منصور حسن



وزير الإعلام والثقافة وشؤون الرئاسة الأسبق (١-٢) ..
أعلن تأييدى لمطالب الجمعية الوطنية للتغيير
-----------------------------------------------
حوار رانيا بدوى- المصري اليوم ١٧/ ٣/ ٢٠١٠
-----------------------------------------------

فى وقت تموج فيه الحياة السياسية بالحراك الساخن وارتفاع الأمواج وعلو الأصوات بالتغيير والإصلاح السياسى ذهبت إلى منصور حسن، وزير الإعلام والثقافة والشؤون الرئاسية فى عهد الرئيس السادات، لأتناقش معه فيما يحدث على الساحة السياسية، وكيف يقرأ هذا الحراك، «وهو الذى قال فى حوار سابق معه إن النظام أصاب الشعب بالشلل السياسى، عقله يفكر ولسانه يتحدث، ولكن أطرافه لا تقوى على الحركة فيقبع ساكناً مكانه دون حراك»..

وهو المؤمن بأن الحل فى يد الرأى العام وليس النظام، ولكن على أن يكون رأياً عاماً واعياً وقوياً وصاحب نفس طويل.. لذا شعرت بأنه من الخطأ إغفال رؤية سياسى بارع ومحنك مثله فيما يدور حولنا الآن من بدايات لتحرك الشارع، ذهبت إليه هذه المرة لأسأله عما نراه من حراك صنعه الدكتور البرادعى ومؤيدوه، وهل يراه بارقة أمل أم أنه مجرد حراك على مستوى النخب لا أكثر؟..

فكانت المفاجأة أنه يؤيد الدكتور البرادعى فى مطالبه.. هذا التأييد الذى يستحق وقفة، فهو لا يأتى فقط من رمز من رموز مصر، ولكنه يأتى من اسم طرح للترشح للرئاسة والمنافسة على كرسى الحكم فى مصر، لذا لم أضن بالجهد فى محاولة إقناع السياسى منصور حسن بأن يُخرج تأييده لمطالب الدكتور البرادعى والجمعية الوطنية للتغيير للعلن.

كانت البداية ساخنة عندما سألته عن أول تصريح «للنظام» عندما سُئل عن الدكتور البرادعى، الذى قال فيه إنه مرحب به فى ظل الشرعية الدستورية فى البلاد؟

فأجاب منصور حسن قائلاً: هذا قول حق يراد به باطل، لأن الشرعية واجبة الاحترام تستمد قدسيتها من عدالتها، فمنذ عشرات السنوات والقانون فقد احترامه فى بلدنا، والسبب أن المشرع بإيعاز من الحاكم كثيراً ما يصدر تشريعات يُشْتم منها أنها شخصية، وعندما يتم التلاعب بالتشريع بهذه الدرجة يشعر المواطن بأن من حقه عدم طاعة القانون وعدم المبالاة به،

وكذلك الدستور الذى هو أعلى القوانين لكى تكون له قدسية وشرعية يشترط أن تصيغه مجموعة مستقلة من القانونيين، لأنهم يحددون مسار وطن بالكامل، وربما إلى مدى الحياة، أما أن تضع السلطة دستوراً يحقق مصلحتها، وتجرى عليه استفتاء من نوعية استفتاءات ٩٩.٩ %، وتطلب أن تكون له شرعية تحترم.. فهذا لن يحدث، لأن الشرعية هذه لا تخضع لمقاييس الموضوعية ولا تحقق العدالة.

■ لماذا تؤيد «مطالب الجمعية الوطنية للتغيير»؟

- من المعروف أننى أدعو إلى كل هذه المطالب منذ كنت أتولى منصب الوزارة، وهناك فى المجتمع عدد ليس بقليل ما زالوا يتذكرون أننى حتى عندما كنت أعمل بجوار الرئيس السادات، رحمه الله، كنت أطالب بما هو أكثر من ذلك فى مجال الإصلاح السياسى، وفى السنوات الأخيرة لم أكن وحدى الذى يطالب بإقامة مجتمع ديمقراطى حقيقى وتحقيق العدالة الاجتماعية والمشاركة الإيجابية الحقيقية للجماهير فى المسائل العامة، ولكن هناك العديد من السياسيين والكتاب والمفكرين تبنوا هذه المبادئ ودعوا إليها، وبناء على ذلك وجدت أن ضميرى يحتم علىّ أن أؤيد وأساند كل ما يعلى شأن هذه المطالب ويدعو إليها.

■ هل اتصل بك أحد لطلب تأييدك لحملة البرادعى؟

- لا لم يتصل بى أو يدعونى أحد مباشرةً ولكنى وصلت إلى هذا الموقف بعد تفكير عميق، حيث وجدت أن المبادئ التى آمنت بها لسنوات طويلة تحتم علىّ هذا الموقف، ومن باب الأمانة لابد أن أذكر أنه حدث اتصال تليفونى بينى وبين الدكتور محمد البرادعى تبادلنا فيه المشاعر الطيبة والتعبير عن الاحترام والتقدير المتبادل، والتطلع إلى لقاء عندما تسمح الظروف بذلك، ولكننا لم نتحدث فى موضوع التجمع بأى صورة من الصور.

■ هل ستنضم «للجمعية الوطنية للتغيير»؟

- الجمعية حتى الآن ليست حزباً أو تنظيماً بل ليس لها كيان قانونى بعد، وبالتالى فهى لم تدع إلى عضوية، ولكن تدعو كل من يتفق مع ما أعلنته من مبادئ أن يعلن تأييده، وهذا ما قمت به الآن.

■ هل معنى ذلك أنك تؤيد ترشيح الدكتور البرادعى للرئاسة، خاصة أن اسمك قد طرح من بين المرشحين؟

- الدكتور البرادعى جدير بكل الاحترام والتقدير، وهو من أبرز الشخصيات التى يمكن أن تتولى هذه المسؤولية مع الكثير من الشخصيات التى طُرِحت أسماؤها، ولكنه صرح بأنه لا يسعى لمنصب الرئاسة ويستهدف الإصلاح السياسى. كما أننى عندما طرح اسمى بين المرشحين، أعلنت فى اليوم نفسه أنه ليس من المجدى تداول الأسماء حالياً، لأن الواقع السياسى والدستور، خاصة المادة ٧٦ تجعل من المستحيل أن يكون هناك مرشح مستقل،

وطالبت بأن يتحول حوارنا عن اختيار الأشخاص إلى مناقشة كيف يمكن أن نزيل العقبات التى تعترض تحقيق ما نتمناه، وقد قرأت للدكتور البرادعى رأياً يكاد يكون مطابقاً لذلك، ومن الناحية العملية يجب ألا نشغل أنفسنا الآن فى البحث عن أسماء المرشحين المحتملين، لأن الواقع السياسى ما زال مغلقاً أمام ذلك، وعندما يكون هناك مجال من الناحية القانونية والدستورية سيكون الحديث فى هذا الشأن مجدياً.

