مرفت التلاوي

وزيرة الشؤون الاجتماعية السابقة تخرج عن صمتها
التلاوى: يوسف بطرس غالى طلب منى استثمار أموال التأمينات فى بنك أمريكى فوقفت وقلت له: «المقابلة انتهت»
--------------------------------------------------------
المصري اليوم -حوار رانيـا بـدوى -25/1/2010
-------------------------------------------------------

مشكلاتنا الداخلية لها علاقة بأننا لا نستكمل أى مشروع نبدأ فيه ولا نلتزم بأى قانون وضعناه، فنبدأ فى إعمار سيناء ثم نتوقف، ثم نبدأ فى حفر ترعة السلام ونتوقف، ولا شىء يكتمل.. لابد من وجود انضباط أكثر فى المؤسسات، فلا يصح مثلا أن نغير قانوناً مثل قانون المناطق الحرة وأفرض ضرائب على استثمارات، فتكون النتيجة ضياع الاستثمارات بالمليارات، وأنا أعلم أن ناصر الخرافى كان سيقيم مشروعاً للبتروكيماويات فى مصر بـ٥ مليارات دولار، لكنه توقف بسبب تضارب القوانين فى وقت نحن فى أمس الحاجة فيه إلى جذب مزيد من الاستثمارات، فلصالح من يتم ذلك؟

السؤال طرحته الدكتورة ميرفت التلاوى، وزيرة الشؤون الاجتماعية السابقة التى بدأت حوارها مع «المصرى اليوم» متحدثة عن تضارب القوانين، وعن السياسة الاقتصادية غير الواضحة، مؤكدة أنهم يقولون إننا نسير طبقا لسياسة رأسمالية منفتحة، وفى نفس الوقت يضعون المعوقات أمام ذلك، يخصخصون كل شىء فى البلد، ثم يأخذون الخاص ويحولونه إلى عام، مثل أموال التأمينات.

الحوار مع الدكتورة ميرفت التلاوى. إنما يعد شهادة صريحة واعترافات جريئة عن الفترة التى عاشتها كأحد أعضاء الحكومة والتى ساهمت خلالها فى وضع سياسات وقرارات تهم الشعب المصرى وتتحكم فى حياته ومصيره آنذاك، علنا نعرف بعضا مما تخفيه كواليس السياسة والسياسيين و«كيف تحكم مصر».. بلدنا.

■ جاهدت ثلاث سنوات، لإقناع اليابانيين، بإعطاء مصر منحة مالية لإنشاء كوبرى السلام (أعلى كوبرى فى العالم)، الذى يربط وادى النيل بسيناء وكانت إحدى حججك بأن سيناء سيستوطنها ٣ ملايين نسمة خلال ١٠ سنوات، الآن كيف ترين مفاوضاتك مع اليابانيين، فى ظل الوضع الحالى فى سيناء؟

- الأمر مؤسف للغاية.. فقد جاهدت فعلا كما قلت ولم يكن الأمر سهلا حتى إن اليابانيين قالوا لى: تريدين كوبرى مكونا من ٤ حارات، وطوله ٩ كم، ويعد الأعلى ارتفاعا فى العالم، فى حين أنه لا يمر أكثر من ١٠ سيارات فقط على هذا الطريق يوميا؟! فأجبتهم بأن هذا هو الوضع الحالى، عام ١٩٩٣، ولكن بعد عشر سنوات سيستوطن سيناء ٣ ملايين نسمة، واستشهدت وقتها بوثيقة صدرت عن وزارة التخطيط تؤكد هذا المعنى.. ولكن طبعا لم يتحقق هذا الحلم، وهذا أكبر خطأ ارتكبته الحكومات المتعاقبة.

■ فى ظنك، ماذا يقول عنك اليابانيون اليوم؟

- ضحكت وقد فهمت ما قصدت قائلة : ربما قالوا إننى «ضحكت عليهم، أو ربما نصبت عليهم».

■ مر حوالى ١٦ عاماً منذ هذه الواقعة.. فلماذا فى ظنك لم يكتمل مشروع تعمير سيناء حتى الآن؟

- تعمير سيناء يحتاج إلى قرار سياسى سريع، ولو كنت مسؤولة لكان أول هدف آمر به الجميع أن يعملوا عليه هو تعمير كل من سيناء وحلايب.. فهى أراض عليها العين وليس من مصلحتنا تركها هكذا.

■ سألت الدكتور محمود محيى الدين فى هذا ألأمر فأجابنى بأن المسألة تتعلق بالأولويات وتوافر الأموال، ومنطقة الصعيد تأخذ الجهد الأكبر والتمويل الأكثر فى خطط الاستثمار، فماذا تقولين له؟

- سأرد عليه بأن عليك أن تعمر سيناء أولا.. فالوادى الجديد على سبيل المثال به ٤٠٠ ألف فدان لا يوجد من يزرعها، والمحافظ يشكو من قلة العمالة الزراعية، لأن المسافة بعيدة للغاية، وسيناء أولى وأقرب، وإذا كان الاستثمار كله موجها تجاه الصعيد الآن، فسأقول له «الصعيد كان لازم يتعمر من زمان، مش من النهارده» وما كان يجب أن تكون ٩٩% من الاستثمارات فى القاهرة، حتى وضعونا فى المأزق الذى نعيش فيه الآن، وهذا كله نتيجة غياب الرؤية، وعلى الحكومة ألا تترك المشروعات الكبرى بيد فرد واحد، ربما يكون لديه بعض القصور، أو متشبثا برأيه ويظن أنه على صواب لكنه على خطأ .

■ ألا يوجد فى كل الحكومات التى تعاقبت خلال الثلاثين عاما الماضية حكومة واحدة لديها رؤية؟

- الرؤى دائما منقوصة وفى الوقت نفسه لا تستكمل، وكل حكومة جديدة أو وزير يأتى يبدأ من الصفر ولا يبدأ مما انتهى عنده الآخرون أو يلغى ما قد أتى به من سبقه.

■ لننتقل لملف التأمينات.. ٢ مليار جنيه مصرى، وضعت الحكومة المصرية عينها عليها.. هل أصبح لديك ِ الجرأة الآن لتتحدثى عن هذا الملف الشائك؟

- اشتريت- كوزيرة- ربع أسهم شركة تليفونات «الشركة المصرية لخدمات التليفون المحمول» بأموال التأمينات، وقلت لهم إن الشخص الذى سيشترى هذه الأسهم، سيخرج السيولة المصرية إلى الخارج، ونحن أولى بها.. وكان البعض قد عرض ١.٧ مليار لشراء هذه الأسهم، فعرضت ٢ مليار، واشتريت الأسهم وكنت واثقة بأننى سأضاعف أموال التأمينات فى عام واحد، لأنها من الشركات التى تحقق أرباحا عالية، إلا أنهم أجبرونى على بيع الأسهم.

■ كونى أكثر صراحة.. من هم؟

- الحكومة.

■ الحكومة كلمة مطاطة؟

- الحكومة وعلى رأسها كمال الجنزورى.

■ لماذا؟

- كانوا يريدون أن يشتريها مشتر واحد رئيسى ولا أعرف السبب.

■ اشتريت أيضا شركة أسمنت أسيوط وما تملكه من أراض؟

- نعم.. وكانت تملك الشركة حوالى ١٥٠ فداناً، وكانت من أكبر الشركات الناجحة فى مصر، إلا أنهم ضغطوا على أيضا لبيعها فقلت لهم إن مبدأ بيع شركة أسمنت أسيوط لغير المصريين خطر كبير فى ظل أزمة الإسكان الشعبى التى كانت تعيشها مصر آنذاك، وبدلا من أن يملكها فرد أو أجانب، اتركوا ٦.٥ مليون مواطن على المعاش يتملكونها.

■ لكنهم عند بيعها قالوا إنها كانت شركة خاسرة؟

- «متأسفة أرفض هذا القول».. الشركة كانت ناجحة وتحقق أرباحا كبيرة.. «وهو يعنى عمر أفندى الحالى رابح؟» عمر أفندى القديم كان أحسن منه ميت مرة.. كذلك المنطقة التى بنى عليها مجمع سيتى ستارز، كنت أول المتقدمين لشرائه، وقد أعد لى إسماعيل عثمان، وهو حى يرزق، ولتسألوه فى هذا الأمر، «ماكيت» لبناء ٢٥٠ فداناً لـ«الوفاء والأمل» على هيئة مجمع يضم فنادق ومولات ومستشفى ومنتزهات وبحيرات، على أن يصرف من عائد هذا المجمع على أعضاء «الوفاء والأمل» من المعاقين الذين خرجوا من الحرب بعاهات.. والأمر نفسه حدث مع منطقة حكر أبودومة، التى وزعوها على بعض رجال الأعمال، وقطر. وكنت قد اشتريت هذه الأرض قبلهم على أن يقام فيها مشروع مطاعم ومنتزهات وكافيهات، وألا تدخل إليها السيارات.. وكنت قد شاهدت هذا المنظر فى اليابان، إلا أنهم أخذوا منى كل شىء.

■ ولكنها فى النهاية استثمارات خارجية تساوى أموالا تدخل إلى البلد؟

- وكم من الأموال سيخرج من البلد! فلوس الاستثمارات لا تمكث داخل البلد، وأغلبها يخرج إلى الخارج.

■ وماذا عن العمالة المصرية التى تعمل فى هذه الشركات؟

- سيبك من الكلام دا، الدولة تستطيع تشغيل عمال لو قامت هى بهذه الاستثمارات وأقامت هذه المشروعات . طبعا أهلا بالمستثمرين حتى لا يفهم كلامى بشكل خاطئ، ولكن ما أقصده لماذا تمنع «التأمينات» من الاستثمار؟ لماذا هذه الأموال كان عليها حظر فى كل ما هو مفيد.. فى حين وضعوها فى البورصة بعد ذلك!

■ حضر إليك د. يوسف بطرس غالى وبصحبته رئيس بنك أمريكى يطلب منك استثمار أموال التأمينات فى هذا البنك، ولاحظتُ التزامك الصمت وقتها فهل هذا الموقف صحيح، وما تفاصيله الدقيقة؟

- عندما دخل علىّ دكتور يوسف بطرس غالى وطلب منى هذا الطلب، وقفت من على مكتبى، وقلت لهم المقابلة انتهت.. فأنتم عندما تحضرون ٥ مليارات من الخارج إلى الداخل، تذهبون إلى الرئيس «وتعملوا زفة».. أتريدون منى أن أخرج ٢٠٠ مليار من أموال المصريين إلى الخارج، وقتها إن حدث ذلك فلابد أن أدخل أنا وأنت إلى السجن مباشرة، وخرج دكتور بطرس غالى دون أن يحصل على موافقتى.

■ وبماذا شعرت عندما جعلوا أموال التأمينات تابعة بالكامل إلى وزارة المالية، أى إلى الدكتور يوسف بطرس غالى، بعد خروجك من الوزارة؟

- شعرت بالأسف، لأن هذا خطأ قانونى ودستورى، وليس من حق الحكومة أن تأخذ المال الخاص وتحوله إلى ملكية عامة للدولة.. فأموال التأمينات ملك للأفراد.. وبالمناسبة ميزانية الدولة الآن عليها عجز، وهذا ينطبق أيضا على أموال التأمينات التى ضمتها.

■ ولكن الدولة أعلنت أنها مسؤولة عن أموال التأمينات؟
- أيا كان فهو وضع خطأ من البداية للنهاية.

■ وكيف وضعت أموال التأمينات فى البورصة، ولماذا قبلت المجازفة بأموال الشعب؟

- كنت قد وضعت مبدأ أن أى شركة من الشركات التى تباع وتخصخص، يجب أن يؤحذ من حصيلة بيعها ١٠% من أسهمها لتذهب إلى التأمينات، وكانت هناك شركات بعينها يجب أن تشتريها وزارة التأمينات ولا تذهب إلى البورصة إطلاقا لخطورة ذلك، لكنهم أيضا أجبرونى على وضعها فى البورصة، حتى يقولوا إن البورصة ناجحة.

■ ماذا تعنين بأجبروكِ؟

- ضغطوا على، أنا وحدى ضد الحكومة ورئيس الوزراء.

■ ولكن علاقتك بحرم الرئيس جيدة، فلماذا لم تذهبى إليها وتوضحى لها الصورة ؟

- لأنها ليست صاحبة سلطة تنفيذية لأتحدث معها.

■ على الأقل اطلبى منها مقابلة الرئيس لتحكى له ما حدث؟

- للأسف كان لدى مبدأ بأن رئيسى المباشر هو رئيس الوزراء، ولا يجب أن أتجاوز رئيسى إلى رئيس الجمهورية.

■ لماذا لم تقدمى استقالتك إذا كنت مؤمنة بما تقولين وتشعرين بالسياسات الخاطئة للحكومة التى تشاركين معها؟

- قدمت استقالتى مرتين، مرة بسبب حقوق الإنسان، فأنا أول وزيرة للشؤون الاجتماعية تغير قانون الجمعيات الأهلية وأرفع منه ٣٥ بنداً معوقاً إدارياً للجمعيات من قانون ١٩٦٤، وعندما عملنا على صياغة اللائحة التنفيذية للقانون قالوا لى لا نريد أى جمعية تعمل فى حقوق الإنسان، فاعترضت وقلت لهم مصر وقعت على ٧ اتفاقيات دولية خاصة بحقوق الإنسان، فأجاب دكتور كمال الجنزورى: لا حديث عن حقوق الإنسان، وكان هذا الكلام أمام محمد الجندى ودكتور مفيد شهاب والراحل الدكتور فتحى غنيم، والمرة الثانية التى قدمت استقالتى فيها كانت بسبب الفقر، لأنه كان موضوعاً حساساً للغاية آنذاك.

