د. محمود شريف بسيوني

الضغط الشعبى أدى لتسرع التحقيقات.. وأغلب المحاكمات ستنتهى لصالح المتهمين (١-٣)
----------------------------------------------
أجرت الحوار رانيـا بـدوى ١٨/ ١٠/ ٢٠١١
---------------------------------------------

يجيب الدكتور محمود شريف بسيونى، عن جميع الأسئلة ببساطة شديدة، وابتسامة هادئة، لكن إجابة كل سؤال تفجر عشرات علامات الاستفهام، وتستحضر أسئلة أخرى.

ورغم شهرته العالمية ومكانته الدولية، فإن غالبية الشارع المصرى لا تعرف شريف بسيونى، أستاذ القانون الجنائى بجامعة ديبول بشيكاغو، ورئيس مجلس إدارة المعهد العالى للعلوم الجنائية بساريكوزا بإيطاليا، ورئيس الجمعية الدولية لقانون العقوبات، والمحكم الدولى.

وفى حواره مع «المصرى اليوم»، يؤكد «بسيونى» أن المؤسسة العسكرية لا تنتوى ترك السلطة التنفيذية التى هيمنت عليها لستة عقود، مشيراً إلى أن المجلس العسكرى يريد أن يضمن عدم وجود حركات ثورية تحشد ضده حال اتخاذه قراراً بترشيح أحد أبناء المؤسسة العسكرية للرئاسة.

ويكشف «بسيونى» عن مطالبته اللواء منصور عيسوى، وزير الداخلية، وعدداً من المسؤولين، بتشكيل لجنة للتحقيق فى جرائم أمن الدولة طوال الثلاثين عاما الماضية.. ورفضهم جميعاً لهذا المقترح.

وإلى نص الحوار..


■ بداية.. هل عرفت نفسك للمواطن المصرى منذ البداية، وحتى الوصول إلى هذه المكانة الدولية؟
- ولدت فى القاهرة، وكان والدى سفيراً فى السلك الدبلوماسى المصرى، وجدى محمود بسيونى، الذى يحمل أحد شوارع وسط البلد اسمه، كان رئيساً لأول مجلس للشيوخ، وشارك فى تحرير دستور ١٩٢٣، وكان قائداً لثورة ١٩١٩ فى منطقة الصعيد،

وحوكم أمام محكمة عسكرية، وحكم عليه بالإعدام لدوره فى هذه الثورة. كان جدى لا يتماشى مع الإنجليز، كما كان صعب المراس مع السرايا، وكان يتطلع مبكراً لنظام جمهورى، ورغم أنه لم يكن ملكياً لكنه أصبح رئيساً لمجلس الشيوخ حتى توفى سنة ١٩٤٨.


أما جدى من ناحية الأم، أحمد خطاب، فكان محامى القصر الملكى، ولما حدثت المواجهة بين الخديو وعرابى كان جدى يتحرك سراً لجمع التمويل والمساعدات لدعم عرابى، وشارك معه فى معركة التل الكبير. وأنا نشأت على هذه الروح الثورية الوطنية، ولأن والدى كان دائم السفر بسبب العمل الدبلوماسى ألحقت بالقسم الداخلى بمدرسة الجزويت،

كما وفقت فى الحصول على البكالوريا بالفرنسية، ومنحتنى الحكومة الفرنسية بعثة لدراسة الحقوق، فسافرت إلى فرنسا عام ١٩٥٥، وفور اندلاع حرب ٥٦، سارعت بالعودة وانخرطت فى صفوف الفدائيين ضمن الحرس الوطنى، وكنت ضمن خريجى أول فرقة التى سميت بعد ذلك الصاعقة.
وكنت ضمن وحدة الحرس الوطنى التى تمركزت فى الكيلو ١٢ خارج بورسعيد. كان قوام الفرقة ٧٠ فرداً استشهد منهم حوالى ٥٦ فى المواجهة مع العدو، وأصبت فى الحرب وحصلت على نوط الجدارة العسكرية، وأسند لى اللواء أحمد فؤاد تدريب الفرقة الجزائرية، التى جاءت للمشاركة فى الحرب لإجادتى الفرنسية،

وبعد انتهاء المعركة عدت إلى فرنسا لاستكمال الدراسة، لكن سرعان ما تم إلقاء القبض على لنشاطى وسط الطلاب الجزائريين.
فى هذه الأثناء كان والدى سفيراً فى الهند، واتصل بنهرو لحل المشكلة، وكانت علاقته به حسنة، واتصل نهرو بأمين عام الأمم المتحدة حينذاك، داج همرشولد، الذى اتصل بدوره بوزير خارجية فرنسا، فأفرج عنى بعد أربعة أيام، وطردت إلى سويسرا ثم عدت إلى مصر.


■ ولماذا اخترت العمل فى مجال حقوق الإنسان؟
- علمت عقب العودة إلى مصر عام ١٩٥٧ أننى مرشح للعمل فى رئاسة الجمهورية، ولكى يختبروا قدرتى على العمل فى الرئاسة أخضعونى لاختبار غريب وقاس، إذ عرضوا على صورة فوتوغرافية لأحد المعتقلين من جماعة الإخوان المسلمين، طوقت جمجمته بطوق حديد أدى إلى انفجار الجمجمة.
بعد هذه الواقعة بأيام دعيت لاجتماع برئاسة كمال الدين حسين، نائب رئيس الجمهورية آنذاك، الذى كان قائداً لمنطقة السويس وقت الحرب،

وحدثته- قبل بداية الاجتماع - عن الصورة التى عرضوها على، وقلت له إننى أعتقد أن الرئيس عبدالناصر لا يعرف بهذا ولا يوافق عليه، وفوجئت بتدخل الضابط أحمد أنور، وكان أحد ضباط الحرس، الذى قال لى بصوت غاضب «اخرس»، فانفجرت فيه، وقبض على ووضعت فى غرفة حتى يتقرر مصيرى.
وحددت إقامتى فى شقتى بجاردن سيتى، سمروا النوافذ وقطعوا التليفون والراديو، وعرفت مبكراً معنى تقييد الحرية؟ كان عمرى وقتها ٢١ عاما. مارسوا معى كل أنواع التهديد، أول أسبوع كنت أتجول فى الشقة، وفى الأسبوع الثالث بقيت فى السرير، ومكثت على هذه الحالة ٧ شهور، صادروا خلالها أملاكى وأملاك والدى ووالدتى.

وعندما أنهوا تحديد إقامتى كنت بلا عمل وبلا جواز سفر وخاضعاً للمراقبة، ورغم ذلك التحقت بكلية حقوق القاهرة وتخرجت فيها وعملت فى القطاع الخاص وبقيت فى مصر حتى عام ١٩٦٢، ثم لحقت بوالدتى، التى كانت سافرت إلى أمريكا للعلاج من السرطان، وبقيت إلى جوارها حتى توفيت.
وفى عام ١٩٧٧ عينت هناك ضمن لجنة خبراء لوضع مشروع اتفاقية دولية لمنع التعذيب، وكنت أحد نواب رئيس اللجنة وحررت نصوص الاتفاقية.


■ هل كانت تلك المحنة وراء اهتمامك بحقوق الإنسان؟
- نعم. إلى جانب تلك التجربة عرفت أيضاً الحرب مبكراً عام ٥٦ وكان سنى وقتها ١٩ سنة، وعايشت حروباً كثيرة بعد ذلك وأعرف الأحاسيس التى يشعر بها من قدر عليهم المرور بتجربة الحرب.
■ وهل ترى أن ثورة ٢٥ يناير كانت انتصاراً لحقوق الإنسان فى مصر؟
- ثورة يناير، حركة عفوية بلا قيادة، وتحرك سلمى ذكرنا بالحركة السلمية التى قادها غاندى فى الهند، وحركة حقوق الإنسان التى قادها مارتن لوثر كنج فى الولايات المتحدة الأمريكية، والحركة ضد العنصرية التى قادها نيلسون مانديلا فى جنوب أفريقيا. عظمة هذه الثورة تكمن فى كون المجتمع المدنى كله تواجد فى ميدان التحرير،

المرأة مع الرجل، العامل مع رئيس العمل، الشباب مع الشيوخ، المحجبة مع غير المحجبة، لكن حلت حالة من القلق السياسى والاقتصادى العام بعد حالة الارتياح التى عمت الشارع المصرى بعد رحيل مبارك.


■ ما سر حالة القلق هذه؟
- عدم وجود توازن قوى فى المشهد السياسى الحالى، الأمر الذى يعطل أحلام وأهداف القوى الثورية بعد إزاحة نظام مبارك، وهو ما يوحى بأن الثورة تم اختطافها.
هناك ثلاث قوى سياسية فى مصر، على رأسها المجلس العسكرى الأكثر قوة، لأن العسكرية المصرية تتمتع بالثقة الشعبية كما أشادت بذلك منظمات أمريكية ووصفت المجلس العسكرى بالوطنية وعدم الفساد. القوة الثانية هى الإسلاميون،

رغم تباين التيارات الإسلامية مثل «الإخوان، والسلفيين، والصوفيين» فى القدرات التنظيمية والخطاب الدينى الذى يلقى صدى لدى المجتمع المصرى المحافظ بطبعه. أما الفريق الثالث الذى يعد صاحب الفضل الرئيسى فى قيام الثورة، فهو تيار الجماعات الليبرالية واليسارية، الذى يعتمد بالأساس على فئة الشباب من الطبقة المتوسطة وفوق المتوسطة المتعلمة، لكنه يعانى من الانقسام والتشتت إلى عشرات الأحزاب والائتلافات.


■ وما أسباب اختلال توازن القوى فى المشهد السياسى.. وهل ساهم المجلس العسكرى فى الأمر؟
- الغموض فيما يتعلق بالعملية السياسية ثم التشتت والانقسام بين فريقى الليبراليين واليساريين من جهة والإسلاميين من جهة أخرى منذ إجراء الاستفتاء مروراً بقضية الانتخابات أولا أم الدستور أولا،

ثم الجدل حول المبادئ فوق الدستورية وغموض موقف المجلس العسكرى من هذه التطورات حول حالة الوحدة والتضامن التى كانت سائدة فى الأيام الأولى للثورة إلى حالة من التشكك وانعدام الثقة والتخوين المتبادل بين الفريقين،

بما أوحى للبعض بأن المجلس العسكرى كان الفائز الوحيد من هذه الحالة، وأنه اتبع سياسة فرق تسد لضمان أن أحداً من القوى السياسية الناشطة حالياً على الساحة لن يكون قادراً على تحدى سيطرته السياسية.


■ البعض يرى أن المجلس العسكرى فقد جزءاً من ثقة الشارع فيه جراء عدد من الممارسات.. هل تتفق مع هذا الرأى؟
- استمرار المحاكمات العسكرية، ورفض انتقاد المجلس إعلاميا، واستمرار الغموض بشأن المرحلة الانتقالية، والكثير من الخطوات التى اتخذها المجلس العسكرى، لاسيما اتهامه لحركة ٦ أبريل بإفساد العلاقة بين الجيش والشعب كلها أمور وترت العلاقة مع الشباب،

ورغم أن المجلس العسكرى التزم بإجراء انتخابات نزيهة وشفافة لكنه على الأرجح لن يترك السلطة التنفيذية التى هيمن عليها لستة عقود أن تنسل من يده أو يتم تغيير النظام القائم منذ ثورة يوليو ٥٢ وهو ما يزيد من إحباط الشباب، وفى تقديرى فإن المجلس العسكرى يعتبر نفسه الضامن الرئيسى للاستقرار فى مصر وفى الأغلب لا يملك الثقة فى قدرة العملية الديمقراطية على إفراز قيادة سياسية موثوق فيها وقادرة على حفظ النظام فى مصر،

ولهذا فهو حريص على ألا تقوى شوكة أى قوة سياسية على الساحة لتهديد هيمنته السياسية على الأوضاع، ولهذا يستهدف القوى الأكثر تهديداً أو اعتراضاً على استمرار هيمنته على الحكومة، وخصوصا أنه إذا انتوى ترشيح أحد أعضاء المؤسسة العسكرية للرئاسة، فيجب أن يضمن ألا تقف فى طريقه جماعات مثل ٦ أبريل.


■ كيف تقيّم طريقة إدارة البلاد فى المرحلة الانتقالية؟
- تقديرى أنه لا توجد جهة فى مصر عندها نظرة مستقبلية، فمصر حاليا «معصوبة العينين»، الكل غارق فى تكتيكات، ربما لقلة الخبرة السياسية أو لتحقيق أغراض معينة.
نحن بلد عدد سكانه وصل إلى ٨٤ مليون نسمة،

ومن المتوقع أن يرتفع الرقم إلى أكثر من ١٢٠ مليوناً فى الـ٢٠ عاماً المقبلة، ونصف السكان تحت سن الـ٣٠ وبينهم ٦٠% يعانون من البطالة- أى أنه لدينا أكثر من ٢٠ مليوناً على حافة الجوع- ومهددون بعد الثورة بالنزول إلى القاع.
أريد أن يقول لى أحد كيف يتم التفكير على الأقل فى الـ٦ أشهر المقبلة. لا أحد ينظر إلى الحالة الاقتصادية، رغم أن احتياطى العملة الصعبة هبط من ٣٩ ملياراً إلى ٢٧ ملياراً، وقيمة الجنيه فى هبوط والتضخم فى ارتفاع. ماذا نفعل؟

كلنا معترفون بأن هناك انفلاتاً أمنياً، إلى متى نستطيع الاحتمال وشبح نزول ٢ مليون يعيشون تحت خط الفقر إلى الشوارع ليكسروا ويدمروا يلوح فى الأفق. إلى متى ننتظر ثورة جياع. نحن نحتاج إلى حزمة مشاريع تعيد البنية الأساسية للبلد وتهيئه للانطلاق، ونحتاج لأن تكون لدينا خطة اقتصادية نوفر عبرها فرصاً لتشغيل ١٠ ملايين شخص.


■ وكيف ترى مستقبل حقوق الإنسان فى مصر بعد الثورة؟
- مصر لن تستطيع الوقوف على قدميها إلا إذا عرفت الاهتمام بكرامة المواطن. إسرائيل فقدت فى حرب ٧٣ إحدى غواصاتها قرب شواطئ الإسكندرية وظلت تبحث طوال ٣٠ سنة عن رفات ٣ من بحارة تلك الغواصة.

عندما تكون للفرد قيمة تكون للدولة أيضاً قيمة.


■ هل تعتقد أن حل جهاز أمن الدولة خطوة كافية من وجهة نظر حقوقية؟
- كلنا نعرف أن جهاز أمن الدولة طوال الـ٣٠ عاماً الماضية كان يمارس التعذيب، لذلك يجب أن يتم التحقيق وتقصى ذلك عبر لجنة تحقيق مصرية، مجرد محاكمة بعض المسؤولين لن يعطى صورة كاملة عما كان يحدث، يجب أن يجرى تحقيق شامل يتقصى ما جرى طوال السنوات الماضية.


■ هل تحدثت فى هذا مع اللواء منصور عيسوى، وزير الداخلية، عندما التقيته مؤخراً؟
- فاتحت الكثير من المسؤولين الذين التقيتهم فى الأمر، ولم أتلق رد فعل واضحاً. هناك ترابط وتشابك مصالح اعتمدت على وسائل الدولة وأجهزتها، فى المجلس التشريعى وفى الجهاز التنفيذى، وحتى القضاء كان يتم التلاعب به.

حالة التعذيب الوحيدة التى تم التحقيق فيها كانت عندما كان المستشار عبدالعزيز الجندى نائباً عاماً، حيث أحال ٣٥ ضابطاً للتحقيق لتورطهم فى قضايا تعذيب، ولم يحدث شىء ذو شأن بعد ذلك.


■ ما تقييمك للجنة تقصى الحقائق، التى شكلت بعد الثورة، للوقوف على ما حدث فى تلك الأيام؟
- اللجنة عملت لفترة قصيرة وكان هدفها مؤقتاً، ولا يمكن للجنة كهذه مع قصر مدة عملها وضعف الإمكانيات المتاحة لها أن تخرج بنتائج، أى أن دور اللجنة كان مجرد دور سياسى لا أكثر.


■ أنت الآن رئيس لجنة تقصى الحقائق حول ما حدث فى ليبيا والبحرين.. ألم يطلب منك تقصى الحقائق فى الأحداث التى واكبت ثورة ٢٥ يناير فى مصر؟
- لا.. إطلاقاً.


■ وما تقييمك للجدل السياسى الدائر فى المجتمع الآن حول الانتخابات والدوائر الانتخابية والدستور وغيرها؟
- علينا أن نتوقف عن الجدال، وخلق حوار حقيقى، ما تم حتى الآن مجرد حوار مصالح بين قوى سياسية تتطلع للوصول إلى الحكم، فمثلاً نتكلم عن لجنة لوضع الدستور كل الكلام حول كيفية اختيار أعضاء اللجنة، ولا أحد يتكلم عن صميم الموضوع، وهو نوع النظام، هل هو رئاسى، أم برلمانى. وهذا ينطبق على كل الموضوعات لا أحد يتحدث عن الموضوعات المهمة فى البلد.


■ هل أنت مع أم ضد المبادئ الحاكمة للدستور؟
- لا أعتقد أن هذه المبادئ التى يجرى الكلام عنها كافية وحدها، كما أن الخبرة المصرية فى الديمقراطية غير كافية، نحن نحتاج إلى ممارسة. فى معظم الدول الديمقراطية فى أمريكا وأوروبا الذى يجرى العملية الانتخابية موظف،

ونحن نحتاج إلى قاض وضابط، لأننا لا نضمن أن يجرى الموظف العملية بشكل سليم، وهذا معناه أننا بحاجة إلى وقت للوصول إلى الصيغة المناسبة وهذا يحتاج إلى وقت. أمريكا مثلا بعد ٢٥٠ سنة ديمقراطية «لسه ماعندهاش ديمقراطية»، ونحن نحتاج إلى فترة طويلة لنصل إلى ممارسة ديمقراطية سليمة.


■ كنت رئيساً للجنة صياغة الاتفاقية الدولية للمحكمة الجنائية.. ما كواليس نشأة هذه المحكمة؟
- كنت أستاذاً فى الجامعة، وكنت أعمل مع الأمم المتحدة فى مجال حقوق الإنسان، فى عام ١٩٩٢، وعيننى مجلس الأمن رئيساً للجنة تقصى الحقائق فى جرائم الحرب التى جرت فى يوغسلافيا السابقة،

ولمدة عامين قمت بجمع الأدلة التى دفعت مجلس الأمن إلى إنشاء المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بجرائم الحرب اليوغسلافية، وكنت أول من حقق عبر التاريخ فى جرائم الاغتصاب أثناء الحرب، وكشفت عن أكثر من ٤٢٠٠ حالة اغتصاب. جمعنا أدلة هائلة واكتشفنا ١٥١ مقبرة جماعية و٢٠٠ ألف قتيل وأثبتنا سياسة التطهير العرقى هناك.


■ وكيف تعاملت الدول الكبرى مع هذه التقارير؟
- لم تكن إنجلترا وفرنسا متحمستين للجنة تقصى الحقائق ولا للمحكمة الدولية، لأنهما كانتا تتفاوضان بشكل منفرد مع صربيا وكرواتيا على السلام،

ربما لأن الدولتين لا تريدان تعريض قواتهما فى قوات حفظ السلام هناك للخطر (٣٠ ألف جندى من إنجلترا وفرنسا) والضحايا كانوا من البوسنة والهرسك. والتقرير الذى كتبته بخصوص تلك الانتهاكات هناك كان أكبر تقرير فى تاريخ مجلس الأمن، ٣٥٠٠ صفحة ومرفق به ٧٢ ألف وثيقة و٣ آلاف صورة و٣٠٠ ساعة فيديو، وكان هو الأساس الذى قامت عليه المحكمة.
وعلى غرار النظام الأساسى لمحكمة يوغسلافيا كوّن مجلس الأمن محكمة خاصة لجرائم الحرب فى رواندا عام ٩٤، بعد ذلك اتجهت الجمعية العام للأمم المتحدة لإنشاء محكمة جنائية دولية، ورشحتنى مصر للجنة التحضيرية لإنشاء المحكمة،

وانتخبت رئيسا لهذه اللجنة، وتوقفت اللجنة بعد سنتين، وتكونت لجنة أخرى مثلت مصر فيها وانتخبت نائباً لرئاستها، وعندما انعقد المؤتمر الدبلوماسى لوضع النظام الأساسى انتخبت بالإجماع رئيساً للجنة الصياغة للاتفاقية الدولية للمحكمة.


