ٍسامح عاشور



إذا أصرّ النظام على رفض الإصلاح السياسى «مش هنلعب»
-----------------------------
حوار رانيـا بـدوى- المصري اليوم٣/ ٥/ ٢٠١٠
----------------------------

من الطبيعى أن يبدأ الحوار مع سامح عاشور، نقيب المحامين السابق، النائب الأول لرئيس الحزب الناصرى، بمستجدات الساعة داخل الحزب، واستعداداته للمرحلة الحاسمة التى تمر بها مصر الآن، والخلاف غير المعلن بين أحزاب المعارضة والدكتور محمد البرادعى، ومحاولات لم شمل الأحزاب المعارضة فى «ائتلاف»، وموافقتها على عقدها لقاءات متكررة مع «الإخوان» بعد رفض دام لسنوات.

ورغم عدم تجاهل كل ذلك فى الأسئلة فإنه يمكن التوقف أمام جملة قالها أثناء حديثه عن «البرادعى»، وهى: إننا نعيش حالة «مكارثية فى مصر»، فى إشارة منه إلى السيناتور الأمريكى «مكارثى» فى فترة الستينيات الذى كان يتهم كل من يخالفه الرأى أو السياسة بأنه «شيوعى»، وبهذه الطريقة قضى على كثيرين من خصومه.

«عاشور» أطلق هذه الحالة على الصراع الدائر حاليا بين النظام والجمعية الوطنية للتغيير بقيادة الدكتور البرادعى قائلا: «الإعلام المستقل يضعنا أمام خيارين لحكم مصر.. إما أن نختار أمريكا العشوائية أو أمريكا المنظمة»، وهى الجملة التى أثارت العديد من الأسئلة فى الحوار.

■ كيف ترى المشهد السياسى الآن؟

- نعيش الآن حالة «مكارثية» إما أن نكون شيوعيين أو ضد الشيوعية، إما أن نكون أمريكيين منظمين أو أمريكيين عشوائيين، إما أن نكون مع البرادعى أو مع الحكومة، ولا ثالث بينهما وهذا واقع غير جيد.

■ بعيدا عن الشيوعية ماذا تقصد بالأمريكيين العشوائيين والمنظمين؟

- إما أن نكون أمريكيين عشوائيين كما هو النظام الحالى، بمعنى أن النظام الحالى يستمع إلى أمريكا ويطبق بعض سياساتها «حسب المزاج»، وإما- إذا جاء البرادعى إلى سدة الرئاسة- أن نتبع أمريكا بشكل منظم، فدرجة التفاهم بين الدكتور البرادعى والولايات المتحدة الأمريكية عالية.

■ ولكن الرجل نفى هذا الاتهام وقال إن أمريكا وإسرائيل كانتا أكثر الأطراف محاربة له أثناء وجوده فى الوكالة الدولية للطاقة الذرية؟

- غير صحيح، وراجعوا آخر تصريحات للبرادعى قبل دخول أمريكا لغزو العراق، فهى كانت «عائمة»، وأعطت فرصة سانحة للأمريكان بدخول العراق، ثم إن البرادعى قضى دورتين فى منصبه، فلو أن أمريكا ضده ما كان نجح فى الدورة الثانية.

■ ألهذا السبب أنتم- كحزب ناصرى- ضد الدكتور البرادعى؟

- نحن لم نأخذ موقفا ضده، بالعكس هو الذى يقف ضد العهد الناصرى، وتصريحاته المختلفة تنم عن ذلك، فطبيعى ألا نرحب بالأمر.

■ لكنه انتقد الـ٥٠ عاما الماضية ولم يخص الحقبة الناصرية بالنقد؟

- حتى خلط الأوراق هذا لا نحبه، لا يوجد شىء اسمه «كله على بعضه وحش وكل العهود سيئة»، ولا يحق أن نحسب المناخ الديمقراطى والحزبى فى عهد عبدالناصر بحسابات الآن، ولكن بحسابات عصره، توجد إخفاقات وإنجازات لكل عصر والتعميم معناه أن المتحدث يهرب من المواجهة.

■ بعض الرموز الحزبية ذهبت إلى الدكتور البرادعى مثل الدكتور أسامة الغزالى حرب وحمدين صباحى وأيدت مبادئه؟

- كل شخص حر، لكن لا يصح أن نذهب نحن كأحزاب للبرادعى ونطلب التعاون معه، خاصة إذا كان هو لا يريد التعامل مع الأحزاب. وبالطبع ليس من حق أحد مهاجمة البرادعى.

■ ولكن ما يريده البرادعى هو الإصلاح السياسى الذى أظن أنه هدفكم أيضا، فمادمتم قررتم الانصهار جميعا داخل ما يسمى «ائتلاف المعارضة» فلتنصهروا مع الجمعية الوطنية للتغيير مادام الهدف واحداً؟

- تمت دعوة الدكتور حسن نافعة إلى مؤتمر ائتلاف المعارضة، وفوجئنا به يطلب منا أن ينضم ائتلاف المعارضة تحت لواء الجمعية الوطنية للتغيير بقيادة الدكتور البرادعى، رغم أنه من الطبيعى أن تندمج الجمعية الوطنية ضمن الائتلاف وليس العكس.

وكل ما جاء به البرادعى كان على أجندتنا قبلها بأشهر، وطالما طالبنا بالإصلاح السياسى وتعديل المواد ٧٦ و٧٧ و٨٨ من الدستور ووضع ضمانات للترشيح سواء لمجلس الشعب أو الشورى أو الرئاسة.

■ أليس غريبا أن يظهر شخص مثل الدكتور البرادعى لم يعمل فى الشارع من قبل ومع ذلك تصدق أفكاره ونواياه وتلقى رواجا أكبر من الأحزاب الموجودة منذ سنوات؟

- نعترف بأن لدينا قصورا فى الأداء، ولكن لا تنسى أيضا أن العمل الحزبى فى مصر مصاب بأزمة شديدة لأنه يدار بمنهجية الحزب الواحد، فقد أصبح مفروضا على الحزب الحاكم أن يكون حاكما إلى الأبد، وعلى أحزاب المعارضة أن تظل أحزاب معارضة إلى الأبد، وهذا منطق مقلوب.

واستسهلت الحكومة هذا الوضع وتركت هامشا بسيطا للمعارضة مقابل ترك الحزب الحاكم يحكم كما يشاء.

■ ماذا لو أصر النظام على رفض أى إصلاح سياسى؟

- مش هنلعب.

■ بمعنى؟

- إذا لم يحدث تعديل وإصلاح لن نلعب وسنقول للحزب الوطنى العبوا بمفردكم، سنجمد نشاطنا ولن نشارك فى هذه التمثيلية الانتخابية.

■ لطالما كنتم جزءاً من الديكور وممثلاً رئيسياً فى هذه التمثيلية فلماذا استيقظتم الآن؟

- ولماذا تلومين علينا الاستيقاظ؟!

■ لأنه جاء متأخرا!

- ليس هناك فى حياة الشعوب ما يسمى المبكر أو المتأخر. أى لحظة يحدث فيها تحرك هى لحظة مهمة.

■ ولكن هل تعتقد أن هذا الانسحاب سيضير النظام فى شىء أم أنه ربما يتعامل مع الموقف على طريقة «بركة يا جامع»؟

- أعتقد أنه سيضير النظام.

■ هل تعتقد أن الأزمة الحالية سببها التشريعات والدستور؟

- لا، على العكس، التشريعات جيدة فى كثير من الأحيان، والدستور نفسه ينص على تداول السلطة ونزاهة الانتخابات، المشكلة الحقيقية تكمن فيمن يجرى العملية الانتخابية، وهى وزارة الداخلية، فهم يصدرون النتائج التى يريدونها بنسبة ٨٠ إلى ٨٥% لصالح الحزب الوطنى، والسبب وجود الرئيس على رأس هذا الحزب.

لا يوجد مسؤول حزبى يستطيع أن يجعل الوزراء يسيرون خلفه، كما نرى فى الحزب الوطنى، إلا أن الرئيس على رأس هذا الحزب، وهم جميعا مدركون أنه لا يوجد حزب، إنما يفعلون ذلك من أجل رئيس الحزب «الرئيس مبارك».. لذا أرى أن الرئيس لو خرج من الحزب لن يبقى مسؤول واحد فيه.. وأنا أدعو الرئيس مبارك للتخلى عن رئاسة الحزب لأن بخروجه ستحل معظم مشاكل الشعب المصرى.

■ وهل تعتقد أن الرئيس مبارك لو رشح نفسه لدورة رئاسية جديدة وتنازل عن عضوية الحزب الوطنى سيحظى بشعبية أكبر؟

- نعم بالطبع، لأن شرعية الرئيس مبارك غير مستمدة من الحزب إنما من بطولته فى حرب أكتوبر العظيمة، بل على العكس الحزب الوطنى يمثل عبئا عليه وعلى شعبيته وعلى الحالة السياسية فى مصر.

■ وماذا لو حدث وتنازل الرئيس مبارك عن رئاسة الحزب الوطنى ولكن رفض الامتثال للإصلاح السياسى.. هل ستقبلون بذلك؟

- نعم، لأنه سيحل مشكلة التقييد على الحالة الحزبية فى مصر، وستصبح هناك تعددية حزبية وليس حزبا واحدا مسيطراً على البرلمان وعلى القوانين والتشريعات والحالة السياسية فى البلد.

■ وهل وقتها ستعطى صوتك للرئيس مبارك فى الانتخابات؟

- ابتسم، ثم أجاب :أنا شخصيا سأصفق له.

■ أعود إلى ملامح تدخل النظام ووزارة الداخلية لصالح الحزب الوطنى فى الانتخابات كما أشرت.

- لو لاحظت كل مرشحى الحزب الوطنى يحملون رمزى «الهلال والجمل»، والناس اعتادت أن هذين هما رمزا الحكومة، وباقى المرشحين من بقية الأحزاب يترك لهم رمزا الساعة والنجفة وغيرهما، رغم أنهم يقولون إن الرموز تؤخذ بحسب أسبقية التقدم بالترشح، وكأن كل مرشحى الحزب الوطنى «أول من صحيوا من النوم وتقدموا بالترشح» وهذا طبعا مستحيل، ورغم أن المسألة قد تبدو تافهة بالنسبة للبعض فإن لها دلالات قوية جدا.

■ وما هذه الدلالات؟

- هذا معناه أن كل شىء تم ترتيبه مسبقا.

■ فى رأيك من يضع خطط إدارة الانتخابات على هذا النحو؟

- الأمن هو الأذكى والأكثر «حرفنة» فى هذه المسائل من الحزب الوطنى، لكن بتوجيه وطلب مباشر من الأخير.

