عبد الرحيم شحاتة



وزير التنمية المحلية السابق لـ«المصرى اليوم»:
(١-٢)انشغلنا بمَن سيجلس على «كرسى» الحكم أكثر من «الإصلاح»
----------------------------------------
حوار رانيا بدوى ١٠/ ١٠/ ٢٠١٠
--------------------------------------
قال الدكتور عبدالرحيم شحاتة، وزير التنمية المحلية السابق، إننا انشغلنا بقضية من سيجلس على كرسى الحكم أكثر من انشغالنا بكيفية الإصلاح، معتبراً أن حل الأزمات فى مصر ليس فى تعديل الدستور، ولكن بتطبيق القانون، والتربية والتعليم، وسلوكيات المجتمع، مؤكداً أن المركزية هى سبب أزمات مثل المياه، والصرف الصحى، والخبز، والبوتاجاز، مشيراً إلى أنه لا ديمقراطية أو تنمية دون تطبيق اللامركزية، مبرراً عدم تطبيقها حتى الآن بأن بعض المسؤولين يخافون من ضعف قبضة الدولة إذا تم تطبيقها، كاشفاً عن أنه كثيرا ما يصدر رئيس الجمهورية قرارات لا ينفذها الوزراء.

وأضاف «شحاتة»، الذى قضى أكثر من ١٠ أعوام محافظاً للفيوم، ثم الجيزة، ثم القاهرة على التوالى، وعاماً ونصف العام وزيراً للتنمية المحلية، فى حواره مع «المصرى اليوم»، مؤكداً أن مشكلة الزيوت فى مصر أخطر من مشكلة القمح، بسبب إهمالنا القطن الذى كان يوفر نحو ٧٠% من الاستهلاك المحلى من الزيوت، واصفاً قرار تقسيم المحافظات بأنه لم يستند إلى دراسة متأنية، لافتاً إلى أن مصر تحتاج إلى تقسيم جديد لكل الجمهورية بشرط ألا يكون «اعتباطياً».

وتابع «شحاتة»، الذى كان من أكثر المطالبين بتنفيذ اللامركزية، أن الفساد أصبح ظاهرة كما كان فى عهد حكومة عاطف عبيد، رئيس مجلس الوزراء السابق، لكنه فى المحليات ينحصر فى الإدارات الهندسية فقط، مؤكداً أن تنمية الريف هى أول خطوة لحل مشاكل المدن فى مصر، واصفاً إرادتنا فى تقوية مراكزنا الاقتصادية بأنها محدودة، وإلى نص الحوار:

■ إذا كانت المركزية نموذج الحكم منذ عهود طويلة فما الذى يجعل تطبيق اللامركزية الآن ضرورة ملحة؟

- مصر بلد تحكمه مركزية شديدة جدا منذ قديم الأزل، لكن فى الوقت الحالى اتسعت رقعة الدولة وتعقدت المشكلات، والناس لم يعد عندها صبر مثل ذى قبل، فهناك مشاكل لا يمكن الانتظار عليها أو التباطؤ فى حلها، مثل مشاكل مياه الشرب، والصرف الصحى، والأسمدة، وإضراب العاملين فى المصانع، ومشاكل أخرى كثيرة كان يجب النظر فى حلها سريعا، لذا زاد الإحساس بأن المركزية تحول دون اتخاذ رد الفعل السريع تجاه بعض المشكلات.

■ وما الذى يمنع نقل بعض الصلاحيات إلى الإدارة المحلية منذ الستينيات وحتى الآن؟

- يرى البعض أن تنفيذ اللامركزية سيؤدى إلى اضمحلال وتفكك سطوة الدولة، وهذا غير صحيح، فنحن نتحدث عن لامركزية فى أسلوب الإدارة وأسلوب التمويل، ولا نطلب لامركزية سياسية، فالسياسات تأتى من أعلى، إنما التطبيق المالى والإدارى يجب أن يكون فى يد المحليات، فلا يمكن أن تحدث تنمية عادلة فى مصر ولا ديمقراطية بمعناها الحقيقى، أى أن يكون الإنسان هو مصدر ومحور القرار، دون أن تطبق اللامركزية المالية والإدارية، فالمحليات أدرى بشؤونها، كما يجب أن تذهب موارد المحافظات إلى المحافظات، فمثلا الموارد الطبيعية فى محافظة ما من المحافظات، من محاجر وغيرها، يجب أن يذهب الجزء الأكبر منها لأبناء هذه المحافظة.

■ وماذا عن المحافظات الفقيرة فى الموارد، هل تموت جوعا، أم الأفضل أن تذهب جميع الموارد إلى الدولة وتقسم بين جميع المحافظات؟

- هذا يقودنا إلى قضية التقسيم الإدارى، فأنا أرى أن التقسيم الإدارى بين المحافظات يجب أن يأخذ فى الاعتبار موارد كل محافظة، وأن تتواءم مع احتياجات شعب المحافظة، فمثلا طبقا للتقسيم الذى حدث منذ عامين فإن محافظة القاهرة الآن ليس لديها موارد نهائيا، فالموارد المحجرية ذهبت إلى محافظة حلوان، رغم أن حلوان غنية بالموارد بالفعل، كذلك محافظة الجيزة، كل مواردها ذهبت إلى محافظة ٦ أكتوبر، أى أن المحافظتين الآن ليس لديهما موارد، إلا إذا قررت الدولة إعطاءهما جزءا من حصيلة الضريبة العقارية حتى تستطيعا مواجهة احتياجاتهما.

■ إذن أنت معترض على هذا التقسيم الذى ترتب على إنشاء محافظتين جديدتين؟

- حتى يكون هناك تقسيم إدارى ناجح، يجب أن نحدد الهدف منه، وما سيترتب عليه، وتتم دراسة الأمر جيدا من قبل متخصصين، ويراعى الاتصال الجغرافى بين المناطق، كما يجب أخذ رأى المعنيين بالتقسيم، عن طريق استطلاع آراء ممثليهم فى مجلس الشعب والمجالس المحلية، كما أن من أهم مواصفات التقسيم الناجح أن تكون إمكانيات المحافظة متوازنة مع احتياجاتها، أما أن يتم التقسيم لمجرد التقسيم فهذا لا يصح، وكنت قد قدمت بالفعل من قبل أفكاراً للتقسيم الإدارى قبل أن يحدث، لكن المسؤولين لم يأخذوا به.

■ ما أبرز ملامح هذا التقسيم؟

- كنت أرى دائما وأنا محافظ للقاهرة ضرورة تخفيف العبء الإدارى عن المحافظة، حيث كنت أعمل ١٨ ساعة يوميا ولا تكفى، كما لاحظت أن الجيزة لها مراكز تابعة لها شرق النيل، مثل الصف، وأطفيح، فاقترحت أن تنشأ فى القاهرة محافظة جديدة، على أن تسمى محافظة حلوان أو محافظة جنوب القاهرة، تشمل الصف، وأطفيح، وحلوان، والتبين، و١٥ مايو، وكنت أرى أن تبقى المعادى تابعة لمحافظة القاهرة، كما اقترحت أن تنشأ للمدن الجديدة فى شرق القاهرة محافظة جديدة تضم الشروق، والسلام، والنهضة، وبدر، والعبور وتسمى محافظة شرق القاهرة، ولدينا نماذج مماثلة فى أمريكا مثل «نورث» (شمال) كارولينا، و«ساوث» (جنوب) كارولينا، لكن ما لا أفهمه الآن هو تقسيم الجيزة، فالاتصال الجغرافى فيها أصبح غير متاح، وتم ضم مناطق أقرب للواحات البحرية منها إلى محافظة ٦ أكتوبر، وأخرى أقرب للجيزة تمت إضافتها إلى ٦ أكتوبر دون أى اعتبار للاتصال الجغرافى، أما فيما يخص محافظة حلوان فأنا موافق على ما جرى بشأنها، لكن اقتراحى بأن تكون شرق القاهرة محافظة مستقلة لم ينفذ، وعلى ما يبدو أن وزير الإسكان لم يرد ترك المجتمعات العمرانية الجديدة، وأبقاها ضمن اختصاصه، رغم أن قانون المجتمعات العمرانية الجديدة ينص على أنه متى انتهى توصيل المرافق إلى هذه المجتمعات العمرانية تنقل إدارتها إلى المحليات.

■ هذا يعنى تجاهل وزير الإسكان تنفيذ القانون؟

- أتفق معك، لكن لابد أن تكون هناك إرادة سياسية للدولة، حتى يتم تفعيل هذا القانون.

■ بعد مرور أكثر من عامين على التقسيم الإدارى لم يقل الضغط على القاهرة، ولم تحدث تنمية فى المحافظات الجديدة، فذهب الناس إلى فكرة أن التقسيم كان الغرض منه مجرد إيجاد مناصب جديدة لإعطاء بعض الموظفين أموالاً إضافية؟

- لا أعتقد أن هذا كان هو المقصود، إنما ما أستطيع قوله هو أن التقسيم لم يستند إلى دراسة متأنية فى عقلانيته ودواعيه.

■ هل أنت مع من يرون أن الناس لم تشعر بالفرق؟

- ربما لا يكون حدث فرق.

■ هل نحن بحاجة إلى تقسيم إدارى جديد يشمل مصر بالكامل؟

- إحساسى نعم، نحتاج ذلك، ولكن بشرط أن يستند على أسس إدارية ومالية وموارد سليمة، أما التقسيم الاعتباطى فلا يحل أى مشكلة.

■ فى رأيك لماذا تضخمت أزمات مثل مياه الشرب، والصرف الصحى، ورغيف الخبز، والبوتاجاز؟

- كلها أزمات مرجعها المركزية الشديدة، فهناك محاولات دائمة لجمع أكبر قدر من الصلاحيات فى يد الوزارات، فمثلا عندما كنت محافظاً للقاهرة كان عندى هيئتان هما مياه الشرب والصرف الصحى، والنقل، وفوجئت بأن السيد رئيس مجلس الوزراء يبلغنى بأن المهندس محمد إبراهيم سليمان، وزير الإسكان فى ذلك الوقت، يريد عمل هيكلة لنظام مياه الشرب والصرف الصحى، فرفضت، وقلت له إنها احتياجات فورية للمواطن ولا أعتقد أن الجهة المركزية ستقف لحين إصلاح مواسير كسرت، أو قطع المياه عن الشرابية أو الدرب الأحمر وغيرهما، مما سيحدث مشكلات كثيرة، فبدا وكأنه اقتنع برأيى، ولكن بعد ٦ أشهر صدر قرار جمهورى بإنشاء الشركة القابضة، وفصل هيئة مياه الشرب والصرف الصحى عن محافظة القاهرة، هذا أحد الأمثلة القريبة التى أخذ فيها المركز جزءًا من عمل وصلاحيات المحليات، رغم أن العكس هو المطلوب، والنتيجة أن الشركة القابضة لم تعد قادرة على استيعاب جميع مشكلات الجمهورية، فظهرت هذه المشكلات وتفاقمت، بينما لم نكن نسمع عنها حين كان الأمر فى يد المحليات.

■ ما رأيك فى المقولة الشهيرة التى خرجت من السلطة نفسها «الفساد فى المحليات للركب»؟

- أنا متحفظ على هذه العبارة لأنها شديدة الظلم للإدارة المحلية، التى يعمل بها نصف موظفى الدولة، وكى أكون صريحاً فإن الفساد فى المحليات ينحصر فى الإدارات الهندسية، وهى الإدارات المسؤولة عن إصدار التراخيص، ومراقبة المخالفات فى المبانى، والتخطيط العمرانى، أما باقى القطاعات والإدارات فسليمة.

■ وماذا عن الفساد بشكل عام فى مصر؟

- للأسف أنا أراه أصبح الآن ظاهرة، كما أنه كان ظاهرة أيضا أيام عاطف عبيد، رئيس مجلس الوزراء السابق.

■ قال أحد المحافظين إن مركزية الوزراء تصل إلى درجة «منع ومنح» المحافظات بحسب الهوى الشخصى للوزير وعلاقته بالمحافظ؟

- كل المحافظات تأخذ اعتماداتها بحسب تعدادها السكانى، وهناك بعض التمييز الذى يحدث بقرارات من رئيس مجلس الوزراء، فمثلا فى منتصف ٢٠٠٤ حدث تمييز للأقصر لإحداث طفرة بها، وقد حدثت الطفرة بالفعل نتيجة لوجود محافظ متميز هو الدكتور سمير فرج، الذى قلب الأقصر رأسا على عقب وطورها بالكامل، ولكن عموما الموازنات لا توزع اعتباطا فهناك مجالس شعب، وشورى، ووزراء، وأحيانا يحدث نزاع بين الوزراء والمحافظين، لكن لا يخرج عن النطاق المحدود، مجرد خلاف فى وجهات النظر.

■ لكن قد يؤدى هذا الخلاف إلى تعطيل مصالح الناس؟

- أنا نفسى لم يحدث معى موقف مماثل، بالطبع «الكيمياء» مطلوبة بين الوزير والمحافظ، لكنها ليست العامل المحدد فى قبول أو رفض المشروعات، ولا تصل إلى درجة تعطيل مشروعات أو مصالح الناس.

■ لا تحدث نهائيا؟

- قد تحدث، ولكن بنسب طفيفة.

■ بعض المحافظين يعانون من محدودية صلاحياتهم، فهل تؤيدهم فى ذلك، رغم أن لديهم صلاحيات بالتفويض؟

- نعم، ولكن عندما ينزعج الوزير أو يختلف مع المحافظ يسحب التفويض، وعموما هذا ما نطلبه فى قانون الإدارة المحلية، وهو توسيع نطاق صلاحيات المحافظ، وقد قدمت مشروع هذا القانون مرتين، الأولى كانت بعد ٦ أشهر من دخولى الوزارة، والثانية بعد دخولى بحوالى سنة، وتمت إحالة المشروع إلى اللجنة التشريعية فى مجلس الشعب، وكنت عضوا فيها، واتفقنا على أن المشروع سيطرح على مجلس الشعب ٢٠٠٦ وحتى الآن لم يطرح.

■ وهل أبدى أحد ما اعتراضا على مشروع القانون بشكل مباشر أثناء مناقشته؟

- لا أحد يقول شيئاً بشكل مباشر، وأضاف ساخرا: «ممكن يسمعونى وبعدين يطنشوا»، ولكن عموما يوجد تخوف من أن قبضة الدولة على الأمور قد تضعف بتطبيق اللامركزية.

■ هل هو تخوف نابع من الوزراء حرصا على سلطاتهم، أم من القيادة العليا؟

- بالعكس الرئيس فى أكثر من خطاب له أكد ضرورة تعميق اللامركزية.

■ إذا كان الرئيس يريد شيئا، فكيف للوزراء أن يفعلوا العكس؟

- «يا سلام»، وهل هذه هى المرة الأولى، هذا يحدث كثيرا.

■ ما تقوله كلام خطير، أن يصدر الرئيس قرارا والحكومة تمتنع عن التنفيذ أو تتجاهل؟

- الحكومة لا تقول صراحة لن أنفذ، لكن بعض السادة الوزراء يكونون متحفظين فى التنفيذ عمليا.

■ هل أنت مع الرأى القائل بأن إصلاح حال البلد يبدأ من تعديل الدستور؟

- الفرصة كانت متاحة عام ٢٠٠٥، ومع ذلك لم تكن التعديلات حسب المنشود كما يرى البعض، وبالطبع هناك من يتحدثون عن تعديلات دستورية، ولهم الحق فى ذلك، ولكن هناك مصالح لمن يطالبون بذلك.

■ لكن من الإنصاف ألا تغفل أن هناك مصالح أيضا لمن يرفضون التعديلات الدستورية؟

- على الكل إعادة النظر فى مواقفهم لمصلحة البلد.

■ وهل أنت مع تعديل أم تغيير الدستور؟

- كان لدينا من قبل دستور ٢٣، وكان من أفضل الدساتير، وتم تغييره، ومع ذلك هل انصلح حال الدولة، الأزمة ليست فى الدستور، إنما فى تطبيق القانون، والتربية والتعليم، وسلوكيات المجتمع، فهل يعقل مثلا أن مصر بها ٤٠% نسبة أمية، لماذا فشلنا فى القضاء على الأمية حتى الآن، النظام كان يجب أن يصر على القضاء على الأمية، ولو فعل لكانت انتهت فى عام واحد، كأن يتخذ قراراً بأن كل شخص متعلم يمحو أمية ١٠ آخرين، فلنفتح الحدائق والمتنزهات والجوامع والكنائس ونعلن أن هذا العام مثلاً عام القضاء على الأمية، لكن للأسف لا توجد إرادة وطنية لا حكومة ولا شعب، وما أقصده أن حل أزماتنا لا يكمن فى تعديل الدستور فقط، وإنما فى رغبتنا كشعب قبل النظام فى إصلاح أحوالنا.

■ هل ترى أننا انشغلنا بقضية من سيجلس على كرسى الحكم أكثر من انشغالنا بكيفية إصلاح بلدنا؟

- نعم، وأرى أنه انشغال لا مبرر له.

■ هو مبرر لدى من يرون أن الفساد الحالى سببه النظام الحالى، وتغيير النظام يعنى تغيير الوضع الحالى؟

- هذا منطق من يريد السير فى الطريق السهل، أنا أرى أن التغيير فى حد ذاته ليس هو الهدف، إنما هو وسيلة لتحقيق هدف، وعلينا أولا أن نسأل أنفسنا كشعب هل لدينا الإرادة والرغبة فى إصلاح أحوالنا، نحن شعب لا نعادى أى حكومة، ولسنا أعداء لأى نظام، نحن مع التيار ومع الأغلبية، وهذه هى مشكلتنا.

■ تعنى أننا سبب مشكلاتنا، وأننا مَنْ نرضى بالواقع بل نساعد فى تكريسه؟

- نحن شعب يخطب دائما ود الحكومة، وليس كل ما تشكو منه الجماهير من صنع الحكومة، فسلوكيات الناس والمنطق السائد لديهم ليست سليمة فى معظم الحالات، ولا بديل لمصر إلا بإيجاد المواطن الصالح، من خلال تربية وتعليم سليمين، لا التعليم وحده سينفع، ولا التربية وحدها ستنقذ البلاد، فلا يوجد مواطن فى مصر لا يعتبر خرق القانون شطارة وفهلوة.

