأ المواطن الذي أخطأ في حق نفسه وحق المجتمع.

* في فترة ما كان لا صوت يعلو فوق صوت المعركة.. ولكن بعد حرب ٧٣ وفور تولي الرئيس مبارك الحكم تم تخصيص المليارات لإنشاء البنية التحتية.. ولكن في ٢٠٠٧ لدينا مشاكل في هذه البنية وكأننا نبدأ من الصفر من جديد فما الذي حدث؟

ـ البنية التحتية تم عمل مشاريع ضخمة فيها تكلفت عشرات المليارات، ولكن مع النمو السريع للسكان نحتاج الي بنية جديدة لأنه تم استهلاك البنية السابقة، والزيادة السكانية تستهلك البنية التحتية بشكل سريع. لو أتينا للتعليم نجد الدولة تخصص له ٢٥ مليارا والعلاج ٨ مليارات حتي يكون التعليم والعلاج مجانيين، وفي الآخر نتساءل: أين موارد وأموال مصر؟ المشكلة الحقيقية من وجهة نظري، والتي أضاعت جزءا من موارد مصر هي موضوع الدعم.. أنا لست ضد الدعم ولكن السؤال: الدعم لمن؟ الدعم يجب أن يكون للفقير الذي يستحق الدعم وليس لكل المواطنين المليونير والفقير وهذا أدي إلي ضياع موارد الدولة.

* أي وزارة تراها استكمالا لسياستك الاقتصادية؟

ـ عاطف صدقي الله يرحمه رجل ممتاز ورئيس وزارة جيد جدا، سار علي كثير من الأشياء التي وضعتها وغير بعض الأشياء وتأخر في برنامج الإصلاح الاقتصادي فقد أتي إلي الحكومة عام ٨٦، ولكن بدأ البرنامج الإصلاحي عام ٩١ وهو ما يؤخذ عليه، أنا لو كنت مازلت في منصبي كنت سأسير أسرع بكثير وهذا هو الفرق بيني وبينه.. سرعة تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي، فرق آخر وهو أنني كنت أتخذ قرارات سريعة وحاسمة تؤدي أحيانا إلي غضب بعض السادة الوزراء ولم يتقبلوها..

فمثلا قرار عدم سفر أي وزير إلي الخارج الا للضرورة القصوي «لكن هو كان بيريح الوزراء علشان يحبوه».. مثال آخر، قراري بمنع استيراد بعض المنتجات مثل الجوز واللوز والبندق، لأن لدي نقصا في النقد الأجنبي، وانهيارا في أسعار البترول لذا كان طبيعيا أن أوفر ١٠٠ مليون دولار يتم استيراد منتجات بها مثل هذه.. كما غضب بعض رجال الأعمال من محاربتي التهرب الضريبي، ولكن المهم بالنسبة لي هو أن أعمل للصالح العام.. طبعا عاطف صدقي أتي وألغي هذا القرار وهذه وجهة نظره. فهو بطبعه «مابيحبش يزعل حد».

* وماذا عن حكومة دكتور نظيف؟

ـ لا تعليق.

الهوامش
-------
(٢) لمصر لا لعبدالناصر ـ محمد حسنين هيكل ـ ٩٥

(٣) أرقام صادرة عن تقرير رسمي للبنك المركزي المصري قدمه إلي البنك الدولي وورد في تقرير البنك الدولي رقم ٨٧٠ ـ أ عن مصر، الصادر في ٥ يناير ١٩٧٦.

(٤) لمصر لا لعبدالناصر ـ محمد حسنين هيكل ـ ٩٨.

(٥) الشباب يواجه الانفتاح ـ دراسة إسرائيلية ـ حجاي أرليخ ـ مترجمة من العبرية بمعرفة الهيئة العامة للاستعلامات.

(٦) حوار مكرم محمد أحمد مع علي لطفي ـ مجلة المصور.


---------------------
نشرت في المصري اليوم بتاريخ 19 و20 مارس 2008
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=97867
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=98012

محمد فائق

وزير إعلام عبدالناصر في حوار كاشف «١-٢»:
الأمن القومي أخطر من أن يترك للواء شرطة وعصا وبندقية
---------------------------------------
حوار رانيــا بــدوي - المصري اليوم في ٨/ ٣/ ٢٠٠٨
--------------------------------------


المعلومات تحدد مصير البلد، و تفرض الطريقة التي يتصرف بناء عليها الحكام.. المعلومة السليمة تعني اتخاذ قرار سليم.. ومعلومة واحدة خاطئة قد تؤدي إلي أخطار قاتلة.. فمن أين وكيف يستقي الرئيس معلوماته؟

كتب الأستاذ أحمد بهاء الدين في كتابه «محاوراتي مع السادات» قائلاً: «لا أكاد أذكر أنني رأيت يوما الرئيس السادات جالسا في مكتبه. ولا أكاد أذكر أنني رأيته يوما وأمامه في الحديقة أو في الصالون أي أوراق أو ملفات، إنما كان يدير الدولة كلها بالتليفون فقط..

وكنت ذاهبا إليه ذات مرة في المعمورة واستبقاني مدير مكتبه فوزي عبد الحافظ وطلب مني أن أبلغ الرئيس السادات بأشياء هامة -إن لم أكن مخطئا- بأحداث عربية تهم مصر.

وسألت فوزي عبد الحافظ مندهشا: هل توقفت عن إعداد النشرة اليومية التي تقدم للرئيس من أيام عبد الناصر صباح كل يوم وفيها أهم الأنباء؟ وقال لي فوزي عبد الحافظ: ازاي؟ احنا بنعمل النشرة كل يوم وأحسن من الأول! وقام وأخرج لي كمية من هذه النشرات للتدليل علي أنه وجهازه يقومان بواجبهما.

ثم استطرد قائلا: لكن انت عارف الرئيس من زمان «مالوش خلق علي القراية». ودلوقتي بقت مشاغله كثيرة جدا، أنا بحطله التقرير علي «الكمودينو» جنب السرير كل يوم..

لكن يفضلوا يزيدوا لحد ما يبقوا عشرين تقرير، والرئيس مفتحهمش فيقول لي: شيلهم بقي يا فوزي! لازم الحاجات اللي فيهم بقت قديمة. فآخد النشرات وأبدأ من اليوم التالي في وضع النشرات اليومية الجديدة!» (١)

وتوضيحا وليس تطويلا دلل الأستاذ أحمد بهاء الدين في صفحات أخري من نفس الكتاب علي الطريقة التي كان يتعامل بها الرئيس السادات بل والرئيس عبد الناصر مع المعلومة التي بناء عليها يتخذ كل منهما قراره يمينا أو يسارا، قاطعا أو مواربا..

