جوروجيت قليني


: صرخت فى مجلس الشعب أثناء تعديل «قانون التجارة» يانهار اسود.. فقال سرور: هى الست دى مجنونة؟!
--------------------------------------------------------
حوار رانيا بدوى -المصري اليوم- ١٣/ ٧/ ٢٠١٠
---------------------------------------------------------

«القانون ودولته» تلك هى أزمة مصر، فبعض القوانين لا تلبى احتياجات الجماهير، وإن لبت لا تفعَّل، وإن فُعلت لا تنفذ من قبل وزارة الداخلية.

وبعيدا عن كل أزمات القانون فى مصر، بدأت مع الدكتورة جورجيت قللينى، النائبة فى مجلس الشعب بالتعيين، وعضو المجلس القومى لحقوق الإنسان من النقطة الأولى، وهى كيف تصنع القوانين فى مصر؟ وكيف تصاغ التشريعات التى تحكم هذا البلد؟!

قالت: طلب أستاذنا محسن شفيق، وهو قامة قانونية فى القانون التجارى ليس فى مصر فقط وإنما على مستوى خبراء الأمم المتحدة، مقابلتى . وقال لى: «لم أذق طعم النوم منذ ١٥ يوما، وأنا أفكر فى هذه الجملة القانونية، فلو أننا وضعنا هذا الحرف فى بداية الجملة لأعطت الجملة معنى مختلفاً تماما، ولو أضفنا فاصلة لأشارت الجملة لمسألة أخرى».

وكنا ندرس وقتها مشروع قانون التجارة، ولكن قبل مناقشته فى مجلس الشعب كان الدكتور «محسن» توفى، وشاء القدر أن أحضر مناقشة القانون بعد أن ساهمت فى إعداده فى وزارة العدل، وصدمت مما أسمع . كيف يجرون التعديلات بهذه السرعة، وكلها تعديلات لها مردود رهيب، كنت أشعر أن هناك جريمة ترتكب فإجراء التعديلات بهذه الطريقة وبتلك السرعة وبلا دراسة يعد جريمة فى حق القانون، فخرجت عن كل التقاليد المعمول بها تحت القبة ووقفت أصرخ مع كل تعديل غير مدروس يقدمون عليه فى دقائق معدودة «يانهار اسود يا نهار اسود» حتى إن الدكتور فتحى سرور قال لأحد زملائى «هى الست اللى معاكم دى مجنونة؟!». وكلما تذكرت الموقف أضحك على نفسى، ولكنه كان رد فعل لاشعوريا تجاه ما يحدث فلو أن الدكتور محسن كان حيا بيننا، ورأى كيف تصاغ التعديلات لمات من الحسرة وليس من أى شىء آخر.

موقف لا يحتاج إلى أى تعليق، فهو خير دليل على صناعة التشريعات التى يفترض أنها تحكم البلد فهى مابين تشريعات غير مدروسة وبين قوانين غير مفعلة، لذلك كان لنا هذا الحوار مع الدكتورة جورجيت قللينى:

■ ما تقييمك لأداء الدورة البرلمانية المنصرمة؟

- أفضل الدورات البرلمانية التى شهدتها تعمل بجدية، هى دورة ٩٥/٢٠٠٠ أيام كمال الشاذلى، ولم أكن عضوة فى البرلمان. وقتها كنت أحضر جلسات مجلس الشعب باعتبارى خبيراً قانونياً بصحبة وزير العدل السابق المستشار فاروق سيف النصر، حيث كنت أجلس خلفه أكتب له الردود على أسئلة النواب وأعطيها له.

■ سؤالى بطريقة أخرى ما تحفظاتك على الدورة الحالية؟

- فى الماضى كانت توجد إدارة بوزارة العدل تسمى إدارة التشريع، تضم صفوة الصفوة من القضاة، بعضهم فى الخدمة وبعضهم على المعاش، وصفوة من أساتذة الجامعات، وكنت ضمن هذه اللجنة. كنا نظل ندرس مشروعات القوانين المقدمة من الحكومة والوزارات المختلفة لأشهر طويلة قبل إرسالها إلى البرلمان لتأخذ دورتها الطبيبعة.

■ لكن تم الاستعاضة عن ذلك بوزير للشؤون القانونية والمجالس النيابية؟

- مع احترامى الشديد للدكتور مفيد شهاب وزير الشؤون القانونية، إلا أننا وقتها لم نكن ندرس مشروعات القوانين بعين وزير محسوب فى النهاية على الحكومة، بل كانت اللجنة منتقاة ومستقلة تماما وتدرس مشروعات القوانين بعناية بالغة.

■ وهل هذا يعنى أن القوانين الآن تصدر متأثرة بفكر الحكومة ورغباتها؟

- بالتأكيد، لذا أطالب بأن يعاد عرض القوانين على إدارة التشريع بوزارة العدل مرة أخرى.

■ وماذا عن وجود رجال الأعمال فى الحكومة ومجلس الشعب وهل له تأثير فى صياغة القوانين؟

- زيادة رجال الأعمال كرؤساء لجان فى مجلس الشعب، وزيادة رجال الأعمال كنواب فى المجلس، لابد أن تجعلا الكفة تميل فى اتجاه مصالح رجال الأعمال، وأكبر مثال الضريبة الموحدة وقيمتها ٢٠% تطبق على الغلبان وعلى من يكسب ملايين فى الشهر، مع العلم بأن الموظف الذى يحصل مثلا على ٣٠٠٠ جنيه شهريا تخصم الضرائب من المنبع، فى حين أن من يكسب ٣ ملايين فى الشهر يتهرب من الضرائب، والدليل أنه طبقا للموازنة الأخيرة يوجد ٥٧ مليار جنيه ديوناً على كبار الممولين، وهذا يعنى أن رجال الأعمال استفادوا بنسبة الـ٢٠% و«كمان مبيدفعوش».

■ هل أنت ضد وجود رجال الأعمال فى الحكومة والبرلمان؟

- أنا ضد التزاوج بين رأس المال والسلطة، فرجل الأعمال تربى على منطق الربح والخسارة، والبعد الاجتماعى فى إدارة مؤسسة شىء وإدارة دولة شىء آخر.

■ ولكن حكومة رجال الأعمال حققت ٧% نمواً فى الأعوام الماضية و٤.٨% فى عز الأزمة العالمية؟

- أفرح بالـ٧% ومؤشر الفقر يزداد يوما بعد الآخر، وبالمناسبة عندما قالوا إنهم حققوا ٤.٨% فى وقت الأزمة قلت لهم: نفس الكراسة التى تدون هذا الرقم تشير إلى انخفاض مؤشر التنمية البشرية وارتفاع معدل الفقر، ولكن لم يرد علىّ أحد.

