د. محمود شريف:



«الجنزورى» كان صديقى لكنه انقلب علىَّ بسبب طلعت حماد..
وكلامه عن رفضه الخصخصة غير صحيح
----------------------------------------
أجرت الحوار رانيا بدوى ٦/ ٥/ ٢٠١١
----------------------------------------

اتهم الدكتور محمود شريف، وزير الإدارة المحلية الأسبق، الدكتور يوسف والى، وزير الزراعة الأسبق، بأنه عطل مشروعاً لتحقيق الاكتفاء الذاتى من القمح خلال ٣ سنوات بضغوط أمريكية، مشيراً إلى أن الرئيس السابق، حسنى مبارك، قال فى إحدى الجلسات «لماذا يغضب الناس من تعاون والى مع الإسرائيليين رغم أنهم يساعدوننا فى الزراعة»، متهماً أمين أباظة، وزير الزراعة السابق، بتدمير زراعة القطن، لأن مصلحته فى الاستيراد باعتباره مستورداً للقطن.

واعتبر شريف فى حواره مع «المصرى اليوم» أن الدكتور عاطف صدقى، رئيس مجلس الوزراء الأسبق، أفضل رئيس وزراء عرفته مصر، والدكتور كمال الجنزورى، رئيس مجلس الوزراء الأسبق، كان يستشيره فى التشكيل الوزارى ثم اصطدم به بسبب طلعت حماد، وأن عاطف عبيد أكثر من أضر بالاقتصاد المصرى، مشيراً إلى أن الدكتور محيى الدين الغريب، وزير المالية الأسبق، دخل السجن لأنه «كذّب» عبيد وقال فى مجلس الوزراء إن وزارة المالية لم تتلق حصيلة الخصخصة، لافتاً إلى أنه خرج من التشكيل الوزارى لأنه رفض الاتصال بسوزان مبارك، وإلى نص الحوار:

■ كيف كان انضمامك إلى الحزب الوطنى فى عهد الرئيس السابق حسنى مبارك؟

- كنت مديرا لمعهد الأورام عام ١٩٨٣، وكان الدكتور عبدالأحد جمال الدين، يجمع بين منصبى أمين شباب الحزب، ورئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة، وحدث لغط شديد فى ذلك الوقت حول الخلط بين الحزب، ومجلس الشباب، على اعتبار أن المجلس جهاز قومى يجب ألا يختلط بالحزب، لذا تقرر الفصل بين المنصبين وتولى المرحوم صبحى عبدالحكيم، منصب أمين عام الحزب، ورئيس مجلس الشورى، وكنت أعرفه جيدا فرشحنى لأمانة الشباب بالحزب، ووافق مبارك على الترشيح، ومارست مهامى الحزبية دون أى أزمات لمدة أشهر قليلة، ثم تولى يوسف والى، وزير الزراعة الأسبق، أمانة الحزب، وكان كمال الشاذلى، الأمين المساعد وأمين التنظيم، وحدثت بينى وبينه خلافات لاعتراضى على طريقته فى إدارة الحزب.

■ وكيف كان يدير كمال الشاذلى الحزب؟

- كان يختار رجاله فى تشكيلات الحزب، وكان يتحكم فى تعيينات المناصب القيادية بالحزب، على اعتبار أنه بداية السلطة والنفوذ، إضافة إلى تدخله ترشيح البعض لعضوية مجلسى الشعب والشورى على قوائم الحزب.

■ وماذا كان رد فعلك؟

- تحملت الوضع لعامين ونصف العام لكن بعد أن زادت الخلافات ذهبت إلى الدكتور مصطفى الفقى، سكرتير الرئيس للمعلومات فى ذلك الوقت، وأخبرته بأننى أريد تقديم استقالتى من الحزب، إلا أن الرئيس السابق رفض.

■ وهل أطلعته على سياسة كمال الشاذلى فى إدارة الحزب؟

- أخبرت مبارك نفسه مباشرة فى أحد اللقاءات، فقال لى: «ده كان زمان يا محمود، الشاذلى بطل دلوقتى».

■ وكيف كانت علاقتك بباقى قيادات الحزب؟

- يوسف والى، وكمال الشاذلى، وصفوت الشريف كانوا على وئام حتى آخر لحظة، وأسرار البلد وملفاتها كانت معهم وكانوا متفاهمين فى كل الأمور سويا ولكن يوسف وصفوت يتمتعان بشخصية ناعمة فهما لا يصطدمان معك مباشرة ولا يبدآن الخلاف معك لكنهما يفعلان ذلك من خلف ظهرك، فكانت علاقتى الرسمية بهما لا غبار عليها، لكنهما كانا يدعمان مواقف كل من كنت على خلاف معه.