ويروي في نفس الكتاب «قال لي السادات أنا فعلا لم أقرأ صحيفة لبنانية منذ ستة أشهر.. وبدت علي وجهي الدهشة ففي ذلك الوقت كانت الصحافة اللبنانية قد أحرزت لنفسها مكانة مرموقة ومؤثرة في العالم العربي كله. ورأي السادات الدهشة المرتسمة علي وجهي، فاستطرد قائلا: أمال إيه اللي موت عبد الناصر؟

كان بعد ما يشتغل ١٨ ساعة في اليوم وييجي ينام مش يسمع موسيقي أو يأخد حاجة مهدئة، كان منبه إنهم يحطولوا جنب السرير كل الجرائد العربية المليانة شتيمة فيه.

كان يقرا السم الهاري ده قبل ما ينام. وتاني حاجة موتته "المدعوق ده" وأشار بيده إلي الراديو. ثم استطرد قائلا كان حافظ نشرات الأخبار بتاعة العالم كله. سواء كان لوحده أو قاعد معانا كل شويه يفتح الراديو ويقول: لما نسمع أخبار لندن! لما نسمع موسكو! لما نسمع صوت أمريكا أنا بقي علي عكسه تماما.

لما يقولولي ان جرايد بيروت بتشتمك أقولهم مش عايز أشوفها! طيب ما أنا عارف أنا بعمل ايه وهم بيقولوا علي ايه! ايه الفايدة بقي إني أضيع وقتي وأحرق دمي وأقرأ الكلام الفارغ اللي بيقولوه» (٢)

لذا وبعد انتهائي من هذا الكتاب وكتب أخري من مذكرات بعض من عاصروا هذه العهود، التقيت محمد فائق الذي كان وزيرا للإعلام في أخطر المراحل التي مرت بها مصر وهي مرحلة النكسة.. وهو حالياً عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان والأمين العام للمنظمة العربية لحقوق الإنسان، وكان سؤالي الأول له: من أين كان يستقي الرئيس عبد الناصر معلوماته؟ والي أي مدي كان يصدُقه من حوله المعلومة؟

فأجاب: عبد الناصر كان متابعاً جيداً وقارئاً جيداً للتقارير التي كانت تقدم له من جميع المؤسسات والأجهزة الأمنية.. بالإضافة إلي متابعته الجيدة لكل ما ينشر في جميع وسائل الإعلام.

* كيف كان يتخذ الرئيس عبد الناصر قراراته؟

- الرئيس جمال عبد الناصر لم ينفرد قط بقرار، والدولة في عهده كانت دولة مؤسسات.. فكان يستشير الجهات المختصة دائما، فمثلا كان هناك اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكي التي كان يعرض عليها كل القرارات وتساهم في اتخاذ القرار.. وكان هو التنظيم السياسي الوحيد آنذاك، ثم استطرد قائلا: ولكن أعتقد أن الزمن أثبت أن فكرة الحزب الواحد في الحكم فكرة فاشلة.

* ولكن معظم الكتب تشير إلي طبيعة الحكم المركزي في عهد عبد الناصر؟

- نعم.. ولكن عبد الناصر كان يعمِل التخطيط المركزي أكثر منه حكماً مركزياً.

* إذن لماذا يوصف حكمه بالديكتاتوري؟

- هذا جاء ضمن الحملة الضارية في بداية عهد السادات لتشويه عبد الناصر وطريقة حكمه، نظرا للرغبة في تغيير السياسات السابقة.. وإن كنت أري أن حكم عبد الناصر كان فيه كثير من الديمقراطية، فالديمقراطية الحقيقية ليست فقط الديمقراطية السياسية ولكن أيضا الديمقراطية الاجتماعية التي تعني العدالة الاجتماعية.. وعبد الناصر جاء بالجزء الأصعب من الديمقراطية وهو تحسين حال المجتمع، فحكمه كان من أجل الأغلبية العظمي من الشعب وليس القلة الغنية التي كانت تملك البلد.

* وكيف تري طبيعة الحكم في مصر الآن؟

- نحن لسنا في نظام تعدد حزبي حقيقي، فهناك حزب واحد متضخم جدا في سلطاته استنادا إلي الحكومة، بالإضافة إلي هيمنته علي الانتخابات، حتي التعديل الدستوري الأخير كان يعبر عن آراء هذا الحزب، فقد تم تعديل ٣٤ مادة من قبل مجلس الشعب الذي يتكون من أغلبية من نفس الحزب، وهنا يوجد خلل كبير حيث كان يجب أن يتم التعديل الدستوري بما يفيد جميع فئات الشعب ويعبر عن رغبات التيارات المختلفة،

ولم يكن ليأتي هذا إلا بمشاركة هذه التيارات في التعديل وليس اقتصار الأمر علي تصويت من في مجلس الشعب، لأن هناك تيارات وفئات ليست موجودة بداخله من الأساس، فكان يجب أن يضع التعديل حقوق الجميع بمن فيهم الأقلية في الاعتبار.

حتي التعددية السياسية التي يشير البعض إلي أنها تكمن في المادة ٧٦ بعد تعديلها فهي تحرم الأحزاب من الفرصة في الترشح لرئاسة الجمهورية فهي تعبر عن تعددية غير حقيقية.. وأعتقد أنه لو تغير قانون الانتخاب إلي نظام القائمة يمكن في هذه الحالة دعم الأحزاب،

ولكن لو ظل الأمر علي ما هو عليه في يد الحزب الوطني الذي يلجأ إلي الأغنياء للدفع بهم إلي السلطة وترك كل هذه الأموال والمبالغ الضخمة تتدفق في الانتخابات فلا يجب أن ننتظر إصلاحا.

* هل نحن دولة مؤسسات؟ وإلي أي مدي يوجد ديمقراطية في حكم البلد الآن؟

- أي مؤسسات!! ونحن نجد فجأة قوانين تظهر وقرارات تم الموافقة عليها ولا يعرف أحد متي نوقشت وكيف ومتي صدرت وأي ديمقراطية وحزب الأغلبية يتخذ بالنيابة عن الجميع القرارات.. الديمقراطية تعني مشاركة الرأي العام. كما أن إحدي مشاكلنا الكبيرة الآن هي عدم الشفافية.. عدم الشفافية في القرارات والصفقات الكبري.