■ باعتبارك خبيراً فى الزراعة، وتوليت منصب مدير مركز البحوث الزراعية لفترة، وقلت من قبل إنه لا مستقبل لمصر إلا من خلال الزراعة، وإنها منطلق التنمية الشاملة فى مصر، فماذا كنت تعنى؟

- الزراعة بشكل عام تواجه مشكلات عديدة، منها تدهور الأراضى الزراعية، وتدهور حال الفلاح الذى أراه أولى بالرعاية من أى فئة أخرى، لأن تحسين حاله سينعكس على سكان الريف سواء من يعملون بالزراعة أو من يعملون بمهن أخرى، لكن أن أرفع الدعم عن الأسمدة والمبيدات والبذور، وأترك الفلاح يواجه الغلاء وحده، وعندما يحصد المحصول تشتريه الحكومة بسعر متواضع لا يعوضه، فهذه كلها أمور تتسبب فى كل أزمات الغذاء التى نواجهها الآن، ويدفع الفلاح بكل بساطة لترك الأرض فتزداد مشكلات الغذاء من ناحية وتزداد بطالة الريف من ناحية أخرى، فالبطالة فى الريف تنتقل إلى المدن، مما يؤدى إلى تفاقم الأزمة السكانية فى المدن، فكل المدن المصرية تعانى من البطالة التى تأتيها من الريف، والغريب أننا توقفنا عن دعم الزراعة فى حين أن كلاً من أمريكا وألمانيا وفرنسا وهولندا واليابان بل أغلب دول العالم، تدعم الزراعة بقوة.

■ وما الحل؟

- أن يرجع الجميع إلى جذورهم وأن نهتم بتنمية الريف، فما لم يُنمَّ الريف لن تحل مشاكل المدن فى مصر، وكان يفترض أن يحدث تركيز على الصناعات الغذائية والتحويلية فى الريف، لأن الريف ليس زراعة فقط، وإنما أيضاً يجب الاهتمام بالتصنيع الزراعى الذى يحل مشكلة البطالة من ناحية، وإضافة قيمة اقتصادية للمنتج الزراعى من ناحية أخرى، وهو ما ينعكس على الاقتصاد بشكل عام، فالزراعة تحتاج إلى تعظيم مخرجاتها، والصناعة بشكل عام تبدأ خطواتها الأولى بالتصنيع الزراعى، وكله يبدأ بتشجيع الفلاح الذى كان «عمدة مصر» كلها فى مرحلة من المراحل والآن هو يعانى بشدة.
---------

د. عبدالرحيم شحاتة وزير التنمية المحلية السابق لـ«المصرى اليوم»: (٢-٢)
رفضت التعدى على الأراضى الزراعية فخرجت من الوزارة.. ومنعت تراخيص البناء عليها فوقف ضدى قيادى فى «الوطنى»
-------------------------------------
حوار رانيا بدوى ١١/ ١٠/ ٢٠١٠
----------------------------
تصدرت مصر أعلى المراتب فى استيراد القمح من الخارج بعد أن كانت المصدّر الأول له فى العالم.. وأصبح أهل مصر يضجون من أسعار خضارها وفومها وعدسها.. بعد أن باتت لا تخرج من بطنها ما يسد جوع أهلها.. والسبب كما ذكره الدكتور عبدالرحيم شحاتة، وزير التنمية المحلية السابق، هو إهمال الأرض الزراعية، ورفع الدعم عن الفلاح المصرى وظهور نوعية جديدة من المستثمرين فى الاقتصاد المصرى وهم «المستوردون»، الذين لم يعد من مصلحتهم الزراعة، حتى اختفى القطن المصرى، وندر القمح، وباتت أزمة الزيوت تلوح فى الأفق، وتم تبوير الأراضى الزراعية للبناء عليها.. ولعلها المرة الأولى، التى يكشف فيها الدكتور عبدالرحيم شحاتة سر خروجه من الوزارة سريعاً، ويتحدث عن سبب استجلابه الشركات الأجنبية لرفع القمامة المصرية فى الجزء الثانى من هذا الحوار.. وإلى نص الحوار.

■ كيف ترى الاكتفاء الذاتى من القمح، فى ظل آراء متباينة بين من يرى إمكانية تحقيق ذلك لو توافرت الإرادة السياسية ولم نمتثل لضغوط خارجية، وآخرين يرون استحالة تنفيذ ذلك لقلة الموارد المائية؟

- إذا أردنا أن نحقق الاكتفاء الذاتى من القمح فنحن بحاجة إلى زراعة ٣.٥ مليون فدان، وهذا سيأتى على حساب المساحات المخصصة للمحاصيل الأخرى التى تقوم عليها تربية الثروة الحيوانية، ولكن يمكننا تحقيق ما يسمى »الأمن الغذائى« من القمح أى أن ننتج ما يقرب من ٧٠ إلى ٨٠% من احتياجاتنا من القمح ونستورد من ٢٠ إلى ٣٠% من الخارج، بدلا من أن نستورد معظم استهلاكنا، وحتى لا نكون تحت ضغط دائم إذا ما حدثت أى أزمة عالمية مثل أزمة روسيا الأخيرة، وهذا ممكن وليس فيه استحالة.

■ لماذا اختفى من وجهة نظرك القطن المصرى؟

- كنا نزرع أيام الدكتور محمود داوود، وزير الزراعة الأسبق، ٢ مليون فدان من القطن، وكانت إنتاجية الفدان تصل إلى ٨ قناطير، والتسويق كان عالمياً، ولم تكن أهمية القطن تكمن فقط فى إنتاج أجود الأنواع »طويل التيلة« وتصديره للخارج وجلب العملة الصعبة، وإنما تكمن أهميته أيضا فى بذرة القطن التى كانت مصدر النسبة الأعظم من الزيوت التى يستهلكها المصريون، اليوم فجوة الزيوت خطيرة جداً وأخطر من فجوة القمح، فنحن نستورد زيوتاً بمعدل ٩٠ إلى ٩٥% من احتياجاتنا، الزيوت تستورد من الخارج والبذور الزيتية تستورد من الخارج وتعصر هنا لإعطاء إيحاء بأنها إنتاج محلى، وهذا غير صحيح، ويوما بعد الآخر تتسع فجوة الزيوت، فالقطن كان مصدراً للاكتفاء الذاتى من الزيوت بنسبة ٧٠%، كما أن العمالة التى كانت مرتبطة بالقطن مثل مصانع وعمال المحلة لديها مشكلات عديدة، وهذا تماما ما كان يريده الغرب.

■ تقصد أنها سياسة خارجية؟

- نعم، فالرئيس الأمريكى أيزنهاور كان غاضباً من رفض الرئيس الراحل جمال عبدالناصر »حلف بغداد«، لذلك أرسل تهديداً إليه بأنه إذا لم ينضم إلى حلف بغداد »هيخرب له القطن المصرى بتاعه« لأنه كان نقطة قوة فى مصر.

■ ولماذا تركنا اقتصادنا لعبة فى يد الغرب ونفذنا الشروط ورضخنا للضغوط؟

- لأن إرادتنا فى تقوية مراكزنا الاقتصادية محدودة، ولا نريد اتخاذ موقف كما أننا فى حالة ضعف، ساعات »نزرجن« ونرفض لكن فى النهاية نمتثل.

■ وهل تنتفى مسؤوليتنا نحن تجاه تخريب محصول القطن؟

- لا، فنحن دون وعى نفذنا المخطط الأجنبى بإهمالنا لهذا المحصول وللفلاحين، بل بكيفية التعامل مع جودة هذا المحصول الذى يعد ميزة نسبية لدى مصر، ففى الوقت الذى كانت فيه الصين تصنع منه حريراً كنا نصنع نحن منه »فوط وكستور عايدة«.

■ ولماذا أغفلنا التصنيع الزراعى فى مصر؟

- لأن الاقتصاد المصرى دخلته نوعية جديدة من المستثمرين وهى نوعية »المستوردين« القائمة على سياسة الاستيراد وليس الإنتاج، وأذكر أنه أثناء وجودى فى الفيوم أنشأت مصنعا لزيت عباد الشمس وزرعنا ٤٢ ألف فدان و»كان مصنع عَظَمة«، وظلت المساحة المزروعة تتناقص وتتناقص حتى وصلت إلى صفر، فأغلق المصنع أبوابه، ويجب ألا ننسى أن أول مصانع أنشأها بنك مصر، وطلعت حرب، كانت فى صناعة الغزل والنسيج، للأسف نحن انسحبنا من مجالات كثيرة كانت لنا فيها ميزة نسبية كما قلت، فى حين نجد أن دخل إسرائيل من التصنيع الزراعى ضخم جدا، لأنها تضيف قيمة مضافة لمنتجها الزراعى بتصنيعه وتغليفه، وبالتالى توظيف للناس وتحسين للاقتصاد.

■ إلى أين وصلت البحوث الزراعية فى مصر؟

- البحوث الزراعية فى حاجة إلى الدعم والاستكمال، وكل مليم ينفق على البحوث الزراعية يأتى بعائد أكبر ١٠ مرات، فقد زادت إنتاجية كل من محاصيل القمح، والذرة الشامية، والأرز فى الـ٣٠ عاماً الماضية، فبعد الحملة القومية التى أعلناها للنهوض بزراعة الذرة الشامية كأول حملة قومية من نوعها زاد متوسط إنتاجية الفدان من ٨ أرادب إلى ٢٤ إردباً، وزاد محصول القمح من ٦ أرادب إلى ١٨ إردباً للفدان، ومحصول الأرز من ٢ طن إلى ٤ أطنان للفدان، وهذا مقياس للنجاح والعائد من البحوث الزراعية.

■ بعد تجربتك كمحافظ للعاصمة.. أنت متهم مع آخرين بالتسبب فيما تعانيه القاهرة حالياً من مشكلات؟

- القاهرة كانت فى عهدى أفضل بكثير، وعن نفسى أنا بدأت العديد من المشروعات الجيدة لكن من أتوا بعدى أوقفوها ولم يستكملوها وأنا أول من أنشأ مصنعاً لتدوير القمامة، ومحافظة القاهرة هى التى ساهمت بالجزء الأكبر من ميزانية إنشاء كوبرى أكتوبر، الذى لولاه لاختنقت القاهرة تماماً، والاستثمار فى عهدى فى القاهرة وصل إلى حوالى ٦ مليارات جنيه.

■ ما رؤيتك للتخطيط العمرانى فى القاهرة؟

- أول مشكلة تواجه القاهرة، من وجهة نظرى، هى هدم الفيلات، لأنها جريمة كبرى، فالتخطيط العمرانى عندما وضع اشتراطات المبانى جعل المرافق محدودة السعة، تكفى فيلا وليس عمارة ١٢ دوراً، كل دور به شقتان وثلاث وأربع، فلا نستطيع أن نبنى برجاً ١٢ دوراً، عوضاً عن فيلا دورين، لأن هذا أوجد عبئاً كبيراً على المرافق والخدمات.

■ كيف ترى أزمة المرور التى تتفاقم كل ساعة؟

- سعة شوارع القاهرة لا تستوعب أكثر من نصف مليون سيارة، فى حين أن السيارات الموجودة بالفعل عددها ٢ مليون ونصف المليون سيارة، بخلاف الأتوبيسات وسيارات النقل العام، والنتيجة أن الشارع الذى به ٤ حارات سُدت بالكامل بمواقف السيارات، وقد اقترحت عدم الترخيص لأى سيارة، إلا لأغراض الإحلال والتبديل، وفى المقابل تحسين خدمة النقل العام على أن يكون الحل الرئيسى هو الجراجات تحت الأرض، وقد تعاقدنا بالفعل على ١١ جراجاً عاماً تحت الأرض كمرحلة أولى، لكن لم يستكمل المشروع.

■ لماذا؟

- كأى شىء فى البلد يتوقف فجأة وبلا سبب، هناك كارثة فى مدينة نصر مثلاً، كل الجراجات تحت العمارات تحولت إلى بوتيكات ومخازن ومحال.

■ ماذا عن العشوائيات فى القاهرة والجيزة.. ولماذا استعصت على الحل؟

- أثناء وجودى كمحافظ للقاهرة تعاقدنا مع عدد من المكاتب الاستشارية، للتخطيط لكيفية حل أزمة العشوائيات، بعد استصدار قرار من رئيس الوزراء كمال الجنزورى، بالتعاون مع هيئة التخطيط العمرانى، وبدأنا التنفيذ بما يسمى إعادة تخطيط العشوائيات بالمواءمة، أى بأقل قدر ممكن من الإزالات، نوسع بعض الشوارع لدخول المطافئ والإسعاف، وندخل المرافق وغيرها، لتحسين الأوضاع فى العشوائيات، وقد نفذ نظام المواءمة فى أكثر من منطقة عشوائية مثل المعصرة وعزبة بخيت فى منشية ناصر.

■ كم دفعت الحكومة للمكاتب الاستشارية؟

- حوالى ٥ ملايين جنيه، ومع ذلك توقف المشروع.

■ لماذا كانت مساكن حدائق زينهم الحالة الوحيدة التى أزيلت بالكامل ثم أعيد بناؤها؟

- حدائق زينهم لها قصة معى، فأنا كنت أهوى المرور ليلاً دون معاونين ولا سيارات، وفى إحدى المرات كنت أمر فى حدائق زينهم فوجدت بيوتاً من الصفيح والقش والكرتون، ورأيت فتاة صغيرة تستحم فى «طشت» بمعاونة والدتها وعندما رأيت ذلك وأنا أسير فى الشارع قلت «يا نهار اسود»، ولم أستطع النوم طيلة الليل بسبب هذا المشهد، وسهرت أفكر ماذا سنفعل لهؤلاء الناس، وأذكر أن السيدة سوزان مبارك كانت آتية لافتتاح فرع الهلال الأحمر فى زينهم، وهو مبنى فخم وبالرخام «حاجة كدة آخر ألاجة»، والأمن كعادته فى كل زيارة وضع ستائر حول الشبابيك والمنافذ حتى لا ترى السيدة سوزان مبارك المنطقة العشوائية التى يطل عليها المبنى، فأزحت الستائر فجأة، وسألتنى: ما هذا؟ فقلت لها «زينهم»، ونريد أن نطور هذه المنطقة تحت رعايتك، فوافقت، وبدأنا على الفور، ونقلنا جميع السكان وأزلنا المنطقة بالكامل، بميزانية المحافظة وبالتعاون مع عدد من رجال الأعمال، مثل محمد منصور وإبراهيم كامل، والبنك الأهلى، وأثبتت تجربة الإزالة الكاملة أنها الأنجح، لكن مشكلتها تكمن فى تكلفتها العالية.

■ بماذا تفسر ازدهار محافظات مثل الإسكندرية والأقصر، فى حين أن محافظات أخرى تسوء بسرعة كالقاهرة والجيزة.. هل يعكس ذلك فروقاً فردية بين المحافظين؟

- الجهود الشخصية للمحافظ مهمة، فهناك محافظ يريد عمل شىء وآخر لا يريد، ولا تنسى وعى الرأى العام فى المحافظ، ومدى استعداده للمساعدة والحفاظ على ما أنجز.

■ لننتقل إلى ملف نظافة العاصمة، أنت متهم باستجلاب الشركات الأجنبية لرفع القمامة المصرية وما تبعه من أزمات حيث حصلت هذه الشركات على مبالغ ضخمة فى حين تحولت أكوام القمامة إلى تلال؟

- عملية النظافة ورفع القمامة كانت تدار عن طريق هيئة نظافة وتجميل القاهرة، وكنا نريد استجلاب تكنولوجيا جديدة للتعامل مع القمامة، بما فيها التدوير وإعادة التصنيع، فأعلنا عن ذلك بين الشركات المصرية والأجنبية، ولأنه لم تكن هناك شركات مصرية متخصصة فى هذا المجال، أرسلنا الإعلان إلى سفاراتنا فى إيطاليا وإسبانيا وفرنسا وبريطانيا، وعن طريق المناقصات حصلت على العملية شركة إيطالية وأخرى إسبانية، وأنشأنا وحدة لمراقبة شروط العقد، وتم تعيين ٢٥٠ شاباً من حديثى التخرج، وتم تدريبهم على مراقبة شروط العقد، وأثناء وجودى كمحافظ لم تحدث أى مشكلة مع هذه الشركات.

■ هل تعتقد أن إزالة القمامة بحاجة لشركات أجنبية؟

- لم نقل فى الإعلان إننا نريد شركات أجنبية، إنما شركات قطاع خاص، ولم نشترط أن تكون أجنبية.

■ لكنك أعلنت عنها فى سفاراتنا بالخارج؟

- على العموم هى شركات أسست تحت القانون المصرى، وهذه الجهات الأجنبية دخلت كمساهمة مع أخرى مصرية، ثم إن شركة النظافة التى تعمل فى لندن هى شركة فرنسية، تلك التى كانت تعمل فى الإسكندرية، فلا عيب ولا غضاضة فى كونها أجنبية.

■ ما سبب مشكلة تفاقم أزمة القمامة بعد ذلك؟

- حتى تستطيعى مطالبة الشركات بالالتزام ببنود العقد، على الحكومة أولاً أن تلتزم بدفع المستحقات المالية لهذه الشركات لأن لديها عمالة، إضافة إلى أن جامعى القمامة القدامى كانوا متضررين من الوضع فسحبوا عمالهم، الذين لدى الشركات الأجنبية فتسببوا فى أزمة.

■ هذا يعنى أن الشركات الأجنبية اعتمدت على «الزبالين» المصريين أنفسهم؟

- نعم فالزبالون المصريون لديهم نقابة واتحاد خاص بهم فى منشية ناصر، وهم قرروا سحب عمالهم ولم يكتفوا بذلك، بل بدأوا يخربون فى الشوارع بفرز القمامة فى الشارع، وغير ذلك من عمليات التخريب، وجاءت أزمة ذبح الخنازير لتزيد من تفاقم الأزمة، حيث إن الخنازير عنصر مهم جداً فى دورة التخلص من القمامة، وبذبح الخنازير زادت القمامة فى الشوارع، واتهموا الشركات الأجنبية بأنها السبب، وهذا غير صحيح، ولابد أن نعترف بأن الوضع الحالى أفضل كثيراً مما سبق، فالقاهرة والجيزة كانتا أسوأ قبل دخول الشركات الأجنبية، فقد وفرت حوالى ٣٠٠٠ عامل نظافة فى القاهرة، بعد أن كان العدد السابق الذى كانت تعتمد عليه هيئة نظافة وتجميل القاهرة ٢٥٠٠ عامل فقط.