■ هل يتدخل المحافظون فى تزوير الانتخابات؟

- طبعا كلها مؤسسة واحدة.

■ قلت إن أحدا لم يقف معك أثناء تعديل قانون المحاماة وقت أن كنت نقيبا للمحاميين، وإن الجميع وقف ضدك باستثناء الرئيس مبارك؟

- نعم، وقف الجميع ضد تعديل القانون بمن فيهم أحمد عز والدكتور مفيد شهاب والدكتور فتحى سرور والدكتور زكريا عزمى. الوحيد الذى كان معى هو الرئيس مبارك ولولا أنه أعطى أوامره بمناقشة مشروع القانون ما كان أحد سيطرحه للنقاش.

■ رغم أن مناقشة المادة الأولى كانت فى مصلحتك الشخصية لأنها تنص على أن آخر مجلس منتخب فى النقابة يديرها لمدة انتقالية لحين إعادة الانتخابات وبالتالى ستكون أنت على رأس هذا المجلس؟

- القبول بهذه المادة فقط دون باقى مواد القانون لا قيمة له، لأنه يعنى أننى أريد أن أكون نقيبا والسلام، لذلك رفضت وصعّدنا الموقف إلى أعلى المستويات وهددنا بالاستقالة من النقابات الفرعية، حتى وصل الأمر للرئيس مبارك فأصدر أوامره بطرح القانون بالكامل للنقاش، وبعدما طرح القانون للمناقشة فوجئت بأن المادة الوحيدة التى استبعدت تماما هى المادة الأولى الانتقالية.

■ بأمر من الرئيس أيضا؟

- لا، الرئيس عندما وجد أن هناك أزمة محتدمة حول هذه المادة أمر باستبعادها.

■ هل تعنى أنه كان يعلم بموقف المعارضة من المادة قبلها فأقدم بطمأنينة على إعطائهم فرصة أكبر؟

- طبعا.

■ ولماذا بدل الدكتور فتحى رأيه فى المادة رغم أنك قلت إنه كان يريد تمريرها؟

- لا أعرف.

■ هل من الممكن أن يكون ذلك نكاية فيك لأنك حصلت على موافقة عليا لمناقشة القانون عكس رغبته؟

- يجوز، المهم أنهم جميعا أرادوا «ضرب» المادة.

■ أتفهم موقف الدكتور فتحى سرور، ولكن ما هى مصلحة رموز المعارضة؟

- اسأليهم لماذا كانوا معى قبلها بليلة واحدة وقالوا إنها مادة قانونية ودستورية ثم غيروا موقفهم.

■ أمر من اثنين، إما أنهم كانوا يتلاعبون بك أو أنهم كانوا صادقين وقتها وتمت صفقة بينهم وبين الدكتور سرور؟

- لا يوجد ما يجبرهم على التلاعب بى.

■ إذن الإجابة هى الاختيار الثانى؟

- بعضهم أراد الوقوف إلى جانب الدكتور سرور وآخرون منهم أرادوا إرضاء الإخوان.

■ بصراحة هل تفكر فى ترشيح نفسك للرئاسة؟

- لا، وإن كان الحزب الناصرى مثل المستقلين ليس له حق الترشيح للرئاسة لأنه ليس لديه أى عضو فى البرلمان.

ولكن لو تم تعديل المواد ٧٦ و٧٧ و٨٨ سندرس إمكانية الترشح لمنصب الرئاسة.

■ لو توافرت الشروط وطلب الحزب الوطنى منك أن تكون ضمن المرشحين حتى لا تبدو الانتخابات الرئاسية «مسرحية هزلية» كما كانت فى الماضية؟

- لو قبلت أن أكون جزءا من هذه التمثيلية سيكون هذا انتحاراً سياسياً.

■ إذن هل سترشح نفسك لرئاسة الحزب الناصرى؟

- وارد، ولكن لن أطرح نفسى إلا فى إطار توافقى.

■ متى؟

- ليس قبل عام.

■ سؤال أخير هل مازلت تصف الحكومة بالغباء؟

- بل أصبح شعارا أرفعه «طبعا الحكومة غبية» هو فيه حد يبيع الغاز لإسرائيل ويرجع يستورده من الجزائر بمبالغ مضاعفة، ثم كل ما يعيشه الناس من أزمات الآن أبلغ دليل على أن الحكومة غبية فى سياساتها.
----------------
نشر في المصري اليوم بتاريخ 3-5-2010
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=253505&IssueID=1759

مرفت التلاوي


استثمار أموال التأمينات.. من المسؤول.. وما الخسائر والأرباح؟!
--------------------------------------
حوار رانيـا بـدوى ١٥/ ٤/ ٢٠١٠
------------------------------------


فجّر الحوار السابق الذى أجرته «المصرى اليوم» مع الدكتورة ميرفت التلاوى، وزيرة التأمينات والشؤون الاجتماعية السابقة، ضجة كبيرة، وفتح ملف أموال التأمينات الاجتماعية، التى اختلفت حولها الآراء على مدى ١٢ عاماً كاملاً منذ بدء استثمارها.

ولأن القضية شديدة الأهمية، فقد أجرت «المصرى اليوم» هذه المواجهة الساخنة بين ميرفت التلاوى واثنين من المسؤولين السابقين من جانب وعدد من القيادات والمسؤولين السابقين فى القطاع نفسه.. كل فريق يطرح القضية من وجهة نظر مختلفة.. فالتلاوى وحنفى وعطية يلقون بالمسؤولية على الحكومة فى استثمار هذه الأموال فى البورصة دون ضوابط محددة،

بينما يؤكد الفريق المضاد أن «التلاوى» هى المسؤولة عن هذا القرار، وأن استثمار أموال التأمينات فى البورصة حقق عائداً يصل إلى ٢٧٪ فى المتوسط سنوياً على مدى ١٢ عاماً.

وإلى نص ووقائع المواجهة بين الطرفين:
------------------------------
ميرفت التلاوى وزيرة التأمينات والشؤون الاجتماعية: أموال التأمينات الاجتماعية خسرت ٦٠٪ بسبب استثمارها فى البورصة بدون «عقد»
----------------------------------
فى البداية سألنا الدكتورة ميرفت التلاوى:

قلت لى فى الحوار الأول إن الدكتور بطرس غالى طالب باستثمار أموال التأمينات فى بنك «سيتى بنك» الأمريكى، وقلت إنها ليست هذه هى المخالفة الوحيدة التى اتبعها فى التعامل مع أموال الناس، ولكنك اكتفيت بهذه الواقعه آنذاك فهل آن الأوان أن تقولى للناس ما هى المخالفات الأخرى التى انتهجها يوسف بطرس غالى فى حق أموال التأمينات؟

- الدكتور يوسف بطرس غالى أخذ ٢٠٠ مليون جنيه مصرى من أموال التأمينات الاجتماعية من القطاع العام والتى كانت موضوعة فى بنك الاستثمار القومى، و٣٠٠ مليون جنيه من صناديق التأمينات القطاع الخاص والتى تتبع وزارة الاقتصاد وضارب بها فى البوصة عن طريق شركة واحدة وهذه أول كارثة فكيف أعطى مبلغا بهذا الحجم لشركة واحدة وكان يفترض أن يعطى لأكثر من شركة تفاديا للمخاطر.

■ والكارثة الثانية؟

- أن هذا المبلغ أعطى لهذه الشركة دون عقد بين صاحب الشركة والحكومة، أى ليس هناك ما يحكم حركة هذه الأموال وتداولها وشروط التعاقد.

■ من هذه الشركة؟

- لا أتذكر اسمها ولكن صاحبها يدعى محمد يونس.

■ وعن ماذا أسفرت المضاربة بهذا المبلغ فى البورصة؟

- عن خسارة تقرب من ٦٠% من قيمة المبلغ وهذه هى الكارثة الثالثة.

■ وهل توقفت المضاربة بأموال التأمينات فى البورصة بعدها؟

- لا أبدا.. فقد أجبرنا رئيس الوزراء ومعه يوسف بطرس غالى على استثمار جزء آخر من أموال التأمينات فى البورصة رغم أننى قاومت وبشدة هذه الفكرة ولكن مع إصرار رئيس الوزراء قلت لهم فلنشرف نحن هذه المرة على استثمار الأموال فى البورصة، واستعنا بالدكتور حسن عباس زكى كخبير اقتصادى للإشراف على العملية وحتى لا يضحكوا علينا ووضعنا قواعد وتم توزيع المبلغ على أكثر من شركة معتمدة فى البورصة.

■ والنتيجة؟

- لا أتذكر أننا ربحنا ولكننا على الأقل لم نخسر الأموال.

■ ولكنك كنت ضد المضاربة بأموال التأمينات فى البورصة؟

- ومازلت على رأيى، ولكن أمام إصرار رئيس الوزراء ورؤسائى ما كان لى أن أفعل شيئاً سوى أننى حاولت تقنين المسألة حتى لا تكون الخسائر فادحة.

انتقلت إلى الدكتور محمد إبراهيم حنفى رئيس هيئة التأمينات الاجتماعية سابقا ورئيس صندوق التأمين الاجتماعى لقطاع الأعمال العام والخاص والذى كان مسؤولا عن صناديق التأمين فى هذه الآونة لأسأله عن واقعة استثمار أموال التأمينات فى البورصة بواسطة شركة واحدة وبلا عقد فبدأ شهادته قائلا:

- كنا حريصين على تحقيق الأمن والضمان الدائمين لأموال التأمين الاجتماعى، وهناك ثلاثة معايير ونحن نستثمر أموال الضمان الاجتماعى: أولها الضمان أى الحرص على هذه الأموال وعدم تعريضها لمخاطر عالية. وثانيا السيولة بمعنى لو افترضنا حدوث كوارث فى قطاع السياحة مثلا سيصبح لدى قطاع كامل لا أستطيع تحصيل الاشتراكات منه فيجب أن تكون لدى القدرة على تسييل أى أصول لأموال التأمينات لمواجهة أى كارثة. ثالثا الربحية وإن كان معروف أنه كلما زادت المخاطرة زاد الربح وزادت نسبة الخسارة أيضا، لذا يجب أن ندرس جيدا أى مشروع بحيث يحقق ربحية ولا يعرض الأموال للمخاطرة العالية.

لذا كنا نطرق مجالات ومشروعات آمنة ومضمونة، بل تحافظ على القيمة الحقيقية للاستثمارات، مثل مجموعة شركات البتروكيماويات التى أسستها شركة اسكندرية للبترول، إضافة إلى استثمارات هيئة التأمين والمعاشات فى مجال الحديد والصلب وكان معنا شركاء منافسون مثل بنوك مصر والأهلى وفعلا تحققت أرباح جيدة جدا.