■ هل لديك أى ملاحظات على أفكار «الجمعية الوطنية للتغيير»؟

- أولاً: لى رأى متواضع فى الاسم الذى اختاروه لجمعيتهم، حيث إننى كنت أفضل أن يكون «الجمعية الوطنية للإصلاح السياسى» بدلا من «التغيير»، لأن «الإصلاح السياسى» يعبر عن الهدف بدقة أكثر، و«التغيير» كلمة تعطى معنى أوسع لا ينصب بالتحديد على المبادئ والأهداف التى أعلنتها الجمعية، وقد يتطرف البعض فى تصور أبعاد التغيير مما يثير المخاوف من أن تنقلب أوضاع المجتمع رأسا على عقب.

وثانياً: رغم اتفاقى مع كل المبادئ التى طرحت فإننى متحفظ على فكرة الرقابة الدولية، فلو أن المادة ٨٨ تم تعديلها، وتحقق الإشراف القضائى على الانتخابات لا أرى فى هذه الحالة أن هناك داعياً للرقابة الدولية ورغم أنها نظام معمول به فى دول كثيرة فإن لها حساسية شديدة لدى المصريين ربما لما ذاقوه من سنوات المرار على يد الاستعمار، ثم إذا حدث تعديل للمادة ٨٨، وأصبح هناك إشراف قضائى مباشر فليس من اللائق أن يكون هناك إشراف أجنبى على عمل يقوم به القضاء المصرى الذى نعتز به ونثق به.

■ لكنك كنت من حيث المبدأ ضد فكرة الزج بالقضاء فى المعركة الانتخابية وها أنت تتحفظ على الرقابة الدولية.. فكيف ستتحقق نزاهة الانتخابات من وجهة نظرك؟

- الوضع الأمثل يقتضى أن يظل القضاء على منصته المقدسة، لكى لا يكون طرفاً فى أى خصومة من قريب أو من بعيد، ولكن للأسف نحن مضطرون للإشراف القضائى فى بلدنا، لأن تزوير الانتخابات بعد الثورة أصبح هو القاعدة، والحكومات التى تشرف على الانتخابات تعطى لنفسها الحق فى «تجميل النتائج» بدعوى الحرص على المصلحة العامة.

ومن المفيد أن ندرس إمكانية وجود هيئة عامة عليا للانتخابات تتولى كل ما يتعلق بها بداية من قوائم الناخبين حتى إعلان النتائج، وتكون هذه الهيئة مستقلة استقلالا تاماً عن السلطة التنفيذية، ويمكن أن تكون تابعة للمحكمة الدستورية وتحت إشرافها، وعندما يتم انتداب بعض عناصر الشرطة لحفظ الأمن خارج لجان الانتخابات يجب أن يكونوا تحت إشراف هذه الهيئة ويأتمروا بها وحدها لضمان حيادهم بين المرشحين. وهناك عامل آخر يضمن نزاهة الانتخابات، وهو وجود رأى عام قوى يكون مستعداً لاتخاذ موقف إذا ما حدث أى تزوير، ويؤسفنى للغاية بل يخجلنى أن أعترف بأن مصر لم تشهد انتخابات نزيهة منذ أوائل القرن الماضى حتى اليوم إلا فى مرتين وثلث.

المرة الأولى: كانت انتخابات ١٩٢٤ تحت رئاسة يحيى باشا إبراهيم، الذى سقط هو نفسه فى الانتخابات، وليس هناك ما يؤكد نزاهتها أكثر من ذلك.

والمرة الثانية: كانت انتخابات ١٩٥٧ أثناء رئاسة المرحوم ممدوح سالم، وكان ذلك بعد أن أعلن الرئيس السادات العودة إلى التعددية الحزبية. وأعتقد أنه كان فى ذلك الوقت حريصاً على نجاح التجربة فاتفق مع السيد ممدوح سالم على أن تكون الانتخابات نزيهة فعلا.

■ وماذا عن الثلث؟

- الثلث هو المرحلة الأولى من انتخابات ٢٠٠٥ بعد أن طبق مبدأ الإشراف القضائى على كل صندوق، وتقرر أن تجرى الانتخابات على ثلاث مراحل، نظراً لعدم وجود عدد كاف من القضاة. وفى المرحلة الأولى ظهرت النتيجة فى غير صالح الحزب الوطنى، مما جعل الحكومة تتخلى عن مبدأ النزاهة فى المرحلتين الثانية والثالثة بدعوى المصلحة العامة.

■ وماذا لو لم تتم الاستجابة لوضع ضمانات لنزاهة الانتخابات، أو تمت الاستجابة وسمح بالإشراف القضائى بالطريقة التى طبق بها فى المرحلتين الثانية والثالثة فى انتخابات ٢٠٠٥؟

- وقتها أدعو إلى إلغاء جميع الانتخابات والمجالس المنتخبة لمرحلة معينة، حتى لا يصبح قبول الشعب لها مسرحية انتخابية، ومن الأفضل والأكرم لنا، إذا اضطررنا لذلك، أن نكون شعباً مغلوباً على أمره دون انتخابات بدلاً من أن نكون شعباً مضحوكاً عليه بانتخابات ومجالس وهمية.

■ ما رأيك فى موقف الأحزاب المعارضة من البرادعى والجمعية الوطنية للتغيير؟

- حقيقةً لا أستطيع تفهم السبب فى كون الأحزاب المهمة مثل الوفد والناصرى والتجمع تأخذ موقفاً سلبياً من هذه الدعوة، فهل يعارضون الإصلاح السياسى وتعديل المادة ٧٦، لكى تزيل العقبات التى لا نظير لها من أمام كل من يتطلع إلى خدمة الوطن بالترشيح لمنصب الرئاسة؟!