■ فور توليك منصب محافظ الشرقية أعلنت عن الحملة القومية لزراعة القمح فلماذا لم تكمل المشروع وهل كان هناك رفض سياسى له؟

- أخذت على عاتقى الاهتمام بالزراعة عموما فى المحافظة، وخاصة القمح، لأننى أهوى الزراعة شخصياً، ومؤمن بأنها المنقذ لمصر من أزماتها، وبدأت حملة فى المحافظة كان هدفها التوسع الأفقى والرأسى فى زراعة القمح، وبدأنا حملات مكثفة وندوات ولقاءات للتوعية بزراعة القمح، وتسهيل مهمة المزارعين فى الحصول على البذور الجيدة التى تعطى محصولاً أوفر للمساهمة فى رفع الإنتاجية، والأسمدة، والميكنة الزراعية الحديثة المملوكة للمحافظة، حتى إن المحافظة زرعت فى هذا العام حوالى ١٨٠ ألف فدان، ووصل حجم التجميع الزراعى إلى حوالى ٥٠٠ فدان بمعنى أن كل الناس تزرع قمحاً بجوار بعضها البعض توفيرا للماء وحتى لا تنتشر الحشائش إلى آخره،

وقد أطلعنى شاب يعمل فى وحدة البحوث الزراعية فى الدقهلية على بحث أجراه لزراعة القمح فى الأراضى الرملية، ونفذ التجربة على مساحة ٢٠ فداناً ونجحت، وطلب منى أن أمنحه ١٠٠ فدان أخرى لزراعتها، فأعطيته ٥٠٠ فدان فزرعها بالفعل، وطوال هذه الفترة كان يوسف والى، يرسل رجاله فى الخفاء للاطلاع على ما نفعل فى المحافظة، واستأنفت العمل فى المشروع فور أن توليت وزارة التنمية المحلية وأردت تطبيق تجربة الشرقية على مصر بالكامل، واستدعيت كل الخبراء وعلى رأسهم الدكتور عبد السلام جمعة الملقب بـ «أبوالقمح»، ووضعنا خطة للاكتفاء الذاتى من القمح خلال ٣ سنوات، وخطة للتوسع الأفقى والرأسى، واستخدمنا بذور «سيدس ١٠» التى تعطى ٢٥ أردباً للفدان بدلا من ١٣ أردباً للأنواع العادية وكان هدفنا الوصول إلى حوالى ٦.٥ مليون أردب فى نهاية السنوات الثلاث، وأطلعت الدكتور يوسف والى على الفكرة واتفقنا على تشكيل لجنة مركزية برئاستى ولجان فى المحافظات برئاسة المحافظ ولجنة فى كل مركز وهكذا،

وحققنا الهدف المنشود فى العام الأول وحققنا المعدل الذى استهدفناه فى هذا العام، ثم توقف المشروع، لأن يوسف والى كان المفترض أن يجدد تشكيل اللجان كل عام بقرار منه باعتباره الوزير المختص، لكنه لم يوقع القرار ولم يشكل اللجنة المركزية.

■ وهل قدم أسباباً لعدم تشكيل اللجان؟

- لا لكننى فهمت السبب بعد ذلك، حيث زارنى السفير الأمريكى فى مصر آنذاك، إدوارد ووكر، وسألنى عن مشروع الاكتفاء الذاتى من القمح والحملة القومية التى أرأس لجنتها المركزية وقال لى: أليس من الأجدى للفلاح المصرى زراعة الـ«cash crops» أى المحاصيل ذات العائد السريع، ففهمت ما جاء بصدده وقلت له إننا لا نتدخل فيما يزرع الفلاح لأنه تم تحرير الزراعة ولكننا نقول للمزارع لو زرع قمحاً فعليه أن يزرعه بالمواصفات التى نعطيها له، وشعر السفير الأمريكى بأننى لن أستجيب لطلبه فذهب إلى يوسف والى، وتوقف المشروع، ثم ظهرت فى هذا الوقت موضة زراعة الكانتالوب، والبطيخ، والفراولة، وانتهى الحديث عن القمح والقطن.

■ تقصد أن الأمريكان ضغطوا على يوسف والى لعدم استكمال مشروع الاكتفاء الذاتى من القمح؟

- والى صديق الأمريكان وكان لديه مستشارون منهم، فهو يرأس حتى الآن مشروع «narb» فهو الباحث الرئيسى لهذا المشروع الذى أقرت له ميزانية حوالى ٣ مليارات دولار من أمريكا، ومازال هذا المشروع قائماً ومازال والى هو رئيسه، وقد وضع شرط فى هذا المشروع ألا ينفق هذا المال على أبحاث القمح أو القطن، خاصة أن القطن طويل التيلة يعتبر منافساً قوياً للقطن الأمريكى، وبالتالى ليس من مصلحة الأمريكان أن تظل مصر تنتجه، أما القمح فلأن مصر هى الدولة الأولى فى العالم فى استيراده، ولأمريكا النصيب الأكبر، وبالتالى إنتاجنا القمح يعنى تقليل استيراد من أمريكا.

■ وهل كان الرئيس السابق يعلم بوجود المستشارين الأمريكان الذين يعتمد يوسف والى عليهم؟

- لا شك أنه كان يعلم بوجود الأمريكان فى كل مكان بمصر، وليس وزارة الزراعة فقط.

■ وهل كان يعلم بوجود الإسرائيليين أيضا وتوغلهم فى وزارة الزراعة؟

نعم، ففى إحدى الجلسات قال: «الناس زعلانة من يوسف والى لإنه بيتعامل مع الإسرائيليين، طب ما هما بيساعدونا فى الزراعة».

