الأنبا بسنتى

أسقف حلوان والمعصرة يكشف لـ «المصرى اليوم»:
مفيد شهاب وعدنى بأن تكون الانتخابات المقبلة بنظام القائمة..
وأن يحصل الأقباط على ٢٠٪ من مقاعد البرلمان
---------------------------------------
حوار رانيا بدوى ١١/ ١١/ ٢٠٠٩
--------------------------------------

تصاعدت حدة التوتر بين المسلمين والمسيحيين فى الشارع المصرى، اعترفنا أم لم نعترف.. لكن المياه لم تعد، كما كانت، إلى مجاريها من قبل، فهناك غضب وتحفز واستنفار، البعض أرجعه إلى أن الحالة الاقتصادية التى يعيشها المصريون، جعلت الجميع فى حالة رفض للآخر، وآخرون قالوا إن السبب هو «تمييز الحكومة واستمراؤها لحقوق المسيحيين بعدم قبولهم فى المؤسسات والأجهزة الأمنية المهمة فى الدولة وكأنها تخونهم وهم شركاء الوطن فى الحلو والمر»..

وآخرون يؤكدون أن موجة التطرف التى اجتاحت الكنيسة والأزهر هى السبب.. ولكن ظهور عشرات المدونات المسيحية التى تقول إن مصر ليست عربية وأصل المصريين مسيحيون وأن الإسلام دخلها غازيا آسرا للرجال، سابيا للنساء، وناهبا للغنائم..

وفى المقابل متطرفون مسلمون يكفرون المسيحيين على شبكات الإنترنت ليل نهار، كان الدافع لقيام «المصرى اليوم» بالتحاور مع أحد أبناء ورموز الكنيسة، وهو الأنبا بسنتى، أسقف حلوان والمعصرة والتبين و١٥ مايو، الذى كشف عن أن د. مفيد شهاب وعده أن يحصل الأقباط على ٢٠٪ من مقاعد البرلمان فى الانتخابات المقبلة التى ستكون بنظام القائمة.

■ البعض يؤكد تصاعد التوتر فى الشارع المصرى بين المسلمين والمسيحيين.. فما الذى جد فى الأمر؟

- المشكلة أن هناك من المسلمين من يربط بين مسيحيى الشرق والغرب. فأيام الحروب الصليبية، وأنا أحب أن أسميها حروب الفرنجة، عندما أغاروا على مصر والشرق الأوسط، كان موقف مسيحيى مصر الانضمام إلى صفوف الجيش المصرى مع المسلمين فى وجه العدو الغربى، وقد قدم صلاح الدين الأيوبى للمسيحيين ديراً سمته الكنيسة دير السلطان، لأنه كان هدية من صلاح الدين الأيوبى بعد انتصاره على العدو الغربى الذى رفع الصليب رمز الحب، وجعله رمزاً للحرب.

■ أنت تتحدث عن الماضى.. وأنا أسألك ما الذى تغير الآن فى العلاقة؟

- أنا أحدثك عن الماضى لأربط بينه وبين الحاضر، فالبعض مازال يربط بيننا وبين بعض الحركات الاستعمارية التى تنال من الشرق الأوسط.

■ماذا تقصد؟

- أليست حرب أمريكا على العراق حرباً استعمارية، وما يفعله الاسرائيليون فى فلسطين استعماراً.

■ لكن لا أعتقد أن مسلمى مصر يربطون هذا الربط، فهم يعرفون أن الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل أعداء لمسيحيى مصر كما هما أعداء للمسلمين؟

- الحب هو الذى يجمعنا بالمسلمين فأنا أصدقائى المسلمين منذ أن كنت طفلاً لم يتغيروا، وها أنا فى الثامنة والستين من العمر وصداقتنا لم تتغير، كما أن أى مشاكل تواجه المنطقة التى أنا مسؤول عنها يتم حلها بمشاركة المسلمين والمسيحيين.. ولا تنسى أننا أصبحنا ننتظر بفارغ الصبر والحب قدوم شهر رمضان لدعوة شيخ الأزهر وبعض الرموز الإسلامية لهذا اليوم الجميل الذى يجمعنا.

■ وبماذا إذن تفسر أحداث الكشح والإسكندرية وأحداث المنيا وقنا وغيرها؟

- المشكلة الحقيقية فى كل هذه الأحداث، تعود إلى سبب واحد وهو أزمة بناء الكنائس فى مصر، والتى كانت سببا فى أن يشعر المسيحى بأنه مطلوب منه كل واجبات المسلم وليس له كل حقوقه.. فأى جامع يبنى بسهولة لكن أى كنيسة فى حاجة إلى تصاريح كثيرة وصبر لسنوات طويلة وإن تم إعطاء التصاريح يتعطل البناء لأسباب أخرى.

■ ولكن بعض المسؤولين يقولون إن الكنائس فى مصر عددها يكفى كنسبة وتناسب مع عدد المسيحيين؟

- عدد المسيحيين ليس قليلاً، وأنا لدى مرجعان فى هذا الأمر، مرجع مصرى وآخر أجنبى، الأول هو سيد مرعى رئيس مجلس الشعب فى السبعينيات، وكنا وقتها فى أستراليا وقال له أحد زملائنا إن عدد المسيحيين فى مصر١٢ مليوناً فى عام ٧٧ فقال له سيد مرعى لا، أنتم فقط ٦ ملايين، فى نفس العام كان البابا شنودة فى الولايات المتحدة يقابل الرئيس جيمى كارتر الذى قال لقداسة البابا أنا أعلم أنك رئيس دينى لـ ٧ ملايين قبطى يعيشون فى مصر، وما أقصده هنا أنه حتى لو كان العدد ٦ أو ٧ ملايين فبالمتوسط الحسابى نكون ٦.٥ من حوالى ٤٠ مليون مصرى آنذاك عام ٧٧، الآن وقد تضاعف عدد المصريين ووصل إلى ٨٠ مليوناً، فهل يمكن القول إن المسيحيين مازالوا على عددهم أم أن المسيحيين لا يتكاثرون؟!

هذا يعنى أننى يفترض أن أكون الآن ١٣ مليوناً بل وربما ليس أقل من ١٥ مليوناً، وليس أقل من ١٠ ملايين كما يدعون، وقد أعجبنى الدكتور مصطفى الفقى عندما قال لو افترضنا أنهم حتى ١٠ ملايين أو ١٠ % من عدد السكان فهذا يعنى أنه أمام كل ١٠٠ جامع يجب أن تبنى ١٠ كنائس، على أن توجد مجموعة من القواعد توضع أثناء البناء، حتى لو ترك الأمر مفتوحا، لا المسلم لديه مال يبنى جوامع أكثر من احتياجه ولا المسيحى كذلك.

■ وهل عدد الكنائس الحالى غير كاف؟

- طبعا غير كاف على الإطلاق، فحينما ننظر إلى أى يوم جمعة سنجد الناس على بعضها مثل النمل فى الكنائس.. وأضطر أحيانا لأن أصلى ثلاثة قداسات فى اليوم الواحد فى أوقات مختلفة لاستيعاب جميع الأعداد.

■ هل تعتقد أن الخلاف بين الكنيسة والجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء حول عدد المسيحيين يجعلنا نقول إن عدد المسيحيين الحقيقى أصبح أمناً قومياً؟

- أعتقد أن الأمن القومى فى مصر يترسخ بالاستقرار والوضوح والشفافية وليس بإخفاء الرقم الحقيقى.. وحتى يتحقق الاستقرار وتهدأ المناوشات كل ما نطالب به هو قانون موحد لبناء دور العبادة.

■ ولماذا يتم تعطيل مناقشة هذا القانون؟

- لا أعرف فهو الآن فى مكاتب المسؤولين ولم يعرض للمناقشة.

■ هل طلب من الكنيسة تعديل لأى بند فى القانون لتمريره؟

- لا.

■ هل الاعتراض على مبدأ القانون نفسه؟

- نعم.

■ هل وضعت فى القانون النسب التى تريد على أساسها بناء الكنائس؟

- لا.. ولا أستطيع الحديث عن نسب لأنها متغيرة ومتفاوتة من مكان إلى آخر، ثم من الممكن تحديد نسبة فى مكان معين ثم يزيد عدد السكان فيه.

■ ترك المسألة أيضا هكذا بشكل مفتوح قد يقلق الطرف الآخر.. فإذا تمت الموافقة على تمرير القانون من الممكن أن تبنى ١٠ كنائس فى شارع واحد؟

- لا فلن نبنى أكثر من الاحتياج.

■ ومن يحدد هذا الاحتياج؟

- المسؤولون من رجال الدين.

■ على أى حال ترك المسألة هكذا مفتوحة ربما يثير تشكك الآخر.. كما أنه يعنى ضمنيا رغبة فى التساوى فى أعداد الكنائس وليس فقط فى تصاريح البناء؟

- لم نطمع أبداً فى أن نبنى كنائس بعدد الجوامع تماما، كما لا نستطيع أن نقول إن رئيس الجمهورية مسيحى فى مصر فلو وصلنا فقط إلى واحد على عشرة من عدد الجوامع سنقول رضا والحمد لله.