الآن هم يتحدثون عن الفقر وعن حقوق الإنسان، ولكن أيامنا هذه كانت موضوعات ممنوعة وعيب.. لدرجة أنه كان يوجد مشاكل بين الحكومة المصرية وبين الأمم المتحدة بسبب التقارير التى تصدر منها عن الحكومة حتى عام ٢٠٠٠، عندما أعلنت الأمم المتحدة أهداف التنمية وكان من أهمها إخراج نصف فقراء العالم من الفقر إلى أوضاع أفضل.. ووقع عليها رؤساء الدول، وقتها فقط بدأوا رويدا رويدا يتحدثون عن الفقر، وكنت وقتها قد تقدمت بمشروع للدكتور كمال الجنزورى يهدف إلى ضم ٧ ملايين فقير فى مصر إلى التضامن الاجتماعى على مدى خمس سنوات لتحسين أوضاعهم .

■ ومن أين جئت بهذا الرقم؟

- ضحكت قائلة : السؤال نفسه طرحه على الدكتور الجنزورى فأجبته بأنه صدر من معهد التخطيط القومى، فقال لى «كلهم يساريون» فقلت له: ولكنك كنت مديرا لهذا المعهد! ورفض المشروع فقدمت استقالتى..وربما كان كمال الجنزورى رجلا وطنيا لكنه نموذج للجمود الفكرى.

■ ولكن لم يعلن إطلاقا أنك قدمت استقالتك، بل تساءل البعض لماذا لم يتم التجديد لك فى الوزارة رغم أنك لم تمكثى فيها سوى عامين وأربعة أشهر وهو زمن قصير فى عمر الوزراء؟

- لقد رفضوا إعلان استقالتى وكانوا يعلمون أن الوزارة كلها ستستقيل بعد عدة أشهر لأن الرئيس سيحلف اليمين لمدة جديدة، ودستوريا يجب أن تستقيل الوزارة قبلها بأشهر، وكلفوا دكتور عاطف عبيد بتشكيل الحكومة الجديدة، فلا يمكن أن يأتى بى فى وزارته.

■ لماذا؟

- لأننى كنت على خلاف مستمر معه، بسبب خصخصته للشركات عندما كان وزيرا لقطاع الأعمال، وكان كلما باع شركة ضمن نظام الخصخصة، رفض أن يدفع أموال العمال لصناديق التأمين، فتراكم عليه مليار ونصف جنيه، فمن أين أدفع المعاشات المبكرة لعمال الشركات التى تمت خصخصتها، بما حتم على صناديق التأمين دفع أموال لعشر سنوات مبكرا عن موعدها. هذا بخلاف المعاشات الأساسية التى تدفعها الصناديق لأصحاب المعاشات الأصلية. والأدهى من ذلك أنهم سلطوا علىّ وسائل الإعلام المختلفة لمهاجمتى لعدم دفع المعاشات لأصحاب المعاشات المبكرة، وكنت أتساءل «أجيب منين إذا كان عاطف عبيد رافض يدينى فلوس العمال».

■ وأين كانت تذهب أموال التأمينات الأساسية والأموال الناتجة عن بيع الشركات؟

- كانوا يضعون جزءا فى بنك الاستثمار القومى برئاسة وزير التخطيط، والجزء الآخر وضع فى البورصة . وطبعا حتى يظهروا أنه لا يوجد عجز فى الميزانية أخذوا أموال التأمينات، ووضعوها ضمن ميزانية الدولة، وهذه ليست شطارة، لأن الشطارة هى استثمار هذه الأموال لتأتى بعائد ٢٠٠% وليس استخدامها فى تغطية عجز ما.

■ ولكن عاطف عبيد أعلن أكثر من مرة أنه دفع التعويضات لعمال المعاش المبكر؟

- عفوا التعويض لا يحل المعاش الشخصى.. العامل الذى دفع ٢٠ أو ٣٠ سنة تأمينات من راتبه، يطالب بمعاشه عند خروجه.

■ هل تعلمين ماذا قيل عنك للرئيس وقتها لتبرير عدم التجديد لك فى الوزارة؟

- دكتور عاطف عبيد قال له إننى «ست تصادمية».

■ هل أنت مرتاحة للشكل الجديد الذى أصبحت عليه الوزارة من تضامن اجتماعى بدلا من وزارة للشؤون الاجتماعية؟

- أولا إضافة التموين للوزارة خطأ بالغ . وإن كانوا يقومون بجهود كبيرة إلا أنهم أيضا لديهم أموال لم نكن نحلم بها، وأرقام من المليونات والمليارات لم نكن نسمع عنها وكنا نعمل بأقل من ذلك بكثير ولا أعرف كيف تنفق كل هذه الأموال وفى نفس الوقت المديونية والعجز كبيران إلى هذا الحد وأعتقد أن أوجه الإنفاق «غريبة شوية».

■ وماهو الغريب فيها؟

- أولويات التنمية فى مصر «مش مظبوطة».

■ قلت فى بداية الحوار إن تعمير سيناء وحلايب يجب أن يكون من أولويات الدولة وتحدثنا عن سيناء. ولكن ما وجهة نظرك فى حلايب؟

- أنا ذهبت إلى حلايب وشلاتين حينما كنت وزيرة للشؤون الاجتماعية، وكان معى اللواء سعد أبوريدة محافظ البحر الأحمر، فاستقبلنى الناس بالذبائح فسألتهم لماذا كل هذا؟ فقال لى لأنك أول وزير مسؤول يأتى إلى هذه المنطقة، بالإضافة إلى أنك رفعت لهم معاشهم.

■ قاطعتها: أول مسؤول؟

- نعم.. تصورى؟ حلايب هذه قطعة من الجنة ولا يجب إهمالها أو تركها هكذا.. «اليونسكو» نفسها أخذت منطقة على جبل هناك وأعلنتها محمية طبيعية من عجائب الطيور فيها والطبيعة الخلابة.

■ وماذا عن خلافنا مع السودان حول حلايب وشلاتين؟

- هذه أرضنا منذ أيام محمد على ومن قبله.. وليذهب المصريون إلى هناك لعمل استثمارات ومشاريع ولن يستطيع أحد أن يتكلم .

■ عندما ذهبت إلى هناك هل شعرتى أن ولاءهم أكثر لمصر أم للسودان؟

- ليس لديهم الوعى السياسى القوى الذى يجعلنى أحكم عليهم إلى أى من الدولتين يدينون بالولاء، ولكن بالطبع سيميلون لمن يقدم لهم خدمات أكثر لذا أنصح بسرعة التعمير والاستثمار هناك إضافة إلى أننى أعتقد أن المستثمر الشاطر هو الذى يذهب إلى حلايب.. فهى منطقة قابلة وجاذبة للاستثمار.

■ السؤال الأهم الآن: ما هو الحل لكل ما سردت من مشكلات؟

- يجب أن يكون هناك عمل جماعى، لا أن تعمل كل وزارة بمفردها، فتخرج قوانين كل وزارة مضادة لقوانين الأخرى، يجب أن يكون هناك هدف عام تريد الحكومة أن تحققه، ولا تترك كل وزارة تحقق ما تريده.

■ ولكن المسؤولين فى مصر يتهمون الشعب بعدم تعاونه، وأن الزيادة السكانية تلتهم الأخضر واليابس وأنه مهما أنشئ من مشروعات فلن يشعر بها المواطن فى ظل هذه الزيادة السكانية؟

- لا أعفى الشعب من مسؤوليته، وأنا معكِ فى أن قوانين الأحوال الشخصية والزيادة السكانية فى حاجة إلى مراجعة شديدة، ووقفة حاسمة، لأن نسب الشباب والأطفال لدينا أصبحت عالية جدا نظرا للزواج المبكر فى مصر.

■ لكن أصبحت الآن لدينا وزارة خاصة للأسرة والسكان برئاسة مشيرة خطاب؟

- أنا ضد أن ننشئ شيئا دون أن نعطيه القدرة فماذا تفعل وزارة دولة بلا ميزانية، وبلا صلاحيات، وليست لديها قوة تنفيذية، والأجهزة غير تابعة لها، فى حل أزمة لا تحلها وزارة واحدة.. وإنما يجب أن تتكاتف عليها كل الوزارات.. «مسكينة مشيرة خطاب».
-----------------------
نشرت في المصري اليوم بتاريخ 25/1/2010
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=241441&IssueID=1661

تعليقات حول حوار منصور حسن

الرجل القادم فى مصر
------------------------------
سليمان جودة- المصري اليوم ٦/ ١/ ٢٠١٠
--------------------------------
ربما لا يعرف بعض شباب هذه الأيام أن السياسى الكبير منصور حسن كان واحداً من الذين أسسوا الحزب الوطنى مع الرئيس السادات، وأن مرور الوقت، من منتصف السبعينيات تقريباً، عندما تأسس الحزب، إلى اليوم، قد أوجد مسافة كبيرة، بين ما كان عليه الحزب الوطنى يومها، حين نشأ فى بكارته الأولى، وبين ما هو عليه الآن، وهى مسافة على كل حال لا تأتى فرصة مناسبة إلا وينتهزها الرجل، ليبين للناس حدودها بالضبط، وكيف كان الحزب، ثم كيف أصبح!

وفى وقت من الأوقات، كان منصور حسن واحداً من أبرز المحيطين بالسادات فى الحياة السياسية، وكان فوق اشتراكه فى تأسيس الحزب الحاكم وزيراً للثقافة، ووزيراً للإعلام، ووزيراً لشؤون رئاسة الجمهورية فى وقت واحد!

وحين أجرت الأستاذة رانيا بدوى حواراً مهماً معه على حلقات فى «الوفد» هذا الأسبوع، فإنه قد انضم - بما قاله - إلى ما كان قد قيل من قبل، من جانب الدكتور محمد البرادعى تارة، ثم من جانب عمرو موسى تارة أخرى، لنجد أنفسنا أمام ثلاثة من الكبار، قالوا كلاماً لابد أن يستوقفنا، وأن نعود إليه من وقت إلى آخر، وأن نتدبر معانيه، وأن نقارن فى كل لحظة بين الطريقة التى يفكر بها هؤلاء الفرسان الثلاثة، وبين الطريقة التى يفكر بها غيرهم!

وقد كان من المحتمل أن ينضم إليهم الدكتور فتحى سرور، بحواره الذى دار فى «المصرى اليوم» على ثلاث حلقات، لولا أن الرجل جزء من النظام الحاكم بحكم طبيعة عمله، وليس مستقلاً عنه، شأن الثلاثة، ولولا أيضاً أنه كان قد دعا فى أثناء حواره الدكتور البرادعى إلى دخول الحزب الوطنى، بما جعلنا لا نعرف وقتها ما إذا كان الدكتور سرور يتكلم على نحو جاد فعلاً، أم أنها دعابة من دعاباته التى تأتى فى غير وقتها، وتبدو نشازاً عما حولها!

وحين قال منصور حسن، فى حوار «الوفد»، إنه سوف يفكر فى ترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية، لو انفتح الباب المغلق، قاصداً بالطبع المادة ٧٦ من الدستور، فإنه، وهو يعلن هذه النية من ناحيته، لم يكن يدرى أنها سوف تفتح عليه باباً من النار، فيما بعد، وسوف يكون هدفاً، منذ اليوم، لغارات صحفية متواصلة، أو متقطعة، تماماً كما حدث مع البرادعى، ومع عمرو موسى، ولايزال يحدث!..

وإذا كان هناك شىء يجب أن يقال هنا، ولو على الهامش، فهو أن ينتبه الذين يقودون هجوماً من هذا النوع، إلى أنه يرفع، بل ويضاعف من درجات التعاطف مع هؤلاء الرجال، وكلما اشتد الهجوم كانت النتيجة عكسية لدى قطاعات الرأى العام فى البلد!

وإذا كان هناك شىء مهم، فى حواره مع «الوفد»، ضمن أشياء أخرى كثيرة مهمة طبعاً، فهو تأكيده على أن النظام البرلمانى فى الحكم، بدلاً من نظامنا الرئاسى الحالى، يظل الأفضل لنا، والأنسب، ويظل السعى إلى تحقيقه على أرضنا فرض عين على كل مواطن، لأنه نظام يقرن بطبيعته بين المسؤولية، وبين المساءلة، لكل من فى يده سلطة، ويجعل رئيس الوزراء مسؤولاً عن وضع السياسات العامة، وعن تنفيذها، أمام البرلمان وحده، ليبقى رئيس الجمهورية فى النهاية رمزاً عالياً، وحكماً عادلاً بين السلطات، فلا تكون كلها فى يده،

كما هو حاصل حالياً.. وليس سراً أن البرنامج الجديد لحزب الوفد يدور ابتداءً وانتهاءً حول فكرة النظام البرلمانى، وكيف أنه هدف لا يجب أن يغيب عن أعيننا، فى كل وقت!

بقى أن نقول إن مجلة «الحوادث» اللبنانية كانت فى نهاية السبعينيات، قد وضعت صورة منصور حسن على غلافها، وكانت مجلة نافذة جداً فى الأوساط السياسية وقتها، ثم كتبت إلى جوار الصورة عبارة تقول «الرجل القادم فى مصر».. فكان بعدها ما كان، مما لست أذكره، على حد قول الشاعر القديم، فظُنَّ خيراً ولا تسأل عن السبب!!