■ وكيف ترى محاولة الدكتور أحمد الليثى، وزير الزراعة الأسبق، إعادة سياسة زراعة القمح، والاتهامات الموجهة إلى أمين أباظة، الوزير السابق، بأنه أهمل الزراعة بأكملها؟

- الأمر يتوقف على الوزير واتجاهاته ورغبته فى الرضوخ للخارج من عدمه، والدليل أن يوسف والى أوقف المشروع الذى بدأته، فحاول أحمد الليثى إعادته، وعلمت أنه قال إننا نريد إعادة المشروع الذى بدأه محمود شريف، وبعد أن ترك الوزارة جاء أمين أباظة وهدم ما بدأه خلفه، وكان أباظة صاحب المقولة الشهيرة إن تحقيق الاكتفاء الذاتى من القمح أكذوبة، كما أنه دمر زراعة القطن فى مصر لأنه تاجر قطن فى الأساس ومن مصلحته الاستيراد.

■ بعد الثورة هل يمكن وضع سياسة للاكتفاء الذاتى من القمح أم أن أزمة المياه تعوق ذلك كما يقول البعض؟

- هذا كلام فارغ، فالقمح من المحاصيل المعتدلة فى استهلاك المياه، ثم نحن نزرع القصب وهو يستهلك ٩ آلاف متر مكعب من المياه للفدان والبنجر يستهلك ٤ آلاف متر، والأرز ١٢ ألف متر، بينما يستهلك القمح ٢٥٠٠ متر فقط، ويجب استخدام الطرق الحديثة فى الرى، مثل الرش والتنقيط لتوفير المياه عامة.

■ كطبيب متخصص فى السرطان هل توجد بالفعل أسمدة مسرطنة، خاصة أنه أثناء محاكمة يوسف عبدالرحمن ذكر أنه لا يوجد ما يسمى أسمدة مسرطنة؟

- للأسف الذى قال هذا الكلام طبيب كبير وأكن له الاحترام وقد ذكر هذا فى شهادته فى المحكمة، وهذا كلام خطأ، والدليل أن منظمة الصحة العالمية تصدر منشوراً دورياً يتضمن قائمة بالمواد والتركيبات الكيميائية التى يؤدى استخدامها إلى الإصابة بالسرطان وبالتالى يكون الحكم على سماد ما مسرطناً أم لا، على حسب احتوائه على أى من هذه المواد.

■ ما شهادتك على الدكتور عاطف صدقى رئيس مجلس الوزراء الأسبق؟

- أحسن رئيس وزراء شهدته مصر، وإنسان، وكان على علاقة طيبة مع جميع الوزراء.

■ وماذا عن خلفه الدكتور كمال الجنزروى والذى عملت معه أيضا؟

- كنا أصدقاء جدا عندما كان وزيرا للتخطيط، حتى إنه عندما تم تعيينه رئيسا للوزراء كان تليفونى لا يهدأ، فكان يستشيرنى لحظة بلحظة فى التشكيل الوزارى وسألنى أن أرشح له بعض الأسماء، ولكن سرعان ما اصطدم الجنزورى بجميع الوزراء، وأولهم أصدقاؤه مثلى أنا، والدكتور حسين كامل بهاء الدين، وزير التربية والتعليم الأسبق، حيث قال لى الأخير إن الجنزورى وعده بمنصب نائب رئيس الوزراء ولم يفعل، ثم اختلفا بعد ذلك حول قانون الجامعات الخاصة حيث رفض بهاء الدين تعديله وفقا لرؤية الجنزورى وما كان من الأخير إلا أن وسطنى أنا وفاروق سيف النصر، وزير العدل الأسبق، لحل المشكلة، أما عن خلافى معه فكان بسبب طلعت حماد، وزير شؤون مجلس الوزراء، والذى كان يتحدث مع المحافظين مباشرة دون علمى وكان يتواصل معهم ويلبى طلباتهم ويتجاوزنى كوزير مختص، وكلما اشتكيت إلى الجنزورى كان يقول لى أنا رئيس الوزراء ومن حقى أن أتصل بمن أريد، فقلت له إما أن تتصل بهم أنت مباشرة أو تتصل بى وأنا أنقل لهم ما تريد، فكان يقول طلعت حماد يتحدث باسمى، وكان حماد عموما هو سبب مشاكل الجنزورى مع كل الوزراء.

■ ما حقيقة ما قاله الجنزورى مؤخرا إنه كان يرفض سياسة الخصخصة؟

- غير صحيح، وكيف هذا وهو كان يرأس لجنة الخصخصة، والأهم من ذلك أنه كان رئيس مجلس الوزراء، وعاطف عبيد كان «وزير تحت إيده»، وما أعنيه أنه كان من الممكن ألا يوافق على سياساته ويمنعه من الاستمرار فيها، ورغم وجود ضغوط من قبل البنك الدولى واشتراطه لتنفيذ عملية الخصخصة كمقابل لتخفيض الدين، إلا أن الرضوخ للشروط ما كان يجب أن يتم بهذا الشكل.