■ بدأت تلوح فى الأفق أنباء تشكك فى تعيينك مرة أخرى فى مجلس الشعب بعد مواقفك الشديدة التى تحرج الحزب الوطنى؟

- المستقبل بيد الله، وما الناس إلا مجرد وسيلة، وأنا لو خفت من أحد سيعد ذلك شركا بالله، أنا لا أقول إلا ما أنا مقتنعة به وما يرضى ضميرى.

■ لكنك نائبة على مبادئ الحزب الوطنى؟

- نعم، ولكن لست على تفسير الأشخاص لهذه المبادئ.

■ وهل مبادىء الحزب الوطنى أفضل من الممارسات؟

- المبادئ جيدة، ولكن هناك أفراداً ربما أختلف معهم فى تفسيرهم ووجهة نظرهم فى هذه المبادئ، لذا لا أتفق مع الأغلبية فى قضايا كثيرة .

■ لكن ألا تواجهين أزمات مع رؤسائك فى الحزب؟

- أيام كمال الشاذلى ذهب نائب وسأله: «اشمعنى جورجيت لا تراجعها فى مواقفها فيما تقول مثلما تفعل معنا»؟، فأجابه قائلا: «جورجيت سيدة لا تقول إلا ما تقتنع به ثم إنها ليست لها مآرب أو أغراض خفية»، ولا أذكر قط أن كمال الشاذلى بكل قوته أتى يوما وسألنى ماذا أقول، وذلك لأنه رجل سياسى فى المقام الأول، وكان يعرف جيدا «لمن يقول ماذا».

■ وهل الأمر يسرى على أحمد عز؟

- أحيانا يظهر لى أحمد عز استياءه، ولكنه لم يراجعنى فيما أقول، ولم يطلب منى التراجع عن مواقفى.

■ وماذا عن الدكتور فتحى سرور؟

- الدكتور فتحى لا يضعنى أبدا فى قائمة المتحدثين من الحزب الوطنى ولا يعطينى الكلمة إلا إذا طلبتها.

■ ألم يحدث بينك وبين الرئيس أى نقاش بشأن آرائك المختلفة عن رأى الأغلبية فى البرلمان؟

- ولا مرة اعترض الرئيس مبارك على ما أقول، بل بالعكس فى أحد اللقاءات حاول أحد الوزراء «شحن الرئيس ضدى لإحراجى الأغلبية تحت القبة فأجابه الرئيس: «دى ست جدعة وعارفة شغلها كويس»، ثم نظر إلىّ قائلا: إيه اللى إنتى عاملاه فى الحكومة ده كل ما أفتح التليفزيون ألاقيكى واقفة مبهدلة الحكومة».

■ ألم يلمك على موقفك المحرج للأغلبية بعد حادث نجع حمادى؟

- يكفى أن تعلمى أن الرئيس جدد لى فى المجلس القومى لحقوق الإنسان بعد حادثة نجع حمادى، ثم كيف أدافع عن الإخوان وأخاف عند الدفاع عن حقوق الأقباط.

■ وكيف دافعت عن الإخوان؟

- العام الماضى كان اثنان من الإخوان مطلوبين للسؤال فى النيابة، والإجراء الطبيعى أن يعطى المجلس الإذن بسماع الأقوال وإذا تطور الأمر ترفع الحصانة، ولكن فى هذه الحالة أرادوا رفع الحصانة مباشرة، فرفضت وقلت لهم: لنا سبع سنوات نعطى الإذن بسماع الأقوال، فلماذا هذان النائبان بالذات تريدون رفع الحصانة عنهما مباشرة، ولم يكن الإخوان يعلمون أن هذا رأيى وأننى أدليت به، وفوجئت فى اللجنة بهما يطلبان شهادتى، فقلت نفس الرأى.

■ نعلم جميعا بجرأتك، ولكن لماذا كنت حادة فى موضوع نجع حمادى إلى هذه الدرجة؟

- حادث نجع حمادى ليس أقوى شىء تحدثت فيه، هو فقط أكثر القضايا التى خرجت على السطح، فأنا أختلف مع نواب الحزب الوطنى كثيرا.

■ إذن بماذا تفسرين خروج هذا الخلاف إلى الإعلام بهذه القوة؟

- لأنهم لم يعطونى فرصة لأقول رأيى فى البرلمان، فالجميع كانوا يصرخون غير عابئين بما أقول، والدكتور فتحى سرور قال لى «لا تدعىّ البطولة» وكان من الواضح أنه يريدنى أن أصمت، وبما أننى لم آخذ حقى فى إبداء الرأى فى البرلمان لذا من حقى أن أبدى رأيى فى الإعلام ولو كانوا منحونى الفرصة لما خرجت للإعلام.

■ ماذا بعد نجع حمادى وهل اتخذت الحكومة أى خطوة لمنع تكرار ما حدث فى المستقبل أم أنها كسابقاتها من الأزمات «زوبعة أحدثت ضجة وسرعان ما تخمد ويتناسى الجميع كل شىء»؟

- توجد حركة بطيئة تجاه حل أزمات الأقباط، فعلى سبيل المثال رشحوا ثلاثة من الأقباط فى مجلس الشورى ونجحوا، ورغم عدم موافقتى على النسبة فثلاثة من مجمل ٩٢ عضواً تعد نسبة ضعيفة، لكننى أعتبره شعاع نور، كما أنهم يقولون إنهم سيرشحون عددا أكبر فى مجلس الشعب القادم، ولكن لا أعرف ما إذا كانوا سيصدقون أم لا.

وعموما لابد أن يعرف المسؤولون أن الإرهاب بخطورته والفقر بخطورته يتضاءلان أمام خطورة الفتنة الطائفية، البلد الذى يحدث فيه فتنة طائفية بين أطراف قاطنيه ينتهى، هكذا علمنا التاريخ والجغرافيا.

■ البعض يرى أن حل أزمات الأقباط يكمن فى صدور قانون دور العبادة الموحد؟

- أنا عن نفسى تقدمت بهذا القانون ٤ مرات وفى كل مرة أقدمه لا أعرف أين مصيره، فأنا أقدمه من هنا ويختفى من هنا وأثناء مناقشة قانون البناء الموحد طلبت من الدكتور فتحى سرور أنه على الأقل يتم وضع فقرة واحدة فى هذا القانون تخص البناء الموحد لدور العبادة لإنهاء الأزمة فنظر الدكتور فتحى للوزير أحمد المغربى، وقال له: «متخلصو لهم القانون يا جماعة»، فرد عليه «المغربى»: «جرى إيه يا ريس هو أنا اللى موقفه». ورغم أهمية هذا القانون وحله للعديد من الأزمات فإن أزمات الأقباط جزء من كل إذا حلت أزمات المصريين ستحل أزمات الأقباط.