تعليقات على حوار منصور حسن




مع منصور حسن
----------------------------------
بقلم أحمد الصاوى- المصري اليوم ٧/ ١/ ٢٠١٠
---------------------------------
قيمة رؤية «منصور حسن» عن الأوضاع فى مصر، إلى جانب أنها تعبر عن أفكار حولها قدر واسع من الاتفاق، تكمن تحديداً فى كونها صادرة عن رجل دولة، يؤمن بهذه الدولة، رغم كل تحفظاته على سياسات إدارتها.

فى النهاية أنت لا تستمع إلى رجل يطرح أفكاراً تسعى إلى قلب طبيعة الدولة وشكل نظامها، أو تحاول إكساب هذا النظام ثياباً دينية أو حزبية، ومنحه نظارات لا ترى إلا ألواناً محددة.. هو يدعو ببساطة إلى تطوير هذا النظام فى ظل القيم العليا والمبادئ الأساسية لفكرة الدولة التى عرفتها مصر منذ فجر التاريخ، وشكل النظام الجمهورى الذى أسسه ضباط يوليو، على مبادئ ستة كان من بينها: «إقامة حياة ديمقراطية سليمة».. ليستوعب فى النهاية كل ألوان الطيف، ويحقق تعدداً يقذف بحيوية حقيقية فى بحر السياسة الراكد فى مصر، بما يسمح بتجريب عدة وجهات نظر، وعدم احتكار اليقين، وترك البلاد رهينة نظرة أحادية، ووجهة نظر واحدة، وأسلوب إدارة واحد لعقود طويلة.

ولما يشير منصور حسن فى «حواره لجريدة الوفد» إلى أن الرئيس عندما يأتى فى سياق نظام رئاسى فى مجتمع معتاد على النظام الديكتاتورى السلطوى، حتى ولو كانت لديه اتجاهات لنظام أكثر ديمقراطية، وحتى لو كان الدستور جيدا وضامنا لهذه الديمقراطية، إلا أنه من السهولة أن يرتد الرئيس فور بدئه الممارسة وتلقيه النقد.. فهو بذلك يرد ضمناً على من يراهنون على سعة صدر الحاكم وإيمانه بالديمقراطية، ويعتبرون ذلك ضمانة كافية للحقوق والحريات، هنا يدعو الرجل إلى ضمانات دستورية وقانونية، وضمانات فى شكل الممارسة السياسية وتوزيع القوى، تتسم بالدوام الذى يضمنها بعيداً عن مزاج الحاكم أو صدره الذى قد يتسع وقد تأتى لحظة فيضيق.

وعندما تقرأ ما كتبه الرجل ـ الذى أجمع كل من عاصروه وزيراً فى عهد السادات على كفاءته وانحيازه للحريات ـ مقالاً فى «المصرى اليوم» يدعو فيه الرأى العام إلى الضغط والإصرار شعبياً على الإصلاح، فلابد أن تتوقف أمام كلمة بليغة يمكن أن تراها توصيفاً دقيقاً لما وصلنا إليه يقول فيها: «نظام يستمر لعشرات السنين من دون أن يسمح بالمنافسة من خلال تداول السلطة، أو المحاسبة عبر الانتخابات النزيهة، من الطبيعى أن يصل بنا إلى ما وصلنا إليه..إذن فنظام حكم بهذه الخصائص هو (مشكلة الأساس)».

خصائص هذا النظام بالفعل تجنح نحو الشمولية والفردية، لذلك يبدو ما آل إليه الحال بعد ٣٠ عاماً من الممارسة «الشكلية» للديمقراطية مفيداً لنظام بهذه الخصائص، يعيش على تجميد الأحوال عند حدود «اللا فعل»، ويستفيد من هذا الوضع ولا يجد فى مصلحته الذاتية منح أى دفعة حيوية تخرج بالممارسة السياسية المصرية من حدود الشكل والديكور إلى مراحل التأثير والتغيير والمنافسة، بكل ما تمثله الأخيرة من آليات محاسبة ومكاشفة وتوازن قوى يحمى المجتمع كله.

لذلك يبدو (الإصلاح السياسى) ضرورة ملحة فى إطار نظام جمهورى يحقق «حياة ديمقراطية سليمة» منتصراً لمبادئ ثورة يوليو التى أقامت هذا النظام ويستمد منها شرعيته.. وحتى يحدث هذا الهدف لا تجوز المراهنة طويلاً على تحول فى قناعات النظام، وإنما يجب أن نضم أصواتنا جميعاً لصوت منصور حسن لتحقيق قدر واسع من الإصرار الشعبى على الإصلاح، لا تجد السلطة أمامه سوى التجاوب.

منصور حسن :

في ثلاث حلقات لرانيا بدوي :
سأفكر فى ترشيح نفسى لانتخابات الرئاسة لو فتح الباب المغلق
الجمهورية البرلمانية هو النظام الأمثل لمصر
------------------------------------------------------

طرح اسمه كأحد المرشحين للرئاسة، إلا أنه تنبه للأمر وأعلن أن الباب مغلق ولا مجال أمامه فى ظل الظروف السياسية الحالية، ثم عاد وقبع فى مكانه ساكنا يتابع ما يحدث بلا تعليق.. وقبل بدء الحوار جلست معه طويلا فى دردشة عامة حول أحوال البلد التى شعرت أنه مهموم بها، ونظام الحكم الذى بدا أنه على علم بأغلب تفاصيل أدائه، فجلس منصور حسن وزير شئون الرئاسة فى عهد الرئيس السادات ووزير الثقافة والإعلام السابق جلسته الهادئة المعهودة عنه.. يتحدث بخبرة سنوات قضاها قريبا من المطبخ السياسى، وبفكر متابع دؤوب لما يجرى من حوله، ليؤكد أن خمسين عاما من تأميم السياسة والحكم الفردى أصابت الرأى العام "بعاهة سياسية" جعلته شعبا يفكر ويتحدث فقط ولكنه لا يستطيع تحريك ساقه ولا ذراعه، وكأنه مصاب بالشلل السياسى، ومن الناحية الأخرى لم يلتمس للرأى العام كل العذر فحمله الخطأ بتكاسله.. إهماله ورضاه بالمكتوب، صبره وتغاضيه عن حقوقه.. واصفا إياه بأنه أفضل شعب يُحكَم فى العالم، فى حين كان يجب على الرأى العام أن يكون أساس الحكم، ورمانة ميزان العدل، أن يكون الحكم بين السلطات والمراقب للدستور، مع علمه التام أنه يتحدث عن رأى عام مختلف بعد الثورة عما قبل الثورة، ولكنه ما زال يأمل فيه خيرا لتغيير الخريطة السياسية بالتحرك من الآن وحتى عام 2011 إن أراد التغيير، أو ليكتفى بالحديث وغزل الآمال فنصل إلى اللحظة الفارقة فيصاب بإحباط على إحباطه.

عن مستقبل مصر دار الحديث لساعات مع منصور حسن الذى يندر ظهوره.. ويؤثر السكون على الصخب، ولكننا هذه المرة أقنعناه بالظهور، بل والحديث عن أكثر الموضوعات السياسية صخبا.

-------------
فلنبدأ برأيك فى مبادرة حزب الوفد بـأن تتحول مصر إلى جمهورية برلمانية، مثلما هو الحال فى تركيا أو الهند أو إسرائيل كأحد طرق الإصلاح السياسى؟؟

النظام الجمهورى البرلمانى هو الأمثل بالنسبة للمصريين لعدة أسباب، منها أننا نميل فى تقاليدنا الاجتماعية إلى فكرة "الكبير".. كبير العائلة أو كبير القبيلة أو كبير الحى، وهو شخص يكون موضع احترام وهيبة من الجميع ولا يكون فى متناول الصراعات ونقبله كحكم بيننا.. وهذا يتماشى مع موضع الرئيس فى النظام البرلمانى، فهو فى هذه الحالة يعد مندوبا للشعب فى السلطة، بمعنى أنه يضمن أن تعمل السلطات التنفيذية والقضائية والتشريعية وفقا للدستور ومصلحة الشعب، ويتدخل فور حدوث أى قصور من أى جهة.. أما الرئيس فى حالة النظام الرئاسى فهو رئيس السلطة التنفيذية ومسئول عنها بكل مساوئها وايجابياتها، ومن ثم يصبح الرئيس فى هذه الحالة تحت طائلة النقد، وإذا ما اشتد النقد عليه ربما يرتد عن الديمقراطية ويحاول من جديد أن يمسك بزمام الأمور لتتحول البلد إلى ديكتاتورية.

حتى ولو وضعت ضمانات للديمقراطية فى الدستور؟؟

نعم.. حتى ولو وضعت ضمانات للديمقراطية، فأنا أخشى أن النقد الذى يوجه لرئيس الجمهورية يغريه للدفاع عن نفسه بالامساك بجميع السلطات فى يده.. ومن الممكن ادعاء أننا فى مرحلة تاريخية تتطلب ذلك لتبرير الوضع وهذا ما أسهله فى مصر، لكن فى الخارج لا يستطيع الرئيس أن يرتد لأن الذى يحمى الديمقراطية ويضمن الأداء السليم للمؤسسات المختلفة رأى عام يقظ ومدرك لحقوقه، ومن لا يلتزم يسقطه فى الانتخابات.. أما هنا فإذا سيطر الحاكم فيبدأ بتحديد نتائج الانتخابات وفق هواه.

البعض يذهب لفكرة أن الحكم الرئيسى فى إدارة البلاد هو الدستور أيا كان نوع النظام برلمانى أو رئاسى؟؟

يوجد نقاش فى المجتمع ما بين تعديل الدستور الحالى أو وضع دستور جديد، وأنا فى رأيى أن الأمر سيان إذا ما خلصت نوايا القائمين على الدستور بحيث لا يتحركون وفقا لهوى شخصى أو هوى سلطة سياسية، ويكونون موضوعيين ومخلصين، فقد آن الأوان لتشكيل لجنة أو جمعية تأسيسية أيا كان المسمى، تختص إما بتعديل الدستور أو تغييره.

هى فكرة سبق وطرحها الأستاذ هيكل، ولكن ما تخيلاتك لتشكيل هذه اللجنة؟
لا أستطيع طرح أسماء ولكن عموما يجب أن تضم متخصصين فى القانون الدستورى، وممثلين للنقابات والأحزاب وكتّاب ومثقفين وشخصيات عامة، عرف عنها الفكر والاهتمام بالصالح العام، بما فيهم الحزب الحاكم، ولكن يأتون على قدم المساواة مع الآخرين لا على رأس اللجنة، كما هو الحال فى لجنة الأحزاب وغيرها من اللجان.

هل كنت راضيًا عن دستور 71 ؟
كنت راضيا عنه حتى حدث تعديل المادة 77 باستثناء ذلك كان دستورا مليئا بالمزايا والتأكيد على حقوق الإنسان.

ألم يتم الايعاز لفايدة كامل ونوال عامر بالتقدم باقتراح تعديل هذه المادة حتى لا يبدو وكأن
الأمر رغبة من الرئيس السادات نفسه؟

لا أحد يعرف هل تقدمتا من تلقاء أنفسهما بهذا التعديل أم بإيعاز من شخصية سياسية أخرى..
ولكنه تعديل حصل حسب الاستفتاء على نسبة 99.9%

ولكن حتى مسألة الاستفتاء مشكوك فيها ولا تعبر حقيقة عن رغبات الشعب؟؟

نعم.. ولكن هناك فرق بأن يعطى الرئيس أوامره بإجراء تعديل معين وأن تجرى التعديلات وهو لا يبدى مانعاً فى قبولها، والدليل أنه فى الأشهر الأخيرة من نهاية المدة الثانية، ورغم إقرار التعديل الدستورى كان الرئيس السادات يتجه إلى التصوف والزهد وبدأ يتحدث عن نهاية عهده.. أنا وسياسيون غيرى سمعنا هذا منه، حتى أن المهندس حسب الله الكفراوى ذكر ذات مرة أن الرئيس السادات أعرب عن رغبته فى ترك الحكم، وكان كثيرا ما يقول "لقد أديت مهمتى والبركة فيكم من بعدى" وكان ذلك قبل اغتياله بعدة أشهر، لذا أعتقد أنه نفسيا كان غير راغب فى التواجد، وكل ما كان يأمل فيه هو الوصول إلى 25 أبريل لإنهاء الاحتلال بالكامل وعودة سيناء.

قلت إنك راضٍ عن دستور 71 حتى إجراء تعديل المادة 77 والخاصة بمدة الحكم، ولكن هذا يعنى أنك كنت راضيا عن المادة 74 التى تمنح الرئيس سلطات استثنائية؟؟

لو شعب واعٍ ويمارس إرادته فلن يستطيع الرئيس استخدام هذه السلطات إلا فى ظروف يقتنع بها الشعب، فالعيب ليس فى المادة. ولو وضعنا دستور جديد فقد يكون مطلوبا صياغة مثل هذه المادة بلا خوف من اساءة استغلالها إذا ما كان هناك فصلا بين السلطات ورقابة متوازنة، بالإضافة إلى رأى عام يقظ لا يسمح لأحد باستغلال الدستور. فمثلا فى الدستور الفرنسى مدة الرئاسة غير محددة وعندما انتهت المدة الثانية لرئاسة جاك شيراك بدأ التفكير فى إعادة ترشيح نفسه، ولكن عندما أحس أن الرأى العام لا يريده تراجع رغم أن الدستور يسمح له بإعادة الترشح.. ما أقصده هنا أنه المهم ليس فى بنود الدستور فقط، إنما فى يقظة ووعى الرأى العام.