■ هذا يعنى أننا أعطينا أموالاً ضخمة لشركات أجنبية اعتمدت على العمالة المصرية، وحتى العدد الذى تعتبره ميزة لا أجد فى الفرق العددى ما يجعلها ميزة تستحق دفع كل هذه الأموال؟

- كونها شركات أجنبية لم يكن هو العامل المحدد، ولا حتى عدد العمال، إنما الخبرة واستجلاب التكنولوجيا والمعدات الحديثة.

■ أى تكنولوجيا.. لا نرى سوى بائسين يرتدون ملابس عمال النظافة، و«مقشات بلح» ولا نرى تكنولوجيا تصول وتجول فى الشوارع؟

- كل هذا خطأ، ولم نكن نعلم أن الأمر سيصل إلى هذا الوضع، والتطبيق هو المشكلة.

■ قيل إن الشركات حصلت على مليارات الجنيهات؟

- لا ليس إلى هذا الحد، الأمر كان محسوباً بعدد الأحياء وعدد الشوارع فى كل حى، والأدوات المستخدمة..إلخ.

■ كل الدراسات تقول القمامة المصرية من أغنى أنواع القمامة، بمعنى أنه كان يفترض أن تدفع الشركة للحكومة أموالاً مقابل هذه القمامة، وأضعف الإيمان أن ترفعها دون مقابل؟

- هى قمامة غنية لو تم تدويرها.. لكن المسألة مجهدة وصعبة، وليست كما تتصورين، ومشكلتها الحقيقية تكمن فى سلوكيات الناس الذين يرمون القمامة من البلكونات أو تتركها فى عرض الطريق.

■ هل يمكن أن نلقى باللوم على الزيادة السكانية فى أغلب المشكلات التى تواجهنا؟

- لا.. فهناك دول كثيرة لديها زيادة فى السكان، ومع ذلك وظفت الثروة السكانية فى خدمة التنمية، مثل الصين والهند وكوريا الجنوبية وإيران.

■ ولكن هناك ما يسمى التحفيز الإيجابى للحد من الزيادة السكانية، فما التحفيز الذى قدمته الحكومة المصرية للناس؟

- لا يوجد.. ولا تصدقى إطلاقاً أن الفقراء سيقللون النسل دون أن يكونوا متعلمين ومستواهم الاقتصادى معقول، فزيادة الوعى والتعليم ومستوى الدخل مدخل لتنظيم الأسرة، قبل ذلك لا تنتظرى تنظيما للأسرة. ومصر إمكانياتها جيدة، والدليل الملايين التى تخصص للعلاج على نفقة الدولة، لكنها لا تذهب إلى مستحقيها.

■ ماذا عن الجملة التى يرددها دائماً وزير المالية يوسف بطرس غالى «أجيب منين»؟

- الإمكانيات متوافرة، لكن على الدولة أن ترتب أولوياتها، فيجب أن يأتى الوضع الاجتماعى والتعليم والصحة فى الصدارة.

■ إذن الإمكانيات موجودة، لكنه الفساد الإدارى؟

- لنقل إنه العجز الإدارى.

■ لنترك الشأن العام قليلاً، ودعنى أسألك سؤلاً خاصاً.. مكثت أقل من عام ونصف العام فقط فى وزارة التنمية المحلية، فما سبب خروجك من الوزارة؟

- لو كنت أعلم سأخبرك!

■ بعد كل هذه المدة كمحافظ، ألم تكن لديك الخبرة الكافية لإدارة وزارة التنمية المحلية، لتخرج منها سريعا أم أنك أغضبت الرئيس؟

- إطلاقاً فعلاقتى بالرئيس ممتازة، الحمد لله أنا راضٍ عن أدائى لمهمتى.

■ لكن عاماً ونصف العام ليس بالتكريم اللائق بعد خدمة طويلة كمحافظ؟

- أجاب بعد تردد شديد: موضوع البناء على الأرض الزراعية هو سبب خروجى من الوزارة، فقد كنت على طول الخط رافضاً لهذا التصرف، وأرى أن التوسع فى الحيازة العمرانية على حساب الأراضى الزراعية خطر كبير يواجه مصر.. وكان هذا موقفى منذ أن كنت محافظا، وأثيرت الأزمة وصعدت إلى مستويات أكبر، وعقدت لجان عدة، وفى كل مرة أقول نفس الرأى.. وعلى ما يبدو أن إصرارى على عدم منح تراخيص للبناء على الأراضى كان أحد أسباب خروجى من الوزارة.

■ ما وجهة نظر الطرف الآخر فى السماح بالبناء على الأراضى الزراعية ورفضهم لموقفك؟

- كان يبرر منطقه باحتياجات الناس للإسكان فى الريف، ورددت عليهم باقتراح يحل المشكلة، وهو الظهير الصحراوى والمجتمعات العمرانية الجديدة، وقال لى أحد الشخصيات فى الحزب الوطنى صراحة «لا تمنع البناء على الأراضى الزراعية.. إحنا داخلين على انتخابات».

■ تقصد أنهم أرادوا الاستمرار فى البناء على الأراضى الزراعية لكسب مزيد من التأييد فى الانتخابات؟

- «حاجة زى كده».

■ من هى هذه الشخصية الحزبية؟

- لن أذكر أسماء.

■ هل الصدام كان مع أحد الوزراء؟

- الوزراء غلابة.

■ مع أحد أعمدة النظام؟

- تقريباً.

■ ما علاقتك بـ«صفوت الشريف»؟

- طبيعية.

■ وأحمد عز؟

- علاقة سيئة.

علي السمان



رئيس لجنة الحوار فى المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية لـ«المصري اليوم»:
الجهل هو الأب الروحى للأزمات الطائفية.. وبيان «شيخ الأزهر - البابا» لا يكفى لحلها
----------------------------------------------------
حوار رانيـا بـدوى -المصري اليوم-٩/ ١٠/ ٢٠١٠
---------------------------------------------


قضى أكثر من عشرين عاماً مهتما بقضية حوار الأديان، جاب دول العالم، شارك فى مؤتمرات عن السلام فى أغلب بقاع الأرض، تولى رئاسة المؤسسة الدولية لحوار الثقافات والأديان وتعاليم السلام، أنفق من ماله ليقرب بين وجهات النظر بالجلوس إلى مائدة الحوار، فتحولت إلى موائد لحوار الطرشان،

الأمر قد يكون صادما، ولكنها رؤية البعض فى محاولات الدكتور على السمان الذى أخلص النية فيما آمن به، ولكن النتائج جاءت دون ما كان يتوقع كما اضطر أخيرا للاعتراف فى هذا الحوار.

ذهبت إليه هذه المرة لأحدثه عن حوار الأديان فى الداخل ولماذا لم يوله من الجهد ما أولاه لحوار الأديان فى الخارج.. وفى نفس يوم الحوار المحدد مسبقا بيننا وجدته منشغلا بإجراء اتصالات بين فضيلة شيخ الأزهر والبابا شنودة فى محاولة منه لجمعهما لإصدار بيان يهدئ النفوس ويدخل الطمأنينة على قلوب الجميع- على حد قوله- وهو البيان الذى صدر مؤخرا.

■ سؤال البداية الذى فرض نفسه: هل البيان كاف.. وهل سيمحو الغصة من قلوب الطرفين؟!

أجاب الدكتور على السمان قائلا: بالطبع ليس كافيا وعلى المجتمع المدنى أن يمارس الدور المنوط به فى هذا المجال، وبالفعل اتفقت مع الدكتور عبدالعزيز حجازى رئيس اتحاد الجمعيات الأهلية على اجتماع لجنة الخطة غدا الأحد لمناقشة دور المجتمع المدنى فى مقاومة الفتنة الطائفية، وبشكل عام قضية التعايش بين الطرفين، ليقوم بدوره إلى جانب المؤسسات الدينية والحكومية.

■ كيف صدر البيان المشترك بين شيخ الأزهر والبابا شنودة؟

- البيان يعبر عن فكر الطرفين، وبعد تنسيق من جانبى ومن جانب الأب أرميا، وقع البابا شنودة عليه الساعة الثامنة صباحا يوم ٦ أكتوبر فى الكاتدرائية، ووقع عليه الساعة الثانية ظهرا فضيلة الإمام الأكبر فى منزله لأن هذا اليوم إجازة رسمية، وخرج البيان للنور متماشيا مع ما أعلنه الرئيس مبارك فى كلمته بمناسبة ٦ أكتوبر.

■ من صاغ البيان؟

- ابتسم مترددا ثم قال: الصياغة النهائية لفكر الطرفين كتبتها فى حضور الأب أرميا.. كما تم الاتصال بالدكتور حمدى زقزوق وزير الأوقاف ودار حديث بيننا حول التوجيهات التى تعطى لأئمة المساجد ليتماشى خطاب الجمعة مع روح التعايش المشترك .

■ فى رأيك ما سبب الأزمات المتتالية بين المسلمين والأقباط؟

- السبب الرئيسى هو الجهل، وما حدث فى نجع حمادى على سبيل المثال كان الأب الروحى فيه الجهل، ولا يمكن أن نتجاهل السرطان الجديد الذى بدأ ينتشر فى المجتمع المصرى وهو الأخطر على الإطلاق «البلطجة» أى سيادة لغة القوة، التى إذا امتدت فسيشعر الناس بغياب دولة القانون.

■ تحت أى توصيف تندرج التصريحات الأخيرة بين كل من الأنبا بيشوى والدكتور محمد سليم العوا وما ترتب عليها من أزمات؟

- ما حدث يعتبر «فلتان فكرى»، ويعكس عدم وجود حزم وضبط وربط من جميع الأطراف، فحينما تأتى الأمور بأى شىء يهدد الوحدة الوطنية، يجب أن نتفق جميعا على أن هناك خطوطاً حمراء يجب ألا يتخطاها أى طرف.. وعلى الجانب الآخر شاهدنا بطئاً شديداً من قبل المسؤولين فى الدولة فى التحرك، وأنا مؤمن بأنه متى اشتعلت الحرائق يكون عنصر الوقت فى غاية الأهمية.

■ فى رأيك ما هو الحل العاجل لهذه الأزمة؟

- أن يبدأ البرلمان المصرى دورته التشريعية الجديدة بتشريع قانون على أن يسمى «قانون حماية الوحدة الوطنية».. يضع الخطوط الحمراء التى تحمى القيم والنصوص والرموز الدينية.

■ ألا يوجد فى القانون ما يعاقب كل من يتعرض للأديان؟

- يوجد.. ولكن ليس بالحسم والتحديد المطلوبين، المطلوب تشريع ينص على أن التعرض للنصوص الدينية من الطرفين يعرض الأمن القومى المصرى للخطر، ونحن والحمد لله من أهم مصانع التشريع فى العالم .

■ لأننا من أهم مصانع التشريع كما قلت.. ألا يمكن أن يتم تشريع قانون نصوصه مطاطة، يؤخذ بحجته كل معارضى النظام بتهمة تعريض الأمن القومى المصرى للخطر؟

- هذا هو دور المشرع الذى عليه أن يجد التعبير المحدد، لأننى أقترح أن ينال الشخص الذى يتعرض للكتب المقدسة والقيم والرموز الدينية أقصى عقوبة، وليتم ذلك يجب أن يكون النص واضحاً ومحدداً.

■ لكن واضعى التشريعات محسوبون فى النهاية على النظام أمثال الدكتور فتحى سرور والدكتور مفيد شهاب- مع خالص التقدير لهما- ألا يمكن أن يؤدى هذا إلى خروج التشريع لصالح النظام؟

- لديك حق لذا أقترح وجوب استشارة أساتذة قانون من خارج مجلس الشعب وأرشح شخصية مثل الدكتور فؤاد رياض لأنه سبق أن عمل فى محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية.

■ ما تقييمك بشكل عام لموقف كل من الدكتور سليم العوا والأنبا بيشوى؟

- كلام الدكتور العوا الذى نشر فى «المصرى اليوم» كان هادئا ومتوازنا رغم أنه قال فيه إنه لا يتراجع عن موقفه، فإذا كان يقصد بعدم تراجعه أنه لايتراجع عن رأيه فيما يخص أن الكنائس تخزن الأسلحة.. فهذا بصراحة «مالوش لازمة» أما الحوار مع الجزيرة فقد كانت سمته الاستفزاز والإثارة، لاعتبارات كثيرة منها طريقة توجيه السؤال وتوجهات القناة، وأعتقد أن توجه قناة الجزيرة وأحمد منصور المذيع كان مقصوداً به التفجير وليس التهدئة.

■ وماذا عما قاله الأنبا بيشوى؟

- أرفض كلام الأنبا بيشوى شكلا ومضمونا، فهو أخطأ فى البداية، ولم يصلح فى النهاية، لذا لن أناقش تفاصيله.. ولا خلاف على أن أى قيادة مسيحية تشكك فى نصوص القرآن هى لغة مرفوضة بكل المعايير، عموما الخطأ من كليهما متبادل والألفاظ كانت غير موفقة.

■ هل حاولت الاتصال بالدكتور محمد سليم العوا أو الأنبا بيشوى؟

- لا لم تكن هناك فرصة وأثناء اشتعال الأزمة كنت خارج مصر.

■ تهتم منذ أكثر من عشرين عاما بحوار الأديان.. ألا ترى أنه من الأولى أن توجه جهودك لحوار الأديان فى الداخل؟

- أنا على اتصال بالفعل مع قيادتين مسؤولتين فى الجانبين لمحاولة تقريب وجهات النظر ولتحقيق مبدأ طالما آمنت به «اللهم اجعلنا ممن يقرب ولا يفرق».

وعموما أنا لا أسمى ذلك حوار أديان بل اعتبره جهداً لحماية الوحدة الوطنية، لكن حوار الأديان كما مارسته هو حوار مع الآخر «الكنيسة الكاثوليكية فى الفاتيكان، الكنيسة الإنجيلية فى إنجلترا، بعض القيادات اليهودية» ولكن من هم فى الداخل لا أطلق عليهم الآخر.

■ ما الجهد الذى بذلته لحماية الوحدة الوطنية؟

- فى يوم من الأيام أعدت أستاذة فى جامعة عين شمس دراسة وزعتها على الطلبة فى الجامعة اسمها مقارنة الأديان، فى هذه المادة هاجمت المسيحيين بضراوة، الخطورة أن هذه المادة وزعت على الجميع بمن فيهم أقباط الجامعة فذهبوا وشكوا الأمر إلى الأنبا بسنتى لشعبيته وصداقاته الإسلامية المتعددة، الأنبا بسنتى ذهب إلى البابا شنودة وعرض عليه الأمر فقال له البابا خذ هذا الملف، وأعطه للدكتور على السمان لثقته بأننى سأتصرف بالشكل اللائق وبالفعل أخذت الملف وكان وقتها مفيد شهاب وزير التعليم العالى وأصررت أن ألتقى به فى نفس اليوم واستجاب الرجل،

وبعد اطلاعه على الملف قال لى هذه لغة مرفوضة وتعرض الوحدة الوطنية للخطر، وأنا عن نفسى جمعت اللجنة التى أرأسها «لجنة حوار الأديان فى المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية» ووزعت الدراسة عليهم تحسبا إذا أخذ الوزير قرار فلا تحدث مزايدة، وتكون هناك مؤسسة إسلامية تدعم هذا القرار. ولو أن هذه الأزمة لم تحل كانت ستشتعل الدنيا.

مثال آخر.. قمت بعدد من اللقاءات مع بعض القيادات من الطرفين منهم الانبا بسنتى ومنير فخرى عبدالنور وعدد من نواب مجلس الدولة واجتمعنا فى جلسة غير رسمية فى بيتى، وحددنا لأنفسنا هدفاً هو أن نفكر فى شؤوننا ونمارس ما سميته بلغتى حق الاقتراح، فمن حقنا كمواطنين أن نقول لصانعى القرار إن القانون الهمايونى فى حاجة إلى وقفة، وهو ما بذلنا فيه جهداً متكرراً، ولا أدعى أنه يوم اتخاذ القرار بنقل سلطة قرار بناء الكنيسة من رئيس الدولة إلى المحافظين، أننا كنا وحدنا وراء ذلك، مؤكد كانت هناك جهات أخرى تعمل فى هذا المجال منذ سنوات..لكن الآن يعد أهم تعديل اتخذ هو نقل قرار بناء الكنائس إلى المحافظين.

■ على حدود علمى أن المحافظ لديه فقط سلطة إعطاء تصاريح بترميم الكنائس القديمة أو تصريح إقامة خدمات اجتماعية ملحقة بالكنيسة، ولكن تصريح بناء الكنيسة فى يد رئيس الجمهورية؟

- لا.. لقد تم نقل السلطة إلى المحافظين وهذه المعلومة هى الواقع.

■ ولماذا يمتنع المحافظون عن إعطاء تصاريح بناء الكنائس إذن؟

- لكل محافظ أسلوب مختلف، ولكل محافظة ظروف خاصة، وربما ينتظر المحافظ ضوءاً أخضر من جهة ما لإعطاء التصاريح، ولكن سلطة القرار فى يد المحافظ وإن كان هناك من يمتنع عن إعطاء التصاريح، فهناك محافظون يعطون التصاريح حتى إننى شاهدت المحافظ فى الغردقة وهو يشرف بنفسه على بناء كنيسة تقارب حجم الكاتدرائية فى المساحة.

■ هل آن الأوان أن تعترف بفشل حوار الأديان فى الخارج؟

- أعترف بأنها لم تأت بالنتائج التى كنت أتمناها لنقل رسالة الحوار من النخبة إلى القاعدة العريضة، لأن دور مؤسسات الحوار يحتاج لمؤسسات أخرى تبدأ بالأسرة لذا ظل الحوار نخبوياً.

■ ألم تتوقف أثناء مشوارك أمام نقطة أن هناك صراعاً دائماً مع مسلمى الشرق الأوسط فى حين لا نجد صراعاً مع مسلمى ماليزيا وأندونيسيا أو ما شابه فهل القضية سياسية أم دينية؟

- للأسف قضية الشرق الأوسط حاكمة فى أى شىء نتحدث عنه، من أديان أو ثقافات أو سلام.. وأوافقك أن عملية حوار الأديان يحدث لها عملية خطف فبدلا من الحديث عن أوضاع الأديان والثقافات نجد أنفسنا نتحدث عن القضية الفلسطينية، ورأيى أنه ما لم تحل القضية سنبقى ندور فى نفس الفلك، وجزء من المسؤولية فى الداخل وليس فى الخارج.. وبالمناسبة اكتشفت خطئى طوال السنوات الماضية فلا يوجد شىء يسمى حوار الأديان إنما حوار أتباع الأديان.

