د. أحمد الجويلي



وزير التموين الأسبق فى اعترافات لأول مرة لـ«المصرى اليوم»(١-٢)
السكر.. وراء خروجى من الحكومة
----------------------------------------
حوار رانـيـا بـدوى -المصري اليوم٣١/ ٥/ ٢٠١٠
-------------------------------------------

«عندما أترك شيئا لا أعود إليه، ولا أفكر فيه، ولا أحب الحديث عنه».. هذا هو أول تعليق تلقيته من الدكتور أحمد جويلى، وزير التموين والتجارة الأسبق، عندما حاولت جاهدة دفعه لإخراج ما فى جعبته من أسرار وتفاصيل عن الفترة التى تولى فيها وزارة التموين والتجارة، خاصة أنه لم يتحدث مطلقا عن هذه الفترة ولم يجب أبدا عن سؤال: لماذا خرج من الوزارة رغم شهادة الجميع له بحسن الأداء؟!

ورغم أن الدكتور جويلى معروف بهدوئه التام رغم الأزمات التى أثارها مع رجال الأعمال ومافيا السوق السوداء فى هذه الآونة، وبدبلوماسيته فى حديثه عن المسؤولين والكبار، ورغم أنه ليس له تصريح فيه شغب، ولا حوار فيه اعتراف، ولا تحقيق يحوى أسراراً،إلا أن كل ذلك انتفى فى هذا الحوار.

والمعروف أن دكتور جويلى دخل الوزارة كوزير للتموين فى عهد وزارة الدكتور عاطف صدقى بعد أن كان محافظا لدمياط ثم الإسماعيلية.. واستطاع فى مدة قصيرة أن يكسب ثقة الشعب وحبهم.. عمل على ضبط السوق ومحاربة الغلاء وملاحقة الفساد وكشف الغش والتدليس، وفجأة وبعد أن زادت شعبيته للدرجة التى رشحه فيها الناس لرئاسة الوزراء فوجئ الجميع بخروجه فى أول تعديل وزارى بعدما تولى الدكتور عاطف عبيد رئاسة الوزارة.

فى هذا الحوار يكشف الدكتور جويلى لأول مرة أسباب خروجه من الوزارة، وأسرار ملف السكر الذى لا يعرف أحد عنه شيئا، ويحكى سر خلافه مع الدكتور عاطف عبيد ومافيا رجال الأعمال، ويحكى لأول مرة عن اقتحامه مصانع الشركة القابضة للسكر لمصادرة كل ما فيها.. وبدأت بسؤاله مباشرة عن السكر فأجاب بسرعة وتلقائية: السكر من السلع التى لا أحبها.

■ لأنه أخرجك من الوزارة؟

- ضحك قائلا: مشاكله كانت كثيرة، وكل يوم بسعر وسوقه غير مستقرة.

■ لدىّ معلومة تقول إن خلافك الرئيسى مع الدكتور عاطف عبيد كان بسبب ملف السكر؟

- ملف السكر كان من الملفات المعقدة جدا، نظرا لأهميته بالنسبة للمواطنين، وغلاؤه قرشا واحدا كان يتسبب فى أزمة، وكان كل همى هو المواطن الغلبان الذى أحرص على أن يحصل على السلعة بسعر جيد، وأن تكون السلعة متوافرة فى الأسواق، والأزمة الأساسية بينى وبين الدكتور عاطف عبيد، الذى كان أيامها وزيرا لقطاع الأعمال، بدأت عندما رفض رئيس الشركة القابضة لإنتاج السكر والصناعات التكاملية المصرية محمد خليف أن يعطينى حصتى الشهرية كوزارة تموين من السكر لكى أستوفى بطاقات التموين، وأخذ يماطلنى حتى تفاقمت الأزمة وأصبحت فى وضع حرج أمام مستحقى الحصة التموينية وباتت أزمة كبيرة فى البلد.

■ قاطعته: المفروض أن المصلحة واحدة، فهى شركة قطاع عام وأنت تعمل للصالح العام، فلماذا وقف رئيس الشركة القابضة ضدك؟

- رجال الأعمال اتفقوا مع «خليف» على أن يشتروا منه السكر المكرر ويصدروه للخارج فكان يحقق من وراء ذلك مكاسب كبيرة.

■ يعنى التاجر أهم من المواطن الغلبان الذى يحصل على السكر المدعوم؟

- نعم.. لذا اتصلت بالوزير المسؤول آنذاك، وهو الدكتور عاطف عبيد وزير قطاع الأعمال الذى رفض التدخل وقال لى: «منك له.. إنت حر معه» حتى تأزم الوضع واختفى السكر من السوق المحلية تماما وارتفع سعره بشكل جنونى، وظللت أستعطفهم للحصول على حصتى ولكن دون جدوى، فاتصلت بالدكتور عاطف صدقى رئيس الوزراء أشكو له الوضع لكنه لم يحرك ساكنا، واندهشت من أنه لا أحد يريد الالتزام بسياسات الدولة، فاضطررت إلى استخدام سلطاتى كوزير للتموين وهى أن أصادر أى منتج وقت وقوع الأزمة، فأحضرت جميع مفتشى التموين، فى وجه قبلى وأمرتهم بأن يتجهوا إلى كل مصانع ومخازن الشركة القابضة واقتحامها ومصادرة كل «حباية سكر» فيها وشحنها إلى القاهرة فورا.

■ ماذا لو أنهم تعرضوا للمنع من قبل أى شخص؟

- قلت لهم «من يقف أمامكم حولوه إلى النيابة بموجب الضبطية القضائية التى معكم» وقد تم بالفعل مصادرة كل السكر وشحنه إلى القاهرة، وكونت رصيداً جيداً من السكر استوفيت به كل البطاقات التموينية، والفائض طرحته فى الأسواق بسعر جيد ودون ربح.

■ ماذا كان رد فعل رئيس الشركة؟

- لم أهتم بأى رد فعل له، علمت أنه شكانى لوزيره، ولكن لم أهتم فالمهم أننى أرضيت المواطن واستوفيت بطاقات التموين.