■ لكنك كنت ضمن لجنة الاستثمار التى تعرض عليها الشركات المقرر خصخصتها؟

- لكننى كنت أرفض على طول الخط سياسة الخصخصة، فدائما ما كان عاطف عبيد يوزع كتاباً لا يقل عن ٤٠٠ صفحة يتضمن الشركات المعدة للبيع، وطرق البيع والتقييم الخاص بكل شركة إلى آخره، قبل انعقاد اللجنة مباشرة، وكان يتعمد ذلك حتى لا يتسنى لأحد أن يدرس أو يقرأ كل هذا الورق، وكانت اللجنة تعتمد على شرح عبيد للوضع، وفى إحدى المرات عرض على اللجنة بيع الفنادق، ولأنه فشل فى بيع بعضها بعد حدوث مشكلات أثناء صفقة بيع فندق «هيلتون»، فاقترح تقسيم الفنادق وبيعها كمجموعات، على أن يوضع داخل كل مجموعة فندق تاريخى يجلب أموالاً من عملية بيعه ويسهل بيع باقى المجموعة، ووقتها اعترضت على البيع،

وقلت له إن بيع فنادق مثل ماريوت ومينا هاوس يعنى أنك تبيع تاريخ مصر، فأجاب: «ما بلاش الكلام ده، تاريخ إيه وبتاع إيه» ولم يرجع عن الفكرة إلا بعدما وصل الأمر إلى الرئيس السابق فمنع البيع، ولى موقف آخر مع عبيد عندما حضر إلى مكتبى وبعد مقدمة طويلة تحدث فيها عن وطنيتى ورغبتى فى إصلاح مصر، قال إن شركات قطاع الأعمال تتكبد خسارة كبيرة فقلت له أعرف، وعليك بتغيير الإدارة ولكن لا تبعها، لكنه لم يستمع إلىّ، وقال إن الشركات التى يريد بيعها تتبعها أراض فضاء وطلب الشهر العقارى توقيع المحافظين الذين تقع فى نطاقهم الشركات، ففهمت ما يريد لأن قانون الإدارة المحلية يقول إذا المجلس المحلى أعطى أراضى بأسعار رمزية لمشروع ما من حقه أن يستعيد هذه الأرض إذا لم يبن المشروع سواء على جزء من الأرض أو عليها بالكامل وفى هذه الحالة تعاد الأرض إلى المحافظة.

■ وهل يحق للمحافظ أن يوقع على بيع هذه الأرض لأى مستثمر؟

- لا، وقد رفضت طلبه وقلت له إن المحافظ الذى يقدم على هذه الخطوة يجب أن يحاكم ويدخل السجن، ثم إننى لا أستطيع أن أطلب من محافظ مخالفة القانون.

■ وكيف تم بيع الشركات بالأراضى؟

- تم عرض مذكرة بهذا الشأن على مجلس الشعب وتم تمريرها بالطرق المعروفة، ووافق المجلس وبيعت الأراضى، عموما عبيد كان يتبع سياسة خاطئة عندما كان وزير قطاع الأعمال، وهو أكثر من أضر بالاقتصاد المصرى عندما أصبح رئيسا للوزراء.

■ هل كنت شاهداً على خلافات عبيد، مع الدكتور محيى الدين الغريب، وزير المالية الأسبق، وما حقيقة ما حدث بينهما؟

- الخلاف الذى كان واضحا لنا فى مجلس الوزراء كان حول حصيلة الخصخصة، فكلما تحدث عبيد عن بيع شركة ما يقول إنه أرسل نصف الحصيلة إلى وزارة المالية والنصف الثانى تعاد به هيكلة بعض الشركات، فكان الغريب يعلن أنه لم يحصل على شىء، ولم يذهب إلى خزانة الدولة هذا النصف، ناهيك عن النصف الآخر الذى قالوا إنه مخصص لهيكلة بعض الشركات التى بيعت فى النهاية، وتكرر هذا المشهد فى أكثر من جلسة، وعلى ما يبدو أن عبيد لم يكن يروق له ما يصرح به الغريب.

■ وماذا كان رده على كلام الغريب؟

- لم يكن يرد، وإذا رد كان يقول «أنا مبحطش حاجة فى جيبى»، لكن لم يكن هناك رد عملى ومقنع.

■ هل تعتقد أنه لهذا السبب دخل الغريب السجن؟

- نعم، فقد تم تلفيق عدد من التهم له، والدليل حصوله على البراءة.

■ كنت رئيس اللجنة الوزارية لتنمية سيناء، فلماذا لم تتم تنميتها حتى الآن؟

- كنت مهتماً بسيناء حتى قبل رئاستى هذه اللجنة، لكن لم تكن سيناء على رأس الاهتمامات السياسية، وفى مرحلة من المراحل سحبت الشركات التى تعمل فيها معداتها الثقيلة وأرسلتها إلى توشكى، مما أثر على تنميتها، ولم يتم حفر ترعة السلام، رغم أن مشروع توشكى لم يتم لوجود مشاكل فنية كبيرة خاصة بالموقع، وأعتقد أن الجنزورى تبنى المشروع بقوة لأنه كان محافظا للوادى الجديد من قبل، وكان هناك رأى عام سائد بأن توشكى ستنقذ الوادى الجديد من مشاكله، إضافة إلى المشكلات الخاصة بالوليد بن طلال الذى حصل على الأرض ولم يزرعها بغرض تسقيعها، أما عن ترعة السلام فأنا عاصرت الترعة أثناء حفرها فى سهل الطينة والمشاكل المفزعة التى واجهتنا فى هذه المنطقة، وقد أنفقوا مبالغ طائلة حيث اقترحت الشركة الإنجليزية التى أعدت الدراسة عمل مصرف فى هذه المنطقة لسحب مياه البحر،