ثم صدقينى الشروط والقيود كلها توضع فى جانب واحد، وأحكى لك قصة دكتور مسيحى أخذ تصريحاً ببناء عيادة وهو فى الواقع كان يبنى كنيسة ورغم أنه تم بناؤها وتشغيلها للمسيحيين فى المنطقة علم الأمن وأصر على إزالتها وكان من الممكن أن يعديها ويتجاوز عن الأمر.

■ ربما أتفهم رغبتك فى تسهيل تصاريح بناء الكنائس على أنه حق من حقوقك.. ولكن أن تتعدى القانون فهذا غير مقبول وإلا فكل مسلم على الطرف الآخر سيبنى جامعاً بمزاجه؟

- هم يبنون فعلا بمزاجهم والأمن يتغاضى عن مخالفاتهم.. ألست تريدين الحديث بصراحة، وإن عرقل الأمن بناء الجامع يبنون زوايا أسفل منازلهم.

■ لماذا يلجأ البابا إلى الاعتكاف فى كل مرة تطل فيها الفتنة الطائفية برأسها فى البلد وكأنه يعطى تصريحاً ضمنياً للمسيحيين بالاستمرار؟

- قداسة البابا يكون قد بذل أقصى ما فى وسعه لحل الأزمة فيلجأ إلى الله ليطلب منه الحل، خاصة أن الأمور تكون قد اشتعلت إضافة إلى الهجوم الإعلامى فيذهب للهدوء والتدبر وإعمال العقل.

■ فى كل مرة؟

- لا البابا لم يعتكف سوى ثلاث أو أربع مرات فقط.

■ إذا كانت أحداث الفتنة الكبيرة خلال السنوات القليلة الماضية حوالى ٧ مرات اعتكف فيها البابا أكثر من النصف فهى نسبة كبيرة بكل تأكيد؟

- «يكون الراجل وقتها بذل أقصى ما فى وسعه وعمله، فليس أمامه إلا أن يقول يا رب»، وغير المستطاع عند الناس مستطاع عند الله.

■ هل تعتقد لو أن الفتنة بدأت من الجانب المسلم.. من الممكن قبول أن يدخل المشايخ ورموز الدين إلى المساجد يصلون لله لكى يطفئ النار بإرادته.. ويتركون المسلمين يحرقون المسيحيين بالكنائس.. هل تعتقد أن هذه هى الطريقة المثلى لحل مثل هذه الأزمات؟

- لا رهبانية فى الإسلام.

■ الصلاة والدعوة إلى الله موجودة فى الدين الإسلامى والمسيحى بغض النظر عن الطقوس؟

- الاعتكاف لدينا حسب مبدأ الرهبانية مختلف إلى حد ما لأننا عندما نعجز عن الكلام نقول لله فلتتكلم أنت.

■ البابا يستخدم الحل الدينى وقتما يشاء والحل السياسى وقتما يشاء وأنت تعلم أن تأثير البابا على شعب الكنيسة يفوق ضعف تأثير رموز الأزهر على المسلمين فلو خرج إليهم وقال لا سيتوقف الجميع فلماذا يهرب وكأنه يعطى إشارة بالاستمرار؟

- أولا أنا أعترض على أن السياسة دخلت إلى الكنيسة.. فالبابا ليس لديه أى منصب سياسى.

وثانيا مبدأ أن تقول للباكى لا تبك فالأولى أن تقول للضارب لا تضرب.

■ من يضرب من ومن يبكى ممن؟

- الأمور واضحة ولا يعقل أن أكون أنا عشرة فى وسط مائة، وأنا الذى سأشاغب فيهم، لذا على المسلمين أن يراعوا أننا إخوانهم فى الوطن وحملناه معهم فى السراء والضراء فى الحلو والمر. على مدى ١٤ قرناً.

■ هل تعتقد أن أحداث الشغب فى كل مرة تأتى من المسلمين؟

- احسبيها انتِ وراجعى الأحداث.

■ ألا تعتقد أنه يوجد أى خطأ تتحمله الكنيسة؟

- لا لا يوجد.

■ هل مجالس الصلح بين المسلمين والمسيحيين أصبحت ضحكاً على الذقون؟

- لو قامت على أساس سليم وصدق تكون مفيدة للغاية وهى عادة ريفية موروثة، ولكن إذا لم تقم على الصراحة فلا قيمة لها.

■ ماذا فعلت الكنيسة تجاه القسيسين والرهبان المتعصبين ضد الإسلام أمثال زكريا بطرس والقس فلوباتير والأب يوتا والأنبا توماس الذين يهاجمون الإسلام وسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام؟

- موقف الكنيسة واضح ونحن نرفض الإساءة لأى دين آخر. القس زكريا بطرس خارج الإدارة الكنسية لأنه متقاعد من عمله الدينى والقس فلوباتير تم إيقافه أكثر من شهر.

■ والأب يوتا؟

- سمعت عنه ولكننى لا أعرف من هو ولم أهتم بهويته لأنه اسم رمزى فلا يوجد أب اسمه يوتا فى الكنيسة.

■ والأنبا توماس؟

- من يراجع كلام الأنبا توماس يجده لم يخطئ، فهو قال إن أقباط مصر ليسوا من أصل عربى إنما من أصل فرعونى وهو كلام حقيقى لا غبار عليه لأنها الحقيقة والتاريخ، فنحن مصريون أقباط، أنا مسيحى قبطى بل وأنتِ مسلمة قبطية، نحن أقباط فراعنة تثقفنا بالعربية.

■ وهل تتفق معه فى أن الأصل فى مصر هم المسيحيون؟

- هذه حقيقة، وسيادة الرئيس مبارك قالها من قبل.. كما أن محافظ بورسعيد قال فى إحدى الندوات إن من يبحث فى شجرة عائلتى ربما يجد الجد السابع لى مسيحياً.

■ وهل أتى المسلمون إلى مصر كغزاة كما يروج بعض المسيحيين؟

- إذا كنتِ تريدين معرفة الطريقة التى دخلوا بها مصر فعليك بقراءة كتاب عقبة بن نافع كما قلت لك.

■ وكيف دخل الإسلام مصر من وجهة نظرك؟

- الطريقة التى دخل بها الإسلام مصر هى نفس الطريقة التى دخل بها إلى غرب أفريقيا وبلاد الشام وغيرها من الدول وهى مكتوبة فى كتب التاريخ الإسلامى نفسه، فمثلا أنا قرأت كتاب عقبة بن نافع الذى يدرس فى المدارس للطلبة فى أولى إعدادى وأتمنى أن تتم مراجعته جيدا لأنه يسىء إلى الدين الإسلامى ويصوره على أنه دين حرب ودين غزو ودين يقتل الرجال ويسبى النساء،

كما أنه صدر عن سلسلة القراءة للجميع تحت إشراف السيدة سوزان مبارك كتاب لمحمد سعيد العريان عن صلاح الدين الأيوبى وقال فيه طريقة دخول الإسلام لأى قطر تتم كالآتى نذهب إليهم بجيش ونعرض عليهم الإسلام فإن دخلوا فيه صاروا منا وصرنا منهم وإن لم يدخلوا نجاهدهم ومن يرد أن يبقى على دينه يدفع الجزية، والكتاب عندى لمن يريد التأكد وطبع مؤخرا وليس كتاباً قديماً يؤكد نفس هذا المعنى.. وأتمنى أن يعاد كتابة التاريخ الإسلامى بحسب روح العصر الذى يدعو إلى المحبة والأخوة واحترام الأديان.

■ المهم هل تسىء الكتب إلى الدين المسيحى؟

- لا لم يتم ذكر الدين نفسه وإنما مثلا قال كتاب عقبة بن نافع عن الملك البيزنطى الذى يدين بالمسيحية وأتى للغزو إنه كافر، ورغم أن مسيحيى مصر يعتبرونه غازيا فعلا، بل وأتى لقتل البطريرك المصرى، فإنه يجب ألا أقول عليه كافراً إنما يمكن وصفه بالوحشية واللاإنسانية.. فكان يصعب على الإمبراطورية الرومانية وهى الإمبراطورية الضخمة أن تكون مصر المستعمرة منبراً وقيادة للفكر المسيحى فى العالم.. كما هو الآن أن يخرج من مصر قيادة الفكر الإسلامى فى حين أن السعودية هى مهد الإسلام.

■ لماذا الشعور الآن بأن الكنيسة أصبحت دولة داخل الدولة؟

- قولى لى مَنْ وزير الخارجية فى الكنيسة؟ أو مَنْ هو وزير المالية؟ مش بتقولى دولة بقى، يعنى فيها وزراء.

■ نيافتك تعلم ما أقصد.. الكنيسة على سبيل المثال رفضت مؤخرا تنفيذ حكم قضائى صادر عن المحكمة الإدارية العليا بإعطاء تصاريح الزواج.. وكأنها تؤكد أنها يجب أن تسيِّر أمور شعبها بعيدا عن القانون الذى يحكم البلد؟

- أنا فى النهاية مرجعى الإنجيل ولا يمكن أن أخالفه لصالح حكم قضائى.

■ وما مرجع باقى الطوائف المسيحية مثل الإنجيلية والكاثوليك؟

- الإنجيل أيضا.