■ وهل أجبرتم على سحب أسهم التأمينات من هذه الشركات فيما بعد؟

- فى وقت من الأوقات طلب منا أن نخرج من هذه الشركات تمشيا مع سياسة الخصخصة التى كانت متبعة آنذاك.

كنا كذلك مساهمين فى إحدى شركات خدمات المحمول الكبرى وكنا متواجدين فيها بقوة حتى بيعت رخصتها للقطاع الخاص حيث تم عرض مبلغ ضخم من قبل أحد القطاعات الخاصة وهو ما رأت الدولة أنه يحقق عائدا كبيرا لها، فطلبت منا الخروج و«يادوب أخذنا المبالغ التى دفعناها مع عائد محدود عن الفترة التى دخلنا فيها».

■ ما شهادتك فيما يخص استثمار أموال التأمينات فى البورصة؟

- اتصلوا بى ليلا وقالوا لى دبر ١٠ ملايين جنيه ندخل بها البورصة بشكل عاجل، فقلت لهم أنا فى السرير، غدا سأدبر المبلغ، وفى الصباح قالوا لى دبر عشرين مليوناً وحتى نهاية اليوم وصل المبلغ إلى ١٠٠ مليون جنيه، وجاءت الأوامر العليا بتحويل المبلغ إلى صندوق تم استحداثه فى اللحظة والتو وسموه الصندوق المصرى العالمى للاستثمار، وبعدها طلب منى ١٠٠ مليون جنيه أخرى من صندوق التأمين والمعاشات، هذا بخلاف ١٠٠ مليون جنيه أخرى من شركة مصر للتأمين و٢٠٠ مليون من صناديق البنوك العامة مصر والأهلى والقاهرة والإسكندرية فكنا ندبر المبالغ ونحولها فورا حتى قبل أن ننهى إجراءاتنا القانونية.

■ إذن، وضعت هذه الأموال فعلا فى هذا الصندوق بلا عقود؟

- الأوامر كانت «حوّل بأقصى سرعة دون انتظار التسجيل أو الإشهار» وكنا ننفذ الأوامر.

■ وما ماهية هذا الصندوق بالضبط؟

- صندوق الاستثمار المصرى العالمى للاستثمار عبارة عن محفظة مالية كبيرة وهو صندوق خاص ولكن بأموال عامة، وكان له مجلس إدارة مكون من ممثلين عن أصحاب رؤوس الأموال من صناديق التأمين والمعاشات وبعض البنوك العامة برئاسة محمد الطير، وقد أطلق على هذا الصندوق فيما بعد اسم «الشبح».

■ ومن كان يدير المحفظة؟

- العضو المنتدب لشركة كونكورد لتداول الأوراق المالية، وهو كان يدير فى نفس الوقت صناديق بنك مصر وكانت هذه الصناديق قد خسرت مبالغ ضخمة نتيجة اهتزاز السوق فأصبح لديه مشتر يسند ماليا هذه الصناديق وهى الأموال الموضوعة فى الصندوق المصرى العالمى للاستثمار والخاصة بالتأمينات.

■ هل تريد القول إنه تم الحفاظ على صناديق بنك مصر من الخسارة بفلوس التأمينات؟

- لم يُقل هذا أمامنا بوضوح ولكن من لا يرى ذلك «يبقى مابيعرفش حاجة».

واستطرد محمد حنفى قائلا: فوجئنا بمدير الصندوق يطلب عمولة عن إدارة المحفظة المالية قيمتها ٤ فى الألف من قيمة المحفظة، وهذا كان رقماً مبالغاً فيه جدا، خاصة أن الرقم الذى تحت يده فى المحفظة ضخم «٥٠٠ مليون جنيه» وربما تكون هذه نسبة بسيطة بمعايير الآن، ولكن وقتها كان رقماً ضخماً، ولو أن القرار ملك لنا ما قبلنا بهذا الطلب وبحثنا عن مدير آخر للمحفظة، ولكن لأننا لا نملك سوى ٤٠% من قيمة المحفظة فى حين الجهات التابعة لوزير الاقتصاد يوسف بطرس غالى آنذاك تملك ٦٠ %، اجتمعنا فى مكتب الدكتور بطرس للفصل فى هذه المشكلة، وقرروا أن يأخذ محمد يونس، مدير المحفظة، النسبة التى طلبها.

■ الدكتورة ميرفت تقول إن أموال التأمينات خسرت حوالى ٦٠ % من قيمتها؟

- لست متذكراً الرقم بالضبط، ولكن أذكر أنه خلال أول تقييم للمبالغ فور دخولها البورصة خسرنا ٢٠%، وهذا رقم كبير فى البداية حتى إننا اضطررنا لأول مرة أن نعمل نظاماً محاسبياً- ونحن نضع الميزانية النهائية فى الحساب الختامى للصناديق- يسمى مخصص «هبوط أسعار الأوراق المالية فى البورصة».

■ قالت الدكتورة ميرفت إنكم أشرفتم على استثمار أموال التأمينات فى البورصة بعد فشل التجربة الأولى؟

- بالفعل عملنا مجموعة من المحافظ بعد ذلك ودخل فيها معنا بنك الاستثمار القومى وطلبنا عروضاً من عدد من شركات الأوراق المالية التى بدأت فى التنافس فى تحسين مستوى الخدمة المقدمة بل فى عروض أسعارها الخاصة بالعمولة والتى على ما أعتقد كانت حوالى ٢ فى الألف أى أقل كثيرا مما تقاضاه مدير صندوق الشبح.

■ وهل ربحتم فى المرحلة الثانية؟

- لا تنسى أننا كنا من البداية ضد الدخول فى البورصة ولكن أمام إصرار الجهات الأخرى اضطررنا للدخول، ولا تنسى أيضا أن البورصة كانت فى بداية مراحل التعافى.

اكتفيت بهذا القدر من شهادة محمد حنفى، رئيس هيئة التأمينات الاجتماعية سابقا، رئيس صندوق التأمين الاجتماعى لقطاع الأعمال العام والخاص، التى أكد فيها أغلب ما أدلت به الدكتورة ميرفت التلاوى، وعلى الجانب الآخر علمت أن الدكتور محمد عطية، وكيل أول وزارة التأمينات والشؤون الاجتماعية سابقا، كان مسؤولا عن مكتب الوزيرة ميرفت التلاوى أثناء واقعة حضوره ومدير بنك «سيتى بنك الأمريكى» لطلب استثمار أموال التأمينات الاجتماعية فى البنك وهى الواقعة التى نفاها الدكتور بطرس غالى لذا كان أول سؤال للدكتور محمد عطية:

■ هل كنت حاضرا أثناء هذه الواقعة؟

- نعم.. بالطبع لم أدخل المقابلة لأنها مقابلة وزير بوزيرة وليس لى الحق فى حضورها، ولكننى تسلمت الأوراق الخاصة بالموضوع التى أتت من وزارة المالية مرفقة بخطاب من الدكتور بطرس غالى تفيد بالنظر فى العرض المقدم من بنك «سيتى بنك» بشأن استثمار أموال التأمينات الاجتماعية فى البنك الأمريكى.. وهى الأوراق التى رفضت الدكتورة ميرفت التوقيع عليها.

■ وما قراءتك لهذا الموقف ولماذا فى ظنك تحمس يوسف بطرس غالى لتبنى هذه الفكرة؟

- يوسف بطرس غالى معروف أنه يعمل من خلال البنك الدولى، ومشكلته أنه غير قادر على ضبط الدين المحلى، وعاجز أمام عجز الموازنة، ويحاول حل هذه الأزمات عن طريق الاستيلاء على أموال التأمينات بأى شكل، فهو يأخذ كل الاشتراكات التى تحصل من قبل التأمينات ويدخلها فى الموازنة العامة للدولة بموجب القرار الوزارى رقم ٢٧٢ لسنة ٢٠٠٦،

وهذا كله ضلال، وقد حصلنا فى فبراير الماضى على حكم من القضاء الإدارى بعدم قانونية القرار وشبهة عدم دستوريته، على اعتبار أن أموال التأمينات ملكية خاصة لا يمكن تحويلها إلى إيرادات عامة بإدخالها الموازنة العامة للدولة، وتم تحويل الأمر إلى المحكمة الدستورية العليا ونحن فى انتظار قرارها، وإن كانت هناك قرارات للمحكمة الدستورية مشابهة فى هذا الموضوع تقول بأن أموال التأمينات أموال خاصة لا يجوز المساس بها ولا مصادرتها، وبطرس غالى هنا صادرها بل حولها إلى إيرادات عامة.

■ قلت رفعنا دعوى وحكم فيها من القضاء الإدارى.. فمن أنتم؟

- لجنة الدفاع عن أموال التأمينات والمنسق الخاص بها الدكتور شكرى عازر، وقبل رفع الدعوى حاولنا الحصول على قرار وزير المالية الذى كان يعمل به ولكننا لا نراه لا مكتوبا ولامطبوعا، فسألناه عن القرار الذى كان يخفيه فادعى أنه نشر فى الوقائع المصرية، فبحثنا جاهدين عنه ولم نجده فقد كان يقول كلاما غير الواقع.. وبعد حصولنا على الحكم بعدم قانونية هذا القرار طعن الدكتور بطرس غالى فكسبنا الطعن وحكم للمرة الثانية بعدم قانونية القرار الوزارى، ونحن فى انتظار قرار المحكمة الدستورية لنستطيع بعدها محاسبة الوزير عم أنفق أموال التأمينات الاجتماعية فيه.

■ وهل تحويل أموال التأمينات إلى الخزانة العامة قرار يوسف بطرس غالى أم قرار رئيس الوزراء؟

- قرار وزارى لأنه تعديل فى مشروع اللائحة التنفيذية لمشروع الموازنة العامة للدولة.

■ يقولون الآن إن التأمينات الاجتماعية أحد أسباب عجز الموازنة؟

- هذا كلام غير صحيح، التأمينات تدين الخزانة العامة للدولة لأن كل الأموال كانت تحول على بنك الاستثمار القومى الذى كان يمول عجز الموازنة بـ٥٠% من الأموال ويعطى الهيئات الاقتصادية العامة الـ٥٠% الأخرى ولم يكن يعطينا حتى عائد استثمار أموال التأمينات فكان العائد يوضع دفتريا فقط.

■ ومن أين كنتم تدفعون أموال التأمينات؟

- من الاشتراكات فقط.. واستطرد قائلا : نحن ندين الخزانة بـ٤٣٥ مليار جنيه، ٣٥٩ ملياراً من قبل و٧٦ ملياراً ديون ٢٠٠٩ فقط، لذا كان الدين يتراكم عليهم، وأصبح عالياً جدا.