■ من أزمات الدين إلى السياسة كيف ترى الساحة الآن وما يعتريها من تكهنات وشائعات حول مقعد الرئاسة؟

- يهيأ لى أن المصريين يحبون طرح المشكلات غير القائمة.. ويشغلون أنفسهم بنعم أم لا لجمال مبارك، بصراحة أنا لا أفهم هذه الضجة.. فالقاعدة معلومة والموضوع منته.

■ ألا وهى؟

- أن رئيس الدولة لم يعلن بعد نيته، ولو أعلنها فليس من المتخيل ألا يكون هو الرئيس القادم.

■ ألن نفاجأ فى أى لحظة بأن مرشح الحزب الوطنى شخص آخر غير الرئيس مبارك؟

- ممكن.. وممكن طبعا يكون جمال مبارك. ولكن يفترض أولا أن يقول الرئيس مبارك إنه لن يكون مرشحا، حينئذ ينفتح الباب لجمال ولغيره.. كون جمال لديه فرص أعلى هذا أمر آخر.. لكن طالما أن رئيس الدولة لم يعلن ما إذا كان سيدخل الانتخابات أم لا فى ٢٠١١ يكون هذا الحديث سابقاً لأوانه، ولكن إذا قال إنه سيكون هو المرشح- وفى أغلب الظن سيكون هو المرشح– وقتها سيكون لديه فرصة أكبر للفوز فى الانتخابات. وعلى مستوى توقعى الشخصى أقول إنه إذا شاءت إرادة الله أن يحتفظ الرئيس مبارك بحالته الصحية الحالية، فهناك فرصة عالية جدا أن يقبل الترشح لانتخابات الرئاسة المقبلة.

■ هذه معلومات أم توقع؟

- معلومات طبعا.. حالته الصحية الحالية بعد رحلة العلاج تعطى انطباعا بقدرته على إدارة شؤون الدولة، ولا أستطيع التدخل فى إرادة الله فكلنا معرضون لتدهور صحتنا فى أى وقت، ومن الممكن أن ينتخب وبعد عام أو اثنين يجد نفسه غير قادر، وقتها.. ما المانع فى إجراء انتخابات جديدة؟ بالمنطق والعقل لا أجد أنه سيمارس حينما لا يستطيع أن يمارس عمله.

■ هناك تصور.. أن يرشح الرئيس نفسه ومع وجود الأغلبية ينجح فى الانتخابات فى حين تدار شؤون البلد بالمعاونين.. ما رأيك؟

- الطبيعى أن يمارس المعاونون دورهم.. ولكن دعينا نذهب إلى أرض الواقع، وأقول لك إن هذا الرجل دون أى انحياز له، الموضوعات التى يتدخل فيها هى اللحظات المطلوب فيها تدخل الحاكم الأكبر فى الدولة.

مثلا عندما تكون هناك نقطة تمس البعد الاجتماعى، يتدخل ويضغط حتى لا يتم نسيان البعد الاجتماعى، وأنا أعرف جيدا معاناة أخى وصديقى يوسف بطرس غالى عندما يذهب الرئيس إلى البعد الاجتماعى.. والمعادلة هنا هى إقامة موازنة بين الممكن والمستحيل.. المستحيل أن أهز التوازن الاجتماعى فيهتز الأمن القومى والرئيس مبارك يدرك ذلك جيدا.. ثانيا حينما تختلف مؤسسات الدولة وحينما يختلط دورى القطاعين العام والخاص هنا نحتاج إلى حكم، وهذه المهمة لا تحتاج إلى جهد عادى أو غير عادى، إنما هى تكفى لإدارة الدولة، فهو يختار كرئيس للدولة وحكم بين الأطراف.

■ لكن هذا يختصر منصب الرئيس فى فكرة التدخل وحل الأزمات.. وماذا عن وضع الاستراتيجيات العامة ومتابعة تنفيذها ومحاسبة المقصرين؟

- لا يجب أن نحمّل هذا المنصب أكثر مما يحتمل، فعلى باقى المؤسسات القيام بدورها وأغلب المشكلات التى يعانى منها البلد الآن من مجارى وأسعار وغيرهما كله نتيجة عدم التصدى وبجرأة لسرطان مصر منذ سنوات «التزايد السكانى».. الذى يلتهم كل ما يأتى من خير فى التنمية.. للأمانة كل الحكومات الموجودة لم تتصد بشكل جدى للزيادة السكانية.

■ ماذا عن الهند والصين؟ ولماذا تعاملت هذه الدول مع الزيادة السكانية على أنها ثروة منتجة وتعاملنا نحن معها على أنها عبء وأزمة؟

- الصين عملت معادلة نادرة الوجود.. حيث قرروا أنه فى الخارج ستكون الصين المستفيد الأول من النظام الليبرالى فى الحدود المفتوحة، وفى الداخل احتفظ بالنظام الشيوعى.. فمن يفعل ذلك؟!وهل سيقبل النظام المصرى بالشيوعية فى الداخل، أما الهند فقد وضعوا خطا فاصلا بين الفقراء الذين لا أمل فيهم واستغلوا الجزء الثانى من السكان القابل للتطور والتكنولوجيا وخلقوا الهند التى ترينها الآن وتصدر تكنولوجيا متقدمة لجميع دول العالم ولكن هل سيقبل المجتمع المصرى أن نغفل جزءاً ونتركه على فقره ونطور الجزء الثانى؟!

■ نعود لمعضلة مرشح الرئاسة القادم.. ألا ترى أن تأخر إعلان مرشح الحزب الوطنى للرئاسة كان سبب إطلاق شائعات منها وجود خلاف داخل بيت الرئاسة؟

- جمال مبارك تربى جيدا، والموقف بالنسبة له سيتحدد بموقف رئيس الدولة، إذا أخذ موقفاً سيقبله جمال مبارك.. هو تربى على ذلك، وأنا شاهد على أحداث محددة منها أنه عندما ذهب جمال مع الحزب فى جولة إلى أوروبا وكان معه الأخ العزيز حسام بدراوى وعاد وكان الرئيس سعيداً لنجاح هذه الجولة، لكن رد فعله التنظيمى أن قال لجمال مبارك «كويس قوى لكن أرجو أن تضعوا صفوت الشريف فى الصورة». لم أر على وجه جمال مبارك أى خيبة أمل، فما فعلوه يجب أن ينقلوه إلى صفوت الشريف لأنه فى فكر مبارك هو أمين عام الحزب، ويجب أن يعلم.

■ ننتقل من جمال مبارك إلى البرادعى والجمعية الوطنية للتغيير كيف ترى وجود البرادعى على الساحة السياسية؟ وجود البرادعى ماذا يعنى فى وجهة نظرك؟

- ترشيح البرادعى حق مكفول تحدده الإجراءات الواردة فى الدستور، وجمعه التوقيعات لتعديل الدستور حق مكفول أيضا.. كما أن حق المسؤولين مكفول أيضا فى رؤيتهم للتوقيت المناسب لتغيير الدستور، أو أنه سيخلق هزة كبيرة فى المجتمع، باختصار أنا لا أفهم الهجمة الشرسة على البرادعى ما سببها! لكنى مشفق عليه لأنه فى نهاية المطاف ليس محترف سياسة، هو وطنى أكيد لكنه ليس محنكاً فى الألاعيب والتحالفات السياسية.

■ هل هذا ما قد يعرض حركته للإجهاض مبكرا؟

- ممكن.. لكن هل إذا ترشح الرئيس مبارك والبرادعى سيحصل الأخير على أغلبية وينجح؟.. قليلون يعتقدون ذلك.. هذا إذا صح أن ترشيحه لنفسه ممكن تشريعيا.

■ هل تؤيد الدكتور البرادعى فى مطالباته.. وهل ترى الدستور فعلا يحتاج إلى تعديل؟

- أنا مثل الأغلبية المتحفظة على التعديلات الدستوية الأخيرة وأرى أنه توجد أجزاء بها ما كان يجب أن تتم بهذه الطريقة، ولكن تعديل الدستور يجب أن يتم بالشكل الذى يراه الدستور الحالى، التعديل ليس بالبساطة التى تهيأ للبعض ولكن تحتاج إلى أغلبية البرلمان وموافقة رئيس الدولة، والرأى العام جزء من المعادلة.

عدلي حسين



محافظ القليوبية فى حوار جرىء مع «المصرى اليوم» عن الملفات الساخنة:
أصدرت تعليمات صارمة بمنع أى ملصقات تؤيد جمال مبارك أو تعارضه (١-٢)
------------------------------------------------------------
حوار رانيا بدوى - المصري اليوم- ٢٣/ ٨/ ٢٠١٠
-----------------------------------------------------

«أصدرت تعليماتى لجميع رؤساء الوحدات المحلية بمنع أى ملصقات للأستاذ جمال مبارك، سواء التى تحمل جمل التأييد والدعم، أو شعار (مصر كبيرة عليك)».. ليس هذا فقط ما قاله المستشار عدلى حسين محافظ القليوبية، فى حواره مع «المصرى اليوم» حول أحداث الساعة، بل أضاف: إذا أراد جمال مبارك جس نبض الشارع المصرى تجاهه فلا يجب أن يكون بتلك الطريقة، وليس بواسطة هؤلاء الناس.

المستشار عدلى حسين رجل معروف بصرامته وجديته، ومواقفه التى تدل على وعى سياسى، وإحساس بالمواطن رغم كونه من أركان النظام، وهو لا ينفى أنه جزء من هذا النظام، لكنه يسمح لنفسه دائماً بالتباين عنه فى القضايا التى يرى أنها تضر بالوطن وأحيانا بالنظام نفسه.. ويرى أن مصر أكبر من أى عبث، وأن الحزب الوطنى ليس فى حاجة لممارسات خاطئة ليثبت شعبيته. إنها مجرد عينة من آرائه السياسية الجريئة التى تتمدد فى هذا الحوار..

■ سيادة المستشار.. ما رأيك فى تشكيل مجلس الشعب الماضى وأدائه؟

- مجلس الشعب الماضى كانت عليه تحفظات شديدة، وحدث خلل لا شك فى تشكيله، فبعض الأعضاء لم يكونوا على مستوى المسؤولية، وعلى الجميع إصلاح هذا الخلل، حتى لا تأتى مثل هذه النوعيات إلى المجلس القادم، وحتى يتم التغيير والإصلاح الذى ننشده.

■ وما تقييمك لانتخابات مجلس الشورى الماضية؟

- لا شك أن عليها ملاحظات، وأعتقد أن الدكتور مفيد شهاب نفسه فى أكثر من تصريح صحفى قال إن الأمر لم يخلُ من بعض التجاوزات.

■ بعض التجاوزات؟!

- هذا على حد تعبيره، وأنا أتفق معه أن هناك تجاوزات جرت يجب أن نقلع عنها ونبرأ منها فى انتخابات مجلس الشعب المقبلة.

■ بصراحة هل يشارك المحافظ فى هذه التجاوزات، باعتباره جزءاً من منظومة الحزب الوطنى؟

- العملية الانتخابية عملية حزبية ١٠٠%، بدءاً من إعداد قائمة الترشيحات، مروراً بالعملية الانتخابية، وإعلان النتائج، ولا علاقة لنا بكل هذه التفاصيل باستثناء ما نحن مكلفون به، من مراقبة العملية الدعائية وأصولها، وتوفير الراحة للمشرفين على الانتخابات، تسهيل المواصلات وطرق الانتقال، مساعدة الشرطة فى تأمين اللجان الانتخابية ونقل صناديق التصويت.

■ ألم يطلب منك المشاركة فى إنجاح مرشح دون الآخر؟

- إطلاقا، لم يفاتحنى أحد فى مثل هذا الأمر، لا تلميحا ولا تصريحا، وأنا رجل قديم وأفهم حدودى جيدا وهم أيضا يعلمون مع من يتعاملون.

■ ألم يأت لك أحد من المواطنين من قبل للشكوى من منعه من الإدلاء بصوته؟

- لا أذكر سوى شكوى واحدة أتتنى من مرشح التجمع الدكتور شوقى الكردى، المرشح، حيث اشتكى من أن مرشح الحزب الوطنى ينوى استخدام مركز للشباب لعمل دعاية انتخابية ومؤتمر انتخابى، فأرسلت رئيس الوحدة المحلية، ومدير مركز الشباب، وتأكدا من أن شكواه صحيحة فمنعت المؤتمر قبل أن يعقد وحظرت تماما استخدام أى مصلحة حكومية فى الدعاية الانتخابية، مثل المستشفيات والمدارس ومراكز الشباب، وفى النهاية نجح مرشح الحزب الوطنى، ولم يكن فى حاجة إلى مثل هذه الممارسات، وفى نفس الوقت جاءنى الدكتور شوقى وشكرنى على موقفى.

■ ألهذا أصدرت قراراً بعدم استغلال المصالح الحكومية والمنشآت العامة فى الانتخابات من قبل الحزب الوطنى، وهو القرار الذى فسره البعض بأنك تعادى الحزب؟

- الحزب الوطنى يجب أن يكون قدوة، ولا يتصور أحد أنه يأخذ ميزة على حساب بقية القوى السياسية الأخرى، لأن الوضع السياسى الحالى لا يسمح بمميزات لأحد على حساب أحد، كما أن الحزب الوطنى ليس بحاجة إلى أى استثناءات، الحزب له قواعد ورموز فى كل دوائر الجمهورية، وليس بحاجة إلى أى إجراءات تظهر أن له سيطرة غير مشروعة، وهذا حفاظا على الحزب الوطنى ذاته وليس ضد مصلحته.

■ وما توقعاتك لانتخابات مجلس الشعب المقبلة؟

- أتوقع أن تكون أكثر سخونة والصراع فيها أقوى وأشرس، وهذا يبدو واضحا من لافتات الدعاية الموزعة فى كل مكان، وعلى ما يبدو أن الإخوان يستعدون لترشيح عدد كبير من النساء، ردا على مسألة الكوتة كما أن مرشحى الوفد والتجمع متواجدون فى أغلب الدوائر تقريبا.

■ وماذا عن التلويح بمقاطعة الانتخابات طوال الفترة الماضية، إذا لم يقدم النظام ضمانات لنزاهة الانتخابات؟

- الوفد والتجمع لن يقاطعا الانتخابات، ولا أظن أن الإخوان سيفوتون الفرصة بالمقاطعة، خاصة أن لديهم رصيداً سابقاً، لا أعتقد أنهم سيهدرونه بل على العكس سوف يستثمرونه، الأمر الآخر أن جميع الأحزاب تجهز من الآن مرشحاً للرئاسة، فكيف سيقاطعون وهم ينوون الترشح للرئاسة، أنا أعتقد أن كل ما يقال عن مقاطعة الانتخابات مناورات سياسية لا أكثر.

■ قلت إن الانتخابات النيابية ستكون أشرس.. هل لأنها تسبق انتخابات الرئاسة؟

- ربما لأن مجلس الشعب السابق كانت عليه ملاحظات كثيرة جدا، ونحن نعيش فى مناخ عام يسعى إلى التغيير والإصلاح، ولن يحدث تغيير أو إصلاح إلا بالأدوات الدستورية والقانونية، وهى تأتى عبر مجلس الشعب لأنه أداة التغيير، لذا الكل حريص على أن يعبر المجلس القادم عن هذا التغيير والإصلاح.

■ هل تعتقد أن الحزب الوطنى سيعطى فرصة للتغيير وإصلاح مجلس الشعب؟

- لا الوطنى ولا غير الوطنى.. لن توجد قوة سياسية ستعطى للقوة الأخرى فرصة، فأى قوة تستطيع أن تكسب بأى سبيل فسوف تحاول أن تكسب فى الانتخابات القادمة.

■ قال البعض إن ما حدث فى انتخابات الشورى مجرد بروفة لما سيحدث فى انتخابات مجلس الشعب القادمة؟

- أعتقد أن السلبيات التى حدثت فى انتخابات مجلس الشورى سيتم تلافيها بالتأكيد فى الانتخابات القادمة.

■ لماذا؟ وما مصدر ثقتك؟

- لن يتحمل أحد فى انتخابات مجلس الشعب القادم أن تكون هناك خروقات فاضحة.

■ ولكن الوطنى يتحمل كل شىء؟

- لا.. يهيأ لك هذا، فلنا سمعة فى الداخل والخارج، ولا يستطيع أحد تحمل مسؤولية تشويهها.

■ كمحافظ مسؤول عن تراخيص لافتات الدعاية للمرشحين.. بصراحة هل تسمح بالترخيص لجميع الأحزاب والقوى السياسية؟

- نعم، ولو تابعت بإمعان ستجدين أن اللافتات المعلقة والتى صرحنا بها للكل ضمنها لمرشحين من أحزاب المعارضة والمستقلين وكلها موجودة فى الشارع.

■ وماذا عن الإخوان؟

- لم يتقدموا بطلب تصاريح حتى الآن.

■ لماذا؟

- قد يكون تكتيكهم عدم الإعلان عن مرشحيهم الآن، والأمر نفسه ينطبق على الحزب الوطنى فهو الآخر لم يتقدم بطلب تصاريح للافتات حتى الآن.

■ وإذا ما تقدموا؟

- سنعطيهم التصاريح المطلوبة، وسأوافق لهم، ولكن بشرط أن تكون لافتات عادية ولا تحمل محظورات.

■ وما هذه المحظورات؟

- الشعارات الدينية ممنوعة، حيث نص على ذلك فى التعليمات المنظمة للعملية الانتخابية، من قبل اللجنة العليا والتى أعطت صلاحيات للمحافظ فى هذا الشأن.

كما أننى أرخص فقط للافتات المصنوعة من القماش وكل أنواع اللافتات التى يسهل رفعها بعد انتهاء الانتخابات وخوفا من تشويه الأماكن والميادين.

■ وماذا عن عدد اللافتات؟ هل ستسمح مثلاً للوطنى بمائة لافتة وللإخوان بخمس لافتات فقط؟

- عدد اللافتات مربوط فى النهاية بالرسوم، كما يتم تحديد مدة اللافتة بشهر قابل للتجديد. لأن هناك مرشحين ينزلون الانتخابات لمدة شهر لجس النبض وقد يغير المرشح رأيه ويقرر التنازل فلا يفضل أن يدفع رسوما لثلاثة أشهر.

■ هل تتوقع أن المرشحين المستقلين كالعادة سوف ينضمون فى حالة النجاح إلى الحزب الوطنى أم سيظلون محافظين على صفتهم كمستقلين؟

- ٩٠% ممن علقوا لافتاتهم الآن يأملون أن يرشحهم الحزب الوطنى.