ماذا تعنى بيقظة الرأى العام؟ ماذا علينا أن نفعل؟

أن يكون للشعب إرادة تعلن بوضوح وتتبلور فى مختلف وسائل الإعلام بإصرار وإلحاح أن جاز التعبير، ولو لم تأت بنتيجة فآخر شىء فى يد الشعب هو النزول إلى الشارع.

ألا ترى أن حركة كفاية و6 أبريل ومن على شاكلتهما والإخوان المسلمين وغيرهم نوع من التحرك فى الشارع؟؟

باستثناء الإخوان المسلمين كل هذه الحركات بالكثير يمكن أن نسميها بدايات. وإن كنت أعتقد أنها بدايات لشىء ليس مهما، فهناك نوعان من التحركات، نوع ذو طابع سياسة مثل كفاية ولجنة محاربة الفساد وغيرهم، وهى حركات لا يلتف حولها الناس لأن الرأى العام عازف عن السياسة بل وخائف منها، والنوع الآخر تحركات فئوية وهى أقوى وبها إصرار أكثر، ولكنها تبقى فئوية مرتبطة بمصالح خاصة ببعض فئات الشعب وليس لها هدف عام يخص البلد.

ولكن ألا ترى أن مجرد طرح أسماء جديدة للترشح للرئاسة يعد تحركا من الرأى العام؟

الاستمرار لمدة عشرات السنوات فى وضع مجمد ليس فيه أى تحريك أو منافسة حقيقية أوصل جزءً من الناس الى التعبير عن الأمل فى أن يكون لديهم فرصة الاختيار بين مرشحين حقيقيين، خاصة بعدما علت الأصوات بأنه لا يوجد بديل، فأرادوا التأكيد على أنه يوجد هذا البديل ولحسن الحظ كانت اختيارات الناس محترمة وواعية ولم يذكر حتى اسم عليه جدل، بل رشحوا شخصيات محترمة وتصلح.. ولكن نحن أمام خيارين، إما أن يبقى الوضع على ما هو عليه دون أى إصلاح سياسى يزيل عقبات ترشح هؤلاء ونصل إلى 2011 وكل ما حققه الرأى العام أمل واهٍ، أو يضغط نحو الإصلاح ويحقق آماله. ولكننا ما زلنا فى طور الأحلام لأن الباب مسدود أمام كل من طرح اسمه.

كيف تقرأ الهجوم الشرس الذى تعرض له الدكتور البرادعى فور إعلان استعداده للترشح بشروط؟

أقل ما يمكن أن توصف به أنها حملة غير أخلاقية ومظهر من مظاهر التردى فى الخطاب السياسى الذى وصلنا إليه، فكان يجب عندما تختلف الصحف القومية مع رأى ما أن تناقش هذا الرأى بموضوعية ولا تتعرض للشخص نفسه. فمظهر من مظاهر الانتماء للوطن أن يحترم بعضنا البعض ونحترم كل مواطن.

قالوا إنه ليس لديه الخبرة الكافية لحكم مصر؟

كل رؤساء الجمهورية الذين أتوا على مصر لم يكن لديهم خبرة فى الحكم، أوباما نفسه رئيس أكبر دولة فى العالم كل خبرته كانت عامين فى الكونجرس.

قالوا إنه منفصل عن مشكلات البلد الداخلية؟؟

هذا غير واقعى الآن.. لأن المهتم بأحوال بلده يمكن متابعتها من آخر شبر فى الأرض فهناك عالم مفتوح من الإنترنت ووسائل الإعلام.

هل تعتقد أن هذه الحملة تمت بإيعاز من السلطة ؟

لا أعتقد هذا على الإطلاق، فهذا تصرف بعض المتطوعين والمبادرين ظنا منهم بأنهم سيكونون أصحاب حظوة بهذا التصرف لدى الحاكم، ثم يأتى الحاكم نفسه ويأمر بالكف عن مثل هذه التصرفات فيكفون للأسف نظامنا عوّدنا أن الحاكم له بعض الناس ممن يتصرفون دون أن يوجههم هو فيكونون ملكيين أكثر من الملك، وكأنهم يدافعون عن السلطة ولكن أى دفاع وعن أى اتهام! هذا رجل يقول سأرشح نفسى للانتخابات فى حالة كذا وكذا، ثم يقولون أنه ليس من حقه أن يعدل الدستور "على كيفه" هذا المطلب الذى طلبه الدكتور البرادعى مطروح منذ سنوات عديدة على الساحة السياسية، كل السياسيين طلبوه وكل ما طرحه يتخلص فى أن يكون هناك مجال لترشيح أكبر عدد من المرشحين المؤهلين لذلك، وأن تتم الانتخابات بنزاهة وشفافية فمن يرفض أو يعترض على ذلك!

اذن أنت مع ضرورة تعديل المادة76

حتى يكون هناك عمل سياسى حقيقى لابد أن تفكك كل هذه القيود لإعطاء فرصة لترشيح أسماء مؤهلة. فى أمريكا لا يوجد أية قيود على الترشح سوى أن يكون من مواليد الولايات المتحدة ويكون السن أكثر من 35 سنة. فى الانتخابات الرئاسية الماضية تقدم للترشيح عشرات من المرشحين منهم ممرضة وفراش سابق، إن صياغة المادة 76 يجعلها غريبة بين الدساتير وكل ما جاء فيها من شروط مستحيلة بل وتعجيزية.

ولكن يمكن التحايل على الأمر بالانتماء إلى حزب؟

فى هذه المسألة أنا أتفق مع السيد عمرو موسى فى قوله بأن الانتماء لحزب لم أكن أنتمى إليه من قبل من أجل الترشح للرئاسة نوع من الانتهازية.. وبداية سياسية سيئة لأى سياسى، ومثل هذا التلاعب لا يليق بمرشحين لمنصب الرئاسة أو أية مناصب للخدمة العامة.

البعض يقول بأن قدسية المنصب توجب تقنين عدد وهوية المرشحين فلا يصح مثلا أن يتقدم لهذا المنصب ميكانيكى؟

لن يحدث شىء لو تقدم عدد كبير فسيتم تصفيته وسيصل للنهائيات ثلاثة أو أربعة أشخاص وهذا الميكانيكى لن يتجاوز أهله وجيرانه فى التصويت ولكن لا يتصور أنه لمنع الميكانيكى، يمنع الأطباء والمهندسون والعلماء.

طرح اسمك من ضمن الأسماء المرشحة للرئاسة فبماذا أحسست؟

سعدت لثقة الناس الذين طرحوا اسمى، لكن تنبهت فورا للوضع وأعلنت للصحافة أنه وفقا لرؤيتى للظروف السياسية الحالية، فإن الشروط الموضوعة فى الدستور لا تنطبق علىّ، بل ولا تنطبق على غيرى ممن طرح أسماؤهم رغم أنهم جميعا موضع كل تقدير واحترام.

لو لم يكن الباب مغلقا هل كنت ستتقدم للترشح لمنصب رئيس الجمهورية؟

يجوز

إذن لديك الرغبة؟

لو أصبح الترشيح خاليا من الشروط التعجيزية فقد يكون هناك مجال لبحث هذا الموضوع.
مع العلم أننى سأفضل المرشح الأصلح على نفسى وسانتخبه لأن مصلحة الوطن تجب كل
طموح ومصلحة شخصية.

بالرؤية المستقبلية، هل أنت متفائل أم متشائم؟

مهما كانت الفترة قصيرة أم طويلة، إذا كان الرأى العام مقتنعا بضرورة إجراء هذه التعديلات
وبدا هذا المطلب شعبيا واضحا وقويا، أثق أن السلطة فى هذه الحالة ستكون أمام رغبة شعبية حقيقية وستسارع بالتعديل المطلوب.. الحزب الوطنى يرى أن هذه العقبات تحقق المصلحة العامة فعلينا أن نظهر له أننا غير قابلين بهذه العقبات لأنه وقتها يمكن طرح أى اسم يريده الناس ولكن الآن الآمال فى وادٍ والواقع فى وادٍ آخر.

ومتى يتحرك الشارع بالشكل الذى تقصده من وجهة نظرك؟

سأعطى مثالاً لتوضيح وجهة نظرى فى هذا الأمر، وهو ما يعرف بانتفاضة 1935 عندما جاء صدقى باشا للحكم، وكان معروفا بأنه سياسى ماهر، لكنه لا يهتم بشعبيته أو يعبأ بما يريده الرأى العام. ففى عام 1930 قام صدقى بإلغاء دستور سنة 1923 ووضع دستوراً جديداً يرضى الملك ويرضيه، وخلال خمس سنوات حتى عام 1935، تزايد الغضب الشعبى على دستور صدقى حتى شمل جميع أنحاء القطر المصرى، ورغم سقوط العديد من الشهداء فى مواجهات متكررة مع الأمن، إلا أن إصرار الشعب المصرى على عودة دستور سنه 1923 كان واضحا، فلم يجد النظام الملكى مفراً من الرضوخ لهذه الرغبة الشعبية وعودة الدستور الذى طالب به الشعب.. عموما سيتحرك الشارع عندما يدرك حقوقه، وعندما يفيض به الكيل ويجد أن آماله محبطة.

شعب تركيبته غريبة؟

نعم تركيبته غريبة فهو أحسن شعب يُحكم فى العالم تقريبا، لأنه شعب مرتبط بالسلطة المركزية ربما لأنه أول دولة فى التاريخ، فهو شعب من عراقته مرتبط بالحكم المركزى ويأمل فيه خيرا دائما، كما أنه ليس شعب ذا طبيعة متمردة انما طبيعة متعاونة، وبالتالى لو حققت له ولو قدر بسيط من مطالبه السياسية يسهل أن تسوسه والاستعمار.. ورغم ما كان من فساد وتسلط من النظام الملكى والاستعمار قبل ثورة يوليو 1952 إلا أن الشعب كان أكثر وعيا من الناحية السياسية وكان أكثر استعدادا للإصرار على المطالبة بحقوقه فى مواجهة النظام.

وما هو تفسيرك لهذا التغير فى شخصية الشعب بعد الثورة؟

نتيجة لتأميم العمل السياسى لأكثر من خمسين عاما، أصبح الشعب تقريبا غير واعٍ لارتباط مشاكله اليومية بنظام الحكم، ويفصل بين الأمرين على الرغم من أن هناك ارتباطا كاملا بينهما، فإذا كان لدى المواطن أزمة فى رغيف لخبز فالمسئول هو نظام الحكم، تردى وسوء التعليم مسئولية نظام الحكم، أزمة المرور مسئولية نظام الحكم، لأن الحكم يعنى نظام إدارة الدولة، وللأسف نحن نواجه مشكلة حادة وخانقة فى كل وجه من أوجه الحياة ولا يعقل أن كل هذه المشكلات داهمتنا مرة واحدة.. ولكنها بدأت صغيرة ثم نمت وكبرت نتيجة الإهمال من البداية وعدم معالجتها العلاج السريع، وهذا يعنى أن نظام إدارة المجتمع الذى هو نظام الحكم لم يكن على الكفاءة المطلوبة.
نظام الإدارة لابد أن يكون خاضعا للمناقشة والمحاسبة لأنها تعنى تحفيزه للإجادة وعلى أن يكون يقظا ويحاول أن يتنبأ بالمشكلات قبل أن تحدث، وإن حدثت يعالجها بسرعة حتى لا تكبر وإلا فالعقاب موجود والانتخابات بعد أربع سنوات. ولكن ما وصلنا إليه اليوم يعد نتيجة طبيعية فى حالة نظام الإدارة الذى لا ينافـَس ولايحاسَب.

ولا يخشى عقاب صناديق الانتخاب؟

طبعا لا.. لأنه أصبح عرفا سياسيا فى مجتمعنا أن الحكومة يجوز لها أن "تجمل" النتائج وفقا لمصلحتها بدعوى مقتضيات المصلحة العامة. والمشكلة الأكبر أن الشعب بدا وكأنه قبل ذلك وتعايش معه. ويكفى أن نقارن بما حدث فى إيران أخيرا عندما شككت المعارضة فى نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة وظلت فى مظاهرات سياسية منذ عدة أشهر حتى اليوم.

صدرت تصريحات مؤخرا عن بعض المسئولين فى الحزب الوطنى تفيد بأنه لا نية لأى تعديل دستورى فالسلطة ترى أن الديمقراطية الحالية تكفى؟

لا شك فى أن هناك العديد من العناصر الإصلاحية داخل نظام الحكم، التى لديها قناعة بأهمية الإصلاح السياسى الجاد والحقيقى، كما أن هناك أيضاً، وربما بعدد أكثر، مجموعات أخرى لا ترى ضرورة لأى إصلاحات سياسية، معتقدةً أن ما هو قائم هو الأنسب لهذا الشعب.
وربما كان رأى البعض من هؤلاء، مدفوعاً بمصالح شخصية يريدون الحفاظ عليها، كما أن آخرين منهم يعتقد فى ذلك بصدق، على أساس أن المجتمع غير مستعد لذلك، نظراً لارتفاع نسبة الأمية وضعف المستوى الاقتصادى الذى لا يسمح للمواطن بأن يكون حراً فى إبداء الرأى. وهنا الحكم هو الرأى العام ماذا يريد.