■ لماذا لم تنضم مصر لهذه المحكمة؟
- كان هناك اعتراض من وزارة الداخلية خوفاً من كشف عمليات التعذيب، ومن جهة سيادية أخرى خوفاً من القيود التى كانت موجودة فى تعريف جرائم الحرب، وبعد الانتهاء من تحرير الاتفاقية تكونت لجنة فى مصر عام ٩٨ بعضوية مندوبين من الوزارات المختلفة، وكان للوزارات السيادية بعض الاعتراضات،

وحاولت إقناع الرئيس السابق مبارك، وبعض المسؤولين فى الوزارات المختلفة، لكن الأمريكان ضغطوا على مصر حتى لا تنضم للاتفاقية وقبل مبارك هذا الضغط، ثم ضغط الأمريكان لتوقيع اتفاقات ثنائية بعدم تسليم مجرمى الحرب للمحكمة الجنائية الدولية، ووقع حسنى مبارك على اتفاقية سرية بين مصر وأمريكا فى هذا الشأن.


■ هل يمكن تقديم الرئيس السابق مبارك للمحكمة الجنائية الدولية؟
- نعم، ولا. المحكمة الجنائية الدولية تعمل وفق اتفاقية فيها دول أطراف، ومصر ليست دولة طرف، ولكى تكون دولة طرفاً لابد من أن تنضم للاتفاقية. لكن ممكن لمصر أن تقدم مبارك للمحكمة الجنائية الدولية كدولة غير طرف بأن تنضم لفترة محددة،

فى هذه الحالة لابد أن تكون الجرائم المنسوبة للأشخاص جرائم داخلة فى اختصاص المحكمة، ومن ضمنها الجرائم ضد الإنسانية، ومنها جرائم التعذيب، شرط أن تكون الجرائم وقعت بدءاً من عام ٢٠٠٠ عام سريان الاتفاقية.


■ وكيف تتقدم مصر بطلب العضوية المؤقتة، وهل هذا ممكن أثناء المرحلة الانتقالية مع عدم وجود رئيس للجمهورية؟
- نعم ممكن، ولكن لابد أن يكون ذلك بطلب من الحكومة المصرية نفسها، وليس من المجلس العسكرى، فهو لا يمكنه ذلك، لأنه يفتقد للشرعية الدولية، هو يعمل بحكم الواقع السياسى فقط.
■ كيف تقرأ إجراءات محاكمة النظام السابق فى مصر؟
- فى رأيى كان هناك ضغط شعبى أدى إلى التسرع فى التحقيق،

ولم تأخذ التحقيقات زمنها الكافى للتحقق من الأدلة، لذلك سوف تنتهى أغلب هذه المحاكمات لصالح المتهمين، ويمكن أن تنتهى بالبراءة، أيضاً هذا الخلط فى المحاكمات بين جرائم الفساد والقتل خطأ.


■ هل ترى أن هذا الخلط كان مقصوداً؟
- احتمال وارد. ولكننا تعودنا فى مصر على البحث عن المؤامرة فى كل شىء، لذا نتشكك دائماً فى أى إجراء، والمواطن المصرى لا يطمئن إلى أى تدابير أو إجراءات لأنه تعود أن أجهزة الدولة كان يتم استخدامها لمصالح شخصية وضد المصلحة الوطنية.
والإجراءات غير السليمة والضغط الشعبى سيدفعان القضاة،

إما إلى تسييس الأحكام لإرضاء الرأى العام بالمخالفة للإجراءات القانونية، وهذا خطر كبير لأنه يهدد استقلال القضاء مستقبلا، ويمكن استخدامه مرة ثانية بنفس المنطق فى المستقبل، أو إصدار الحكم بالبراءة نتيجة التعجل فى التحقيق، وهو أيضا يهدد بخطر كبير ورفض من الرأى العام

---------

د. عبدالمنعم سعيد

رئيس مجلس إدارة «الأهرام» السابق يتحدث عن الفتنة والأخطاء الصحفية «الفادحة» د. عبدالمنعم سعيد : أخشى تحول مصر إلى إيران ثانية.. وفشلت فى قراءة مطالب التغيير

أجرت الحوار رانيا بدوى ١٥/ ١٠/ ٢٠١١

تصوير- حسام فضل
سعيد يتحدث إلى «المصرى اليوم»
«الأهرام» ناطحة سحاب صحفية، تمددت رأسيا فى الجغرافيا.. هكذا أراد لها الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، أبرز من ترأس مجلس إدارتها، لكنها كشقيقاتها القومية أدمنت حضن السلطة، فتعرج مسارها صعوداً وهبوطاً، وكانت أولى قلاع نظام الرئيس السابق حسنى مبارك، التى صوبت إليها السهام لموقفها من الثورة فى أيامها الأولى.

وكان للدكتور عبدالمنعم سعيد، رئيس مجلس إدارة الأهرام السابق، نصيب وافر من هذه السهام باعتباره من الرجال الثقات للنظام، ذهبنا إليه فى مكتبه فى الأهرام، ككاتب ومحلل، بعد أن غادر موقعه، وواجهناه بماضيه واستطلعنا رأيه حول المستقبل فى نظام طور التشكل، فكان هذا الحوار مع الكاتب والمحلل السياسى، الذى اعترف بأخطاء الأهرام قبل وبعد الثورة.

وأضاف «سعيد» أنه كان ينوى الخروج من الحزب الوطنى بصحبة الدكتور أسامة الغزالى حرب والدكتور حسام بدراوى، إلا أنه خرج وحده، وتابع أن النظام السابق أوقف ترعة السلام عن عمد، بدعوى أن أى توطين سكانى فى سيناء سيعوق الدفاع عن البلد حال قيام حرب مع إسرائيل، وشدد فى حواره مع «المصرى اليوم»، على أن أى ضرر بالأقلية المسيحية المصرية مسؤولية الأغلبية.. وإلى نص الحوار:

■ كيف ترى كمحلل سياسى المستقبل بعد الثورة؟

- أنا متفائل على المدى الطويل ومتخوف على المديين القصير والمتوسط، التيار الدينى مسيطر على الشارع ومنظم وممول جيد، وفق استطلاع للرأى أجراه مؤخراً مركز الدراسات بالأهرام، وهناك اتجاه يميل ناحية الدولة القائمة على الاستقرار، واتجاه آخر يمثله ٣٢% نادى بالإخوان، ولو بقية التيارات الدينية حصلت على ١٥% فهذا يعنى أنهم معاً سيشكلون أغلبية مجلس الشعب الجديد والحكومة، وهذا سبب التوجس والخوف من المستقبل القريب.

المستقبل البعيد مختلف، الظاهرة التى صاحبت الثورة فى أيامها الأولى هى الجيل الجديد الذى لا يستطيع أحد العودة به إلى الوراء، والذى أثر على جيل من الإخوان.. ربما بعد السنوات المقبلة سيشكلان معا الكتلة الحرجة.

وقبل الثورة كان الثلث رافضا للحكومة والثلث مع الحزب الوطنى والثلث الأخير متأرجحاً يبحث عن الرفاهية الشخصية والاستقرار، وكان ملاصقا للحزب، لكن بعد ما حدث فى الانتخابات الأخيرة، حدث تحول فى هذه الكتلة وقامت الثورة، وأنا أرى أن الأمل فى هذه الكتلة، لكن يظل الهاجس أن يشكل الإخوان والتيارات الدينية الأخرى الأغلبية ويكتبوا الدستور، وقتها ستكون هذه آخر انتخابات تعددية وسيظهر مجلس صيانة النظام كما فى إيران.

■ كيف ترى أحداث ماسبيرو؟

- كان الظن أن نظام «مبارك» سقط مع ما جرى لكنيسة القديسين فى الإسكندرية، بعد فشله فى حماية المسيحيين من أبناء الوطن، وساد الظن أن كل ذلك راح مع أول وهج للثورة وإقامة القداس مع صلاة الجمعة فى ميدان التحرير، لكن سرعان ما تبين أن التعصب لم يتغير كثيرا، وكان كاسحا إلى الدرجة التى تكونت فيها جماعة ماسبيرو، لأنه لم يكن هناك ما يكفى من المسلمين للدفاع عن حقوق المسيحيين، وجرى ما جرى فى أطفيح، وكنائس أخرى بامتداد الوطن طولا وعرضا، وبعد قطع أذن مواطن وصل الأمر إلى القتل الصريح فى فتن طائفية اختلط فيها الدين بالسياسة.
وبدأ العام مع الهجوم الإرهابى على كنيسة القديسين بالإسكندرية، الآن وقد مرت ١٠ أشهر على هذا الحادث كم كنيسة تعرضت للهجوم أو أحرقت؟! بل كم عدد الحوادث التى على نفس الشاكلة منذ أحداث الزاوية الحمراء عام ١٩٧١ منذ عهد السادات حتى عهد مبارك بل ومنذ عهد عبدالناصر، حيث تم تخصيص حصة من الوزراء والمجلس التشريعى للمسيحيين؟!. المسؤولية عن الأضرار ضد الأقليات فى أى بلد تقع على عاتق الأغلبية، وطبيعة النظام السياسى، فإذا لم تكن لدينا دولة مدنية وديمقراطية على أساس المواطنة الحقيقية، وإذا لم تتحمل الأغلبية المسلمة هذه المسؤولية باعتبارها السبيل الوحيد لخلاص الأمة المصرية، وقتها سننتظر المذبحة الثانية، وهذا يعد أولوية قصوى بالنسبة للبلد، فالتعصب موجود فى كل دول العالم، لكن المهم هو حالة الصمت التى نشهدها حاليا والتى تدمى قلب الوطن.

■ لنتحدث عن الانتخابات التى باتت على الأبواب.. ما توقعاتك لها خاصة أنك قلت إن الصورة الحقيقية للشعب المصرى ستظهر يوم الانتخابات؟

- الصور الاستثنائية للشعوب تظهر دائما فى أوقات الثورة أو الحرب، وهى التى تظهر فيها معادن الشعوب ساعة تسخينها إلى درجات عالية، لكن ليس كل الشعوب يمكن التعامل معها دائما على أنها معادن، ولذلك فإن الأحوال العادية والروتينية هى التى تظهر فيها الصورة الحقيقية وليس المعدن الحقيقى للشعب، فإذا كان قائما على العصبيات والعائلات والشلل والتربيطات المالية والاقتصادية فإن محاولة إخفاء ذلك هى نوع من التعمية على الحقائق التى لا يمكن معالجتها إلا من خلال عمليات إصلاحية طويلة الزمن، ولا شك أن كثيرا من الثوار أصابتهم الدهشة عندما فاز عمداء جامعات وكليات جامعية ومعاهد عليا بذات المناصب التى كانوا عليها فى انتخابات نزيهة وبعد ثورات كبرى حاصرتهم فى مقارهم عبر أسابيع وشهور. وجاءت الدهشة لأن الأوقات الآن أبرد حالا، ولأن علاقات الولاء وربما أيضا رفض الإملاء من قوى سياسية بعينها فرضت نفسها، أو لأن من كانوا فى المناصب لم يكونوا بهذا السوء الذى جرى تصويره، أو أن بدائلهم كانت أكثر سوءا أو ليست أفضل حالا مما كانوا عليه، وأيا كانت الأسباب فإن الصورة الحقيقية كانت هى التى ظهرت فى النهاية.

■ رفضت فى أحد مقالاتك الإشراف القضائى على الانتخابات وأيدت فى المقابل الرقابة الدولية.. لماذا؟

- ما يحدث عندنا أمر مضحك، فمعنى أن يشرف القضاء على الانتخابات، أى مراقبته للسجلات ومتابعة الداخل والخارج وهذه كلها مهام تنفيذية، وحرمان للقضاء من مهمته الرئيسية وهى نظر الطعون والحكم على سلامة العملية الانتخابية، ما أدى لتسييس القضاء، فالمستشاران الخضيرى ونهى الزينى هل هما قاضيان أم سياسيان؟! كثير من القضاة انتقلوا إلى ساحة السياسة والإعلام والمظاهرات، ولا يوجد فى العالم تدخل للقضاء فى الحد الأدنى والأعلى للأجور، أو فى عمل اتفاق غاز مع إسرائيل. هناك واحد شغلته يدير البلد وواحد يشرّع القوانين التى يدار بها البلد وواحد شغلته أن يحكم بسلامة هذه القوانين فى علاقتها بالدستور وأن يحكم بسلامة تطبيق القوانين.

■ ماذا عن الانتخابات الأخيرة قبل سقوط النظام.. ألم يكن ما حدث فيها إحدى نتائج عدم وجود إشراف قضائى؟

- الفوز الذى تم فى الانتخابات الأخيرة كان وقحا، والأحزاب كلها لم تحاسب على أدائها فى تلك الانتخابات، والإخوان مثلاً رموا بأموال كثيرة فى الساحة الانتخابية، وأتوا بأناس من الخليج ودفعوهم لخوض الانتخابات، وحزب الوفد دفع بوجوه لم تمارس السياسة من قبل.

أخطاء كبيرة ارتكبت من قوى المعارضة، وأنا طالبت برقابة دولية ولم يلتفت لكلامى، نحن لسنا أفضل من الهند أو باكستان أو كوريا، وشاركنا عبر الأمم المتحدة فى رقابة الانتخابات فى دول كثيرة، وبالمناسبة الطعون فى الانتخابات التى أشرف عليها القضاء لا تقل عن الطعون التى لم يشرف عليها، الانتخابات تُزوّر منذ عام ١٩٥٢.

■ فى مقابلة مع برنامج «العاشرة مساءً» قلت إننا أخذنا اللسعة الثورية من ٥٢ وفقدنا جزءا من فلسطين.. كمحلل كيف لم تتنبأ بما هو قادم رغم كل المعطيات المتوافرة؟

- كان لـ«منى الشاذلى» سؤالان، أحدهما كانت إجابتى عنه كما ذكرت وسؤال آخر جاء لاحقاً هو: هل تقطع بأن ما حدث فى تونس لن يحدث فى مصر؟، وكانت إجابتى أننى لا أستطيع أن أقطع بذلك لأن هناك ظواهر من بينها نمو الطبقة الوسطى والإعلام وعدم استيعاب النظام السياسى لكل هذه المتغيرات، كما كتبت مقالا فى الأهرام تحت عنوان (لماذا فشلنا مرة ثالثة؟) قلت فيه إننى كنت أعرف حجم التغيير الحادث فى مصر لكن لم أقدر حجم آثاره السياسية، شباب ما بين ١٨ و٣٠ سنة يمثلون ربع السكان، اتساع حجم الطبقة الوسطى، تصاعد الاحتجاجات، وأعترف بأننى فشلت فى قراءة حجم هذا التغيير وحجم الطلب على التغيير فى مصر، وكنت أخشى من أن كل تغيير ثورى كبير يمكن أن يأخذ البلد إلى الخلف، وكانت تجربتا روسيا وإيران ماثلتين أمام نظرى، ولم أقدر بشكل كامل الجمود الداخلى، وأن الكبار فى السلطة مكبلون البلد بما يمنعه من الانطلاق.

■ إذا لم تتنبأ بالثورة وفى الوقت نفسه شعرت بالفساد واختناق الشرايين.. ماذا كنت تتوقع فى نهاية المطاف؟

- كان تصورى أن إمكانية حدوث ثورة واردة فى نهاية العقد مع اتساع الطبقة الوسطى والطبقة الصناعية، عندها ستكون إمكانية قيام ديمقراطية حقيقية ممكنة، لكن حدوث الثورة فى الظروف الحالية إحدى النتائج المحتملة لها أننا سنسلمها لحزب النور السلفى أو الإخوان، كان تقديرى أن البلد الذى يسعى إلى ديمقراطية حقيقية لابد أن يكون متقدماً عن الحالة الراهنة فى مصر.

■ إذن أنت ترى أن الثورة حدثت فى غير موعدها.

- لا يستطيع أحد أن يحدد متى تقوم الثورات، هى تقوم وقت أن تستفحل التناقضات. رئيس الجمهورية فى السنوات الأخيرة كان خارج السلطة فعليا ما خلق فراغا سياسيا جعل السلطة عاجزة عن استيعاب القوى الجديدة فى المجتمع المصرى، والتى أصبحت أكثر دراية بفكرة التغيير عن حتى القوى التقليدية المعارضة للنظام، لكن أين هى المعارضة الحقيقية التى صنعت الثورة الآن؟.. عندما خرجوا فى ٨ يوليو كانوا ٢٠٠ ألف، وفى جمعة ٢٩ يوليو كانت مليونية رفعت فيها أعلام القاعدة السوداء، وهناك فيلسوف ألمانى شهير يرى أن جوهر السياسة هو التغيير، لكن من المهم أن يكون التغيير نحو الأفضل وإلا فلا يجب أن يحدث أصلاً، هذه هى الإشكالية التى كنت أخشاها ولا أزال.

■ هناك من يرى أنك من أبرز الخاسرين من ثورة ٢٥ يناير.. هل تشعر بأنك ظلمت بوضعك ضمن المحسوبين على النظام؟

- دائما هناك خلطة من المكسب والخسارة فى أى موقف فى الحياة، والثورة حملت لى هذه الخلطة، فأكبر خسارة شخصية لى تكمن فى عدم قدرتى على تتويج حياتى العملية بتطوير الأهرام، من خلال مشروع طموح كنت وضعت قواعده ونفذت جانبا منه خلال الـ١٨ شهرا، التى ترأست فيها المؤسسة، وكان المشروع يهدف لنقل الأهرام من مؤسسة صحفية تقليدية إلى مؤسسة إعلامية شاملة تضم الصحيفة الورقية والرقمية والسمعية والفيديو. هذا المشروع كان ضروريا، خاصة فى ظل أزمة الصحافة القومية والمؤسسات الصحفية التى ألمت بها الأزمات الطاحنة، وكانت على وشك الإفلاس.

نعم أحس بالخسارة لعدم استكمال مشروع التطوير، وأتمنى أن يأتى أحد لاستكماله رغم تعقد الظروف، لظهور مشكلات من نوعية تعيين المؤقتين وأصحاب العقود، حيث ارتفع عددهم إلى ١٢ ألفاً، رغم أننا لا نحتاج سوى ثلث هذا العدد.

■ كباحث وكاتب كبير كيف قبلت أن تكون جزءاً من النظام السابق.. خاصة خلال الـ ١٨ يوماً الأولى من أيام الثورة حين سمحت بالتغطيات المنحازة فى الأهرام؟

- الأهرام كمؤسسة كبيرة أكبر من الأهرام كجريدة يومية، وأنا شخصياً وربما أكون مخطئاً وضعت لنفسى مهمة محددة وهى حماية الأهرام كصحفيين من الانقسام، فقد كان هناك داخل الأهرام من هم مع الثورة بشدة مقابل من كانوا مع النظام، وكثير من صحفيى الأهرام كانوا أعضاء فى الحزب الحاكم وعلى علاقة مع وزراء، وكانت هناك كتلة فى التحرير لا تقل عن ٢٠٠ من أصل ١٠٠٠ صحفى فى الأهرام وحدها، كذلك كانت أولى أولوياتى حماية الأهرام كمؤسسة من التخريب بعد تعرضها لهجمات من قبل الثوار والبلطجية، خصوصا بعد مقتل موظف فى التوزيع، إضافة إلى مسؤوليتى عن المطابع والمنشآت التى تقدر بالمليارات.

■ هل لديك الجرأة الآن على الاعتراف بأخطاء الأهرام التى ارتكبت خلال الثورة؟

- للأمانة كان هناك خطآن فادحان أولهما يوم الأربعاء فى ذروة الثورة بوضع المانشيت الرئيسى عن لبنان مقابل نصف مانشيت عما يحدث فى مصر، والثانى العنوان الذى نشر بعد الخطاب الثانى لرئيس الجمهورية السابق، رغم أننى قلت لـ«أسامة سرايا»، ألا ينشر شيئا يوحى بأن الأزمة انتهت لأن هذا ليس صحيحا لكنه لم يلتزم.