■ لننتقل إلى ظاهرة حرب الملصقات الخاصة بانتخابات الرئاسة، ما بين ملصقات لدعم جمال مبارك، وأخرى تحمل شعار «مصر كبيرة عليك».. ما نصيب القليوبية من هذه الظاهرة؟

- أولا لا يوجد إطلاقا أى ملصق فى القليوبية بالكامل خاص بالأستاذ جمال مبارك، وأنا أصدرت تعليمات واضحة وصارمة لكل رؤساء الوحدات المحلية فى جميع أنحاء المحافظة بمنع أى ملصقات للأستاذ جمال مبارك، سواء من المعترضين عليه أو المناصرين له، لمن معه أو لمن ضده، ولا تعلق ملصقات فى القليوبية خاصة به، فالرجل لم يعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية القادمة، كما أنه ليس مرشحاً لمجلس الشورى، ولا لمجلس الشعب، فلماذا هذه الملصقات إذن؟!

■ لجس النبض وللتمهيد لفكرة ترشحه فى الانتخابات الرئاسية القادمة!

- جس النبض لا يكون بهذه الصورة ولا بهذه الطريقة ولا من هؤلاء الناس.

وللعلم لم يحدث أن وضع أحد ملصقات من هذا النوع فى القليوبية، ولدى معلومات كافية عن عدم وجود هذه الملصقات فى القليوبية بالكامل، ولكن بعد سماعى بالظاهرة، أصدرت هذه التعليمات تحسباً، ووجهت تعليماتى لجميع رؤساء الوحدات المحلية بأن مثل هذه الملصقات ممنوعة فى القليوبية، لأن هذا يعنى أننى أدخل أطرافا على غير رغبتهم، فى موضوع لا علاقة لهم به.

■ هل لديك معلومات عن كونها على غير رغبته؟

- بالتأكيد، والدليل أن الحزب نفسه أعلن أنه لا علاقة له بما يحدث ولا يؤيده ولا يباركه، ثم إذا كانت هناك رغبة للأستاذ جمال مبارك لجس النبض، أو أن يمهد لنفسه فليس بهذا الأسلوب ولا من هؤلاء الناس، ولا من هذه النوعية التى تقوم بهذه التصرفات، فهو فى غنى عن أن يعرف نفسه من خلال مثل هذا العبث.

■ من انتخابات مجلس الشعب إلى انتخابات الرئاسة، كيف ترى ترشح المستقلين لرئاسة الجمهورية؟

- الأمر ليس سهلاً بالنسبة للمستقلين، فالنسبة المطلوب الحصول عليها من أصوات مجلسى الشعب والشورى والمجالس المحلية فى ١٠ محافظات على الأقل تحتاج إلى شعبية جارفة للمرشح المستقل حتى يستطيع ضمان هذه الأصوات.

■ هل تعتقد أن من الصعوبة على شخص كالدكتور البرادعى مثلا أن يحصل على هذه الشعبية؟

- الدكتور البرادعى أعلن بوضوح أن لديه شروطا لن تتحقق، لذا أنا أرى أن الدكتور البرادعى ناشط سياسى وليس مرشحا رئاسيا، استطاع أن يحرك المياه الراكدة، وقد أفلح فى هذا التحريك، ولكنه لم يقطع ولم يصرح بشكل مؤكد أنه سيرشح نفسه للرئاسة، وقد علق الترشح على شروط لن تتحقق، واستحالة فى هذا الزمن أن تتحقق.

■ لماذا تصفها بالاستحالة؟

- هو يطلب تعديل الدستور، والدستور ليس قانونا يسهل تغييره ولكنه شىء أساسى فى حاجة إلى إجراءات صعبة لتعديله، ثم إن المواد التى يطلب الدكتور البرادعى تعديلها ليست بالهينة، وهو يعلم تماما أنها لن تتغير، وبالتالى يضع فى خطته أنه لن يتقدم للترشح، وهو قال ذلك فى أكثر من تصريح له، حيث قال على حسب تعبيره، إنه لن يخوض الانتخابات فى ظل الوضع الحالى حتى لا يعطى مشروعية للوضع الحالى، وإن دوره تحريك الشارع السياسى، وأعتقد أنه أفلح فى ذلك، ومظاهر ذلك تتمثل فى نشاط جمعية التغيير، ونشاط المعارضة، والفضائيات، لذا، كما قلت، هو مازال فى طور الناشط السياسى وليس المرشح الرئاسى.

■ هل تعتقد أن البرادعى يمثل خطورة على الرئيس مبارك؟

- لا أعتقد، البرادعى لا يمثل خطورة على الحزب الوطنى، إنما يمثل خطورة كبيرة على المعارضة.

■ كيف تقرأ الغموض المحيط بمقعد الرئاسة فى مصر، والذى يدفع للتكهنات؟

- أى غموض؟ مازال هناك عام ونصف العام على انتخابات الرئاسة القادمة، ولاحظى أن الساحة متروكة لجميع القوى السياسية للإعلان عن مرشحيها للرئاسة، وهناك من طرح اسمه وظهر فى الفضائيات.

■ لكن الناس تنتظر الإعلان عن مرشح الحزب الوطنى؟

- الحزب الوطنى حزب كبير، وهناك إجراءات وترتيبات لاعلان المرشح، ويحسب للحزب الوطنى هذا الوقار وعدم التسرع، وكون الناس تنتظر الحزب الوطنى فهذا مؤشر جيد، ولكن علينا احترام إجراءاته الرصينة التى يتخذها.

■ أيا كان مرشح الحزب الوطنى للرئاسة هل ستعطيه صوتك، أم أن المسألة ستتوقف على البرنامج الانتخابى المقدم من مرشحى جميع الأحزاب؟

- أنا رجل من النظام، وبالتالى بديهى أن أنتخب من يقدمه الحزب الوطنى، وأنا مثلى مثل الآخرين فى انتظار من سيقدمه الحزب.

■ هناك عدم وضوح لموقف الرئيس من الترشح، وهناك أيضاً ملصقات لجمال مبارك تنتشر ألا يدعم ذلك الشائعات بترشيح جمال مبارك؟

- ومن أعلمك أن جمال مبارك هو الذى خلف الحملة، الرجل نفى علاقته بالملصقات وتبرأ منها، وما يحدث مجرد شائعات تتراكم.

■ هل هذا طبيعى أن يترك أهم موضوع بالنسبة للمصريين محل شائعات، دون أن نرى حسما واضحا لكل ما يقال، ومرشحا معلنا نقبله أو نرفضه؟

- ولماذا مطلوب دفع أى بنى آدم دفعا لأن يقول شيئاً لا يريد قوله إلا فى توقيت معين، نفس الشىء يمارس مع الدكتور البرادعى يحاولون دفعه لقول أمور ليست فى حساباته، فيضطر إلى أن يقول إنه لن يرشح نفسه للرئاسة إلا بشروط محددة، ثم يحاولون مرة ثانية الضغط عليه بسؤاله هل سترشح نفسك أم لا؟

■ ما رأيك فى ائتلاف المعارضة؟

- خلافهم متوقع، فهم عبارة عن اتجاهات متعارضة، والذى يجمعهم فقط هو الرغبة فى إسقاط الحزب الوطنى.

■ ماذا لو نجحوا؟

- سيشكلون آنذاك حكومة ائتلافية، قد تعيش شهرا وقد لا تعيش، لأنهم مختلفون ومتنافرون فى الرؤى وفى الاتجاهات، ولابد أن يخلق هذا التنافر فرقة، والخلافات التى داخل جمعية التغيير نفس الشىء، فهم اجتمعوا فجأة، وانفضوا فجأة، نتيجة اختلافهم، فقد اجتمعوا لمحاولة تعرية النظام ثم انفضوا عندما اختلفوا، وأعضاء جمعية التغيير يعلمون تماما أن الدكتور البرادعى كان صادقا مع نفسه، ولم يعلن حتى الآن ترشحه للرئاسة، وإنما علقه على شرط، وهو يعلم أن هذا الشرط لن يتحقق، إنما من حوله استثمروه.

■ ولماذا انطبع فى الأذهان أنه مرشح الرئاسة؟

- الإعلام هو الذى خلق هذه الصورة.

■ البعض يرى أن المجتمع آخذ فى التفكك، مع انتشار ظواهر البلطجة والتحرش الجنسى بالفتيات فى الشارع، السرقات، جرائم القتل البشعة داخل الأسر، عدم الالتزام بالقوانين وظواهر التعاطى والاتجار بالمخدرات العلنية؟

- أنا معك أن المجتمع تغير وغاب الكثير من المبادئ والقيم، اختفت روح الشهامة والمروءة، وانتشرت ظواهر العنف، والأسباب متعددة، منها الحالة الاقتصادية، تفكك الأسر، وغيرها من الأسباب، وهذا يحتاج إلى تكاتف عدد من المؤسسات للعلاج، مثل المدرسة، الأسرة، والإعلام، ولكن المشكلة الحقيقية تكمن فى كيان الدولة، الذى أضع تحته ألف خط أحمر، فحينما ننال من هيبة القضاء وهيبة الشرطة وهيبة الخارجية، وهيبة مؤسسات الدولة، حينما ننال من هيبة السلطة هنا نحن ننال من هيبة الدولة.

■ المشكلة تكمن هنا فى الناس أم فى هذه المؤسسات التى ترهلت فأعطت الفرصة للنيل منها؟

- أسباب كثيرة لا أنفى منها سببا، وما يقلقنى هو أركان الدولة كما قلت، فالمجتمع من الممكن أن نجتهد جميعا ونصلحه، ولكن إذا اهتزت أركان الدولة، هنا تكمن الخطورة الحقيقية.

■ هل ترى أزمة المحامين والقضاة فى نفس هذا الإطار «هز هيبة الدولة»؟

- الأمر مرهون بتطبيق القانون على الكافة، وغياب القانون هو الذى يؤدى إلى هذا كله، أما أن تساق تحليلات كثيرة فى هذه القضية، واستجلاب أسباب غير قويمة فى مشكلة مست السلطة القضائية، وهى السلطة التى أصفها دائما بأنها السلطة الدائمة فى الدولة، فسلطات الدولة ثلاث، السلطة التشريعية وهى تتغير بالانتخابات أو بحل مجلس الشعب، والسلطة التنفيذية التى من الممكن أن تتغير فى أى يوم، والسلطة القضائية التى لا تحل ولا تستبدل، فالسلطة القضائية هى الأصل.

والعيب كل العيب أن نلملم أسبابا من هنا ومن هناك للنيل من السلطة القضائية، وشعرت بالحزن أن يصل الأمر إلى هذا الحد، فالمفروض أن ينتظر الجميع حكم القانون لأنه هو الأعلى.

■ ماذا لو أن القضاة خصوم؟

- القانون ينظم كل هذه الأمور، والقضاء ليس خصما، ثم لا يوجد شىء اسمه حكم مبالغ فيه، والحكم مادام وفق نص القانون، فلا يصح أن يوصف بأنه مبالغ فيه.

■ ماذا عن الحكم بالحد الأعلى للعقوبة؟

- عندما يصدر القاضى حكما بالحد الأعلى لا يقال إنه حكم مبالغ فيه، فالحكم يوصف إما بالصحيح أو بالخاطئ، والا فلنأت بالناس لتحكم هى.

■ هل قضاء مصرمستقل؟

- القضاء مستقل لاشك، وأنا فخور أن رؤساء مصر جميعهم لم يتدخلوا فى أمور القضاء باستثناء ما فعله الرئيس عبدالناصر الذى أعاد تشكيل الهيئة القضائية وهى من الأمور غير المغفورة لعبدالناصر ولكنه لم يتدخل فى أعمال القضاء.

------

محافظ القليوبية فى حوار الملفات الساخنة: (٢-٢)..
عدلى حسين: المظاهرات أجبرت الحكومة على حل مشكلات الناس.. والقطاع العام كان عبئاً على الدولة
-----------------------------------------------------------------------
حوار رانيـا بـدوى ٢٥/ ٨/ ٢٠١٠
-------------------------------------------------------------------

حل جميع أزمات مصر يكمن فى تنفيذ عناصر الحكم الرشيد، التى تعتبر الديمقراطية شكلاً أساسياً للحكم، والشفافية واجبة. والرقابة والمساءلة عنصران لا تستقيم دولة إلا بتنفيذهما، ولا أحد ينكر أن مصر تتجه وبشكل معقول فى اتجاه الديمقراطية، لكن لاتزال هناك خطوات أخرى كثيرة يجب أن تتخذ فى هذا الشأن، وإذا اقتنعنا بأن التطور الديمقراطى فى حاجة إلى بعض الوقت لما فيه من عمليات معقدة مثل تغيير الدستور وما شابه، فمن غير المقبول أن يكون هناك تراخ فيما يخص الشفافية والمساءلة، فهما ليستا بحاجة إلى تعديل الدستور، ولا إلى سن قوانين جديدة، فلماذا لا يتم تطبيقهما؟!. سؤال يطرحه المستشار عدلى حسين، محافظ القليوبية، فى الجزء الثانى من حواره لـ«المصرى اليوم»،

التفاصيل فى السطور التالية:

■ هل المواءمات السياسية تقف حائلا ضد محاسبة الكبار؟

- المواءمات السياسية ليست مقبولة فى شأن الانحراف، وأنا لا أتصور وجود خطأ دون أن توجد مساءلة، كالذين نهبوا الأموال المخصصة للعلاج على نفقة الدولة، وقضية رشوة مرسيدس، وما شابه، فهناك أمور غير مفهومة! وهى فى حاجة إلى مساءلة ومحاسبة وأحكام رادعة.

■ حتى لو كان المنحرف من داخل السلطة؟

- بالعكس.. المنحرفون من داخل السلطة يجب أن يكون حسابهم وعقابهم أشد وأشق من غيرهم.

■ إذن أنت مع قانون محاكمة الوزراء؟

- قانون محاكمة الوزراء القديم كان موجوداً وقت الوحدة بيننا وبين سوريا، وعندما انفصلت سوريا تعطل القانون نظرا لأن تشكيل المحكمة كان من قضاة النقض فى مصر وقضاة التمييز أى «النقض» فى سوريا، ونحن فى حاجة فعلية لقانون محاكمة وزراء جديد، وآمل أن يخرج فى الدورة القادمة من مجلس الشعب، لأن الوزير ليس موظفا عاديا بل مسؤول عن سياسة وقرارات كبرى، ويجب أن يحاسب أمام محكمة على مستوى عال جدا تقدر قراراته فى شأن تنفيذ السياسة العليا، والأموال المعهود بها إليه، ولا يجب أن يعامل الوزير كموظف لديه عهدة.

■ ألهذا أحلت نفسك للرقابة الإدارية عندما تم اتهامك بدعم شقيقك فى جمعية يمتلكها تساعد المكفوفين؟

- اتخاذى هذا الإجراء يكمن فى إيمانى بالشفافية والمحاسبة، ولثقتى فيما أفعل، وما اتخذه من قرارات، ومن المفترض أن الأجهزة الرقابية تجمع معلومات عند إثارة موضوع معين، لكننى أحلت نفسى للمساءلة تحفيزا للجهات الرقابية لتسرع فى جمع المعلومات والتحقيق فى الأمر، وقد جاءت النتيجة بأنه لا يوجد شىء على الإطلاق مما ذكر، بل إن وزارة التضامن أشادت بأداء الجمعية، وأعلنت هذه النتائج، ولو اتهمت بأى اتهام آخر سأحيل نفسى على الفور للمحاسبة.

■ لماذا لم تحل نفسك للمساءلة فى أزمة قرية البرادعة؟

- لا تنسى أننى من أبلغت عن واقعة البرادعة، وهذا يعنى أننى أحلته للتحقيق وأنا أعلم أن النتائج قد تطال أى مسؤول، بغض النظر عن مكانته ودرجته الوظيفية، بمن فيهم المحافظ والوزير، وليس لأحد منا سلطة على النيابة لو تم توجيه أى اتهام لأى مسؤول، فهذا من حق النيابة، ولكننى أيضا على علم بالقانون، «ومعنديش حاجة تحت الترابيزة»، لذا أبلغت عن الواقعة.

ولم يثبت أن للمحافظ دخلاً فى الموضوع، فهذا المشروع، طرحا وتنفيذا وإشرافا بالكامل قام به الجهاز التنفيذى التابع لوزارة الإسكان، وتمت تبرئة السباكين الأربعة التابعين للمحافظة الذين تم اتهامهم مع الأربعة التابعين لشركة المقاولون العرب، والأفراد الثلاثة التابعين للجهاز التنفيذى لوزارة الاسكان، حيث كان الاتهام الموجه إليهم هو أنهم «فتحوا محبس»، وبرأتهم المحكمة جميعا، ولم تطعن النيابة على البراءة، وانتهى الأمر عند هذا الحد.

■ أين المشكلة إذن فى قضية البرادعة؟ وما الذى تسبب فى إصابة الناس بالتيفود مادام الجميع تمت تبرئتهم، وهل يعقل أن يصح المجنى عليهم جناة ويتهم الناس بأنهم هم المسؤولون عما حدث؟

- وجهة نظرنا التى نحن مقتنعون بها ولدينا أسبابنا التى تبررها هى أن المقاول المنفذ من الباطن جرب المواسير بمياه الصرف الصحى، حيث دفع مياه الصرف الصحى فى المواسير ليجرب إذا كانت تعمل أم لا، وهل يوجد بها أى عيوب فنية، وترى وجهة النظر الأخرى أن الناس أصيبوا بالتيفود نتيجة استخدامهم الطلمبات الحبشية، لذا المواطنون هم المتسببون فيما حدث وبالتالى حصل الجميع على البراءة.

■ ما رأيك فيما قيل عن أن شركة المقاولين العرب لن تأخذ أى أعمال مقاولات فى القليوبية بسبب تحويلك للمنفذين للمساءلة؟

- على ما أذكر أن هذا الحديث صدر عن عضو نقابة فى نقابات العمال ولم يصدر عن رئيس الشركة وهو بالمناسبة رجل محترم والدولة تقدره وهو المهندس إبراهيم محلب، ومن جهة ثانية العمل فى المحافظة عمل حكومى وليس شخصياً فالمقاولون العرب لا تعمل لدى عدلى حسين إنما تعمل فى مشروعات البلد، ومثل هذا التصريح دعينا نستبعده لأنه ليس له وزن.