وفشلت الفكرة ففكروا فى تبطين هذه المساحة التى تسير فيها الترعة بالأسمنت وفشلت الفكرة، حتى اقترح مهندس مصر عمل «جابيونات» أى شبك مملوء بالزلط يتم مده من حافة الترعة إلى أسفل ثم إلى الحافة الأخرى وهذا استغرق عاما كاملا، إضافة إلى أن هذه المنطقة هى أكثر منطقة منخفضة، وبالتالى تحتاج لميزانية ضخمة لرفع المياه، وهذا كان اعتراضى على الموقع، حيث كنت من مؤيدى فكرة مرورها بوسط سيناء، وأذكر أنه عندما توليت رئاسة جامعة سيناء وهى جامعة خاصة، قدم باحثون فى الجامعة عددا من الحلول للترعة، لكن لم يهتم بها أحد، حتى أننى عرضت على أمين أباظة وكان فى زيارة للجامعة أن يمنح الجامعة ١٠ أفدنة على أن تمد المياه من الترعة عبر مواسير على نفقة الجامعة وتتم زراعة هذه الأفدنة على أن يتملكها الطلبة فيما بعد، وبعد مخاطبة الوزارة بشكل رسمى، تم الرد علينا بأن أرض سيناء تخصص بالمزاد وعندما يعلن المزاد من حق الجامعة أن تشارك.

■ إذا كانت ترعة السلام لم تستكمل لأسباب فنية، فلماذا تأخر الاستثمار الصناعى؟

- كنت فى زيارة لألمانيا، وقابلت هناك رجل أعمال مصريا يملك واحدة من أكبر شركات انتاج الخلايا الشمسية فى العالم، وأنا أعلم أن سيناء غنية بالرمال البيضاء التى تستخدم فى إنتاج الخلايا الشمسية، فعرضت عليه أن ننشئ مصنعاً فى سيناء الغنية بهذه الرمال، وبالتالى نتجه إلى إنتاج الكهرباء بالطاقة الشمسية وما سيترتب عليه من نقلة نوعية لمصر، فرحب وقال لى إن مصر تصدر الرمال البيضاء للخارج بتراب الفلوس، وفكرة تصنيعه فى الداخل ستجلب عائدا أكبر، المهم أنه حضر إلى مصر وفقا للاتفاق وأحضر معه دراسة جدوى شاملة المشروع والتكلفة، وكانت وقتها حوالى مليار دولار سيستثمرها رجل الأعمال فى هذا المصنع، ولكنه قال لى أنا سمعت أن مصر تعرض مصنعا للمنجنيز فى جنوب سيناء للبيع،

ونحن على استعداد لشرائه بالقيمة التى قيمته بها الحكومة المصرية، لأن المصنع به فرن يمكن أن نرفعه ونستخدمه فى مصنع الخلايا الشمسية وبالتالى يقلل من التكلفة المبدئية للمصنع، فوعدته بعرض الأمر على الحكومة وأخذت دراسة الجدوى وعرضتها على اللجنة الوزارية، وأخبرتهم بطلب رجل الأعمال، فرد عاطف عبيد وقال المصنع خلاص تم بيعه، فقلت له كيف ونحن فى اللجنة الوزارية لم نعرف شيئا عما تقول، فقال هناك مفاوضات مع شركة أخرى والموضوع منته، فقلت له: «اتفضل بيع المصنع بـ٥٠ مليون دولار ولا يهمك» فهناك مستثمر سيدفع مليار دولار وسينشئ مصنعا ضخما للخلايا الشمسية فى مصر، فقال الموضوع انتهى، وطبعا النتيجة أن المستثمر هرب، وللعلم مصنع المنجنيز لم يبع حتى الآن، ولا أعرف لماذا رفض عاطف عبيد المشروع.

■ تردد أنك خرجت من الوزارة بقرار من سوزان مبارك، رغم أنك كنت عضواً بالمجلس القومى للمرأة فما سبب هذه المفارقة الغريبة؟

- أنا جئت المجلس القومى للمرأة ليس باختيار من سوزان مبارك بالشكل الذى يفهمه البعض، إنما لأننى عملت سنوات طويلة فى العمل الأهلى والتقيت بها كثيرا فى نقاط مشتركة بحكم اهتمامها بهذا الشأن.

■ ولماذا خرجت إذن؟

- لأننى لم أتصل بها فى التجديد الوزارى.

■ ماذا تقصد؟

- نصحنى أحد الأصدقاء أثناء إجراء تعديل وزارى بأن أتصل بها إذا أردت أن أستمر فى الحكومة الجديدة، وبالفعل اتصل بها البعض وتم التجديد لهم، أما أنا فرفضت هذا المبدأ، وقلت لصديقى أنا موجود لو أرادونى، ولم اتصل بها فخرجت من الوزارة.
http://www.almasryalyoum.com/multimedia/video
-----------------
نشر في المصري اليوم بتاريخ 6-5-2011
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=295841