* الرئيس عبد الناصر أعلن مسؤوليته السياسية عن النكسة فتنحي، فهل الرئيس مسؤول مسؤولية سياسية عن ممارسات الحكومة والوزراء والحالة الاقتصادية المتردية التي يعاني منها الشعب؟

- أي رئيس مسؤول مسؤولية سياسية كاملة عما يحدث في بلده.

وأضاف في سياق مختلف، يجب أن يكون هناك فرصة للتغيير.. فإذا استمر البطء في عملية الإصلاح هكذا كثيرا فأتوقع حدوث انفجار.. والحل في الشفافية.

* كيف كان يختار الرئيس عبد الناصر الوزراء ومعاونيه بشكل عام؟

- لو تحدثت عن نفسي في البداية فأنا كانت تربطني علاقة جيدة بالرئيس عبد الناصر، فهو كان أستاذي في مدرسة الشؤون الإدارية في الجيش عام ٥١، وقد عرفني أكثر عندما توليت الشؤون الأفريقية في جهاز المخابرات..

وكان هناك احتكاك بشكل مباشر به بعد الثورة، ثم توليت ملف الشؤون الأفريقية برئاسة الجمهورية، وأعتقد أن نجاحي فيه كان سبب اختياره إياي لوزارة الإعلام.. ثم هناك شخصيات مثل محمود يونس الذي نجح في مهمته في تأميم قناة السويس، فأسند له الرئيس منصب رئيس الوزراء..

كما أنه أشرف علي السد العالي.. وآخرون تم اختيارهم من أساتذة الجامعات المتميزين.. بعضهم نجح في الوزارة مثل النبوي المهندس الذي كان وزيرا للصحة ونجح نجاحاً كبيراً، وبعضهم أخفق في العمل الوزاري.

* حديثك يشير إلي أن الرئيس كان يختار أهل الكفاءة، فأين إذن أهل الثقة من اختياراته؟

- قضية الكفاءة كانت الموضوع الأساسي لدي عبد الناصر، أما موضوع الثقة فلا يوجد رئيس دولة يختار أناساً ليسوا محل ثقة أو علي الأقل فيهم قدر من الثقة.

* هل كان الرئيس عبد الناصر يختار كل الوزراء بنفسه؟

- كالعادة هناك بعض الوزارات مثل الوزارات السيادية كوزارة الدفاع والداخلية والإعلام وغيرها يختارهم الرئيس بنفسه، وباقي الوزراء إذا ما ساهم رئيس الوزراء في اختيارهم، فيجب موافقة الرئيس عليهم أولا.

وعموما أعظم مرحلة شهدتها مصر في الحكم هي مرحلة عبدالناصر، فالنتائج تؤكد أن مصر كانت تلعب دوراً بارزاً علي مستوي العالم.. وليس من العدل أن ننسف كل شيء لحدوث النكسة.

ملف الأمن

مابين إشكالية حماية النظام وتأمين الشعوب، وما بين أمن النخبة الحاكمة وقمع حريات الجماهير.. إشكالية التأمين ظاهرة اتفقت واختلفت في الثلاثة عهود.. فما بين ديمقراطية صورية وأخري تشوبها الديكتاتورية فتحت ملف الأمن واستخدام الرؤساء له.. سواء لتأمين البلد أو النظام.

وهنا أذكر لكم ما كتبه الأستاذ محمد حسنين هيكل في كتابه «لمصر لا لعبد الناصر»:

«إن بعض العنف كان حتميا -مهما كان مكروها- خصوصا في عملية استرداد ثروات ضخمة بالإصلاح الزراعي أو التأميم. هذه كلها عمليات لا يمكن تحقيقها بالإقناع والاقتناع الديمقراطي.. ثم عاد الأستاذ هيكل واستطرد قائلا ذلك كله لست علي استعداد لقبوله علي علاته».. وفي موضع آخر من الكتاب يتساءل الأستاذ هيكل: هل كان عبدالناصر يعلم بهذه الممارسات؟

ويجيب نعم.. ولكنه يضيف أن عبدالناصر قال له «لا أتخذ قرارا إذا انفعلت.. إذا أحسست بذلك فإنني أنام الليل علي قرار، ذلك أنه بمثل السلطات التي لدي لا أملك ولا أتحمل أن أتصرف بانفعال».

ويقول الأستاذ هيكل: «أتذكر أنني في صيف ١٩٦٥ وهي الفترة التي وصل فيها عدد المعتقلين إلي قرابة خمسة آلاف أني ذهبت إلي جمال عبدالناصر أقول له: إن معلوماتنا في الأهرام تقول إن عدد المعتقلين خلال الشهر الأخير زاد علي خمسمائة معتقل..

وكان رده: لقد وصلوا الآن إلي سبعمائة مع الأسف، وأنا أعرف ولكن ماذا أفعل لقد كان بين خطط التنظيم السري الذي قبض علي قياداته خطط بنسف كباري أو جسور والقيام بعمليات اغتيالات بالجملة» ولقد وافقت علي حملة اعتقالات واسعة أخذا بالأحوط، ثم إن «البلد لا يستطيع في هذه الظروف أن يتحمل احتكام بعض الناس إلي المسدس يغتالون به من يخالفونهم في الرأي»(٣)

* وهنا سألت محمد فائق هل تتفق مع ما كتب عن الحالة الأمنية في مصر في عهد عبدالناصر؟

فأجاب:

- الثورة جاءت ونصف المصريين «حافيين» وكانت مشاريع التنمية ترفع شعار مقاومة الحفاة، أي أنه كان فقراً مدقعاً، نصف في المائة من الشعب هي التي تملك ٨٠ % من ثروات البلد، وكانت هذه القلة هي التي تشارك في العمل السياسي ولا أحد غيرها.. وأعود لمسألة الأمن والتأمين لا جدال أن الثورة قامت ثورة بيضاء خالية من أي نقطة دم علي عكس كثير من الثورات العالمية، ولأن تغيير العلاقات الاجتماعية كان يحتاج إلي بعض العنف فقد كان يلجأ النظام إلي ذلك في بعض الأحيان.

* وبماذا تصف التجاوزات التي حدثت مع الإخوان والشيوعيين آنذاك؟

- لقد حدثت بالفعل بعض التجاوزات ولكنها أقل بكثير مما حدث في المرحلتين التاليتين لمرحلة عبدالناصر.. لكنها اتخذت كذريعة لضرب مرحلة عبدالناصر، وفيلم الكرنك لم يكن هو واقع وسمة هذا النظام إطلاقا.. فهو فيلم يحمل كثيرا من المزايدة علي هذا العصر.