■ وهل وصل الموضوع إلى الرئيس مبارك؟

- نعم ولكن بعد أن انتهى، فقد علم أن السوق خالية من السكر، وأن هناك أزمة سكر فى البلد، وفى أول اجتماع بعدها سألنى ما موضوع أزمة السكر فقلت له «الموضوع انتهى خلاص ياريس، ولكن المهم ألا يتكرر مرة ثانية» فسألنى «ماذا تقترح؟» قلت له «أريد مخزوناً استراتيجياً من السكر وفى حالة حدوث أى أزمة أو عدم استقرار فى السوق أستطيع تغطية العجز فورا»، واقترحت أن تكون الكمية كافية لثلاثة أشهر مقدما، وسعرها كذا مليون فأمر الدكتور عاطف صدقى بأن يعطينى المال اللازم لتحقيق هذا المخزون.

■ وهل هذه المشكلة هى السبب الرئيسى فى استبعادك من الوزارة؟

- رئيس الوزراء الجديد آنذاك الدكتور عاطف عبيد لم ينس لى العديد من المواقف معه.. فقد كان رأيى دائما من رأسى، أدرسه جيدا وأنفذه. وفى موقف آخر استوردت الشركة القابضة «سكر خام» بكميات ضخمة لتكريره وأنزلته السوق وبدأت فى بيعه بسعر عال فاعترضت، وأنزلت أنا على الجانب الآخر السكر إلى الأسواق بسعر منخفض ومن هنا ثار الخلاف، فقد طلب منى الدكتور عاطف عبيد عدم تخفيض السعر فقلت له «أنا لا أريد أن أكسب».. فأجابنى قائلا «ولكن بهذه الطريقة ستؤدى إلى خسارة الشركة القابضة»، قلت له تخسر: أنا مشكلتى هى المستهلك»..

وكذلك مواقف كثيرة على هذه الشاكلة.. فالسكر كان إحدى الحلقات المهمة فى خروجى من الوزارة لأنى كنت حساساً جدا تجاه المستهلك ولا أريد تحميله عبئاً أكبر، ولكن كانت هناك أشياء أخرى سبب توتر العلاقة مع الدكتور عاطف عبيد، فمثلا عندما كنت أصدر قطناً خاماً لجلب العملة الصعبة كوزير للتجارة فوجئت به يطلب منى ألا أصدر القطن فرفضت وقلت له إن الشركات المحلية لديها ما يكفى من القطن الخام للتصنيع والفائض من حقى تصديره، ولم يكن محقاً ولكنه كان يحاول إرضاء الشركات التابعة له فهو كان يعمل معها.

■ ماذا عن أزمة المجمعات الاستهلاكية؟

- ضحك قائلا: «لا أعرف عم تتحدثين.. كفاية كده إنتى أخدتى أسرار كتيرة».

■ أتحدث عن المجمعات الاستهلاكية التى كانت تابعة للدكتور عاطف عبيد ثم انتقلت إليك ولا أحد يعرف السبب ولا النتيجة التى ترتبت على ذلك؟

- بعد محاولة للتهرب من الإجابة قال: المجمعات الاستهلاكية كانت تابعة لعاطف عبيد أى لوزارة قطاع الأعمال.. ولكننى ذهبت للرئيس مبارك وقلت له «أنا أريد أن تكون فى يدى أدوات أحرك بها السوق والأسعار حتى أجنب البلد أى أزمة فى التموين وأجنب السوق احتكار بعض رجال الأعمال للسلع، حيث تنبهت خاصة خلال الأزمة الشهيرة للسكر إلى دور المجمعات واعتبرتها أداة يمكن من خلالها مواجهة تلاعبات القطاع الخاص وقررت طرح السلع التى كان يحدث بها اختناقات من خلالها، فقال لى الرئيس «ماذا تريد؟» قلت له «أريد شركات المجمعات الاستهلاكية»، وقد كان.. فعلاقتى بالرئيس كانت جيدة وكان يثق بى وأمر بالفعل بنقل المجمعات الاستهلاكية لتصبح ضمن صلاحياتى، لكن الدكتور عاطف شعر أننى أخذت جزءاً من صلاحياته وصغرت وزارة قطاع الأعمال.. حيث عادت هذه المجمعات مرة أخرى إلى وزارة قطاع الأعمال بعد تولى عاطف عبيد رئاسة الوزارة وبالمناسبة أنا وقفت فيما بعد بشدة أمام فكرة بيعها.

■ عندما علمت أن الدكتور عاطف عبيد تولى رئاسة الوزارة الجديدة هل تنبأت بخروجك؟

- نعم.

■ لكن الرئيس كان يعرف كفاءتك وعلاقتك به جيدة كما قلت فلماذا لم يتمسك بك؟

- رئيس الوزراء الجديد قال له إنه لا يريدنى، وأنا لم أكن أهتم حتى بمعرفة الأسباب، أنا أرضيت ضميرى وعملت بكل اجتهاد وحاربت فساد السوق بكل ما أوتيت من قوة.

■ ما أبرز قضايا الفساد التى اشتغلت عليها أثناء وجودك فى هذا المنصب؟

- قضايا كثيرة، فلطالما عملت على قضايا الغش والتدليس فى السوق وحاربت السلع منتهية الصلاحية والسلع التى كانت تمثل خطرا على الصحة العامة.

■ وهل هذا كان سبب وقوف بعض رجال الأعمال فى وجهك؟

- نعم حتى إنهم اشتكونى لرئيس الوزارة.

■ وماذا كان رد فعل دكتور عاطف صدقى؟

- كان دائما يقولى لى «إنت مزودها شوية».

■ هل كنت توقع مخالفات على شركات القطاع الحكومى؟

- لم أكن أفرق بين القطاع الخاص والقطاع الحكومى، بل بالعكس كنت أوقع مخالفات على جميع الشركات الحكومية بما فيها المجمعات الاستهلاكية التابعة لى.. كنت أحمى المواطن من الغش والتدليس واحتكار السلع أو عدم صلاحية المنتجات للاستهلاك الآدمى، أو كونها تمثل خطراً على صحته.