■ وكيف تحل أزمات المصريين؟

- بتفعيل الدستور فأنا أندهش من الحركات السياسية التى تطالب ليل نهار بالتعديل الدستورى فالتفعيل يجب أن يسبق التعديل، فمثلا المادة ٨ تتحدث عن تكافؤ الفرص، ولو تم تفعيلها لن تكون هناك أزمة لدى الأقباط لأنهم سيحظون بفرص فى العمل وغيرها على أساس الكفاءة وليس الدين وستختفى أزمة مثل أزمة القضاة والمحامين، لأننا لو بحثنا فى جذورها سنجدها أزمة تكافؤ فرص، المادة المتعلقة بالمساواة، مساواة أمام القانون، وهو لا يتوافق مع كتابة «عائد» للمسيحى الذى أسلم ثم عاد إلى المسيحية ألست متساوياً فى الحقوق والواجبات فلماذا إذن تريد معرفة دينى؟

النصوص الخاصة بحرية العقيدة لو فعلت ستختفى أزمة البهائيين والمسيحيين العائدين والموجودة فى المادة ٤٦، وكذلك الحق فى العمل بأجر مناسب المنصوص عليه فى الدستور إذا فعلت ستختفى البطالة وستنتهى أزمة الأجور المتدنية التى يشكو منها المجتمع وكذلك الحق فى التعليم والعلاج والسكن، ولو كانت الحركات السياسية جادة لكانت أمسكت بتلابيب التفعيل أولا لكسب شعبية، أما أن يتحدثوا عن التعديل وقد رفعت جلسات مجلسى الشعب والشورى، إذن على من سيعرضون التعديل وهم لن يلتقوا إلا بعد الانتخابات القادمة.

■ ولكن البعض يرى أن النظام الحالى لن يفعل، والتعديل الهدف منه تحقيق الديمقراطية التى ستأتى بنظام يفعل الدستور ويحترمه؟

- أنا لست ضد التعديل ولكن بدأت الدعوة متأخرة فقد رفع المجلسان جلساتهما وأنا أقصد أنه على الأقل كانت الجمعية الوطنية للتغيير تقترح أفكاراً ورؤى للتفعيل وتعرضها للمناقشة والحوار وتحاول الضغط لتنفيذها وإن فشلت فيكفى أنها أطلعت الشعب على أفكارها ورؤاها.

■ ما رأيك فى الأزمة التى أثارها حكم المحكمة الإدارية العليا بالزواج الثانى للأقباط؟

- لا يعنى أن تكون الدولة دولة مدنية أن تدخل الجوامع والمساجد، فسويسرا وهى دولة مدنية، والتى اتخذت قراراً بمنع المآذن لم تتدخل فى الشأن الداخلى للعقيدة الإسلامية ومع ذلك انقلبت الدنيا، رغم أنها لم تتخذ قراراً يمس العقيدة الإسلامية. لبنان وإيطاليا فيهما جواز مدنى، ولكن لا أحد يستطيع إجبار الفاتيكان على تزويج اثنين بالمخالفة للعقيدة، فكيف لمصر أن تفعل ذلك؟

■ وما تعليقك على قرار المحكمة الدستورية بوقف التنفيذ؟

- طبعا أتفق معه، لأن ذلك كان رأى عدد من القانونيين- وأنا منهم- بعد اجتماعنا فى المجلس الملى وخلصنا للتقدم للمحكمة الدستورية بوقف التنفيذ لحين الفصل فى أى حكم واجب التنفيذ لمحكمة، خاصة أن لدينا حكمين متعارضين، الأخير الذى يقول إن البابا موظف عام، وحكم سابق لمحكمة الوايلى جنح مستأنف يقول إن البابا ليس «موظف عام» وإذا فصل فى الأمر لصالح الحكم الأول وجب تنفيذ حكم المحكمة الإدارية وإذا حكم لصالح أن البابا ليس «موظف عام» وقتها لن ينفذ الحكم، وقد أيدنا فى الرأى الدكتور يحيى الجمل وأعلن رأيه فى الصحف.

■ البعض يعتبر أن قرار المحكمة الدستورية خطوة لإخراج الدولة نفسها من هذا المأزق؟

- لا أستطيع التشكيك فى حياد واستقلال المحكمة الدستورية ورئيسها وإلا اعتبرت جريمة تقع تحت طائلة المادة ١٨٦ من قانون العقوبات.

■ وما رأيك فيما تردد بأن الدولة من البداية شاركت فى صدور هذا الحكم فيما يسمى «الأحكام السياسية» للتغطية على التزوير الذى حدث فى انتخابات مجلس الشورى؟

- أنا ضد هذا الطرح. أولا أنا أفترض استقلال القضاء، وثانيا لو أن هذه الفرضية صحيحة «يبقى الحكومة عملت زى بلدينا اللى رش على وشه مية النار علشان يخض مراته».

■ قيل إن الحكم صدر لحماية المسيحيين أنفسهم بدلا من أن يغير البعض طائفته من أجل الزواج الثانى؟

- أجابت منفعلة: «ما يغيروا هم أحرار». البشر أتباع ديانة لكن لا يصح أن نجعل الديانة تتبع الناس ورغباتهم.

■ رفض الكنيسة تنفيذ الحكم القضائى أعاد للذهن الاتهام المستمر للكنيسة بأنها دولة داخل الدولة؟

- لو كانت كذلك لاستطاعت تعديل اللائحة الخاصة بها التى تحاول تغييرها منذ عام ١٩٦٦، لو كانت دولة داخل الدولة لاستطاعت الإفراج عن القساوسة الموجودين بالسجون الذين صدرت ضدهم أحكام بالحبس، لو كانت دولة داخل الدولة لاستطاعت أن تجبر الدولة على الاعتراف بالمسيحيين الذين أسلموا ثم أرادوا العودة إلى المسيحية من جديد دون أن تكتب لهم فى البطاقة الشخصية «عائد» فى خانة الديانة.

■ قلت منذ لحظات أن هناك مواقف أقوى اتخذتيها ضد رأى الأغلبية لم يكن أقواها رأيك فى حادثة نجع حمادى فما هى؟

- ترددت الدكتورة جورجيت كثيراً فى الكشف عن هذه المواقف، ولكن بعد إصرار على السؤال أجابت قائلة : «عبارة السلام»، فقد قالوا لى إن جهة سيادية عليا تمنع الحديث فى هذا الأمر، وقالوا لى موضوع العبارة «خط أحمر» فوقفت فى المجلس أصرخ يعنى إيه «خط أحمر» ألف وثلاثمائة غريق وقتيل ضحايا وتقولون لنا «خط أحمر» لأ هتكلم، مفيش حاجة اسمها خط أحمر.

وكذلك فى أزمة الدويقة رفضت ما قاله الوزير المسؤول عن كون الحادث قضاء وقدراً، فقد كانت هناك تقارير وبيانات تحذيرية تؤكد انهيار الصخرة قبل حدوث الكارثة، ولم يأخذ أحد بها فلا يصح القول بعدها إنه حادث قضاء وقدر.