هل كان للرئيس السادات أى نية فى تحويل نظام الحكم فى مصر إلى نظام برلمانى بعد جعل رئيس الوزراء ممدوح سالم هو رئيس الحزب الحاكم؟

المرة الوحيدة التى طرحت هذه الفكرة بجدية كان عام 1954 عندما أمر الرئيس جمال عبد الناصر بتشكيل لجنة ضمت عدد من فقهاء القانون لوضع دستور جديد للبلاد وهذه النخبة كانت ممن عاصروا فترة ماقبل الثورة واعتادوا على حرية الرأى وصياغة القوانين بموضوعية وبالفعل وضعوا دستور 54 وهو الدستور الذى يعد دستورا مثاليا، وكان نظام الحكم فيه هو الجمهورية البرلمانية، إلا أن الرئيس عبد الناصر أراد بعد ذلك أن تصبح جميع السلطات فى يده ولا مكان للأحزاب ولا غيره، فعمل دستور 56 الذى جعلها جمهورية رئاسية، ولكن الرئيس السادات اقترب إلى حد ما من فكرة النظام الجمهورى البرلمانى فى التطبيق وليس فى صياغة الدستور فدستور 71 دستور رئاسى ولكن الرئيس السادات بعد قيام الثلاثة أحزاب، حزب اليسار برئاسة دكتور خالد محى الدين وحزب الأحرار اليمينى برئاسة مصطفى مراد وحزب الوسط وهو حزب الحكومة برئاسة ممدوح سالم رئيس الوزراء، أصبح المسئول عن السلطة التنفيذية هو رئيس الوزراء وليس رئيس الجمهورية، واستمر هذا الوضع حوالى سنة واحدة من عام 76 حتى 77 ، وإذا فحصنا هذه الفترة تحت المجهر لأن مدة عام فى التاريخ ليس مدة زمنية تذكر ولكن سنجد أن هناك محاولة من حيث الممارسة لجعل مصر جمهورية برلمانية لأن رئيس الحزب ليس هو رئيس الجمهورية وبالتالى تعامل باقى رؤساء الأحزاب مع ممدوح سالم بندية وأصبح فى موضع النقد وفى متناول الحوار مع الصحافة.

ولماذا تغير الوضع وارتد الرئيس السادات عن هذا الوضع؟

فى يناير عام 1977 قامت الإضرابات الشديدة التى كادت أن تقلب الحكم والتى اختلفوا حولها حيث قال عنها الرئيس الراحل إنها انتفاضة حرامية وقال عنها المثقفون انتفاضة شعبية، ولكن فى النهاية اعتبر الرئيس أن اليساريين هم من قاموا بها وبالتالى بدأ ينتبه إلى تحركاتهم فى الشارع، إضافة إلى أنه مع بداية عام 78 بدأ حزب الوفد الجديد فى اعادة تكوين نفسه من جديد خارج الاتحاد الاشتراكى بقيادة فؤاد سراج الدين باشا وحصل على حكم محكمة بالصدور، وكان فى ذلك الوقت يعد أملا لدى الناس وتفاؤلاً بأن هناك حزب نشأ من الشارع وبحكم من المحكمة وقام رغم أنف السلطة، حتى قيل فى هذا الوقت إن فؤاد سراج الدين باشا وهو شخصية فذة بكل تأكيد، عندما ذهب إلى الإسكندرية رفع الجمهور سيارته من على الأرض من الحماسة.. هنا أحس الرئيس السادات بالخطر فوجد أنه فى يناير 77 تحرك كبير لليسار كاد يودى بالحكم وفى 78 هناك حزب يخرج من رحم الشارع وفؤاد سراج الدين ممثل لليمين يأتى بشعبية عارمة، فأيقن أن ممدوح سالم وحزب مصر لن يتمكنا من التغلب على الشارع المستقطب ما بين اليمين واليسار، فقرر تأسيس الحزب الوطنى على أن يكون هو رئيسه، ظنا منه انه عندما يكون هو رئيس الحزب سيسيطر على الأمور، وأعتقد أن هذه الخطوة حتى وان كان لها من المبررات فى ذهنه رحمة الله عليه إلا أنها كانت بداية المشاكل التى تعرض لها فقد أصبح حزبه هو المسئول عن السلطة التنفيذية وعن تعيين رئيس الوزراء وباقى الوزراء، وبالتالى أصبح فى متناول النقد ، والمعارضة توجه له شخصيا، فبدأ يفكر أنه لولا سماحه بقيام الأحزاب وتعددها والحرية السياسية التى منحها لهم ربما لم يكن ليهاجم بهذا الشكل ومن هنا تغير الوضع.

تقصد بدأت فكرة " للديمقراطية أنياب"؟

للديمقراطية أنياب ، وقوانين العيب ، وغيرها وهذا ما أردت قوله فى البداية انه عندما يكون هناك رئيس واحد على نظام رئاسى فى مجتمع معتاد على النظام الديكتاتورى السلطوى حتى ولو كانت لديه اتجاهات لنظام اكثر ديمقراطية وحتى لو كان الدستور جيد وضامن لهذه الديمقراطية إلا أنه من السهولة أن يرتد الرئيس فور بدئه للممارسة وتلقيه للنقد.

وهل هذا يعد ضعف فى الرئيس؟

لا ضعف فى الرأى العام ..

ولكن الرأى العام كما قلت تحرك بقوة فى 77؟

ولكنه لم يتحرك بعدها وبدأت السلطة " تلخبط " فى الدستور وعدلت المادة 77 و لم يتحرك الرأى العام .

ولكنه ضعف فى الرئيس أيضا لأنه خشى أن تفلت الأمور منه فقرر السيطرة عليها بمزيد من الدكتاتورية ؟

ولكن ضعف الرئيس لا ينفذ الا من خلال ضعف الرأى العام ، هنا المسألة صراع ارادات.. هناك شعوب تنجح فى ايقاف ديكتاتورية الحاكم وشعوب تنكسر أمامها .


--------------------------------------
---------------------------------------

الجزء الثاني
-----------------
أخشى أن يصبح تزوير الانتخابات نهجا يسير عليه الشباب..
برنامج الاخوان مخيب للأمال وخلافات مكتب الارشاد مؤسفة
----

تحدث منصور حسن وزير الثقافة والاعلام الأسبق ووزير شئون الرئاسة هذا الرجل الذى يعد رمزا من رموز مصر بالأمس عن مستقبل مصر وضرورة الاصلاح السياسى ورفع المعوقات التى تعترض طريق ترشح عدد أكبر من المواطنين لتشهد مصر انتخابات حقيقية على حد قوله، ورغم تأكيده بالأمس على أن التغيير بيد المواطن اذا ما أصر عليه، الا أنه فى بداية هذه الحلقة الثانية أكد أيضا على ضرورة اقدام الرئيس على خطوة الاصلاح السياسى وتعديل الدستور قائلا: لقد مر ثلاثون عاما على وجود الرئيس مبارك فى الحكم ومن الممكن أن تصل مدة رئاسته الى دورة أخرى فتصل مدة رئاسته الى 36 عام، ورغم كل هذه المدة الطويلة التى حكم فيها مصر بما فيها من مزايا وعيوب الا أنه من الممكن أن يدخل التاريخ لو أجرى التعديلات السياسية والدستورية المنشودة .. فهى خطوة مهمة تستحق أن يقدم عليها الرئيس .

- فقلت له لكنها أيضا تضحية كبيرة تحتاج الى جرأة شديدة ؟
فأجابنى : لا أراها هكذا فمن يعرف الشعب المصرى جيدا يعلم أنه لا ينكر الجميل أبدا ومن يقدم على خطوة هامة هكذا من الممكن أن ينتخبه الشعب مدى الحياه .
فأنا أثق أن الشعب المصرى سيقول وقتها أن مبارك حقق آمالنا فماذا نريد منه أكثر من ذلك .. فداعبت السيد منصور حسن وقلت له اذن لو عدل الدستور هو قادم واذا لم يعدله هو قادم .. فابتسمنا وبدأنا الحوار .

- معالى الوزير قلت بالأمس أنه لو كان الشعب واعيا لتحققت الديمقراطية ومع ذلك الشعب فى فترة الستينات كان واعيا ومعتاد على الديمقراطية التى سادت العهد الملكى والتعددية التى ظهرت جليا فى هذا العهد ومع ذلك لم تطبق الديمقراطية فى العهد الناصرى ؟

بالفعل قبل الثورة كان هناك أجيال مارست الديمقراطية بالانتخابات والحرية والتعددية ورغم أنه كان من السهل بناء النسق الديمقراطى آنذاك الا أن نظام الثورة بدأ عهده بحل النظام الديمقراطى السائد بالمؤسسات ووضع ما اعتبره الرئيس عبد الناصر دستور 54 ولكن سرعان ما تم ركن هذا الدستور وقام الرئيس عبد الناصر بوضع دستور آخر مؤقت يغلب عليه الطابع الشخصى، فأصبح دستورا مرتبط بقدرات وأفكار واتجاهات الرئيس وكأنه دستور تفصيل، وبالطبع لم يكن مدروسا بشكل دقيق ولم يضع الحدود الفاصلة بين السلطات وكان من المفروض بعد مرور 3 سنوات أن تكون البلاد قد وصلت الى بر الأمان وكون فترة الطوارىء قد انتهت ويتم تشكيل لجنة لوضع دستو جديد مثل دستور 54 ويجرى عليه استفتاء حقيقى ويتم تشكيل أحزاب حقيقية، وكان من الممكن أن يقام هذا النظام بعد النصر السياسى الذى تحقق عقب عدوان 56 حيث أصبح الرئيس عبد الناصر بطلا شعبيا ليس فى مصر فقط وانما فى المنطقة العربية والاسلامية، وكان يجب أن يكون عبد الناصر مؤمنا بذلك كما آمن نهرو فى الهند الذى كان يصر على اقامة نظام ديمقراطى سليم رغم ظروف الهند شديدة الصعوبة حيث انتشار الأمية والجهل والمرض وتعدد الديانات والعرقيات والأخطر أن الهند كانت تعانى جرح قومى عميق بعد انفصال باكستان عن الوطن الأم، ورغم كل الظروف التى كان من الممكن أن تبرر أن يكون النظام ديكتاتورى نظرا للظرف التاريخى الموجود، الا أن الزعيم نهرو تمسك بمبادىء الديمقراطية .

وللأسف مصر كانت تسير فى خط متواز مع الهند وكوريا الجنوبة وكانت دولة مثل ماليزيا وسنغافورة لا يسمع عنها أحد، والآن أين هذه الدول وأين نحن ؟!

- ما رأيك فى المعضلة التاريخية بين أحزاب المعارضة التى تلقى باللوم فى عدم فاعليتها فى الشارع على قمع الأمن والحزب الوطنى لها وبين الحزب الوطنى الذى يرد بأنه لا برنامج لدى أحزاب المعارضة،وبين بعض المثقفين الذين يقولون أن قمع الأمن ليس مبرر والدليل توغل الاخوان فى الشارع رغم حظرهم فكيف ترى الأمر ؟

فعلا هناك تضييق من الأمن على الأحزاب وهناك سياسة واضحة بمنع نجاح أى حزب بين الناس، الأمن تدخل وحاول افشالهم .. ولكن هذا لا يعفى الأحزاب أيضا من المسئولية، فالحزب من الممكن أن يعمل رغم وجود الأمن مثلما فعل الاخوان وان كان هناك فرق بين التجمعات العقائدية والسياسية فالأولى لديها اصرار وتأكيد على العمل لأن الموضوع مرتبط بأداء الواجب نحو الله لذا نجد الأحزاب العقائدية الاسلامية أقوى لأنها تؤمن برسالة تود توصيلها وهذا الايمان القوى ليس موجود لدى الأحزاب السياسية،وكذلك استجابة الناس مختلفة ومع ذلك نجد أن هناك أحزابا سياسية استطاعت أن توجد لنفسها شعبية ضخمة مثلما حدث قبل الثورة مع حزب الوفد وحزب مصر الفتاة الاشتراكى برئاسة أحمد حسين، والاخوان أيضا كانوا موجودين، ولكنهم فى وجود أحزاب فعالة كانوا جزءا من الساحة السياسية وليسوا حزء كبير من الساحة السياسية كما هو الآن، اذن عدم فاعلية الأحزاب ترجع للأمرين معا.. تضييق الأمن من جهة وعدم فاعلية الأحزاب من جهة أخرى . ولكن السبب الثالث أن الرأى العام, بعد ان حرم من حرية العمل السياسى لاكثر من نصف قرن, أثبت أنه غير مهتم بفكرة الحزب السياسى وأصبح هناك قناعة لدى الناس أن العمل ضمن حزب يعرضه للمشاكل والتشرد. ويتعرض للاعتقال، نجد كثيرا من الأهالى اليوم تحذر أبنائها من العمل فى السياسة وهذا الخوف تكون ممايمكن ان نسميه اعاقه سياسية حيث ان العقل يفكر واللسان يتكلم ولكن الجسد لا يتحرك.