■ يفترض أن حمايتك للمواطن وضبطك للسوق يسعدان رئيس الوزراء لا أن يدفعاه لأن يقول لك «إنت مزودها شوية»؟

- لا أعرف ولكن هذا كان رأيه.. الغريب أن أحد الوزراء وقتها اتهمنى قائلا: «إنت بتشوه صورة مصر.. كل يوم تطلع علينا بقضايا غش تجارى وطعام منتهى الصلاحية! أنت بهذا تؤثر بالسلب على السياحة».. فقلت له «هذه الرقابة تجعل السياح يحترموننا أكثر، وعلى أى حال أنا لا أفعل ذلك من أجل السياحة إنما من أجل المواطن المصرى»، هذه للأسف كانت طريقة التفكير!

- مازال ملف توشكى مثار الأحاديث والأقاويل ما بين نجاح المشروع وفشله، استصلاح أرضه والتفريط فيها بملاليم.. إنفاق المليارات عليه كمشروع قومى، واعتبار ما أنفق إهداراً للمال العام، والنتيجة فى النهاية واحدة: لم يكتمل المشروع بعد.. لذا كان ملف توشكى على رأس أولويات حوارى مع الدكتور جويلى، ليس فقط لكونه حاصلاً على الدكتوراه فى الاقتصاد الزراعى وأحد الخبراء فى هذا المجال، ولكن لأنه تولى عام ٢٠٠٠ وبعد خروجه من الوزارة منصب رئيس مجلس إدارة شركة المملكة للتنمية الزراعية للاستثمار فى توشكى المملوكة للأمير الوليد بن طلال.

■ دكتور أحمد منذ عام ١٩٩٨ونحن نعمل على مشروع توشكى أى حوالى ١٢عاماً ولم نزرع حتى ربع المساحة، وأخيرا ظهر ما يسمى بالتساهل مع الوليد فى العقود وبيع أراضى توشكى بملاليم، فما رأيك؟

- المشكلة ليست مشكلة الوليد إنما مشكلة الحكومة المصرية التى تخلت عن واجباتها.. كيف لى أن آخذ شخصاً أضعه فى الصحراء على بعد مسافة طويلة من القاهرة وأقول له «عليك أن تزرع الصحراء» دون أن أوفر له الطرق والمواصلات والسكن وخلافه.

مشكلة مشروع توشكى أنه تم التعامل معه على أنه مشروع رى لا مشروع تنمية متكامل، فتم الاهتمام بحفر الترعة الرئيسية والترع الفرعية ومحطات رفع المياه والماكينات وهو جهد ضخم بلا شك وكان يفترض التعامل معه على أنه مشروع متكامل وليس زراعة فقط إنما تعمير وصناعة وطرق ومواصلات وإسكان.. أما قضية المستثمرين فهى قضية فرعية بالنسبة لمشكلة توشكى الأساسية وهى التعمير.

■ إذن أنت تبرئ الوليد من الاتهامات التى وجهت له مؤخرا؟

- فى مثل هذه المناطق الصحراوية النائية يجب أن تقف الحكومة إلى جانب المستثمر، لأن استصلاح الأراضى هناك صعب جدا.

■ لكن الوليد حصل على الفدان بخمسين جنيهاً؟

- لكنها منطقة غير مأهولة بالسكان وبعيدة جدا وتوشكى مفتوحة للجميع بنفس الأسعار ولكن المسألة فعلا صعبة جدا.. وأعتقد أن المشكلة مع الوليد ليست فى السعر إنما فى أنه حصل على الأرض ولم يزرعها.

■ ألم يكن فى العقود ما ينص على مدة محددة للزراعة؟

- هذا خطأ الحكومة أيضا ولكن من الممكن تداركه بالجلوس مع جميع المستثمرين وإعادة صياغة العقود بوضع برامج محددة وإطار زمنى واضح للانتهاء من زراعة توشكى مقابل أن تقوم الحكومة بدورها هى الأخرى.

■ ألا ترى أن هناك خطأ يقع على عاتق الوليد فى هذا الصدد؟

- الوليد- بمعرفتى به- رجل لا يجيد الاستثمار فى مجال الزراعة فهو ليس مجال تخصصه، والنتيجة أنه لم يحقق فيه النجاح الذى حققه فى مجالات أخرى.

■ لا يشترط أن يفهم رجل الأعمال فى كل المجالات وإنما يكفى أن يعتمد على خبراء وقد أتى بك فى مرحلة ما كمتخصص فى مجال الاقتصاد الزراعى لإدارة ما يخصه فى مشروع توشكى؟

- أنا أمضيت فى شركة الوليد حوالى عامين وأعددت خطة محترمة وأجريت تجارب كثيرة على المحاصيل ونوع التربة وكذلك دراسة لإقامة العمال والتسويق وكل شىء، وهذه الخطة موجودة لدى الشركة ولكن بعدها تركت الشركة بعد أن عُرض علىّ رئاسة مجلس الوحدة الاقتصادية العربية، وحلت محلى شركة فرنسية.

■ هل حدث أى خلاف بينك وبين الوليد؟

- لا إطلاقا، أنا تركت الشركة بعد أن عُرضت علىّ رئاسة المجلس لأننى لا أحب الجمع بين عملين، وتولت المأمورية بعدى شركة فرنسية كما قلت.

■ الشركة التى قلت عنها إنها السبب فى مشاكل الوليد فى توشكى؟

- نعم لأن سوء إدارة الشركة وعدم فهمها للمشروع كانا سبب التعثر حتى الآن.. وكان يفترض أن تتم الاستعانة بالخبرات المصرية ومن عملوا بتوشكى.وللخروج من هذا المأزق بشكل عام يجب أن تتم إعادة الاتفاق مع المستثمرين على جدول زمنى للتنفيذ وبرنامج محدد ووضع حوافز وعقوبات ومراجعة العقود وعلى الحكومة توفير الخدمات الأخرى.