د.عبد الرحمن الزيادي



نسبة استجابة مرض الكبد لـ«الإنترفيرون» ٢٠٪
----------------------------------
بقلم رانيا بدوى ٢٩/ ٤/ ٢٠١١
-----------------------------------
يستعد الدكتور عبدالرحمن الزيادى، أستاذ أمراض الكبد والجهاز الهضمى بكلية طب عين شمس ومركز القاهرة للكبد، لعرض نتائج بحثه الجديد والذى يحمل تساؤلاً مهماً وهو ٢٠ عاما من العلاج بالإنترفيرون لعدوى فيروس «سى» فهل يستحق الاستمرار؟، وخصناً الزيادى بأهم ما جاء فى البحث قبل عرضه فى مؤتمر «المجموعة المصرية لدراسة الجديد فى أمراض الكبد» وإلى نص الحوار:

■ ما أهم ما جاء فى هذا البحث؟

- هذا البحث أجريته عن استخدام «الإنترفيرون» فى علاج فيروس «سى» خلال ٢٠ عاماً، ومضت حيث أظهرت الدراسة أن متوسط الاستجابة المستديمة لجميع أنواع الإنترفيرون فى حدود ٢٠% فقط، أما الاستجابة المستديمة للمحلى لاتتعدى ١٤ % مقارنة بـ١١% للإنترفيرون العادى، وهى نسب شديدة الهزال.

■ ما هو الهدف من هذه الدراسة، وهل تنضوى الدراسة على توصية بعدم استخدام الإنترفيرون كعلاج لفيروس «سى» فى المستقبل؟

- الهدف هو إلقاء الضوء على السلبيات التى تؤدى إلى تواضع الاستجابة المستديمة للعلاج بالإنترفيرون ووضع الحقائق أمام المسؤلوين لاتخاذ القرارات الصحيحة فى المستقبل.

■ على أى عينة من المرضى أجريت الدراسة وفى أى معدل زمنى؟

- العينة كانت عبارة عن ٦١٥ مريضاً، ٥١٨ من الذكور، و٩٧ من الإناث يعانون من الالتهاب الكبدى الفيروسى «سى» على مدى ٢٠ عاماً، تتراوح أعمارهم بين ١٨ و٦٥ سنة.. وقد تلقت هذه العينة الدواء لدى جهات مختلفة وفشل تماما ثم أتوا لى فى مركز القاهرة للكبد بملفاتهم الطبية فيما يسمى إعادة الفحص لدى طبيب آخر لمعرفة أسباب عدم الاستجابة.

■ لكن هذه النسب الضئيلة للاستجابة للإنترفيرون لا تتناسب مع سعر الدواء، فثمن الحقنة الواحدة يزيد على ١٤٠٠ جنيه للمستورد ونحو ٤٠٠ للمحلى؟.. فهل يستحق الإنترفيرون الاستمرار فى علاج الفيروس «سى» ؟

- الرأى المؤيد لاستمرار العلاج بالإنترفيرون يعتمد على التقارير التى تفيد بأن بعض المرضى الذين فشلوا فى تحقيق الاستجابة المستديمة للإنترفيرون قد حققوا بعض الفوائد من العلاج به، لأنه قد يبطئ من تطور الالتهاب الكبدى إلى التليف وسرطان الكبد، بالرغم من بقاء الفيروس فى الدم، أما الرأى الآخر القائل بعدم الاستمرار فى العلاج بالإنترفيرون فهو يعتمد على أن الاستجابة المستديمة للعلاج متواضعة، إضافة إلى انخفاض جودة الحياة لمعظم المرضى أثناء العلاج، وبعض المرضى يصابون بالتليف الكبدى وسرطان الكبد أثناء تعاطى العلاج.

■ كم تتكلف الدولة تقريبا بسبب توطن فيروس «سى»؟

- أعلنت وزارة الصحة فى السابق أنها عالجت ١٤ ألف مريض، بالإضافة إلى المرضى الذين يدفعون ثمن العلاج بالكامل من جيوبهم، بعيدا عن مستشفيات الحكومة والتأمين الصحى، فالمواطن يتكبد ما يقرب من ٥٠ إلى ٦٠ مليون جنيه من جيبه الخاص، بخلاف الملايين التى تدفعها الدولة وهذه الأموال تضيع هباء فى الأغلب الأعم نتيجة عدم الالتزام ببروتوكول العلاج.

■ إلى أى الأراء تميل. الاستمرار فى العلاج بالإنترفيرون أم وقفه؟

- أنا فى صف العلاج بالإنترفيرون ولكن بشروط، أهمها اختيار الإنترفيرون المعتمد عالميا، والاختيار الجيد للمرضى قبل العلاج فليس كل مريض يصلح للعلاج بالإنترفيرون، فالمرضى الذين يعانون من مرحلة متقدمة من التليف الكبدى، واستسقاء، وغيبوبة كبدية، ودوالى مرىء نازفة ونقص فى كرات الدم البيضاء والصفائح، والأنيميا الحادة، الفشل الكلوى غير لائقين للعلاج بالإنترفيرون.

إضافة إلى التحكم فى المخاطر المصاحبة للعدوى بالفيروس «سى» ومنها السمنة والبول السكرى والفشل الكلوى والتدخين والكحول والمهدئات قبل بدء العلاج بالتوازى مع تطبيق طرق الوقاية المختلفة.

فجزء كبير من ضعف نسب الاستجابة يرجع إلى الأخطاء المتبعة.