■ ما القوانين التى رفضتيها بشدة أثناء وجودك تحت القبة.. ولماذا؟

- قانون «التوريق» لأن هذا القانون كان يعد وجهاً آخر لشركات توظيف الأموال، فهو كان يطرح سندات للبيع بضمان العقارات وكان ينص على أن يسترد صاحب السند قيمة السند بما هو متاح، يعنى لو واحدة ذهبت لشراء سند بمكافأة زوجها يعطوها فوائد لمدة ٥ سنوات، ولو ذهبت تسترد قيمة السند من الممكن أن يقولوا لها المتاح ٣٠% من قيمة السند ويضيع عليها الباقى، فاعترضت على القانون بشدة وقلت لهم إنها عملية أشبه بتوظيف الأموال، إلا أن مدحت حسانين، وزير المالية السابق، ربت على كتفى بعدها قائلا: «متقلقيش يا دكتورة أنا ضبطت القانون فى حدود المتاح». لكنه طبعا لم يعدله تماما كما كنت أريد، ولكن أفضل حالا بكثير عن النص الأول.

والقانون الثانى الذى رفضته بشدة هو القانون الخاص بشركات المحاسبة، لكن الحمد لله أنه لم يخرج للنور، فقد كانوا يريدون إدخال شركات محاسبة أجنبية إلى السوق المصرية، مما سيعوق عمل المصريين من ناحية، وسيصبحون على اطلاع على الوضع الاقتصادى فى البلد بكل تفاصيله من ناحية أخرى، لذا رفضت وقلت لهم إن اتفاقية «الجات» تسمح لى بعدم تحرير بعض المهن، كما أن الشكل الذى كان سيخرج عليه القانون كانت به أمور غير منطقية مثل إعلان شركة المحاسبة شركة تجارية، وهو ما يمكن معه إعلان إشهار إفلاس لهذه الشركة، وهنا تساءلت كيف نعلن إفلاس محاسبين؟! شىء غير منطقى.

■ ملف الاتجار فى أراضى الدولة والاستيلاء عليها أصبح وصمة عار فى جبين الحزب الوطنى بعدما أقدم عليه وزراؤه ونوابه فما رأيك؟

- علمت أن نائباً فى مجلس الشعب اشترى أراضى ضخمة جدا مملوكة للدولة، وعندما علمت بحجم الأراضى التى اشتراها فى ظل وجوده فى المجلس انزعجت وتساءلت كيف ذلك والدستور يمنع، قالوا لى إنه اشتراها باسم شركته، وأنا أعلم أن الشركة لها صفة اعتبارية منفصلة، لذا تقدمت باقتراح إضافة فقرة للمادة ٩٥، وهى أنه يسرى الحظر الوارد على الزوجات والأولاد والشركات التى يملك فيها العضو نسبة أكثر من ١٠% من أسهمها بحيث يتم غلق المسألة تماما.

■ وماذا أسفرت هذه المحاولة؟

- لم يرفع الاقتراح من الأساس، وأثرت المسألة مرة أخرى فى مجلس حقوق الإنسان، إلا أنه لم يكن له أى صدى.

وأذكر موقفاً آخر حدث منذ حوالى ثلاث سنوات، حيث باع أحد الوزراء بنكاً مملوكاً له لبنك الإسكندرية فرفضت بشدة، فقالوا لى إنه مجرد مساهم فى البنك.. فقلت لهم ولكن إذا ربحت الصفقة ألن يكون الوزير المساهم رابحاً! ودون رأيى هذا أثناء مناقشة الأمر فى اللجنة الاقتصادية بمجلس الشعب.

■ والحل؟

- يجب أن يكون هناك قانون ينظم عملية تعامل الوزراء والنواب مع ممتلكات الدولة، ولكن يجب أن يكون له ظهير دستورى، فالدستور قال النواب ولم يقل الشركات التى يسهم فيها النواب، لذا يجب إضافة الفقرة التى اقترحتها حتى لا يتم الطعن على القانون بعد ذلك بعدم الدستورية.

■ ولكن حتى عقوبة التجريس هذه لا تأتى بنتيجة مع الحكومة؟

- لديك حق، وقد قلت ذلك للدكتور بطرس غالى من قبل، وطلبت منه التدخل ليكون للمجلس صلاحيات وفاعلية أكثر، فقال لى إن الصلاحيات المعطاة لنا هى نفسها المعطاة لمجالس حقوق الإنسان فى عدد من الدول الأجنبية فرددت عليه: نعم ولكن فى الخارج عندما يتم تجريس مسؤول يستقيل فورا، ولكن هنا فى مصر المسؤول بعد تجريسه يقول باللهجة الصعيدى وهو مبتسم «كمان».

■ لو لم تعينى الدورة القادمة هل ستخوضين الانتخابات؟

- لا، لأن النظام الانتخابى الحالى لايسمح، وأخشى أن تنزل أمامى امرأة لها عصبية أو لديها مال.

■ وأين دعم الحزب الوطنى؟

- الحزب لم يساندنى فى مواقف عديدة وهى مؤشرات تجعلنى أخشى النزول باسمه لأننى أشك فى دعمه لى.

■ أم أنك تخافين كونك قبطية؟

- لا على الإطلاق، الإخوان أنفسهم قالوا لى انزلى الانتخابات وهنساندك.

■ من من الإخوان؟

- النائب حمدى حسن.
----------------------------------------
نشر في المصري اليوم بتاريخ 13-7-2010

رسالة الدكتورة عائشة راتب إلى السيد الرئيس



بقلم د. حسن نافعة - المصري اليوم-١/ ٧/ ٢٠١٠
------------------------------------------
فى نهاية حوار مع الدكتورة عائشة راتب، نشرته صحيفة «المصرى اليوم» فى عددها الصادر أمس، وجهت لها رانيا بدوى سؤالا صاغته على النحو التالى: إذا أتيحت لك الفرصة لإرسال رسالة إلى الرئيس مبارك، فماذا تقولين له؟ وأجابت أستاذة القانون الدولى والوزيرة السابقة للشؤون الاجتماعية: «سأقول له إن شرم الشيخ ليست عاصمة مصر، وبقاءه هناك لفترات طويلة يجعل بينه وبين الشعب حاجزا كبيرا، إضافة إلى تكبيد الدولة مصاريف كثيرة الشعب أولى بها. فكل وزير يريد أن يقابل الرئيس يأخذ طيارة رايح وطيارة جاى، وكله من مال الشعب. وسأقول له إن مكانك بالقاهرة سيجعلك تشعر بالأزمة الطاحنة التى نعيشها لعلك تأمر بحلها».