هل يعارضون تعديل المادة ٧٧ التى تعطى من يحتل منصب الرئاسة الفرصة لكى يبقى فى الحكم مدى الحياة؟! هل يعارضون تعديل المادة ٨٨، لكى يكون هناك إشراف قضائى حقيقى على الانتخابات؟

■ قاطعته سائلة، ولكن ائتلاف الأحزاب الأربعة، وعلى رأسها حزب الوفد أكدت أن مطالبها هى نفس مطالب الدكتور البرادعى باستثناء التفاصيل لذا فضلت أن تسير فى الاتجاه الموازى لا الانضمام إليه؟

- من معرفتى بمواقف هذه الأحزاب أثق أنها دائماً كانت مؤيدة لهذه المبادئ، وتدعوا إليها، وبالتالى فأنا أطالبها بأن تكون متسقة مع مبادئها وتتضامن مع جميع المطالب، حتى لو كانت هناك ظروف تحول دون انضمامها رسمياً للجمعية الوطنية للتغيير، وهذا أضعف الإيمان.

■ يقول البعض منهم إن مطالب الجمعية الوطنية للتغيير ليست جديدة؟

- نعم هى ليست جديدة، والغالبية العظمى من السياسيين والكتاب طالبوا بها سنوات طويلة، ولكن هذا لا ينقص من قيمتها بل يزيد، لأن ذلك يعنى أنها تتفق مع ما كان يطالب به الكثيرون فى مصر.

ثم ما جدوى الجديد إن وجد مادام «القديم»، الذى نطالب به سنوات طويلة لم يتحقق منه شىء، الجديد فى هذه المرة ليس فيما أعلن من مطالب، ولكن فى خروج عدد غير قليل من المواطنين والشباب يعلنون تأييدهم لهذه المطالب السياسية، فى الوقت التى اهتمت فيه جميع التجمعات فى السنوات الأخيرة بمطالب فئوية مهمة لهذه التجمعات، ولكنها لا تتطرق إلى الإصلاح السياسى، الذى يهم المجتمع ككل.

ومن الجديد والمهم أيضاً هو تبنى شخص فى حجم ومكانة الدكتور البرادعى لهذه المطالب وانضمامه لكل من طالب بها على مدار السنوات الماضية مما يزيد من مصداقية هذه المطالب ويقويها.

■ أعلنت تأييدك لمطالب الجمعية الوطنية للتغيير فما موقفك من مؤتمر «ائتلاف الأحزاب المعارضة»؟

- لقد اطلعت فى «المصرى اليوم» على مسودة نص الوثيقة المقدمة للمؤتمر، ورغم أنها وثيقة مبدئية وقد تجرى عليها بعض التعديلات فإننى أرحب بها وأؤيدها تماماً، لأنها أيضاً تصب فى مجال الإصلاح السياسى، الذى يحتاجه مجتمعنا، وأتمنى أن يؤيد أعضاء الجمعية الوطنية للتغيير ما يتوصل إليه المؤتمر، وأن تؤيد الأحزاب المشاركة فى المؤتمر مطالب جمعية التغيير فتتكون جبهة أكثر صلابة تتبنى الإصلاح السياسى، الذى هو الهدف الأساسى، والأهم فى هذه المرحلة ألا يكون خلافهم على بعض التفاصيل عقبة أمام هذا الهدف الوطنى.

■ كيف ترى تطور ومستقبل جمعية الدكتور البرادعى؟

- المستقبل والنتائج فى علم الله، ولكن بالحس السياسى أشعر بأن هذه المبادئ تلقى قبولاً عاماً أوسع عند كثير من أعداد المواطنين الذين ذهبوا للمطار، وأعلنوا انضمامهم للجمعية، بل أثق أن عدداً لا بأس به من أعضاء الحزب الوطنى لا يختلف على تلك المبادئ، وأعلم أن هناك أيضاً عدداً من أعضاء لجنة السياسات لا يختلفون على تلك المطالبات، على العدد الأكبر منها إن لم تكن كلها.

■ ولكن هل تعتقد أن هناك مؤشرات هذه المرة لنجاح الجمعية فى تحقيق الهدف الذى تؤمن به الأغلبية وبعض أعضاء الحزب الوطنى؟

- أنا مؤمن بأن «الإصلاح السياسى يتحقق بقدر الإصرار الشعبى»، وكنت قد ذكرت من قبل حدثاً من أهم أحداث تاريخنا المعاصر، وهو الحركة التى طالبت بعودة دستور ١٩٢٣، بعد أن كان صدقى باشا قد ألغاه سنة ١٩٣٠ إرضاءً للملك، وذكرت أن هذه الحركة كانت قوية وتشمل جميع أنحاء القطر المصرى، واستطاعت بذلك أن تحقق مطلبها، وعاد دستور ١٩٢٣،

ولابد أن نتذكر حركة ١٩٣٥ بكل فخر، لأن الشعب الذى قام منذ ٧٥ سنة، لم يهب ليطالب بمطالب فئوية أو معيشية، ولكنه ارتفع فوق كل ذلك، وكان مطلبه دستوراً يرضى عنه، وكان نجاحه فى تحقيق ما طالب به دليلاً على درجة عالية من الوطنية والوعى السياسى.

■ وهل تعتقد أن الحدث مشابه فى الظروف ومطابق فى الموضوع لما يحدث الآن أم أننا فقدنا الوعى السياسى؟

- أثق بأنه إذا توفرت أغلبية كبيرة حول هذه المطالب الحالية، والتقى معها عدد من القيادات الإصلاحية فى الحزب الوطنى فقد يقنع ذلك سلطة اتخاذ القرار بالتجاوب وتحقيق هذه المطالب أو البعض منها على الأقل.

■ مع عدم تضامن الأحزاب مع البرادعى ومواقفها المختلفة منه، هل تعتقد أن حركة مثل ٦ أبريل أو كفاية أو غيرها كافية؟ وهل تعتقد أن جمع التوكيلات لتفويض البرادعى فى المطالبة بتعديل الدستور ستوفى بالغرض؟

- جمع التوكيلات مجرد إعلان عن الموافقة المبدئية لتحركات البرادعى، وأنا أراها خطوة مناسبة فى هذه المرحلة الأولى، لكى يتبين التجمع الوطنى والتأييد الذى يطالبه بالتعبير عنه، وكذلك لكى يظهر للسلطة مدى التأييد المبدئى لهذه المطالب لعلها تستجيب لها، وعلى الجمعية أن تفكر فى أساليب أخرى مناسبة للمراحل التالية تُشعِر النظام بالإصرار على موقفها وتحمسها للدفاع عنه، لأن أى مطالب لم تثر حماس الجماهير، ولم تحصل على ما يكفى من ثقتها هى فى نظر السلطة ضعيفة الأثر فى الحلبة السياسية، ولا يبالى بها، وهى مجرد مجموعة توكيلات ورقية لا تملك فاعلية مع نظام تعود ألا يبالى بالمطالب السياسية للجماهير منذ حوالى خمسين عاماً.