■ كثيرا ما أعلن وزير الإسكان السابق حسب الله الكفراوى اعتراضه على موقع توشكى وقال إنه غير مدروس، ونسبة البخر فيه عالية مما يعوق الزراعة فهل تتفق مع رؤية حسب الله الكفراوى؟

- سمعت هذا الكلام كثيرا.. نعم توجد نسبة بخر إنما فى نفس الوقت المكان ليس خطأ بل على العكس الموقع ممتاز وأود أن ألفت الانتباه إلى معلومة أن أى أرض يمكن أن تزرع لو وجدت المياه، فلو وضعت المياه على حجر سيزرع والدليل أننا جميعا نلاحظ أن هناك نبتات صغيرة خضراء تنمو على مواسير الصرف طبعا بسبب وجود المياه. للأسف توشكى كانت ستكون جزءا كبيرا من تنمية مصر لو اكتمل المشروع لأنها منطقة حارة وكان سيكون بها منتجات زراعية فريدة، وكانت ستصدر لأوروبا والبلاد الباردة لكن الحكومة لم تكمل واجباتها تجاه توشكى.

■ الحكومة نفسها حملت مشروع توشكى تسببه فى أزمة السيولة بعد إنفاق حوالى٧ مليارات جنيه عليه والنتيجة غير ملموسة بعد؟

- هذا الرقم لا يعد ضخما بل بالعكس هو لا شىء فى مقابل مشروع ضخم كبرنامج تنمية جنوب الوادى فبه ٥٤٠ ألف فدان يعنى مساحته تساوى ٣ محافظات وهى مساحة ليست هينة. والغريب أن تقول الحكومة هذا عن مشروعها الذى بدأت فى الإنفاق عليه، فهذا الكلام الذى خرج على لسان الحكومة إساءة للمشروع فهى تنتقد نفسها، كيف تصرف على المشروع وهى ترى أنه سبب أزمة سيولة فى مصر!

■ من توشكى إلى ترعة السلام ما سبب توقف مشروع ترعة السلام؟

- ترعة السلام أهون كثيرا من توشكى فهى قريبة من الوادى وسهل وصول الناس إليها.

■ إذن ما هى المشكلة؟

- نفس مشكلة توشكى، أنهم تعاملوا مع ترعة السلام على أنها مشروع رى وترك لمسؤولى الرى ولم يتعاملوا معه على أنه مشروع تنموى.

■ أثيرت من قبل مسألة بيع ترعة السلام للقطاع الخاص لاستكمال حفرها فى، مقابل تملك الأراضى على جانبيها بعد عجز الحكومة عن استكمالها فما رأيك؟

- أنا ضد الفكرة لأن سيناء خط أحمر والتملك فيها يجب أن يكون للمصريين فقط، وأخشى أن يكون القطاع الخاص ينطوى على جنسيات عدة، وقد كنت محافظا للإسماعيلية وكان جزء من الترعة يقع ضمن الاسماعيلية، وكانت أراضى الترعة موزعة كالتالى: جزء لشركات القطاع العام للاستثمار، وجزء لشباب الخريجين لتوفير فرص عمل وإعانتهم على المستقبل، وجزء للفلاحين عن طريق الجمعيات التعاونية كان هذا هو المتبع، ويجب أن يكون كذلك دائما، سيناء خط احمر وممنوع تمليكها لغير المصريين.

■ لننتقل إلى أزمات التموين فى مصر، ودعنى أسألك أولا: ما رأيك فى دمج وزارة التموين فى وزارة التضامن الاجتماعى؟

- أكبر خطأ.. لأن الفلسفة القائمة على أن كلاً من التموين والتضامن تقدمان الدعم للمواطن محدود الدخل لذا يجب دمج الاثنتين تحت مظلة واحدة فلسفة غير سليمة، لأن مهمة التموين أكبر من ذلك بكثير، فهى مسؤولة عن توفير السلع وتسعيرها وتواجدها فى الأسواق وليس مجرد الدعم.

■ «الدعم والعدالة الاجتماعية» لفظان أصبح يسمعهما المواطن فقط ولا يلمسهما على أرض الواقع؟

- رغم أن العدالة الاجتماعية جاءت على رأس برنامج الرئيس الانتخابى فإن الحكومة تفهم أن التهليل بارتفاع معدل النمو يعبر عن تحسن الأوضاع الاقتصادية غير عابئة بأن هذا النمو يخفى فى طياته عدم عدالة فى توزيع العوائد. وعلى الجانب الآخر يوجد سوء توزيع للدعم فى مصر، ولا يصل لمستحقيه، وأرى أن المشكلة ناجمة عن سوء إدارة، وأنا أؤيد الدعم العينى، فله ميزات أكثر من الدعم المادى لأن الأول يصل للأسرة بينما الثانى قد لا يصل للأسر الفقيرة.

■ ما هو الحل؟

- الاقتصاد لن يتحسن والبطالة لن تقل والفقر لن ينكمش إلا فى حالة واحدة، وهى الاتجاه إلى الصناعات كثيفة العمالة وإعادة النظر فى سياسة الدعم.

■ حدثت فى عهدك أزمة فى أنبوبة البوتاجاز تشابه الأزمة الأخيرة فماذا كانت أسبابها وكيف تعاملت معها؟

- المشكلة كانت فى عدم توافر المادة الخام وسوء التوزيع وتغلبت على الجانب الأول بالاتصال الفورى بوزارة البترول والتنسيق معها لتوفير المادة الخام، أما التوزيع فقد توصلت إلى فكرة مشروعات شبابية تساهم فى توزيع أنبوبة البوتاجاز من ناحية وتوفر فرص عمل لهم من ناحية أخرى، وهى عبارة عن سيارة يتسلم فيها الشاب عدداً معيناً من أسطوانات البوتاجاز على أن يوزعها فى منطقة محددة وقد حقق هذا المشروع نتائج جيدة وساهم فى حل الأزمة.