أود بداية توجيه تحية حارة لأستاذتنا الفاضلة على حُسْن اختيارها لرسالتها، وهو اختيار يعكس شجاعة وجرأة اعتدناهما من شخصية عُرفت باعتزازها بنفسها، كما يعكس حسا وطنيا رفيعا ينم عن إدراك عميق للمسؤولية فى مرحلة لم يعد الصمت فيها ممكنا. فحين توجه شخصية عامة عُرفت برصانتها واعتدالها انتقادا مباشرا للرئيس بسبب بقائه لفترات طويلة بعيدا عن العاصمة، يتوجب علينا أن نتوقف مليا عند دلالاته. ورغم اتفاقى مع مضمونه وما يحمله من دلالات، إلا أننى أختلف بعض الشىء مع حيثياتها.

فقد بررت الدكتورة عائشة موقفها الرافض لابتعاد الرئيس عن العاصمة بما قد يسببه من عبء مالى لا مبرر له، ومن احتمال فقدان الرئيس حساسيته تجاه أزمات العاصمة وفى مقدمتها أزمة المرور. وبينما تبدو الحجة الأولى وجيهة، تبدو الحجة الثانية مبالغة فى مثاليتها لأن الرئيس لا يقابل فى طريقه أبدا إشارات مرور حمراء، ويتحرك فى شوارع خالية تماما حتى لو بقيت المدينة كلها محاصرة لساعات طويلة بسبب مرور موكبه. لذا يفضل القاهريون، خصوصا إذا ظلت العوامل الأخرى على حالها دون تغيير، بقاء الرئيس بعيدا عن عاصمتهم.

كنت أود لو أن الدكتورة عائشة ناقشت هذه القضية بالغة الأهمية من زوايا أخرى، كزاوية صلاحيات الرئيس أو حقه فى التصرف على هذا النحو. فمن حيث المبدأ لا يجوز للسلطة التنفيذية، ناهيك عن رأسها، أن تتخذ من غير عاصمة دولتها مقرا دائما أو شبه دائم لها إلا فى حالات الضرورة القصوى.

صحيح أن اكتظاظ بعض العواصم يدفع أحيانا بعض الدول إلى إنشاء «عواصم إدارية» بعيدا عن «العواصم السكنية»، لكن لم يحدث قط أن اتخذ رئيس دولة فى أى بلد فى العالم غير مصر من مدينة أخرى غير العاصمة، السكنية أو الإدارية، مقرا دائما أو شبه دائم له، فما بالك إذا كان المقر المختار منتجعا سياحيا!. والسؤال: هل توجد ضرورة صحية مثلا تستوجب هذا الأمر؟

وإذا كانت هناك ضرورة صحية، ألا توجد حلول أخرى لمعالجة الوضع الصحى للرئيس غير الإقامة فى منتجع سياحى؟ وما هى التكلفة الفعلية التى تتكبدها مصر بسبب ذلك؟ ولا أقصد هنا التكلفة المادية فقط، وهى عنصر مهم طبعا،

ولكن التكلفة السياسية التى قد تنجم عن تدهور صورة النظام المصرى، أو عن أعطال العمل التى قد تترتب على وجود الرئيس بعيدا عن العاصمة لفترات طويلة، أو عن اضطرار الرئيس إلى تفويض غير دستورى لبعض سلطاته وصلاحياته. بل أليس فى إقامة الرئيس شبه الدائمة فى منتجع سياحى استهانة بشعبه؟

تلك قضية تحتاج إلى نقاش عام، ولأن للدكتورة عائشة راتب فضل السبق فى إثارتها على هذا النحو، فهى تستحق منا جميعا أن نوجه لها الشكر.

عائشة راتب



وزيرة الشؤون الاجتماعية السابقة التى عارضت السادات وقدمت استقالتها
توجه رسائل إلى المسؤولين عبر «المصرى اليوم»:
عائشة راتب لـ «الرئيس مبارك»: «شرم الشيخ» ليست عاصمة مصر .. وبقاؤك فيها يضع «حاجزاً» بينك وبين الشعب
----------------------------------------------------------
حوار رانـيا بـدوى ٣٠/ ٦/ ٢٠١٠
---------------------------------------------------------

«كنت سفيرة مصر فى كوبنهاجن عندما طلبنى الرئيس السادات للحضور إلى مصر لمقابلته وقال لى: (أنا أرسلت لك يا دكتورة عائشة لأننى أعرف صراحتك المطلقة وأود أن أعرض عليك أمراً ما لمعرفة رأيك)، فأجبته: تفضل ياريس وسأجيبك بصراحة، فقال لى: (أفكر فى ترك رئاسة الجمهورية على أن أكون منظر الحزب الوطنى، أى فيلسوف النظام)، فقلت له إننى كنت بالأمس ألبى دعوة عشاء أقامه لنا رئيس مجلس النواب الدنماركى فى حضور الدكتور صوفى أبوطالب، وأخبرنا رئيس المجلس أنه ذهب لملكة الدنمارك وأبلغها بعدم ترشيحه لنفسه فى الانتخابات المقبلة، وعندما سأل الدكتور صوفى أبوطالب عن السبب، أجابه رئيس العلاقات الخارجية بالمجلس الدنماركى قائلاً: (لأننا فى بلدنا نحب أن يتساءل الناس لماذا تركنا المنصب بدلاً من أن يتساءلوا متى نترك المنصب)».

هذا أحد المواقف التى ذكرتها الدكتورة عائشة راتب، أستاذ القانون الدولى بكلية الحقوق جامعة القاهرة ووزيرة التأمينات والشؤون الاجتماعية فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات، خلال حوارها معنا قبل أن تكمل: «فهم السادات ماذا أقصد وقال لى: (إنتى شايفة كده يا دكتورة)، فأجبته نعم وأنا أرى أن هذا أفضل.. فقال لى: (النبوى إسماعيل، وزير الداخلية، كان لسه عندى وأبلغنى أن نتيجة استفتاء الرئاسة ٩٩%)، فابتسمت قائلة: وإنت صدقت؟، فقال لى: (مفيش فايدة فيكى يا عائشة)».

وفى غمرة الانشغال بقضايا وأزمات مصرية لا تنتهى توجه الوزيرة المشهود لها بالإخلاص عدداً من الرسائل للمسؤولين فى الدولة عبر «المصرى اليوم».. ولأن سؤالى الأول كان عن أزمات المجتمع التى لا تكاد تهدأ إحداها حتى تعصف به أخرى، كانت إجابتها التلقائية: «المجتمع فى مصر للأسف الشديد فك».

■ لماذا تفكك المجتمع؟

- السبب يكمن فى الفساد المستشرى من ناحية وغياب المشروع القومى الذى يلتف حوله الشعب من ناحية أخرى، فهل يعقل أن يكون الشىء الوحيد الذى يلتف حوله الناس الآن هو كرة القدم، ماعدا بعض التجمعات الفئوية.