■ هل كنت تراجع البروفات النهائية لـ«الأهرام» قبل الطبع؟

- لا.. لم يكن هناك تقليد فى الأهرام يقضى بالتدخل فى مسؤولية رئيس التحرير من قبل رئيس مجلس الإدارة، لكنى اضطررت للتدخل يوم السبت قبل التنحى وعقدت اجتماعا لكل قيادات التحرير فى الأهرام وعبرت عن عدم رضائى عن تغطية الجريدة للأحداث وأعلنت نيتى عمل ملحق عن الثورة وسألت: «مين أكثر ثورية فى الأهرام لعمل الملحق؟» فرد «سرايا»: «يشتغلوا على الانتفاضة»، فقلت له «لا.. اسمها الثورة» ومن حق رئيس مجلس الإدارة أن يحدد السياسة التحريرية للملحق ويوكل مهمة تحريره لمن هم على علاقة بالثوار وأن يكون الملحق منفصلا عن الأهرام.

■ هل من صلاحياتك كرئيس مجلس الإدارة توقيع جزاءات على رئيس التحرير إذا رفض تنفيذ تعليماتك؟

- لا، هو معين مثلى من مجلس الشورى، لكن عندى وسائل أخرى كأن أوقف الطبع أو أقلل كمية المطبوع أو أمنع المكافآت، لى الجانب المالى والجانب التوجيهى العام، وكان من الممكن أن أشكوه للسلطة العليا، لكن البلد كله كان فى وضع لا يسمح بذلك، وأنا هددت بأنى سأصدر الملحق كجريدة منفصلة إذا لم يخرج مع الجريدة، وفى النهاية نجح الزميل محمد البرغوثى، فى تحرير الملحق قبل التنحى بـ٥ أيام، وكان الملحق محاولة منى لإصلاح أخطاء التحرير فى الأهرام.

كانت لدى فكرة أن أجعل الأهرام صحيفتين بعد الثورة، فالأهرام له قارئ معين محافظ ومستقر حياتياً بينما أخبار الثورة بالنسبة له ليست دائماً أخباراً سعيدة، فى المقابل لدينا الجيل الجديد الذى استهدفناه عندما فكرنا فى تطوير الأهرام، كنت أريد أن أدخل عنصرا تقدميا على الأهرام المحافظ، وفى الوقت نفسه أطعم الأهرام بعناصر شابة لعمل تناغم بين جميع الرؤى والأجيال، للأسف هذا التوجه لم ينفذ لأننا بعد الثورة دخلنا فى المطالب الفئوية والخلافات داخل مجلس التحرير بين الثوار وغير الثوار، ما استهلكنا حتى نهاية مارس، وقت خروجى من موقعى.

■ فى الفترة من ١١ فبراير إلى ٣٠ مارس وكنت لا تزال فى موقعك حدث تحول فى الأهرام ١٨٠ درجة متمثل فى الهجوم الشديد على النظام السابق.

- أنا كنت ضد هذا التحول المفاجئ، ومنذ أول يوم وحتى تركى لموقعى كنت أطالب بالمهنية للحماية من التقلبات التى من هذا النوع، كما كنت قبل الثورة ضد منع المعارضين للنظام من الكتابة أو إجراء الحوارات معهم، وقلت للجميع إننى أتحمل المسؤولية السياسية عن ذلك، ولو راجعت الأهرام فى فترات سابقة لوجدت هناك بعض الأقلام التى هاجمت بعض رموز النظام السابق، مثل نصر القفاص.

■ ألم تفكر لحظة فى ترك الحزب الوطنى خاصة أنك قلت إنه لم تكن هناك استجابة للإصلاح السياسى؟

- كانت فكرة الخروج متداولة بين بعضنا بسبب اليأس من الإصلاح، وكنا فى حدود ٣٠ إلى ٤٠ شخصا لهم نفس الرأى وكنا عاجزين عن خلق تيار ليبرالى فى الحزب الوطنى، فالحزب كان فيه إخوان وناصريون وماركسيون لكن الكتلة الصلبة فيه كانت استمراراً للاتحاد الاشتراكى، وأنا وأسامة الغزالى حرب وحسام بدراوى اتفقنا مثلا على أن نخرج معاً لكننا فوجئنا بخروج أسامة دون أن يخبرنا، حيث خرج بتفكير متكامل لتأسيس حزب معارض هو حزب الجبهة، وعندما عاتبت أسامة على عدم إخبارى قبل خروجه، ذكر أنه لم يكن يرغب فى إحراجى، وخرج أسامة وشكل حزب الجبهة وأصبنا بخيبة أمل بسبب الخلافات التى أصابته، خلافات مع يحيى الجمل ثم مع الدكتور السلمى فتراجعنا عن الفكرة.

■ ماذا عن التوترات الأخيرة مع إسرائيل.. وأنت كنت من الذين يدعون للحوار معها ومتهم بأنك من أنصار التطبيع؟

- لا يوجد شىء اسمه الحوار مع إسرائيل، الدول تتعامل على أساس المصالح، وأنا مازلت أرى أن بيننا وبين إسرائيل تناقضات كثيرة، وأنها مازالت تمثل تهديداً للأمن القومى المصرى، وعلينا أن نمنعها من احتلال سيناء للمرة الثالثة.. لكننا للأسف نغفل جزءًا من القصة وهو أنه كان هناك خلاف استراتيجى مصرى داخل النظام السابق حول سيناء، فقد كان هناك اتجاه يدعو لتعمير سيناء كوسيلة للدفاع عنها، وكان هناك أكثر من مشروع فى هذا الاتجاه، منها جعل قناة السويس خطاً للتنمية تمتد إلى كل سيناء بحيث يكون ما فيها من تنمية يوازى ما فى إسرائيل والأردن وفلسطين المحتلة مجتمعة.

وفى المقابل كانت هناك مدرسة داخل النظام السابق تعتبر أن تعمير سيناء سيؤدى إلى عقبات سكانية أمام تحرك القوات إذا ما نشبت حرب بيننا وبين إسرائيل، لأنى سأصبح مشغولاً بالدفاع عن السكان، وكان هذا خلافاً مسكوتاً عنه، أدى إلى إمساك العصا من المنتصف بأن يكون الاتجاه إلى تعمير جنوب سيناء وليس شمال سيناء، حتى عندما كان اتجاه تعمير سيناء هو الغالب تم وقف ترعة السلام عن عمد.

وهناك مشكلة أخرى هى أنه خلال السنوات العشر الأخيرة تراكم العداء بين الأمن وأهل سيناء وكذلك بين الشعب المصرى وأهل سيناء، لأنهم يتعاملون معهم على أنهم بدو وليسوا جزءاً من الشعب. مصر لديها ميزانية ٢٠٠ مليون مليار توزع أولاً على القاهرة، باعتبارها مقر الحكم ثم على الوجه البحرى الذى يضم الكتلة السكانية الرئيسية ثم الصعيد، فلا يتبقى شىء لسيناء، نتيجة لذلك حدث العداء والمشاكل ثم جاءت العلاقة مع حماس وظهور الحركات الإرهابية وموضوع الأنفاق. والحقيقة الثالثة التى لا يتحدث عنها أحد هى أن هناك اختلالاً أمنياً على الحدود المصرية.

وما حدث فى العريش وضرب محطات الغاز والحوادث المتكررة التى قتل فيها مصريون وإسرائيليون، يجعلنى أؤيد فكرة إعادة التفاوض حول البروتوكول الأمنى لاتفاقية السلام لإدخال قوات كافية تمنع هذا الخلل، ليس للحرب مع إسرائيل، لكن لحماية أهل سيناء.


---------------
نشر في المصري اليوم بتاريخ 15-10-2011
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=313996

السفير نبيل فهمي

سفير مصر السابق فى واشنطن يكشف لـ«المصري اليوم» كواليس علاقات القاهرة وأمريكا (١-٢) نبيل فهمى: رفضت منصب وزير الخارجية فى عهد «مبارك» لأنه كان المطلوب «وزير» يدير انكماش دور مصر الخارجى
--------------------------------------
أجرت الحوار رانيـا بـدوى ٢٠/ ٩/ ٢٠١١
-------------------------------------

كشف السفير نبيل فهمى، سفير مصر السابق فى واشنطن، فى حواره مع «المصرى اليوم»، عن رفضه منصب وزير الخارجية، فى عهد الرئيس السابق محمد حسنى مبارك، مبرراً رفضه بأن الدور المصرى كان فى حالة انكماش. كما كشف أيضاً عن إبلاغه القيادة السياسية بنية أمريكا غزو العراق قبل إقدامها على هذه الخطوة بتسعة أشهر، فكان رد الفعل أن أرسلوا أسامة الباز وبصحبته جمال مبارك وماجد عبدالفتاح لإقناع أمريكا بالتراجع.

ويروى «فهمى» تاريخ وتفاصيل اتصال جماعة الإخوان المسلمين بالإدارة الأمريكية.. وإلى نص الحوار:

■ تم ترشيحك أكثر من مرة لمنصب وزير الخارجية بعد الثورة ومع ذلك تم استبعادك.. ما تعليقك؟

- السياسات أهم من الأشخاص، ووزير الخارجية الحالى، محمد كامل عمرو، صديقى وأتمنى له التوفيق. وسأقدم له كل العون.

■ يقال إن توجهاتك السياسية سبب استبعادك.. هل هذا صحيح؟

- أعبر دائما عن آرائى فى الاجتماعات والمحافل العامة بصراحة كاملة، وهو ما جعل البعض يرشحنى «رسميا، وإعلاميا»، لمناصب وزارية وإقليمية مختلفة قبل وبعد الثورة، وهذا تقدير أعتز به، إلا أننى غير مهتم بتولى مناصب رسمية وأفضل الاحتفاظ بمساحة تسمح لى بالتفكير والحركة، حتى تكون إسهاماتى متجددة ومبنية على تصورات متكاملة وتفكير عميق.

■ أليس حلم أى دبلوماسى الوصول إلى منصب وزير الخارجية؟

- قد يبدو ذلك للبعض، وإنما ما يهمنى هو المساهمة فى بلورة السياسات العامة الصحيحة، وعلى كل منا اختيار الأسلوب الذى يفضل المساهمة به، ولذلك اعتذرت قبل وبعد الثورة عن عدم تولى مناصب وزارية وإقليمية مختلفة.

■ أفهم من ذلك أنه عرض عليك منصب وزير الخارجية قبل الثورة؟

- نعم.. ورفضت.

■ لماذا؟

- سبب رفضى قبل الثورة كان شعورى بأننا مضينا فى طريق الانكماش الخارجى، وأن المهمة المطلوبة هى إدارة هذا الانكماش على المستوى الإقليمى والدولى مع تحسين الصورة بقدر الإمكان، وهو ما يتعارض مع توجهاتى الشخصية، وما أراه فى مصلحة مصر.

■ إذن لماذا بقيت فى منصبك سفيرا؟

- خدمت فى وزارة الخارجية المصرية كدبلوماسى ما يقرب من ٣٥ عاماً، نصفها على الأقل فى مناصب بالغة الحساسية، وكانت هناك اختلافات واتفاقات كثيرة، وسعيت دائماً إلى تسجيل موقفى بصراحة، وعندما شعرت بأن نسبة الاختلافات ارتفعت بدأت الابتعاد تدريجياً، وهو ما جعلنى أرفض تكليفاً من الرئيس السابق بأن أتولى منصب وزير الخارجية بعد أحمد ماهر، ثم تركت العمل بوزارة الخارجية، بعد عودتى من واشنطن حتى قبل بلوغى سن المعاش.

■ هل كنت تعرب عن رفضك للتوجيهات المتعارضة مع قناعتك أثناء عملك سفيرا لمصر فى واشنطن؟

- طبعا. لقد علمنى الوالد تحمل المسؤولية وصيانة الأمانة، وأكد لى مراراً أن أهم سلاح للدبلوماسى، والمشتغل بالعمل العام هو المصداقية، لذا عليه عرض الموقف بأمانة وإبداء الرأى بوضوح، فالمصلحة المصرية لها أولوية بصرف النظر عن أهواء المسؤولين أو إرضاء الأجانب، وأنا التزمت بذلك طوال عملى الدبلوماسى وما بعده.

■ هل رصدت تواطؤاً مصريا، أثناء حكم مبارك، مع أمريكا وإسرائيل ضد القضية الفلسطينية؟

- فى السنوات الأخيرة من النظام السابق انحصر الدور المصرى فى الدعوة إلى اجتماعات غير جدية حول عملية السلام غير الحقيقية، أو فى إطار تصعيد المواجهة مع إيران دون داع.

وكانت هناك أخطاء سياسية استفادت منها إسرائيل، وإن كنت لا أميل إلى استخدام كلمة تواطؤ لأننى لم أشهد مباشرة شيئاً محدداً يعكس نية مبيتة. ومن ضمن الأخطاء عدم اتخاذ موقف قوى تجاه التعنت الإسرائيلى، فمثلاً علمت قبل زيارة الرئيس السابق إلى الولايات المتحدة فى أبريل عام ٢٠٠٤ بأيام قليلة أن الرئيس بوش ينوى تسليم رئيس الوزراء الإسرائيلى شارون خطابات ضمان تؤكد تأييد الولايات المتحدة لاحتفاظ إسرائيل بالتجمعات الاستيطانية الكبرى وبتأييد الولايات المتحدة عدم عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى إسرائيل، فحاولت الاتصال بالرئيس مبارك لأطالبه بإلغاء الزيارة، ثم بلغت هذا الطلب لرئيس الديوان زكريا عزمى، نظراً لوجود الرئيس السابق خارج المقر بالقاهرة، إلا أن الرد جاءنى فى اليوم التالى بأنه لا يمكن الاعتذار عن دعوة لزيارة الرئيس فى مزرعته الخاصة.

■ وماذا كان تخوفك الأساسى من الزيارة؟

- هذه الضمانات كان من شأنها أن تجهض أى عملية تفاوض سلمية فى المستقبل يحكمها مبدأ الأرض مقابل السلام، كما أنها تنحاز لطرف على حساب الطرف الآخر، بالإضافة إلى أنه لم يكن مناسبا أن يأتى رئيس مصر للولايات المتحدة وتعطى هذه الضمانات الخطيرة أثناء الزيارة أو بعدها بقليل، لأن ذلك سيضعنا فى موقف بالغ الحرج مع الأطراف العربية ويسمح للبعض بتصوير الأمر على أننا وافقنا على تلك الضمانات، وبالفعل حدث ما كنت أخشاه.

■ ما شهادتك على غزو الولايات المتحدة الأمريكية للعراق؟

- كانت إدارة الرئيس بوش عاقدة عزمها على غزو العراق منذ توليها السلطة، وقيل حين ذاك إن الرئيس بوش الابن كان يريد استكمال ما لم يستكمله أبوه بعد تحرير الكويت، وإن المحافظين الجدد، وعلى رأسهم تشينى ونائب وزير الدفاع، يعملون على تغيير شكل العالم العربى وإضعافه. وأحداث١١ سبتمبر وفرت الفرصة والمبرر ليس أكثر.

وأبلغت المسؤولين بالقاهرة فى يونيو ٢٠٠١، أى قبل الحدث بثلاثة أشهر، بأن الولايات المتحدة عازمة على غزو العراق مع بداية ربيع العام التالى، وكان كلامى محل اهتمام واتصالات متبادلة، ورغم أنهم قالوا لى «إننى أبالغ وأضخم فى تصوير الأمور وإنه لا داعى للتوتر»، إلا أن الرئيس السابق كلف السفير أسامة الباز بصحبة جمال مبارك وماجد عبدالفتاح، سكرتير الرئيس للمعلومات، بالحضور إلى واشنطن لمقابلة المسؤولين أوائل عام ٢٠٠٢ لتحذيرهم من مخاطر غزو العراق.

■ وكيف علمت بقرار خطير كهذا قبلها بكل هذه المدة؟

- لم يبلغنى أحد بالقرار، وإنما استنتجت عزمه على غزو العراق بناء على عدة مؤشرات أبرزها أن عدد القوات الأمريكية فى الخليج كان سيصل إلى ١١٠ آلاف جندى فى نهاية سبتمبر، وهو رقم ضخم ومكلف، أما بالنسبة للتوقيت فلا يمكن أن تحارب الولايات المتحدة صيفاً، نظرا لارتفاع درجات الحرارة، وكان من المنطقى أن تشن الحرب على العراق ما بين يناير ومارس.

■ أثناء فترة وجودك فى واشنطن هل كانت تدور أى أحاديث حول توريث جمال مبارك الحكم بعد والده بدعم أمريكى؟

- تركت منصبى فى سفارة مصر بأمريكا فى سبتمبر ٢٠٠٨، وحتى ذلك التاريخ لم يفاتحنى أى مسؤول أمريكى أو مصرى فى مسألة التوريث إطلاقاً، وإنما مراكز البحث ووسائل الإعلام، وبطبيعة الحال بعض المؤسسات الأمريكية الرسمية كانت تقوم بتحليل الموقف والسيناريوهات.

وبعد صدور أغنية شعبان عبدالرحيم دارت تساؤلات حول احتمالات نجاح وزير الخارجية السابق عمرو موسى فى تولى الرئاسة فى ضوء شعبيته بين عامة الشعب، ثم دارت تساؤلات آخرى حول مدير المخابرات العامة عمر سليمان، حين ذاك عندما تردد أنه سيصبح نائباً للرئيس، ومع تصاعد الدور السياسى لجمال مبارك داخليا طرحت تساؤلات حول سيناريو انتخابه، وإذا كان هذا مقبولاً شعبياً، ومدى قدرته على ضمان السيطرة الأمنية، خاصة أن الاهتمام الأمريكى الرئيسى كان باستقرار الأوضاع فى مصر حفاظاً على مصالحها ومصالح حلفائها، ويجب أن نلاحظ أنه بعد تولى الخمينى السلطة فى إيران وإطاحته بالشاه، عقد الجانب الأمريكى العزم على تجنب المفاجآت.

■ ما سبب زيارات جمال مبارك المتكررة لواشنطن؟

- زيارات جمال مبارك لأمريكا تنوعت بين مرافقة والده والمشاركة فى وفود بصحبة السفير أسامة الباز، المستشار السياسى للرئيس قبل حرب العراق بقليل، أو ضمن وفود من المجتمع المدنى، أو فى إطار زيارات شخصية بدعوة من الرئيس بوش الابن، أو لمتابعة أمور خاصة، ولم تتدخل السفارة فى أى زيارة شخصية عدا مرة واحدة عندما طلب الجانب الأمريكى ترتيب لقاء معه خلال توقفه فى واشنطن.

■ من طلب هذا اللقاء؟ وماذا دار فيه؟

- ستيفن هادلى، مستشار الأمن القومى، وعلى حسب ما أتذكر كان أغلب الحديث حول إعلان الإسكندرية الخاص بالإصلاح والديمقراطية، وكانوا يريدون معرفة خطى الإصلاح، وماذا ينوى الحزب الوطنى أن يفعل فى المرحلة المقبلة.

■ البعض يربط بين زيارة الفريق سامى عنان لأمريكا إبان الثورة وتنحى مبارك.. بخبرتك مع الإدارة الأمريكية كيف تقرأ ما حدث؟

- أعتقد أن هناك مبالغة فى تصوير هذه الأمور والربط بينها، فجرت العادة أن يقوم وزير الدفاع المصرى بزيارة الولايات المتحدة تارة ورئيس الأركان تارة أخرى، ويتم الترتيب لهذه الزيارات بالتفصيل ومبكرا، وأعتقد أن زيارة الفريق سامى عنان للولايات المتحدة فى بداية العام الجارى كانت فى إطار الزيارات التقليدية وليست مرتبطة بالثورة المصرية التى فاجأت الجميع.

أما أثناء الثورة فكان من الطبيعى أن يتصل مسؤولون أمريكيون بنظرائهم المصريين، لأن أكثر شيء يقلق الأمريكان هو نقص المعلومات ومواجهة المفاجآت.