* الاعتقالات وقمع الحريات وزوار الفجر في العهد الناصري؟

- ضرورة كان لابد منها!!

* إشكالية أمن النظام وأمن الشعب هل تتعارضان؟

- إطلاقا أمن الرئيس من أمن الشعب.

* السياسة الأمنية في عهد الرئيس مبارك هل هي أيضا كان لابد منها؟

- سيطرة الأجهزة الأمنية علي كل مؤسسات الدولة الآن بشكل مبالغ فيه تمثل خطورة بالغة.. ناهيك عن حوادث التعذيب المتكررة والتي أشارت إليها تقارير مجلس حقوق الإنسان.. وإذا كان كيلامنسو قال «إن الحروب أخطر من أن تترك لجنرالات الجيش» فأنا أقول «إن الأمن القومي أخطر من أن يترك للواء الشرطة والعصا والبندقية».

فيا ابنتي الأمر مختلف، ففي العهد الناصري كان هناك إجماع علي عبدالناصر.. والـتأمين رغم ما جاء به من تجاوزات إلا أنه كان يهدف إلي حماية الثورة وهو ما يعني حماية الأهداف السامية ضد بعض أعدائها، أما الآن فما يحدث نوع من الانتهاك والتأمين لا يأتي بالعصا والبندقية كما قلت.. التأمين يأتي أكثر برضا الناس علي القوانين التي تصدر.

* لقد جئت من خلفية أمنية فكيف تنتقد الأجهزة الأمنية في مصر؟

- كنت ضابطاً في الجيش قبل أن يتصل بي السيد زكريا محيي الدين عام ٥٣ ليطلب مني الانضمام إلي جهاز المخابرات.. وأنا عموما لم أكن أحب العمل الأمني، ولكن عرفت بعد ذلك أن المخابرات ليس لها علاقة بالأمن المباشر الداخلي للدولة، بل تتعامل مع أمن الدولة ككل.. ولم تكن هناك هذه التقسيمات الحالية من مخابرات عسكرية ومخابرات عامة فقد كانا جهازاً واحداً..

وكلفت بالعمل في قسم إسرائيل، وللأسف قامت الثورة ولم يكن لدينا أي معلومات عن إسرائيل.. وبدأنا ننشئ هذا القسم وكان رئيس القسم هو محرز مصطفي، الذي تولي بعد ذلك رئيس المخابرات الحربية.. بدأنا نجمع معلومات عن العدو واهتممنا بالصحافة العبرية وجلبنا مترجمين للغة العبرية.. حتي استطعنا تجنيد أول ضابط إسرائيلي،

وتم ذلك بحذر شديد وكان من أصل ألماني وأمدنا بحصيلة كبيرة من المعلومات الخاصة بالجيش الإسرائيلي، والغريب أننا اكتشفنا أن أجهزة المخابرات السورية والأردنية لديها معلومات كثيرة تفوقنا بمراحل عن إسرائيل، فبدأنا نستعين بهم، ومن هنا بدأ تجميع المعلومات عن إسرائيل.. وفي أواخر ٥٣ أسند إلي الملف الأفريقي وبدأت بالسودان..

وكان جهاز المخابرات في ذلك الوقت بمثابة المكتب السياسي لعبدالناصر، لأنه لم يكن لديه تنظيم سياسي محدد، وكان يوجد بداخله أقسام مختلفة مهتمه بالنواحي الداخلية والخارجية والسياسية والاقتصادية، أو بمعني آخر كان هو المطبخ السياسي للرئيس.

ملف الإعلام

عاشت مصر مؤخرا لحظة حرجة في تاريخها السياسي والإعلامي عندما انتشرت شائعة مرض الرئيس مبارك وتداولتها الوسائل الإلكترونية قبل الصحفية، ووقفت الصحافة القومية عاجزة عن الرد أو التفسير.. بينما هللت بعض الصحف المستقلة استنادا علي التكهنات والتخمينات.. أما التليفزيون والإذاعة المصرية فلم يحركا ساكنا..

لتتكشف الحقيقة ونجد أنفسنا أمام صحف تعتمد مجبرة علي اللامعلومة وصحف وأجهزة لم تصل حتي إلي درجة الإعلام التعبوي الذي كان له دور مهم ومصدق في العهد الناصري، حتي وإن كان يكذب علي الناس.. لنصبح أمام حقيقة إعلامية وهي أن لدينا إعلام اللامعلومة وإعلام اللاتعبوي..

عموما حال الإعلام يعكس الحالة السياسية وسيطرة الحكومة علي الإعلام وفوق كل هذا علاقة رئيس الدولة بأجهزة الإعلام، لذا سألت محمد فائق وزير الإعلام الذي شهد مرحلة النكسة قائلة:

* من كان مسؤولاً عن صياغة الرسائل الإعلامية في عهد عبدالناصر؟

- الجهاز بالكامل فكان لدينا مكتب للشؤون الأفريقية وفتحي الديب كان مدير مكتب الشؤون العربية في رئاسة الجمهورية وأنا كنت أشرف عليها باعتباري وزيرا للإعلام.

* إلي أي مدي كان الرئيس عبد الناصر يتدخل في مهامك كوزير للإعلام وفي صياغة الرسائل الإعلامية؟

- عندما أوكل لي الرئيس عبدالناصر مسؤولية وزارة الإعلام قال لي: «بس متزهقش مني لأني أنا هوايتي الإعلام حتصل بيك كتير يا فايق».. فأجبته: علي العكس يا فندم أنا جديد في هذا المجال وأحتاج إلي مساعدتك.

* أنت المتهم الأول في تضليل الشعب المصري فيما سمي «إعلام النكسة» فما رأيك؟

- الإعلام كثيرا ما يحمل أشياء لا علاقة له بها، ولا ذنب له فيه، البيانات التي أذيعت في الأيام الأولي للنكسة كانت بيانات عسكرية وليس من حق أي شخص أن يغير فيها حرفا واحدا، أو حتي يعترض عليها وإلا أصبحت جريمة يعاقب عليها.. الجيش وحده هو المسؤول عن النكسة وعن إعلام النكسة، الإعلام فقط يعكس الصورة التي وضعها أمامه الجيش.

* هل قرأت هذه البيانات قبل إذاعتها علي الناس؟

- لا.

* كيف وأنت وزير الإعلام؟

- كان هناك نظام معمول به وهو أن تأتي البيانات إلي المذيع المسؤول في الإذاعة مباشرة.

* دون أن تمر علي وزير الإعلام؟!