وأعتقد أن أى مبادرة بتأييد مطالب الجمعية تعد قيمة فى حد ذاتها بصرف النظر عن كون المبادرون فرداً أو جماعة، ولكننى كنت أتمنى أن أرى تجمع قوى المعارضة ملتفاً حول مطالب مشتركة، مما يجعل الخيارات واضحة أمام الرأى العام بين سياسات النظام والرأى المعارض له، وإن كانت أى زيادة يمكن أن تحقق ذلك فلا أتصور أن يضن بها أحد.

■ فى رأيك، هل يمكن أن يتحول الأقباط إلى ترشيح مرشح الحزب الوطنى بعد تصريح البابا شنودة بتأييده لجمال مبارك -وهم ليسوا بالعدد القليل - وهل يمكن أن يؤثر ذلك على المرشح المستقل؟

- من حق قداسة البابا تأييد من يرى بصفته الشخصية، ثم إنه لا غبار على من يؤيد جمال مبارك مادام مقتنعاً به، وعموماً أرى أنه لا يجب أن يكون هناك أى تفرقة بين الأقباط وباقى المصريين، لأن أهم عوامل قوة مصر كانت وستظل فى التجانس بين جميع المصريين، مهما اختلفوا فى الدين والجنس.

بالطبع الأقباط يرون أن حقوقهم منقوصة ويطالبون بها عن حق مثل باقى المواطنين، وبالتالى أعتقد أن الإصلاح السياسى إذا تم سيهيئ الجو لتحقيق هذه الحقوق، أى عندما لا يكون القرار السياسى حكراً على حزب واحد بمفرده، لذلك أرى أن من مصلحة الأقباط تأييد التعددية الحقيقية فى المجتمع السياسى المصرى.

■ بمعرفتك بالنظام المصرى، هل تعتقد أنه سيمتثل للمطالب والضغوط الشعبية بتعديل الدستور والإصلاح السياسى هذه المرة؟

- طبعاً معروف للجميع أن النظام السياسى الحالى شديد التأنى فى كل تغيير، وبالتالى لن يكون الموضوع سهلاً، ولكن حدثت استجابة فى بعض الحالات فى السنوات السابقة عندما كان هناك اتجاه واضح للرأى العام، فالحكم بقدر ما يهمه تحقيق الاستقرار المجتمعى والسياسى إلا أنه أيضا يرضخ لأى مطلب جماهيرى يتأكد من أنه يلقى قبولا من غالبية المواطنين.

■ ما الحالات التى استجاب فيها النظام فى ظل وضوح اتجاه الرأى العام وضغطه؟

- استجاب مثلا للعدول عن تعديل المادة ٩٣ من قانون الصحافة، وتعديل الدستور سنة ٢٠٠٥، رغم أن هذه التعديلات لم تكن مرضية تماماً.

■ ولكن تصريحات صفوت الشريف الأخيرة والحاسمة بعدم تعديل الدستور وعدم الضغط على الحزب الوطنى من قبل أفراد، وهو ما سبق أن أعلنه دكتور مفيد شهاب فى جنيف أثناء مناقشة حقوق الإنسان يثير القلق، ويعطى انطباعاً بالرفض التام من قبل النظام للاستجابة؟

- أعرف السيد صفوت الشريف جيداً منذ تزاملنا فى وزارة الإعلام وهو والسيد الوزير مفيد شهاب من السياسيين المحنكين، وكنت أظن أنهما فى مثل هذه المواقف سيحرصان على ترك الباب موارباً لعل الظروف تقتضى تغييراً فى بعض مواد الدستور، كما حدث فجأة فى سنة ٢٠٠٥.

■ هل تعتقد أن النظام سيتعامل بقسوة مع البرادعى إزاء تحركاته أم كونه شخصية دولية، ربما يكون ذلك حامياً له وسيجعل النظام يتعامل معه بحذر؟

- لا يريحنى أن يتردد عن الدكتور البرادعى أنه محصن بسبب مكانته الدولية، فالحصانة أساسا كما قال هو تأتى من الشعب المصرى نفسه ومن احترامه لذاته والتزامه بالقانون فيما يقول ويعمل، وأثق أن النظام الذى منح دكتور البرادعى قلادة النيل هو أول من يحترم الذين شرفهم بهذا التكريم، والقانون يحكم بين الجميع.

■ إذا تم تعديل الدستور والمواد الخاصة بعقبات الترشح هل ستتقدم بترشيح نفسك للانتخابات فى هذه الحالة؟

- إذا ما أزيلت العقبات الدستورية والقانونية التى تعوق ترشيح الشخصيات المستقلة فقد يكون هناك مجال لبحث هذا الموضوع، ولكن أثق أنه إذا تم ذلك فسيتقدم العديد من الشخصيات الممتازة وسأجد من بينهم من أثق بأنه الأصلح لتولى المسؤولية وسأؤيده وأنتخبه وأزكيه على نفسى، لأن المصلحة العامة أهم من المصالح والطموحات الشخصية.

■ فى النهاية، هل تتوقع أن تهاجم بسبب موقفك من الجمعية الوطنية للتغيير؟

- طبعاً هذا وارد.. فهناك بعض الأشخاص يسارعون دائماً للهجوم على أى إنسان يحيد عن خط السلطة، ويبادرون بذلك حتى بدون أى توجيه لكى يحصلوا على رضاء القيادات الحاكمة، وهذا الاتجاه يضعف من مصداقيتهم ويجعل صحفهم محدودة الانتشار للغاية، وبالتالى فأنا أتوقع أن ينتقدوا موقفى، وإذا لم يفعلوا فهذا قد يعنى أنهم لم يأخذوا موقفى على محمل الجد، وهذا يسيئنى أكثر مما لو هاجمونى.

http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=247585&IssueID=1712
---