■ عاصرت عهد الدكتورة أمينة الجندى فكيف تعاملت مع ملف التأمينات بعد ترك الدكتورة ميرفت التلاوى الوزارة؟

- باختصار سأسرد قصة تحمل الإجابة، فقد حاولوا فى عهد الدكتورة أمينة الجندى أن يضحكوا علينا ويعطونا ٧٠ مليار جنيه فى شكل شركات، إلا أن هذه الشركات- على حد قول دكتور مدحت حسانين وزير المالية الأسبق- كانت بحاجة إلى الإنفاق عليها، وهذا ثابت فى محاضر مجلس الوزراء، وهذا يعنى أنها شركات خاسرة، لذا أرادوا أن يلعبوا علينا ويتخلصوا من ٧٠ مليار جنيه من مديونيتهم وإحنا كتأمينات نشرب الشركات الخاسرة، بل ننفق عليها من أموال الناس لتستعيد صحتها.

■ والنتيجة؟

- رفضت وقاومت هذه الفكرة بشدة فغضبت علىّ الوزيرة أمينة الجندى، وأمرها دكتور عاطف عبيد، رئيس الوزراء، آنذاك، بنقلى من مكانى، وقد كان.

■ وكيف فى رأيك سيتخلصون من هذا الدين؟

- أثناء وجودى فى هيئة التأمينات وقبل خروجى بعامين من الوزارة طلبنى هشام توفيق، مساعد وزير المالية بطرس غالى، وأعطانى الروشتة التى أرسلها لهم البنك الدولى بخصوص مصر والتعامل مع أموال التأمينات والدين بشكل عام، وكانت تفيد بأن يغلقوا النظام العام الحالى على من هم فيه حتى يستنزفوا الأرصدة المتراكمة فى محاولة لتذويب أموال التأمينات فى الخزانة العامة ويقولوا للناس فلوسكم خلصت وتأتى الأجيال الجديدة لا تجد شيئاً، لأن النظام سيكون قد انتهى، على أن يتم ابتداع نظام جديد وتكون الدولة قد تخلصت من ديونها للتأمينات.

■ ماذا تعنى بتذويب الأموال حتى تنتهى؟

- بمعنى أن أغلق على المشتركين فى هذا النظام ولا أقبل جدداً وكل من يخرج من النظام يستفيد ويأخذ مستحقاته ومع آخر شخص يخرج يقولون لنا إن الأموال انتهت لأنها تستنزف، إضافة إلى الترويج الدائم بأن الدولة هى التى تنفق وأن صناديق التأمينات تتلقى دعماً من الخزانة العامة رغم أن ذلك غير حقيقى بالمرة كتمهيد لإعلان انتهاء الأموال..

أما الحقيقة فهى أن لدينا احتياطياً ضخماً ونحن دائنون للحكومة ولسنا عبئا عليها، ورغم ذلك الحكومة تقول إن صناديق التأمين الاجتماعى تعانى من العجز وهذا كلام ناس مهرجين وكلها تصريحات كاذبة.. وأنا أرى أن هذه السياسة نابعة عن عجز يوسف بطرس غالى عن السيطرة على الأزمات المختلفة بالاستيلاء على أموال التأمينات، خاصة أن الدين المحلى العام وصلت نسبته إلى ٩٠.٧ % من قيمة الدخل القومى، أى أنه تعدى الخط الأحمر المسموح به فى الدول الأخرى وهو ٦٠ %، إذن هو فى كارثة وأزمة حقيقية.

■ وماذا عن استثمار أموال التأمينات فى البورصة؟

- مجمل ما تم استثماره فى البورصة يبلغ ملياراً و٢٠٠ مليون جنيه بما فيها ما تم استثماره فى صندوق الشبح الذى كان يديره محمد صالح يونس لصالح شركة كونكورد الأمريكية.. ومن أسباب الفشل «ركن» بعض المحافظ المالية وعدم طرحها للاستثمار، وزيادة المصاريف الإدارية والعمولات، فكان السهم يخسر والشركة تأخذ عمولتها ومصاريفها الإدارية كما هى، إضافة إلى عدم الخبرة، كلها أمور أدت إلى خسارة كبيرة فى أموال الشعب.
------------------------
نشر في المصري اليوم بتاريخ 15-4-2010
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=251301

منير فخري عبد النور



سكرتير عام حزب الوفد: (١-٢) لم نتواجد مع «البرادعى» لأنه قال «لن أتعامل مع الأحزاب»..
ولو اتصل بنا سنرفعه فوق رؤوسنا
------------------------------
حوار رانيا بدوى -المصري اليوم- ٢/ ٣/ ٢٠١٠
---------------------------------------

الدستور المصرى مازال محل الصراع بين النخب السياسية والثقافية من جانب، والنظام الحاكم من جانب آخر.. فبعد سنوات من الركود السياسى يطرح الرأى العام أسماء جديدة للترشح لرئاسة الجمهورية، مطالباً بتعديل الدستور لتحقيق هذا المطلب، تعقبه محاولات جدية من الدكتور البرادعى للاستعانة بكل طوائف المجتمع للضغط على النظام بتعديل الدستور،

فى نفس الوقت يعلن منير فخرى عبدالنور، سكرتير عام حزب الوفد، قرار ائتلاف الأحزاب المعارضة بعقد مؤتمر للتعديلات الدستورية، لينتقل الصراع من الداخل إلى الخارج فتضع الجمعيات الأهلية والمجلس القومى لحقوق الإنسان، على رأس أولوياتها «التعديل الدستورى»، ويطرح المطلب فى مؤتمر جنيف لحقوق الإنسان ويأتى الرد القاطع على لسان ممثل النظام الدكتور مفيد شهاب وزير الدولة للشؤون القانونية برفض مناقشة التعديلات الدستورية..

لذا قررت محاورة منير فخرى عبدالنور، العامل المشترك بين حزب الوفد وائتلاف أحزاب المعارضة والمجلس القومى لحقوق الإنسان، وهو أحد أعضائه، ليكشف فى هذا الحوار عن أسرار وخبايا ما حدث فى جنيف.. ويدلى برأيه فيما قاله مفيد شهاب عن حقوق الإنسان فى مصر، وموقف حزب الوفد من محمد البرادعى رئيس وكالة الطاقة الذرية السابق تحركاته.

■ قد تُقرأ دعوتك إلى مؤتمر تعديل الدستور على أنه عمل موازٍ لما يقوم به البرادعى وكأنكم فى منافسة؟

- لا إطلاقاً.. فالدعوة لهذا المؤتمر بدأت منذ منتصف ديسمبر الماضى بقرار من ائتلاف الأحزاب الأربعة الذى يضم الوفد والتجمع والناصرى والجبهة، بعد أن أعد الوفد ورقة العمل وتم عرضها على الأحزاب الثلاثة الأخرى فى اجتماعين متتاليين حتى وصلنا إلى توافق كامل، لذا فالفكرة سابقة لظهورالبرادعى على الساحة السياسية الداخلية، ومع ذلك كل الجهود التى تسعى إلى تعديل الدستور تكمل بعضها البعض وتعمل على تحقيق الهدف نفسه.

■ لماذا لم نشاهد الوفد ضمن المجموعة التى أيدت البرادعى وذهبت للقائه فى منزله؟

- خطاب البرادعى مطابق تماما للخطاب الوفدى منذ قيام الحزب عام ١٩٧٨حتى الآن، فهو يسعى إلى تعديل الدستور وتحقيق التوازن بين السلطات ووضع ضمانات لنزاهة الانتخابات وغيرها، لذا لا أجد أى اختلاف.

■ مادام لا يوجد اختلاف كان أحرى بكم التواجد؟

- الدكتور محمد البرادعى قال إنه لن يتعامل مع الأحزاب وأنه يلتقى الأفراد باعتباره مواطنا،ً وإن كنت أرى أنه يجب أن يعمل من خلال الأحزاب بما لها من فكر مؤسسى وآليات للتنظيم وقدرة وإمكانيات.

■ ربما هو لا يرى فيكم هذه الأمور؟

- هو حر طبعاً فى رأيه.. نعم الأحزاب ضعيفة ولكن هناك أحزاب عريقة ولها ثقل، ولو أن البرادعى اتصل بنا سنرفعه فوق رؤوسنا.

■ وهل اتصل بكل من حضر لقاءه؟

- كل حزب له ظروفه والمقارنة بين الأحزاب يجب أن تأخذ فى اعتبارها حجم وثقل وعراقة الأحزاب الأخرى.

■ لماذا لم تذهب بصفتك الشخصية؟

- أنا سكرتير عام الوفد وكل كلمة وحركة محسوبة على، وأى خطوة أو كلمة أقولها يجب أن أراجع فيها المؤسسة ولجان الحزب. ثم إن الوفد يرى أن العمل السياسى يجب أن يكون من خلال الأحزاب، وأى محاولة للضغط على النظام من خلال أفراد أو حركات احتجاجية قد تحرك المياه الراكدة ولكن مآلها إلى الفشل، ولنا تجارب عديدة فى هذا الشأن خلال السنوات الماضية، لأنها مؤقتة بطبيعتها والإصلاح يحتاج إلى عمل دؤوب ومتواصل وطويل النفس، كما أننى أعتقد أنه يجب أن يكون هناك قدر من التقارب الفكرى بين من يجتمعون لتحقيق هدف ما، وإذا لاحظت فالمجموعة التى ذهبت لمقابلة البرادعى تتراوح بين أقصى اليمين وأقصى اليسار، وأعتقد أنهم سيختلفون من الجلسة الثانية.

■ مع اختلاف الأيديولوجيات لمن قابلوا البرادعى فإن هناك اتفاقاً على أساسيات فلا أحد منهم ضد تعديل الدستور مثلاً؟

- المشكلة أن الموضوع عام ومتفرع فمثلا عند مناقشة المادة الأولى الخاصة بالمواطنة سيعترض الإخوان والمادة الثانية التى تنص على أن الشريعة الإسلامية هى مصدر التشريع سنجد العلمانيين يطالبون برفعها من الدستور، إذن سيختلفون عند أول مادتين .

■ وما الفرق بين ما يطرحه البرادعى وما تطرحونه أنتم؟

- الفرق أننا أكثر تحديداً فى مطالبنا التى حددناها فى ثلاثة محاور هى تعديل المادتين ٧٦ و٧٧ من الدستور، وإيجاد ضمانات لشفافية الانتخابات والتوازن بين السلطات الثلاث، فالمبدأ نفسه لا يمكن أن نختلف عليه ولكن سيبقى النقاش الفنى حول كيفية تحقيق ذلك، وما أقصده أننا حددنا المحاور التى لا خلاف عليها فقللنا من مساحة الاختلاف، لذلك ستجدين أن عددا كبيرا من المدعوين من أساتذة القانون الدستورى والنظم السياسية، كما ستجدين أن أغلب المدعوين متقاربون فى الفكر حتى وإن كانوا من أحزاب مختلفة.