■ ما رأيك فى أزمة قتيل الإسكندرية خالد سعيد وكيف تقرئين تداعياتها؟

- كنت أتمنى أن يجلس وزير الداخلية حبيب العادلى فى منزله ويترك التحقيق يسير وتتكشف الحقائق أمام الناس بلا أى ضغوط من أى جهة، فأنا أحترمه وأعرف أنه رجل شديد ويمسك البلد بيد من حديد، وإذا لزم منصبه أثناء التحقيقات «مش هيطلعوا نفسهم غلطانين»، يجب أن يبتعد عن منصبه ويجلس فى منزله لحين انتهاء التحقيقات.

■ هل لديك رسالة له؟

- أود أن أقول له إن المصريين «بيتبهدلوا» فى أقسام الشرطة لدرجة أن الناس تفضل ضياع حقها على دخول قسم البوليس، الأمن يجب أن يكون موجوداً لحماية الناس وحقوقهم وليس لحماية النظام، النظام سيُحمى إذا ما تمت حماية حقوق الناس.

■ وماذا عن أزمة القضاة والمحامين وأنت أستاذة فى كلية الحقوق جامعة القاهرة؟

- الطرفان أولادى ويعز علىّ أن أرى ما يحدث بينهم فهو شىء لا يصدقه عقل، والأزمة تعكس ماقلته فى البداية من أن المجتمع تفكك والفساد هو سبب هذه الأزمات، فشباب المحامين يهيأ لهم أن كل من دخل النيابة هم أصحاب الوسائط وليس من حصلوا على مجموع جيد فى كلية الحقوق، نظراً لتدخل الواسطة بالفعل فى تعيين البعض وعدم وجود عدالة ولا تكافؤ للفرص فى المجتمع، ورغم أن خريجى كلية الحقوق مطلوبون فى سوق العمل والأبواب أمامهم كثيرة مثل النيابة العامة، والنيابة الإدارية، وقضاء مجلس الدولة، والخارجية، وغيرها ولكن مع تفشى الواسطة والفساد أصبح هناك محامون يجلسون فى بيوتهم لا يجدون عملاً.

ورأيى أن الحكم على محاميَى طنطا كان قاسياً جداً، فحتى لو كان المحاميان هما البادئين بالاعتداء أتفهم وقتها لو حُكم عليهما بشهر أو شهرين مع وقف التنفيذ، لكن ليس خمس سنوات، ولا يجب أن يتعصب القاضى لبنى مهنته بل عليه أن يعامل الجميع سواسية، وأعتقد أن حل الأزمة فى منح الحصانة للمحامين.

■ هل ترين أن هناك عوامل مشتركة بين ما أحدثه قانون الانفتاح فى المجتمع المصرى فى عهد السادات وما أحدثته سياسة الخصخصة وبيع القطاع العام الآن؟

- ما يحدث الآن فى المجتمع المصرى من فساد اقتصادى بدأ فى عهد السادات مع قانون الانفتاح وهو القانون الذى اعترضت عليه لدرجة أن الوزارة تم تغييرها فى نفس اليوم ليأخذوا منى اللجنة التشريعية ويعطونى بدلا منها اللجنة الاجتماعية، كنت وقتها رئيسة اللجنة الوزارية التشريعية بحكم أنى أقدم وزيرة قانونية، وقدم لنا المشروع، وجاءنى مستشارو اللجنة، وقالوا لى إن القانون مخالف للدستور فقلت لهم إذن لن يصدر،

وفى اجتماع اللجنة رد أحد الوزراء قائلاً إن الدكتور عبدالعزيز حجازى يريد القانون، وكان أيامها نائبًا أول لرئيس الوزراء، فطلبت الدكتور عبدالعزيز حجازى وقلت له إن القانون غير دستورى، فقال إن سيادة الرئيس يريد القانون، فقلت «إن سيادة الرئيس يعلم أنه غير دستورى، وقل له على لسانى إنه غير دستورى، ضرورى لن يوافق»، فقاموا بإجراء تعديل وزارى وأصبح الدكتور عبدالعزيز حجازى رئيسًا للوزراء، وأقالونى من اللجنة التشريعية التى كانت ترفض القانون، وصدر القانون كما يريدون وجعلوا اللجنة التشريعية برئاسة وزير العدل وقرروا أن يكون وزير العدل هو رئيسها على الدوام، وعندما جاء وزير العدل بعد ذلك وافق على القانون.

وأنا أرى أن قانون الانفتاح غير فى التركيبة الاجتماعية للبلد، وأوجد طبقة جديدة فيما يشبه ما فعله الخديو إسماعيل حينما جاء بأقاربه وأعطاهم إقطاعيات كاملة يتحكمون بها، ظهرت هذه الإقطاعيات مرة ثانية فى عهد الرئيس السادات فقد أعطوا رجال الأعمال أراضى بملاليم باعوها للناس بآلاف، ولكن إقطاعيات العصر الحالى أخذت شكلاً مختلفاً فقد أعطوا رجال الأعمال مدناً كاملة بملاليم، وهى ظاهرة وضحت بقوة فى عهد مبارك، بل وصلت الجرأة لحد شراء وزراء جزراً كاملة فى النيل، ثم استطردت مبدية دهشتها: يُقال إن أحد الوزراء، اشترى ٢٥٠ فداناً فى النيل.. ليه؟ هيه مصر سايبة؟ دا ناقص يرفع عليها علم ويعلنها دولة مستقلة.

■ كيف تقرئين تدخل الرئيس مبارك لإلغاء صفقة «جزيرة آمون»؟

- على ما يبدو أن الرئيس مبارك بدأ يتنبه أخيراً للفساد الذى يحدث فى البلد وعليه أن يتحرك بحسم وسرعة أكثر.

■ وماذا عن الخصخصة؟

- الخصخصة تمت «سداح مداح»، باعوا القطاع العام وملكوه للقطاع الخاص وبلا رقابة وأخرجوا العمال على المعاش المبكر فزادت نسب البطالة، وزادت الأسعار فازداد الفقر وتضاعفت المعاناة وللأسف سياسة كل من الدكتور محمود محيى الدين والدكتور يوسف بطرس غالى خاطئة، والسياسة الاقتصادية فى مصر سيئة رغم كل ما يقال عن نسب التنمية فالمقياس هو حالة الناس فى الشارع.

■ قدمت استقالتك فى أحداث ١٨و١٩ يناير ١٩٧٧ بعد خلافك مع الرئيس السادات حول الانتفاضة الشعبية التى سماها «انتفاضة حرامية» عقب ارتفاع الأسعار آنذاك، فكيف تقرئين الاحتجاجات العمالية فى الوقت الحالى؟

- توجد هوة كبيرة وانفصال شديد بين من هم فوق ومن هم تحت فى مصر.. هناك أناس فاعلون فى هذا البلد وآخرون مفعول بهم، ولا أتصور كيف يقف عمال غلابة لأسابيع على الرصيف دون أن يعبأ بهم أحد لا نائب ولا وزير، والسؤال الأهم كيف للدكتور فتحى سرور، وهو رجل قامة وقيمة قانونية وأحترمه كثيراً، أن يصمت إزاء هذا الوضع ويقبله.