منصور حسن وزير الإعلام والثقافة وشؤون الرئاسة الأسبق
يستكمل حواره مع «المصرى اليوم»: (٢-٢)
سترتفع نسبة القبول بجمال مبارك إذا تبنى الإصلاح السياسى فى لجنة السياسات
وقرر ألا يتولى مسؤولية على أساس شرعية مهزوزة
------------------------------------------
حوار رانيـا بـدوى ١٨/ ٣/ ٢٠١٠
--------------------------------------------
فجأة تحول الجميع عن جمال مبارك وبطل مفعول ما يتردد عن أنه لا بديل للحاكم فى مصر لينصب أغلب الحديث على الدكتور البرادعى، وما بين الاسمين «البرادعى وجمال مبارك» طرحت أسماء أخرى للترشح لرئاسة الجمهورية قال عنها السياسى منصور حسن فى الجزء الثانى من الحوار معه إنها شخصيات تثرى الحياة السياسية وتجعل الخيارات أمام الرأى العام واسعة وقال إن كلها جديرة بالاحترام أمثال عمرو موسى وعمر سليمان ومن الشباب حمدين صباحى وأيمن نور الذى وصفه بأنه لا يكل ولا يمل، بل ولم يغفل منصور حسن جمال مبارك الذى قال عنه إنه وشباباً آخرين مثله يمكن أن يكون لهم دور فى المستقبل. فخصصت جمال مبارك بالسؤال الأول:

■ كيف يمكن لجمال مبارك أن يقوم بدور فى المستقبل فى مرحلة باتت فيها مقولة «لا بديل للحاكم فى مصر» غير واقعية بل وفرصته فى الرئاسة لم تعد كذى قبل؟.

- فأجاب أعتقد أن الأخ جمال مبارك سوف ترتفع نسبة القبول به إذا ما تبنى مطالب الإصلاح فى لجنة السياسات وقرر ألا يتولى مسؤولية على أساس شرعية مهزوزة ومشكوك فى مصداقيتها.

■ تحدثنا بالأمس عن تأييدك للدكتور البرادعى وتحفظاتك على بعض أفكار جمعيته ولكن هل لك أن تقدم له اليوم النصيحة ليستكمل مشواره بنجاح؟.

- لا أعتقد أن الدكتور البرادعى فى حاجة إلى نصائح منى لأنه ذو علم واسع وخبرة طويلة، ومعه عدد من الشخصيات التى يمكن أن تثرى فكر جمعيتهم.

ولكنى عندما أفكر بينى وبين نفسى، فى أن الدكتور البرادعى يفضل إذا ما فكر فى الترشح للرئاسة أن يكون مرشحاً مستقلاً، ولا يفكر فى الانضمام إلى أى حزب من الأحزاب الموجودة ليؤهل للترشح للرئاسة من خلال أحدهم، أجد أن المشوار قد يطول مما قد يتسبب فى وهن جمعيته والقائمين عليها خاصة ونحن نعلم جميعاً أن المادة ٧٦ من الدستور تجعل ترشيح المستقل شبه مستحيل وأن كان الدكتور البرادعى يراهن على التأييد الشعبى لتعديل هذه المادة مع غيرها ففى ظنى أن هذا التأييد يجب أن يكون كبيراً جداً وواضحاً جداً ويكون تأييدا متحركاً وليس تأييدا صامتاً بالتوقيع على عريضة من مليون أو مليونى شخص.وفى هذه الحالة فإن الاحتمال الأكبر أن النظام لن يستجيب لهذه المطالب حتى يفوت وقت التعديل العاجل ثم يسعى لإرضاء المطالبين بطريقة أو أخرى بعد ذلك.

وعلى ذلك فإنى أرى أن الاكتفاء بطلب التغيير من خارج الحلبة السياسية قد لا يجد الاستجابة إلا بعد سنوات طويلة وفقاً للظروف التى يمر بها المجتمع وبالتالى فمن المجدى محاولة استخلاص الإصلاح السياسى والتغيير من داخل الحلبة السياسية نفسها بما تتيحه من فرص للانتخابات وفقا للشروط القائمة.

■ ولكن الدكتور البرادعى يرى أن الانضمام إلى أى حزب نوع من الانتهازية السياسية؟

- أتفق مع الدكتور البرادعى فى أن الانضمام إلى حزب من الأحزاب القائمة يعتبر قفزاً انتهــازياً عليه من الخارج وقد يثير بعض المشاكل بين أعضاء الحزب فقد يوافق البعض ولايوافق آخرون، وهذا ما يحدث الآن فى بعض الأحزاب حتى لمجرد طرح الفكرة وقبل وصول الدكتور البرادعى.

■ ولكن هذا المبدأ ينطبق فقط على ثلاثة أحزاب وهى (الوفد- التجمع- الناصرى)، ولكن هناك حوالى عشرين حزباً آخر وكلها أحزاب شرعية ولكن لا يعلم أحد عنها شيئاً ولا حتى أسماءهم.وإلى أى حزب تقترح أن ينضم البرادعى ومؤيده؟

- وليكن الحزب الدستورى الحر الذى سارع رئيسه الوطنى ممدوح قناوى إلى عرض ذلك على الدكتور البرادعى حتى قبل حضوره إلى القاهرة، بل كان مع مستقبليه فى المطار وكان فى الصورة مع باقى الشخصيات التى تعتبر مؤسسة لجمعية التغيير.

وأعتقد أن فى هذه الحالة لن ينظر إلى انضمامه على أنه انتهازية ولكن على وزن «الكذبة البيضاء» فقد تعتبر «انتهازية بيضاء» بمعنى أن المقصود ليس تحقيق أى ضرر لأحد ولا منفعة على حساب أحد، ولكنه الاضطرار للتغلب على شروط تعسفية تحول دون تحقيق المصلحة العامة، وهكذا يمكن أن نجد اسم دكتور البرادعى على قائمة المرشحين لانتخابات الرئاسة سنة ٢٠١١ وهنا يكون الصراع السياسى ويكون الامتحان الحقيقى لمدى تأييد المواطنين للإصلاح والتغيير.

■ ولكن ستبقى العقبة الأساسية موجودة كما هى «عدم تعديل المادة ٨٨» لضمان نزاهة الانتخابات؟

- الحل هنا فى تدفق الجماهير على مراكز التصويت واستماتتها فى الدفاع عن أصواتها مما يمثل رغبة الشعب الحقيقية فى التغيير، ومن المؤكد أن هذا سيقلل من التلاعب فى النتائج إن لم يمنعها كلية وهذا ليس بغريب على الشعب المصرى وقد رأينا هذا فى بعض الدوائر فى انتخابات ٢٠٠٥ عندما كان للمرشح شعبية كاسحة وكان هناك إصرار من المواطنين على حراسة صناديق الانتخابات، ورأينا فى الصحف صوراً لنساء تتسلق السلالم لتهبط من على السور ليدلين بأصواتهن، نعم حدث ذلك فى دوائر محدودة، ولكن لن يكون من الغريب أن يحدث على مستوى الجمهورية إذا ما كان اهتمام الجماهير قوياً، وتحمسهم للدفاع عن حقهم فى الإدلاء بأصواتهم كبيراً ومدى إصرارهم على حراسة صناديق الانتخاب.