■ ولماذا الطوائف الأخرى تعطى تصاريح الزواج بينما ترفض الكنيسة الأم إذا كان المرجع واحداً؟

- الطوائف الأخرى تريد توسيع الأمور بعض الشىء.

■ ولكن هناك معاناة شديدة داخل الأسر المسيحية؟

- دعينى أسألك ما رأيك فى الثلاثة ملايين طفل الموجودين فى الشارع.. أليسوا هؤلاء نواتج طلاق، وارمى على الشارع، فتشدد الكنيسة يأتى من باب الحفاظ على الدين والعائلة، فنحن نحاول أن نمنع تدفق المزيد من الأطفال إلى الشارع.. ولو أن الكنيسة ترفض تنفيذ حكم قضائى لتمسكها بدينها فسأقول لها برافو، ويجب أن يحيينا الجميع لأننا نتمسك بديننا إلى هذا الحد.

■ البعض رأى أن التأييد العلنى للبابا شنودة لترشح جمال مبارك لرئاسة الجمهورية حالة من توجيه أصوات المسيحيين لتأييد نفس الشخص.. فى حين أن البابا مسؤول دينياً عن الأقباط وليس عن اتجاهاتهم السياسية؟

ــ البابا عندما أعلن تأييده لترشيح جمال مبارك كان يعرب عن رغبته الخاصة ورؤيته وقناعته هو، ولم يلزم الأقباط بتبنى الموقف نفسه.

■ ولكن البابا يتمتع بذكاء شديد ربما لم يطلب من أحد تأييد جمال مبارك ولكنه يعرف أن له حباً وتقديراً فى قلوب الأقباط، مما يجعلهم يختارون من يختاره هو؟

ــ هذا شىء عظيم أن يكون البابا محبوباً، وكما تقولين من سيختار جمال مبارك لن يختاره عن إكراه وإنما لقناعته وثقته فى حسن اختيار البابا.

■ إذن هو قصد هذا الأمر؟

ــ ليس قصداً ولكننا نثق فى رأى البابا، وأنا نفسى سأعطى صوتى لجمال مبارك.

■ ولماذا يؤيد البابا جمال مبارك فربما يأتى شخص أفضل منه؟ أعنى لماذا لم يعط نفسه فرصة لمعرفة باقى المرشحين لاختيار أفضلهم؟

ــ المثل الشعبى يقول: «اللى نعرفه أحسن من اللى مانعرفوش».. ثم إن جمال مبارك هو ابن الرئيس مبارك الذى عشنا فى ظل حكمه فى سلام، وهو غير راض عن أعمال التطرف التى تشوب العلاقة بين المسلمين والمسيحيين من حين إلى آخر، كما أنه ابن الرئيس الذى يرفض أن تتحول مصر إلى دولة دينية.. نعم هى دولة متدينة والشريعة الإسلامية فى الدستور هى مصدر التشريع الأساسى، ولكنها ليست المصدر الوحيد، وأعتقد أن جمال مبارك سيسير على النهج نفسه.

■ لماذا فى رأيك ترفض الحكومة تحديد كوتة للأقباط؟

ــ على حسب الحوار الذى دار مؤخراً بينى وبين أحد المسؤولين الكبار فى البلد بهذا الشأن، قال لى إن الكوتة ليست فى صالحكم أنتم لستم عاجزين عن النجاح فى البرلمان ولستم أغراباً.. ولكنه وعد بنظام انتخابى بديل، وهو نظام القوائم، على أن يوضع فى مقدمة القوائم الأقباط، كما وعد بألا تقل نسبة تمثيلهم فى البرلمان عن ١٥ إلى ٢٠٪ من مقاعد البرلمان، أما إذا ترك الانتخاب بالنظام الفردى فلن يأتى الأقباط.

■ من هذا المسؤول وما مدى صلاحياته للتصريح بذلك؟

ــ أجاب، بعد تردد شديد، الدكتور مفيد شهاب.

■ وهل كانت هذه هى الصفقة أن تؤيدوا جمال مبارك فى مقابل ٢٠٪ من مقاعد البرلمان؟

ــ لا.. وفى النهاية الأقباط لن يغيروا القرارات داخل البرلمان، بل سيكونوا قلباً وقالباً مع رأى الأغلبية، ولكن هذه النسبة ستعبر عن سمو مصر.

■ وهل يوجد أى اتفاقات أخرى مع باقى الأحزاب؟

ــ لا يوجد اتفاقات ولكن منير فخرى عبدالنور، سكرتير حزب الوفد، يدعم ترشح الأقباط.

■ لماذا رفض البابا تغيير لائحة انتخاب البطريرك رغم كل الجدل المثار حولها؟

ــ من يريدون تغيير اللائحة لهم أغراض شخصية ويريدون تغييرها على أن تكون مفصلة بالمقاس على شخص بعينه وليس لأغراض جيدة، وقد فطن البابا لهذا الأمر فقرر أن يبقى الوضع على ما هو عليه إلى أن توافيه المنية والعمر الطويل له، وأن يأتى البابا الجديد عن طريق القرعة الهيكلية واختيار واحد من بين الثلاثة الأعلى فى الأصوات، وهى الطريقة نفسها التى جاء بها البابا كيرلس السادس والبابا شنودة الثالث.

■ أياً كانت الخلافات الداخليه بين الأقباط والنظام السياسى فى مصر.. هل يبرر ذلك الاستقواء بالخارج لنيل الحقوق فى الداخل؟

- أنا ضد أى استقواء بالخارج، وأرفض هذه الطريقة، وحينما كنت أعيش فى كندا ثم أستراليا ولمدة ٤ سنوات كلما حدث شىء نذهب ونقف أمام سفارتنا المصرية بالخارج.

■ ألا تعرف أنه يوجد صندوق للشكاوى خاص باضطهاد الأقباط فى مصر فى السفارة الأمريكية؟!

- لا أعرف ولا أريد أن أعرف وغير مهتم بالأمر، وأقول لكل مسيحى مصرى خارج مصر لن يحل مشاكل المسيحيين إلا حكومة مصر ورئيس مصر.

■ كيف تقرأ النقد اللاذع للسياسة المصرية الداخلية من قبل أقباط المهجر؟

- يجب التفريق بين الجماهير الغفيرة لأقباط المهجر وعدد من الأصوات العالية فى الخارج، فهم لا يعبرون عن جميع أقباط المهجر.

■ ما علاقة الكنيسة بعدلى أبادير؟

- عدلى ليست له علاقة بالكنيسة وهو يتحدث كمواطن مصرى مر بظروف معينة قبل السفر هى التى تدفعه للتصرف بهذه الطريقة ولا توجد للكنيسة سيطرة عليه وكلما تحدثنا معه لا يستمع إلينا ولا أحد يستطيع مراجعته فيما يقول.

■ هل تتلق الكنيسة دعماً مادياً من أقباط المهجر؟

- أولا أود أن أراجع هذه الجملة فنحن لا نتلقى دعماً مادياً من أحد، إنما نأخذ أموالاً من أبناء مصر الذين يعيشون فى الخارج ممن يريدون أن يساهموا فى حل أزمات إخوانهم هنا وتحسين فرص معيشتهم، أو لإنفاقها على اليتامى، فأشقاء فى الخارج يعطون أشقاء بالداخل.

■ ألم تتلقى الكنيسة أموالاً من منظمات أمريكية بل ويقال من منظمات صهيونية أيضا؟

- هذا كلام عار من الصحة تماما.

■ ومن أين ينفق شعب الكنيسة إذن؟

- ينفق مما يسمى «العشور» وهى نسبة عشرة فى المائة تدفع من الدخل ليرضى الله ويبارك فى مال هذا الشخص.

■ وهل هذا كاف لبناء الكنائس ودفع الرواتب والإنفاق على الأديرة؟

- كاف جدا والشعب القبطى كريم جدا.. ولا تنسى أن هناك أديرة تشيل نفسها بنفسها تماما من خلال مزروعات وتصنيع بعض المستلزمات.

■ سؤال أخير: من القادم بعد البابا شنودة؟

- لم أدع ذهنى لحظة يفكر فى هذا الأمر.

هيلدا أرليانو

مديرة المعونة الأمريكية فى أول حوار
لدينا مشاريع ضخمة ومتعددة لدعم الديمقراطية والإصلاح السياسى فى مصر
---------------------------------------
حوار رانيـا بـدوى ٥/ ١١/ ٢٠٠٩
---------------------------------------

الآن فقط يمكننا الحديث عن تحرر أعناقنا من المعونة الأمريكية.. ليس بالطبع لأن مصر طلبت
قطعها، ولكن لأن الولايات المتحدة خفضتها للحد الذى يمكن معه الاستغناء عنها تماما.

وهذا بالطبع ليس تكهناً صحفيا إنما معلومات مؤكدة أدلت بها هيلدا أرليانو مديرة المعونة الأمريكية أو ما يسمى «الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية»، وهى المسؤولة عن توزيع المعونة بين المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص والإشراف على إنفاقها فى مصر.