■ هل فعلا توجد أزمة فى خام غاز البوتاجاز حاليا؟

- نعم.

■ هل أنت مع تصدير الغاز الطبيعى لإسرائيل؟

- ولم لا.. الغاز منتج فى النهاية يمكن أن أبيعه لأى جهة، المهم الفلوس.

■ لكن الحكومة تبيعه بسعر بخس؟

- هذا أمر آخر.. أنا لست ضد البيع لإسرائيل لكننى ضد أن يباع بسعر هزيل.. يجب أن يباع بالسعر العالمى.

■ على أثر أزمة الخبز ومن بعدها أنبوبة البوتاجاز طالب المستشار عدلى حسين محافظ القليوبية فى حوار سابق معه بأن تترك مثل هذه الأمور للمحافظين، لذا باعتبارك محافظاً أسبق لدمياط ثم الإسماعيلية ما رأيك فى هذا الاقتراح؟

- المحافظ هو القادر على حل مثل هذه الأزمات لأنه الأكثر دراية، واللامركزية فى إدارة أمور التموين أفضل من المركزية، لذا يجب إعطاء المحافظين الصلاحيات للتصرف فى هذه الأمور.

■ قال لى المستشار عدلى حسين إن توفير الخدمات فى المحافظة يتوقف على علاقة المحافظ بالوزير، فلو أن وزير الإسكان مثلا ليس على علاقة طيبة بالمحافظ لا يخصص حصة جيدة للمحافظة من الموازنة الخاصة بالطرق والكبارى ومحطات المياه وهكذا فالمسألة تتوقف على العلاقات الشخصية وليس المصلحة العامة فهل تتفق مع ذلك؟

- للأسف نعم، وهذا لا يجب أن يكون.

■ هل سبق أن حدث ذلك معك؟

- نعم أحيانا.

فى الحلقة الثانية:

لماذا لم تتقدم مصر بطلب تجديد لجويلى فى رئاسة مجلس الوحدة الاقتصادية العربية؟ ولماذا لم ترشح بديلاً مصرياً؟

---------------------


د. أحمد جويلى رئيس مجلس الوحدة الاقتصادية العربية السابق
فى أول حوار بعد تركه لمنصبه: (٢-٢)
الخليج ليس عضواً فى المجلس لأنه «مستغنى» عن العرب واكتفى بالأمريكان
-----------------------------------
حوار رانـيـا بـدوى ١/ ٦/ ٢٠١٠
------------------------------------

لا عجب فى تضاؤل وضع مصر فى المنطقة العربية والقارة الأفريقية.. فإن كان البعض يرى أن البساط يسحب رويداً رويدا من تحت أقدامنا لتفوق الآخرين علينا، بات بعض آخر متأكد أننا من تنازلنا بمحض إرادتنا عن هذا الدور بممارسات سياسية لم تعد ترضى أغلب الشعب المصرى..

ففى وسط الهوجة وانشغالنا بإضرابات عمال أمونسيتو وانتخابات مجلس الشورى وأزماتنا الداخلية التى لا تنتهى، فقدت مصر منصباً عربياً جديداً، هورئاسة مجلس الوحدة الاقتصادية العربية، الذى كان يترأسه حتى أيام قليلة الدكتور أحمد جويلى حتى تم تعيين شخصية يمنية لرئاسة المجلس خلفا لـ«جويلى» الذى سيتسلم مهمته فى شهر يونيو المقبل بعدما التزمت مصر الصمت ولم تطلب التجديد للدكتور جويلى فى المنصب مثلما حدث مع من سبقه،

والأغرب أنها حتى لم تتقدم بترشيح اسم مصرى بديل، وهوما يثير العديد من التساؤلات، على رأسها لماذا تتخلى مصر عن منصب- أى منصب- تتاح لها فيه قيادة العرب ولم شملهم، حتى وإن لم يؤت الثمار المرجوة؟!

مجلس الوحدة الاقتصادية العربية، وحقيقة التكامل العربى، وحال قطاع الزراعة فى مصر.. ملفات ناقشتها فى الحلقة الثانية من الحوار مع الدكتور أحمد جويلى الأمين العام لمجلس الوحدة الاقتصادية العربية السابق:

■ هل تعتقد أن اسم مجلس الوحدة الاقتصادية العربية اسم على مسمى؟

- اسم على غير مسمى.. لذا أقترح تغيير الاسم إلى المجلس العربى للتجارة والاستثمار.

■ عشر سنوات أمين عام مجلس الوحدة الاقتصادية العربية.. فماذا أنجزت؟

- اهتم مجلس الوحدة الاقتصادية العربية بإقامة مشروعات عربية مشتركة فى مجالات الأنشطة الإنتاجية والخدمية، تأخذ شكل الشركات القابضة وتتولى إنشاء مشروعات عربية كبيرة أوالمساهمة فى مشروعات قائمة وذلك على أسس اقتصادية وتكنولوجية حديثة تستطيع أن تواجه بكفاءة الاحتياجات المتزايدة للسوق العربية، كما أن صيغة المشروعات المشتركة تعد أداة فعالة فى تحقيق التنمية الاقتصادية العربية، وذلك لقدرتها على تجميع الموارد العربية القومية واستغلالها الاستغلال الأمثل، وإقامة المشروعات الكبيرة التى تحتاج إلى موارد مالية وفنية ضخمة، وإلى أسواق واسعة، مما لا تقدر عليه دولة بمفردها، إضافة إلى أن المشروعات العربية المشتركة تعتبر إحدى الصيغ الفعالة لحل التناقض القائم فى المشكلات بين البلاد العربية ذات الفائض، وهى التى تتراكم لديها موارد مالية أكبر من فرص الاستثمار ومن قدرتها على الاستيعاب، وبين البلاد العربية ذات العجز، وهى التى تعانى نقص الموارد المالية بالقياس إلى فرص الاستثمار وإلى قدرتها على الاستيعاب.