■ ما معلوماتك عن الحوار الأمريكى مع جماعة الإخوان المسلمين؟

- القسم السياسى بالسفارة الأمريكية اتصل بالإخوان المسلمين ومؤيديهم منذ فترة طويلة جداً، وكان يقوم بهذه المهمة فرانك ريكاردونى، الذى كان سكرتير أول بالسفارة فى الثمانينيات، قبل أن يعمل سفيرا أمريكيا فى مصر عام ٢٠٠٤، إلا أن الاتصالات الأمريكية ارتفع مستواها بعد انتخابات ٢٠٠٥ وأصبحت هناك لقاءات فى مناسبات مختلفة مع نواب فى مجلس الشعب من الإخوان المسلمين، ثم أعلنت وزيرة الخارجية هيلارى كلينتون بعد الثورة اعترافها بالإخوان المسلمين. وأنا أعتقد أنه كان من غير المنطقى أن يكون هناك تيار سياسى يسمى «المحظورة» له ممثلون معروفون فى مجلس الشعب، ويتم التعامل معهم مصريا، ثم يتصور أن دولاً عظمى مثل الولايات المتحدة لن تتصل بهم، ومن يتصور ذلك كالنعامة التى تضع رأسها فى الرمال. وعلى العموم لقد تعدينا هذه المرحلة كلية الآن، وأصبح الكل يتعامل مع الإخوان فى مصر وسيتعامل الإخوان مع من يريدون فى الخارج.

■ كيف تقرأ ما تردد عن تدريب الشباب المصرى فى الخارج على القيام بالثورة؟

- ليس لدىّ معلومات محددة لها مصداقية فى هذا الشأن تسمح لى بالجزم بما تم بالتحديد، وليس لدىّ شك فى أن هناك جهات عديدة تعمل فى الساحة، وأن بعضها متآمر، ولكن هناك تناقضاً غريباً فى تناول هذه القضية، فمن الناحية الأمنية رصدت الأجهزة الأمنية قبل الثورة الأنشطة الشبابية بصفة عامة وأغلبها كان علنيا فى شكل منح وندوات مفتوحة للجميع، وكذلك ما كان يدور على موقع «فيس بوك»، فإذا كانت هناك مؤامرة بالفعل فلماذا لم تتحرك الأجهزة الأمنية، وكيف تتفوق عليها مجموعة شبابية تدربت هنا وهناك لأسابيع محدودة، والأعجب من ذلك أن مؤسسات الدولة بعد ٢٥ يناير أعلنت تأييدها للثورة والثوار، والرأى العام التف حولهم، والآن نبدأ بتخوينهم فى تناقض واضح ومعيب.

■ كشفت قبل ذلك عن وجود ضغوط أمريكية على مصر للإفراج عن سعد الدين إبراهيم وأيمن نور أثناء سجنهما فى عهد النظام السابق.. فهل ستدعم أمريكا أيمن نور، وتقف ضد آخرين؟

- ما ذكرته فى الماضى أنه فى إطار الجدل الذى دار بين إدارة الرئيس بوش الابن والحكومة المصرية أثير موضوع الأحكام الصادرة ضد الدكتور سعد الدين إبراهيم والدكتور أيمن نور، مع تركيز خاص على الدكتور إبراهيم، لعل ذلك لأنه صاحب جنسية مزدوجة، ولعلاقته القديمة مع الأكاديميين والنشطاء السياسيين، وفى هذا السياق سعت جماعات ضغط مختلفة داخل وخارج الكونجرس والإدارة لممارسة الضغط على الحكومة المصرية، أما مسألة دعم الولايات المتحدة لمرشح فلا أعتقد أنهم سيقومون بذلك بشكل مباشر خشية ردود الفعل الدولية والمحلية، كما أننى لا أعتقد أن أياً من المرشحين المصريين سيسعى للحصول على دعم أمريكى لأن الفصل هنا سيكون لصندوق الانتخابات ورغبة الرأى العام، وليس تصور بعض القيادات أن شخصا ما مقبول أو مرفوض أمريكيا.

■ كيف ترى العلاقات مع إيران بعد الثورة؟

- من مصلحة مصر وإيران أن تكون لديهما علاقات مباشرة لنعظم ما بيننا من اتفاق وإدارة ما نختلف عليه وحله. لدى مصر تحفظات حول السياسات الإيرانية فى عملية السلام العربية- الإسرائيلية وتجاه دول عربية بالخليج فضلاً عن عدد من القضايا الأمنية والدينية الحساسة بين البلدين، وأعتقد أن على إيران مراجعة مواقفها فمكانتها الإقليمية ستظل محل تشكيك إذا لم تكن لديها علاقات جوار مع العالم العربى وعلى الأخص مع مصر. من ناحية أخرى أشعر أيضا بأن مصر أضرت بنفسها بقصر الحوار الرسمى فيما بيننا على القضايا الأمنية عدا لقاءات سياسية بين الحين والآخر لها تابع شكلى لذا لم تكن مثمرة.

وعلى العموم، لاحظت فى الأسابيع الأخيرة بوادر انفراجة جزئية فى بعض القضايا الأمنية مع إعادة عدد من المطلوبين أمنياً إلى مصر، وأرجو أن نشهد خطوات أخرى وأدعو الآن إلى فتح حوار مصرى إيرانى شامل تطرح فيه جميع القضايا.

■ وماذا عن موقف دول الخليج من عودة العلاقات المصرية الإيرانية؟

- العلاقة المصرية مع دول الخليج علاقة هوية، تتعدى الاعتبارات والمعايير التقليدية فى العلاقات بين الدول، إذن لا مجال للتخوف من أن تنعكس حواراتنا مع إيران سلبا على علاقتنا بالدول الخليجية، بل بالعكس، فاستعادة الاستقرار فى العلاقات المصرية الإيرانية سيخدم ليس فقط الدولتين وإنما كذلك العلاقة العربية الإيرانية بصفة عامة.

■ ولكن هل كانت إيران تمثل خطراً على مصر على نحو يستوجب قطع العلاقات أم أن الأمر كان مجرد إرضاء للخليج وأمريكا؟

- كما ذكرت، تفاقمت المسألة نتيجة أخطاء الجانبين ثم ترددنا فى إجراء حوارات جادة خشية إثارة بعض الدول الصديقة وهذا قصر نظر من جانبنا.

■ وماذا عن أمريكا وإسرائيل؟

- طبعا أمريكا وإسرائيل لن يرحبا بذلك وأنا لا أدعو إلى استعداء أحد ولكن مصلحة مصر فوق أى اعتبار، لذا أدعو إلى إقامة حوار مصرى إيرانى مباشر للاتفاق على القضايا الخلافية تمهيدا لرفع العلاقات بعد انتخاب البرلمان المقبل بصرف النظر عن موقف أمريكا أو إسرائيل فهذا فى مصلحة مصر.

■ هل تعتقد أن مصر مستعدة لتحمل تبعات نتائج بدء هذا الحوار، مثل التهديد بسلاح المعونة وما شابه؟

- لا أعتقد أن أمريكا ستتخذ إجراءات صارمة تجاه مصر لمجرد بدء الحوار، وعلى العموم إذا كنا نرى فى أى خطوة سياسية مصلحة مصرية حقيقية فلا مجال للتردد خشية رد فعل دولة أو أخرى.

■ هل تعتقد أن المجلس العسكرى يخشى اتخاذ خطوات مصيرية مثل إعادة العلاقات مع إيران الآن، مفضلا تركها إلى الرئيس المقبل؟

- المجلس العسكرى مشغول بآلاف القضايا والمشاكل. وليس عيبا أن يعطى ملفات أخرى الأولوية وأن يدرس كل ملف بتأن قبل اتخاذ القرارات أو فى تحديد التوقيتات الملائمة للتحرك. وكل ما أدعو إليه الآن هو بدء الحوار لأن الأوضاع الإقليمية لن تنتظرنا وعلينا الاستثمار فى المستقبل فضلا عن أن القضايا كثيرة وحساسة والحوار لن يكون قصيرا إذا أردنا تحقيق إنجازات حقيقية.


---------------
نبيل فهمى 2-2: أعداء الثورة وراء «الفوضى الخلاقة».. وعملية السلام «مسرحية هزلية»
----------------------------------
حوار رانيا بدوى ٢٥/ ٩/ ٢٠١١
---------------------------------
فى الجزء الثانى من حوار السفير نبيل فهمى، سفير مصر السابق فى واشنطن، يؤكد ضرورة إعلان وقف عملية السلام التى تحولت إلى مجرد عملية «مظهرية»، والتوجه إلى الأمم المتحدة لإعلان الدولة الفلسطينية. وأشار إلى أن نظرية الفوضى الخلاقة قائمة ليس فقط من الخارج إلى الداخل وإنما فيما بيننا أيضاً من خلال أعداء الثورة والتحضر والديمقراطية.

ويرى «فهمى» أن الحكومة المصرية ارتكبت عدداً من الأخطاء فى إدارة أزمة اعتداء إسرائيل على الحدود المصرية وقتل الجنود المصريين، واصفاً التصريحات التى أدلى بها مسؤولو الحكومة بـ«المتضاربة»، والبيان العام بـ«الفاتر الذى لا يحمل أى معلومات أو إجراءات»، فضلا عن عدم الشفافية مع الرأى العام، ويؤكد أنه كان من المفترض قيام الجانب المصرى وبشكل مستقل بتحقيق مبدئى وسريع.. وإلى نص الحوار.

■ ما الفرق بين وزير الخارجية السياسى ووزير الخارجية المنفذ، وهو المفهوم الذى ساد طوال الثلاثين عاما الماضية؟ وماذا لو اختلفت رؤية الوزير عن رؤية الحاكم؟

- لا يوجد شىء اسمه وزير غير سياسى أو منفذ، قبل أو بعد الثورة، إذ يحلف كل وزير يميناً لحماية مصالح البلاد، ويتحمل مسؤولية مشتركة مع أعضاء مجلس الوزراء تجاه الصالح العام، ودوره الأساسى إذا كان وزيرا بحق أن يطرح رؤيته للجهاز الذى يقع فى اختصاصه المباشر وطريقة العمل على تنفيذها، لكن للأسف فإن غياب الديمقراطية فى مصر منذ ما يقرب من ستين عاما جعلنا نفصل مفاهيم لا أساس لها، فنتحدث عن «الوزير التكنوقراط» على أساس أنه لا يتحمل مسؤولية قرارات سياسية مهمة، فى حين أن المقصود بهذه العبارة أن الوزير اختير على أساس خبرته بعيدا عن انتماءاته الحزبية، وهو فى النهاية وزير ومهمته سياسية، فعلى سبيل المثال هل يعقل تصور ألا يكون «وزير الرى» دوراً سياسياً رغم حساسية قضايا المياه؟ والحال نفسه بالنسبة لوزير الزراعة بكل ما يرتبط بهذا القطاع من أمن غذائى؟ من المفيد أن تكون هناك رؤى متعددة بل متعارضة فى الساحة السياسية بين الاشتراكية والرأسمالية، الدينية والمدنية والليبرالية، وتباين الآراء داخل مجلس الوزراء مفيد، مادام هناك توافق حول هوية المجلس ورسالته السياسية، فمن حق وواجب الوزراء حتى فى النظم الرئاسية أن يطرحوا رؤيتهم بوضوح وصراحة، حتى لو اختلفت مع رؤى رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء، وعلى الوزراء أن يتركوا مناصبهم إذا رأوا أن هناك خلافاً حول قضايا جوهرية، ولقد كان والدى إسماعيل فهمى، وزير الخارجية الأسبق، مثالا لذلك حين استقال اعتراضا على زيارة الرئيس السادات إلى إسرائيل.

■ ألمح الدكتور جلال أمين فى أحد مقالاته إلى أن الثورات العربية قد تكون ضمن مخطط الفوضى الخلاقة، فكيف تقرأ المشهد السياسى الحالى فى ضوء هذه الفرضية؟

- ستظل المنطقة مستهدفة نظرا لموقعها الجغرافى ومواردها الطبيعية إلى أن تحصن نفسها بنظام سياسى داخلى يضمن لها الاستقرار ويتسم بالشفافية والمشاركة، وتعتمد على نفسها سياسياً وأمنياً، ما يوفر لها الاستقلالية الكاملة، مثلما خفت حدة ووتيرة المؤامرات فى الدول الصناعية والديمقراطية سواء كانت فى أوروبا أو أمريكا اللاتينية أو آسيا. ونظرية الفوضى الخلاقة قائمة ليس فقط من الخارج إلى الداخل، وإنما فيما بيننا، ويقودها أعداء الثورة والتحضر والديمقراطية.

■ هل يعكس تدخل الناتو فى ليبيا وعدم تدخله فى سوريا خوفا على إسرائيل أم خوفا من إيران؟

- أعتقد أنه خوف على إسرائيل، إضافة إلى أن للغرب مصالح مباشرة فى ليبيا كالبترول وهو غير موجود فى سوريا، كما أنه لا يهمهم ما يحدث داخل سوريا ما دام بعيدا عن هضبة الجولان، فمن مصلحة الغرب استقرار وثبات الأوضاع فى سوريا، خوفا من أن تأتى الثورة بنظام إسلامى أو حتى نظام ديمقراطى يبدأ فى التساؤل: لماذا تركت هضبة الجولان على وضعها الحالى طوال السنوات الماضية؟ ويبدأ فى تغيير الوضع، وهذه احتمالات لا يريدونها، ويدخل فى الحساب أيضا المكسب والتكلفة من التدخل المباشر، ومدى تقبل المجتمع الدولى لهذا التدخل من عدمه، أنا شخصياً أستبعد تدخل الناتو عسكرياً بشكل مباشر فى سوريا، لكن هناك أزمة حقيقية وخطيرة فى سوريا، وقتلى وجرحى بأعداد تتجاوز ما يمكن قبوله، وأرى أن قرار جامعة الدول العربية الأخير يوم ١٣ سبتمبر هو آخر فرصة، وسيكون حكم التاريخ قاسيا على سوريا إذا تم تجاهله، وعلى العالم العربى إذا لم يتم تفعيله.

■ ألا ترى أن هناك ضرورة لإعادة النظر فى العلاقات المصرية - الأمريكية؟

- تحتاج إلى إعادة هيكلة وتأهيل. فهى علاقات ستظل مهمة للدولتين، ولا يمكن لمصر الانتشار إقليميا أو دوليا على المستوى السياسى أو الاقتصادى أو الأمنى أو الاجتماعى دون التفاعل مع الولايات المتحدة، ولن تستطيع الولايات المتحدة حماية مصالحها فى الشرق الأوسط دون إيجاد توازن فى علاقتها مع مصر لثقلها الإقليمى خاصة بعد الثورة. إذن فالمسألة ليست إعادة النظر فى العلاقات المصرية - الأمريكية، وإنما إعادة تقويم العلاقة على أسس سليمة، بعد أن اختلت المعايير والموازين، حيث الساحة الأمريكية تنظر إلى العلاقة المصرية - الأمريكية من خلال مصلحة إسرائيل، وبعد اتفاق السلام المصرى - الإسرائيلى، أصبحت العلاقة المصرية - الأمريكية بثلاثة أضلاع، رغم أن العلاقة الإسرائيلية - الأمريكية ظلت ثنائية لا تأخذ فى الاعتبار المصالح المصرية أو ضرورة تحريك عملية السلام، أقول ذلك وأشدد على أن التقويم المطلوب قد طال انتظاره كثيرا، ويجب إعادة هيكلة العلاقات المصرية - الأمريكية على أسس سليمة تشمل وإنما لا ترتكز على السلام العربى - الإسرائيلى.

■ فور وصول الرئيس الأمريكى باراك أوباما إلى الحكم، وتهليل العرب له، وصفت المشهد قائلا: «وكأنه فرح والعروسة جاية».. الآن وبعد أن ثبت خطأ نظرتنا لأوباما، كيف ترى تعامله مع منطقة الشرق الأوسط وفشله فى إنهاء الصراع العربى - الإسرائيلى كما وعد فى البداية؟

- ذكّرنى الاستقبال العربى لأوباما بالعريس الذى يقابل عروسه يوم الفرح لأول مرة، فالمناسبة سعيدة، لكنه لا يعلم عن شريكته شيئا. كان من حقنا أن نفرح بقدوم أوباما لأن له نظرة عالمية للقضايا، وفهما طيبا لمشاكل الشرق الأوسط، بل قناعة بالحق العربى، لكننى كنت أخشى الفرحة المبالغ فيها، فشخصية أوباما تحكمها المبادئ والواقعية فى آن واحد، يدعو للحق، لكنه لا ينفق من رصيده السياسى سوى على أولوياته، وكنت أعلم جيداً أن أولوياته السياسية للقضايا الداخلية الأمريكية، أما بالنسبة للشؤون الخارجية فيأتى العراق وتأمين الولايات المتحدة، ثم تهدئة العلاقات بينها وبين العالم الإسلامى.. إنه يتعامل مع عملية السلام العربية - الإسرائيلية فى سياق هذه التهدئة.

■ لذا فشل فى تنفيذ وعده بوقف الاستيطان؟

- نعم فشل فى وقف الاستيطان الإسرائيلى فى الأراضى المحتلة، لأنه لم يستثمر رصيده السياسى الضخم فور انتخابه لمحاولة الضغط على إسرائيل بعد أن رفض رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو الموقف الأمريكى صراحة. وسمح للأخير بإحراجه أمام العالم. وقد خسرت الولايات المتحدة لأن هيبة الرئيس الأمريكى أصابها شرخ، وخسرت عملية السلام العربية - الإسرائيلية نتيجة عدم تمسك أوباما بموقفه، لأن هذا التراجع شجع نتنياهو على إحراج أوباما بشكل علنى فى البيت الأبيض، وأمام العدسات الإعلامية ثم فى الكونجرس الذى صفق ٢٧ مرة لنتنياهو رغم أنه كان يتعارض مع المواقف الدولية والأمريكية بالنسبة لحدود ١٩٦٧ والقدس.

■ إذن فقد فقدنا جزءاً من أوراق الصراع السياسى مع إسرائيل؟

- أوراق اللعبة لم تكن يوماً ٩٩% فى يد الأمريكان، السياسة والتاريخ يثبتان ذلك، والدور الأمريكى مهم، لكنه مكمل لدور المنطقة، فضلاً عن أنها لم تكن فى يوم من الأيام بمؤسساتها المختلفة على مسافات متساوية من الطرفين، ومن السذاجة تصور ذلك. فإذا أرادت الولايات المتحدة الحفاظ على دورها وتطلع أوباما لاستعادة مصداقيته السياسية فمن المطلوب اتخاذ مواقف أكثر قوة وجرأة، وإذا أراد العرب الاستفادة من الدور الأمريكى يجب وضع هذا الدور فى حجمه الصحيح.

■ هل لديك رؤية للتعامل مع الصراع العربى - الإسرائيلى وفق آخر التطورات فى المنطقة؟

- لا أؤمن إلا بالسلام الشامل وإقامة دولتين، لذا يجب أن نصارح أنفسنا والمجتمع الدولى والرأى العام بأن ما يسمى «عملية السلام» مسرحية هزلية ولا تتجاوز تفاوض العرب مع أنفسهم، لعدم وجود شريك إسرائيلى جاد، لذا لا جدوى من المظهرية، فأنا لا أرى جدوى من التفاوض مع الحكومة الإسرائيلية الحالية لاستحالة اتخاذها مواقف تقترب من الموقف المطلوب عربيا، وخطاب نتنياهو بالكونجرس والتوسع الاستيطانى وهدم المنازل بالقدس الشرقية تثبت ذلك. لذا يجب التركيز مرحليا على «تثبيت الحق الفلسطينى»، وتقنين أسس الحل النهائى، وممارسة الضغط على إسرائيل خارجياً وداخلياً لاحترام الشرعية الدولية من خلال التقدم للأمم المتحدة والمنظمات الدولية وعلى المستوى الثنائى للحصول على الاعتراف الدولى بالدولة الفلسطينية على حدود ١٩٦٧ والسلام الشامل وفقا للمبادرة العربية، والإعلان عن استعداد عربى للتفاوض مع إسرائيل إذا التزمت بهذه المبادئ ورفض أى مفاوضات لا تقوم على هذا الأساس، مع القيام بحملة دولية وداخل إسرائيل ذاتها لشرح تكلفة تعثر عملية السلام والعائد الإيجابى للسلام الشامل، ومطالبة المجتمع الدولى باتخاذ مواقف وإجراءات محددة تؤكد عدم تعاملها مع إسرائيل فيما يتعلق بالضفة الغربية بما فى ذلك القدس الشرقية وقطاع غزة باعتبارها فلسطين المحتلة.