- حتى وان كان ضعف الأحزاب مبررا، بماذا تفسر فشل تحالف القوى المعارضة ؟

أكثر من مرة ومحاولات التحالف بين قوى المعارضة تحدث آخرها تحالف بين كل من الوفد والتجمع والناصرى والجبهة ولكن مثل هذه التحالفات لا تنجح، بل ومن الممكن أن تتفكك نتيجة خلافات شخصية، فمثلا أول تحالف تكون بين الوفد والتجمع والناصرى قيل وقتها أنه يمكن أن ينضم اليهم الاخوان، وبالطبع هذا يمثل نقطة قوة لهذا التحالف، ولكن حزب التجمع رفض انضمام الاخوان، لذا أرى أن هذه التحالفات لا تتغاضى عن خلافاتها السياسية والأيدلوجية والشخصية لتركز على هدف قومى خاص بالبلد من أجل تحقيق الهدف العام، للأسف لم يفعل أحد منهم ذلك فأصابوا الناس بالاحباط والاقتناع بفشل مثل هذه التحالفات .

- وماذا عن الاخوان .. خاصة بعد اصابة عدد من المثقفين الليبراليين ممن لا ينتمون للاخوان بالصدمة فى نتائج انتخاباتهم الأخيرة والتى قالوا أنها تنهى بصيص الأمل الذى كانوا يأملون فيه بأن يحقق الاخوان حالة من التوازن السياسى فى المجتمع مع الحزب الوطنى خاصة بعدما استبعد الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح ؟

الخلافات الأخيرة التى دارات داخل مكتب الارشاد بالفعل كانت مؤسفة فانا ممن كانوا يرون الاخوان كحركة اجتماعية سياسية نشيطة وفعالة،وكانت تبشر بتحريك الماء الراكد اذا ما تبنت الفكر المعتدل الذى يعدل بين جميع المواطنيين ولا يفرقوا بينهم، وعندما طلب منهم وضع برنامج لحزب سياسى جاء مخيبا للامال فى بعض مواده.

- مثل ماذا ؟

أن يضعوا بند تشكيل لجنة من الفقهاء لمراجعة القوانين رغم انه هناك بند ينص على ألا يخرج أى قانون مناقضا للشريعة الاسلامية، ولو افترضنا أن الاخوان فى الحكم وقتها سيكون أغلب النواب ممن ينتمون لهم فلماذا يريدون التشبه بايران بهذا البند، كما أنهم وفى بند آخر أصروا على عدم أحقية الأقباط والمرأة للترشح لمنصب رئيس الجمهورية، وأعتقد أنه ليس من حقهم أن يحرموا شرائح بعينها من هذا الحق، لذا أظن أن مجرد أن تكون هذه اتجاهاتهم وأفكارهم سببا فى اضعافهم كثيرا، فقد كان لهم قبول أكثر قبل خروج هذا المشروع، وكثير من المثقفين كانوا يرون فيهم أملا ولكن بعد هذه الأفكار علم البعض بأنهم ربما سيأخذوننا للوراء ناهيك عن الخلافات الداخلية وما يظهر حاليا من انقسامهم الى تيارين أحدهما اصلاحى والآخر محافظ حتى أنهم أخرجوا العنصر الاصلاحى الذى كان يبشر بكل خير ويجعل الناس ترتبط بهم مثل الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح .

- البعض اعتبر انتخابات 2005 الماضية خطوة نحو الديمقراطية فما رأيك ؟

لم تشهد الأجيال التى ولدت مع الثورة طوال حياتهم أية تجربة ديمقراطية حقيقية بخلاف انتخابات ممدوح سالم أما انتخابات 2005 فلم تكتمل ديمقراطيا، بعد أن وجد النظام أن الاخوان حصدوا العديد من المقاعد والخطورة الحقيقية من هذه الممارسات التى تستمر سنة وراء الأخرى أننا نضع فى أذهان الأجيال الجديدة أن ما يحدث قد يكون أحد الأساليب المقبولة فى العمل السياسى فالشباب الذى تربى على تزوير الانتخابات يخشى أن يسير على نفس النهج عندما يتولى المسؤلية .

- لماذا فى رأيك انفصل الشعب المصرى عن مؤسساته وفقد الثقة فى النظام الحاكم؟

لا أحد فى مصر يشعر أن هناك مجلس شعب يمثل الشعب، ولا أحد يشعر أن الحكومة تعبر عن مصالحه وطموحاته، وهذا الانفصال سببه عدم الوضوح وعدم الشفافية والصراحة مع الشعب، وبالتالى أرى أن الوضوح والصراحة هما الوسيلة الوحيدة الناجحة بين نظام الحكم والجماهير، فهما أفضل كثيرا من ممارسة هذه الحركات " المكشوفة " فى استبعاد أشخاص وقوى سياسية و" تجميل " نتائج الانتخابات بدعوى المصلحة العامة، وان كان لا بد من ذلك، فأنا أفضل الغاء المجالس والانتخابات وأن نكون شعبا مغلوبا على أمره بدلا من أن نكون شعبا مضحوكا عليه .

فمثلا اذا كانت الحكومة تريد تعيين المجالس المحلية والنيابية على هواها فلتفعل ذلك مباشرة دون أن تدخل الشعب فى تمثيلية انتخابية وايهامه بأنه مشارك فى الاختيار .

- البعض يقول بأن المجتمع المصرى تغير كثيرا وأصبح مصابا بأمراض خطيرة مثل الرشوة والكذب وعدم اتقان العمل والتكاسل والازدواجية فى التفكير وغيرها ؟

بالتأكيد هناك سلبيات فى المجتمع ولكننى مازلت أراها بمثابة قشرة ليست متأصلة فى عمق وجذور المجتمع وكل ما أخشاه أن يطول بنا الوقت عام وراء الآخر فى هذه المتاهة السياسية بحيث يأتى يوم فيكون هناك من يرغب فى الاصلاح السياسى ولا يجد الشعب الذى يفهم ما هى الديمقراطية وما هو الاصلاح السياسى .

- كنت وزير للاعلام والثقافة .. فكيف ترى الساحة الاعلامية اليوم فى مصر ؟

لا شك أنه فى السنوات الأخيرة حدث تطور كبير فى المجال الاعلامى عن ما سبق من سنوات، خصوصا بعد فتح باب حرية التعبير فى الصحف الخاصة، واكتملت حرية التعبير بالفضائيات الخاصة التى جاءت أخيرا، ومع كل فخرنا بما تم فى هذا المجال الا أنه للأسف يشوبه التلويح من حين الى آخر خصوصا من قبل وزير الاعلام بأنه سيعمل على تحجيم هذه الحرية، هذا التهديد يعنى أن الحرية التى نتحدث عنها ونفخر بها ليست مؤسسة على أسس متينة ترتبط بها السلطة والرأى العام، بحيث يشعر المواطن بأنه حتى ولو لم ينفذ ذلك التهديد الا أنه قادرعلى أن يتدخل لاعادة تحجيم الوضع، ورغم أن مثل هذه التهديدات لا تعلن ولا تنفذ علنا الا أنها أحيانا تحدث من خلال التليفون وهو ما يشوب هذا التطور الحميد للاصلاح الوحيد فى المجال السياسى الذى تم حتى الآن .

- ماذا لو طلبت منك وضع جدول أعمال لاصلاح هذا الوطن ماذا سيكون على أجندة أولوياتك ؟
وقتها سأركز على ثلاث مسارات أساسية أولا اقامة نظام ديمقراطى سليم بكل معانى الكلمة وأعتبر أن الثمرة الحقيقة لهذا النظام هو " تداول السلطة " فالعمل السياسى فى المجتمع ليس حكرا على حزب معين دون باقى الأحزاب، لأن فكرة التداول تجعل تجمعات كثيرة من الكوادر تعد وتجهز نفسها لتولى مقاليد الأمور وبالتالى يكون هناك منافسة حقيقية داخل المجتمع .

- ولكن البعض يردد أن الشعب غير مؤهل الآن لممارسة الديمقراطية ويستندون الى انخفاض نسبة التعليم وزيادة نسبة الأمية والجهل والمرض وانخفاض المستوى الاجتماعى والاقتصادى حتى أن جمال مبارك أكد فى تصريحاته الآخيره أن الاصلاح الاجتماعى الآن هو المهم ؟

أنا ضد أن يكون التوجه للاصلاحات الاجتماعية أولا، فلا يوجد تعارض أو تضارب بين الدخول فى مشروع الاصلاح السياسى والدخول فى مشروعات الاصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، فالاصلاح السياسى لن يستهلك رأس مال وموارد يمكن استخدمها فى التنمية الاقتصادية، فلابد أن يكون المسار الاقتصادى موازيا للاصلاح الاجتماعى .. حيث يتم اختيار التوجه العام للبلد بمعرفة القوى المجتمعية الحقيقية، والتى أقترح أن يتم تشكيلها من بين النخب المجتمعية الفاعلة التى تمثل جموع الشعب، لوضع خريطة عامة للاصلاح ثم تعرض على جموع الشعب ويكون هناك تجدد . فحركة الاصلاح لا تنتهى، ولا بد للنظام الديموقراطى أن يكون مرنا، حيث أن الديمقراطية تدير مجتمعا بشريا متغيرا ومتعددا بطبيعته فلابد من وجود نظام مرن لاستيعاب هذه التغيرات والتجاوب معها، ولكن للأسف الشديد فان التجارب التى شهدتها مصر منذ الاتحاد الاشتراكى وحتى الآن مبنية على أسس غير سليمة من الناحية السياسية، ورغم فشل التنظيم الواحد الا أننا لانعترف بأخطائنا لأننا كنا نغير التنظيمات السياسية من حيث الشكل والاسم فقط أما المضمون فيبقى كما هو وينتقل بنفس الأمراض والفيروسات الى التنظيمات الجديدة وبذلك يبقى الوضع كما هو بل ويزداد سوءا عن سابقه .

- ولماذا لم يتنبه أحد طوال الخمسين عام الماضية لتراكم أمراض المجتمع حتى صارت مزمنة ؟

الواقع أن لا أحدا يعترف بأخطائه ولا نراجع أنفسنا لنتعلم من هذه الأخطاء ونصححها، بل ولا يسمح النظام والحاكم أن يقول أحد له أنت مخطىء، وبالتالى تجد الناس ترى الخطأ ولا تستطيع أن تشير اليه، وبذلك تنتشر الأخطاء داخل المجتمع كالميكروب والسرطان .

- وهل كنت تبدى رأيك للرئيس السادات وهل كان يستمع هو الى الرأى ؟

الرئيس السادات كان يرحب أن أبدى له الرأى فى كل وقت، وهذا ليس لعلمى، أساسا، انما لصراحتى، لذلك كنت أجلس بالساعات مع الرجل وأشهد أنه لم يضيق يبما أعرضه عليه، وكنت أؤمن بأن الديمقراطية هى الطريق الوحيد للاصلاح، وكان الرئيس السادات متفهم أننى غير موافق على بعض القرارات الصدامية مع القوى السياسية لذلك عندما اتخذ الرئيس السادات قراره الشهير باعتقالات سبتمبر كان يعلم أننى ضد هذه الخطوة فأبعدنى تماما عن الصورة ثم أجرى تعديلا وزاريا وحيدا قضى بخروجى من الوزارة وكان ذلك قبل اغتيال السادات باسبوعين .

- اذن من هم حول الرئيس يقع عليهم الذنب والاثم اذا لم يصارحوا الرئيس بأخطائه ؟

ان أخطر شىء فى المطبخ السياسى والرجال ممن هم حول الرئيس هو عدم وجود صراحة مع الحاكم وأغلب من يحيطون به يحاولون أن يستشفوا ماذا يريد الرئيس أولا ليتخذوا نفس اتجاه الرئيس ليؤكدون وجهة نظره وأنه على صواب .

- نعود الى مسارات الاصلاح ما هو المسار الثانى ؟

أكثر المناطق الجديرة بالاهتمام الآن هو انهيار النظام التعليمى فى مصر .. فالتعليم الآن صار بمثابة عشوائيات، تجدى فئة قادرة بدأت فى التصرف بعيدا عن الدولة فألحقت أبنائها فى المدارس والجامعات الخاصة فى حين بقى الأغلبية فى المدارس الحكومية المتردية الأوضاع، وبهذا أصبح لدينا فئتان مختلفتان عن بعضهما تماما، فئة استطاعت حل مشاكلها بالمال وفئة لا تملك شيئا على الاطلاق ومحرومة من كل شىء .. فظهر ما يسمى بالطبقية حتى فى التعليم، لذا يجب أن يكون التعليم على جدول أعمال الاصلاح، ولابد من أن يتم وضع اعتمادات ماليه تساعد على اصلاح التعليم حتى ولو أثرت على جوانب أخرى من الاصلاح فكل الدول التى انطلقت الى معركة الاصلاح كان التعليم على رأس أولوياتها .

- قلت أن التنمية الاقتصادية يجب أن تسير بالتوازى مع العدالة الاجتماعية فهل تشعر بهذا الآن وما هى سبل الاصلاح ؟

هذا هو المسار الثالث فى الاصلاح فلقد جربت مصر منذ قيام ثورة 52 مختلف النظريات والسبل لتحقيق التنمية الاقتصادية سعيا لتقدم المواطنين ورخاءهم، فى عهد الرئيس عبد الناصر أخذت مصر بمبادىء الاشتراكية والتخطيط المركزى الذى كان يحكم كل الأنشطة الاقتصادية، ولقد تحقق فى هذه الفترة انجازين أساسيين أولا قيام بدايات نهضة صناعية تتمثل فى العديد من المصانع، وثانيا كان مبدأ العدالة الاجتماعية يحكم النشاط الاقتصادى والاجتماعى الى حد كبير .