وفى أول حوار صحفى لها كشفت أرليانو عن أسباب خفض المعونات الأمريكية لمصر الحليف الاستراتيجى لها. ففى خلال الثلاثين عاماً الماضية ساهمت الحكومة الأمريكية بأكثر من ٢٨ مليار دولار فى شكل مساعدات اقتصادية بما فيها ٢ مليار دولار منذ عام ٢٠٠٤، هذا بخلاف المعونة العسكرية.

ورغم عدم إنكارنا للجهود والمبالغ التى دفعتها المعونة الأمريكية فى مصر فى تطوير البنية الأساسية والتعليم والصحة والزراعة، والتى وصلت إلى حد أن بعض المسؤولين المصريين كانوا ينسبونها لأنفسهم ولجهود الحكومة فى حين أنها ممولة من المعونة الأمريكية، إلا أنه مازال هناك سؤال فى حاجة إلى إجابة: ما هو المقابل الذى تحصل عليه أمريكا؟

■ هناك قناعة لدى المصريين بأن حجم وطريقة دفع المعونات الأمريكية تتوقف كثيرا على حالة العلاقة السياسية المصرية الأمريكية.. ما صحة ذلك؟

- حجم المعونة الأمريكية تحدده أمور كثيرة منها الحالة الاقتصادية لمصر واحتياجها الفعلى لها، إلى جانب قائمة أولويات الولايات المتحدة الأمريكية فى دفع هذه المعونات والتى تتحدد وفقا للدول الأكثر احتياجا.

■ على أى أساس يتقرر إعطاء هذا المحافظ ٥ ملايين جنيه وتلك الوزارة ٢٠ مليونا، ولماذا شبكة صرف صحى هنا أو بناء مدرسة هناك؟

- الأمر كله يتوقف على طلبات الحكومة ونوعية المشروعات المقدمة لنا، فهناك مشروعات تطلبها الحكومة فنقوم بدراستها ثم تمويلها وهناك مشروعات تقدم من القطاع الخاص والمجتمع المدنى لا نقبل منها إلا تلك التى ينطبق عليها الشروط التى سبق أن وضعناها، وهناك قوانين خاصة بالمساعدات الأجنبية تحكمنا فى ذلك.

■ ألا تقبلون المشروعات على هواكم وطبقا لما يحقق أغراضكم السياسية؟

- غير صحيح، فأى أغراض سياسية فى بناء شبكات ضخمة للصرف الصحى فى مصر، وأى غرض سياسى وراء مشاريع خفض المياه الجوفية فى معابد الأقصر والكرنك التى أنقذت هذه المعالم التاريخية من أضرار كبيرة وغيرها من المشروعات التنموية.

■ أليست مصر تابعة للولايات المتحدة الأمريكية ومربوطة من عنقها بالمعونات الأمريكية؟

- غير صحيح.. ودعينى أكشف لك الصورة على حقيقتها، مصر الآن لم تعد هى مصر التى كانت فى عام ١٩٧٠ وقت بدء المعونة الاقتصادية.. ربما كانت فى حاجة حقيقية وقتها للمعونة الأمريكية، أما الآن مع النمو الاقتصادى والاستقرار فى الأسواق لم تعد مصر بنفس الحاجة السابقة للمعونة.. وتخفيض المعونة الاقتصادية من مبلغ ٨١٥ مليون دولار إلى ٤١٥ مليونا كان بالاتفاق مع الحكومة المصرية على اعتبار أن وضعها الاقتصادى الحالى أفضل بكثير من وقت بدء المساعدات.

■ ولكن قرار خفض المعونة للمرة الثانية كان قرار الولايات المتحدة الأمريكية منفردة ودون رغبة مصر؟

- نعم كان قرار الولايات المتحدة وحدها وتم تخفيض المبلغ من ٤١٥ مليون دولار إلى ٢٥٠ مليون دولار للسنة المالية ٢٠٠٩، ولكن السبب لم يكن خلافا سياسيا، بل نظرا لزيادة الطلب على المساعدات الأمريكية من دول أخرى، وشعور الولايات المتحدة بأن هناك دولاً فى حاجة أكثر إلى هذه المعونات مثل العراق وأفغانستان.

■ هل تغيرت أولويات إنفاق المبلغ حاليا بتغير الإدارة الأمريكية؟

- بعد زيارة الرئيس أوباما فى يونيو الماضى أجريت مناقشات عديدة بين الولايات المتحدة الأمريكية والحكومة المصرية، التى بدورها أخبرتنا أن لديها رغبة فى الاهتمام بالتعليم بجميع مراحله، ليثمر عن خريجين لديهم المهارات المطلوبة فى سوق العمل، والجزء الثانى هو رغبتها فى الاهتمام بالبحث العلمى والعلوم التكنولوجية لجذب الاستثمارات.. إذن الأولويات تغيرت ليس نظرا لاختلاف السياسة والإدارة الأمريكية، ولكن لتغير الاحتياجات والمتطلبات المصرية.

■ ولكن كان الإصلاح السياسى والديمقراطية على رأس الأولويات فى عهد الرئيس بوش، فهل هذا يعنى أنها تراجعت فى أولويات إدارة أوباما خاصة أنه قد خفت الحديث عنها تماما؟

- لا أبدا.. ما زالت لدينا مشاريع ضخمة ومتعددة فى مجال الإصلاح السياسى ودعم الديمقراطية وإحلال اللامركزية وزيادة الشفافية فى المجتمع المصرى، من خلال ميكنة ثمانى محاكم فى جميع أنحاء البلاد وتطوير البرامج، التى تسمح للحكومة المصرية على نحو مستقل بميكنة خمس محاكم إضافية، وبرنامج تدريبى شامل لأول قاضيات من النساء المعينات فى المحاكم الابتدائية، كما قمنا بإعداد استراتيجية قومية لتطبيق اللامركزية وتنفيذ نماذج رائدة فى أسيوط وقنا والبحيرة وتم دعم أكثر من ١٠٠ مبادرة مشتركة بين المجتمعات المحلية والحكم المحلى فى حل المشاكل المحلية، وتوفير التدريب على القيادة لأكثر من ٤٧٠٠٠ من النساء والطلاب والشباب فى جميع أنحاء البلاد، إضافة إلى دعم إصدار بطاقات الرقم القومى وبطاقات الاقتراع لتسهيل مشاركة المواطنين فى الانتخابات القومية والمحلية. وكلها برامج تسهم فى تعزيز اللامركزية المالية والسياسة والحكم الإدارى، وتشجيع المزيد من المنافسة والشفافية فى العمليات الانتخابية.

■ ولكن رغم كل الجهود المبذولة فى مجال الإصلاح الديمقراطى والسياسى فإنها ليست ملحوظة للعيان، فلا توجد نزاهة فى الانتخابات ولا شفافية فى القرارات، ولا حتى الوعى بضرورة الانتخاب موجود لدى المواطن المصرى، فهل تعتقدين أنه فى ظل الحكم الحالى كل الأموال المدفوعة فى دعم الديمقراطية هى أموال تذهب فى الهواء ولا طائل منها؟

- يوجد تحسن كبير فى عدد من المجالات منها النظام القضائى واللامركزية على مستوى المحافظات وحقوق المرأة، ولكن بالنسبة للجزء الخاص بالديمقراطية ونزاهة الانتخابات، فإن الدور الأول والأخير والمسؤولية الأولى تقع على عاتق الشعب المصرى، نحن فقط نقدم المساعدة لهم، وحتى يظهر تأثير المعونة فى هذا المجال نحن فى حاجة إلى وقت طويل.

■ إذا كان الأمر أولا وأخيرا راجعا للمصريين، فلماذا ضغطت إدارة بوش بكل قوة لتطبيق الديمقراطية لدرجة أنها دعمت كبار المعارضين للرئيس مبارك مما تسبب فى سوء العلاقات؟

- لا أستطيع أن أخوض فى هذا الأمر، لأننى شخصيا ومنذ أن توليت هذا المنصب لم يحدث أبدا أن تم ربط المعونات الاقتصادية بالأمور السياسية، ولم يأتنى أمر بتوجيهها وفق نمط معين مرتبط بالسياسة.

ثم أضافت: لماذا كل هذه الضجة على المعونة الأمريكية والتشكك فى نواياها، ومصر لديها الآن شركاء أقوياء جدا تحصل منهم على المعونة والمساعدات، مثل الاتحاد الأوروبى، هناك دول كثيرة تدعم مصر الآن، فلماذا لم نسمع المصريين يصرخون باتهامات فى وجه معونات الاتحاد الأوروبى؟!

■ قلت فى بداية الحديث إن مصر لم تعد كالسابق، ولم تعد فى حاجة للمعونة الاقتصادية.. هل هذا يعنى أن مصر لم تعد فى حاجة إلى المعونة الأمريكية، ونستطيع دفع عملية التنمية دون هذا المبلغ؟ وهل يمكن أن نشهد قطعها تماما قريبا؟

- لا لم أقصد هذا تماما، فمصر فى النهاية تعد دولة من ذوات الدخل المتوسط وتحتاج إلى المعونات، ولكن على أن تكون موجهة بطريقة مختلفة، فقديما كانت مصر فى حاجة إلى المساعدة فى بناء البنية الأساسية مثل مشاريع الصرف الصحى ومياه الشرب وغيرها، ولكن الآن مصر لم تعد بحاجة للمساعدة فى هذه المجالات بل فى حاجة أكثر لبرامج تطوير وتدريب وبناء قدرات وإدارة الموارد البشرية للأفراد، وهذا بناء على طلب الحكومة المصرية نفسها.