■ وما أسباب الخلاف فى تسلم الشبكة الجديدة حتى الآن؟

- الجهاز التنفيذى التابع لوزارة الإسكان يريد تسليمنا المشروع عبارة عن مواسير تم تركيبها، ونحن نريد أن نتسلم مياها داخل المواسير، أى بعد الانتهاء من تركيب المواسير يتم فتح المياه لتجرى بها، وأخذ منها عينات ليتم تحليلها، وبناء عليه أتسلم المشروع، لكنهم مصرون على موقفهم ونحن أيضا مصرون على موقفنا، وقد أرسلت خطابين لوزير الإسكان أحمد المغربى بهذا الشأن لأطلعه على الوضع ولكن لم يأتنى الرد حتى الآن.

■ متى أرسلت أول خطاب ومتى أرسلت الثانى؟

- آخر خطاب كان منذ عدة أيام والأول منذ عدة أشهر.

■ تعطلون مصالح الناس عدة أشهر دون سبب مقنع؟

- لست أنا.. إنما هو تعسف غير مقبول من الجهاز التنفيذى التابع لوزارة الإسكان.

■ إذن أنت تنادى باللامركزية فى الحكم؟

- اللامركزية ستحدث فرقاً كبيراً فى إدارة جميع القطاعات لأن المجالس المحلية أدرى بشؤون البلد.

■ ماذا عما يقال بأن فساد المحليات للركب؟

- هذا تعبير مجازى له سحر إعلامى، ولكن فساد المحليات أقل مما يتصور البعض، بالمقارنة بفساد موجود فى قطاعات أخرى، ففساد قطاع واحد مثل البنوك أو الإسكان يغطى كل فساد المحليات، ومازالت مصر على فكرة اللامركزية فى الحكم وأن المجالس المحلية مع وجود الرقابة قادرة على إدارة المحافظات.

■ فى رأيك لماذا لم يخرج قانون الإدارة المحلية إلى النور حتى الآن؟

- قانون الإدارة المحلية، طلب لا نكل ولا نمل فى المطالبة بخروجه إلى النور، لدعم الإدارة المحلية فى مصر، وكلما سألنا عن تأخر صدوره، أجابونا بأنه مازال محل دراسة، ولم يعد هناك سوى دورة واحدة بعد انعقاد المجلس القادم وقبل نهاية مدة الرئاسة، لأن هذا القانون من أساسيات البرنامج الانتخابى للرئيس، ولا يجب أن تنتهى المدة الرئاسية قبل أن يصدر قانون الإدارة المحلية وقانون الإرهاب.

■ ربما تعطيل قانون الإدارة المحلية مقصود لأنه سيقلص صلاحيات الحكومة المركزية؟

- مؤكد أنه سيأخذ من صلاحيات الحكومة المركزية ولابد أن يحدث هذا إذا أردنا الإصلاح والتغيير.

■ كيف تقرأ الاعتصامات والمظاهرات التى أصبحت مشهدا معتادا فى الآونة الأخيرة؟

- الاعتصامات كمبدأ تعد تطوراً فى صالح المجتمع، لأنها أولا تشى بأن هناك نوعاً من الأمن لدى فئة من المواطنين الذين يشعرون بأن هناك ظلماً ما وقع عليهم، يعبرون عنه بالتظاهر والاعتصام، لإيصال صوتهم دون أن يعترضهم أحد، أى دون خشية العواقب البوليسية، وهذا لا شك تطور محمود، والتطور الثانى هو تعامل البوليس نفسه بشكل راق لم نشهده فى عقود سابقة، ولم نعد نرى تصدياً للاعتصامات بالقسوة أو بالضرب، بل رأينا العكس فالأمن كان يحميهم وهذا تطور كبير أيضا.

فالملاحظ الآن أن المجتمع يحاول أن يجعل صورته جيدة فى الداخل وممتازة فى الخارج، النظام لا يتحمل أن ينفصل عن حركة العالم أو يعاندها، وأن يغفل مراقبة العالم، التطور الثالث فى هذه الظاهرة هو إجبار الإدارة والحكومة على أن تبحث مشاكل هذه الفئات، لأنه كان من الممكن أن تؤجل أو يحدث مماطلة وما إلى ذلك ولكن الآن السلطة تسارع فى حل المشكلات.

■ هل ترى أن هذه الظواهر جزء من اقتصاد مصرى مهترئ؟

- لم نر أى مجموعة خرجت للشارع فيما عدا المتضررين من الخصخصة، وأعتقد أن الدولة سارعت إلى إيقاف هذه الإجراءات إلى حد كبير وقد صرح وزير الاستثمار بأن هناك عمليات تصويب سريعة، وتم إيقاف مشروع الصكوك كما توقفت عمليات بيع شركات القطاع العام لإعادة التقييم.

■ وهل تبقى شىء من القطاع العام؟

- هناك شركات كثيرة لم تخضع للبيع بعد.

■ هل أنت مع اقتصاد السوق؟

- القطاع العام كان عبئاً شديداً على الدولة، ومصر استفادت كثيرا من اقتصاد السوق الحرة، ولكن بلا شك أنا مع الرأى القائل بأنه يجب على الدولة أن تضع تحت سيطرتها ممتلكات بعينها مثل المصانع المنتجة، والصناعات الثقيلة، وأى ممتلكات تعزز مكانة الدولة ولا تجعلها ضعيفة أمام الأزمات، أو ضعيفة فى مقابل الممارسات الاحتكارية للأفراد، بحيث لو حدثت أزمة تستطيع معالجتها، ومثال بسيط على ذلك ما حدث فى أزمة الخبز والتى وصلت إلى حد لا يمكن قبوله، ووقتها كان أول إجراء اتخذه الرئيس مبارك هو أن يتدخل جهازا الجيش والشرطة لإنقاذ الموقف ولو لم يكن تحت يد الدولة مثل هذه المؤسسات الإنتاجية لم يكن ليتصور أحد النتائج، هذا المثال البسيط أريد أن أقيس عليه أموراً أخرى، مثل أن يكون تحت يد الدولة وسيلة نقل مثل المترو والسكك الحديدية، وهنا أود أن أقول لمن ينادون بخصخصة السكك الحديدية إن هذا خطر للغاية، كذلك شركات الكهرباء، شركات المياه، كلها قطاعات يجب أن تكون تحت يد الدولة لأنها لو تخلت عنها، وحدثت أزمة فى لحظة ما، ستشعر الدولة حينذاك بالضعف وتصبح تحت رحمة القطاع الخاص يفعل بها ما يريد.

■ مصر تعانى من أزمة فى القانون، ما بين قوانين غير مفعلة وأخرى لا تلبى احتياجات الناس وأحكام قضائية لا تنفذ كيف ترى الوضع العام؟

- كل هذا صحيح وموجود بلا شك، وأنا أرى أن القوانين التى لا تلبى احتياجات الناس هى مسؤولية البرلمان، أما القوانين التى لا تفعل فهى خطأ الجهات التى لا تفعل القوانين، وذلك يعد تقصيرا يجب المحاسبة عليه، والأمر نفسه ينطبق على الجهات التى لا تنفذ الأحكام القضائية، فالأحوال فى مصر لن تستقيم إلا بتنفيذ عناصر الحكم الرشيد والمتفق عليه فى جميع أنحاء العالم، وهى الديمقراطية كشكل للحكم، والشفافية لكل قرارات الحكم ومساءلة كل من يخرق كل هذه القواعد، ولو أن هناك مساءلة، لما رأينا كل هذه الظواهر.

■ «مصر دولة بوليسية» إلى أى مدى أنت متفق مع هذا الرأى؟

- البوليس فى مصر يتحمل أكثر مما تستطيع أى وزارة تحمله، فلو حدثت أزمة اقتصادية أو سياسة خاطئة يتدخل الأمن، خلل فى التموين يتدخل بوليس التموين، أزمة فى الجمارك يتدخل بوليس الجمارك، خطأ فى السياسة النقدية يتدخل الأمن وهكذا، فعليهم عبء كبير لا يجب أن ننكره أمام بعض الحوادث الفردية الخاطئة.

-----
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=267000

نبيل فهمي




الكونجرس قال لنا إذا لم تتغاضوا عن قضية سعد الدين إبراهيم فلن نرفع لكم المعونات.. ونفذ تهديده
---------------------------------------------
حوار رانيا بدوى- المصري اليوم -١١/ ٨/ ٢٠١٠
---------------------------------------------

ظل المناخ العام فى أمريكا والعالم أثناء رئاسة الرئيس جورج بوش الابن للولايات المتحدة الأمريكية، مناخ حرب وتوتر بدعوى مواجهة الإرهاب، وتحت هذا الغطاء دخلت أمريكا العراق، ودمرت أفغانستان وفَشّلت عملية السلام فى فلسطين،

ووضع اسم الرئيس الفلسطينى الراحل ياسر عرفات من قبل كل من «شارون» و«بوش» على قائمة الإرهابيين، وظهرت التهديدات بخفض المعونات الأمريكية لمصر، وزادت الدعوات للإصلاح الديمقراطى وحقوق الإنسان.

٨ سنوات شهدت أحداثا كثيرة ساخنة ومؤثرة حتى إن التاريخ أخذ يؤرخ لمنطقة الشرق الأوسط قبل ولاية «بوش» وبعدها وقبل أحداث ١١ سبتمر وبعدها، وبدأت جملة الضغوط الأمريكية على مصر تتردد كثيرا بين المثقفين وفى الشارع المصرى، البعض يقول إن أمريكا تختار وزراء مصر، وبعضهم ذهب إلى أن أيمن نور، خرج من السجن بضغط أمريكى، وأكد آخرون أننا ننحنى أمام إسرائيل لكسب الرضا الأمريكى، وغير ذلك الكثير فالحديث المرسل كثير والمدقق قليل، والمنسوب إلى شهود عيان يكاد يكون غير موجود،

لذا كان السؤال للسفير نبيل فهمى، الذى مثل مصر٩ سنوات فى واشنطن وكان شاهدا على مرحلة فاصلة، ليس فى تاريخ مصر فقط وإنما فى تاريخ العرب ومنطقة الشرق الأوسط بأكملها، لنقدم فى هذ الحوار دلائل واضحة، تكمن فى شهادة رجل عاصر المرحلة وكان أحد صناع القرار، بل وأول من كان يتلقى الضغوط الأمريكية ليبلغها إلى القاهرة، ليحكى لنا عن تفاصيل هذه الضغوط وأسبابها ونوعيتها ومدى استجاباتنا لها.

■ «الضغوط الأمريكية على مصر».. جملة نسمعها كثيرا ونقرأها فى الصحف يوميا.. نسمع عن معاداة مصر لإيران تنفيذا لرغبات أمريكا ومهادنة إسرائيل تلبية لطلبات الكونجرس.. فهل تحكم مصر بقرارات أمريكية؟

- كل ما يقال عن الضغوط الأمريكية صحيح، لكننى أعترض على جملة «مصر تحكم بقرارات أمريكية»، لنقل إنهم يحاولون بكل الطرق التأثير فى القرار المصرى، لكن الأهم هو هل نلبى هذه الطلبات ونمتثل لهذه الضغوط أم لا؟

■ فلتجب إذن.. هل نمتثل لهذه الضغوط؟

- مصر تنفذ أى مطلب أمريكى يتناسب مع مصالحها، ولا تنفذ أى مطلب لا يتناسب مع هذه المصالح.

■ يقال إن هناك وزراء تم تعيينهم بالاسم باقتراح أمريكى؟

- لم أسمع عن ذلك، فلست من يعين الوزراء، وليست حتى مشاركاً فى العملية.

■ إذن كيف يحاولون التأثير على القرار المصرى؟

- يتصلون بنا مرارا وتكرارا ويقولون نريد منكم عدم التعامل مع فلان، أو معاداة الدولة الفلانية لأننا على علاقة سيئة بها ولا نريد منكم دعم الدولة الفلانية فى الانتخابات الدولية، وأشياء من هذا القبيل، وقد تعرضت كثيرا أثناء وجودى فى واشنطن لمثل هذه الأمور.

■ هل من أمثلة على ذلك؟

- طلب منا بشكل واضح عدم دعم سوريا أو إعطائها صوتنا أثناء ترشحها لمجلس إدارة مجلس محافظى الطاقة الذرية، بل وطلب منا التخلى عنها وعدم تأييدها فرفضنا، وقلنا إننا لن نقف ضد مرشح عربى، لن يحدث هذا، مع العلم أن علاقتنا بسوريا لم تكن جيدة آنذاك.

■ لكن هل رشحنا سوريا ودعمناها بالفعل؟

- سوريا انسحبت من تلقاء نفسها من الانتخابات بعد ذلك.

■ ماذا عن علاقتنا بإيران؟

- اتصل بى عدد من المسؤولين الأمريكيين، وسألونى باستنكار: لماذا أتى على لاريجانى إلى مصر ولماذا قابله الرئيس مبارك؟ فقلت لهم إنه أتى للمشاركة فى مؤتمر ثم طلب مقابلة الرئيس الذى رأى مصلحة فى ذلك فقابله. وفى موقف آخر قالوا لنا: نريد توقيعكم على قرار تحويل الملف النووى الإيرانى إلى مجلس الأمن، فقلنا لهم: لا شك أن الموقف الإيرانى معيب، لكننا لا نستطيع التوقيع على هذا القرار، فالرأى العام سيحاسبنا: فكيف لنا أن نقف ضد إيران، لأنها مخالفة لبنود اتفاقية منع انتشار السلاح النووى،

فى حين نترك إسرائيل الممتنعة عن الانضمام إلى الاتفاقية من الأساس، ورفضنا بالفعل التوقيع، وطلبنا أولا أن يوضع بند ينص على أن «كل ذلك خطوة فى إطار إنشاء منطقة خالية من السلاح النووى فى الشرق الأوسط»، وكان ذلك مدار حديث بينى وبين وزيرة الخارجية السابقة كونداليزا رايس.

■ ماذا كان رد فعلها؟

- قالت لى: يعنى إيه.. انت بتربط توقيع مصر مقابل وضع هذا البند؟! فقلت: نعم، وأوضحت لها أننا نريد الحل، وهذه هى الطريقة الوحيدة للعلاج، بوضع معايير موحدة للجميع، وكانت هذه هى المرة الأولى التى يتخذ فيها مجلس محافظى وكالة الطاقة الذرية، قرارا بتحويل الملف النووى الإيرانى من وكالة الطاقة الذرية إلى مجلس الأمن، وبالفعل امتثلوا لطلبنا ووضعوا هذا البند فى القرار.

■ هل توقيع مصر على هذا القرار كان أحد أسباب العداء بين مصر وإيران؟

- لا يوجد عداء بين مصر وإيران، لكن لا شك أن هناك توترات ترتفع أحيانا وتخفت أحيانا أخرى.

■ ما سبب هذه التوترات؟

- ترتبط أساسا بمشكلات أمنية وملفات مفتوحة بيننا وبين إيران، تخص جماعات متطرفة فى إيران، ومادامت المشكلات ترتبط بمسائل أمنية، هنا يكون لنا نظرة مختلفة، والسبب الآخر يكمن فى الموقف الإيرانى السلبى من عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية، حيث تشجع إيران الجماعات التى لا تريد التوصل إلى حل سلمى، إضافة إلى رغبتها فى مد نفوذها إلى دول الخليج والمساس بالحيازة الجغرافية لدول الخليج العربى، وأقصد جزر الإمارات من ناحية، وتهديد البحرين من ناحية أخرى، ومع ذلك لا أرى أنه من المستحيل الوصول إلى توافق مصرى إيرانى.

■ لماذا إذن لا نصل إلى هذا التوافق؟

- هناك محاولات للحل من جانبنا ومن الجانب الإيرانى، لكن بكل صراحة، كنا نجد دائما المحاولات الإيرانية تقف على السطح أكثر من الوصول إلى الواقع الحقيقى للمشكلات، نتيجة وجود تيارات داخل إيران تحول دون الإجماع على الخطوات الأولى التى يتم طرحها. وقد أوضحنا مرارا أننا لا نعادى إيران، ولايوجد بيننا خلاف، طالما التزمت بأسس التنافس الشرعى وعدم المساس بأمن الطرف الآخر.

■ لكن.. هناك مسؤولون إيرانيون أتوا إلى مصر وطلبوا مقابلة الرئيس، وأبرزهم لاريجانى، بينما لم نر مسؤولا مصريا واحدا يزور إيران؟

- أولا أغلب المسؤولين الإيرانيين الذى أتوا إلى مصر جاءوا لحضور مؤتمرات دولية، وأثناء ذلك طلبوا مقابلة الرئيس، وتحدث معهم بإيجابية وصراحة، لكننا لم نجد من الجانب الإيرانى أى متابعة لهذه الاتصالات وتنفيذ ما يتم الوعد به.

■ عودة إلى المواقف التى مارست فيها الولايات المتحدة الأمريكية ضغوطا على مصر.. إلى أى مدى وصلت؟

- طلبت منا الولايات المتحدة الأمريكية ذات مرة عدم استقبال الرئيس الفلسطينى الراحل عرفات أو دعمه، عندما اتخذوا قرار المقاطعة ضده، وحبسه «شارون» فى مقر السلطة الفلسطينية، ورفضنا ذلك، وأعلنا امتعاضنا.

■ ماذا عن احتلال الولايات المتحدة الأمريكية للعراق وموقفنا من هذا الاحتلال؟

- أطلعونا على قرار دخول العراق قبل القيام بالاحتلال، وأرسلنا إليهم الرد بالرفض، وعدم موافقتنا على هذه الخطوة، ولامت أمريكا مصر كثيرا على رفضها قرار دخول العراق، وقالوا لى كيف للرئيس مبارك وهو صديق وحليف للولايات المتحدة الأمريكية أن يقول إن دخول العراق سيخلق مائة صدام حسين ومائة أسامة بن لادن، وقلت لهم، لقد قال هذا لأنه صديق مخلص لأمريكا، ويرى أن دخولكم العراق سيخلق العديد من المشاكل.

■ هل ساعدت مصر أمريكا فى دخول العراق.. لوجستيا على الأقل؟

- إطلاقا.. لكن هناك دولاً عربية ساعدت أمريكا فى دخول العراق بكل تأكيد.

■ من هى تلك الدول؟

- عدد من الدول العربية منها قطر والكويت.