■ هذا من شأنه إعلان وقف أى تعاملات تجارية وأى ميزات تحصل عليها إسرائيل من مصر والدول العربية؟

- أى مزايا استثنائية أعطيت لإسرائيل فى السابق تمت بقرار سياسى ويمكن إعادة النظر فيها، وأنا ضد حصول إسرائيل على أى امتيازات، إذ كان يجب أن تبقى العلاقة فى حدود اتفاقية السلام لا أكثر.

■ هل تعتقد أن اقتحام السفارة الإسرائيلية مؤخرا من شأنه أن يضغط على إسرائيل أم أنك تراه خرقا للقانون الدولى يمكن أن يجلب لنا المشكلات؟

- هناك غضب شعبى كبير لقتل الجنود المصريين على الحدود مع إسرائيل، ومن الطبيعى أن نشهد مظاهرات تعبر عن هذا الغضب فى أماكن مختلفة بما فى ذلك أمام السفارة الإسرائيلية، ولا شك لدىَّ أن الحادث أربك إسرائيل، لكن الخطأ فى اقتحام السفارة ليس فقط أنه مخالف للقوانين الدولية والأعراف الدبلوماسية وإنما لأنه يسلط الأضواء على هذا الحادث بالذات بدلاً من التركيز على الجريمة الإسرائيلية وهى قتل الجنود المصريين، وسيفسره البعض على أن هناك انفلاتاً أمنياً فى مصر. مع هذا، وحتى نضع الأمور فى نصابها الصحيح، كانت هناك جريمة إسرائيلية بإطلاق النار عبر الحدود المصرية فى مخالفة صريحة للقانون الدولى والملحق الأمنى فى الاتفاق المصرى - الإسرائيلى.

■ وكيف تقيم طريقة إدارة الأزمة من قبل المسؤولين فى مصر؟

- هناك أخطاء مصرية فى إدارة رد الفعل، تصريحات متضاربة، ثم بيان عام فاتر لا يحمل أى معلومات أو إجراءات، وعدم شفافية مع الرأى العام، وكان من المفترض أن يقوم الجانب المصرى وبشكل مستقل بتحقيق مبدئى وسريع يعلن على أثره بعض البيانات، وعن عزمه مواصلة الاتصال بالجانب الإسرائيلى لإعداد تحقيق مشترك لاستكمال الصورة، حتى يكون الرأى العام المصرى على بينة بما حصل من مصادر مصرية، ويطمئن أن السلطات المصرية تتابع الموقف وستتخذ الإجراءات الملائمة حسب توافر المعلومات، أما أن تكون المصادر الوحيدة هى ما ينشر فى الصحف المصرية نقلاً عن تصريحات مسؤولين إسرائيليين أو صحفهم بوجود اعتذار إسرائيلى ثم نفيه، وبأن الاعتداء تم من خلال طائرات هليكوبتر، ثم سيناريوهات أخرى، وما نشر عن وصول مبعوثين إسرائيليين للتفاوض مع الجانب المصرى ومغادرتهم دون أى تعليق، وبدلاً من استدعاء السفير المصرى فى إسرائيل ولو مؤقتا للتشاور إلى حين انتهاء التحقيق. كان الشىء الملموس الوحيد الذى رآه الرأى العام المصرى هو بناء سور حام للسفارة على كوبرى الجامعة - إزاء كل ذلك ورغم اعتراضى على اقتحام السفارة فإننى لم أندهش من الحادث إطلاقاً لأن الغليان الشعبى هو الذى أدى إليه، وكنت أرى أن البعض قد يستغله للنيل من إنجازات الثورة بالإساءة إلى طبيعتها السلمية، وهذا ما حصل بالضبط.

■ بعد قتل إسرائيل عدداً من الجنود المصريين على الحدود أثار مرشحو الرئاسة المحتملون من جديد قضية إعادة النظر فى معاهدة السلام وأشار بعضهم إلى نيته إلغاءها حال فوزه بالانتخابات الرئاسية، فإلى أى الجانبين تميل؟

- تقوم أغلب دول العالم بشكل دورى بمراجعة سياساتها والتزاماتها الخارجية بما فيها التزاماتها القانونية الدولية أو الثنائية، وإذا لم تفعل مصر ذلك بعد الثورة وبشكل منتظم فستكون قد أخطأت فى حق نفسها، فالهدف الرئيسى والتقليدى من هذه المراجعات هو تقويم فاعلية المعاهدات وتوافقها مع سياسات وأولويات الدولة من خلال دراسة وتقييم عميق هادئ بعيداً عن العواطف والانفعالات، وفى أغلب الأحيان يتم الالتزام بالمعاهدات أو تعديل بعض ملاحقها، أو الإعلان عن عدم تجديد الاتفاقيات عند انتهاء سريانها كما فعلت الولايات المتحدة مع الاتحاد السوفيتى فى بعض اتفاقيات الحد من التسلح. وسيكون من الطبيعى بعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية أياً كانت نتيجتها مراجعة مصر لالتزاماتها الدولية بما فيها اتفاقية السلام المصرى الإسرائيلى، وسبق أن أعلنت مرات عديدة أننى داعم للسلام العربى - الإسرائيلى الشامل، بما فى ذلك السلام المصرى - الإسرائيلى، وإن كنت أرى أن توقيعنا على هذا الاتفاق خارج إطار السلام الشامل لم يكن ملائماً، ولدىًَّ تحفظات محددة على بعض جوانب الملحق الأمنى، لأن منظوره الأساسى هو توفير الأمن لإسرائيل بحجة ضآلة حجمها مقابل حجم مصر، ما يجعل العديد من التحركات المصرية فى المنطقتين (ب) و(ج) مقيدة أو محكومة بموافقات استثنائية من قبل إسرائيل، وهو أمر يجب مراجعته وتعديله، وأشهد للقوات المسلحة المصرية بأنها تقوم بدور وطنى نبيل بكفاءة عالية فى ظروف صعبة، ورغم كل ذلك أرى أن تتم أىّ مراجعة بهدوء بغية التقويم والتفعيل والبناء إن أمكن للوصول إلى السلام الشامل، وهذا يتطلب تغييرا جوهريا فى السلوك الإسرائيلى، سواء فى تعاملاتها على الحدود المصرية، أو فى توجّهها نحو التفاوض مع الجانب الفلسطينى، فالسلام المستهدف والأمن والأمان الذى نتطلع إليه ليس لإسرائيل فقط، وإنما لشعوب المنطقة جميعاً دون تفرقة أو تمييز.

■ من الانكماش فى مرحلة مبارك إلى الارتباك فى المرحلة الحالية.. لم تظهر أى ملامح واضحة لما ستكون عليه علاقاتنا الخارجية حتى الآن، ما تعليقك؟

- من المفترض أن تركز السياسة الخارجية المصرية خلال الأشهر القادمة وحتى إجراء الانتخابات على وضع الأرضية المناسبة لانطلاقة جديدة ومتطورة بعدها، باعتبارها مرحلة سياسية جديدة ومتكاملة، وأقترح قيام وزارة الخارجية الآن بمراجعة علاقات مصر مع مختلف دول العالم واتفاقياتنا الخارجية لتحديد أوجه القصور والتمييز فيها، والسعى لتصحيح العلاقة بين مصر ودول حوض النيل بحيث تكون علاقة احترام ومصلحة مشتركة، مع تواصل مواقف مصر التقليدية خاصة بالنسبة لدعم القضية الفلسطينية، وكذلك تقويم هيكل وآليات العمل داخل وزارة الخارجية المصرية لرفع كفاءتها حتى يعود الانتماء المؤسسى للعاملين بهذه الوزارة العريقة التى تتحمل مسؤولية وطنية وقومية بالغة الأهمية، ومن المهم إعداد دراسة شاملة عن التحديات والأولويات المصرية فى السياسة الخارجية من ٢٠١٢ إلى ٢٠٢٢ لتكون أمام النخبة السياسية المصرية والمرشحين للرئاسة والرأى العام عند تقييم مواقف المرشحين. وبعد انتخاب رئيس الجمهورية الجديد يجب أن نشهد رؤية متكاملة، وتغيراً حقيقياً فى السياسة الخارجية المصرية فى الفكر والمنهجية والممارسة، بما يعكس الأهداف والمبادئ التى كانت دافعاً لثورة ٢٥ يناير، وعلى رأسها المساواة والمشاركة والعدل الاجتماعى كدولة رائدة إقليمية، مع طرح مبادرة سلمية للتحضر الفكرى والمجتمعى فى العالمين العربى والأفريقى، سعياً لاستقرار المناطق المجاورة لنا، وإبراز الأسس القانونية فى العلاقات الدولية، وإعطائها وضعية حاكمة فى سياستنا الخارجية، ولعلها مناسبة جيدة لإصدار وثيقتين لشرح فلسفتنا الخارجية ومفهومنا المحدد للأمن القومى المصرى ما بعد الثورة، ويجب أن نكون أكثر وضوحاً فى أولوياتنا وأهدافنا على المدى القصير والطويل، مع تركيز خاص على إدارة علاقتنا مع دول الجوار والهوية المشتركة، أو التى تربطنا بها مصالح مباشرة، مثل العالم العربى ودول حوض النيل، فضلاً عن علاقتنا بالدول الرائدة دولياً. فلقد كانت الثورة المصرية صحوة مجتمعية داخلية ودعوة شعبية للمصارحة والمكاشفة للاستفادة من تجارب الماضى وتجنب تكرار أخطائه، ويجب أن تمر السياسة الخارجية بصحوتها الذاتية ومراجعتها لمواقفها للبناء على إنجازاتها وتصحيح أخطائها واستعادة ريادتها على المستويين الإقليمى والدولى.

■ إذا وصل التيار الدينى إلى الحكم فى مصر، هل ترى أن ذلك سيؤثر على السياسة الخارجية، وهل سيسمح الغرب بوصولهم إلى الحكم؟

- سيؤثر أى تيار يأتى إلى الحكم فى مصر، سواء كان دينياً أو ليبرالياً، على السياسة الخارجية مثلها مثل السياسة الداخلية لكن بمعدلات أبطأ، لتركيزنا فى المقام الأول على الوضع الداخلى، والاختلاف الرئيسى الذى أتوقعه فى السياسة الخارجية بين تيار دينى وتيار مدنى ليبرالى هو فى مدى إدخال المنهجية والخطاب الدينى فى سياستنا الخارجية وعلاقتنا مع الدول أو الجماعات التى تتبنى منظورا دينيا فى تكوينها السياسى. وأتوقع أن يتم تحسين الأوضاع على الحدود مع غزة، واتخاذ مواقف أقوى تجاه الجرائم الإسرائيلية على الحدود المصرية أو فى القدس الشرقية والتوسع الاستيطانى لاتفاقية السلام وتعديل الملحق الأمنى، وتنشيط العلاقات مع السودان وحوض النيل، وفتح الحوار مع إيران تدريجيا، أما استفسارك عن مدى قبول الغرب لحصول تيار دينى على الأغلبية فمرجعه رد الفعل الغربى فور فوز حماس بأغلبية فى الانتخابات الفلسطينية، ومن قبلها فوز حزب دينى فى الانتخابات التركية، فكلاهما لم يكن مريحاً للعالم الغربى أو لغيرهم، وحدث تصادم مع حماس وبعض التوترات المرحلية مع تركيا، وهو ما أتصوره بالنسبة لمصر فهى دولة أكبر من أن يتم تجاهلها رغم أن البعض سيحاول الضغط علينا، وهو ما شاهدناه من الكونجرس الأمريكى منذ الآن، وعلى المصريين تحديد خياراتهم وتحمل مسؤولية قراراتهم دون السماح لطرف أجنبى بالتأثير على رؤيتنا.

■ أفهم من ذلك أنك ضد وصول التيار الدينى للحكم؟

- للجميع حق المشاركة فى الانتخابات، وللناخب حق الاختيار، وشعارى هو «مصرية مصرية» وتطلعى أن تكون مصر دولة مدنية تجمع بين فئات الشعب المختلفة، إسلامية وقبطية أو غير ذلك، فى إطار من المواطنة المتساوية للجميع فى الحقوق، وسأتقبل نتيجة الانتخابات القادمة مادامت اتسمت بالشفافية والنزاهة، وهذه هى أصول الممارسة الديمقراطية، وأى تحفظات لدىّ سأسعى إلى إثارتها بالطرق السياسية السلمية. مع هذا، أريد أن أسجل قلقى الشديد من حالة الاستقطاب التى يشهدها الشارع السياسى المصرى حالياً، ورفضى محاولات التكفير أو التشكيك فى وطنية الآخر كأداة للترويع، وأطالب القائمين على إدارة حكم البلاد بتكثيف شرحهم العلنى والشفاف للخطوات القادمة ورؤيتهم لها، فالشفافية والحوار يشكلان أساس أى نظام سياسى وسطى، حتى فى مرحلة تكوينه.


----------------
نشر في المصري اليوم بتاريخ 20و25-9-2011

ملف التعليم

التعليم المصرى.. واقع «مر» ومستقبل «مجهول»
أجرت حوارات الملف - رانيا بدوى ١٧/ ٩/ ٢٠١١
------------------------------------------
مع قيام ثورة ٢٥ يناير، انشغل المجتمع تماماً بالأحداث السياسية والاقتصادية والأمنية، التى تمر بها البلاد، فى المقابل، قل الحديث، وربما يكون اختفى تماماً عن التفكير فى مصر بكرة، مصر التى نحلم بها بعد الثورة، فلم يعد أحد يتحدث عن الأزمات التى كانت ولا تزال تمر بها البلاد فى مختلف المجالات،

قررت «المصرى اليوم» إعادتها للأضواء وفتح ملفاتها من خلال خبراء متخصصين، كل فى مجاله. ولأن التعليم إحدى أهم وسائل نهضة الأمم ونموها، وبدون حل مشاكله وتطويره لن تحقق الثورة أهدافها. فى هذا الملف نعرض أزمة التعليم وحلولها من خلال حوارين مع اثنين من كبار الخبراء فى هذا المجال، وهذه هى التفاصيل.


--------------------------

:د. مجدى قاسم
---------------------------
مصر الدولة الوحيدة التى تقبل بوجود جامعات من جميع الدول على أراضيها..
ولا بديل سوى سياسة لا تتغير بتغيير الوزراء
----------------------------
فى حواره، شدد الدكتور مجدى قاسم، رئيس الهيئة القومية لجودة التعليم، على ضرورة إذكاء مهارات إدارة الأعمال الخاصة فى المناهج التعليمية، لأنها أمل مصر فى المستقبل وقدم عددا من الاقتراحات لتستطيع مصر تصدير ١٠ ملايين فنى للعمل فى دول الاتحاد الأوروبى.

وقال « قاسم»، إن عدد المتعلمين الذين يختارون التعليم التكنولوجى والعلوم والرياضيات، يقل سنويا وهو أمر خطير للغاية، وطالب بوضع قواعد حازمة ومعايير لضمان جودة المدارس الخاصة، وعدم تحولها إلى «بيزنس»، وتفعيل دور القطاع الخاص للقضاء على الدروس الخصوصية. وشدد على أنه لا توجد دولة فى العالم تسمح بقيام جامعات من كل دول العالم على أرضها كما تفعل مصر.. والى نص الحوار:

■ بداية.. مارؤيتك لإصلاح التعليم فى مصر؟

- الخطوة الأولى والأساسية أن تكون هناك معايير عامة للسياسات التعليمية لا تتغير بتغيير الوزراء والمسؤولين، كما هو حادث حاليا، لأن كثرة تغيير السياسات والاستراتيجيات التعليمية فى الفترة السابقة تجهض أى جهود للإصلاح، على أن يرعى تنفيذ هذه المعايير والسياسات مجلس أو جهاز ما دائم، يقوم بمتابعتها ومحاسبتها على المستوى القومي، والخطوة الثانية هى أنه لا بد أن يكون هناك إطار قومى للمؤهلات.

■ بمعنى؟

- بمعنى توصيف جميع المؤهلات التى تمنحها المؤسسات التعليمية فى مصر سواء قبل الجامعية أو الجامعية، بما يحدد المؤهلات وكيفية الحصول عليها وكيفية الانتقال بين مسار تعليمى وآخر كالتعليم الفنى والعام والتدريب المهنى، مما يلزم معه أيضا تحديد وتوصيف المهن التى يمتهن بها أصحاب هذه المؤهلات ومقارنتها بالدول المجاورة لتمكين المؤهلين منهم للانتقال للعمل مباشرة من وإلى الدول العربية ودول الاتحاد الأوروبى، دون الحاجة لإعادة تأهيل أو تدريب.

وثالثا لابد من الاهتمام بالتعليم الفنى، لتغيير سمعته والرفع من قيمته مجتمعيا حتى يصبح جديراً بالاحترام والقبول للتحول إليه، مع فتح آفاق مناسبة وواسعة للالتحاق بمؤسسات التعليم الأخرى عند اللزوم وعدم وضع سقف للشهادات التى يمكن للمنتسبين للتعليم الفنى الحصول عليها، ومنح شهادات عليا كالدكتوراه التقنية مثلا، أما وضع سقف محدد كالدبلوم فهو يؤثر على سمعة التعليم الفنى أو المهنى رغم حاجتنا إليه أكثر من أى وقت مضى ورغم احترامه فى العالم كله الذى يضع التعليم الفنى على ذات المستوى من التعليم العام، والخطوة الرابعة هى السياسات الخاصة بالتعليم نفسه من خلال دمج مهارات التوظف فى المناهج من السنوات الأولى كما يحدث فى العالم كله.

■ كيف يمكن حدوث ذلك؟

- هناك استراتيجيات قائمة بالفعل، ونحن فى الهيئة أصدرنا كتابا عن كيفية توظيف المنهج لإذكاء مهارات التوظف لدى المتعلم، فمهارات التوظف متعددة ولابد أن تخدم المناهج إكساب المتعلم هذه المهارات، بما يجعله قادرا على توظيف نفسه بعد تخرجه، وهو ما ينقلنا إلى ضرورة التوجه أيضا نحو مهارات ريادة الأعمال كما يحدث فى العالم كله، بمعنى أن يكتسب المتعلم مهارة خلق فرص عمل ذاتية وهو توجه عالمى قام الاقتصاد الأمريكى نفسه عليه بحيث يسعى كل مواطن لتحقيق ذاته.

■ يؤدى ذلك لمزيد من الاعتماد على القطاع الخاص وليس الحكومة.

- طبعا ونبدأ بإنشاء كيانات صغيرة جدا تدعمها الدولة، تتحول لاحقا إلى مؤسسات كبرى كالمؤسسات العالمية فى أمريكا وأوروبا التى قامت أساسا على ريادة الأعمال مثل شركات جوجل ومايكروسوفت وياهو، كلها لم تكن حكومية وإنما نشأت من كيانات شخصية صغيرة.

ولا بد من الاهتمام بإرشادات التوظيف «career guidance»، بحيث يتم تقديم الإرشادات للمتعلمين خلال جميع مراحل ومسارات التعليم للحصول على مهن محددة بما يجعل المتعلم أكثر قدرة على الاختيار بصورة مبكرة وبما يجعل عملية التعليم نفسها أمراً مرغوباً فيه، هذا كله عن السياسات والتوجهات، إضافة لذلك لابد من وجود توجه حول مستوى التعليم وجودته مقارنة بالمستوى الدولى بما يفتح الباب نحو انتقال العمالة المصرية للخارج.

ومثلا أوروبا تحتاج فى الفترة المقبلة حوالى ١٠ ملايين فنى وبالتالى لابد من تجويد تعليمنا ورفعه للمستوى الدولى وتأهيل شبابنا وخريجينا بصورة متناسبة مع العالم ودراسة أسواق الدول المجاورة لمعرفة احتياجاتهم الوظيفية ومن ثم تخطيط وإرشاد خريجينا وإكسابهم مهارات تتلاءم مع هذه الأسوق بما يؤسس لانتقال آمن للقوى البشرية دون اللجوء للبحر وغرق خيرة شبابنا سنويا.