ولكن فى عام 1974 تخلت مصر عن المبادىء الاشتراكية بالكامل تقريبا ودخلت مرحلة الانفتاح التى كانت تقوم على المبادىء الرأسمالية وعاد القطاع الخاص ليشمل أغلب النشاط الصناعى والتجارى والزراعى وتحرر الاقتصاد تدريجيا وأصبح هناك مرونة أكثر فى تحديد الأجور والمرتبات وتم تخفيض الضرائب الى 20% تشجيعا للاستثمار والنشاط الاقتصادى، ولا شك فى أن هذه السياسة البديلة حققت قدرا ملموسا من النمو الاقتصادى وصل الى 7% قبل الأزمة المالية الأخيرة، ولكن نلاحظ أن هذا النمو الاقتصادى لم تصل ثماره الا الى فئة رجال الأعمال والطبقات العاليا فى الادارة، أما باقى الشعب فلم تصله ثمار كافية ليتمتع بها وان كان هو الذى يتحمل آثار الارتفاع الهائل فى الأسعار الذى حدث .

ولقد آن الآوان بعد كل من التجربة الاشتراكية والرأسمالية أن ندرك أن النمو فى أى مجتمع لا يمكن تحقيقه بروشتة جاهزة مستوردة من الخارج، لابد وأن تكون مبادىء وخطط التنمية موضوعة محليا .، بالطبع تستفيد من تجارب الدول الأخرى ولكنها تأخذ فى الاعتبار خصائص المجتمع الذى هو بالضرورة مختلف عن غيره فى تقاليدة الاجتماعية وعاداته ومستوى المعيشة للغالبية من أفراده ودرجة النمو التى وصل اليها المجتمع .

لابد أيضا من الأخذ بكل السبل الحديثة فى التنمية كما حدث فى ماليزيا وسنغافورة وكوريا الجنوبية لكن علينا أن نراعى بكل دقة أن تصاحب خطط التنمية خطوات لتحقيق العدالة الاجتماعية بسياسات للأجور تضمن للعمال والموظفين نصيبهم العادل من دخل المؤسسات التى يعملون بها وبتطبيق الضرائب التصاعدية على الدخول العالية، التى وصلت الى المستويات العالمية فى بعض الحالات، حتى لا تزداد الهوة بين دخول الطبقات العليا وباقى الفئات .

- وماذا عن المسار الرابع ؟

لابد أن نبدأ فورا فى القضاء على كل أشكال التمييز بين المواطنين القائمة على أساس الجنس والدين، فيجب أن نعترف أن الأقباط الذين يعتبرون أقلية عددية، هم ليسوا أقباط وافدين من الخارج كما هو حادث مع معظم أقليات العالم ولكنها أقلية أصيلة، فهم مواطنون أصليون يشعرون أن حقوقهم منقوصة، ورغم التحسن فى بعض المسائل الا أنهم مازال لديهم احساس بعدم وجود مساواة حقيقية داخل المجتمع، خاصة فى بعض الوظائف رفيعة المستوى داخل الجهاز الحكومى، وهناك بعض الجهات لا تجد فيها أقباطا اطلاقا، هذا التميز يجب أن يختفى كليا من مصر وفورا وبلا حوارات ولا مؤتمرات فالحقوق واضحة، ومن الممكن أن تحل بجرة قلم وقرار من الدولة اذا كانت جادة، فهذا الاحساس غريب وجديد على المجتمع، فالأقباط كانوا منخرطين فى كل الأحزاب، فلو رشح حزب الوفد شخصية قبطية فى حى الحسين فلابد أن تنجح لأنها شخصية وفدية جيدة ولا علاقة للدين بالانتماء السياسى، واذا كان هناك بعض حالات التفرقة والتمييز لدى بعض الأفراد فى المجتمع العادى نتيجة لتعصب أعمى وجهل أو نقص فى التربية السليمة فان هذا غير مبرر وغير مقبول من الدولة التى يجب أن ترتفع فوق كل هذا ولا تفرق بين المواطنين ويجب أن تكون جميع الوظائف مفتوحة على قدم المساواة بين جميع المواطنين بصرف النظر عن الدين .

- وماذا عن التمييز على أساس الجنس خاصة وأنه رغم كل ما حصلت عليه المرأة من حقوق الا أن المجتمع مازال ينضح بالذكورية والتمييز ضد المرأة ؟

المرأة الآن تعلمت وأثبتت كفاءتها فيما تولته من مناصب وقد سبقتنا دول عربية كثيرة - ولن أقارنها بالمرأة الغربية - الى تكريم المرأة واعطائها فرص سياسية من الطراز الأول فى حين مازلنا نبحث نحن هنا كوتة المرأة فى مجلس الشعب . والأهم هو أن المولى سبحانه وتعالى منح الرجل القوة الجسمانية لكى يقوم بما أعد له فى الحياه الا أنه منح المرأة مشاعر الأمومة هذا الشعور الذى جعل من المرأة انسانا نبيلا لأنها تشع حبا على كل من حولها، وتضحى من أجل أبنائها مهما طال العمر، وتؤثر الجميع على نفسها، فكيف يكون الأكثر نبلا أقل استحقاقا ؟ فالرجل هو صنيعة المرأة فاذا ما تذكر أفضال أمه عليه لأيقن أن من أجل أم واحدة تكرم نساء الأرض جميعا .
-------------------

الجزء الثالث
----------------------
الجدار العازل بين مصر وغزة خطيئة سياسية
مصر انشغلت بهمومها الداخلية وابتعدت عن أفريقيا بداية من نكسة 67
----------------------------------

ما زال البعض حتى هذه اللحظة يلقى باللوم على الرئيس الراحل أنور السادات ويحمله تردى علاقات الدول العربية بمصر، وجعلوا منه المسئول عن تأزم الوضع الفلسطينى وتوتر الوضع السورى واللبنانى، فى تجنى واضح للعيان أحيانا، وحقائق غير قابلة للتشكيك فى أحيان أخرى، فهل من الممكن أن نلقى بأخطائنا على رجل رحل عن عالمنا منذ حوالى ثلاثين عاما، أم أن العهد الحالى يتحمل جزءا كبيرا من الأخطاء، والسؤال الأهم هل الجدار العازل الفولاذى الذى تبنيه مصر الآن على حدودها مع غزة أحد ثمار أخطاء الرئيس السادات أم أخطاء الرئيس مبارك؟، وهل هو خطأ من الأساس أم ميزة تضاف إلى عهد يسعى للحفاظ على أمن وحدود مصر؟، وهل اتفاقية كامب ديفيد تضغط علينا لبناء هذا الجدار الفولاذى أم أنها ضغوط أمريكية بإيعاز إسرائيلى لضمان الأمان الكامل لإسرائيل قابلتها رغبة مصرية فى إرضاء أمريكا والانتقام من حماس؟، أسئلة كثيرة فى موضوع تضاربت فية الآراء واختلفت فيه وجهات النظر.. وفى الجلسة الثالثة مع الوزير منصور حسن وزير شئون الرئاسة ووزير الاعلام والثقافة السابق.. نقلت له ما أقرأ وأسمع عن الجدار العازل علنى لإبداء رأيه فى هذا الموضوع خاصة وأن هناك من حمل الرئيس السادات الذنب فيما يجرى حولنا الآن، ومن يعلم منصور حسن جيدا يعلم كم هو وفىُ للرئيس السادات ومحب له يحترمه فى حياته ومماته، ويقدر شأنه حتى وإن اختلف معه فى الرأى.. ولكننى لاحظت أنه مهموما من فكرة الجدار العازل وغير راض عنها، متألما وخائفا من تأثيراتها على مصر وعلاقتها بدول المنطقة فهو مازال غيورا على القومية العربية وآملا فى استعادة دور مصر الخارجى وعلاقتها الطيبة بكل الدول العربية.. فبدأنا الحلقة الثالثة والأخيرة من الحوار بالجدار العازل ومررنا بكل الجدران التى تفصلنا عن دول المنطقة.

فوجئنا بخبر فى جريدة هآارتس الإسرائيلية يفيد بإنشاء جدار خرسانى عازل بين مصر وفلسطين تبعتها أخبار تداولتها وكالات الأنباء ولا خبر واحد فى الإعلام المصرى يؤكد أو ينفى.. فكيف ترى الموقف؟

بالفعل لم يصدر أى تصريح رسمى مصرى يؤيد أو ينفى إقامة الجدار بين مصر وغزه. وإن صح ذلك فهو يعتبر تطورا خطيرا فى السياسية المصرية، بل هو خطير أيضاً على العلاقات العربية.

بعض مؤيدى فكرة الجدار العزل يبررون موقفهم بأن حماية الأمن القومى لمصر يبيح كل المحظورات؟

إننا نُسلم بحق مصر فى الدفاع عن أمنها القومى، ولكن الدفاع يختلف بين الأشقـاء عما هو فى مواجهة الأعـــداء. ونُسلم أيضاً بأن الخلاف الفلسطينى بين حماس وفتح هو من أهم الأسباب التى تعوق أى تقدم فى حل المشكلة الفلسطينية، بل لا أُبالغ فى أن هذا الخلاف هو أخطر ما أصاب الفلسطينيين بعد نكبة سنة 1948. ومع التسليم بذلك فإن التفكير فى إقامة جـدار عازل بين مصر وغزة، هو أمراً فى غاية الخطورة فى الحاضر والمستقبل.

فمنذ سنوات طويلة ونحن نقول إن الحدود بين الدول العربية حدود مصطنعة وضعها الاستعمار ليُفرق بيننا، وحتى إذا لم نكن نأمل فى وحدة سياسية عربية فلا شك فى أننا على الأقل نأمل فى وحدة السوق العربية والتى لا يمكن أن يكون الجدار خطوة بنائه نحو تحقيق هذا الهدف.

مبرر آخر يقول بأن مصر على خلاف مع حماس التى حاولت من قبل اقتحام الحدود المصرية وأن المقصود هم حماس وليس شعب غزة؟

قد يكون هناك خلاف بين مصر وحماس التى تتولى السلطة فى غزة، ويرى البعض أن حماس لا تحترم الأمن القومى المصرى، وحتى لو كان ذلك صحيحــاً فإنه من المؤكد أنه ليس هناك عداء بين الغالبية العظمى من شعـــــوب مصر وفلسطين سواءً فى غزة أو رام الله، وأن اتخاذ إجراءات احتياطية فى مواجهة حماس يكون من شأنه تضييق الخناق على أهل غزة فله مخاطر كبيرة فى الوقت الحالى، وفى المستقبل إذ يوسع دائرة العداء من حماس لتشمل عددا أكبر من الشعب الفلسطينى فى غزة الذى يجب أن نحافظ على علاقة المودة والأخوة التى تربط بيننا منذ قديم الزمان، وألا نسمح بأن تستبدل بعلاقات العداء والخوف المتبادل بين شعبين شقيقين متجاورين.

هل تعتقد فعلا أن حماس تهدد الأمن القومى المصرى كما يردد المسئولون وإعلامهم الحكومى؟

نتغنى دائماً بأن مصر هى الدولة العربية الرائدة والشقيقة الكبرى ولا يتناسب ذلك مع شعور مصر بتهديد من مجموعة صغيرة نسبياً مثل حماس إلى درجة احتياجها إلى إقامة جدار يفصل بينهما، مصر بحجمها وإمكانيتها الكبرى قادرة على الدفاع عن أمنها القومى بدون أن تلجأ إلى هذا الأسلوب المُبالغ فيه، منذ عهود ماضية، وحتى قريباً، كانت لمصر هيبة تمنع أى جار من محاولة المساس بها.

هل الجدار هذا يعد اعترافا صريحا بأن مصر لم يعد لها هيبة؟

لا تعليق كل شخص يستنتج ما يريد.

للأمن رأى آخر يفيد بأن الأنفاق عالم سرى لتهريب المخدرات والسلاح؟

كل هذه تفاصيل قد يكون لها وجاهتها، ولكن كل هذا مردود عليه بقوة الدولة وهيبتها.. ألا تستطيع مصر مواجهة حماس الفئة المحدودة ؟! وإذا افترضنا نظريا أنه ظهر تهديد آخر فى ليبيا أو السودان سنبنى جدارا على جميع حدودنا ونعزل أنفسنا عن العالم.. ومتى كانت الحلول بين الدول تتم ببناء جدران فولاذية، وهذا إن جاز بين دول مختلفة لا يجوز بين الدول العربية فهى تعد خطيئة سياسية حتى ولو فقدنا الأمل فى الوحدة العربية يظل الشعور العربى موجود لا يجب أن نهدمة ونقضى عليه بمثل هذه الإجراءات.

من المعلومات التى وردت فى وكالات الأنباء أن الجدار يقام بخبرات أمريكية، وتحت إشراف سلاح المهندسين بالجيش الأمريكى، وأنه يزود بمعدات أمريكية، وأنه يتكلف مئات الملايين من الدولارات من ميزانية الولايات المتحدة الأمريكية.. فكيف ترى الجدار فى ظل الدعم الأمريكى؟

البعض يقول إن مصر تحتاج لهذا الجدار لتتقى شر تهريب المخدرات ووصول المخربين إلى أراضيها عبر الأنفاق التى يتم حفرها تحت الأرض من غزة إلى رفح المصرية.
ولكن أغلب دول العالم تواجه مثل ذلك على حدودها ولا تفكر فى إقامة أى حوائط بينها، ولكن تكتفى بالإجراءات الأمنية العادية أو المتشددة كلما اقتضى الأمر.