- هذا نظام معمول به.

* من وضعه؟

- متعارف عليه.

* وأين دورك كوزير للإعلام.. وأنت تعلم أن التاريخ سيحاسبك علي كل تفاصيل المهمة التي توليتها في هذه المرحلة؟

- الإعلام جاء دوره بعد النكسة لتهيئة الناس وتعبئتهم لتحمل ما حدث ، والبداية من جديد، ولا تستهيني بخطورة أن نذيع للناس خبر وقف إطلاق النار.. فكانت مهمة في منتهي الخطورة، بعد أن اتصل بي السيد زكريا محيي الدين من مركز القيادة العامة وقال لي أنا ومعي الرئيس عبدالناصر وطلب مني أن أبلغك بأننا سنقبل قرار وقف إطلاق النار،

ووقع علي الخبر كالصاعقة وبعد فترة من الصمت أخبرته أنني أخشي من الآثار السلبية لهذا القرار علي المصريين ويجب التمهيد أولا، وبالفعل تم تأجيل قبول وقف إطلاق النار حتي مهدنا الأمر للناس.

* كيف؟

- تم صياغة رسائل إعلامية تفيد بأن الحرب انتقلت إلي داخل الأراضي المصرية، وأن المقاومة مستمرة، وابتعدنا عن نغمة دمرنا وأسقطنا.

* هل كنت تعلم بخطاب التنحي؟

- أنا شخصيا لم أكن أعلم، الوحيد الذي كان يعرف هو هيكل، لأنه شارك في صياغة الخطاب.. كل ما اهتممت به هو تأمين الأوضاع وقتها.

* إلي أي مدي كان يحاسب الرئيس نفسه؟

- الدولة كلها راجعت نفسها.. الرئيس والحكومة وكل المؤسسات وتم إعادة النظر في كل شيء من جديد، والدليل أن بيان مارس كان أكبر مراجعة للنفس.

الهزيمة تحدث في كل دول العالم الكبري ولكن المهم هل تنهار الدولة؟ أم نأخذ من نقطة الهزيمة للانطلاق من جديد؟ وفعلنا ذلك بالفعل، وبدأنا نخاطب العقل وليس العاطفة، وبدأ الاهتمام بالعلم وانعكس ذلك علي الجيش الذي أفادنا بالانتصارات التي حققها بعد ذلك، والمتمثلة في معركة رأس العش وتدمير المدمرة إيلات.

* يقال إن عبدالناصر كان يميز بين جريدة الأهرام وباقي الصحف لعلاقته بهيكل؟

- لأن هيكل كان صحفياً ورئيس تحرير متميزاً وعبدالناصر أعطي كثيراً من الصحفيين نفس الفرصة، لكنهم لم يؤدوا الأداء الواجب.

* إلي أي مدي تري أن هناك تعارضاً بين عملك كوزير للإعلام وبين هيكل الذي كان تقريبا المستشار الإعلامي والسياسي للرئيس عبدالناصر؟

- إطلاقا لم يكن هناك أي تعارض بل تنسيق كامل وتعاون.

* هل كان هيكل يملي علي عبدالناصر بعض القرارات؟

- لا.. القرارات كانت تصدر دائما من مجلس الثورة.

الهوامش:

(١) محاوراتي مع السادات - أحمد بهاء الدين - ص ١٠١

(٢) المصدر نفسه - ص٩٩

(٣) لمصر لا لعبد الناصر - محمد حسنين هيكل - ص ٧٢

----------------------------------------------------


محمد فائق وزير إعلام عبدالناصر (٢-٢)
الخصخصة بشكلها الحالي.. انتهاك لحقوق الإنسان
----------------------------------
حوار رانيا بدوي ٩/ ٣/ ٢٠٠٨
---------------------------------
في ١٥ أكتوبر سنة ١٩٧٠ أصبح أنور السادات رسميا رئيسا للجمهورية العربية المتحدة بعد استفتاء نال فيه ٩٠.٠٤% من أصوات الذين اشتركوا في الاقتراع علي رئاسته.

وعن سر نسبة الـ٩٠% التي يحصل عليها الحاكم أو حزبه في الاستفتاءات المختلفة في مصر، كتب باحث إسرائيلي يدعي عامي إيلون في دراسة نشرت ضمن مجموعة من الدراسات الاسرائيلية.(١)

عن حالة التزوير في مصر، واستعان الباحث بنكتة مصرية في توصيفه لحالة التزوير في الانتخابات مستهجنا ومستنكرا نسبة الـ٩٠% التي كان يحظي بها موقف الحاكم من الناخبين والمعارك الانتخابية التي يفوز فيها الحزب الحاكم بنسبة مماثلة، وقال إنها ظاهرة مألوفة في مصر قائلا: (تروي حكاية مصرية مشهورة أن شخصا صوت في استفتاء ضد موقف السلطة، ولدي عودته إلي منزله شعر بالندم،
وعندما عاد إلي لجنة الانتخاب وطلب من الضابط هناك البحث عن بطاقته الانتخابية ليغيرها رد عليه بقوله: لا تتعب نفسك نحن نغير هذا علي أية حال)، كما أشارت الدراسة إلي الآلية التي كان يستخدمها الرئيس في تمرير قراراته الاستثنائية والتي تعتمد بشكل كبير علي فكرة الاستفتاء معلوم النتيجة مسبقا فتقول الدراسة:
أدي التطلع إلي وجود حكم واسع الصلاحيات، وجهاز متعدد الأحزاب في آن واحد في عهد السادات، إلي إلزام الرئيس بأن يرقب الساحة عن قرب، ويرقب القوي الجديدة التي دخلت الساحة، وبالفعل عندما بدأت اللعبة تخرج من المسار المتوقع، قام السادات بأعمال تشريعية واتخاذ إجراءات أخري ليعيدها إلي المسار المطلوب.