كما أنجزنا عدداً من الاتفاقيات المهمة على طريق السوق العربية المشتركة، منها اتفاقية تجنب الازدواج الضريبى ومنع التهرب من الضرائب بين دول مجلس الوحدة الاقتصادية العربية، واتفاقية التعاون لتحصيل الضرائب بين دول مجلس الوحدة الاقتصادية العربية، واتفاقية استثمار رؤوس الأموال العربية وانتقالها بين البلدان العربية، واتفاقية تسوية منازعات الاستثمار بين الدول المضيفة للاستثمارات العربية ومواطنى الدول العربية الأخرى. أما أكبر إنجاز اقتصادى فقد تم فى عام ٢٠٠٥ حيث تم توقيع اتفاقية التجارة الحرة لننتقل بعدها للخطوة التالية وهى إقامة نظام جمركى موحد والمزمع الانتهاء منه عام ٢٠١٥ للوصول إلى السوق العربية المشتركة فى النهاية.

■ أكثر من ٤٥ عاماً مرت على الدعوة للسوق العربية المشتركة منذ انطلاقها عام ٦٤ فماذا تحقق؟

- لا نريد أن نقلل من قيمة الجهود المبذولة وإن كانت ليست كافية، حيث إننا حققنا حوالى ٢٠٪ من الخطط، على أمل استكمال الطريق للوصول إلى الهدف.

■ والسوق الأوروبية المشتركة اكتملت بعد خمسين عاماً، وها نحن اقتربنا من نفس المدة الزمنية ولم نحقق سوى ٢٠% فهل أنت راض عن النتائج، خاصة أنك أمضيت عشرة أعوام على رأس المجلس؟

- لم أدخل المجلس بأحلام ولا بتطلعات لأننى أعرف المعوقات، والوضع العربى ليس غريباً علىّ فلطالما عاصرت العمل العربى منذ عام ١٩٧٠حيث عملت مستشارا لهيئات عربية كثيرة فى مجال الزراعة والأمن الغذائى، وكانت تجربتى بالكامل محبطة رغم إيمانى بالعمل العربى فهذا ما تربيت عليه.. وأعتقد أن هذا المجلس هوأضعف شىء فى العمل العربى بالكامل، ومشاكله كثيرة جداً، فقد جئت عام ٢٠٠٠ إلى هذا المجلس ودرست مشاكله جيدا فوجدت أزمة مالية طاحنة، وإيجارات متراكمة ورواتب لم تدفع وكان على أن أبدأ أولا بجمع المال بدلا من وضع البرامج والخطط.. ثم اشتغلت فيما بعد على مسألة تحديث الأداء فى العمل العربى وبدأت الدخول فى أساليب جديدة للتكامل فى مجالات التجارة والاستثمار.

■ ماذا عن المساهمات المالية للدول الأعضاء.. لماذا كانت معوقاً فى وجه تطوير العمل فى المجلس؟

- هذا المجلس يضم بين أعضائه أقل الدول نموا فى المنطقة العربية، كانت ١١ عضوا وأصبحت الآن ٩ فقط أغلبها لايدفع حصته من المال مثل العراق الذى ظل لسنوات طويلة لا يدفع بحكم ظروفه السياسية، وكذلك السودان وموريتانيا فهما متعثران فى الدفع أما الصومال فلا يدفع مطلقا، وسوريا منتظمة، فى حين أن مصر كانت منتظمة ثم توقفت عن الدفع.

■ لماذا؟

- مزاجها كده.. وتحدثت كثيرا مع ممثل مصر فى المجلس الدكتورة فايزة أبوالنجا بشأن هذا الموضوع، وهذا العام رفض الدكتور بطرس غالى، وزير المالية، دفع حصة مصر وهى ١٨٠ ألف دولار، وقابلته وتحدثت معه.

■ والإجابة؟

- إجابة غير مقنعة طوال الوقت، أحيانا يعدون بالدفع وأحيانا يتحججون بعدم وجود سيولة أوأن هناك أزمة مالية، وأعتقد أن المبلغ الذى تساهم به مصر فى المجلس لا شىء بالنسبة لدولة فى حجم مصر.

■ فى يونيو المقبل سيتسلم الأمين العام الجديد «يمنى الجنسية» رئاسة المجلس.. بعد دورتين قضيتهما فى هذا المنصب وهوما يطرح تساؤلاً مهماً.. لماذا لم تتقدم مصر بطلب التجديد لك فى المنصب رغم التجديد من قبل عامين لمن سبقك فى هذا المنصب؟

- اسألى الوزيرة فايزة أبوالنجا، فهى مندوب مصر فى المجلس وحلقة الوصل.

■ ولماذا لم يتم ترشيح شخصية مصرية أخرى على الأقل لخلافتك فى المجلس حتى لا تخرج رئاسة المجلس من مصر؟

- قد يكون ليس لديهم رغبة فى المجلس.. وعموما اسألى فايزة أبوالنجا.

■ أليس غريبا ألا يضم مجلس الوحدة الاقتصادية العربية دولة من دول الخليج العربى؟

- الخليج له اهتماماته الخاصة، فدولة تشعر أن لديها الإمكانيات والحماية والمال فليست فى حاجة إلى مثل هذا المجلس.. «ببساطة كده الخليج مستغنى عن العرب، واحد معاه فلوس وعنده ناس معتقد إنها بتحميه يحتاجنا فى إيه؟!».

■ ماذا تقصد؟

- أقصد أن دول الخليج العربى لديها المال ولديها أمريكا بقواعدها العسكرية فى المنطقة، والتى يظنون أنها تحميهم.. فقد كانوا من قبل ينتظرون الدعم من مصر أوأن ترسل لهم فرقة عسكرية، أما الآن فالوضع تغير وأصبح لديهم ظهر أقوى بل هم من يساعدوننا الآن.