■ وهل تتوقع فى هذه الحالة فوز الدكتور البرادعى إذا ما نزل منافسا للرئيس مبارك؟

- طبعاً لا نتوقع أن يفوز الدكتور البرادعى من أول جولة على مرشح الحزب الوطنى إذا كان هو الرئيس مبارك كما نتوقع أن يكون، ولكن هذا الفوز ليس هو الهدف الوحيد، فهناك هدف آخر لا يقل أهمية عن ذلك، فلو حصل الدكتور البرادعى على نسبة تأييد تصل إلى ٣٠% أو إلى ٤٠% فهذا يعتبر إنجازاً عظيماً تحققه جبهة المعارضة.

حيث إن أيام الاستفتاء كانت نسبة أصوات المعارضة أقل من ١%، ووصلت إلى ٢% أو ٣% فى انتخابات الرئاسة سنة ٢٠٠٥، وإذا ما حقق المرشح المعارض نسبة من ٣٥٪ إلى ٤٠%، فهذا يعنى أن مرشح الحزب الوطنى حصل على نسبة من ٦٠ إلى ٦٥٪ وهذا فى حد ذاته تطور كبير بعد أن كان من المؤكد أن تكون هذه النسبة من ٨٩ إلى ٩٠٪.

وإذا ما حدث ذلك فستقوى الحركة بالمطالبة بالإصلاح فى الفترة ما بين انتخابات ٢٠١١ و٢٠١٧، لأن احتمال التغلب على النسبة التى تحول دون تحقيق آمال الجماهير أصبح فى متناول اليد وقابلاً للتحقيق، ولم تعد النسبة فى مستوى نجوم السماء، ويصعب حتى التفكير فى الوصول إليها كما كان فى السابق.

وقد يكون من المفيد أن أذكر هنا مثالاً عملياً وقع فى السنغال فى انتخابات ٢٠٠٠ . فقد كان المرشح الرئيسى هو عبده ضيوف الذى كان رئيساً لمدة عشرين عاماً، وفى انتخابات سنة ٢٠٠٠ تقدم للترشح أمامه زعيم المعارضة عبدالله واد، وقد جرت العادة حتى ذلك الوقت أن يحصل رئيس الجمهورية على نسب أعلى بكثير عن منافسيه، ولكن الذى حدث فى هذه الانتخابات أن الرئيس عبده ضيوف لم يحقق نسبة أعلى من ٥٠%، وبالتالى كانت هناك إعادة فى الانتخابات الرئاسية لأول مرة فى تاريخ السنغال بين ضيوف وعبدالله واد، وكانت مجرد فرصة الإعادة كفيلة بتشجيع المواطنين، الذين صوتوا لمرشحين آخرين بأن يصوتوا لعبدالله واد، بل لم يكن من المستبعد أن بعض الناخبين الذين صوتوا لضيوف فى المرة الأولى بحكم ما تعودوا عليه من أن الرئيس لابد أن يكسب كما كان يحدث فى السابق، تحول بعضهم للتصويت لعبدالله واد، زعيم المعارضة، وبالتالى فاز فى الانتخابات وهو الرئيس الحالى للسنغال.

■ وماذا لو لم تتحقق هذه النسبة المرتفعة التى أشرت إليها للمرشح المعارض؟

- ذلك معنـاه أن الرغبة فى الإصلاح السياسى للجماهير ليست مكتملة بعد، لأن الكثيرين من المتعلمين وما تبقى من الطبقة الوسطى ظلوا على ما هم عليه مصابين بالشلل السياسى، ويعطون الأولوية الأولى، وربما الوحيدة، لمشكلات أكل العيش وفاقدين الوعى بعلاقة مشاكلهم اليومية بنظام الحكم، الذى هو نظام إدارة المجتمع التى ظلت لا تنافس ولا تحاسب فى انتخابات حقيقية، مما أدى إلى ترهل الإدارة وإلى تراكم المشكلات التى تغرق المجتمع. وإذا ظل الوضع على ما هو عليه، فإن حركة التغيير الجديدة معرضة لأن تضاف إلى باقى الحركات التى سبقتها ويتلاشى مفعولها، والخطورة الكبرى هى مزيد من الإحباط واليأس الضار، لأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.

■ لنترك البرادعى وننتقل إلى ملفات أخرى.. ما رأيك فى تعامل النظام الآن مع «الإخوان» وحملة الاعتقالات التى نالت من قيادات الجماعة رغم إعلان القيادات الجديدة أنها ستعود للدعوة وتتخلى عن السياسة؟

- لا شك أن تعامل النظام مع الإخوان يشوبه كثير من التعسف حيث إننا يومياً نقرأ عن اعتقال عشرين منهم، وفى اليوم الثانى خمسة أفراد، وفى اليوم الثالث عشرة وهكذا، دون أن نقرأ عن محاكمات خاصة بهم، وأنا أرى أنه أسلوب ذكى أمنيا، لأنه يهدف إلى شل حركة الإخوان دون أن يستفزهم إلى المواجهة والصراع المباشر، وبهذه الطريقة يظل لدى الإخوان أمل دائم فى أن تكون هذه الاعتقالات أزمة وتمر ومادام لديهم أمل فلن يخوضوا معركة الصراع المباشر.

■ وكيف ترى أداء مجلس الشعب الآن ما بين شتائم متبادلة بين أعضائه وقضايا مخلة بالآداب لبعض النواب وأخرى تتعلق بالفساد واهدار المال العام؟

- شىء مؤسف للغاية أن يكون هذا هو حال مجلس الشعب، الذى يفترض أن يكون أعضاء مثل باقى مؤسسات الدولة من صفوة المجتمع وقدوته، لكن أن يصبحوا على الوضع الذى نراه الآن فهذا تردٍ خطير جداً فى المجتمع، وأنصح أعضاء مجلس الشعب بأن يذهبوا ويقرأوا محاضر مجلس النواب الموجودة فى الأرشيف، لنواب ما قبل الثورة - وقد فعلت أنا ذلك من قبل لأتعلم- ليعرفوا نوعية الموضوعات التى تطرح للنقاش، وكيفية النقاش وكيف كان النواب يتحدثون لغة رصينة وقوية ومحترمة، وكانوا يتعاملون مع بعضهم برقى بالغ، فالمحاضر كانت عبارة عن قطع أدبية ممتعة، وسيتأكدون من أن هناك فرقاً شاسعاً بين ما كان يحدث قبل الثورة وما يحدث الآن . . فللأسف بعد الثورة المجالس أصبحت لعبة فى يد الحكام، وما يحدث الآن يعد انحطاطاً فى الحياة السياسية.