■ وهل هناك ضمانات لنجاح ما تسعون إليه؟

- لا.. ولا أحد يملك ضمانات للنجاح لكننى متفائل.

■ وكيف ستضغطون على السلطة لتنفيذ مطالبكم؟

- من خلال الاستمرار فى المطالبة بإصرار وإقناع الرأى العام بضرورة إجراء هذه التعديلات السريعة قبل الانتخابات المقبلة، وأعتقد أن المناخ مهيأ لتقبل مثل هذه الدعوة والتحرك من أجل تحقيقها، وبالمناسبة سأفشى لك سراً لم نعلنه حتى الآن، فسوف تتم دعوة أعضاء من مجلسى الشعب والشورى ممن ينتمون للحزب الوطنى وأساتذة قانون ومستشارين، وأتمنى أن يلبوا الدعوة ونتناقش معهم علهم يستمعون إلينا مثل المستشار محمد الدكرورى ورمزى الشاعر والدكتور مصطفى الفقى وجورجيت قللينى وأحمد ماهر وغيرهم.

■ ألن تدعو الدكتور مفيد شهاب، وزير الدولة للشؤون القانونية؟

- لا.. لأنه لن يحضر بالتأكيد.. ولكن باقى المدعوين يعتبرون أقل فى المكانة الرسمية، وآراؤهم ومشاركاتهم لن تعبر عن موقف رسمى كما هو الحال مع الدكتور مفيد ولن يلزموا النظام بشىء، وآراؤهم لن تكون خالية من الصراحة كالمسؤولين فى النظام.

■ لننتقل إلى ملف مجلس حقوق الإنسان ولنبدأ بالانتقاد الدائم له بأنه مجلس الحكومة أو مجرد واجهة أمام الغرب تؤكد بها الحكومة اهتمامها بحقوق الإنسان؟

- هذا حكم قاسٍ جدا، فالمجلس أثبت أنه ربما لم يكن جريئاً فى أغلب الأحيان ولكنه كان صريحا فى كل الأحيان.. وقد ظهر ذلك فى التقارير السنوية التى يصدرها وما فيها من ملاحظات وانتقادات لأداء رجال الأمن والتعذيب فى أقسام الشرطة وتجديد أوامر الاعتقالات رغم صدور أحكام قضائية بالإفراج عن المعتقلين والانتقادات الخاصة بتزوير الانتخابات وغيرها. ولو عدتِ إلى قانون المجلس ستجدين أنه مجلس استشارى أى يبدى رأياً أو مشورة وليست لديه سلطة تنفيذية، فلا تستطيعين أن تحكمى عليه لكون السلطة التنفيذية لا تأخذ بتقاريره.

■ لكن على الأقل، هل تمت تغطية كل المخالفات الحكومية فى تقارير المجلس؟

- تابعنا كل الموضوعات التى ارتأيناها مهمة وملحة، وعلى رأسها المطالبة المستمرة بإلغاء حالة الطوارئ والمعاملة فى السجون وقضايا التمييز، وأعتقد أن أكثر شىء أزعج وأغضب النظام هو تقرير المجلس حول التعديلات الدستورية.

■ وكيف تعرفون أنكم أزعجتم النظام؟

- حين يلتقى عضو من أعضاء المجلس مسؤولاً رسمياً ما، وفى سياق الحديث يقول له «البلد لا تتحمل ما تقولونه، خفوا شوية!» وما شابه ذلك.

■ ومن يتولى مهمة التعبير عن غضب النظام ويبلغها لأعضاء المجلس القومى لحقوق الإنسان؟

- رفض منير عبدالنور الإدلاء بأى أسماء فى البداية وقال نعلم بطرقنا، ولكن بعد إلحاح شديد قال نعلم تأثير ما نقول وما ندونه فى تقاريرنا على النظام من خلال الدكتور مفيد شهاب، فهو الوزير الذى يتعامل مباشرة مع المجلس القومى لحقوق الإنسان لأكثر من سبب، منها أنه وزير الشؤون القانونية والمجالس النيابية، كما أنه مسؤول عن ملف حقوق الإنسان وهمزة الوصل بين المجلس والحكومة.

■ وماذا عن صفوت الشريف باعتباره رئيس مجلس الشورى الذى يتبعه المجلس القومى لحقوق الإنسان؟

- لم أسمع مطلقاً بتدخل السيد صفوت الشريف بشخصه أو من خلال مجلس الشورى فى أى من أعمال المجلس.

■ ولكن تمويل مجلس حقوق الإنسان يأتى من خلال مجلس الشورى؟

- لم يستخدم التمويل فى الضغط على المجلس.

■ لماذا ينزعج النظام من التقارير الأجنبية كالتى تأتى عبر «هيومان رايتس ووتش» ولا يولى الاهتمام الكافى لتقارير مجلس حقوق الإنسان؟

- لأنها تقارير أجنبية وأكثر انتشاراً دولياً، ومن الممكن أن تؤثر على الرأى العام الدولى، خاصة الدول التى تهتم بحقوق الإنسان فى مصر مثل الولايات المتحدة الأمريكية.

■ الطبيعى أن تخشى الدول الرأى العام الداخلى قبل الخارجى؟

- النظام القائم غير معنى بالرأى العام الداخلى واهتمامه الأول يكون لكل ما يخص الأمن والاستقرار، والمبرر دائماً «أنتم لا تعرفون مخاطر الإرهاب والتطرف».. أنا عن نفسى أرى أن قانون الطوارئ لم يقلل هذه الحوادث، بل أعتقد أنها ستستمر فى وجوده لأنها وليدة مناخ عام.. عموماً الديمقراطية فى مصر غريبة جداً فنحن نقول ونكتب كل ما يحلو لنا ولكن فى النهاية «محدش بيعبرنا».

■ فى رأيك لماذا تم استبعاد دكتور كمال أبوالمجد من المجلس القومى لحقوق الإنسان؟

- هذا السؤال يوجه إلى متخذ القرار وأقصد صفوت الشريف.

■ كيف تقرأ عدم إبلاغ الدكتور كمال أبوالمجد باستبعاده من المجلس، وتركه يعلم بالأمر من الصحف؟

- لا يسعنى أن أقول إنها ثقافة نظام والإدارة البيروقراطية.. والأمر نفسه حدث مع وزير التعليم السابق يسرى الجمل عندما علم بخروجه من الوزارة من الصحف، وللعلم اشتكى الدكتور أبوالمجد من هذه المعاملة للإعلام، ووصف الموقف بأنه أسلوب غير لائق بعد خدمة ٦ سنوات يستحق عليها الشكر، لذا تلقى خطابا مكتوباً من الرئيس مبارك، وترك صورته فى المجلس، لأنه كان يحمل تقديراً ليس فقط للدكتور أبوالمجد، وإنما لأعمال المجلس ككل طوال ٦ سنوات.

■ هل تعتقد أن التغييرات التى حدثت أخيراً هى استعداد لمرحلة الانتخابات الرئاسية بما قد يصحبها من انتهاكات؟

- ربما يكون هذا هو السبب.. أضاف: أنت تفترضين أن كلاً من مقبل شاكر ومحمود كارم سيكونان أقل صراحة من أبوالمجد ومخلص قطب، عموماً المواقف سيتم الحكم عليها بعد ثانى أو ثالث جلسة.

■ تم ترشيح اللواء نشأت الهلالى ليكون أمين عام المجلس وتم تعيين السفير محمود كارم، فما هو سر التغيير فى اللحظات الأخيرة؟

- فور علم بعض أعضاء مجلس حقوق الإنسان بخروج مخلص قطب وترشيح صفوت الشريف اللواء نشأت الهلالى أعلنوا استياءهم رغم ما يقال عنه إنه رجل فاضل، إلا أنه ضابط شرطة فى النهاية.. فهل يمكن فى وجوده مناقشة ملف مثل التعذيب فى السجون؟! فعلى الأقل من ناحية الشكل لا يصح أن يكون أمين عام مجلس حقوق الإنسان ضابط شرطة، وللأمانة استجاب صفوت الشريف لمطالب هؤلاء بأن يكون من يشغل هذا المنصب سفيراً سابقاً غير بعيد عن ملف حقوق الإنسان، ويتحدث عدداً من اللغات الأجنبية لتعامل المجلس مع المؤسسات الدولية، فكان اختيار السفير محمود كارم سفير مصر السابق فى بروكسل.

■ هل لك أن تذكر لى من اعترض بالضبط من داخل المجلس على ترشيح اللواء الهلالى؟

- مصطفى الفقى، أسامة الغزالى حرب، حسام بدراوى، وجورجيت قللينى.

■ بمعرفتك بالتقرير الذى قدمه المجلس القومى لحقوق الإنسان لآلية الاستعراض الدورى الشامل فى جنيف، هل ناقش الدكتور شهاب كل ما جاء فيه بصراحة وموضوعية؟

- شهاب وافق على عدد من الملاحظات التى تخص الحقوق الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، ورفض كل ما يخص السياسة العامة وتحفظ عليها تماماً بدعوى أنها تتنافى مع الثقافة والعرف والدين فى مصر.

■ ما هى بالضبط البنود التى رفضها دكتور مفيد نيابةً عن النظام؟

- كل الملاحظات الخاصة بالمطالبة بتعديل الدستور والخاصة بتقييد المحاكم العسكرية والاستثنائية والمطالبة بأن يحاكم المتهم أمام قاضيه الطبيعى، أما بالنسبة لإلغاء حالة الطوارئ فوعد بإنهائها فور صدور قانون مكافحة الإرهاب، وإن كنا نعترض على عدم خضوع الإجراءات التى سينص عليها قانون مكافحة الإرهاب للرقابة القضائية، كما رفض الملاحظات الخاصة بمراجعة قوانين العقوبات والتقليل من أعداد الحالات التى يحكم فيها بالإعدام، كما أنه قال بشأن قانون بناء دور العبادة الموحد بأنه قيد البحث.

■ بعد رفض كل هذه البنود، ما موقف مجلس حقوق الإنسان؟

- سنستمر فى المطالبة بنفس هذه المطالب التى رفضتها الحكومة، والأمر لم ينته بعد، فلنا جولة أخرى فى يونيو المقبل.