■ وما المجالات التى ساهمتم فيها لاستقرار الوضع الاقتصادى فى مصر؟

- أنشأنا هيئة لحماية المستهلك، وعززنا نظام حقوق الملكية الفكرية لتقليص الوقت الخاص بتسجيل العلامات التجارية من ٤٨ إلى ١٢ شهرا ومن ٦٠ إلى ٣٤ شهرا، للحصول على براءات اختراع، فهرسة إلكترونية للقوانين والأنظمة فى ١٢ وزارة والقضاء لعدم إعاقة الأعمال التجارية، زيادة الضرائب بنسبة ٤٠% فى عام واحد نتيجة إصلاح الهيكل الضريبى، تخفيض معدلات الرسوم الجمركية بنسبة ٥٠% وتخفيض ٦٠% فى تكلفة الإفراج عن السلع من الموانئ، مما أدى إلى استيراد سلع استهلاكية أقل سعرا وغيرها من المشروعات.

وفى مجال مياه الشرب والصرف الصحى تم تحسين خدمات مياه الشرب لأكثر من خمسة ملايين شخص يعيشون فى الإسكندرية من خلال تركيب ١٦٠ كيلومتراً من خطوط الأنابيب وتطوير سبع محطات لتنقية المياه، وبناء أكثر من ٣٠ مرفقاً لمياه الشرب والصرف الصحى فى محافظات الفيوم وبنى سويف والمنيا يستفيد منها أكثر من ثلاثة ملايين شخص، وتحسين خدمات المياه والصرف الصحى لما يقرب من ٥٠٠٠٠٠ شخص يعيشون فى الأقصر وأسوان و٩٠٠٠٠٠ شخص يعيشون فى المنصورة، ولدينا إصلاحات بعيدة المدى فى هذا القطاع منها إنشاء هيئة تنظيمية وشركة قابضة قائمة على إدارة شبه ذاتية وشركات إقليمية فرعية تعمل على تحسين خدمة العملاء واسترداد التكاليف والاستمرارية.

■ هل تعتقدين أن أموال المعونات تنفق فى محلها أم أن للعمولات والرشاوى نصيباً منها؟

- كل الأموال التى حددت للمعونة الاقتصادية ذهبت لمشاريع تنموية فى مصر وترسل بشكل دائم تقارير عن هذه المشاريع وطريقة الإنفاق وسير العمليات التنموية لحكومة الولايات المتحدة الأمريكية والكونجرس الأمريكى، وهناك متابعة دائمة لإنفاق المعونة فى مصر وإذا ما حدث ووجدنا أن هناك مشروعاً انحرف عن الهدف الذى يقام من أجله سرعان ما نوقف هذا المشروع ونعيد الدراسة ونصحح الأوضاع لتحقيق الهدف الذى ننشده.

■ وهل حدث ذلك من قبل وأوقفت مشاريع انحرفت عن الهدف المنشود؟

- نعم.

■ وهل لديك جميع الضمانات أن أموال المعونات التى تعطونها للمحافظات أو للمجتمع المدنى تنفق كاملة على المشروعات المحددة؟

- لدينا لجان متخصصة وموظفون مهمتهم متابعة تنفيذ هذه المشروعات، ومراجعة والتأكد من صحة الحسابات لضمان استفادة الشعب المصرى من أموال المعونة.

■ جاء ضمن أهداف الوكالة الأمريكية للتنمية المساعدة على الإصلاح الهيكلى للأحزاب، فهل لديكم أى مشروعات مشتركة مع الأحزاب المصرية؟

- لا على الإطلاق، فنحن لا نعمل مع الأحزاب السياسية.. فقط الحكومة المصرية.

■ لماذا؟

- لأننا ليس لدينا مهام سياسية، إنما مهامنا اقتصادية وتنموية.

■ ولكن جزءاً من هذه المهام هو الإصلاح السياسى والديمقراطية، فكيف تفعلون ذلك بعيدا عن الأحزاب وتتجاهلونها؟

- لا نتجاهلها ولكن هذا ليس من صميم اختصاصنا، فعندما نتحدث عن إصلاح سياسى وإحلال الديمقراطية فهذا لا يعنى التدخل المباشر فى السياسة أو شؤون الأحزاب، إنما نعمل على رفع درجة الوعى لدى المواطنين بحقوقهم المختلفة والمساعدة على تعزيز أهمية مشاركتهم فى الانتخابات المختلفة، نهتم بحقوق المرأة ودخولها مجلس الشعب وتفعيل دورها، هذا ما نقصده بالإصلاح السياسى.

■ ولكنكم تتعاونون أيضا مع القطاع الخاص والمجتمع المدنى؟

- نعم، ولكن بالتنسيق مع الحكومة المصرية أيضا وفى إطار الاتفاقيات الثنائية التى بيننا.

■ لننتقل إلى برامج تطوير المناهج الدراسية التى ترعاها المعونة الأمريكية كثيرون يتهمونكم بالتدخل بتغيير أنظمة التعليم لأغراض عليها علامات استفهام؟

- ردت منفعلة : حتى ننهى هذا الأمر لا يوجد أى مشروعات نقدمها فى مجال التعليم إلا بموافقة وزارة التربية والتعليم، وذلك فى إطار الاتفاقية التى بيننا وبين الوزارة ولا نقدم على بناء مدرسة أو مشروعات محو الأمية فى القرى أو أى برامج تطوير أو ما شابه ذلك إلا بموافقتهم وتحت رعاية منهم بل وأحيانا بطلب منهم.

■ هل ما وصلت إليه المرأة المصرية يرضى طموحاتك وبرامجك؟

- ضحكت قائلة: الثقافة تختلف من بلد إلى بلد وكذلك سقف الطموحات ولا يهم ما يرضينى أنا، المهم هل المرأة المصرية تشعر بهذا التحسن أم لا؟ هل هى راضية عما وصلت إليه وهل تطمح للمزيد؟ فما يرضى ثقافة شعب قد لا يرضى ثقافة شعب آخر.

■ سؤال أخير سيدة هيلدا.. لطالما أنفقتم مليارات فى مصر، فما هو الثمن أو المقابل هل هى مسؤولية اجتماعية تجاه الشعوب أم مسألة أمن قومى لأمريكا أم أسباب أخرى لا يعلمها أحد إلا أنتم؟

- حقيقة ليس لدى أى رد على هذا السؤال، أنا فقط أقوم بالمهام التى أكلف بها.

------------
نشرت في المصري اليوم بتاريخ 5-11-2009
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=232078&IssueID=1580#CommentFormAnchor


أحمد ماهر



وزير الخارجية السابق لـ «المصرى اليوم»:
مشكلة مياه النيل سوء انتفاع.. وإسرائيل حولتها إلى أزمة سياسية
---------------------------------------------------------
حوار رانيا بدوى ١/ ١١/ ٢٠٠٩
---------------------------------------------


وصف أحمد ماهر، وزير الخارجية السابق، ترشيح حزب «الوفد» للدكتور محمد البرادعى، مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية لرئاسة الجمهورية، بأنه فضيحة للحزب الذى لا توجد به كوادر، لدرجة أنه يستعين بكوادر من الخارج، معتبراً أن عمرو موسى، الأمين العام لجامعة الدول العربية، لا يصلح للمنصب أيضاً لابتعاده عن السياسة الداخلية، وعدم انخراطه فيها، معرباً عن أمله ألا يتكرر ما حدث فى انتخابات ٢٠٠٥ التى وصفها بأنها كانت نكتة، مطالباً الدولة، وأجهزة الأمن، والأحزاب بإفساح المجال للشباب للمنافسة على المنصب، واصفاً اقتراح الأستاذ محمد حسنين هيكل بتشكيل مجلس أمناء، بأنه أمر فرعى.

وكشف ماهر فى حواره مع «المصرى اليوم» عن معرفته السبب الحقيقى وراء خسارة فاروق حسنى، وزير الثقافة فى انتخابات «اليونسكو»، لكنه رفض الإعلان عنه، نافياً أن تكون خسارته بسبب مؤامرة، معتبراً أن معاهدة «كامب ديفيد» مخلوق مشوه لن يكتمل نموه إلا بحل القضية الفلسطينية، واستعادة كل الأراضى المحتلة، مشدداً على ضرورة أن تسعى مصر لجعل علاقتها بأمريكا ثنائية، وليست ثلاثية مرهونة بعلاقتها مع إسرائيل، وإلى نص الحوار:

■ نعيش الآن حالة من الجدل السياسى والإعلامى حول مستقبل مصر، وهناك آراء عديدة واقتراحات كثيرة ومناقشات أكثر حول الرئيس القادم وطريقة تغيير الحكم، ما رأيك فى كل هذا الزخم؟

- هذا الجدل، وهذه المناقشات شىء إيجابى جداً جداً، ويدل على اهتمام المواطن بالسياسة ووعيه بحقوقه، بعد أن كان فى فترة من الفترات عازفا تماماً عن السياسة وغير مهتم بها، وإدراك المواطن أن مصر بها مشكلات كثيرة، وهناك انتخابات برلمانية ورئاسية مقبلة، واقتناعه بوجوب التفكير فى مستقبل مصر، أمر يسعدنى جداً، لكن ما يسعدنى أكثر هو هذا المناخ الذى يسمح للجميع بالتعبير عن آرائهم وطموحاتهم.