■ البعض يرى ضرورة الفصل بين السلطتين التنفيذية والتشريعية وعدم السماح للوزراء بالترشح لمجلس الشعب.. فهل تتفق مع هذا الرأى؟

- لا أتفق مع هذا الرأى، ولا مانع من وجود الوزراء فى البرلمان، بل هناك دول مثل إنجلترا لا يستطيع الشخص أن يكون وزيراً إلا إذا كان نائباً فى البرلمان.

■ لكن هناك خللاً واضحاً، فالوزير ينجح فى دائرته باكتساح ظنا من الناس بأن لديه سلطة تمكنه من خدمة الدائرة إضافة إلى أنه ماذا لو أن مصلحة الحكومة تتضارب مع مصلحة الشعب إلى أيهما سينحاز الوزير إلى الحكومة باعتباره جزءاً منها أم إلى الشعب باعتباره نائبهم؟

- ما تقولينه يعبر عن نوع من الخلل فى النظام السياسى، ولا يصح أن يتميز الشخص بمنصبه إنما يجب أن يختاره الشعب لكفاءته سواء كان وزيرا أو خفيرا، وقد حدث ذلك من قبل كما قلت عام ١٩٢٤ عندما تقدم رئيس الوزراء يحيى باشا ورشح نفسه لمجلس الشعب فسقط رئيس الوزراء نفسه فى الانتخابات مما يدل على نزاهة الانتخابات آنذاك، من ناحية أخرى أرى أن المسؤولية تقع أيضا على الناخب الذى أصبح يعبد السلطة ويتعامل مع الوزير من خلال مركزه وليس كفاءته، ولو المواطن شعر أنه سيد الموقف بصوته فلن يعطيه لا لوزير ولا لأمير بل سيعطيه لمن يستحقه، لذا أرى أن الموضوع يجب أن يعالج من جذوره بدلا من القول بعدم تقدم الوزراء للترشح لمجلس الشعب.

■ فجرت أزمة نجع حمادى من جديد ملف الطائفية والتمييز الذى يثار مع كل أزمة ولكنه سرعان ما يخمد بعد انتهائها فكيف ترى الحل؟

- يجب أن نعترف أن الأقباط الذين يعتبرون أقلية عددية، هم ليسوا أقباطا وافدين من الخارج كما هو حادث مع معظم أقليات العالم ولكنها أقلية أصيلة، فهم مواطنون أصليون يشعرون أن حقوقهم منقوصة، ورغم التحسن فى بعض المسائل فإنهم مازال لديهم إحساس بعدم وجود مساواة حقيقية داخل المجتمع، خاصة فى بعض الوظائف رفيعة المستوى داخل الجهاز الحكومى، وهناك بعض الجهات لا تجد فيها أقباطا إطلاقا، هذا التميز يجب أن يختفى كليا من مصر وفورا وبلا حوارات ولا مؤتمرات فالحقوق واضحة، ومن الممكن أن تحل بجرة قلم وقرار من الدولة إذا كانت جادة، واذا كانت هناك بعض حالات التفرقة والتمييز لدى بعض الأفراد فى المجتمع العادى نتيجة لتعصب أعمى وجهل أو نقص فى التربية السليمة فإن هذا غير مبرر وغير مقبول من الدولة التى يجب أن ترتفع فوق كل هذا ولا تفرق بين المواطنين ويجب أن تكون جميع الوظائف مفتوحة على قدم المساواة بين جميع المواطنين بصرف النظر عن الدين.

■ ما رأيك فى الجدل الدائر بشأن رفض المحكمة الدستورية لتعيين المرأة فى منصب القاضى؟

- أفضل ألا أعلق على حكم هيئة من هيئات القضاء المحترمة، ولكن من الواجب أن نتفق فيما بيننا على ما يجب أن يكون عليه موقفنا عموما من المرأة، فالمرأة وصلت إلى أعلى المراتب العلمية وأثبتت نجاحها بجوار الرجل كمحامية وأستاذة جامعية وطبيبة ومهندسة، بل أخيرا أصبحت قاضية مرموقة فى المحكمة الدستورية، كما قبلت دفعة من السيدات لتولى بعض المناصب القضائية وبعد كل ذلك كيف يرفض أن تتولى منصبا ما عندما يحين الوقت لذلك.

إن الله سبحانه وتعالى منح الرجل القوة الجسمانية لكى يؤهله لما هو مسخر له فى الحياة من السعى لطلب الرزق، ولكنه سبحانه وتعالى أعد المرأة أيضا لمهمة هى الأهم فى الحياة وهى الأمومة ومنحها المشاعر النبيلة وإيثار باقى أفراد الأسرة على نفسها والتضحية بلا تردد فكيف يكون الإنسان الأكثر نبلا أقل استحقاقا، ولو تمعن كل رجل فى أفضال أمه عليه لأيقن أنه من أجل أم واحدة تكرم نساء الأرض جميعا.

■ كيف تقرأ الأزمات المختلفة التى أصبحت تعج بها البلاد الآن: أنبوبة البوتاجاز والسولار والصرف الصحى ومياه الشرب رغم حديث النظام الدائم وطوال ثلاثين عاما عن الإنجازات التى تمت فى البنية الأساسية؟

- نتيجة لتأميم العمل السياسى لأكثر من خمسين عاما، أصبح الشعب تقريبا غير واعٍ لارتباط مشاكله اليومية بنظام الحكم، ويفصل بين الأمرين على الرغم من أن هناك ارتباطا كاملا بينهما، فإذا كان لدى المواطن أزمة فى رغيف الخبز فالمسؤول هو نظام الحكم، تردى وسوء التعليم مسؤولية نظام الحكم، أزمة المرور مسؤولية نظام الحكم، لأن الحكم يعنى نظام إدارة الدولة، وللأسف نحن نواجه مشكلة حادة وخانقة فى كل وجه من أوجه الحياة ولا يعقل أن كل هذه المشكلات داهمتنا مرة واحدة.. ولكنها بدأت صغيرة ثم نمت وكبرت نتيجة الإهمال من البداية وعدم معالجتها العلاج السريع، وهذا يعنى أن نظام إدارة المجتمع الذى هو نظام الحكم لم يكن على الكفاءة المطلوبة.