■ قلت إنه قبل بملاحظات الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فماذا كان رده عليها؟

- اعترف مفيد شهاب نيابة عن النظام بأن المجتمع يواجه انتشار البطالة وبنية أساسية متهالكة وخدمات عامة سيئة، وتوزيعاً غير متكافئ للدخل، وازدياداً لنسبة الفقر، وقال: نحن مقدرون لضرورة بذل مزيد من الجهد ولكن الموارد الاقتصادية ضعيفة.

■ وماذا كان موقف مؤتمر جنيف لحقوق الإنسان (آلية الاستعراض الدورى الشامل)، هل تعتقد أن دفاع الدكتور مفيد شهاب كممثل عن النظام أقنع الرأى العام العالمى؟

- على ما يبدو أنهم اقتنعوا بالفعل، والدليل عدم إدانتهم مصر فيما يخص هذا الملف، فعندما يذهب الرجل ويعترف بمثل هذه الأمور، فى رأيك ماذا سيكون رد الفعل؟

■ هل تعتقد أن الجهات الأجنبية خففت الضغط على مصر فى ملف حقوق الإنسان عما كان فى السابق؟

- كل الدول تعانى ظروفاً اقتصادية سيئة جراء الأزمة المالية العالمية، مما يترتب عليه توتر اجتماعى فى بعض الدول لذا يتحول منظورها إلى الأمن لحفظ السلام الاجتماعى، ولنقل إن الأزمة المالية العالمية خدمت بعض الدول وقللت من صعوبة اجتياز امتحان المراجعة الدورية الدولية لملفات حقوق الإنسان.

■ ما ردك على كل ما جاء فى خطاب مفيد شهاب فى جنيف، الذى أكد فيه بعض الحقوق التى يحظى بها الشعب المصرى، ولنبدأ بما قاله عن تأكيد سيادة الشعب وحده فى الدستور المصرى؟

- سيادة الشعب تتم من خلال انتخابات نزيهة والمجلس يطالب بتعديل النظام الانتخابى الحالى والرقابة الأهلية على الانتخابات لضمانة نزاهتها.. أما السيادة الحالية الناتجة عن الانتخابات المشكوك فى نزاهتها فهى تعبر عن رأى من يديرها وليس رأى الناخب.

■ والتأكيد على المساواة بين المواطنين؟

- الواقع غير ذلك فهناك تمييز وتهميش ضد الفئات الضعيفة فى المجتمع.

■ التأكيد على حرية الرأى وحرية الصحافة؟

- أرى أن كلتيهما مكفولة فى مصر.

■ التأكيد على وجود الحريات الدينية؟

- منصوص عليها فى القوانين وغير معمول بها فى الواقع ومثال ذلك (البهائيين).

■ التأكيد على حق الانتخاب والترشح؟

- أرجو ممن قال ذلك أن يقرأ المادة ٧٦ من الدستور جيداً.

■ التأكيد على بذل الجهد لمراعاة حقوق الإنسان فى المجالات الثقافية والاقتصاية والاجتماعية؟

- كل ذلك منصوص عليه فى الدستور والقوانين، إنما المجتمع يواجه مشاكل واضحة فى التعليم وتوفير مياه الشرب والصرف الصحى وغير ذلك من الخدمات العامة.

■ التأكيد على أنه تم بناء ١٣٨ كنيسة فى عام ٢٠٠٥؟

- إحصائياً لا أستطيع التعامل مع رقم مطلق فى عام واحد، وربما كان صحيحاً، ولكنه ربما يكون خاصاً بطلبات مر عليها ٢٠ عاماً..والدليل هو عدد الشكاوى التى لا حصر عليها التى يتلقاها مكتب الشكاوى فى المجلس، كما أننى أدعوك لسؤال الدكتورة ليلى تكلا التى تجرى منذ ٢٢ سنة فى محاولة للحصول على موافقة لبناء كنيسة فى المعمورة بالإسكندرية، ولم تفلح حتى الآن.

■ اختر من بين الآتى.. فشل مصر فى معركة اليونسكو سببه: فشل النظام المصرى وصورته الذهنية، أم فشل فى إدارة الحملة، أم شخص فاروق حسنى؟

- للأسف الثلاثة معاً كانت سبب الفشل، فمصر تُنتقد فى الخارج لعدم احترامها حقوق الإنسان وغياب الديمقراطية والشفافية، كما أن اختيار فريق إدارة الحملة لم يكن موفقاً بالإضافة لشخص فاروق حسنى وأخطائه فيما يخص تصريحاته الخاصة بالكتب اليهودية، كلها عوامل أدت إلى الفشل الذريع.

■ هل لو كان قد تم تغيير المرشح لربما فازت مصر بالمنصب؟

- بالقطع نعم.

■ من فى رأيك؟

- الدكتور إسماعيل سراج الدين.

■ ولكنه خاض المعركة من قبل وفشل؟

- ليس لعيب فى شخصه إنما لأنه لم يكن مرشح بلده، وإنما مرشح بعض الدول العربية.

■ هل هناك منافسة بينك وبين فؤاد بدراوى والسيد البدوى على خلافة محمود أباظة بعد إعلانه مؤخراً عدم ترشيح نفسه لدورة جديدة؟

- أعتقد أننا سنتمسك بمحمود أباظة.

■ وماذا لو أصر على رأيه هل سترشح نفسك لرئاسة حزب الوفد؟

- لا.. لألف سبب أهمها أنه فى ظل هذا المناخ الطائفى لا أعتقد أنى سأنجح.

■ حتى فى حزب الوفد؟

- حتى فى حزب الوفد.

■ هل سترشح نفسك فى انتخابات مجلس الشعب المقبلة؟

- لم أحسم الأمر بعد.

■ كنت نائبا فى مجلس الشعب خلال دورة «٢٠٠٠-٢٠٠٥» فهل يمكن أن تروى شهادتك عن ما تم نشره من نماذج الفساد بين بعض أعضاء المجلس؟

- فلنقل إنه فساد بعض أعضاء مجلس الشعب.. ويأتى على رأس مظاهر الفساد الصراع الشديد على تملك الأراضى سواء كانت أراضى الدولة أو أراضى وضع اليد، فالبعض حريص على الحصول على تأشيرة وزير بتخصيص أرض والسعى وراء التسهيلات للحصول على أرض أياً كانت الطرق..

كذلك فإن عدم تنفيذ القانون والدستور فى الفصل بين عضوية مجلس الشعب والعمل التنفيذى نوع من الفساد.. عدم تنفيذ القانون والدستور ولائحة المجلس فى عدم تدخل عضو مجلس الشعب فى التعامل التجارى مع الدولة مظهر من مظاهر الفساد.. ومحاولة تحليل ذلك بالتفريق بين الشخص الطبيعى والمعنوى على اعتبار أن الشخص الطبيعى هو الممنوع،

لكن الشخص المعنوى، أى الشركة التى يمتلكها عضو مجلس الشعب بنسبة ٩٩% ليس ممنوعاً، فى محاولة لإيجاد ثغرات فى القانون لتحقيق التربح، وكل ذلك شكل من أشكال الفساد.. إضافة إلى الفساد الذى يظهر من حين إلى آخر بين سلوكيات بعض أعضاء مجلس الشعب ومخالفة القانون والتربح من قرارات العلاج على نفقة الدولة إلى آخره.

غداً حلقة ساخنة جداً

منير فخرى يرجو البابا شنودة عدم التدخل فى السياسة، ويكشف دور زكريا عزمى فى عودة وفاء قسطنطين

-------------
الحلقة الثانية
------------
منير فخرى عبدالنور سكرتير عام حزب الوفد يواصل حواره مع «المصرى اليوم» (٢-٢):
أحب البابا شنودة وأصلى خلفه.. ولكن أرجوه ألاّ يتدخل فى السياسة
---------------------------


على مسؤولية منير فخرى عبدالنور، هناك وزير للتربية والتعليم أراد أن ينقى الكتب المدرسية من التمييز ضد الأقباط، فرفضت الإدارات التعليمية إرادته وواجه رفضاً ومماطلة من واضعى المناهج وكأن هناك مافيا متطرفة أكبر وأقوى من الوزير نفسه.

وطبقا لما قاله عبدالنور فى هذا الحوار فإن البابا شنودة بكل ما له من مكانة لدى المصر+يين تدخل فى أزمة وفاء قسطنطين وربط عودته إلى الكاتدرائية وحضور أعياد المسيحيين وإنهاء اعتكافه، بعودة وفاء قسطنطين،

وكأنه يقول: إما أن تتحرك القوى السياسية جميعاً وتجد وفاء وتسلمها إلى الكنيسة وإلا فلن أحضر العيد، بكل مايحمله ذلك من خطورة، حتى تدخل الدكتور زكريا عزمى واحتوى الأزمة.

منير فخرى عبدالنور سكرتير عام حزب الوفد وأحد السياسيين الأقباط الذين يتميزون بالحكمة والتروى، يؤمن بالليبرالية والدولة المدنية وفصل الدين عن السياسة.. ولكنها المرة الأولى التى يتحدث فيها بهذه الجرأة عن تدخل الكنيسة فى السياسة، وإدارة النظام لملف التوتر الطائفى.

■ قُلتَ إن المواءمات الأمنية والسياسية هى سبب التوتر الطائفى فى مصر فماذا كنت تقصد؟

- أقصد المنهج الذى يتبعه نظام الحكم منذ عدة عقود والقائم على المواءمة والتوازنات خاصة لأسباب أمنية وسياسية، مما أدى أحياناً إلى تجاهل المشاكل وعدم التصدى لها أحياناً أخرى، وإلى عدم تنفيذ القانون وإيقاع الجزاء الرادع على المخطئ فتفاقمت المشكلات، ومن أمثلة المواءمات السياسية جلسات الصلح التى أعتبرها «ضحكا على الذقون» وأنا أرى أن عقد هذه الجلسات ما هو إلا محاولة للهرب من تنفيذ القانون.. والأجدى بالطبع هو تطبيق القانون على المخطئ أيا كان.

■ أى قانون تقصد؟

- قانون ازدراء الأديان، من يرتكب هذه الجريمة عليه أن يعقاب أياً كان دينه، وكل القوانين غير المفعلة والخاصة بالحماية من التمييز، فيجب تفعيل النصوص الخاصة بالتمييز فى قوانين العقوبات، وتفعيل قانون الرقابة على المصنفات لمنع توزيع الكتب والأشرطة التى تتضمن خطباً تهاجم الأديان وهكذا.