■ ما رأيك فى اقتراح الكاتب الصحفى الأستاذ محمد حسنين هيكل بتشكيل «مجلس أمناء الدولة والدستور»؟

- بشكل عام الكلام عن مجلس هنا، أو لجنة هناك أمور فرعية، وأنا من أنصار أن تبدأ الأحزاب النشاط والعمل من الآن، وحتى الانتخابات، فمصر فى حاجة أكثر إلى حياة سياسية حقيقية، وعلى الدولة من الجانب الآخر أن تسمح للتيارات المختلفة بالتعبير عن آرائها وبرامجها فى إطار حزبى مشروع، وأن يتقدم للترشح كل من يرى فى نفسه أن لديه برنامجاً، وأنه سيحظى بالتأييد.

■ لكن المادة «٧٦» من الدستور لن تسمح بذلك؟

- تعديل المادة «٧٦» عليه ملاحظات كثيرة، لكن يمكن للأحزاب تجاوزها.

■ هل يفهم من ذلك أنك مع الفكرة التى طرحها حزب «الوفد» باستدعاء الدكتور محمد البرادعى، رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وضمه للهيئة العليا للحزب، ليتمكن الحزب من ترشيحه، فى محاولة للتحايل على المادة ٧٦؟

- لا على الإطلاق، أنا ضد هذه الفكرة، فليس من المقبول أن تجلس الأحزاب دون عمل، ثم تستأجر مدرباً من الخارج ليقود الفريق، أو كمن يجلب لاعباً من خارج النادى الأهلى مثلاً، ليلعب باسمه، ولو كنت رئيس حزب فلن أقبل على نفسى هذا الأمر لأنه فضيحة.

■ لكن معظم الأحزاب ليس لديها كوادر تخوض به الانتخابات؟

- من قال هذا، الأحزاب بها شباب ممتازون، لكنهم غير ظاهرين للعيان، وليس من الضرورى إصرار الأحزاب على ترشيح من قاربوا سن السبعين، فليبحثوا عن شباب فى الأربعينيات، لكن المشكلة أن كل شخص يجلس على رأس حزب، لا يريد أن يظهر غيره، فليفسحوا المجال للشباب.

■ وهل الوقت كافٍ لتتمكن الأحزاب من تحقيق ذلك؟

- مازال هناك عامان، وهما مدة كافية، فلو بدأ الجميع من الآن، فمن الممكن جدا أن نرى شباباً بارزاً داخل الأحزاب خلال عام واحد، المهم أن تعرف الأحزاب ماذا تريد، وأن تنشط بشكل منظم وفعال فى الشارع.

■ الأحزاب تتهم أجهزة الأمن والحزب الوطنى بعرقلة عملها، ما تعليقك على هذا الاتهام؟

- هذا كلام غير واقعى، نعم هناك مضايقات من الأمن والحكومة، لكن لا يجب أن تنسى الأحزاب، ومنها «الوفد» مثلاً، أنها مارست الحياة السياسية بكل قوة وفاعلية فى ظروف أسوأ من ذلك، حيث الاحتلال الإنجليزى، والملك، وكان أعضاؤها يتعرضون للنفى إلى مالطة، أو جزيرة سيشل، ومع ذلك لم يكفوا عن ممارسة السياسة، فالسياسة ليست طبق كافيار يقدم على صينية من ذهب، لكن من يريدها عليه أن يتحمل ويصبر، وطالما أخذت الأحزاب حيزاً ومساحة من العمل، فماذا فعلوا بها، هل استفادوا من هذا الحيز؟! أبدا بل أخذوا يتشاجرون على من هو رئيس الحزب، وعندما اختلفوا، قرر أحدهم رفت الآخر، فما كان من الثانى إلا أن رفض الرفت، وتركوا السياسة وتفرغوا للخلافات.

■ البعض يعتبر أن الفائز الوحيد من الخلافات التى تسيطر على الأحزاب هو الحزب الوطنى؟

- لا الكل خاسر بمن فيهم الحزب الوطنى، والخاسر الأكبر مصر، وبما أننى أدعو الأحزاب لبدء العمل، فأنا أيضا أدعو أجهزة الأمن إلى الكف عن الممارسات التى تعرقل عمل الأحزاب، ولتسهم الدولة فى إفساح المجال للجميع للتعبير عن آرائه وبرامجه.

■ وماذا عن جماعة «الإخوان المسلمين»؟

- أعتقد أن الطريقة التى تم التعامل بها مع الإخوان هى التى جعلتهم يظهرون فى الشارع المصرى، وهناك عدد من الإخوان اجتمعوا وقرروا تأسيس حزب سياسى هو حزب «الوسط»، أعتقد أنه سيكون حزباً معتدلاً يعبر عن الإسلاميين باعتدال، لذلك من المفيد أن يخرج هذا الحزب للنور، على أن يلتزم أعضاؤه فعلاً بفصل السياسة عن الدين، ويظلوا على اعتدالهم.

■ ما رأيك فى الأسماء التى تم ترشيحها للرئاسة فى الفترة الماضية مثل الدكتور أحمد زويل، والدكتور محمد البرادعى، وعمرو موسى؟

- مع احترامى لكل هذه الأسماء وتقديرى لهم، لكنهم شخصيات لها خبرة عميقة فى مجال معين، وظلوا سنوات طويلة خارج مصر، ولا علاقة لهم بالمشكلات الداخلية ولا يعرفون عنها شيئاً.

■ وهل ينطبق الأمر نفسه على عمرو موسى؟

- عمرو موسى يسافر كثيرا بحكم عمله، ورغم أنه يذهب ويجىء إلى مصر، إلا أنه فى النهاية ابن وزارة الخارجية، وليس منخرطاً فى الحياة السياسية الداخلية.

■ بعيداً عن الأسماء المطروحة، هل هناك شخصيات بعينها ترشحها لخوض الانتخابات الرئاسية؟

- لماذا نحدد أشخاصاً، فمن المبكر جداً طرح أسماء الآن، فلنترك الأمور تسير، ربما يظهر من هم جديرون بالمنصب، ووقتها كل شخص ينتخب من يرى أنه يرضى طموحاته.

■ وماذا لو رشح جمال مبارك نفسه، ضمن مجموعة من المرشحين، أمثال من خاضوا الانتخابات السابقة، هل ستختار جمال مبارك؟

- ولم لا، لكن آمل ألا يتكرر ما حدث فى الانتخابات الماضية، فهى كانت «نكتة»، وحتى لا يتكرر ذلك يجب أن تنشط الأحزاب وتقدم كوادر جديدة.

■ بعيداً عن الشأن الداخلى، وأنت كنت أحد المشاركين فى مفاوضات كامب ديفيد، هل تعتقد أن مصر دللت إسرائيل بما يفوق ما جاء حتى فى كامب ديفيد ومعاهدة السلام؟

- «كامب ديفيد» أقيمت على سوء تفاهم، مصر وقّعت، وفى ظنها أنها توقع على الخطوة الأولى فى طريق التسوية، والحصول على جميع الأراضى العربية، وكان الرئيس الراحل أنور السادات يصر على ذلك، وإسرائيل وقعت وفى تصورها أنه بإعطائها سيناء لمصر ليس على مصر المطالبة بأى أرض أخرى، حتى سيناء لم تعطها لنا بسهولة، لكن «بطلوع الروح»، وظلت متمسكة بأجزاء منها حتى حسم التحكيم الدولى الأمر.

■ بعد كل هذه السنوات كيف تقيّم عملية السلام بين مصر وإسرائيل؟

- السلام المصرى الإسرائيلى طالما بقى اتفاقا ثنائيا فهو مخلوق مشوه لم يكتمل النمو، وحتى يكتمل وتنمو له أطراف وأنف وفم يجب أن يكتمل بحل القضية الفسطينية، والجولان، وباقى الأراضى المحتلة.

■ لكن هناك من يرى أن مصر دللت إسرائيل وسمحت لها بانتهاك المعاهدة، رغم كل ما فيها من تشوه، بعدم اتخاذ أى رد فعل على الاعتداء المتكرر على الحدود بدعوى ضرب الأنفاق، وعدم اتخاذ موقف واضح من أحداث غزة وغيرها؟

- العلاقة بين مصر وإسرائيل قائمة على المصلحة، ونحن نريد أن نتقدم فى عملية السلام الشامل، لكن تصرفات إسرائيل تجعل مصر «تغتاظ»، وكنت أتمنى، كمواطن وأنا فى بيتى الآن، أن نرد ولو بشكل أعنف، كلامياً على الأقل، أو حتى نضرب على المنضدة اعتراضاً على ما يحدث.