■ ما هى الأخطاء التى اتبعت فى الماضى وتود التنبيه لها للحصول على استجابه أعلى للدواء؟

- هناك سياسات خاطئة على كل المستويات اتبعت فى السابق، فمثلا بالنسبة للدواء كان هناك استخدام طرق غير سليمة لنقله وتخزينه واستخدام المهرب عديم الصلاحية فى غياب الرقابة، بل وملء المحاقن الفارغة بالماء واستخدامها فى الحقن «بالإنترفيرون الوهمى» وخداع المواطنين، العلاج بالإنترفيرون دون كبسولات الريبافيرين التى تعتبر أحد الأدوية الأساسية فى العلاج. وهناك أخطاء مرتبطة بالطبيب المعالج نفسه من خلال عدم اختياره المريض المناسب للعلاج بالإنترفيرون، وإهمال جلسات الحوار مع المريض قبل بدء العلاج لتوضيح أهمية الالتزام بمواعيد العلاج والأعراض الجانبية للأدوية وكيفية التغلب عليها، إضافة إلى أن المريض نفسه يساهم فى ضعف الاستجابة بعدم مواظبته على العلاج من خلال عدم التزامه بالحفاظ على وزنه ومنع التدخين والتوتر العصبى.

■ توقعت فى بحثك أن سرطان الكبد سيتربع على القمة ليصل المرتبة الأولى بين أنواع السرطان الأخرى خلال أعوام قليلة فما هى أسباب الزيادة المضطردة فى حدوث سرطان الكبد؟

- فى الماضى كان يكثر سرطان الكبد فى الأعمار أكثر من ٦٠ سنة ولكن الآن بدأت تتغير الصورة وأصبحنا نرى سرطان الكبد فى العشرينيات والثلاثينيات من العمر والسبب فى رأيى هو فيروس «سى» الذى يسبب ٧٠ % من الحالات، وتلوث البيئة والمبيدات الكيماوية التى تتغلغل فى الخضار والفاكهة، وسم الأفلاتوكسين (Aflatoxin) وتفرزه الفطريات التى تنمو على الفول السودانى والحبوب والدقيق، خاصة إذا كانت محفوظة فى درجة حرارة ورطوبة عالية.

■ قاطعته.. إذن ما نسمع عنه من شحنات فاسدة من القمح التى دخلت الأراضى المصرية ستدمر الكبد المصرى؟

- مؤكد فهذا القمح نظرا لسوء التخزين مملوء بسم «الأفلاتوكسن» القاتل.

■ ما كيفية الوقاية من فيروس «سى»؟

- يجب ألا يقتصر البرنامج القومى للقضاء على العدوى بالفيروس «سى» على توفير الإنترفيرون فقط، لكن لابد أن يستخدم العلاج يداً بيد مع الوقاية «التى تشمل مكافحة العدوى فى المستشفيات» فبدون الوقاية يصبح البرنامج مبتوراً.
-------------
نشر في المصري اليوم بتاريخ 29-4-2011
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=295137

د. صبرى الشبراوى



إدارة البلاد بمنطق تسيير الأعمال أكبر من خطر الثورة المضادة ..
ومصر تدار الآن دون خطة مستقلة
------------------------------------
حوار رانيا بدوى ١٨/ ٤/ ٢٠١١
----------------------------------

حذر الدكتور صبرى الشبراوى، أستاذ الإدارة والتنمية البشرية من خطر إدارة البلاد بمنطق «تسيير الأعمال» وقال إنه يمثل خطورة على مكتسبات الثورة أكبر من خطر الثورة المضادة نفسها، مشيرا إلى أن مصر بعد الثورة، مطالبة بأن تخوض حربًا ضد الفقر والجهل والمرض، وكشف الشبراوى، فى حواره مع «المصرى اليوم»، عن أنه حذر جمال مبارك من تزوير الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وقال له: «لو الانتخابات اتزورت هتروح فى داهية».. وإلى نص الحوار:

■ باعتبارك أستاذا فى الإدارة.. كيف تقيم إدارة مصر الآن فى هذه المرحلة الانتقالية؟

- تدار بلا خطة مستقبلية واضحة، الكل يتحدث عن الأمور السياسية كالتعديلات الدستورية والانتخابات ولا أحد يتحدث عن مستقبلنا، فلا شباب ثورة يناير تقدم باقتراحات للمستقبل، ولا المجلس الأعلى للقوات المسلحة المنوط به إدارة البلاد قال لنا ماذا سيفعل من اللحظة التى تولى فيها الحكم وحتى نهاية مدة وجوده، ولا حتى حكومة الدكتور عصام شرف خرجت علينا بخارطة طريق.

■ ولكن البعض يدعو إلى إمهال المسؤولين برهة من الوقت؟

- وضع الخطة لا يحتاج إلى وقت، حتى نفهم ما هو الهدف الذى نعمل للوصول إليه، ثم إن مدة ستة أشهر ليست بالقصيرة، ونحن نستهلك الوقت فى نقاشات كان يمكن أن تدور إلى جانب دوران عجلة الإنتاج، على أن يبقى السياسيون منشغلين بالتعديلات الدستورية، والعلماء منشغلين فى نفس الوقت بوضع الخطط العلمية التى سنسير عليها، والمفكرون فى كيفية تحقيق النقلة النوعية للبلاد.. هذه اللحظات فاصلة وفارقة فى حياتنا وحان الوقت لنسأل أنفسنا أين نحن من كوريا والهند وماليزيا؟ وما الذى نريد أن نكون عليه بعد عشرة أو عشرين عاما.. لكن أن نظل مستهترين بالوقت ونظل منتظرين لما سيكون عليه الوضع بعد ستة أشهر أو أكثر، وننتظر الرئيس الجديد لينظم لنا أمورنا ويفعل ما فيه الخير لنا فسنظل محلك سر.