عند استقالتى عام ‏١٩٧٧‏ بعد انتفاضة ‏١٨ و١٩‏ يناير قلت فى اجتماع مجلس الوزراء إنه ليس من العدل أن يشرب الوزراء السيجار ويعيشون فى هذا الرغد والشعب محتاج، وعارضت الرئيس السادات وقلت إنها انتفاضة جوع وليست انتفاضة حرامية كما قال‏، وقدمت استقالتى فى هذا الموقف اعتراضاً على زيادة الأسعار، وبعدها أمر الرئيس بإعادة الأسعار إلى وضعها الطبيعى وتم الضغط على الحكومة وتراجعت عن القرار، ولم يتعامل أحد مع الشعب بهذه اللامبالاة ولم يتركوا الناس ينامون على الأرصفة لأيام وأسابيع.

■ هل تتوقعين تكرار ما حدث فى يناير ٧٧؟

- ما يحدث هذه الأيام أفظع مما حدث فى يناير ٧٧، فالعمال أيام السادات لم يخلعوا ملابسهم ليقفوا عراة فى الشارع، وفى يناير ٧٧ الأمن لم يضرب العمال على وجوههم أمام كاميرات التليفزيون، ما يحدث الآن مقدمة لما هو أفظع من يناير ٧٧ ولكن من هم فوق لا يدركون خطورة ما يفعلون.

■ ثارت من جديد أزمة أموال التأمينات الاجتماعية فكيف تابعتها خاصة أنك كنت وزيرة للتأمينات والشؤون الاجتماعية فى عهد السادات؟

- الرئيس السادات- رحمه الله- أعطانى وزارة التأمينات والشؤون الاجتماعية، والواقع أن الارتباط بينهما مهم جدًا، لأن كل المآسى والمشاكل التى كنت أجدها فى الشؤون الاجتماعية عالجتها عن طريق المعاشات والتأمينات. وأنا لست راضية عن قيام وزير المالية يوسف بطرس غالى باللعب بأموال التأمينات فى البورصة، لأنها يوم فوق ويوم تحت، هذه أموال ناس فكيف يرتضى يوسف بطرس غالى أن يضيع حق أرامل وأطفال أيتام وناس غلابة.

■ كنت سفيرة لأربع سنوات فى عهد الرئيس مبارك فلماذا لم يتم تعيينك وزيرة أو حتى مستشارة قانونية فى عهد مبارك؟

- ضحكت قائلة: أنا مرضاش.. مع احترامى الكامل للرئيس مبارك. أنا استقلت فى عهد السادات فكيف لى أن أعمل فى عهد الرئيس مبارك، ثم إننى طول عمرى صاحبة رأى والكل يعلم ذلك، ولا أقول «نعم» إلا إذا كنت مقتنعة، وإذا لم أقتنع فسأقول «لا» بكل صراحة ووضوح، كما أننى ضد فكرة الوزير المنفذ فقط، بل عليه أن يشارك فى صنع السياسات، وأنا مع عمرو موسى عندما قال إن الوزير يجب أن يكون واضع سياسات وليس منفذاً فقط.. الناس تقول الآن إن أحمد نظيف هو مدير مكتب لا أكثر.. فهل هذا يجوز.. أن يكون رئيس وزراء مصر مدير مكتب.

■ كيف تتوقعين نتيجة انتخابات مجلس الشعب المقبلة؟

- انتخابات الشورى لم تكن مبشرة وأراها مجرد بروفة لما سيحدث فى انتخابات مجلس الشعب، قرأت عن دوائر نجح فيها مرشح الحزب الوطنى بـ٤٠٠ ألف صوت.. من هذا الذى لديه القدرة على الحصول على هذا الكم الضخم من الأصوات، ثم هل نزل ٤٠٠ مواطن فى دائرة واحدة أصلاً حتى يقولوا إن هناك من نجح بـ٤٠٠ ألف صوت.. ما يحدث مهزلة بكل المقاييس.

■ وماذا عن انتخابات الرئاسة ومحاولات الدكتور محمد البرادعى لخوض المنافسة؟

- إذا ما خاض كل من البرادعى ومبارك انتخابات الرئاسة فسأقرأ برنامج كل منهما وأقرر وقتها لمن أعطى صوتى.

■ وهل حدوث هذا السيناريو ممكن؟

- لا طبعاً.. البرادعى رجل محترم، ولكن الحزب الوطنى لن يمتثل لمطالب التغيير، وما يحدث نوع من العبث يعطى أملاً زائفاً للمصريين.

■ لننتقل إلى الشؤون الخارجية والدور المصرى فى المنطقة، وأنت أستاذة فى القانون الدولى.. نشهد الآن حماساً تركياً تجاه القضية الفلسطينية وقطاع غزة، ودوراً تركياً نشطاً انقسم حوله المحللون ما بين صدق النوايا واتهام تركيا بالمزايدة لأغراض أخرى، فما رأيك؟

- أن يكون هناك دور تركى فى المنطقة أفضل من وجود دور إسرائيلى فى المنطقة، والدور الإيرانى أحب إلى قلبى من الدور الإسرائيلى، لماذا الذعر من دور تركى أو إيرانى، تركيا بلد مسلم وأنا شديدة الفخر بأردوغان فهو رجل اتخذ من القرارات الصارمة مالم يتخذه الحكام العرب.

■ هل يحرج الدور التركى مصر؟

- لا يجب أن تكون هذه الأدوار بمنأى عن مصر، وعلى مصر أن تسعى بنفسها لذلك، وهذا لا يقلل منها على الإطلاق خاصة أن تركيا وإيران- وغيرهما تعلمان جيداً مكانة مصر ومدى تأثيرها.

■ ولكن علاقة مصر بإيران على سبيل المثال سيئة؟

- على حسب علمى أن الساسة الإيرانيين أرسلوا إلى مصر أكثر من مرة لإبداء المصالحة، ومصر رفضت وتحجج المسؤولون بفيلم مقتل فرعون وشارع قاتل السادات، وصدقينى لو أن الرئيس السادات نفسه كان حياً لكان رد فعله «اتركوهم هذا لعب عيال» رغم أنه شخصية متآمرة بطبعه، أنا أعرف السادات جيداً وما كان ليلتفت إلى هذه الصغائر، فيلم أو حتى اسم شارع ليست أسباباً كافية لقطع العلاقات مع دولة بازغة ومهمة فى المنطقة مثل إيران.