ويجب أن يكون للتعليم مردود على المجتمع، ومن ثم لابد من تفعيل سياسة تشجع على اختيار المتعلمين للعلوم والرياضيات كتخصص، فقد لاحظنا أن عدد المتعلمين الذين يختارون التعليم التكنولوجى والعلوم والرياضيات يقل سنويا وهو أمر خطير للغاية فالاقتصاد يقوم أساسا على العلوم والتكنولوجيا.

■ باعتبارك رئيس هيئة الجودة.. كيف تقيم حال التعليم المصرى فى اللحظة الراهنة؟

- نحن أنشأنا الهيئة وأعددنا معايير للحصول على شهادة الجودة، لكن كانت هناك مقاومة شديدة من المسؤولين عن الوزارات لدور الهيئة بما لم يشجع المؤسسات بالقدر الكافى، للتقدم للحصول على اعتماد الهيئة، لكن هناك ٢٠ كلية تقدمت أخيرا للاعتماد، حيث تم اعتماد بعضها وجار اعتماد البعض الآخر فى أغسطس وسبتمبر، ولكن جودة التعليم فى مصر بحاجة إلى دفعة من الحكومة ومحاسبة من الشعب حتى تكون المؤسسات التعليمية عند مستوى الثقة الشعبية لأن الجودة التعليمية هى التى تحكم على القيمة المضافة التى تضيفها المؤسسات التعليمية لخريجينا وللاقتصاد المصرى.

■ هل ٣٠٠ مدرسة فقط حصلت على الجودة من بين أكثر من أربعين ألف مدرسة؟

- لا نحن زرنا ٣٠٠٠ مدرسة فى الفترة الماضية تم اعتماد ١٢٠٠ مدرسة منها.

■ لكن يظل الرقم هزيلاً؟

- نعم لكننا لسنا مسؤولين عن تقدم المؤسسات التعليمية لنا، الوزارات المعنية هى المسؤولة عن ذلك بحسب القانون، سواء التعليم العالى أو التعليم العام، وهذه مسؤولية لابد من أخذها بالاعتبار فالتهاون وعدم وجود إجبار لتقدم المؤسسات التعليمية لابد أن يكون أمراً مهماً بعد الثورة.

■ إذن أنت تطالب بإلزام المؤسسات التعليمية بالتقدم للهيئة؟

- طبعا للحصول على الاعتماد وتقرير الهيئة إذا كانت جديرة بثقة الشعب أم لا.

■ هل تقدمت جامعة القاهرة للحصول على اعتماد الهيئة؟

- تقدم من الجامعة كليات الصيدلة والاقتصاد والعلوم السياسية والتمريض وطب قصر العينى.

■ كم كلية منها حصلت على الاعتماد؟

- حتى الآن الصيدلة فقط، أما كلية التمريض فستتقدم مجددا العام المقبل فى حين أن كليتى الاقتصاد وطب قصر العينى جار تحكيم التقرير الخاص بهما وقد يصدر قرار بشأنهما قريبا.

■ ما تقييمك للمدارس التجريبية كمدارس حكومية لكن بمصروفات.. وهل أنت مع إلغاء مجانية التعليم وتعميم المدارس التجريبية؟

- لا غنى عن مجانية التعليم، لكن من الممكن دعم تجارب كالمدارس الخاصة والتجريبية «مش يا أبيض يا أسود»، من الممكن دعم الطلاب وإعطاء منح للدراسة فى مؤسسات تعليمية خاصة بحيث نشرك المجتمع المدنى فى إقامة مدارس تكون أكثر جودة وتؤدى خدمة اجتماعية واقتصادية مما يخفف عن كاهل الدولة.

■ لكن هذه المدارس الخاصة كثيرا ما تنقلب إلى مجرد «بيزنس»؟

- لذا لابد من وجود قواعد حازمة ومعايير لضمان جودتها وعدم تحولها إلى «بيزنس»، لابد من دعم القطاع الخاص والإشراف على التجربة من البداية ووضع معايير للمصاريف وزيادتها سنويا، فتفعيل دور القطاع الخاص يقضى جزئيا على الدروس الخصوصية، أما فى المدارس الحكومية فهناك خطوات لابد منها لرفع مستوى أداء المدارس نفسها خاصة ما يتعلق بالمعلم ورفع أدائه وتدريبه ومراعاة مستواه وربطه بالأداء، ودعم هذه المؤسسات لحصولها على الجودة والارتفاع بمستواها.

■ تعددت الجامعات الخاصة فى مصر كالأمريكية والكندية والبريطانية.. هناك مخاوف من أن خريج هذه الجامعات قد تتأثر انتماءاته وميوله للدولة صاحبة الجامعة؟

- لا توجد دولة فى العالم تسمح بقيام جامعات من كل دول العالم على أرضها كما تفعل مصر، فهى تجربة فريدة فى مصر، لكنى لا أظن أن هناك مصرياً سيغير من انتمائه لدراسته فى جامعة أجنبية، «ماإحنا كلنا اتعلمنا فى الخارج»، هى فكرة غير محبذة لكن بالتأكيد لا تؤثر على الانتماء.


---------------------------
د. رأفت رضوان:
التعليم فى مأزق.. والوزير الذى يدعى أنه وضع سياسات جديدة «بيهرج»
--------------------------
كشف الدكتور رأفت رضوان، مستشار وزير التربية والتعليم، أن الوزارة فى حيرة من أمرها وتعيش مأزقاً خطيراً، لأن السياسة العامة للدولة غير واضحة، والوزير يعلم أنه سيترك منصبه خلال أشهر.

وقال رضوان: إنه لا أحد يقدم على وضع سياسات مستقبلية أو يقدم على تغييرات جذرية حاليا لأن السياسة الأم لم توضع بعد، وأى حديث عن سياسة فرعية هو نوع من التهريج، على حد وصفه. وأضاف أنه لا إصلاح للتعليم دون المعلم، رغم أنه لا يريد الإصلاح، لأنه سيقضى على موارده المالية من الدروس الخصوصية، والدولة لا تملك المال لتعوض هذا المدرس عن هذا الدخل الكبير.. وقدم رضوان عدة اقتراحات وأفكار لإصلاح التعليم، منها الاعتماد على ما سماه «تكنولوجيا الفقراء».. وإلى نص الحوار:

■ كيف تقيّم المشكلات التى يمكن أن تواجهنا عند اتخاذ قرار تطوير التعليم؟

- التعليم فى مأزق خطير جدا، لأن أدوات الحل ضد الحل، بمعنى أننا تركنا المدرس ٤٠ سنة، وقلنا له حل أزماتك بنفسك، فاتجه إلى الدروس الخصوصية حتى استقر وضعه على دخل مالى معين، يزداد يوما بعد الآخر، والآن نقول له نريد تطوير التعليم وأنت أداة الحل ولكن فى المقابل تنازل عن هذا الدخل وعن الوضع الذى استقررت عليه طوال السنوات الماضية، وهذا غير ممكن بسهولة، وفى المقابل لا حل بدون المدرس فهو ألف باء الحل بل الأداة الرئيسية فى تطوير التعليم، وأى حديث عن تعديل المناهج أو تطوير الأبنية وما شابه لن يؤتى بثمار فى الارتقاء بالعملية التعليمية فى عدم وجود المدرس.

■ ماذا لو تم رفع أجر المدرس وتحسين أحواله؟

- هذا ما حاول الكادر من قبل فعله بزيادة المدرسين ١٥٠%، وهنا أقول لك إنه حتى زيادة المدرس ٥٠٠% لن تكون مجدية، لأن المدرس يحصل على هذه الزيادة فى ساعة واحدة من الدروس الخصوصية.

■ كيف نخرج من هذا المأزق دون رفع موازنة التعليم؟

- باللجوء إلى الحلول غير التقليدية، وأنا أقترح أن نلجأ إلى التكنولوجيا لأن التكنولوجيا بطبيعتها محايدة لو استطعنا توظيفها، بأن نستبدل الدروس الخصوصية ببرامج التليفزيون وهو ما أسميه تكنولوجيا الفقراء بأن أسعى إلى أن تكون القنوات التعليمية والبرامج التعليمية منافسة للدروس الخصوصية، فحتى أهزم الآخر علىّ أن أنافسه لأن القانون وحده لن يكفى لمواجهة هذه الظاهرة، وسيحدث تحايل عليه، لكن لو نجحت فى أن أجعل الطالب وولى الأمر يلجآن إلى البرامج التعليمية وقتها سأهزم الدروس الخصوصية.

■ كيف أخلق هذه المنافسة؟

- أن أعلن أن امتحانات العام الجديد ستتغير فى منهج وضعها وأنها ستعتمد على الإبداع والتفكير فبدلا من أن تعتمد الامتحانات على استدعاء المعلومات تعتمد على تطبيق المعلومات فى إيجاد حل لمشكلة أو معضلة ما وتشغيل العقل، وأن نعلن أن التدريب على هذه الامتحانات سيكون فى البرامج التعليمية، لذا تابعونا وشاهدونا، هنا سأجذب الطالب إلى برامج التليفزيون لأننى الجهة التى تضع الامتحان، لذا أنا الوحيد الذى ستكون لى القدرة على التدريب عليه ومن ثم سأسحب الطلبة من الدروس الخصوصية وأربطهم بالتليفزيون والنت.

ثانياً: أن يتم تقليل حجم المناهج المخيف الذى يدرسه الطلبة خاصة فى مرحلة الثانوية العامة، فليس مطلوباً من الطالب أن يدرس كل هذه المعلومات التى لن يستفيد منها فى المستقبل والتى تفوق حجم ما يدرسه فى الجامعات وذلك بأن تكون لدينا جرأة خفض المناهج بقرار واحد وليس عن طريق لجان تنبثق منها لجان.

أيضا يجب ربط المناهج ببعض، لا أن يكون كل منهج فى جزيرة منعزلة عن الآخر فمثلا جائزة نوبل التى حصل عليها الدكتور «زويل» فى اكتشاف الفيمتو ثانية، نجدها تفيد فى مجال انقسام الخلية الحية والنشاط الكيماوى، أى أن اكتشافاً فى الفيزياء ارتبط بالأحياء والكيمياء، كذلك لا يجب أن نفصل اللغة العربية عن التاريخ، فما الجدوى أن يدرس الطالب بلاغة ونحواً ثم يجيب فى مادة التاريخ بلغة ركيكة ونحو خاطئ وهكذا.

■ لكن البعض يطالب بتغيير المناهج ومراجعتها ككل، فهل حدث ذلك بعد الثورة؟

- أحب أن أخبرك بشىء، قد يكون غريباً إلى حد ما وهو أن كتب العام المقبل تم طبعها بالفعل، فالقطار يسير ولا أحد يستطيع إيقافه.

■ ألا يمكن أن نجرى تعديلات على المناهج ثم نعيد الطبع؟

- نحن نطبع ٥٠٠ مليون كتاب بتكلفة ١.١ مليار جنيه، نحن نحتاج من ٣ إلى ٥ سنوات على الأقل لإحداث التغيير المطلوب.

■ ما تقوله يؤكد القول بأن الوزارة لا تزال تسير وفق نهج النظام السابق وأن الثورة لم تمر على قطاع التعليم بعد.

- للأمانة الشديدة وزارة التعليم فى مأزق حقيقى، لأننا لا نعلم بالضبط هل الحكومة الحالية هى حكومة تسيير أعمال أم إدارة أعمال، فعدم وضوح الرؤية السياسية للبلد لا يجعل أحداً يفكر فى اتخاذ قرارات مصيرية أو وضع سياسات ستطبق لـ٥ سنوات، فى حين أن الوزير نفسه يعلم أنه موجود فى مكانه لعدة أشهر لا أكثر.

■ لكن هناك وزراء قرروا عدم التعامل بمنطق تسيير الأعمال وقرروا تمهيد الأرض فى وزاراتهم للوزراء الجدد باتخاذ قرارات وسياسات مؤثرة.

- من يقول لك هذا «بيهرج» لأنه كيف توضع سياسات فرعية والسياسة الأم غير معلومة حتى الآن، فلا أحد منا يعرف هل النظام القادم فى مصر سيكون رئاسياً أم برلمانياً، وما هى أولويات الدولة.

■ لماذا فشلت كل برامج محو الأمية طوال السنوات الماضية؟

- كان الأمر مقصوداً سياسيا، لأن الأمة الجاهلة أسهل وأسلس فى القيادة من الأمة المتعلمة.


------------------------------
د. كمال مغيث:
التعليم بعيد عن الانتماء الوطنى ويخرج جيلاً من المتطرفين
-----------------------------
قال الدكتور كمال مغيث، الخبير التربوى، إن التعليم بعيد عن الانتماء الوطنى ويخرج جيلاً من المتطرفين، متهماً الوزارة بأنها اهتمت برفع صور الرئيس السابق حسنى مبارك وحرمه من الكتب، لكنها أغفلت الأهم وهو تطوير المناهج، معتبراً أن المجانية أدت إلى سلبيات كثيرة، لكنه ضد إلغائها.

وأضاف «مغيث» فى حواره مع «المصرى اليوم» أنه من أجل إصلاح التعليم يجب تشكيل مجلس من كبار المفكرين والمثقفين والعلماء للنظر فى قضية التعليم كاملة، وتوجيه الاهتمام الأكبر إلى المرحلة الابتدائية لضمان سير جيل بأكمله فى الطريق الصحيح، وإلى نص الحوار:

■ ما الخطوة الأولى لنضع أقدامنا على الطريق الصحيح فيما يخص قضية التعليم؟

- أولاً يجب تشكيل مجلس من كبار المفكرين والمثقفين والعلماء فى مختلف المجالات للنظر فى قضية التعليم برمتها، مدخلات ومخرجات وسوق عمل، فمثلا لا يجوز ولا يصح أن توضع مادة التاريخ بمعزل عن أساتذة التاريخ المرموقين فى مصر، ولا أن يوضع منهج مادة اللغة العربية والجغرافيا والعلوم وغيرها من المواد بعيدا عن علماء هذه المواد، ثانياً التأكد من مهنية العملية التعليمية ووضع لوائح لا تسمح بانتقال الطالب من الصف الأول الابتدائى إلى الثانى الابتدائى إلا إذا كان يجيد القراءة والكتابة، ومبادئ الحساب لأننا نعلم جميعا أن هناك من حصلوا على شهادة الدبلوم ولا يعرفون القراءة والكتابة، ولا يجيدون حتى كتابة أسمائهم وهذا شىء محزن، ثالثاً النظر إلى فكرة المواطنة فى التعليم، فللأسف بدلاً من أن يكون تعليمنا أهم مؤسسة لغرس الانتماء الوطنى عند التلاميذ وجعله فى المقدمة حدث العكس، وأصبح التعليم بعيدا كل البعد عن الانتماء الوطنى لذا كان من الطبيعى أن يخرج لنا متطرفين.

■ وكيف يمكننا القضاء على ظاهرة التطرف فى العملية التعليمية؟

- التطرف فى التعليم يأتى نتيجة عدة عوامل، منها المنهج الذى يجبر المسيحيين على حفظ الآيات القرآنية، أو المنهج الذى يعتمد على أن الإسلام هو الدين الوحيد ولا يراعى وجود ديانة أخرى يحترمها متبعوها، مرورا بالمعلم المتطرف، والمناخ الدراسى العام، حتى الأنشطة، فبدلا من أن نجد مسرحيات عن مصطفى كامل أو أحمد عرابى، نجد كل المسرحيات عن السيدة خديجة بنت خويلد أو أسماء بنت أبى بكر، لذا يجب تغيير كل هذه الأمور، وإشاعة مناخ من الحرية فى العملية التعليمية، فالمعلمون لدينا يشعرون بأنهم فى زنازين وكذلك الطلبة، وكان النموذج الصارخ فى ذلك قصة الطالبة «آلاء» التى كتبت فى موضوع التعبير تنتقد جورج بوش وبقدرة قادر تم تصعيد الموضوع إلى الأمن الذى صعّده بدوره إلى رئيس الجمهورية، فالمفتشون لا يسمحون للمدرسين بالإدلاء بآرائهم فى أى موضوع، ولا يوجد لدى ناظر المدرسة حرية التصرف فى أن يقيم نشاطاً ما بالتعاون مع جريدة أو مصنع أو جمعية أهلية.

■ لكن ألا تعتقد أن تقييد سلطات مديرى المدارس فى هذه النقطة له مبرر وهو أنه لو تُرك الأمر دون ضوابط فربما يتعاون ناظر مع جمعية متشددة دينيا أو مدرس يبث أفكاراً متطرفة بدعوى حرية التعبير؟

- هنا الأمر لا يُترك على علاته، والخوف من السلبيات لا يعنى أن أغلق الباب تماما، ويمكن تجاوز هذا الأمر بوضع لوائح محفزة تشجع على ممارسة النشاط والتعبير عن الرأى، ولائحة جزاءات تأديبية إذا ما ثبت أن المدرس مثلا قام بسب دين أو شخصية دينية أو مارس التمييز، وقتها سيسود الشق الإيجابى وستبقى السلبيات استثناء.

■ فى ظل الوضع الاقتصادى السيئ الذى نمر به.. هل هناك إمكانية لتطوير التعليم؟

- أتمنى فى حالة نجاحنا فى إعادة الأموال المنهوبة من الخارج، أن توظف جميعها لدعم العملية التعليمية، والغريب أن كل عام فى عهد النظام السابق كانت تزداد موازنة التعليم سنويا بمقدار ٢٠% فى حين لم تزدد هذا العام سوى ٣ مليارات جنيه، أى أقل من زيادة كل عام وهو ما نعتبره نقصاً فى الميزانية، وهى ميزانية برمتها هزيلة تؤثر على جودة العملية التعليمية.

■ البعض يلقى باللوم فى تدهور المنظومة التعليمية على المجانية، فما تعليقك؟

- ألا يعرف أصحاب هذا الرأى أن ٤٠% من السكان تحت خط الفقر، يلتهم الغذاء فقط ميزانيتهم، و٨% من هذه النسبة تحت خط الفقر المدقع أى لا يجدون حتى قوت يومهم، وهل قامت الثورة لكى تحرم ٤٠% من السكان من التعليم الذى هو حق دستورى، ومع ذلك هذا الكلام منطقى، فمجانية التعليم أدت إلى سلبيات كثيرة، لكننى ضد إلغاء التعليم المجانى، وعندما أتحدث عن التعليم المجانى فأنا لا أقصد التعليم الرخيص الذى يقدم الآن، والذى ترتب عليه خدمة تعليمية سيئة، إنما أقصد التعليم المجانى الذى يجب أن تدعمه الحكومة بقوة وتقدم من خلاله خدمة تعليمية جيدة.

■ ماذا تقترح لحل المعادلة المعقدة: الزيادة السكانية فى مقابل ضعف الميزانية؟

- هناك طرق كثيرة لزيادة ميزانية التعليم إذا توافرت الإرادة السياسية كفرض ضريبة تصاعدية على بعض المؤسسسات الخاصة تخصص نسبة منها للتعليم، كما يمكن تعظيم ميزانية التعليم عن طريق لامركزية المحافظات، فهناك محافظات غنية بالموارد من الممكن أن يخصص جزء من موارها للتعليم، كما يمكن أن نجد طريقة لإلزام ولى الأمر بأن يدفع للمدرسة المبالغ الطائلة التى يدفعها سنويا للدروس الخصوصية، وهنا يجب التفكير فى طرق غير تقليدية ومبتكرة.

■ وهل يمكن تحقيق نتائج سريعة إذا تم تطبيق هذه الاقتراحات؟

- بالطبع لن نحصل على نتائج سريعة، فما تم هدمه على مدى ٣٠ عاما ليس من المتصور أن يتم إصلاحه فى أيام أو شهور، الإصلاح سيأخذ وقتاً لكن علينا أن نبدأ لأن أى تأجيل سيزيد الأمر سوءا، وهنا أقترح أن نولى الاهتمام الأكبر للمرحلة الابتدائية وللصفوف الأولى من هذه المرحلة، لضمان أن جيلاً بأكمله يسير فى الطريق الصحيح.

■ فى رأيك، لماذا فشلنا فى القضاء على الأمية حتى الآن؟

- لأنه كان لدينا نظام حكم منعزل تماما عن كل القضايا الحيوية، واهتم بالبنية الأساسية للتعليم، لأنها جزء من اللصوصية وتسهل فيها السرقة، ولم يهتم بالتنمية البشرية، ولم يهتم بالجامعات أو الفقراء، وظل لسنوات طويلة يتحدث عن حملات محو الأمية ولم يتخذ فيها خطوات فعلية والنتيجة ما نراه الآن.