■ وماذا عن دول المغرب العربى؟

- دول المغرب هى أقرب إلى أوروبا منها إلى المشرق العربى فى الثقافة والانتماء والاقتصاد، فالعلاقات مع أوروبا أفضل من العلاقة مع العرب.

■ يعنى مفيش عرب؟

- ومين قالك إن فيه عرب؟! إنت لسه مصدقة أنها أمة عربية واحدة؟! الأمة العربية الواحدة هى التى يكون ولاؤها واحداً.. لا أن يكون ولاء مجموعة لفرنسا وأخرى لأمريكا ومجموعة تقف فى المنتصف تائهة لا تعرف لمن تنتمى ومشغولة بمشاكلها الداخلية.

■ ولماذا خرج كل من الكويت والإمارات وليبيا من عضوية المجلس؟

- الكويت خرج بعد خلافه مع العراق، والإمارات وجدت فى انضمامها إلى دول الخليج ما هوأفضل، أما ليبيا فكانت تطمع فى منصب معين فى المجلس، وعندما ذهب لدولة أخرى انسحبت من المجلس.

■ إذن العرب لديهم ميول للانفصال ولم يكن الرئيس السادات هومن فرقهم باتفاقية السلام مع إسرائيل؟

- السادات لا علاقة له بما يحدث، فهوكان مجرد شماعة لتعليق أخطاء العرب، ومصر طالما دفعت رغبة منها فى لم شمل العرب، ومازالت هى المحور والقلب النابض للمنطقة وهذه حقيقة، ولوخلعنا مصر يقع العالم العربى بأكمله فمصر هى رمان بلى المنطقة.

■ حتى فى ضعفها؟

- فى أى وضع كانت.

■ ما حجم التبادل التجارى العربى؟

- التجارة البينية العربية تتراوح بين ٨ و١١%، وهى نسبة «ضعيفة جداً»، فنحن فى المقابل نتاجر مع الدول الأجنبية بنسبة ٩٠%، فالعرب ليست لديهم قاعدة من العلم ولا التكنولوجيا، فحتى التصنيع الداخلى يعتمد فى الأساس على استيراد الماكينات ومتطلبات المصانع من الخارج.

■ وماذا تحقق من برنامج التكامل للأمن الغذائى الذى كان على أجندة المجلس؟

- لا توجد رغبة أكيدة عند مصر ولا عند الدول العربية للتكامل إذا كانت الدول العربية عايزه تعيش فيجب أن تتجه نحوالتكامل، فقد خسر العرب حوالى ٢٥٠٠ مليون دولار جراء الأزمة العالمية الأخيرة، وأغلب الأزمات العالمية تأتى فى صالح المنطقة، يبقى فقط إدراك الأمر والاستفادة منه، فلوأن التجارة التى عُطلت فى الأزمة بين العرب والدول الأجنبية تحولت إلى الداخل لحققت مكاسب كبيرة وتجاوزت الأزمة بسهولة، ولكن مازالت الخلافات السياسية بين الدول العربية معطلاً رئيسياً للاقتصاد والتكامل.. والعرب لا يستطيعون إدراك أن الاقتصاد القوى يصنع سياسة قوية، ففى الخارج تلتقى المصالح الاقتصادية فيتفاهمون سياسيا أما هنا فالاقتصاد يأتى فى المرتبة الثانية.

■ أنت تدعو إلى الاستثمار فى المنطقة العربية.. فكيف والسودان غير مستقر والعراق ملتهب وفلسطين ضائعة والصومال مشتعل.. فمن يجرؤ على وضع ماله فى اللهب؟

- أنا معك أن عدم الاستقرار السياسى والأمنى معرقل للاستثمار، ولكن الزمن غير الزمن والصراعات غير دائمة، ثم إنه أصبحت هناك هيئات عربية مهمتها ضمان الاستثمار وتوجد شركات تأمين لتأمين الاستثمارات ضد المخاطر، ولوأننا ظللنا نتعلل بهذه الأسباب فلن نبرح مكاننا.

■ لننتقل إلى ملف الزراعة فى مصر باعتبارك خبيراً فى الاقتصاد الزراعى وحاصلاً على درجة الدكتوراه فى الاقتصاد الزراعى، وتوليت منصب رئيس لجنة السياسات الزراعية والتنمية بوزارة الزراعة، ومدير مشروع تطوير النظم الزراعية. ولنبدأ بالإحصائية التى تقول إن مليار دولار فى اليوم الواحد قيمة الدعم الأوروبى والأمريكى لقطاع الزراعة فكيف ترى الدعم المصرى لقطاع الزراعة؟

- الدعم الحكومى للفلاح المصرى انتهى بعد رفع الدعم عن الأسمدة والمبيدات، والقطاع الزراعى المصرى تم تهميشه ولا أعتقد أنه جزء أساسى من الاقتصاد المصرى الآن، بل أصبحت السمة الأساسية هى اعتمادنا على استيراد غذائنا من الخارج.

■ هل لديك نسب أوأرقام لحجم استيراد الغذاء من الخارج؟

- مصر الآن تستورد نصف غذائها من الخارج ومستقبلا سترتفع النسبة، وبالتالى الاعتماد على الخارج سيزيد، ليس فقط لزيادة أعداد السكان، وإنما لازدياد أزمات المياه وقلتها التى أصبحت مشكلة حقيقية تواجهنا حتى لم تعد كمية المياه الحالية كافية للزراعة، فأصبح الحديث عن الاكتفاء الذاتى فى ظل نقص المياه مستحيلاً، وإن كان ذلك لا يبرر عدم الاهتمام بالزراعة والفلاح المصرى.