■ إذن ما هى الأسباب الحقيقية لخلاف مصر مع إيران؟

- الأسباب الحقيقية تكمن فى تنفيذ السياسة الأمريكية فى المنطقة، وعلى مصر والدول الحليفة تنفيذ هذه السياسة المتمثلة فى معاداة إيران.. أمريكا تريد موقع إيران على الخليج العربى وجنوب روسيا وجنوب الصين، وهو موقع ممتاز جغرافيا لأنها تريد الثروات الموجودة فى هذه المنطقة، ومنذ زمن وأنا أتساءل وآخرون لماذا «حشرت» أمريكا نفسها فى أفغانستان والآن فقط عرفنا السبب بعد الإعلان مؤخراً عن اكتشاف الأمريكيين لثروات معدنية هائلة فى أفغانستان تقدر بتريليون دولار، وبالطبع من غير المقنع أنه تم اكتشافها مؤخراً بل كانوا يعلمون بهذه الثروات من قبل عن طريق الأقمار الصناعية وهذا هو أحد الأسباب المهمة لاستمرار وجودهم فى أفغانستان، وإيران تعد بوابة جيدة لهذه المنطقة، وواشنطن تريد إسقاط النظام الحالى فى إيران بأى طريقة.

■ أليس من الأحرى بمصر أن ترتبط بعلاقات جيدة مع إيران واستخدام هذه العلاقة كـ«فزاعة» أو «كارت ضغط» على إسرائيل إذا ما تجاوزت الحدود؟

- مع وجود إسرائيل نووية فى المنطقة يجب أن تكون هناك إيران نووية، ولو أن مصر شاركت فى الحرب على إيران لمنعها من امتلاك السلاح النووى فكأنها تساعد إسرائيل ليكون لها اليد الطولى فى المنطقة.

أتمنى أن تمتلك إيران السلاح النووى فعلى الأقل سوف يحدث توازن فى المنطقة، ولو امتلكت إيران السلاح النووى لأمنا شر السلاح النووى الإسرائيلى، إيران لا تمثل تهديداً لمصر والحوار معها يجب أن يكون على رأس الأولويات.

■ كيف تفسرين توتر العلاقات المصرية مع بعض الدول العربية؟

- لا شك أننا انكفأنا على أنفسنا، ولكن السبب الحقيقى يكمن فى أن الولايات المتحدة الأمريكية بذلت كل الجهد الممكن لإبعاد مصر عن تزعم المنطقة العربية، فبعد مناداة عبد الناصر بالقومية العربية وانتصار السادات فى ٧٣ شعر اليمين الصهيونى فى أمريكا بالقلق على إسرائيل ووجدت الولايات المتحدة أن أمان إسرائيل يكمن فى تفتيت الوحدة العربية، وإبعاد مصر عن زعامة المنطقة وإيجاد الخلافات بينها وبين الدول العربية..

حتى الدول التى تربطها بمصر علاقات جيدة مثل السعودية ولبنان فهى الدول التى يسمونها الدول المعتدلة أى الدول التى تسير وفق السياسات الأمريكية، فى حين أن الحلف الآخر يسمونهم الدول المارقة، وليس فخراً لمصر أن تكون من الدول المعتدلة، وأنا مع المروق على السياسات الأمريكية والإسرائيلية للحفاظ على السيادة الوطنية.

■ أليست كامب ديفيد هى التى أبعدت مصر عن العرب وكانت بداية التنازلات؟

- «ليست غلطة الاتفاقية.. محدش قالنا نخضع» وفى أيدينا أن نحافظ على علاقتنا بالعرب وعلى كرامتنا، لكن نحن اخترنا أن نقدم مصلحة إسرائيل على مصالحنا وطبعا حرصاً على العلاقة بأمريكا، ولا تصدقى من يقول إننا أصحاب قرارنا ولا قرار لأحد علينا.. هذا غير صحيح بالمرة.

■ وما سبب هذا الانصياع لأمريكا فى رأيك؟

- لأنها تسند النظام الحالى.

■ أمريكا تدعم النظام الحالى؟

- طبعا وليس من مصلحتها أن يقع، بدليل أنهم كانوا يتحدثون عن الديمقراطية فى البداية وتراجعوا الآن لأنهم وجدوا أن النظام الحالى أفضل النظم بالنسبة لهم.

■ كان لديك موقف رافض لمبادرة السلام والصلح مع إسرائيل؟

- فى البداية اعترضت بالفعل وبشدة وعبرت عن هذا الرفض للرئيس السادات حتى إننى قلت له لفظاً لا أستطيع ذكره مرة ثانية، ورغم قسوته فقد تقبله الرئيس منى، صحيح أن المبادرة قسمت المجتمع العربى وقتها وأعطت إسرائيل حرية العربدة فى المنطقة العربية، وهذا ما توقعناه، لكن الآن حينما أفكر فى الأمر أجد أنه كان من الممكن أن نظل حتى الآن نطالب بسيناء مثلما يطالب الفلسطينيون بالضفة الغربية. لذا أشعر أن السادات كان نظره أبعد منا جميعاً وشعر أن ذلك سيحدث، وأعتقد أن أغلب الدول العربية التى كانت رافضة للجلوس مع مصر أثناء التفاوض تقول الآن الله يرحمك يا سادات.

■ ننتقل من قضايا الشرق الأوسط إلى العلاقة بالقارة الأفريقية.. كيف تقرئين أزمة دول حوض النيل مع مصر؟

- نحن السبب فى هذه الأزمة، كل المسؤولين المصريين إذا ما لاح لهم فى الأفق مؤتمر فى أوروبا أو أمريكا يهرولون على الفور لحضوره، مصطحبين زوجاتهم «هو يحضر المؤتمر والمدام تعمل شوبنج ويتفسحوا»، أما إذا قلت لهم يوجد مؤتمر فى دولة أفريقية لا يذهبون لأن «الجو حر»، ومثلما ينظر الغرب لنا نظرة عنصرية فنحن ننظر لأفريقيا نفس النظرة حتى تسببنا فى ضياع العلاقات، والحل فى أن «الرئيس ياخد بعضه وينزل على تحت شوية» مثلما يجرى جولات فى باريس ولندن وألمانيا، عليه أن يذهب فى جولة أفريقية يحسن بها العلاقات ويلملم الشتات ويصلح ما تبقى.

■ إذا أتيحت لك الفرصة لإرسال رسالة إلى الرئيس مبارك فماذا تقولين له؟

- سأقول له إن شرم الشيخ ليست عاصمة مصر، وبقاءه هناك لفترات طويلة يجعل بينه وبين الشعب حاجزاً كبيراً، إضافة إلى تكبيد الدولة مصاريف كثيرة الشعب أولى بها، فكل وزير يريد مقابلة الرئيس «يأخذ طيارة رايح وطيارة جاى وكله من مال الشعب»، وسأقول له إن مكوثك بالقاهرة سيجعلك تشعر بأزمة المرور الطاحنة التى نعيشها لعلك تأمر بحلها.
-------------------------------------------------
نشرت في المصري اليوم بتاريخ 30/6/2010
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=260743

المتابعون