نظام الإدارة لابد أن يكون خاضعا للمناقشة والمحاسبة لأنها تعنى تحفيزه للإجادة وعليه أن يكون يقظا ويحاول أن يتنبأ بالمشكلات قبل أن تحدث، وإن حدثت يعالجها بسرعة حتى لا تكبر وإلا فالعقاب موجود والانتخابات بعد أربع سنوات.

■ ولكن ما وصلنا إليه اليوم يعد نتيجة طبيعية فى حالة نظام الإدارة الذى لا ينافـَس ولايحاسَب.

ولا يخشى عقاب صناديق الانتخاب؟

- طبعا لا.. لأنه أصبح عرفا سياسيا فى مجتمعنا أن الحكومة يجوز لها أن «تجمل» النتائج وفقا لمصلحتها بدعوى مقتضيات المصلحة العامة. والمشكلة الأكبر أن الشعب بدا وكأنه قبل ذلك وتعايش معه. ويكفى أن نقارن بما حدث فى إيران أخيرا عندما شككت المعارضة فى نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة وظلت فى مظاهرات سياسية استمرت عدة أشهر.

■ جربت مصر منذ قيام ثورة ٥٢ مختلف النظريات لتحقيق التنمية الاقتصادية سعيا لتقدم المواطنين ورخائهم، فى عهد الرئيس عبد الناصر أخذت مصر بمبادئ الاشتراكية والتخطيط المركزى الذى كان يحكم كل الأنشطة الاقتصادية، ولكن فى عام ١٩٧٤ تخلت مصر عن المبادئ الاشتراكية بالكامل تقريبا ودخلت مرحلة الانفتاح التى كانت تقوم على المبادئ الرأسمالية واستمرت حتى الآن ومازال الوضع الاقتصادى فى مصر متأزماً فلماذا؟

- لقد تحقق فى فترة الرئيس عبدالناصر إنجازان أساسيان أولا: قيام بدايات نهضة صناعية تتمثل فى العديد من المصانع، وثانيا: كان مبدأ العدالة الاجتماعية يحكم النشاط الاقتصادى والاجتماعى إلى حد كبير.

ولكن بعد ذلك عاد القطاع الخاص ليشمل أغلب النشاط الصناعى والتجارى والزراعى وتحرر الاقتصاد تدريجيا وأصبحت هناك مرونة أكثر فى تحديد الأجور والرواتب، ولا شك فى أن هذه السياسة البديلة حققت قدرا ملموسا من النمو الاقتصادى وصل إلى ٧% قبل الأزمة المالية الأخيرة، ولكن نلاحظ أن هذا النمو الاقتصادى لم تصل ثماره إلا إلى فئة رجال الأعمال والطبقات العليا فى الإدارة، أما باقى الشعب فلم تصله ثمار كافية ليتمتع بها وإن كان هو الذى يتحمل آثار الارتفاع الهائل فى الأسعار الذى حدث.

ولقد آن الأوان بعد كل من التجربتين الاشتراكية والرأسمالية أن ندرك أن النمو فى أى مجتمع لا يمكن تحقيقه بروشتة جاهزة مستوردة من الخارج، لابد وأن تكون مبادئ وخطط التنمية موضوعة محليا، بالطبع تستفيد من تجارب الدول الأخرى ولكنها تأخذ فى الاعتبار خصائص المجتمع الذى هو بالضرورة مختلف عن غيره فى تقاليده الاجتماعية وعاداته ومستوى المعيشة للغالبية من أفراده ودرجة النمو التى وصل إليها المجتمع .علينا أيضا أن نراعى بدقة أن تصاحب خطط التنمية خطوات لتحقيق العدالة الاجتماعية بسياسات للأجور تضمن للعمال والموظفين نصيبهم العادل من دخل المؤسسات التى يعملون بها وبتطبيق الضرائب التصاعدية على الدخول العالية، التى وصلت إلى المستويات العالمية فى بعض الحالات، حتى لا تزداد الهوة بين دخول الطبقات العليا وباقى الفئات.

■ بعد أن أصبح بناء الجدار العازل حقيقة واقعة ووضع النظام الجميع أمام الأمر الواقع بغض النظر عن معارضى الفكرة كيف ترى فكرة جدار بين مصر وفلسطين؟

- أنا ممن يُسلِّمون بحق مصر فى الدفاع عن أمنها القومى، ولكن الدفاع يختلف بين الأشقـاء عما هو فى مواجهة الأعـــداء. ومع التسليم بذلك فإن التفكير فى إقامة جـدار عازل بين مصر وغزة، هو أمر فى غاية الخطورة فى الحاضر والمستقبل.

وإن كنت فى نفس الوقت مستاء مما يحدث من خلافات بين «فتح» و«حماس» وأرى أنها تعادل فى خطورتها نكبة فلسطين بل بالعكس هى أخطر فى ظل الظروف الحالية.

■ يقولون أن مصر على خلاف مع «حماس» التى حاولت من قبل اقتحام الحدود المصرية وأن المقصود «حماس» وليس شعب غزة كما أن «حماس» تهدد الأمن القومى المصرى؟

- قد يكون هناك خلاف بين مصر و«حماس» التى تتولى السلطة فى غزة، ويرى البعض أن «حماس» لا تحترم الأمن القومى المصرى، وحتى لو كان ذلك صحيحاً فإنه من المؤكد أنه ليس هناك عداء بين الغالبية العظمى من شعوب مصر وفلسطين سواء فى غزة أو رام الله، وأن اتخاذ إجراءات احتياطية فى مواجهة «حماس» يكون من شأنه تضييق الخناق على أهل غزة فله مخاطر كبيرة فى الوقت الحالى، وفى المستقبل إذ يوسع دائرة العداء من «حماس» لتشمل عددا أكبر من الشعب الفلسطينى فى غزة الذى يجب أن نحافظ على علاقة المودة والأخوة التى تربط بيننا منذ قديم الزمان، وألا نسمح بأن تستبدل بعلاقات العداء والخوف المتبادل بين شعبين شقيقين متجاورين.

■ للأمن رأى آخر يفيد بأن الأنفاق عالم سرى لتهريب المخدرات والسلاح؟

- أغلب دول العالم تواجه مثل ذلك على حدودها ولا تفكر فى إقامة أى حوائط بينها، ولكن تكتفى بالإجراءات الأمنية العادية أو المتشددة كلما اقتضى الأمر.

http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=247658&IssueID=1713
--------------------
نشر في المصري اليوم بتاريخ 17 و18 مارس 2010

المتابعون