■ وماذا عن المواءمات الأمنية؟

- مثلا طلب بناء الكنائس، كلما قدم طلب ببناء كنيسة، رأى الأمن أن بناءها سيغضب البعض فيفضل الرفض تجنبا للمشاكل.. هذا الموقف خاطئ لأنه إما أن للمسيحيين حقاً فى بناء هذه الكنيسة فى هذا المكان، أو لا، والمسألة لابد أن تحكمها ضوابط واضحة للقبول أو الرفض.. من واجب الدولة تنفيذ القانون ولكنها للأسف لا تفرض سلطان القانون ولا تؤكد سيادته على الأقل فيما يخص هذه القضية.

■ وهل يوجد قانون لبناء الكنائس؟

- هناك ما يسمى الخط الهمايونى، وشروطه العشرة المعروفة بشروط العزبى بك لبناء الكنائس وترميمها.

■ لكنها موضوعة منذ عام ١٩٣٢؟

- طبعا ليس منطقيا أن أكون فى عام ٢٠١٠ وأطبق قانوناً منذ عام١٩٣٢ ، ورغم قدمه وعدم مواكبته للعصر إلا أنه أيضا لا يطبق، ولذلك فالمطلوب إصدار قانون جديد عصرى ينظم عملية بناء دور العبادة، ويأخذ فى الاعتبار ثقافة العصر وقيم حقوق الانسان، وحكم الدستور الذى يتيح حرية إقامة الشعائر الدينية.

■ إذا كانت الحكومة لا تطبق القانون فى بناء الكنائس فعلى أى أساس يتخذ مثل هذا القرار؟

- يقدم الطلب رسميا أولا ببناء الكنيسة ثم يتم الاعتماد بعد ذلك على التوصيات وعلى من يستطيع الوصول إلى المسؤولين والى الرئيس للحصول على الموافقة.. هكذا يتم التصريح ببناء الكنائس فى أغلب الأحيان.

■ تعنى أن الكنائس تبنى بـ«الواسطة»؟

- نعم الواسطة وراء كل كنيسة مبنية حديثا.

■ هل حدث أن توسطت شخصياً فى بناء كنيسة؟

- نعم توسطت عدة مرات، مرة لمطرانية فى أسوان، وقد ساعدنى الدكتور أسامة الباز فى الحصول على الموافقة، ومرة ثانية لبناء كنيسة فى البحيرة.. ولكن مثلا فى مرة ثالثة قمت بمحاولات لا حصر لها لإعادة فتح كنيسة فى جرجا -بلدى- وتحديدا فى قرية «نجع القصرية» حيث كانت قد أُغلقت بعد مقتل الرئيس السادات وأحداث أسيوط، وحاولت جاهدا من خلال الأجهزة الأمنية وفشلت فشلا ذريعا ومازالت مغلقة حتى الآن وكانت مبرراتهم أنها منطقة «قلق» رغم أن هذه القرية تبعد عن أقرب كنيسة بـ١٠ كيلومترات وهو ما يعد معاناة للمسيحيين فى هذه المنطقة.

■ قال لى المستشار محمد الدكرورى فى حوار سابق معه إنه لا يوجد مشروع قانون «لبناء دور العبادة الموحد» أصلا، مشيرا إلى أن عدد الكنائس الموجودة يكفى ويزيد؟

- مع احترامى للمستشار الدكرورى لكن مسألة عدد الكنائس خارجة عن اختصاصه، فليس هو من يقرر العدد الكافى، وإذا قال إنه لا يوجد مشروع قانون بهذا الاسم، أرد عليه بأنه يوجد مشروعان قدمهما مجلس حقوق الإنسان من خلال أعضائه الموجودين فى مجلس الشعب، منهم النائبة جورجيت قللينى، والمشروع الثانى قدمه نائب شبرا ورئيس لجنة الاقتراحات والشكاوى فى مجلس الشعب. المشروعان موجودان ولكن عليهما اعتراضات.

■ ممن؟

- تردد منير فخرى عبدالنور قليلا ثم قال: ذكر لى الدكتور مصطفى الفقى أن للبعض اعتراضات قانونية وهناك آخرون يرون عدم ملاءمة إصدار هذا القانون فى الوقت الراهن.

■ هل تتفق مع الأنبا بسنتى فيما قاله بأن حل التوتر الطائفى يكمن فى الموافقة على مشروع قانون دور العبادة الموحد؟

- لا.. لن يحل ذلك المشكلة.. هو جزء من الحل، ولكن الأنبا بسنتى رجل دين فطبيعى أن يربط الحل ببناء الكنائس، وأعتقد أن الحل ليس سهلا لأن المسألة أصبحت لها علاقة بالثقافة التى تأتى من المدارس والإعلام وأصبحت مرتبطة بغياب الديمقراطية.

■ وكيف أدى غياب الديمقراطية إلى التوتر الطائفى فى مصر؟

- عندما قامت ثورة ١٩٥٢ لم يكن ضمن قيادتها قبطى واحد، فلجأ النظام إلى المؤسسة الدينية لكى يكون على اتصال بالأقباط فى البداية من خلال الوزير التكنوقراطى القبطى مثل كمال رمزى ستينو أو كمال أبادير أو إبراهيم نجيب، ثم بعد ذلك بالاتصال المباشر، فعلى سبيل المثال كان هناك اجتماع دورى بين السيد سامى شرف والأنبا صموئيل، كما كان للأستاذ محمد حسنين هيكل إسهامات فى الاتصال بين الكنيسة والنظام، فمن خلاله مثلا قامت الدولة بالتبرع بمبلغ ١٥٠ ألف جنيه وكان مبلغا كبيرا فى بداية الستينيات لبناء كاتدرائية العباسية.

ومع قتل الديمقراطية غابت الزعامات المدنية القبطية فاضطرت الكنيسة إلى ملء الفراغ وأصبح هناك «رأى قبطى» فى حين إنه فى الماضى لم يكن هناك شىء يعرف بالموقف القبطى إنما كانت للزعامات المدنية القبطية مواقف مختلفة وفقاً لانتماءاتها السياسية والحزبية والأيديولوجية، فإن راجعنا التاريخ الحديث سنرى أن منهم من وقف مع عرابى فى ثورته ومنهم من عارضه، ومنهم من شارك سعد زغلول فى ثورة ١٩١٩ ومنهم من تحالف مع الإنجليز، ومنهم من كان عضواً فى لجنة الدستور ومنهم من أطلق عليها «لجنة الأشقياء»، وداخل لجنة الدستور منهم من طالب بالتمثيل النسبى للأقباط ومنهم من عارضه، ثم منهم من أيدَّ إسماعيل صدقى، ومنهم من وقف مع النحاس، وحين انفصل مكرم عبيد عن الوفد هناك من الأقباط من خرج معه ومنهم من ساند النحاس بل ورد عليه بإصدار «الكتاب الأبيض». لكن مع ظهور الرأى القبطى كان من الطبيعى أن يقابله رأى مضاد ومع خلط الأوراق والمفاهيم انقسم المجتمع وتاهت فكرة الوطن.

■ وكيف ساهم الإعلام فى الشحن الطائفى؟

- فى مرحلة من المراحل تم إعطاء مساحات هائلة للبرامج الدينية والخطاب الدينى الإسلامى الذى امتلأ بالهجوم على الديانة المسيحية بشكل متكرر، وحتى تحدث مواءمة فى مرحلة لاحقة سمحوا لقنوات فضائية مسيحية بالبث، وهذه جريمة فى حق الوطن أن تكون هناك قنوات للدين الإسلامى وأخرى للدين المسيحى وكأنها حرب فضائية يتبارون فى تشويه كل منهما للآخر والتحريض المتبادل، وأعتقد أن هناك ثلاث مناطق يجب ألا يلعب أحد فيها فيما يخص الوحدة الوطنية، المدرسة والجيش والإعلام، فالتقليل من قيم المواطنة فى هذه المناطق الثلاث خطير جدا..

فأبناء هذا الوطن على قدم المساواة فى المدارس نتعلم نفس العلوم بنفس الطريقة ولا يجب استغلال المدارس فى بث أفكار تدمر المجتمع، وفى الجيش نحن نحارب سويا المسلم والمسيحى حفاظا على هذا الوطن الذى هو وطننا جميعا وعلى قدم المساواة، وفى الإعلام خاصة إعلام الدولة يجب أن يعامل الجميع بلا تفرقة.. ولو حدثت تفرقة فى هذه المناطق الثلاث فتأكدى أنه لن يوجد وطن لا للمسلم ولا للمسيحى.

■ والحل؟

- الحل واضح، بالنسبة لإعلام الدولة يجب أن تكون رسالة الوطن الجامع والحامى لجميع أبنائه رسالة واضحة تعلى قيم المواطنة والمساواة، أما بالنسبة للإعلام الخاص وأعنى الفضائيات فلا أعرف كيف تحل.. «ما خلاص اتعكت»، فقد تم للأسف تديين الإعلام، وعلى المسؤولين الجلوس للتفكير فى حل.. هل سيتم سحب الرخص من القنوات أو فرض رقابة ما! لا أعرف بالضبط.

■ يتهم البعض، وأنت منهم، التعليم بأنه يكرس للفتنة فما هى أدلتك ومن أى منطلق تأتى ثقتك فى توجيه هذا الاتهام، ولا تجبنى بعموميات أرجوك؟

- سأسرد لك وقائع رويت لى من أصحاب الشأن طالما أنكِ لن تقبلى بالعموميات، ففى مجلس حقوق الإنسان قامت إحدى العضوات المشهود لها بالكفاءة وهى الدكتورة زينب رضوان- وهى أيضا وكيلة مجلس الشعب حاليا- بعمل دراسة ومراجعة لبعض المناهج التعليمية لمعرفة مدى مطابقتها لقيم حقوق الإنسان فتوصلت إلى أن هذه المناهج فى جميع مراحلها من ابتدائى حتى الجامعة تقوم بالتمييز ضد ثلاث فئات.. تميز ضد كل ما هو أسود، تميز ضد المرأة، وتميز ضد كل من هو ليس مسلماً.

والأخطر أنها وجدت فى الكتب المدرسية الرسمية للوزارة ثلاث صفحات كاملة منقولة نصاً من كتاب سيد قطب «معالم على الطريق» وهذا ليس مجرد كتاب عادى إنما من الكتب التى تعد أساس فكر الجماعات التكفيرية.. كما أخبرنى الدكتور حسين كامل بهاء الدين، وزير التعليم الأسبق، أنه حاول جاهداً تنقية المناهج التعليمية مما تخللها من أفكار تكرس التمييز لكنه ووجه بمقاومة شديدة حتى فشل مسعاه.

■ مقاومة ممن؟

- من المدرسين والمديرين ووكلاء الوزارة وواضعى المناهج.