■ أحاديث وأقاويل كثيرة صاحبت آخر زيارة للرئيس بوش الابن لمصر، وعدم حضور الرئيس مبارك كلمته، فما شهادتك على هذه اللحظة، وما سبب ترك الرئيس مبارك للقاعة آنذاك؟

- جاء الرئيس الأمريكى السابق، بوش الابن إلى مصر بعد زيارة إلى إسرائيل، وقبل أن تقله الطائرة إلى مصر فوجئت باتصال من نائب مستشار الأمن القومى الأمريكى يقول لى: لدينا تعليمات بأن نطلعك على نص الخطاب الذى سيلقيه الرئيس بوش فى شرم الشيخ، وبدأ النص بمدح مصر، ووردت به بعض الجمل التى تحمل مجاملات، فقلت له: طبعا أنت لم تطلبنى لتقول لى أنكم ستمتدحوننا، فلتبدأ بالحديث الذى لن يعجبنا، وفوجئت بأن صياغة الخطاب قاسية للغاية، وفيها هجوم شديد على مصر،

فقلت له إذا كنتم تنوون إلقاء هذا الخطاب فى شرم الشيخ، فالأفضل ألا تذهبوا إلى هناك، وهذا رأيى الشخصى، فقال لى اهدأ، وما الذى لا يعجبك فى الخطاب؟ المهم أنه وبعد نقاشات طويلة تم تعديل الخطاب أكثر من مرة، حتى اللحظة التى استقلوا فيها الطائرة كان الخطاب يعدل، وخفف إلى حد كبير، ورغم أن الصيغة النهائية التى ألقاها «بوش» كانت أيضا غير مريحة إلا إنها أفضل كثيرا من أصل الخطاب الذى أعد فى البداية.

■ إذن الرئيس مبارك كان يعلم بخطاب الرئيس بوش قبل إلقائه؟

- نعم.

■ ماذا كان رد الفعل؟

- القاهرة أيدتنى فى تصرفى تماما.

■ لماذا لم يُتخذ قرار أعنف من قبل القاهرة يعكس موقفها؟

- لكل فعل رد فعل، ثم إن القاهرة رأت أننى قمت بمسؤوليتى، وتحملتها على أفضل وجه، وجنبت العلاقات المصرية الأمريكية صداما كان يمكن أن يؤدى إلى خلافات، فكان من الممكن أن أرسل الخطاب بصيغته الأولى إلى القاهرة، ووقتها سيأتينى الرد أعنف فتتوتر العلاقات، ولكن بما بذلته من مجهود لتخفيف الخطاب جنبت القاهرة الحاجة إلى الصدام، وربما اكتفى الرئيس بعدم التواجد أثناء خطاب الرئيس الأمريكى، وكان هذا تصرفا سليما ١٠٠ %، ولا تنس أن المؤتمر كان يحضره عدد من رؤساء الدول الأخرى، وليس فقط الرئيس بوش.

■ ننتقل إلى الضغوط الأمريكية فى المجال الاقتصادى.. ما مدى تأثيرها؟

- لا شك أن هناك عدداً من الضغوط الاقتصادية مورست على مصر، وأذكر أنه فى مرحلة من المراحل قال لنا الأمريكان إننا لن نتفاوض معكم على اتفاقية التجارة الحرة إلا إذا طبقتم عدداً من الإصلاحات السياسية والديمقراطية، فقلنا لهم إذن لا نريد التفاوض على الاتفاقية.

■ ما أسرار التهديد بقطع المعونات أو تخفيضها التى ظلت مسيطرة على الأحداث فى ظل إدارة الرئيس بوش الابن؟

- يوجد اتفاق سابق مع الرئيس «كلينتون» على تخفيض المساعدات التى تحصل عليها مصر، وكانت قيمتها ٨١٥ مليون دولار آنذاك، ٤٠ مليون دولار كل سنة على ١٠ سنوات، وعندما تركت سفارة مصر فى واشنطن كان المبلغ قد وصل إلى ٤٠٥ ملايين دولار تقريبا، لكنه تخفيض متفق عليه وليس نتيجة ضغوط، لكن فعلا أكثر من مرة هددوا مصر بعدم الحصول على المعونات وربطوها بشروط معينة منها المبلغ الأخير من المعونات، وصدر قرار بهذا الشأن بالفعل من الكونجرس الأمريكى لكنه لم يطبق.

■ ما هى هذه الشروط؟

- الإصلاح القضائى، إصلاح جهاز الشرطة، والأنفاق بيننا وبين غزة.

■ أتفهم مسألة أنفاق غزة، للحفاظ على الأمن الإسرائيلى، ولكن بماذا سيفيدهم الإصلاح القضائى أو إصلاح جهاز الشرطة؟

- كلها أدوات وأفكار المحافظين الجدد فى الضغط، الذين كانوا يريدون خلق أى ذرائع لتفكيك الوطن العربى، ونلاحظ أنهم ظلوا ينادون بالديمقراطية، وفور أن أتت حماس إلى الحكم فى فلسطين توقفوا عن المناداة بها، وبدأوا يبحثون عن ذرائع أخرى؛ مثل إصلاح جهاز الشرطة أو القضاء أو حقوق الانسان، فهو كلام حق يراد به باطل، وأنا بالطبع مع حقوق الإنسان لكن بإصلاح مصرى وليس بضغط أمريكى، وأعتقد أن الإدارة الأمريكية الحالية لا تستخدم مسألة المساعدات كورقة ضغط على مصر كما كانت تفعل الإدارة السابقة.

ويجب أن نعلم أن العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية مهمة ومؤثرة بالنسبة لنا، لأن أمريكا القوة العالمية الأكبر وموجودة فى كل مكان فى العالم وفى كل الملفات، لذا نهتم بها وهى أيضا تهتم بنا ليس لأننا قوة عالمية وإنما لما لنا من نفوذ وتأثير فى المنطقة وفى العالم النامى المحيط بنا.. لذا يحاولون دائما ممارسة الضغوط، وطالما أنهم يمارسون ضغوطا فى إطار ما هو مقبول، فلا مانع، ولكن إذا كانت الضغوط تضر بمصالحنا أو تحدث بلى الذراع نرفضها بشدة.

■ حتى الضغوط التى تمارس فى إطار العلاقة بيننا وبين إسرائيل؟

- لعلاقة مع إسرائيل تؤثر فى الكونجرس الأمريكى أكثر من الإدارة الأمريكية، وكلا الطرفين فى النهاية مهم بالنسبة لنا.

■ هل التزامنا الكامل باتفاقية السلام مع إسرائيل يأتى من باب مغازلة الكونجرس المسؤول عن اعتماد المساعدات لمصر رغم عدم التزام إسرائيل بها؟

- بالفعل نحن ملتزمون حرفيا بمعاهدة السلام فى حين أن إسرائيل تخل بها، ولكننا لا نلتزم بها بفعل ضغط أمريكى، إنما لأنها تحقق هدفاً مصرياً، فنحن لا نريد دخول حرب، ونسعى دائما لحل الأزمات بالدبلوماسية.

■ قلت إننا رفضنا ربط المساعدات بالإصلاح السياسى والديمقراطى.. هل يعنى ذلك أن المساعدات خفضت نتيجة لهذا الرفض؟

- الكونجرس هو الجهة التى كانت متشددة فى هذا الأمر، وأمام الرفض المصرى أدرجوا فى القرار أنه يجوز لوزير الخارجية استثناء هذا البند إذا ما رأى مصلحة فى ذلك، وبالفعل صدر القرار بالتخفيض واستخدمت كونداليزا رايس صلاحياتها ولم يتم تخفيض مليم واحد من المساعدات منذ وجودى فى واشنطن حتى انتهاء مدة خدمتى هناك.

■ ما هى حقيقة تخفيض المعونات بسبب قضية الدكتور سعد الدين إبراهيم؟

- الحقيقة أن الجانب الأمريكى اقترح إضافة ٢٠٠ مليون دولار إلى المساعدات التى تدفع إلى مصر، لأن الجانب الإسرائيلى طلب زيادة فى المساعدات، فرأت الولايات المتحدة الأمريكية عمل توازن بين ما يعطى لمصر وما يعطى لإسرائيل - طبعا توازن نسبى- فقرروا إعطاءنا هذه الزيادة، وبعد أن ظهر موضوع «سعد الدين» فى الأفق هددوا بعدم إعطائنا هذا المبلغ، وقالوا لنا صراحة مطلوب أن تتغاضوا عن موضوع سعد الدين إبراهيم وإلا لن نعطيكم الـ٢٠٠ مليون دولار فرفضنا، وقلنا لهم لن نتدخل فى شأن قضائى، ورفضنا الأمر برمته.

■ هل نفذوا تهديدهم؟

- نعم ولم يعطونا بالفعل الـ٢٠٠ مليون دولار، ولكن الأمر لم يشغلنا، لأننا لم نطلب المبلغ من الأساس، بل كان اقتراحا منهم.

■ ماذا عن قضية أيمن نور؟

- قضية أيمن نور أثيرت كثيرا فى الكونجرس الأمريكى أكثر من الإدارة الأمريكية، ولم يكن موقفنا منها مختلفا عن موقفنا من قضية سعد الدين إبراهيم، وقلنا لهم إن الأحكام القضائية ليست رهن المواقف السياسية للدول الأجنبية، ولكن لا يوجد إجراء محدد اتخذ ضد مصر بسبب أيمن نور، رغم حديث الكونجرس دائما عن القضية وتهديداته.

■ هل الاهتمام هنا كان بالأشخاص أنفسهم؟

- لا فالاهتمام كان بالحدث وليس الشخص، ولمزيد من التوضيح، هناك عدد من التيارات الأمريكية وليس تيارا واحدا اهتم بالحدث، أحد هذه التيارات هو تيار مهتم بحقوق الإنسان والديمقراطية، وتيار مخلص فى هذا الأمر، وكثيرا ما يثير مشكلات داخل الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، وبمجرد السماع عن حدث ما دون معرفة التفاصيل يطالب بالتزام الدول بمعايير حقوق الإنسان،

وهناك تيار آخر يريد انتهاز أى فرصة وأى حادث للإساءة إلى العلاقات المصرية الأمريكية والعربية الأمريكية، وتيار ثالث مقتنع بأنه بعد أحداث سبتمبر من الواجب استغلال كل الفرص لمحاولة تفتيت العالم العربى والمساس بهويته حتى لا يجتمع العرب حتى على أساس الهوية.

■ أين كان التيار الصادق المخلص الذى تتحدث عنه بعد أن أتت الانتخابات الديمقراطية بـ«حماس» فى فلسطين تحت إشراف أمريكى ولماذا كف عن المطالبة بالديمقراطية بعدها؟

- لديك حق، لكن كما قلت هذا التيار ليس الوحيد ولا التيار الحاكم، لكن عموما كل التيارات حدثت لها حالة صدمة بعد الانتخابات الفلسطينية، فسكت الجميع عن الحديث حول الانتخابات الديمقراطية، خوفا من أن تأتى بتيارات معادية للولايات المتحدة الأمريكية.

■ لماذا حصلت على إجازة من وزارة الخارجية بعد انتهاء مدتك فى واشنطن.. ولماذا لم تستمر فى العمل فى «ديوان الخارجية»؟

- أديت مهمتى فى واشنطن على أكمل وجه، وأنا راضٍ تماما عن تجربتى الدبلوماسية، وكل ما فعلته فى هذه الفترة، وأعتقد أن ٩ سنوات فى منصب واحد مدة كافية جدا، وليس لى طموح أكثر من ذلك، فواشنطن مكان رفيع المستوى يتمناه كل من يلتحق بالسلك الدبلوماسى، وأنا لا يعنينى أن آتى إلى القاهرة بعد ذلك لأحصل على منصب، فأنا لا أفكر بشكل تقليدى، والإجازة مريحة بالنسبة لى.

■ أمر من اثنين إما أن أداءك كان مغضوبا عليه، أو جيداً لدرجة أثارت لدى البعض الغيرة المهنية والخوف منك؟

- أدائى لم يكن مغضوبا عليه بل لاقى استحسان جميع رؤسائى، وعندما أنهيت مدتى ذهبت إلى أحمد أبو الغيط، الذى استقبلنى وشكرنى، وأنا الذى فاتحته فى قرارى الحصول على إجازة، وأن أخدم البلد بطريقة مختلفة، وأوضحت أننى مستعد لأى مشورة أو مساعدة.

■ أشيع أنك وزير الخارجية القادم بعد أحمد أبوالغيط؟

- ابتسم قائلا: لن يحدث تغيير وزارى قريبا.

-------

سفيرنا السابق فى واشنطن يواصل حواره لـ«المصرى اليوم» (٢ -٢)
نبيل فهمى: العرب لن يحاربوا إسرائيل دون مصر.. ومصر لن تحارب
--------------------------------------------------
حوار رانيا بدوى ١٢/ ٨/ ٢٠١٠
----------------------------------------------------
المياه، الغذاء، الطاقة، ودول الجوار، هذه هى قائمة الأولويات المصرية من وجهة نظر السفير نبيل فهمى التى يجب على أساسها التخطيط للعلاقات مع الآخرين وإعادة النظر فى العلاقات الدولية بين مصر والعالم الخارجى، فيما يخص تلبية هذه الاحتياجات، مع ضرورة وضع سيناريو للفشل وآخر للنجاح فيما يخص النزاعات الإقليمية المؤثرة على مصر، حتى لا نفاجأ بالنتائج، هذا ما قاله نبيل فهمى عندما سألته: ماذا لو عين وزيرا للخارجية؟

لكن أكثر ما لفت انتباهى أثناء تفسير السفير نبيل فهمى لكل نقطة من هذه النقاط، ما قاله عن السودان كإحدى دول الجوار، كنا نختار فى مرحلة من المراحل سفيرنا فى السودان على درجة وزير، وحدث ذات مرة أن أرسلنا وكيلا لوزارة الخارجية، فأرسل لنا السودانيون يتساءلون عن الأمر، فقلنا لهم: «إن هذا السفير ربما يكون وكيلا للوزارة وليس وزيرا، لكنه رقم اثنين فى وزارة الخارجية، إضافة إلى أنه كان أحد ضباط الثورة ورجل له مكانته»

واستطرد نبيل فهمى: هذا كان يحدث، والسودان لم تكن أهم أو أغنى دولة فى العالم، لكنها كانت على رأس الأولويات المصرية.

فى الحلقة الثانية من الحوار يتحدث نبيل فهمى عن أزمة حوض النيل، ويشرح كيف يسير أوباما على نفس نهج بوش فيما يخص عملية السلام، كما أنه ولأول مرة يتحدث فى الشأن الداخلى المصرى، وبدأنا الحوار من هذه النقطة:

■ لنبدأ بسؤال سبق أن طرحه عليك الكاتب الراحل مجدى مهنا- رحمه الله- عندما سألك عن التعديلات الدستورية، وكان فى إجابتك الكثير من التحفظ، وتعللت بكونك سفيرا لمصر فى واشنطن، والآن كيف ترى المطالبات المتعددة بتعديل الدستور؟

- الدستور المصرى وضع فى مرحلة زمنية معينة تعبر عن فلسفة الثورة، وتم تعديله فى مراحل أخرى بشكل جزئى، ورغم أنه صيغ بجهد سياسى واجتماعى وقانونى يحترم، فإنه ظل يعبر عن مرحلة تجاوزناها، والدستور وثيقة قابلة للتغيير من مرحلة إلى أخرى ليتوافق مع تطور النظام المصرى، ومن الطبيعى أن تثار مسألة التعديل الدستورى مع بداية موسم الانتخابات، لذا أرى ضرورة تعديل الدستور، ولكن مع النظر إليه بدقة شديدة وتفنيد كل جوانبه، وأن يتم التعديل بشكل شامل وليس جزئياً، بما يتماشى مع الأوضاع الجديدة حتى لا نضطر إلى تعديله بشكل متكرر.

■ إذا افترضنا موافقة الحزب الوطنى على إجراء التعديلات البعض يشكك فى مصداقيتها، فى ظل سيطرة الحزب الوطنى على بقية الأحزاب، إضافة إلى مناداة آخرين بتعديل الدستور بالكامل قبل إجراء الانتخابات.. فكيف تحل هذه المعضلة؟

- لديك حق، وأنا أتفق مع من يقول بعدم وجود مصداقية للتعديلات فى حالة سيطرة حزب على الآخرين، كما أن مسألة إجراء التعديلات قبل الانتخابات أمر صعب والحل من وجهة نظرى أن يتعهد جميع المرشحين للرئاسة بتعديل الدستور، ووضع بند واضح وصريح بأن أى رئيس سينتخب بعد الرئيس مبارك، يتولى الرئاسة لدورتين رئاسيتين فقط، وهذا البند من شأنه أن يضفى مصداقية على باقى التعديلات حتى لو كانت هناك هيمنة لحزب على الآخرين.

■ وماذا لو رشح الرئيس مبارك نفسه؟

- أكن له كل الاحترام، وقد مثلته فى الخارج مرتين، لكننى أدعوه وغيره من المرشحين إلى التعهد بالتعديل الدستورى، وإذا رشح نفسه للرئاسة وفاز فى الانتخابات أرجو أن يحدد مدة الرئاسة لمن سيأتى بعده، أنا أقصد كل المرشحين، وعليهم اعتبار تعديل الدستور وتحديد مدة الرئاسة نقطة الالتقاء بينهم، يختلفون على أى شىء بعدها لا يهم.

■ بصرف النظر عن وضع هذا البند، ما هى باقى البنود التى ترى وجوب تعديلها؟

- لا أريد التعرض لبنود بعينها، ولكن يجب أن نسأل أنفسنا عدة أسئلة، منها، هل نسب التمثيل البرلمانى الحالية الخاصة بالعمال والفلاحين مازالت مفيدة، أم كان لها هدف فى الماضى، وهو تحقيق عدالة اجتماعية لما عانته هاتان الطبقتان قبل الثورة، وقد انتفى الهدف الآن؟ كما يجب النظر فى جميع النصوص الاشتراكية بعد تحولنا إلى اقتصاد السوق الحرة، كذلك كنا نتحدث فى الماضى عن حزب واحد واستفتاء عام على الرئاسة، اليوم لدينا تعددية حزبية وانتخابات رئاسية، كما علينا أن نضع فى الدستور، ليس فقط ما يضمن التعددية الحزبية، إنما التنافس بين الأحزاب، كل هذه أمور يجب مراعاتها أثناء مراجعتنا للدستور وإجراء التعديلات، لذا فإن التعديلات الدستورية مسألة صعبة جدا، وتحتاج إلى وقت وجهد وتدقيق.