وإذا كان هذا هو السبب الحقيقى فهل يعقل أن الولايات المتحدة يهمها أمر مصر لدرجة أن تجيش خبراؤها وتقدم أموالها لتحمى مصر من هذه المخاطر؟

ولو كان الوضع كذلك فمن باب أولى كان من مصلحة الولايات المتحدة أن توجه جهودها إلى حدودها المخترقة مع المكسيك.. السبب الحققيقى هو أن الولايات المتحدة يؤلمها جدا "تأوهات" إسرائيل المسكينة مما يصيبها من رعب من بعض ما يقذف به من غزة الذى هو بالنسبة لقوة إسرائيل لا يمثل أى خطر حقيقى.
إذا كانت الولايات المتحدة تُريد أن تُقيم على أرضنا ما يحقق أمن إسرائيل ويزيد من دلالها فلا يمكن أن يكون ذلك إلا إذا ضمنت فتح جميع المعابر لتدفق السلع اللازمة لحياة الفلسطنين دون أى عوائق أو شروط. أما أن تحصل إسرائيل على الأمن الكامل والمُبالغ فيه وفى الوقت نفسه تستمر فى ممارسة "ساديتها" بتعذيب الفلسطنين وتضييق الخناق عليهم وحرمانهم من أبسط احتياجات الحياة، فهذا لا يمكن قبوله أبداً والمساهمة فيه مهما كانت الضغوط أو المغريات.

ما رأيك فى بعض المقالات التى أشارت إلى اعتبار الجدار العازل امتدادا للسياسة التى هدفت إلى عزل مصر عن العالم العربى التى انتهجها الرئيس السادات وعلى رأسها مقال الأستاذ حمدى قنديل؟

مع احترامى للإعلامى القدير حمدى قنديل الذى أثبت أن له شعبية كبيرة يوما بعد الآخر إلا أننا يجب ألا نرمى بالحمل كله على الرئيس السادات الذى انتقل إلى رحمة الله منذ 30 سنة، لا يمكن أن يكون مسئولا عن كل ما يحدث بعد وفاته، كل ما أقدم عليه الرئيس السادات هو تحرير الأرض من الاحتلال، وأنا من المؤمنين بأنه نتيجة العبور المجيد وبكل بسالة الجيش المصرى وكل ما أنفق على الحرب من دماء وتخطيط وسلاح تم تحرير 14 كيلو بطول القناة على الضفة الشرقية أى حوالى 5000 كيلو متر مربع، فى حين سيناء بالكامل حوالى 61 ألف كيلو متر مربع، أى كان مازال هناك 56 ألف كيلو مترا مربع فى يد العدو.

كيف كنا سنحصل على باقى الأرض؟

كما أننى من المؤمنين بأن اتفاقية السلام لم تكن الحل المثالى، ولكنها كانت الحل الممكن فى ذلك الوقت، وكان يجب على الأجيال الجديدة التى أتت بعد السادات أن تجعل اتفاقية السلام سلاح فى يدها وليس قيدا عليها، كان من الممكن الاستفادة من اتفاقية السلام بأن نهدد كلا من إسرائيل وأمريكا وأن نشعرهم بأن هذه الاتفاقية لا تعنى قبول الأمر الواقع، وإنما هى خطوة أولى نحو السلام الشامل الذى إن لم يتحقق فإن ما تم منه لا يمكن أن يظل مضمون البقاء.
لا أدافع عن الرئيس السادات ولكننا نحن من نتحمل المسئولية كان من الممكن أن نعلن بأن استمرار إسرائيل فى عدوانها، وصلفها وعدم اكتراثها بأية مبادرة سلام لن يهدد مستقبل السلام فقط, ولكنه يهدد أيضا ما تحقق منه.

بصراحة ألا تعتقد أن اتفاقية كامب ديفيد هى المسئولة عن الوضع والمأزق الذى نحن فيه الآن ؟

ليس هناك نصوص صريحة فى اتفاقية كامب ديفيد تجبرنا على بناء مثل هذا الجدار، رغم أن جوهر اتفاقية السلام أن نحافظ على الحدود، ولكن لم تقل الاتفاقية أن ندق خرسانات تحت الأرض.. ولكن إسرائيل تريد بمعاونة أمريكا أن تحصل على الأمن الكامل، وتعتقد أنه بتضييق الخناق على غزة يبدأ شعب غزة فى التحرك ضد حماس ويميلون لفئة فتح المعتدلة، ولكن هنا السؤال لإسرائيل وأمريكا، ماذا أعطيتم لأبو مازن فى يده يرجع به لشعبه ليكون منافسا قويا لحماس؟ بالعكس أحبطوه ولم يعطوه أى شىء.

هل مصر دللت إسرائيل؟

بل تغاضينا عن تحركات قاموا بها كان يجب صدها، وتغاضينا عن تدليل أمريكا لهم على حساب مصالحنا، وهذا الجدار يضر بمصالحنا وليس بمصالح أهل غزة فقط، فبالإضافة إلى تعاطفنا معهم بحكم الجيرة والروابط القومية، ولكن من الناحية العملية ربما يولد تضييق الخناق على شعب غزة انفجار تكون مصر أول من يعانى منه ماديا ومعنويا.

لننتقل إلى ملف إيران والجدل الدائر حوله، فمازال هناك معارضون للحوار مع إيران ويعتبرونها عدوا لمصر فى المنطقة، وآخرون مؤيدون للحوار لما فيه من مصلحة للمنطقة بالكامل ؟

العلاقات العربية الإيرانية ليست صراعا بالمعنى المفهوم، ولكن نستطيع القول بأن ما يخيم على العرب وإيران الآن هى حالة من الفتور تجاه إيران، وهو فتور حدث بفعل أمريكا وبإيعاز من إسرائيل التى ترى خطورة إيران عليها فى المنطقة، ومن هنا تحاول أمريكا عزل إيران وحصارها بإفساد العلاقة بينها وبين جيرانها.

والحدة التى تتعامل بها أمريكا مع إيران السبب الحقيقى وراءها هو خوف إسرائيل من إيران التى ترى خطورتها الشديدة عليها، ونتيجة تحيز أمريكا لإسرائيل لذا تحاول أن تكتل أكبر دول عربية فى المنطقة ضدها.. بإيهامهم بخطورة إيران عليهم، والدليل أن الولايات المتحدة الأمريكية أقامت منذ فترة مؤتمرا للأمن القومى العربى بما فيهم مصر بقيادة كونداليزا رايس بالطبع ليس فى مواجهة إسرائيل، ولكن لعمل تكتل عربى فى مواجهة إيران. فهل هذا يعقل ؟! وأريد على الجانب الآخر أن أؤكد أن استقواء العرب بأمريكا ضد إيران خطأ فمن غير الحكمة أن تستقوى على جارك بالغريب، لأن الغريب قد يهب لنجدتك مرة أو مرتين أما الجار سيظل جارك أبد الدهر.

ما ردك على من يقول بوجود مشروع إيرانى فى المنطقة وأطماع سياسية تعمل على تحقيقها ؟

وهل حاورنا إيران عن هذه الأطماع ؟! إن وجدت حقيقة، هل بذل أيا من الدول العربية الجهد الكافى تجاه سؤال إيران والجلوس معها للتفاهم حول هذه النوايا وهذه الطماع لانهائها أو تلاشيها أو تقريب وجهات النظر!!.. بالطبع هذا لم يحدث نحن سرنا خلف من يقول بهذه الفكرة دون أى مجهود يذكر.
وإذا افترضنا وجود أطماع لإيران يجب من خلال الحوار المباشر والنوايا الطيبة عمل مواجهة بين جميع الأطراف وإبلاغ إيران باعتراضات الدول العربية بشكل حاسم على بعض الأمور وإيجاد صيغ مناسبة لحل الأمور الأخرى، لا أن نرفض مجرد الحوار، فكل أزمة بالحوار يمكن حلها والتفاوض بشأن أفضل الطرق لكلا الجانبين.

ولكن إيران تتحالف بقوة مع حزب الله فى لبنان والشيعة فى العراق.. وحماس فى فلسطين واعترفت بمساندة الحوثيين فى اليمن واستولت مؤخرا على بئر بترول فى العراق؟

إذا كان البعض يرى كل هذه الشواهد ضمن الأطماع الإيرانية فى المنطقة إلا أننى أراها مجرد كروت فى يدها، ومناطق للنفوذ تحاول من خلالها التخلص من القيود الأمريكية عليها كلما زاد ، وأعتقد أنها لو كانت مطمئنة للدول العربية لما لعبت بجوار حدودنا، ولما مدت جسورها إلى سوريا وحزب الله وحماس ولا تنسى أن هذه الأطراف الثلاثة أيضا هى نفسها الأكثر عداء لأمريكا، وبالتالى تجد ملاذا فى اللجوء إلى إيران، وعدم تنبهنا إلى المخاطر التى يمكن أن تنتج عن سياسة إيران هذه خصوصا مع حماس نتج عنها أحد المشاكل الكبرى التى نواجهها اليوم على حدودنا الشرقية ودخول مصر فى سياسات لمواجهة حماس تبدو للكثيرين أنها متعاونة مع إسرائيل، وهذا يسبب لها حرجا وخطرا كبيرا..

وهل تعتقد أن إيران نفسها مستعدة للحوار مع مصر؟

الشواهد تقول ذلك فقد أرسلت إيران على لاريجانى مؤخرا وقابل الرئيس مبارك كما حضر خاتمى، وتقابل مع عدد المسئولين وفى ظنى أن إيران مستعدة للحوار ولكن مصر مازالت ممتنعة.

وماذا عن القول بضرورة عدم امتلاك إيران للقنبلة النووية لخطورة ذلك على العرب أولا ؟

أستطيع أن أتفهم معارضة امتلاك إيران القنبلة النووية لمنع انتشار السلاح النووى فى المنطقة فى أى ظروف أخرى، ولكن لو أن إسرائيل مصرة على عدم نزع سلاحها فلا مفر من امتلاك إيران لقنبلة نووية.. ولابد أن نستغل هذا الكارت مع أمريكا وإسرائيل لإجبار الأخيرة على نزع سلاحها النووى.
وعلينا أن نراعى أن السلام والاستقرار الحقيقى فى المنطقة يقتضى أن تكون العلاقات بين الدول العربية علاقات تعاون وتفاهم، ولن يتحقق الاستقرار للمنطقة إلا بتعاون كل من مصر وإيران وتركيا.

كأنه لم يكن كافيا على مصر أن تشهد علاقاتها بالدول العربية توترات على مختلف الأصعدة لتشهد توترات أخرى مع دول حوض النيل، العمق الإستراتيجى لها، فما الذى حدث بيننا وبين الدول التى كانت تدين لعبد الناصر بالولاء ولماذا أصبحت العلاقات يشوبها العداء؟

لقد كان العصر الذهبى للعلاقات المصرية الأفريقية فى عهد الرئيس عبد الناصر، حيث اهتم بأفريقيا واستثمر فيها كثيرا من الجهد السياسى والمالى، فمصر أيدت تقريبا كل حركة استقلال قامت فى أفريقيا وقدمت المعونة الاقتصادية للأغلبية العظمى من دولهم، وأقامت شركة النصر للاستيراد والتصدير شركة كبرى لتنمية التجارة بين هذه الدول العربية وبعضها، وبينها وبين مصر، وكان من الطبيعى أن يكون نتائج ذلك أن تتوج مصر بين الأفارقة زعيما لا ينازع فتصبح كلمتها مسموعة.
وبعد هزيمة 67 انشغلت مصر بالإعداد لمعركة الثأر وهمومها الداخلية، وغاب عنها البعد الأفريقى إلى حد ما، ولكن فى العهود التالية تباعدت مصر عن أفريقيا بدرجات أكبر، حتى أصبح من الملاحظ أنه عندما تحدث منافسة بين مصر ودولة أخرى فإن الدول الأفريقية بدلا من أن تصف خلف مصر كما كان يحدث أصبحت فى أحسن الأحوال محايدة.
ولاشك أن هذا التطور مؤسف، لأنه يعنى ضياع ثمار الاستثمار السياسى والاقتصادى الذى بذل فى عهد الرئيس عبد الناصر، ولكن الأثر الأخطر علينا هو ما يخص الدول الأفريقية التى تسمى بحوض نهر النيل، حيث لوحظ تعامل هذه الدول مع مصر بقدر من المنافسة أو العداء أو على الأقل الحياد، وهو ما أصبح عليه الوضع اليوم، وهذا من أخطر ما يهدد مستقبل مصر حيث إنه يخص النيل أساس الحياه فيها.

وكيف تقرأ التواجد الإسرائيلى القوى فى هذه الدول الآن؟

كان لابد أن نتوقع أن الدولة المعادية لنا وهى إسرائيل والدولة التى ترعاها أمريكا، سيستغلان هذا الفراغ الذى حدث ويسارعان ليحلا محل نفوذ مصر فى هذه الدول، لا ليحققا بعض المزايا الاقتصادية فقط، ولكن ليضعا أيديهما على نبع الحياه فى مصر ورغم كل ما حدث، وبسبب الأهمية القصوى لهذا الموضوع على مصر أن تعيد بذل الجهود السياسة والاقتصادية مهما كانت التكلفة لتستعيد مكانتها بين هذه الدول.
------------------------------------

نشر في الوفد أيام 3 و4 و5 يناير 2010
http://www.alwafd.org/details.aspx?nid=43074
وأعيد نشره في اليوم السابع 3 و4و 5 يناير
http://youm7.com/News.asp?NewsID=173505&SecID=12&IssueID=92

المتابعون