وظهر المثال الأول وربما الأبرز في مايو سنة ١٩٧٨ عندما قرر السادات كما نذكر ضرب الأحزاب التي أصبحت عدوانية للغاية، وأصدر السادات مجموعة من القيود الملحوظة علي العمل الحزبي كما تقرر حظر النشاط السياسي لكل من اشترك في إفساد الحياة السياسية في الدولة قبل الثورة، وكذلك بالنسبة لمن يشتغل بأنشطة تهدف إلي الإضرار بالحياة السياسية في الدولة، وتعريض الوحدة الوطنية والنظام الاجتماعي للخطر سواء بصفة شخصية أو في إطار حزبي، وهذه تعريفات مطاطة ليس لها حدود تقريبا علي حد قول الدراسة، التي أشارت إلي أن الاستفتاء العام علي هذه الأوامر بعد مضي نحو أسبوع بأغلبية ٩٨% وفي هذه المرحلة تسني لمجلس الشعب أن يحول الأوامر إلي قانون سمي «قانون حماية الجبهة الداخلية والنظام الاجتماعي». (٢)

وهنا عرضت علي محمد فائق ما قرأت ودار الحوار حول التزوير في الانتخابات والاستفتاءات علي الرئيس و التعديل الدستوري، والوضع الحزبي في العهود الثلاثة.. لنستكمل حواراً بدأناه بالأمس تحت عنوان كيف تحكم مصر؟

* أليس غريبا أن يتكون التنظيم الطليعي في عهد عبدالناصر بشكل سري وهو تنظيم الرئيس وعلي رأس الدولة؟

- التنظيم كان سريا لعدة أسباب منها أنه كانت هناك صعوبة أن تنشئ حزباً وأنت في السلطة.

* وما صعوبة ذلك؟

- لأنه إذا تم الإعلام عن أن الرئيس ينشئ حزباً سيتقدم الجميع لعضويته وبعضهم سيكون منافقاً للرئيس.. ولكن عبدالناصر كان يريد أن يختار العناصر التي تنضم إلي التنظيم بشكل انتقائي، وكانت نيته أن يتم الإعداد له ثم يتم الإعلام عنه وأعتقد أنه كان إحدي المراحل التي ربما قد تمهد لفتح باب الأحزاب.

* من التنظيم الطليعي في عهد عبدالناصر إلي المنابر الثلاثة في عهد السادات إلي التعددية الحزبية الآن.. كيف تري تاريخ الوضع الحزبي في مصر؟

- ليس لنا موقع علي الخريطة.. صحيح ربما يكون هناك تطور ولكننا سارعنا جدا في الليبرالية الاقتصادية وتأخرنا جدا في الليبرالية السياسية.. فحزب الأغلبية هو الذي يشكل الحكومة في أي بلد.. لكن هنا السلطة هي التي تشكل الحزب.

* ولكن الحكومة هي حكومة الحزب أي أن الحزب هو الذي يختارها ويشكلها؟

- غير صحيح.. فالحكومة حكومة الحزب في حالتنا هذه تعني أن الحكومة تخدم الحزب فقط، فالحزب في الفترة الأخيرة بدأ يأخذ شكلاً مختلفاً وأصبح يتدخل في كل مؤسسات الدولة، ويضع السياسة العامة لها، والقوانين والقرارات، وبدأنا نجد له وزناً وثقلاً داخل المؤسسات الصحفية أيضا، ولكن يفترض أن الحكومة هي حكومة الشعب كله بجميع طوائفه.. صحيح أن الحكومة حكومة الحزب ولكن بمجرد أن تشكلت فقد أصبحت حكومة لكل الناس.. والأدهي أنه يوجد الآن خلافات وصراع داخل الحزب نفسه علي السلطة والحكم.

* تحدثت تقارير المجلس القومي لحقوق الإنسان عن العديد من الانتهاكات والتزوير في الانتخابات الماضية؟

بعد أن وصلنا إلي نظام يضمن عدم التزوير في الصناديق وهو الإشراف القضائي، وجد الأمن نفسه غير قادر علي التزوير فبدأ يتبع أسلوب منع الناخبين من الوصول إلي الصندوق من الأساس، ولكن علي الأقل كان هناك ضمان لعدم التزوير.. ثم فوجئنا بأنه تم رفع ضمانة القضاة ولم يتم وضع بديل جيد، واكتفوا بلجنه عليا وهي لا تستطيع أن تراقب أو أن تحمي حتي الصناديق.

* كيف كان يختلف الرئيس عبد الناصر مع معارضيه؟

هناك فرق بين أن يختلف الرئيس مع أحد القيادات الكبري وهنا يوجد أصول للعبة وهي أن من يختلف يعتذر ويترك منصبه ويجلس في بيته معززاً مكرماً.. لا أعتقد أن هناك أحداً اعتقل لخلاف في الرأي حول طريقة الحكم، أما موضوع الأمن والتأمين فهو أمر آخر وهنا ليس خلافا ولا معارضة ولكن أمان البلد.. بعكس الطريقة التي اختلف فيها السادات مع مراكز القوي فأدخلهم السجن.

* وكيف تري محاكمة أيمن نور هل هي دليل علي الوضع الذي سيؤول إليه أي شخص يختلف مع الرئيس مبارك أو يقف أمامه؟

- أيمن نور رفعت عنه الحصانة بشكل استثنائي في يوم جمعة ونحن نعلم الإجراءات التي يتم اتباعها في حالة رفع الحصانة عن أي عضو.. حبسه احتياطيا كان إلي حد ما طريقة استثنائية وكان من الممكن أن تتم محاكمته دون حبسه.. وقد زرته أنا وكمال أبوالمجد ولكن حكم المحكمة لا نستطيع التحدث بشأنه..الإجراءات استثنائية والسبب واضح ومعروف.

١٥ مايو ٧١ حدث اختلفت حوله الآراء وكتب التاريخ.. من توصيف من سموا مراكز القوي في عهد السادات بمجموعة خونة يريدون قلب نظام الحكم، إلي مجموعة وطنية أزاحها السادات عن طريقه لينفرد بالحكم.. والحقيقة لم تُعرف بعد!! وقبل أن أسأل محمد فائق أحد المتهمين في قضية مراكز القوي وجدت ضرورة عرض ما كتبه الأستاذ هيكل عن هذا الموضوع حيث قال: يوم ٢١ إبريل ١٩٧١ شن علي صبري هجوما عنيفا علي مشروع وحدة مقترح بين مصر وسوريا وليبيا ولم يكن الخلاف علي مشروع الوحدة - في الواقع - إلا غطاء للخلافات الحقيقية حول السلطة.