■ ننتقل إلى تصريحات السفيرة الأمريكية مارجريت سكوبى، حول مقتل خالد سعيد، التى أثارت أزمات وتحفظات فى مصر، وهنا أود أن أسألك: هل تصريحات السفير الأمريكى تخضع لتعليمات أمريكية أم أنها اجتهاد شخصى من السفيرة؟

- لا نستطيع التعميم على كل الحالات، ولكن بغض النظر عن تصريحات سكوبى فإن التصريحات نفسها صدرت من وزارة الخارجية الأمريكية، بل ومن البيت الأبيض نفسه، وليس مهما ما إذا كانت هذه التصريحات بتعليمات أم لا، وكل ما أتحفظ عليه أن يتم التعقيب على قضايا بعينها قبل أن يترك المجال للمؤسسة القضائية الوطنية أن تحقق وتصدر أحكامها، نحن نعيش الآن فى إطار منظومة عالمية توضع فيها أسس للتعامل فى القضايا الدولية، وهناك أرضية لكيفية التعامل على المستوى الداخلى للدول، وعلى كل دولة الالتزام بهذه القواعد، لكن فى إطار الممارسة ذاتها يجب على الطرف الخارجى أن يتابع ما يريد دون تدخل، إلا إذا وجد قصورا فى التحقيق وفى النظام المتبع، وأن يكون القصور متكرراً وليس حادثاً استثنائياً، فأى دولة أجنبية تريد أن تتابع أى قضية أهلا وسهلا بها، ولكن لا يجب التعقيب قبل التحقيق.

■ لكن البعض يرفض التعقيب الأجنبى لا قبل التحقيق ولا بعده، ولا حتى فى حالة حدوث أى تقصير، فهو شأن داخلى؟

- أتفق معك تماما.. فلو أن كل دول عقبت على الأحكام الداخلية للدول الأخرى سنعيش فى حالة من الغوغائية، وما أقوله إن العالم تحكمه أسس مشتركة فى الديمقراطية وحقوق الإنسان، وفى إطار هذه المنظومة يتابع كل طرف الطرف الآخر.. ومؤخرا وجدنا الدكتور مفيد شهاب ذهب بنفسه إلى جنيف لمناقشة ملف حقوق الإنسان فى مصر، وهو دليل التزامنا بالشفافية والمراجعة الدولية حتى لو اختلفنا فى بعض الأمور.

مصر تستطيع التعامل بصدق وإيجابية مع التيارات الداعية إلى احترام حقوق الانسان، لأننا أعلنا صراحة أننا فى مرحلة مستمرة من الإصلاح الداخلى، ولكن فى نفس الوقت لا نسمح باستغلال هذا الملف سياسيا، وإلا سينقلب الأمر وسنجدهم يقولون لنا من أجل الديمقراطية وحقوق الانسان عليكم بمعاداة فلان، من أجل الديمقراطية حاكموا واحبسوا فلانا ولا تحبسوا آخر وهى أمور لا نقبلها.

■ دعنى أطرح عليك السؤال المتكرر عن تراجع الدور المصرى.

- الحفاظ على الدور المصرى أصبح صعبا الآن، فاللعبة لم تعد كالسابق، لم تعد بين الشمال والجنوب والشرق والغرب، ولم تعد الأطراف معدودة: العرب ضد إسرائيل، والخليج العربى ضد بلاد فارس، بل أصبح الخلاف بين سنة وشيعة وكرد، أصبح اللاعبون اكثر والأطراف متعددة، فى الماضى كانت مصر والسعودية وسوريا هى الأطراف الوحيدة اللاعبة فى القضية الفلسطينية الآن تعددت الدول، لذا أصبح لزاما على مصر أن تنظر شمالا وغربا وجنوبا وشرقا فى نفس الوقت، فالمنافسة على الدور أصبحت أشرس.

■ هل أنت راضٍ عن أداء الخارجية المصرية؟

- يجب أن تكون لدينا رؤية استراتيجية ومنظور لاحتياجاتنا وأولوياتنا، وعلينا أن نتوقع طبيعة المشكلات والمخاطر والفرص المتاحة، بمعنى أن نحدد ما هى احتياجاتنا من المياه والطاقة والغذاء، وأن نبحث عن مصادر تلبية هذه الاحتياجات، وأن نبدأ فى صياغة علاقاتنا مع الدول التى ستلبى احتياجاتنا، أى أن أضع عينى على طرق واتجاهات هذه الاحتياجات، ثم النزاعات الإقليمية التى من الممكن أن تؤثر علينا، وأن نضع سيناريو إذا ما حلت هذه النزاعات، وسيناريو إذا ما تعذر الحل وتأثيرات ذلك على مصر، على سبيل المثال يجب أن نعد سيناريو فى حالة نجاح التفاوض مع إسرائيل، وآخر إذا ما فشل، سيناريو ماذا لو لم أصل لنقطة مشتركة مع دول حوض النيل، وغيرها من القضايا.

■ إلى أى سياسة تميل.. سياسة وزير الخارجية الحالى أحمد أبوالغيط، الذى يقول إن الرئيس يضع السياسات الخارجية والوزير ينفذها، أم سياسة عمرو موسى الذى يقول إن الوزير مشارك فى صنع السياسات؟

- بل سأذهب أبعد مما قاله عمرو موسى، فأنا أرى أن أى مسؤول فى الدولة وأى موظف عليه المشاركة فى وضع السياسات سواء أُخذ بها من قبل رؤسائه أو لا.

■ وهل كنت تشارك فى وضع السياسات أثناء وجودك فى واشنطن؟

- تعريف منصب السفير رسميا هو ممثل رئيس الجمهورية لدى رئيس الدولة الأخرى، أى أننى أمثل رئيس الجمهورية وليس وزير الخارجية، هذا أولا.. ثانيا لم أبعث سفيرا للولايات المتحدة لأرسل معلومات فقط، فهى مهمة من الممكن أن يقوم بها سكرتير، كما أننى لن أرسل وجهة النظر التى تريد القاهرة سماعها، فالمنصب مسؤولية ضخمة، وما أرسله من المعلومات يساهم فى صناعة القرار المصرى، لذا يجب أن أكون حذراً ومدققاً لكل شىء.

■ ما أبرز القضايا التى أرسلت فيها وجهة نظرك إلى مصر، وماذا كانت وجهة نظرك؟

- أرسلت تقارير كثيرة مصحوبة بوجهة نظرى، بداية من اليوم الثانى عشر بعد وصولى إلى واشنطن، حيث سقطت طائرة مصر للطيران، ولم يكن لى سابق خبرة فى التعامل مع مثل هذه الأزمات، وكانت الولايات المتحدة الأمريكية تقول بأنه حادث انتحار، مستندة إلى قول البطوطى «توكلت على الله»، على الجانب الآخر أرسلت مصر تنفى عملية الانتحار، فأرسلت إلى أمريكا وأوضحت لهم أن «توكلت على الله» كلمة يقولها المسلم والمسيحى فى مصر عندما يبدأ يومه وعمله ولا علاقة لها بالإرهاب، وفى نفس الوقت أرسلت إلى مصر رأيى بأنه لا يجب أن نبادر بنفى شىء مازال طى التحقيق، مرورا بإرسال تقرير من ٢٠ صفحة قيّمت فيه شخصية الرئيس بوش واتجاهاته، فور توليه الحكم، وأرسلت للقاهرة أقول لهم إن بوش الابن يميل إلى التفكير الدينى، وإنه ليس لديه أدنى خبرة فى التعامل مع العالم الخارجى، حيث إنه رجل لم يسافر إلا مرتين فى حياته مرة إلى مصر ومرة إلى الصين، عندما كان والده يعمل سفيرا هناك، إضافة إلى أنه لن يسير فى اتجاه عملية السلام إلا تحت ضغوط شديدة .. فقد كانت القاهرة على علم باتجاهات بوش فور توليه السلطة.

■ لننتقل إلى القضية الفلسطينية.. كيف تقرأ تصريحات الرئيس أوباما أثناء الزيارة الأخيرة لنتنياهو للولايات المتحدة الأمريكية، التى قال فيها إن «إسرائيل دولة صغيرة لها احتياجات أمنية خاصة» وهل هذا يعنى أنها ستظل بحماية أمريكية خارج معاهدة منع الانتشار النووى فى المنطقة؟ وماذا تعنى جملة «مع مراعاة الأمر الواقع» أثناء الحديث عن الحل على أساس حدود ٦٧؟

- التصريحات الخاصة باحتياجات إسرائيل الأمنية تعنى تراجع الأمريكان عما تم الاتفاق عليه فى مؤتمر مراجعة اتفاقية منع الانتشار النووى فى منطقة الشرق الأوسط بما فيها إسرائيل، هذه المراجعة التى أعادتنا إلى ما كنا وصلنا إليه حتى عام ٢٠٠٠ فى تناول قضية عدم الانتشار النووى فى المنطقة بما فى ذلك إسرائيل، بعد تدهور الموقف السياسى الدولى فى هذه القضية إثر ولاية بوش الابن، وبكل صراحة شعرت بإحباط شديد من هذه التصريحات، لأنها تتنافى مع مبادئ وفلسفة منع الانتشار النووى فى المنطقة، ولأن أمريكا تشير ضمنا إلى إبقاء دولة خارج إطار الاتفاقية.

أما التصريحات الخاصة بعملية السلام بين فلسطين وإسرائيل، فأنا أرى فى الإشارة إلى إقامة دولتين شيئاً إيجابياً، وإلى إقامة دولة فلسطينية على حدود ٦٧ أمراً إيجابياً أيضاً، ولكن جملة «مع مراعاة الأمر الواقع» تعنى تأكيد الأمريكان وأوباما أنهم لن يتراجعوا عن الضمانات القديمة التى أعطيت إلى رئيس الوزراء شارون من قبل الرئيس الأمريكى السابق جورج بوش، وهو أمر يجب الحذر منه، لأن هذه التصريحات تؤكد احتفاظ إسرائيل بالمستوطنات على الحدود. كما أن من الأمور السلبية فى هذه التصريحات أنه لم تتم الإشارة إلى وجود عاصمة فى القدس.

■ مؤخرا صدرت تهديدات من الرئيس الأمريكى إما ببدء التفاوض المباشر أو خسارة الحوافز الأمريكية، فكيف ترى الوضع؟

- القضية الفلسطينية وصلت إلى عنق الزجاجة، والخطة العربية تقول ببدء المفاوضات غير المباشرة ثم المباشرة ثم الذهاب إلى مجلس الأمن، وهنا أحد أمرين: إما أن تنجح المفاوضات، وإن كنت أشك فى ذلك، لأن جميع المؤشرات تشير إلى عكس ذلك، وهذه العملية ستتعدى الستة أشهر، وهنا سيتعلل أوباما بقرب انتخابات التجديد النصفى للكونجرس ولن يتم اتخاذ أى موقف قبل الانتخابات، أو أن العرب سيذهبون إلى مجلس الأمن ويقدمون مشروع قرار يؤكدون فيه إقامة دولة فلسطينية على أساس حدود ٦٧ وعاصمتين فى القدس، وحل قضية اللاجئين على أساس قرار ١٩٤، ويسجلون الموقف برمته تاريخيا ويسعون إلى جمع تأييد دولى، حتى لو تم ذلك سيمتد التفاوض حول مشروع القرار لعدة أشهر، هذا إذا كنا معنيين بتأييد أمريكى وليس فيتو، وفى كل الحالات لا أتوقع أى حل فى عام ٢٠١٠، خاصة مع انشغال أمريكا بانتخابات التجديد النصفى للكونجرس من ناحية، وعدم توافر الحد الأدنى لدى الحكومة الإسرائيلية لبدء التفاوض من ناحية أخرى. ولن يحدث أى شىء بكل تأكيد قبل ديسمبر القادم، وبعد انتهاء الانتخابات الأمريكية، وسينتظر العرب حتى تأتى حكومة فى إسرائيل لديها النية فى الحل.

■ كل الخيارات التى طرحتها ليس من بينها خيار للحل ولا خيار للحرب؟

- العرب لن يحاربوا، ولن يسمح لهم أحد بالحرب، والمناخ الدولى ليس مناخ حرب، ولا توجد حرب بدون مصر ومصر لن تحارب.

■ ولا حتى سوريا بالاشتراك مع إيران وحزب الله فى لبنان؟

- لو رصدت معدلات خرق الحدود المصرية الإسرائيلية ستجدينها أكبر كثيرا من معدلات خرق الحدود السورية الإسرائيلية، فالجبهة السورية هادئة، سوريا تعلم أن الحرب ليست فى مصلحتها الآن، فأى حرب تتحدثين عنها؟!

■ وماذا عن تهديدات حزب الله؟

- هناك فرق كبير بين حرب بالمعنى المتكامل، وصاروخ يسقط من حين إلى آخر على إسرائيل.

■ ظللنا نعمل لسنوات طويلة فى الملف الفلسطينى، فجأة وفى أحداث غزة أصبحت تركيا نجمة، فى حين قذفت السفارات المصرية فى الخارج بالحجارة، فأين موطن الخطأ؟

- لا يجب تقييم أداء الدولة من خلال ملف واحد، وفى فترة زمنية قصيرة الأجل، ومن الطبيعى أن كل من سيعمل فى الملف الفلسطينى ستسلط عليه الأضواء، لكنه حدث مؤقت، وأنا بالطبع أرحب بأى جهد يبذل، وهذا لا يخصم من رصيد مصر، صحيح أن مصر لم تصل إلى نتائج ملموسة، ولكن هذا لأن مناخ القضية الفلسطينية يمر من إيجابى إلى سلبى ومن سلبى إلى أسوأ، إضافة إلى أن الحكومة الإسرائيلية الحالية لا تريد السلام، وليس لديها الحد الأدنى الذى يمكن على أساسه بدء التفاوض.. عموما اللاعبون سيكثرون ولا يجب أن نشغل أنفسنا بذلك.

■ والحل؟

- أن نجتهد فى أكثر من ملف فى آن واحد، وليس فقط قضايا الشرق الأوسط، إنما باقى قضايا العالم، فالخبر اليوم الذى يذاع على الفضائية يستمع إليه كل من فى تشيلى وتايوان والصين وروسيا فى نفس اللحظة، فلو أن مصر أصبح لها دور فى الملفات العالمية ستظل بارزة فى المجتمع الدولى، إضافة إلى جانب مهم، وهو أن الإخفاق فى ملف ما، وقتها سيتضاءل أمام نجاحات فى باقى الملفات، وليس كما يحدث الآن، الإخفاق فى ملف يراه البعض إخفاقاً عاماً فى كل شىء، كما لا يجب أن تكون مصر فى موضع رد فعل للغير، بل يجب أن تكون لنا رؤية مستقبلية لحماية مصالحنا، وعلينا أن نكون طرفاً فاعلاً فى كل الملفات.

■ هذا يعنى أنه ليست لدينا رؤية؟

- لدينا المبادئ التى تحكم السيادة الوطنية والالتزام بالقانون الدولى.

■ وهل هذا يتعارض مع اتخاذ موقف مع إسرائيل وبناء علاقات جيدة مع دول حوض النيل وغيرها؟

- لا.. لذا أتحدث عن تحديد أولويات، وأذكر أننا كنا فى السابق مثلا نرسل سفير مصر فى السودان على درجة وزير احتراما منا لأهمية هذه الدولة، وأذكر أننا فى إحدى السنوات أرسلنا سفيراً للسودان على درجة وكيل أول وزارة، فأرسل لنا السودانيون يستفسرون عن الأمر، فأجبناهم بأن السفير الجديد ربما ليس على درجة وزير ولكنه رقم اثنين فى وزارة الخارجية، كما أنه كان من الضباط الذين ساهموا فى ثورة يوليو، هذا والسودان ليست أهم ولا أغنى دولة فى العالم، ولكنها تأتى على قمة أولوياتنا، كما يجب أن أضع جميع دول الجوار فى هذه المكانة، مثل إسرائيل وليبيا، فإن كانت الأولى مهمة لعملية السلام، فيجب أيضا أن نستثمر علاقتنا الجيدة بليبيا ولا نكتفى بالعلاقات الحسنة.

■ حديثك ينقلنا إلى الأزمة مع دول حوض النيل، هل لديك تعقيب على ما وصلت إليه؟

- قضية المياه يجب أن تحل على أساس الكسب للجميع، فلا يمكن حلها لصالح طرف على حساب الطرف الآخر، ولن تحل بالضغط ولا بسياسة الأمر الواقع، وإذا نظرنا إلى أزمة دول حوض النيل فلن نجدها أزمة مياه، إنما أزمة كيفية استغلال المياه لتوليد الطاقة لأغراض التنمية، وهو ما يدفعهم إلى تحميل مصر والسودان سعرا معينا للمياه التى تتجاوز الحقوق المتصورة بالنسبة إليهما، واعتقادى أن الحل يكمن فى الحوار والدبلوماسية الهادئة وكيفية الاستثمار فى حوض النيل من قبل مصر، بالنظر فى المشروعات المشتركة للاستخدام الأمثل للمياه، وقبول دول حوض النيل على الناحية الأخرى بأن قضية المياه استراتيجية بالنسبة لمصر والسودان، وعدم التعامل معها بمنطق فرض الرأى على الآخرين.

■ وهل تسير مصر فى الطريق الصحيح فى المفاوضات مع دول حوض النيل؟

- هناك جهود واضحة لا شك.. ولكن لا يجب أن نضيع وقتنا فى النقاش حول الحقوق التاريخية لمصر والسودان، فالحقوق قائمة.. ولا يجب أن يدور الحوار هل الحقوق قائمة أم لا، مصر تقول قائمة وهم يقولون لا.. وهذا خطأ فى الحوار، فالحقوق المصرية والسودانية معروفة ويجب التعامل معها على هذا الأساس، ويجب نقل الحوار إلى منطقة أخرى، وهى منطقة المصالح، كيف نحقق المصالح لدول حوض النيل دون المساس بالحقوق التاريخية والوضع التاريخى القائم، وهذا ما لم يكن يحدث.

■ هل الخارجية المصرية هى سبب الأزمة مع دول حوض النيل بتجاهل العلاقات معها لسنوات؟

- لا يجب أن نضيع وقتنا فى هل الخارجية قصرت أم لا، المهم أننا أمام مشكلة حيوية يجب أن تحل، وعلينا التركيز فى حلها، ثم إن الأزمة مع دول حوض النيل مستمرة منذ سنوات طويلة، تتوتر أحيانا وتخفت أحيانا، على حسب الظروف والأوضاع السياسية.

■ وعلى حسب حجم الضغط الأجنبى عليها لتأليبها على مصر؟

- لا شك أن التواجد الأجنبى فى دول حوض النيل كبير، ومتعدد الجنسيات، ولكن لو أننا ـ كما قلت ـ انتقلنا من النقاش حول الحقوق إلى النقاش حول المصالح ربما نصل إلى حل للأزمة.

http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=265634
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=265662

المتابعون