■ ولماذا فى تقديرك لم نستطع اتخاذ أى رد فعل حتى ولو بالكلام، على حد تعبيرك؟

- ربما مصر تتحمل، وتحاول أن تكتم مشاعرها لتستطيع الاستمرار فى حل القضية الفلسطينية، لكن لو اتفقت الأطراف الفلسطينية كانت ستسهل على مصر الأمر كثيراً، وستجنب الجميع وقوع مثل هذه الأحداث، فمصر تريد دولة فلسطينية، وتريد أن تنسحب إسرائيل من الأراضى المحتلة، لكن الخلاف الفلسطينى يؤزم القضية، ولا يوجد طرف فلسطينى برىء، حركة «فتح» أخطأت بشدة، ومن أرادوا انتخابات ديمقراطية فى فلسطين، هم أنفسهم من لم تعجبهم نتيجة الانتخابات، والعالم كله تعامل مع الموضوع بشكل سيئ جداً، وتم حصار غزة بشكل غير مقبول وغير مفهوم، ثم تم تشجيع أبومازن على إقالة الحكومة، وهذا خطأ كبير.

■ أبومازن أصدر مرسوماً بإجراء الانتخابات فى أبريل المقبل رغم عدم إتمام المصالحة الفلسطينية، كيف ترى هذه الخطوة؟

- إزاى يعنى؟! «هو الكلام مش بالعقل»، كيف سيجرى انتخابات فى غزة، ثم يقول لو حدث صلح أنا ملزم بتأجيل الانتخابات، لا يوجد داع لهذه التصرفات، حركة «حماس» جزء من القوى الفلسطينية، ويجب مصالحتها، لأن الفائز الوحيد هو الفلسطينيون.

■ كيف ترى التقرير الذى أصدره القاضى ريتشارد جولدستون حول الحرب على غزة، واللغط الذى أثير حول تأجيله؟

- التقرير كان فرصة عظيمة للتوحد وليس فرصة للتفكك، وكان تأجيل مناقشته خطأ، وأهمية هذا التقرير تظهر عندما اعترف رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بأن بلاده خالفت القانون الدولى، وأنه أخطأ، والدليل أنه طالب بتغيير القانون الدولى الذى بموجبه تم توجيه اتهامات وإدانة لبلاده، وهناك دليل آخر أنه قال سيتم تشكيل لجنة ترد على تقرير جولدستون، إذن هو يعرف أن التقرير صحيح، وأنهم أقدموا على جرائم حرب للهروب من التقرير، لذلك فإن مطالبة المنظمة بتأجيل مناقشة التقرير كانت خطأ، وضع جميع العرب فى وضع حرج للغاية.

■ كنت سفيراً لمصر فى الولايات المتحدة الأمريكية.. فهل مازلت تؤمن بمسألة العدالة الدولية؟

- العدالة الدولية غير فعالة، ويجب أن تساندها القوة والعلاقات المتشعبة بين الدول. الإدارة الجديدة فى أمريكا تعطى فرصة إلى حد ما، للحديث عن العدالة الدولية، لكنها إدارة تواجه مشاكل ضخمة، ليست فقط ضغوط اللوبى الإسرائيلى، لكن مشاكل داخلية أيضاً، مثل الأزمة الاقتصادية، والتأمين الصحى، ومشاكل خارجية مثل أفغانستان، لذلك أنا أعتبر أن نوايا هذه الإدارة أطيب كثيراً من إمكانياتها، وربما غير قادرة على التنفيذ،

لذلك صعب جدا أن نطالبها باتخاذ مواقف حاسمة، لكن علينا مساعدتها على اتخاذ هذه المواقف، وذلك عن طريق إتمام المصالحة الفلسطينية، ويجب أن نعمل على تهدئة الأمور فى المنطقة، حتى يمكن الاستفادة من الروح الطيبة للإدارة الجديدة، فهى مستعدة للحوار مع إيران، ومن الممكن أن نستغل هذه الأجواء لإثارة الملف النووى الإسرائيلى فيما بعد،

وما أقصده هو أن أوباما لن يقول كن فيكون، لكن إدارته أكثر قدرة على الحوار والاستماع، ويجب أن نسعى لجعل العلاقات المصرية - الأمريكية ثنائية، وليست ثلاثية مرهونة بعلاقة مصر مع إسرائيل، وهذا ممكن فى ظل الإدارة الحالية، ورغم كل ما يقال عن تأثير اللوبى الإسرائيلى، والكونجرس، فإن الرئيس باراك أوباما له تأثير على الكونجرس، كما أن المصالح الأمريكية فى المنطقة، أكبر من المصالح الأمريكية الإسرائيلية، لأن إسرائيل بدأت تهدد المصالح الأمريكية فى المنطقة، بعد أن كانت مخلب القط، والحارس على العلاقات.

■ وهل لدينا كروت عربية للضغط على أمريكا أو حتى اللعب بها؟

- نعم كروت كثيرة.

■ ماذا بخلاف البترول؟

- البترول كارت قوى لا يمكن تجاهله.

■ لكنه أصبح سلعة أكثر منه سلاحاً؟

- نعم لكنه مازال كارتاً قوياً لو توحدت الإرادة، بالإضافة إلى تسوية المشكلات فى العراق، وأفغانستان، فالدول العربية قادرة على التدخل للمساعدة فى حل هذه الأزمات وتهدئة الأوضاع لوقف نزيف الدم الأمريكى.

■ هل القواعد الأمريكية فى الدول الخليجية من الممكن أن تكون أحد الكروت؟

- والله الدول التى سمحت بهذه القواعد مبسوطة بها فلن تضغط على أمريكا بها.

■ هل أنت مع بيع مياه الخليج، خاصة أن فرنسا تسعى أيضا إلى وجود قواعد لها فى المنطقة؟

- أنا لا أحب القواعد الأجنبية، ومصر طالما رفضت هذه القواعد، والتاريخ أثبت أن هذه القواعد إلى زوال.

■ هل تمثل هذه القواعد خطورة على المنطقة؟

- دول الخليج ترى أن هذه القواعد تحميها من أخطار إيران، فإذا كانت أمريكا فى طريقها إلى إجراء تسوية مع إيران، فأنا أعتقد أن هذه القواعد ستفقد وظيفتها، وربما تتم تسويتها والوصول إلى اتفاق بشأنها.

■ وهل تعتقد أن هذا من الممكن أن يحدث، خاصة أن القواعد ليست فقط من أجل إيران، وإنما أيضا لحماية إسرائيل فى المنطقة؟

- الأمور معقدة وهى دائرة مرتبطة ببعضها، يجب إجراء تسويات شاملة فى المنطقة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، لتهدأ الأجواء فى الشرق الأوسط.

■ لكن رغم تفهم أوباما، فإن هناك تهديداً إسرائيلياً مستمراً بضرب إيران؟

- إيران لديها قوة للدفاع عن نفسها، وأمريكا لن تدع إسرائيل تضربها، لأن معنى ذلك أن المنطقة ستشتعل، ومن مصلحة أمريكا الآن الاستقرار فى المنطقة، وإسرائيل بهذه التهديدات تهدد أيضاً المصالح الأمريكية فى المنطقة، لذلك فهناك ضرورة لإعادة توزيع الكروت، وأن يجتمع العرب لاستخدامها بالشكل الأمثل.

■ على ذكر العرب، ما تقييمك للقمم العربية التى تعقد سنوياً؟

- قمم تقليدية، كل واحد يحضر معه ١٠ أو ٢٠ شخصاً، والأوراق التى خرجت العام الماضى، هى نفسها التى تخرج فى القمة التى بعدها وهكذا، وأنا أرى أن الحل يكون بالدعوة إلى عقد قمة عربية للرؤساء فقط دون معاونين فى جلسة مغلقة بعيدة عن الخطب والهتافات والأوراق والبيروقراطية، وكل منهم يواجه الآخر بوجهة نظره وما يغضبه، لتسوية كل الخلافات، فلا توجد مشكلة ليس لها حل.

■ ما رأيك فيما تردد عن وجود مؤامرة صهيونية أمريكية فى معركة اليونسكو التى خسر فيها المرشح المصرى فاروق حسنى؟

- أعرف السبب الحقيقى لخسارة فاروق حسنى، لكننى لن أعلنه، وعلى أى حال خسارته لم تكن مؤامرة كما تردد، فهى انتخابات فى النهاية، وللكل الحق فى اختيار من يريده ويراه مناسباً للموقع، ومن المؤكد أن هناك خطأ فيما حدث يجب دراسته لنستفيد من أخطائنا.

■ وهل تعتقد أننا درسنا الخطأ لنتعلم منه؟

- هذا خطأ أكبر أن نترك معركة مهمة مثل اليونسكو تمر بنتائجها دون دراسة، حتى نتجنب الأخطاء فى المرات المقبلة، ليس اليونسكو فقط، ولكن فى كل الأحداث التى فشلنا فيها، لماذا لم نشكل لجاناً لدراستها، وعلى المسؤولين اتخاذ قرار بهذا الشأن، فكل الشعوب تتعلم من أخطائها إلا نحن.