كان السادات يبدو متحمسا للمشروع، وفي نيته أن تغيير شكل الدولة سوف يعطيه الفرصة لإعادة تكوين مؤسسات السلطة كاللجنة المركزية ومجلس الأمة. وكانت الأغلبية الساحقة في هاتين المؤسستين لمجموعة مراكز القوي الذين استكشفوا نوايا السادات الدفينة فعارضوا المشروع ليس كرها في الوحدة ولكن إبقاءً علي ما هو قائم من مؤسسات الحكم" (٣)(٤)

ولكن محمد فائق صاحب هذا الحوار روي القصة والأسباب بشكل مختلف تماما عما رواه هيكل عندما سألته:

* باعتبارك كنت أحد المتهمين في قضية مراكز القوي.. فلماذا اختلفتم مع السادات.. وكيف اختلف السادات معكم؟ لماذا قدمت استقالتك وهل ما فعلتموه كان تمرداً أم اختلافاً في الرأي أم محاولة لقلب نظام الحكم؟

- في البداية كانت هذه المجموعة هي المجموعة التي كانت قريبة من الرئيس عبدالناصر، وكنا نعتبر أنفسنا مسؤولين مع عبدالناصر عن النكسة.. بالاضافة إلي أنه كان هناك اتفاق أنه بمجرد أن تجهز الدولة لدخول المعركة فيجب أن تقوم الحرب لايوم قبل ولا يوم بعد، وقد تحدد هذا الموعد بربيع ٧١ وبالمناسبة كانت ظروف الدولة أفضل بكثير جدا مما كانت عليه في أكتوبر ٧٣ وبمجرد أن استعدت مؤسسات الدولة ذهب الفريق محمد فوزي بقرار الحرب إلي الرئيس السادات ليوقعه لكن الرئيس السادات رفض التوقيع حيث كانت لديه فكرة أن أوراق اللعبة بنسبة ٩٩% في يد أمريكا وكنت من أكثر المعارضين لهذا الرأي لأنه يجب أن يكون هناك اعتبار كبير للإرادات المحلية، كما كان يري أن الخلاف الأساسي كان بين عبدالناصر وأمريكا ومادام عبدالناصر قد رحل يمكن وقتها أن نسوي الأمر مع أمريكا، وهو أيضا اعتقاد غير صحيح لأن الخلاف لم يكن مع عبدالناصر بل كان بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية في تحيزها الكامل لإسرائيل.

ومازال رأيي كما هو لو تمت الحرب في عام ٧١ كانت أمور كثيرة تغيرت.. وربما تغير وجه التاريخ.

* ولهذا استقلت؟

- لم يكن أمامي بديل آخر لأن ذلك كان رأيي وكنت متمسكاً به والوزير لايملك أن يفرض علي رئيس الجمهورية رأيه وبالتالي الشيء الوحيد الذي أملكه هو أن أستقيل.

* ولماذا كان هناك اتفاق علي استقالة جماعية وكأنه تحد للرئيس؟

- لم يكن هناك اتفاق مسبق ولم يكن تحدياً ولكن فور أن علمنا برفض الرئيس قرار الحرب صدمنا وقررنا الاستقالة وقد قدم كل شخص علي حدة قرار استقالته.

* ولكن هناك صفحات في كتب بتوقيع من شهدوا هذا العصر يؤكدون أنكم أذعتم بيان الاستقالة قبل عرضها علي الرئيس فهل التاريخ يكذب؟

- القرارات كانت قد عرضت علي الرئيس بالفعل ولكننا أذعناها قبل أن يقبلها الرئيس.

* كيف أعطيت نفسك الحق في استغلال نفوذك كوزير للإعلام في إذاعة بيان الاستقالة؟

- الاستقالة حق يكفله لي الدستور.

* ولكني لا أعتقد أن القيام بأمر بالغ الخطورة ويهدد أمن الدولة كالاستقالة الجماعية للحكومة بهذه الطريقة، بل بدون علم الرئيس، وكأنه محاولة للانقلاب - حق دستوري؟

- إطلاقا أنا لم أستغل منصبي.. أنا كنت وزيراً للإعلام وهي ليست جريمة ولا مخالفة دستورية والدليل أنني حتي هذه اللحظة لم أسأل فيها قانونيا.. ولكن لنقول إنه عمل قد لا يكون مجاملا لرئيس الجمهورية وكنت أعلم ذلك.

* هل كنت تتوقع أن رد فعل السادات سيكون القبض عليكم والحكم علي أغلبكم بالأشغال الشاقة المؤبدة؟

-لا!

* هل كان هذا هو الخلاف الأول بينكم؟

- لا.. كانت هناك خلافات كثيرة وأغلبها كان يدور حول مسألة الحرب.. ومسألة فتح قناة السويس، ومن حسن الحظ أنه لم يقدم علي هذا التصرف وإلا لأصبحت كارثة، فهو كان سيصبح إعلاناً صريحاً بعدم خوض الحرب نهائيا.. وهكذا كانت هناك أشياء كثيرة سوف تؤثر علي المجهود الحربي.. وربما يكون السادات قد أجل الحرب حتي يتخلص من هذه المجموعة وهذا حقه ولكنني معترض علي الطريقة التي تخلص بها منا.

* هل كان هناك أي خلاف شخصي بينك وبينه بعيدا عن الاختلاف في وجهات النظر الخاصة بالسياسة؟

- إطلاقا لم يكن بيني وبينه أي حساسيات، وخلافه الحقيقي كان مع علي صبري ومحمود رياض وفوزي لأنهم متشددون في القضية.. والدليل حديثه مع وزير الخارجية الأمريكي الذي كان في زيارة إلي مصر، وصرح له صراحة بنيته في التخلص من هذه المجموعة.

* بماذا تفسر اعتماده في الأول علي رجال عبدالناصر ثم التخطيط علي حد قولك للتخلص منهم، ولماذا لم يأت برجاله من البداية؟

- لأن الناس لم تكن لتصدقه آنذاك، فهو جاء بعد زعيم عظيم ثم إنه قال بمجرد وصوله إلي الرئاسة: لقد أتيت علي طريق عبدالناصر.

* ما هو توصيفك لمحاكمة مراكز القوي؟

- كانت «كلام فارغ» ومحاكمة استثنائية، لذا أنا أكثر المعارضين للمحاكم العسكرية والاستثنائية في مصر.

* وما رأيك فيما قيل إنه كان هناك تخطيط لقلب نظام الحكم من أجل الصراع علي السلطة؟

- هذا كلام فارغ.

* متي جاءك هذا الوسيط وما هي تفاصيل المقايضة؟

- هذا الوسيط جاءني بعدما أمضيت ٥ سنوات في السجن، وكان ذلك مساء ليلة العيد، فقال لي: مبروك يا فندم قرار العفو عنك، فالرئيس السادات ليس حزينا علي دخول أي من المجموعة السجن باستثنائك، وهو يطلب منك التوقيع علي هذا الاعتذار ليتم الإفراج عنك.. فقلت إذا كان هناك من هو مدين بالاعتذار للآخر فأعتقد أن الرئيس مدين لي بالاعتذار.