■ مصر تستورد القمح من الخارج بحوالى ٤٠٠ دولار للطن فى حين تشتريه من الفلاح المصرى بحوالى ٣٨٠ جنيهاً والنقل على الفلاح فما تعليقك؟

- السياسة الزراعية فى مصر أصبحت غير مستقرة، وكل عام يأتون بسياسة مختلفة مما أدى إلى عدم شعور الفلاح بالأمان، لذا يجب إعادة النظر فى هذه السياسة ويجب على الدولة أن تشترى المحاصيل الزراعية وعلى رأسها القمح من الفلاح بالسعر العالمى، وأن تعلن السعر قبل الزراعة، وأن تعطيه حقه فور تسلمها المحصول، كلها عوامل ستشجع زراعة القمح، ولكن حتى نكون منصفين إن الشعب المصرى هوالآخر تغير ولم يعد يحب الزراعة بل أصبح يكره الفلاحة، وأى شاب متعلم يترك قريته غير راغب فى العمل فى الزراعة، ويأتى إلى القاهرة نازحا يبحث عن مهنة تجلسه على مكتب، لأن المجتمع وضع الفلاح فى درجة اجتماعية أقل، والشباب المصرى لا يرغبون فى البقاء فى الريف ولا يودون أن يعملوا بالزراعة.. وهذا بحث علمى اشتغلت عليه سنوات طويلة أثبت فيه أن «الشباب المصرى عايز يبقى أفندى».

■ هل تعتقد أن البعد عن المحاصيل الأساسية مثل القمح لصالح الكانتلوب والفراولة تم بضغوط خارجية كما حدث فى الصناعة وأجبرونا على الابتعاد عن الصناعات الثقيلة لصالح الصناعات الخدمية والاستثمار فى البورصة باتفاق مع البنك الدولى وصندوق النقد الدولى؟

- «هذا ما جنيت على نفسى» وليس ضغوطا خارجية، نحن السبب فى السياسات الزراعية غير المستقرة.. نحن من فعلنا بالقطاع الزراعى ما هوعليه الآن. والقائمون على الزراعة فى مصر نظروا إلى الاقتصاد على حساب الأمن فدفعوا الفلاح لزراعة المحاصيل الثانوية وأهملوا المحاصيل الرئيسية.

■ ما رأيك فى أزمة رى المحاصيل الزراعية بمياه الصرف الصحى التى أثيرت مؤخرا؟

- طبعا هى كارثة بكل المقاييس والناس غير منتبهة إلى أن النبات يمتص المواد الموجودة فى مياه الرى ويحجزها بداخله، لذا كل ثمرة نأكلها بها صرف صحى.. ووزارة الزراعة تتحمل المسؤولية الرئيسية ولكن هناك أيضا جهات يجب أن تحاسب على هذه الكارثة وهم مسؤولو وزارة البيئة ومسؤولوالحكم المحلى والمحافظ ومسؤولوالصحة، الجميع يجب أن يحاسبوا.. ومن ناحية أخرى يجب ألا نغفل أن هذه الكارثة انعكاس لأزمة نقص المياه التى ستشتد مستقبلا.

■ زراعة القطن اندثرت فى مصر بعد أن ظللنا سنوات طويلة نفخر بالقطن طويل التيلة وكأننا يوما بعد الآخر نفرط فيما كان يميز هذا البلد فى كل المجالات؟

- زراعة القطن قلت بالفعل جدا.. ولم يعد يُقدم الفلاح على زراعته، لأنه مكلف للغاية، ولأن الدولة رفعت دعمها عنه، ومن ناحية أخرى الحكومة لا تدفع للفلاح سعرا مجزياً يوازى ما أنفقه على المحصول.. فاكتشف الفلاح أنه محصول غير مجزٍ فابتعد عنه.

■ ولماذا رفعت الحكومة دعمها عن القطن ؟

- الحكومة مابتحبوش لأنه يحتاج إلى دعم كبير بالإضافة للإزعاج الذى يسببه عمال المحلة وكفر الدوار بالإضرابات والاحتجاجات.

■ يعنى عمال المحلة كرّهوا الحكومة فى القطن؟

- ضحك وهز رأسه بنعم.

■ أم ربما لنية الحكومة فى بيع هذه المصانع فقالوا لاحاجة لنا للقطن؟

- لا أعرف ولكننى أشك أنهم يستطيعون بيعها «دى بلد كاملة ٤٠ ألف عامل، معقول يبيعوا بلد كاملة!».

■ حتى عام ١٩٨٥ كان استزراع الأراضى يتم بقرار من الحكومة.. هذه المنطقة تزرع أرزاً وهذه قطناً وتلك قمحاً.. فلماذا ترك الأمر لمزاج الفلاح حتى اندثرت بعض المحاصيل؟

- هذا النظام كان معمولا به من قبل فعلا، ولكن فى مقابل أن تفرض الحكومة نوعا معينا من المحاصيل كانت تدعمه لتساعد الفلاح على زراعته، وكانت تشتريه منه بعد ذلك بسعر جيد، أما الآن كما قلت فتركت المسألة للفلاح ورفعت عنه الدعم، فطبيعى أن يختار المحاصيل المجزية اقتصاديا بغض النظر عن المحاصيل التى تعد أمنا قومياً، وهذا بالطبع يعد خطأ فى السياسة الاقتصادية الزراعية.

■ على الهامش.. ما رأيك فى الجمعية الوطنية للتغيير بقيادة الدكتور البرادعى؟

- البرادعى يعبر عن التغيير والناس تحب التغيير.

■ هل ستعطيه صوتك لو قرر الترشح فى الانتخابات الرئاسية؟

- يتوقف على من أمامه.

■ لوترشح أمام الرئيس مبارك؟

- سأعطى صوتى للرئيس مبارك.

■ أليس حكمه هذا هوالذى قلت عنه إن فيه أخطاء كثيرة فى السياسة الاقتصادية والزراعية؟

- «إنت عايزه إيه بالظبط»؟

■ تردد مؤخرا أنك مرشح لمنصب أمين عام جامعة الدول العربية إذا ما أصر السيد عمروموسى على عدم التجديد؟

- سمعت ذلك مثل الآخرين، وليس لدى معلومة، ولكن لوعرض على المنصب سأقبله.

------------
نشر في المصري اليوم بتاريخ 31-5-2010 و 1-6-2010
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=257096&IssueID=1787
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=257237&IssueID=1788

المتابعون