■ ننتقل إلى ملف أفريقيا، وأنت عضو فى لجنة «مبيكى» التى شكلها الاتحاد الأفريقى لبحث أزمات دارفور، والتى قدمت تقريرها فى القمة الخاصة لمجلس السلم والأمن الأفريقى فى أبوجا، إلى ماذا خلص التقرير؟

- الغرض من التقرير هو مناقشة قضايا السلام والعدالة وتحقيق المصالحة فى دارفور، وقد تم انضمامى لهذه اللجنة بترشيح مصرى، وقد حضرت عدداً من الاجتماعات التى عقدت فى الخرطوم وأديس أبابا، حيث اجتمعت هذه اللجنة مع أعضاء بارزين فى المعارضة السودانية، وممثلين عن المجتمع المدنى، كما التقت عدداً من زعماء دارفور، وأشخاصا من الجنوب، والتقرير بذل فيه جهد كبير، وقد أدار رئيس جنوب أفريقيا السابق سابو مبيكى الجلسات باقتدار شديد، وهو تقرير متوازن ويحاول فى تقديرى البحث عن حلول لمشكلة دارفور، والتى تقوم على أساس السلام والتوافق والعدالة، بمعنى إنهاء العمليات العسكرية، وتقديم من ارتكب أعمالاً مخالفة للقانون للمحاكمة، لكن المحاكمة التى يتحدث عنها التقرير هى محاكمة سودانية، وأن يتولاها القضاء السودانى الذى يوجد به أعضاء أفارقة.

■ هل تطابق التقرير مع تقرير المحكمة الجنائية؟

- لا مختلف تماماً، فتقرير المحكمة الجنائية كان من وجهة نظرى تقريراً سياسياً بالدرجة الأولى، وكان متحاملاً على الرئيس السودانى عمر البشير، وكانت فيه مبالغة فى تصوير الأمور، فالمطالبة بمحاكمة رئيس دولة أفريقية أمام محكمة دولية أمر غير مقبول على الإطلاق.

■ هل هذا يعنى أن التقرير يبرئ الرئيس مما نسب إليه من ارتكابه جرائم ضد الإنسانية فى دارفور؟

- التقرير لا يهدف إلى إدانة أو تبرئة أحد، فالهدف هو رصد الوقائع والأوضاع الخاطئة، ووضع آلية لحل أزمة دارفور بشكل موضوعى يحقق للجميع السلام والتوافق، والأهم هو تحقيق العدالة، لكن عن طريق جهاز ادعاء سودانى به أعضاء من دول أفريقية كما قلت يختارهم السودان ويوافق عليهم الاتحاد الأفريقى.

■ وهل تم رصد أوضاع خاطئة فى التقرير؟

- نعم منها النزاع على الموارد وما يحيط به من نزاع بين الهويات العرقية على ملكية الأراضى، ونزوح جزء كبير من السكان وتشريدهم، كما رصد عمل الحركات المسلحة، وحث الحكومة على التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار الذى يتبعه أمن دائم، كذلك فإن أهالى دارفور- بعد سنوات من التشرد - يطالبون بالحق فى العودة للعيش بسلام فى ديارهم ومجتمعاتهم المحلية، وهم ينتظرون من الحكومة أن تقدم تعويضات فردية وجماعية.

■ هل حمَّل التقرير أسماء بعينها مسؤولية تدهور الأوضاع فى دارفور؟

- التقرير ليس به أسماء، وكما قلت لسنا جهة ادعاء، نحن نرصد الأوضاع ونحرص على أن يقدم المتورطون فى هذه الجرائم للعدالة، وهذه مهمة القضاء السودانى، ومن يثبت تورطه يحاكم.

■ حتى ولو كان الرئيس عمر البشير؟

- تجريم الرئيس غير وارد وأمر غير مقبول من الأساس وهمنا هو الخروج من مأزق المحكمة الجنائية الدولية التى أُثير حولها الكثير من اللغط.

■ هل تعتقد أن الملف السودانى مازال تحت السيطرة المصرية أم أن الأوضاع هناك أصبحت خارج السيطرة؟

- مصر تحاول دائما حل أزمات السودان والحفاظ على وحدته وعملنا منذ اتفاق «نيفاشا» على مساعدة وحث الطرفين على جعل الوحدة هى الخيار المفضل لدى السودانيين.

■ لكن التقارير الأجنبية تؤكد أن انفصال الجنوب عن الشمال قادم لا محالة؟

- نحن نأمل ألا يحدث هذا، فمن مصلحة السودانيين جميعاً العيش فى دولة كبيرة موحدة قوية، بدلاً من الانفصال الذى ربما ينتج دولة غير مستقرة.

■ بعيداً عن الآمال والطموحات بالنسبة للمستقبل، ما هو الواقع هناك؟

- خطر الانقسام موجود وكلا الطرفين يساهم فى ذلك بأخطاء متبادلة أدت إلى ظهور نزاعات قبلية وعرقية، وتوتر فى الأجواء مع تدخل قوى أجنبية بشدة لحث السودان على الانفصال والوقت يمر.

■ وأين مصر من هذا الخطر؟

- المسألة صعبة للغاية ومعقدة والتفكك فى السودان موضوع خطير ليس للسودانيين فقط وإنما للقارة بأكملها.

■ هل هناك تهديد على مصر إذا حدث انقسام فى السودان؟

- مصر من مصلحتها أن تكون جارتها مستقرة، لكن تهديد بمعنى التهديد لا أظن، فقط ستزيد المنطقة دولة.

■ وهل تعتقد أنه لو حدث الانقسام، ستطالب السودان الجديدة بحصة منفصلة من نهر النيل، ووقتها لن يكون صراعنا مع ٩ دول إنما ١٠ دول؟

- السودان بأكمله شماله وجنوبه من دول المصب وليس المنبع، لذلك سيكون فى نفس كفة مصر فى مقابل دول المنبع، وليس ضدنا، وإن كنا نأمل ألا يكون هناك أى خلاف بيننا وبين أى دولة من دول حوض النيل، فالمشكلة ليست قلة مياه، فالمياه موجودة وبوفرة، لكنها مشكلة سوء انتفاع، وفاقد كبير يذهب فى المستنقعات وبرك الحشائش، والهدف العام لكل دول حوض النيل - وهو هدف لا خلاف عليه - هو زيادة موارد المياه وتقليل الفاقد، ومصر لديها الكثير من المشروعات فى دول حوض النيل، والموضوع يجب أن يعالج على أساس فنى ليستفيد الجميع الاستفادة القصوى من مياه نهر النيل دون الإضرار بأحد، لكن للأسف هناك دول على رأسها إسرائيل حولت الأزمة إلى سياسية.

■ إسرائيل تدفع ملايين الدولارات فى مشروعات المياه فى دول حوض النيل، فهل هى فعلاً تضغط لتقليل حصة مصر من المياه؟

- إسرائيل مهما كان السلام بيننا وبينها، لا تريد أن تعيش مصر فى هدوء، ولا أن تكون بينها وبين جيرانها علاقات طيبة، فالعلاقة بيننا وبين إسرائيل ليست صداقة ولا ودا، إنما قائمة على المصالح.

■ برؤيتك هل ستنجح إسرائيل فى التأثير على دول المنبع ضد مصر خاصة مع تمويلها مشروعات إقامة سدود دون رغبة مصر؟

- لا تستطيع دول المنبع إقامة سدود دون رغبة مصر، والسدود الموجودة لا تحجز المياه إنما هى سدود كهرباء، ولحسم هذا الأمر حتى لا نتحدث فيه كثيراً، أقول إن مصر حريصة على علاقات جيدة مع دول منبع النيل، وتسعى لإقامة مشروعات لزيادة الموارد، والمصالح متكاملة وليست متناقضة، لكن مصر لن تسمح بالمساس بحصتها فى المياه مهما حدث.

■ مصر أهملت أفريقيا كثيراً وأفاقت مؤخراً عندما فوجئت بحجم التواجد الإسرائيلى فى دول حوض النيل فبدأت تنشط نشاطاً مرتبكاً.. فما تعليقك؟

- لم نهملها أبداً، ودخلنا فى منظمات أفريقية مثل «نيباد» و«الكوميسا»، إضافة إلى اتفاقيات رفع الجمارك وغيرها.

■ ومع ذلك علاقتنا التجارية بإسرائيل أقوى من علاقاتنا بأفريقيا؟

- ليس لدى أرقام فى هذا الشأن.

■ إذن ما الذى يجعلنا نشعر أننا أهملنا أفريقيا مادمت تنفى الأمر وما الذى خلق لدينا هذا الإحساس؟

- فى فترة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر كان اهتمامنا بأفريقيا ظاهر للعيان، لأنه كان يرتكز على مساعدة الحركات التحررية فى أرجاء القارة، لكن الدول الآن استقلت، وربما نحن انشغلنا فى مرحلة من المراحل بعلاقات أخرى، لكن الآن أؤكد أنه يوجد اهتمام كبير بأفريقيا، ربما يكون غير ظاهر ويدور فى الأوساط السياسية والدبلوماسية، لكنه موجود، الاهتمام لم ينقطع، لكنه يتذبذب أحياناً يزيد وأحياناً يقل لكنه دائماً موجود.

■ وهل أنت راض عن حجم الاهتمام الموجود؟

- نحتاج لجهود أكبر وأكبر.

المتابعون