■ ولكنه الوزير؟

- الوزير لن يراجع كل صفحة فى الكتب، إضافة إلى أن الأزمة ليست فى المناهج فقط إنما فى طريقة شرح المنهج وهذا لا يستطيع الوزير التحكم فيه.
وقد أخبرنى بهاء الدين أيضا أن عدداً كبيرا من كتب الوزارة لا يُدَرّس فى حين يتم تدريس الكتب البديلة الخارجية، إضافة إلى إغفال تحية العلم.. إلى آخره من ممارسات تهدد مستقبل التعليم الذى هو أساس الوطن.. وأنا أعتقد أن هذا مخطط واضح وصريح فهناك من يستهدف السيطرة على الجهاز التعليمى باستهداف كليات المعلمين نفسها للسيطرة عليها وعلى أفكار طلبتها لإغراق المدارس بهم وتربية أجيال تسير على نفس هذا النهج.

■ هل تقصد الإخوان المسلمين؟

- أقصد التيارات المتطرفة بشكل عام، بل إن هناك مؤسسات لا تعين أقباطا أو تحدد نسبة ضئيلة لا يمكن تجاوزها، وعموما هذا التمييز الموجود فى الاعلام وفى التعليم أدى إلى أن رفض بعض المواطنين والأسر على المستوى الشعبى التعامل بأى شكل مع الأقباط، كما أن هناك أطفالا وتلاميذ فى مدارس يرفضون اللعب مع زملائهم لأنهم مسيحيون، وشركات لا تعين إلا المسلمين فقط، ولأن لكل فعل رد فعل مضاد تجدين للأسف نفس الشيء يحدث من الطرف الآخر، وكل ذلك نتيجة لمناخ طائفى ساد بسبب انتشار ثقافة فرقت بين المصرى وأخيه المصرى.

■ دائما ما يتردد أن الحكومة تخون المسيحيين لذا لا تأتى بهم فى بعض المناصب الحساسة .. هل الحكومة نفسها متطرفة وليس بعض طوائف الشعب فقط؟

- للرد على هذا السؤال سأرصد مجموعة من الأمثلة: أولا توجهات الرئيس مبارك نفسه وأنا لمستها شخصيا وخبرتها بطريق مباشر وغير مباشر.. الرجل شعوره طيب للغاية تجاه المسيحيين.

■ وماذا عمن هم حوله؟

- تعاملت مع الدكتور أسامة الباز حين كان قريبا من مؤسسة الرئاسة وهو رجل منفتح ومؤمن بالمواطنة ومواقفه كلها تؤكد ذلك، كذلك تعاملت فى قضايا حساسة جدا مع الدكتور زكريا عزمى والرجل تدخل بشكل رائع وحل العديد من المشكلات.

■ هل لى أن أعرف فى أى موضوعات تدخل الدكتور زكريا؟

- لا، أرجو أن تعفينى، المهم أن الرجل كان متعاونا.

■ ما تراه أنت تعاونا قد لا يراه آخرون كذلك ثم إن لنا الحق فى معرفة كيف يتعامل رجال الرئيس مع أزمات الوطن؟

- وبعد محاولات مضنية مع الأستاذ منير ذكر الآتي: أيام أزمة وفاء قسطنطين كنت عائدا ليلاً من وادى النطرون بعد مقابلة البابا شنودة وقد فشلت فى إقناعه بالعودة إلى القاهرة بعد أن قرر الاعتكاف ورفض العودة إلا بعد عودة وفاء قسطنطين، وكنا على مشارف عيد واعتكاف البابا وعدم عودته كان سيتسبب فى أزمة أكبر، فاتصلت بالدكتور زكريا عزمى الذى تدخل ولم يهدأ له بال إلا بعد أن أجرى اتصالاته وتأكد من وجودها فى إحدى مديريات الأمن وأمر بتسليمها للبابا شنودة فى دير وادى النطرون.

موضوع آخر حدث عام ٢٠٠٣ عندما كنت عضوا فى مجلس الشعب وتكلمت مع الدكتور مصطفى الفقى والدكتور يوسف بطرس غالى وكمال الشاذلى وطلبت أن يكون ٧ يناير إجازة رسمية، فنصحونى بأن أتحدث مع الدكتور زكريا عزمى فى الامر وفعلت فقال لى دعنى أر، وهو ما يعنى أنه سيفكر فى الموضوع.. بعدها بيومين تقريبا سألنى دكتور زكريا سؤالين شعرت حينها أنه مهتم ويتابعه، وفعلا بعدها بأسبوعين فى خطاب الرئيس يوم٢٣ ديسمبر من نفس العام بمناسبة عيد النصر أعلن يوم ٧ يناير إجازة رسمية للبلاد.

■ إذا كان الرئيس ومن حوله شعورهم طيب فأين هى الأزمة إذن؟

- الأزمة على المستوى الأقل، فهناك مناصب من الصعوبة أن يتقلدها قبطى، مثل جهاز أمن الدولة، وبعض المناصب الحساسة الأخرى وبعض الأجهزة الرقابية، كذلك هل يعقل ألا يكون بين عمداء الكليات من هو مسيحى، كما أن هناك مؤسسات لا يقبل موظفوها أن يكون رئيسها مسيحياً والحكومة تفتقد الجرأة للوقوف أمام هذا التيار.

■ بعد أن تعددت الأسباب وتشابكت هل من مخرج واضح للخروج من نفق التوتر الطائفى؟

- الحل ليس سهلا ولن يتم بين يوم وليلة والمسألة تحتاج إلى تضافر الجهود ففى استطاعة كل واحد منا أن يساهم فى حل المشكلة من خلال سلوكياته وتصرفاته وتعاملاته مع إخوته فى الوطن.
أما على المستوى السياسى فيجب البدء فورا فى بناء نظام ديمقراطى حقيقى قائم على الحرية والتعددية والمساواة بين كل المصريين ووضع نظام انتخابى يتيح تمثيل كل أطراف الجماعة الوطنية فى المجالس النيابية، وطرح مشروع عمل وطنى يتجمع المصريون حوله، وعلى المستوى التشريعى إصدار تشريعات تجرم التمييز بحيث تكون الكفاءة هى المعيار الوحيد لشغل الوظائف والمناصب، وإصدار تشريع لحل مشكلة بناء وترميم الكنائس وإعمال سيادة القانون وتنفيذ القوانين بحسم دون أى اعتبار للمواءمات والتوازنات السياسية.

كذلك رسم سياسة تعليمية واعية تبدأ بتنقية المناهج الدراسية مما تخللها من أفكار تكرس الطائفية، ورسم سياسة إعلامية مسؤولة تعزز قيم المساواة واحترام حقوق الإنسان، والنهوض بالنشاطين الشبابى والرياضى لإتاحة التلاحم بين أبناء الوطن الواحد فى سن مبكرة. أخيرا مراجعة الخطاب الدينى بحيث يركز على المشترك بين الأديان وعلى جوهر الرسالات السماوية.

■ لنترك ممارسات الحكومة وما فيها من أخطاء، ودعنى أنتقل إلى ممارسات الكنيسة.. البابا كيرلس الذى سبق البابا شنودة كان زعامة روحية فقط فى حين أن الأخير زعامة خلطت الدين بالسياسة فهل لديك تفسير لذلك؟

- بدا متجاهلا للسؤال قائلا: أنا من أنصار فصل الدين عن السياسة.

■ فأعدت عليه السؤال: ولماذا خلط البابا الدين بالسياسة ؟

- الظروف تغيرت تغيرا كبيرا بين عهدى الأنبا كيرلس ١٩٥٩ -١٩٧٠وقداسة البابا شنودة، فكما سبق أن ذكرت فقد أرغمت الكنيسة على اتخاذ مواقف والتعبير عن رأى.

■ وكيف أرغم البابا شنودة على لعب دور سياسى؟

- شخصية البابا شنودة مختلفة فهو رجل علم وثقافة ورجل له كاريزما، ولأن الظروف تغيرت بين عبدالناصر والسادات اضطر البابا شنودة إلى اتخاذ موقف واضح من سياسة الدولة المشجعة لتيار التطرف وهو ما أدى إلى الصدام مع الرئيس السادات فى النهاية.

■ لو افترضنا جدلا صحة ما تقول فلماذا استمر البابا فى لعب نفس الدور رغم محاربة الدولة لتيارات التطرف هذه؟

- وهل يستطيع أن ينسحب؟

■ بما أنك ضد خلط الدين بالسياسة إذن أنت ضد التصريحات التى فاجأ بها البابا شنودة الجميع بتأييده لترشيح جمال مبارك للرئاسة؟

- نعم.. ولكن أود التأكيد على حبى الشديد واحترامى للبابا شنودة فأنا أقدر مكانته وأصلى خلفه ولكن أرجوه ألا يتدخل فى الشأن السياسى.

■ لماذا؟

- لأنه فى هذه المنطقة لن نتفق فهو زعامة روحية ومقدسة ولا يجب أن نختلف معه.

■ لكنه ليس فقط رجل دين إنما هو مثقف وشاعر وصاحب وجهة نظر ومن حقه التعبير عن رأيه حتى ولو اختلفت معه؟

- أقدر كل ذلك ولكن رأيه هذا سيجر معه ملايين الأقباط.
■ الأنبا بسنتى قال لى إنه الرأى الخاص للبابا ولا يعبر عن رأى الأقباط؟

- لا يمكن أن نفرق بين المواطن والبابا ولا يمكن الفصل بين قدسية الزعامة الدينية للبابا وآرائه السياسية كمواطن.

■ هل تعتقد بأنه سيأخذ معه ملايين الأقباط دون تفكير منهم لمجرد قدسية البابا لديهم؟

- نعم مؤكد فيما عدا القليل سيشذون عن الأمر.

■ وهل أنت من هذا القليل؟

- فى هذا الموضوع أنا منهم، ولكن لى سبب آخر لرفضى هو أن البابا بهذه الطريقة يفتح الباب أمام آخرين للخلط بين الدين والسياسة، وأعتقد أن قوله سأنتخب الحزب الفلانى أو الشخص الفلانى وتدخله فى مثل هذا الشأن خطير جدا.

■ كثيراً ما كان البابا يواجه اتهامات بأنه يخلط الدين بالسياسة ولكنها المرة الأولى التى يلعب فيها سياسة بهذا الوضوح العلنى، فلماذا؟

- نعم، أنا معك ولكن هذا السؤال يوجه له.. وأعتقد أن النظام أرغم الكنيسة على لعب دور سياسى لملء الفراغ الناتج عن غياب الديمقراطية وعن غياب الشخصيات المدنية القبطية.

------
نشرت في المصري اليوم بتاريخ 2 و3 مارس 2010
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=245823
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=245895

المتابعون