* ترفض الاعتذار وتقضي خمس سنوات أخري خلف القضبان أيعد هذا تصرفاً منطقياً؟

- المسألة مسألة مبدأ لم أكن أبدا لأسامح نفسي إذا فعلت ذلك.

* ولماذا قبض عليك مرة أخري في أحداث سبتمبر مادام الرئيس السادات كان حزيناً لسجنك في المرة الأولي؟

- هذه هي الواقعة الوحيدة في حياتي التي حاولت ومازلت أحاول جاهدا إيجاد تفسير لها ولم أجد.

* تقييمك لشخصية السادات؟

- كان رجل دولة لا شك في ذلك.. ولكن رؤيته لم تكن سليمة، فهو تصور أن مصر بدون العرب ستكون أقوي وسينطلق للعالم دون دعم عربي، وما حدث هو العكس.. والعرب أيضا لهم دور في ذلك، فإذا كانت اتفاقية كامب ديفيد عزلت مصر عن العرب بنسبة ٦٠% فجاءت قرارات العرب بمقاطعة مصر بالقطيعة النهائية ١٠٠%.

* في الشأن الداخلي.. السيادة كانت للقانون أم لشخص السادات؟

- السادات كان أكثر مركزية من عبدالناصر بمراحل، وقراره كان فردي فإن كان هناك مراكز قوي منذ عهد عبدالناصر ففي عهد السادات لم يجرؤ أحد علي الوقوف أمام السادات..القرارات في عهد السادات كانت تعكس فوضوية وعبثية.

* هل كان السادات يعمل الدستور؟

- لا أريد اطلاق أحكام علي عمومياتها ولكن علي الأقل ما فعله في مايو مع من سماهم مراكز القوي كان ضد الدستور.

والغريب أنه وضع فقرة في دستور ٧١ تسمح له بتكرار ما فعله في مايو فيما بعد، وهو ما رُفع في التعديل الدستوري الأخير.

* من التعديل الدستوري أيام السادات إلي التعديل الدستوري أيام مبارك.. ما هي ملاحظاتك؟

- لا تعليق ولا مقارنة.

* توليت لسنوات طويلة الملف الأفريقي، فكيف تري السياسة الخارجية المصرية بشكل عام، وعلاقتها بأفريقيا بشكل خاص؟

- الدور المصري الخارجي بشكل عام تراجع، وأفريقيا أهملت استمراراً لما حدث في عهد السادات.. مصر الآن لا تهتم بقضية السودان كما يجب، ودورنا في دارفور لم يكن علي المستوي المطلوب ولا حتي في الاتجاه السليم للأسف.

* هل كانت هناك مجاملة للإدارة الأمريكية علي حساب دارفور من قبل مصر؟

- تنهد قائلا: هذه هي النقطة المهمة.. فإذا أردت أن يكون لك دور خارجي فيجب ألا يكون هناك اعتماد كبير علي أمريكا، فهذا الاعتماد الكبير علي الولايات المتحدة أضعف دور مصر علي جميع الأصعدة، خاصة أن الولايات المتحدة ليست فقط متحالفة مع إسرائيل، ولكنها مندمجة معها في انتهاكاتها لحقوق الإنسان في فلسطين، وهنا لا تستطيع مصر اتخاذ موقف قوي حفاظا علي علاقتها بأمريكا.لا أقول المواجهه مع أمريكا ولكن علي الأقل تقليص الاعتماد عليها.

* باعتبارك عضوا في المجلس القومي لحقوق الإنسان لمن ترفع تقارير المجلس؟

- لرئاسة الجمهورية ورئيس الوزارء ورئيس مجلس الشعب.

* هل يقرأ الرئيس مبارك هذه التقارير؟

- لا أعرف، ولكن هي تصله بالتأكيد.. والتاريخ سيحاسب المسؤولين عن ماذا فعلوا عندما بُلِّغوا.

* هل رد حبيب العادلي علي ما جاء في التقارير الخاصة بالتعذيب في أقسام الشرطة؟

- لم يتصل بنا مباشرة، ولم يتم نفي أي من الحوادث التي تم رصدها.. وهذا يعني أنها حدثت بالفعل.. وصحيح أن هناك عدداً من الضباط قُدموا للمحاكمات علي انتهاكاتهم، ولكن هذا ليس كافيا، يجب أن تكون هناك آلية تنفذ لمنع حدوث ذلك ثانية لأن الظاهرة مازالت مستمرة، لابد أن تكون هناك رقابة وأن تشرف النيابة علي السجون.. قضية حقوق الإنسان أصبحت جزءًا من القانون الدولي ولم يعد في الإمكان تجاهلها،لأنه مع العولمة لم تعد الانتهاكات في أي بلد شأناً داخلياً.

* هل الخصخصة ضد حقوق الإنسان؟

- في جانب منها نعم، فإذا كانت خصخصة لمجرد الخصخصة دون أي اعتبار لمصالح الناس نعم فهي ضد حقوق الإنسان.

* أقصد الخصخصة المطبقة في مصر الآن؟

- هم يبيعون كل شيء للتخلص منه.. والدولة لا يجوز أن تستقيل من كل مهامها، ولا يجوز أن كل شيء يتعب الدولة تعملُّه شركة وتبيعه.. الخصخصة بهذا الشكل المطبق في بلد نموه الاقتصادي ضعيف وفيه زيادة هائلة في نسب الفقر هي أكبر انتهاك لحقوق الإنسان.. ورغم ذلك فأنا أقول دائما إنني لست ضد الخصخصة علي إطلاقها.

* الإصلاح السياسي في عهد مبارك؟

- بطيء جدا ويحتاج إلي ضغط شديد.

* وكيف نخرج من المأزق؟

- إعمال القانون.. والإسراع في عملية الإصلاح.

الهوامش
-------
(١) النظام الحاكم والمعارضة في مصر في عهد السادات - مترجم عن العبرية - صادر عن الهيئة العامة للاستعلامات - بقلم الباحث الإسرائيلي عمي ايلون - صـ١٥٤

(٢) المصدر نفسه - صـ١٥٣

(٣) خريف الغضب - محمد حسنين هيكل - صـ٩٧

(٤) كشف الفريق محمد صادق لأول مرة أثناء نشره مذكراته عام ١٩٨٢عن وجود وثيقة تشير إلي محاولة محمود فوزي وزير الحربية عمل انقلاب عسكري ضد السادات.


--------------
نشرت في المصري اليوم بتاريخ 8 و 9 مارس 2008
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=96472
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=96647

المتابعون