■ حضرت مؤخرا اجتماعا مع وزير التربية والتعليم وعدد من المهتمين بملف التعليم، فهل شعرت بأن الحكومة الحالية تضع التعليم فى أولوياتها؟

- إطلاقا، لم أشعر بأى تغيير، والسياسة السابقة مازالت قائمة، فالدكتور أحمد جمال الدين موسى، وزير التربية والتعليم، كان وزيرا فى عهد النظام السابق، ولولا أن النظام السابق هو الذى استغنى عنه لما ترك الوزارة، وقد قلت لهم فى هذا الاجتماع إننى أحضر هذه الاجتماع فى هذه القاعة نفسها منذ ٢٠ عاماً مع وزراء مختلفين ولم أشعر بأى اختلاف، لأنه فى بداية الاجتماع أخذ كل مسؤول يعدد إنجازاته أمام الوزير: المسؤول عن المبانى يعدد ما تم إنجازه فى الأبنية، ومسؤول الكمبيوتر يتحدث عن المعامل المتقدمة فى المدارس إلى آخره، ولم يجب أحد عن سؤال: وماذا بعد؟

كنت أتمنى أن تكون روح ثورة ٢٥ يناير حاضرة فى الاجتماع هذه المرة لكننى لم أجدها، وأظن أن الوزارة اهتمت فقط برفع صور الرئيس السابق حسنى مبارك، من المكاتب ورفع اسمه واسم حرمه من الكتب والمدارس، ولم يبد أحد اهتماما بتغيير المناهج وتطويرها.

■ وسط هذه الصورة القاتمة.. ألا ترى أى بصيص من النور؟

- الشىء الوحيد الجيد الذى أراه- لو تم تنفيذه- هو ما صرح به وزير المالية الدكتور حازم الببلاوى بأن هناك ١.٧ مليار جنيه ستوجه لإصلاح حال المعلمين.

-------------------------------
. يسرى عفيفى:
المدارس تحولت إلى «سبوبة» والتلميذ «زبون»
-------------------------------------------

قال الدكتور يسرى عفيفى، مدير مركز تطوير المناهج، رئيس اللجنة العليا لتطوير المناهج الدراسية السابق، إن الطلاب لا يتعلمون شيئاً فى المدارس الحكومية، واصفاً المدارس بأنها تحولت إلى سبوبة، والتلميذ إلى مصدر رزق و«زبون» للمدرس، معتبراً أن المجتمع السيئ لا يمكن أن يفرز تعليما جيدا مهما كانت المناهج متطورة، مشيراً إلى أن التيار الدينى متغلغل فى مصر بأكملها، وأنه يجب التفريق بين منهج يحض على التطرف ومدرس متطرف.

وأضاف عفيفى أن مشاكل المدرسين الاجتماعية من عدم قدرة على الزواج، أو توفير شقة، تنعكس على أدائهم فى الفصل، مؤكداً أنه يرفض التعليم باللغة الإنجليزية، لكنه مع إتقانها كلغة، واصفاً المدارس الأجنبية بأنها جريمة فى حق مصر، والجامعات الخاصة بأنها وراء انهيار التعليم وأنها تحولت إلى «بيزنس»، لافتاً إلى أن الطالب فى كوريا ينام ٤ ساعات فقط بسبب المذاكرة والاجتهاد، بينما فى مصر يتم نشر صور طالبات الثانوية فى الصفحة الأولى وهن يبكين بعد الامتحان، وإلى نص الحوار:

■ ما الأسس التى تقوم عليها العملية التعليمية وكيف تتأثر بالمناخ العام فى المجتمع؟

- فى البداية لابد أن نفرق بين ٣ أمور، هى المنهج المكتوب، والمنهج المنفذ، والمنهج المحصل، فالأول هو المنهج الذى تم وضعه، وهناك وثائق عليه، وهذه المناهج نستفيد فى وضعها بكل المناهج العالمية، وبالتالى المناهج المصرية لا تقل عن المناهج العالمية فنيا، أما المنهج المنفذ فهو ما ينفذه المدرس داخل الفصل وتعتمد القدرة فى توصيل المعلومات على كثافة الفصول، وقدرات المعلم، وأزماته الاجتماعية، كونه غير متزوج، ولا يستطيع شراء شقة، وعليه أقساط إلى آخره وكلها أمور تنعكس على كيفية توصيله المعلومات، وتنفيذ المنهج، أما المنهج المحصل فهو الذى يصل إلى الطالب، وهناك ٧٠% من الطلبة فى التعليم العام لديهم أنيميا نتيجة الفقر والجهل، وبالتالى يؤثر ذلك على قدراتهم فى التلقى والتحصيل، وما أقصده هنا أن المنهج قد يكون جيدا، لكن هناك عوامل كثيرة تؤثر فى وصوله إلى الطالب، لذا أرى أنه لابد أن تتحسن أحوال المدرسين والطلاب الاقتصادية، وتزيد رواتبهم، ليأكلوا ويشربوا وتتحسن صحتهم، وقتها فقط سيتحسن مناخ التعليم وسيكون للتدخل الفنى سواء بتطوير المناهج أو أساليب التعلم أهمية، لكن المطالبة بتطوير المناهج وتحسين التعليم بينما المجتمع كله سيئ ليس له أهمية، فبماذا سيفيد تطوير المناهج وقتها.

■ ما تقييمك للتعليم الحكومى المجانى؟

- أولادنا لا يتعلمون شيئا فى المدارس، فالمدارس أصبحت «سبوبة» و«أكل عيش» لأساتذة الدروس الخصوصية، والطالب أصبح سببا للرزق و«زبون» لا أكثر.

■ المناهج متهمة بالحض على التطرف الدينى والتمييز، ما تعليقك؟

- غير صحيح، ومن يقل ذلك فثقافته سمعية ولم يقرأ المناهج ويجب أن نفرق بين منهج يحض على التطرف، ومدرس متطرف، فالتيار الدينى متغلغل فى مصر بأكملها وهناك مدرسون متطرفون ولكن هذا لا يعنى أن ألقى باللوم على المنهج.

■ لكن المناهج متهمة بأنها لا تعترف إلا بالدين الإسلامى، ومادة التاريخ لا تعترف إلا بالتاريخ الإسلامى وتتجاهل التاريخ القبطى؟

- التاريخ الذى يدرس هو تاريخ الحكم، والمسيحيون لم يحكموا حتى ندرس تاريخهم، فالرومان فقط هم من حكموا مصر واضطهدوا المسيحيين وسجنوهم وعذبوهم، ولكن إذا كنا نتحدث عن التاريخ القبطى الاجتماعى، فجميعنا معترف بالدور الذى قام به الأقباط فى المجتمع المصرى، ووقوفهم إلى جوار المسلمين فى الثورات، وفى مناهضة الإنجليز، لكن التاريخ الذى يُدرَّس هو تاريخ الحكم وليس التاريخ الاجتماعى.

■ لكن أحيانا يتم إجبار الطلبة الأقباط على حفظ بعض الآيات القرآنية، أليس هذا تطرفا ومغالاة؟

- ليس هناك إجبار على الحفظ، وإن حدث فإنه يندرج تحت بند سلوك المدرس، لكننا ندرس بعض آيات القرآن فى منهج اللغة العربية لتدريس الصور البلاغية، ولا يجب أن ننسى أن عدداً من الأقباط المثقفين وعلى رأسهم مكرم عبيد كان يستشهد بآيات القرآن الكريم فى مرافعاته القانونية، وكانت لغته العربية رصينة بسبب حفظه القرآن الكريم.

■ هناك اتهام آخر موجه للمناهج هو أنها تعتمد على التلقين والحفظ وتخلو من الإبداع والابتكار!

- التلقين أو الابتكار أمران تتحكم فيهما طريقة المدرس فى التدريس وليس المنهج، فالمدرس هو الذى يشجع الطلبة بوضع الحوافز والطرق الممتعة فى الشرح، ولكن لا يمكن أن نطلب من مدرس مقهور خائف من كل شىء أن يعلم الطلبة الحرية والتعبير عن أنفسهم.

■ فى المقابل كيف تقيّم تجربة المدارس الخاصة الفرنسية والكندية والبريطانية وغيرها؟

- هذه أكبر جريمة ارتكبت فى حق المجتمع، فلا توجد دولة فى العالم باستثناء مصر سمحت بوجود مدارس تمثل دول العالم ويدخلها أبناؤها المحليون، فأنا أفهم أن المدرسة الفرنسية هى للطالب الأجنبى الموجود على أرض مصر، وليس الطالب المصرى، فالتعليم العام فى الأصل للمواطنة وللحياة، ولابد من وجود جذور مشتركة بين الطلاب حتى يكونوا متجانسين ومتساوين ومتسقين فى نسيج واحد دون طبقية، لكن ما حدث غير ذلك، والنتيجة أنه فى الجامعة يجلس طلبة المدرسة الكندية سويا، وطلبة المدرسة الألمانية يخالطون بعضهم فقط، وطلبة التعليم الحكومى منعزلين عن الجميع فأصبحت الجامعة أشتاتاً وفرقاً متناحرة، هؤلاء يسبون ثقافة أولئك، وآخرون يصفون فريقاً بأنه «بيئة» وفوق كل هذا انتماء الطلاب إلى ثقافة دولة المدرسة، الغريب أنه لا توجد دولة تسمح بذلك على أراضيها إلا مصر.

■ وما توصيتك هنا بهذا الشأن؟

- يجب أن نعطى مهلة ٣ أو ٤ سنوات لإصلاح هذا الوضع، وإعادة النظر فى هذه المدارس، بل تعديل قانون الجامعات الخاصة، فالمدارس والجامعات الخاصة كان الهدف منها الارتقاء بالتعليم، إلا أن الواقع أثبت أنها أدت بالتعليم إلى الانهيار وتحولت إلى «بيزنس»، فكل رجل أعمال يقترض من البنوك أموالاً لإنشاء جامعة ويكون كل همه هو تحصيل المال من الطلبة لتسديد القرض، وعلى الجانب الآخر أصبح كل طالب يمتلك والده المال لا يهتم بالتعليم ولا المذاكرة ولا المجموع مادام يستطيع الالتحاق بالكلية التى يريدها فى جامعة خاصة، لذا يجب إعادة النظر فى قرار إنشاء الجامعات الخاصة.

■ وهل التعليم باللغة الإنجليزية نوع من التحضر ومواكبة العصر أم نسف للهوية؟

- أنا ضد التعليم باللغة الإنجليزية، لكننى مع تعلمها وإتقانها لأنها لغة العصر، بشرط ألا تكون لغة تعليم كل المناهج.

■ إلى أى مدى تسهم الأسرة بالارتقاء بمنظومة التعليم؟

- الوزير لا يستطيع مهما كانت كفاءته إصلاح منظومة التعليم دون مساندة الأب والأم، ولن ينصلح التعليم إلا إذا حدثت ظاهرة واحدة وتفشت، وهى أن كل طالب يذهب إلى والديه يخبرهما بأنه غش فى الامتحان فيقومان بتوبيخه وينهرانه، وقتها فقط سينصلح الحال، لكن مادام الأب والأم يلهثان وراء أن يحصل ابنهما على شهادة فقط دون التأكد من أنه تلقى التعليم الكافى فلن ينصلح شىء، فمن الظواهر الغريبة التى نشهدها مع كل امتحان للثانوية العامة ويلعب فيها الإعلام دوراً مشيناً هو أن يتم تصوير عدد من الطالبات وهن يبكين على صدور أمهاتهن من صعوبة الامتحان ويتم وضع الصورة مع مانشيت عريض فى الصفحات الأولى، وهنا لابد أن نتوقف لحظة هل المطلوب أن يكون الامتحان فى مستوى الطالب الفاشل وليس المتوسط، هل تريد الأمهات شهادة فقط دون الاطمئنان على مستوى تعليم أولادهن، ثم لماذا يلعب الإعلام دوراً غير دوره ويقيم ما إذا كان الامتحان سهلاً أم صعباً، ثم تخرج مذيعات التليفزيون علينا يتحدثن عن عدد الساعات المضنية التى يقضيها الطالب فى المذاكرة وكأنه المفروض أن يمضى هذه المرحلة من حياته فى اللعب.

لقد سافرت إلى كوريا واطلعت على تجربة التعليم هناك، وأجزم بأن الطالب هناك لا ينام سوى ٤ ساعات فقط، ويقضى باقى الوقت فى المذاكرة والاجتهاد، والأسرة تحثه على ذلك، والنتيجة أنهم بنوا أمة ودولة، ونحن مازلنا نبكى على أولادنا متضررين من نار المذاكرة، وفوق كل هذا تسببوا فى جعل المدرس الذى يضع الامتحانات خائفاً ومرعوباً ألا يرضى أولياء الأمور، أو أن يأتى بامتحان يقيم مستوى الطالب فتكون النتيجة أن ينقله الوزير إلى سوهاج أو أسوان، وكأن التعليم يجب أن يخضع لرغبات أولياء الأمور. هذا هراء يجب أن يتغير وثقافة يجب أن تنسف، لأن ما يحدث هو فوضى تعليمية.

--------------------
نشر في المصري اليوم يومي 17 و18 سبتمبر 2011

السفير محمد إدريس

التفاوض مع إثيوبيا لا علاقة له بمشكلة المياه.. ونهدف إلى زيادة حصتنا المائية
-------------------------------------
حوار رانيا بدوى ١٦/ ٩/ ٢٠١١
------------------------------------
قال محمد إدريس، سفيرنا الجديد فى إثيوبيا، إن مصر لا تستهدف منع بناء سدود إثيوبية، أو تعويق مسيرة التنمية لشعب أفريقى صديق ومهم، وإنما هدفها تأمين مصالحها المائية فى ظروف ندرة مائية متزايدة، جعلتنا أقل دول الحوض فى الموارد المائية، حتى بلغ نصيب الفرد سنوياً «٧١٢ متراً مكعباً» وهو الأقل ضمن حوض هذا النهر العظيم.

وأكد إدريس فى حواره لـ«المصرى اليوم» قبيل سفره لتسلم مهام عمله فى إثيوبيا أن ما كان مطلوبا لاحتياجات مصر عندما كان عدد سكانها ٢٠ مليونا لم يعد كافيا وعدد سكانها يتجاوز ٨٥ مليونا، ومتوقع ارتفاع حجم احتياجاتنا عام ٢٠٥٠.

وأوضح أن ثورة يناير أعادت البوصلة إلى اتجاهها الصحيح ووضعت أفريقيا على قائمة الأولويات بقرار سياسى يعكس إرادة شعبية، مؤكدا أننا لن نشهد سيطرة للأمن على ملف النيل فى المرحلة المقبلة، وإنما سيتم التنسيق بين جهات عدة فى إدارة هذا الملف.. وإلى نص الحوار:

■ بداية ما أولوياتك فى عملك خلال المرحلة المقبلة كسفير لمصر فى إثيوبيا؟

- العمل فى أديس أبابا له ٣ أبعاد: البعد الخاص بكونى سفيراً لمصر لدى إثيوبيا بما يعنيه من متابعة ملف العلاقات الثنائية بمختلف جوانبه، والبعد المتعلق بعضوية مصر لدى الاتحاد الأفريقى بنشاطاته المتعددة، وأيضاً عمل لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية الخاصة بأفريقيا. وكلها مهام فى ظروف صعبة حافلة بالمتغيرات على المستويين الوطنى والإقليمى، أُقبِل عليها باقتناع وحماس وأتطلع إلى أداء يرقى لمستوى تحديات الوطن.

■ هل ترى معى فشل الدبلوماسية المصرية قبل ثورة يناير فى التعامل مع دول حوض النيل؟

- هناك جهد أكثر كان يجب أن يبذل مع القارة الأفريقية ككل ودول حوض النيل على وجه الخصوص، لاستثمار الرصيد الكبير الذى كان لنا هناك يوماً ما. ومرحلة ما بعد ثورة ٢٥ يناير هى مرحلة عودة البوصلة إلى اتجاهها الصحيح إلى حيث توجد مصالح مصر الحيوية. وكون أن جهداً كبيراً كان مطلوباً لا يعنى أنه لم يكن هناك جهد على الإطلاق، ولو أن هناك جهداً كان يبذل لا يعنى أنه ليس فى الإمكان أبدع مما كان.

■ هل ستكون أولوياتك تحسين العلاقات الثنائية أم التعامل مع أزمة المياه تحديداً؟

- تقديرى أنه إذا أردنا تحقيق تقدم فى ملف المياه فيجب ألا تقتصر العلاقات على هذا الملف، وإنما تكون العلاقات ذات نسيج عريض وقاعدة واسعة مبنية على مسارات متعددة، منها العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية، أما إذا انشغلنا بملف المياه فقط وحاولنا أن نجد تسوية له بمعزل عن مجمل باقى العلاقات فسندور فى دائرة مفرغة، لكن ما أتصوره وسأعمل عليه أن تتحرك العلاقات وتنمو على مسارات مختلفة، أولها أهمية بناء الثقة والتواصل السياسى. وثمة أهمية كبرى لتفعيل وزيادة التبادل التجارى بين البلدين..

فلا يعقل أن يكون حجم التجارة بين بلدين يربو عدد سكان كل منهما على ٨٥ مليوناً حوالى ١٥٠ مليون دولار فقط، لابد من زيادة هذا الرقم، وهناك منتجات مصرية عديدة تحتاجها الأسواق الإثيوبية وكذلك هناك احتياج كبير فى الأسواق المصرية للثروة الحيوانية الإثيوبية ويوجد الآن مجلس رجال أعمال مصرى إثيوبى يتوسع دوره بشكل سريع لتطوير حركة الاستثمارات بين البلدين، فحتى عام ٢٠٠٩ كان حجم الاستثمارات المصرية فى إثيوبيا حوالى ١.٧ مليون دولار فقط، ارتفع فى عام ٢٠١١ حجم الاستثمارات نفس الرقم ولكن بالمليار دولار.. هناك تعاون مرتقب فى مشروعات عديدة بإثيوبيا فى مجالات الكهرباء والرى والتشييد والبناء.. هناك أيضا آلية للتشاور السياسى فى القضايا الاستراتيجية المهمة التى يتعين إرساؤها.

■ كيف ستترجم هذه الأمنيات إلى واقع؟

- الأمنيات تحتاج إلى خطة عمل لترجمتها إلى واقع، والخطوة الأولى هى توفر الإرادة السياسية، وهو ما عكسته زيارة رئيس الوزراء المصرى التى ستقابلها زيارة منتظرة هذا الشهر لرئيس وزراء إثيوبيا. وهناك لجنة مصرية إثيوبية مشتركة سيكون على رأس أعمالها تطوير وتعزيز مسارات مختلفة للتعاون، كما سيكون هناك دعم لرجال الأعمال وتشجيع لهم لتكثيف استثماراتهم فى إثيوبيا، فضلاً عن خطوات ملموسة للتعاون فى مجالات التجارة والتصنيع والتشييد والدواء والتعليم العالى.

■ لكن اللجنة أنشئت عام ٨٧ ولم تنعقد سوى ٣ مرات فكيف يمكن التعويل عليها؟

- صحيح، وهذا دليل على أن الاتفاقات وحدها لا تكفى لبناء علاقة صحيحة، وإنما المهم هو تفعيل هذه الاتفاقات، والمرحلة القادمة تحتاج لإعادة بناء الثقة بين البلدين التى تأثرت سلباً فى الفترة السابقة بجهد مشترك عن طريق وجود تفاهم وتواصل وتشاور فى القضايا الجوهرية التى تهم الطرفين.

■ أفهم من ذلك أن أى تفاوض مع إثيوبيا سوف ينطلق من قاعدة عدم المساس بحصة مصر من المياه؟

- على العكس، نحن نرغب فى زيادة حصتنا من المياه لأن الحصة الحالية لم تعد تكفينا وذلك من خلال مشروعات استقطاب الفواقد وهى مشروعات مشتركة فى مجال المياه والرى لزيادة الموارد والاستفادة من أكبر قدر منه بدلا من أن يهدر على طول المجرى.. فحصيلة مياه النهر التى تتجاوز ١٦٠٠ متر مكعب سنويا لا يستفاد منها إلا بحوالى ٦% فقط ويهدر الباقى.

■ هل ترى أن علاقة إثيوبيا بإيران أو إسرائيل تضر بمصالحنا؟

- يجب ألا تكون علاقات الدول الثنائية على إطلاقها رهينة بعلاقاتها الخارجية الأخرى، علينا نحن أن نزيد من رصيد العلاقات المشتركة مع دول قارتنا الأفريقية بشكل عام، والتواصل مع دول حوض النيل بشكل خاص، بغض النظر عن علاقات هذه الدول بأطراف أخرى، وإن كان هناك ما يمسنا مباشرة نطرحه مع الجانب الآخر بصراحة ووضوح ومزيد من التواجد وليس الابتعاد، وهذا يحتاج جهداً وعملاً مبادراً من جانبنا، لا أن نلقى باللائمة دائماَ على عوامل أو أطراف خارج دائرة العلاقات الثنائية، فدولة بحجم مصر وتاريخها فى أفريقيا لا يزيحها الآخرون وإنما يملأون الفراغ الذى يتركه إبتعادها عن ساحتها الأفريقية.

■ هل يمكن استعادة وزن مصر الأفريقى أو أن تكون إثيوبيا بوابة لاستعادة العلاقات مع المنطقة؟

- مصر وإثيوبيا دولتان كبيرتان لهما مصالح حيوية فى أفريقيا، ولابد من وجود حوار استراتيجى مستمر لتقليل الخلافات فى وجهات النظر وتوسيع مساحة التوافق.. بالطبع لن يكون هناك اتفاق كامل فى مختلف القضايا، ولكن يحتاج كل طرف أن يدرك المصالح الرئيسية للطرف الآخر، وأن يطمئن إلى أن سياسات الطرف الآخر لا تمثل إضراراً بمصالحه. فهناك مناطق استراتيجية مهمة، كالسودان والبحر الأحمر والقرن الأفريقى، يمكن التعاون فيها لمصلحة الطرفين والقارة الأفريقية، وأن يكون هناك تشاور وتفاهم حولها لعدم حدوث أى سوء فهم متبادل بشأنها.

■ هل لدينا بدائل لو فشلت جهود التفاوض مثل اللجوء للتحكيم الدولى مثلا؟

- السيناريو الأساسى هو تطوير العلاقات بين البلدين، وهو الذى يمكن معه حل أى مشاكل قد تطرأ فيما يتعلق بالقضايا المختلفة بما فيها المائية.. وحدث تطور إيجابى لم يتبلور بعد فى اتفاق بشأن هذا الملف بعد زيارتى وفد الدبلوماسية الشعبية ورئيس الوزراء. حيث حدث تفاهم على نقطتين هما: تأجيل التصديق على الاتفاقية الإطارية من قبل الجانب الإثيوبى حتى تكتمل العملية السياسية فى مصر بانتخاب برلمان ورئيس، وتشكيل لجنة ثلاثية بين مصر والسودان وإثيوبيا، تنضم إليها أطراف استشارية كخبراء دوليين، لإثراء الحوار فيما يتعلق بالمسائل الفنية ذات الطبيعة المعقدة فى مثل هذه الموضوعات، فوجود أطراف دولية ذات طبيعة محايدة وعلى كفاءة وخبرة فنية سيفيد جميع الأطراف.. وستكون مهمة هذه اللجنة تقييم الجوانب الفنية المتصلة بالحديث الدائر الآن حول مشروع سد النهضة.. فالطرح الإثيوبى يؤكد أن هذا السد وغيره لا ولن يؤثر على مصالح مصر المائية، وهذا ما نأمله.

■ قبل ثورة يناير كانت الملفات الخارجية فى يد الأمن فهل تغيرت الصورة الآن؟

- ليست هناك ملفات أمنية وملفات غير أمنية.. هناك ملفات وطنية تتصل بهذه القضايا وغيرها، ومثل هذه القضايا تكون محل نظر ودراسة وإسهام من جانب مؤسسات عديدة فى الدولة من منطلق تكامل الرؤى وتوخى المصلحة الوطنية.

■ لكن هذه الملفات بالأساس كانت فى يد المخابرات العامة قبل الثورة وكان القرار أحيانا يسبق قرار الخارجية؟

- أنا أعلم أن التعامل مع هذه الملفات الحيوية سيتم من خلال منظور وطنى شامل، فكل جهة لها دور فيها وهذه الأدوار تتكامل فى النهاية، ويجب ألا يكون لجهة ما اليد العليا وأن تتعامل فى الملف بمعزل عن باقى الجهات.. فمثلاً هناك لجنة عليا لمياه النيل تضم جهات متعددة، وليس وزارة الخارجية فقط، وإنما أيضاً الرى والكهرباء والزراعة والأمن القومى والدفاع والتعاون الدولى.

■ ماذا عن زيارتك للبابا شنودة وشيخ الأزهر قبل سفرك وهل المقصود الضغط بكارت الدين فى حل أزمة المياة؟

- لا أميل لخلط الدين بالسياسة ولا الدين بالمياه، وليس الهدف أن يكون هناك دور للأزهر أو الكنيسة فى حل قضية المياه، ولكنى أرى أن العلاقات بين البلدين بها أبعاد عديدة كما ذكرت سابقاً من بينها المكون الروحى والدينى.. فالمكون الروحى يمثل محوراً أساسياً فى حياة الشعبين العريقين اللذين قدما للحضارة الإنسانية تراثاً دينياً وروحياً منيراً ومُلهماً، ويمثل أحد القواسم المشتركة التى نتطلع إلى تعزيزها وتطويرها. فاللقاء مع قداسة البابا شنودة ثم اللقاء مع فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر سعيت إليهما استعداداً لمهمتى المقبلة، حيث حرصت على أن أستمع إلى أكبر قدر ممكن من الرؤى المصرية لأستفيد بها، وأعلم أن البعدين، الدينى والثقافى، مهمان فى العلاقات المصرية الإثيوبية، ولا يتم تفعيلهما بالشكل الكافى، لذا أتطلع إلى تواصل متعدد الأبعاد بين البلدين.

-------------------
نشرت في المصري اليوم بتاريخ 16-9-2011
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=310799

منصور حسن

وزير الإعلام والثقافة وشؤون الرئاسة الأسبق :
الهجوم على السفارة الإسرائيلية غوغائية وليس عملاً ثورياً
-----------------------------------
حوار رانيـا بـدوى ١٣/ ٩/ ٢٠١١
------------------------------------

ارتفعت مؤخراً الدعوات لتصويب مسار أعظم ثورة مصرية فى العصر الحديث، ثورة شهد العالم لها بالعبقرية لسلميتها ووضوح أهدافها.. الآن تمر هذه الثورة بمنعطف خطير يكاد يجعلها غنيمة لقوى متنمرة لقطف ثمارها.. والانحراف بها عن مسارها.

التقينا وزير الإعلام والثقافة وشؤون الرئاسة الأسبق منصور حسن لنسأله كيف يرى وضع الثورة الآن وكيف تعود قاطرة الثورة إلى مسارها الصحيح.. قال لنا إن الأمر بالنسبة له أكبر من مجرد حوار.. بل فرصة جاءت فى حينها ليوجه عبر «المصرى اليوم» نداءً لكل من شاركوا بحق فى الثورة، أن يسارعوا بالاتحاد لبناء «حزب الثورة».

■ وضع شباب الثورة مؤخرا فى مأزق خطير بعد الاعتداء على أهداف مختلفة ليس بينها رابط، مثل السفارة الإسرائيلية والسفارة السعودية ومديرية أمن الجيزة وتحرشهم بعدد من قوات الشرطة والجيش مما أثار حفيظة الرأى العام ضدهم، فكيف تقرأ المشهد العام؟

كان من المقرر أن تكون الجمعة الفائتة فرصة وتلبية لدعوة لمليونية جديدة لتصحيح المسار، ومع اعتراض عدد من القوى السياسية ومقاطعتها لهذه الجمعة إلا أن البعض توافق وذهب إلى ميدان التحرير. ورغم أننى أرى أن موضوع المليونيات كان يجب المحافظة عليه للموضوعات ذات الأهمية القصوى، إلا أن استعماله زاد عن حده وأسىء استغلاله مما أدى إلى فقدانه بعضا من تأثيره. ومر يوم هذه المليونية عاديا كما حدث من قبل فى المليونيات السابقة، وأعلن كل طرف مطالبه ومبادئه. وفى نهاية اليوم وجدنا مجموعات تجرى نحو أهداف مختلفة فريق هاجم وزارة الداخلية، وآخر ذهب إلى مقر السفارة الإسرائيلية وحاول اقتحامها واعتدى على عدد من قوات الشرطة والجيش وفريق آخر اتجه نحو السفارة السعودية وغيره نحو مديرية أمن الجيزة وتم الاشتباك مع قوات الأمن هناك، وهذه الأعمال ليست أعمالا ثورية على الإطلاق إنما أعمال شغب وغوغائية. ومن المؤكد أن الأغلبية يشعرون بأن شباب الثورة ليسوا من ضمن هؤلاء.

■ إذن أين هم شباب الثورة، وما موقفهم مما حدث؟

- شباب الثورة تفكك وذاب فى العديد من الأحزاب والتنظيمات، وكان يفترض أن تخرج قياداتهم للإعلان للرأى العام عن رفضهم لما حدث بل تنظيمهم مع زملائهم مجموعات لمواجهة هذه المواقف حماية للثورة ولمصر. كما أن غياب كتلة شباب الثورة فى تنظيم موحد ترك فراغا لتملوه فئات شبابية أخرى، الكثير منهم لم يكونوا على مستوى المسؤولية، فاتخذوا مواقف أساءت إلى شباب الثورة بل إلى مصر فى كثير من الأحيان.

■ تتفق إذن مع من يقولون بأن عدم وجود قيادة معلنة لثورة ٢٥ يناير أسهم فى ظهور السلبيات التى لحقت بمسارها؟

- من أهم خصائص ثورة ٢٥ يناير العظيمة بالاختلاف عن كل الثورات أنها ليست لديها قياده فردية ولا جماعية معروفة، هم مجموعة من الشباب تعارفوا وتراسلوا فى الفضاء الالكترونى وانعقد عزمهم على ضرورة التحرك فى مظاهرة كبيرة أو احتجاج على المساوئ المتزايدة لنظام الحكم فى ذلك الوقت، هذا التحرك الذى تحول بتأييد الشعب إلى ثورة بهرت الجميع وأعرب زعماء العالم عن إعجابهم واحترامهم لها.

ولا شك فى أن عدم وجود قيادة معلنة لهذه الثورة كان ميزة كبيرة رغم بعض السلبيات، فإن عدم وجود قيادة للثورة كان يعنى أن الشعب هو الذى يحدد الاتجاه ويقرر المصير دون ضغوط خارجية أو داخلية، لأول مرة منذ أن نشأت مصر فى أعماق التاريخ، ولا شك فى أن هذه فرصة وميزة كبرى لو قدرناها حق قدرها، وكنا على مستوى المسؤولية كشعب فى ممارسة واجباتنا فى ظلها.

■ وما السلبيات التى ظهرت بسبب عدم وجود قيادة؟

- أولاً عدم وجود قيادة فردية أو جماعية للثورة لم يساعد على استكمال الأدوات المطلوبة للسيطرة على مقاليد الحكم واتخاذ القرارات اللازمة لتحقيق أهداف الثورة والعمل على تنفيذها، فأصبحت ثورة غير مكتملة الأدوات. الثوار فى جانب يطرحون مطالبهم ويلتمسون تحقيقها من المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى أنيطت به مسؤولية الحكم خلال هذه المرحلة، لا شك أن هذا الوضع قد أدى إلى بعض المشكلات، حيث إن الذين قاموا بالثورة لا يملكون أساليب وتوقيتات الخطوات التى تحقق أهدافها. فكان الإحساس العام بأن خطوات الثورة بطيئة ومترددة أحياناً ومرتبكة أحياناً أخرى، بالإضافة إلى توزع المسؤولية بين المطالبين بتحقيق أهداف الثورة والمنوط بهم تنفيذها، فبالرغم من أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة قد انحاز للثورة منذ مرحلتها الأولى وعمل على حمايتها، ففروق السن والخبرة وموقع المسؤولية تؤثر فى مدى التطابق بين رأى شباب الثورة والمجلس العسكرى.

■ يرى البعض أن الثورة بعد أن نجحت فى تحقيق أول انتصاراتها بسقوط رأس النظام السابق، ثم خبا صوتها بين ضجيج القوى السياسية التى تسعى لاقتناصها، هل ترى ذلك أيضاً؟

- نعم، عدم وجود تنظيم موحد للثورة يتحدث باسمها ويقرر أهدافها ويحدد الخطوات المطلوبة لتحقيقها عامل سلبى، جعل صوت الثورة يخبو بين ضجيج القوى السياسية العديدة، القديمة منها والجديدة، وضاعت معالم خطواتها بين طرح القوى السياسية وسعى كل منها إلى الحصول على موقع متميز فى البناء السياسى الجديد. بل إن ما هو أخطر من ذلك بكثير أنه يحدث كثيرا أن يقوم بعض الشباب باتخاذ إجراء معين مثل إغلاق مجمع التحرير أمام الجمهور، أو المناداة بشعارات خطيرة وغير منطقية مثل إغلاق قناة السويس، أو القيام بشغب ضار. هذه التصرفات التى تتميز بالرعونة والغوغائية التى لا يقبلها المنطق أو الرأى العام ينسبها الرأى العام للشباب عموما ولا يميز بين فئة وأخرى مما يسىء ظلما لشباب الثورة بل الثورة نفسها.ولو كان هناك تنظيم موحد للثورة كان سيسارع باستنكار هذه التحركات ويبرئ الثورة مما قد يشينها.

■ وكيف يرى المواطن العادى الثورة حاليا؟

- لا شك فى أن عدم وجود تنظيم للثورة هو أخطر ما يهدد نجاح الثورة ويعطل تحقيق أهدافها بل يهدد استمرار الثورة نفسها. وأصبح هناك شعور متزايد لدى الرأى العام بأن نبض الثورة يخفت، وأن آثار الثورة لم تعد واضحة مما أصاب البعض باليأس والبعض الآخر بالقلق والارتباك وعدم وضوح الرؤية والاتجاه. وأمام هذا الخطر الكبير الذى يهدد ضياع الثورة العظيمة من أيدينا ما زال فى الإمكان إعادة الأمور إلى نصابها وإيجاد تواجد قوى للثورة يجب هذه السلبيات الخطيرة، ويضمن لنا تحقيق أهداف الثورة بهمة وحماس ويضمن لنا استمرار الثورة لنحدد بها معالم المستقبل الذى نتطلع إليه.

■ وكيف السبيل كى تعود الثورة إلى مسارها الصحيح؟

- يمكن تحقيق ذلك لو قرر ثوار يناير، وعلى الأخص طلائعهـــم من الشباب، أن يجمعوا أنفسهم مرة أخرى فى تنظيم واحد «حزب ثورة ٢٥ يناير». فإذا ما قرر الشباب بالذات أن يعيدوا تجمع الصفوف وتوحيدها فى هذا الكيان الواحد فيكونوا قد وجدوا الكيان الثورى الذى نفتقده والذى يملأ الفراغ الذى نشعر به فى الحياة السياسية.

فى ثورة ١٩١٩ المصرية قامت القيادات بتكوين حزب الوفد الذى أصبح فور تكوينه الحزب الكبير الذى يحتوى حركة نضال الشعب لتحقيق الاستقلال والنهضة واستمر هو الحزب الكبير فى الحياة السياسية ليعبر عن رأى الشـعب فى مواجهة الاستعمار والقصر وأعوانهما. ما تحتاجه ثورة يناير الآن وعلى وجه السرعة، هو هذا الكيان الموحد الذى يوحد الثوار مرة أخرى حول الثورة ويبلغ أهدافها ويضمن العمل على تقدمها ويتجه بنا نحـو المستقبل الذى نتمناه لمصر والذى يليق بشعب صنع ثورة يجب أن تكون من أعظم الثورات فى التاريخ إذا ما استعدناها بين أيدينا وبذلنا تحت لوائها كل ما يحقق أهدافها.

■ ماذا توجه لشباب الثورة من رسائل فى هذه اللحظات الحرجة التى تمر بها مصر؟

- أناشدهم يا ثوار يناير لقد ضاع منا حتى الآن ما يقرب من ثمانية أشهر، منذ حققت الثورة أول انتصاراتها بسقوط رأس النظام السابق، انجرفنا فيها إلى دوامات الخلافات السياسية والفكرية، فضاع الطريق من تحت أقدامنا. فانهضوا أيها الثوار وارفعوا رؤوسكم عن هذه الدوامات السياسية التى تنظر إلى المستقبل من منظور الماضى واتجهوا إلى ما يجمعكم فى تجمع واحد تشرفوا منه على المسقبل الذى هو ملك لكم، عليكم أن تحددوا معالمه والطريق إليه.

إنه من الغريب أن الشباب من طلائع ثورة يناير الذين تجمعوا بدون سابق معرفة ليشعلوا الثورة، هم أنفسهم الذين سريعاً ما تفرقوا إلى شيع وأحزاب حتى قيل إن هناك ما يزيد على المائة من التنظيمات والائتلافات والاتحادات التى تضمهم.

كيف كان لديهم هذا الوعى الخلاق الذى جمعهم ليقوموا بهذه الثورة العظيمة، وبعد أن حققت الثورة أول نجاحاتها بسقوط النظـــام لم يكن لديهم ما يكفى من وعى ليحافظوا على وحدتهم ضماناً لاستمرار الثورة لتحقيق أهدافها.

■ وهل ترى فى شباب الثورة النضج الكافى لتنحية الخلافات بينهم بعد مرور كل هذه الفترة؟

- تابعت عدداً من شباب الثورة فى ندوات وحوارات، ورأيت فيهم النضج وقوة الشخصية مما جعلنى على ثقة بأن منهم من يستطيع أن يدعو باقى زملاء الثورة إلى التجمع مرة أخرى لتأسيس كيان سياســى واحد هو «حزب ثورة ٢٥ يناير». نعم قد يكونوا مختلفين سياسياً بل وعقائدياً، ولكن عليهم أن يدركـوا أن خلافاتهم لم تكن عائقاً لتجمعهم من أجل قيام الثورة. واثق أن لديهم من الوعى مما يجعل نجاح الثورة واستمرارها هدفاً أسمى يَجب كل خلافاتهم.

■ نرى الآن تجمعات سياسية بمرجعية إسلامية وصوفية وسلفية وليبرالية واشتراكية، ولكن أين التجمع بمرجعية «ثورة ٢٥ يناير»؟

- نعم.. فلا يجوز أن يتواجد كل هؤلاء ولا يكون هناك تجمع يحمل لواء «ثورة يناير» أعظم إنجاز مصرى منذ مئات السنين.

■ هل لديك استعداد للوقوف ناصحاً وموجها وداعماً لهذا الحزب إذا ما قدر له القيام؟

- رغم أنى لم أنضم لأى حزب منذ مغادرتى صفوف الحــزب الوطنى منذ أكثر من ٣٠ عاماً، إلا أنه إذا ما تكون حزب الثورة هذا سأبادر للمشاركة فيه والعمل على تحقيق أهدافه بكل ما أستطيع. وأثق أن كثيرين سيسارعون للانضمام بدافع إحياء الأمل. وفور تكوينه سيصبح أكبر وأهم الأحزاب السياسية، وبالتالى نضمن أن هناك من يحملون لواء «ثورة يناير» ومبادئها هى التى تقود العمــل السياسى فى هذه المرحلة الجديدة وهذا ما يجب أن يكون.

■ رغم أهمية نشر حديثك فإنه ربما يكون غير كافٍ.. فلماذا لا تفكر فى الاتصال ببعض قيادات الثورة لإقناعهم بهذا الحزب؟

- بالفعل أنوى الاتصال بعدد من الحركيين والقيادات الفاعلة داخل ائتلافات الشباب إيمانا منى بضرورة الحفاظ على الثورة ولم شمل الثوار.



-------------
نشر في المصري اليوم بتاريخ 13-9-2011
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=310469

المتابعون