■ الكل بات مقتنعاً بأن الوضع الحالى مؤقت للجميع وربما هذا ما يفسر ما تقول به من عدم وضوح للرؤية؟

- خطر هذا الوضع المؤقت، ومنطق تسيير الأعمال كبير جدا، لأنه سيفقدنا الحماسة للتغيير، وسيعطى البعض فرصة للتلاعب، وسيزيد الخسائر الاقتصادية، وسيرجعنا إلى عهد ما بعد الثورة، وأخشى أن نتراجع للخلف ووقتها لن نكون قد استفدنا من الثورة وسيصبح خطر «تسيير الأعمال بلا رؤية وهدف مستقبلى» أخطر على الثورة من الثورة المضادة نفسها.

■ البعض يبرر الوضع بأن الجيش لديه مهام والتزامات ضخمة ومن الصعب أن نطلب منه القيام بأمور ربما هى المرة الأولى التى يحتك بها؟

- ولماذا يضع الجيش نفسه فى هذا الموضع، عليه أن يكون مجلساً رئاسياً لمعاونته، أو الاستعانة بخبراء ومستشارين تحت أى مسمى للخروج بالبلد من هذا المأزق، وأن يشكل لجاناً علمية واقتصادية وغيرها، خاصة أن هناك إشارات تدل على أن المدة قد تطول وربما لا تجرى انتخابات الرئاسة قبل عام ٢٠١٢.

■ هناك رؤية تنطوى على أن البدء بإصلاح الوضع السياسى المتمثل فى الدستور ومن ثم الديمقراطية فى تشكيل مجلسى الشعب والشورى ورئيس الدولة هو ما سينعكس على الإصلاح المجتمعى والاقتصادى بل وإصلاح القيم؟

- نعم، ولكن يجب ألا ينصب الحديث عن الدستور الجديد فيما يخص الانتخابات والديمقراطية وصلاحيات الرئيس إلى آخره من الأمور السياسية فقط، وإنما يجب التركيز فى الدستور على كل ما يعظم الإنتاج ويحدث النقلة النوعية الاقتصادية فى البلد. ويجب أن يتغير الدستور بما يحفز على الابتكار والجودة والمبادرة، ويتغير كل ما يمثل ثغرة للفساد، وإلا سنظل نحمل فيروس الفساد بداخلنا، لذا يجب إشراك جميع طوائف الشعب فى وضع الدستور وليس القانونيين فقط، والأولوية الآن أن نغير أنفسنا وأن نولى النظافة والالتزام بالمواعيد والعمل الاهتمام الأول.

■ ولكن بالفعل تحدث الشباب فى هذه القيم وبدأوا بأنفسهم بتنظيف ميدان التحرير ثم تنظيف الأحياء إضافة إلى حملات «غير نفسك» وحملات إعلانية تحث على تغيير المجتمع؟

- هذا كلام أغان.. أنا أريد إدارة حاسمة تجعل من الالتزام والنظافة قانونا، فهذه الحماسة ستستمر لبضعة أسابيع ثم تنتهى، ولا يهمنى الشعارات والإعلانات المهم ما هو موقف المحافظين ورؤساء الأحياء ومن يديرون البلد؟ فمن يدير هو من يحدد قيم المجتمع.

■ وهل يمكن تغيير تركيبة الشعب المصرى فى عشية وضحاها؟

- برغم الثورة وما حققناه فيها إلا أن أغلب الشعب المصرى يخاف من التغيير ومن المواجهة والدليل «بلكوناتنا»، نظل نكركب كل ما هو قديم لدينا ولا حاجة لنا به لمجرد أننا قد نحتاجه فى المستقبل، الشعب يخاف التغيير ويخاف المواجهة ويخاف دفع الثمن. لذا كنا ننادى بتأجيل الاستفتاء لحين ظهور قوى جديدة وأحزاب أخرى وحتى يبدأ الجميع العمل فى الشارع لنخرج من الحالة التى اعتدنا عليها طوال السنوات الماضية، ذلك من ناحية، وحتى لا يكون لقوى بعينها كل هذا التأثير من ناحية أخرى، ويجب على المجلس الأعلى للقوات المسلحة أن يعدل هذا الوضع بتأجيل الانتخابات البرلمانية والرئاسية، ولا يضيف إلى خطأ الاستفتاء على التعديلات الدستورية أخطاء أخرى، لأن التسرع فى إجراء الانتخابات سندفع ثمنه غاليا، وهم وحدهم من يملكون هذا القرار، خاصة أن نتائج الاستفتاء أثبتت بما لا يدعو للشك وجود تأثير قوى على الرأى العام، خاصة من هم فى القرى والريف، باستخدام الدين، وأعتقد أن هذه النتيجة ستؤثر على مستقبل الأمة وقد تعيدنا إلى عصور الظلام.

■ هذا التحليل يمكن قبوله إذا ما افترضنا أن أصوات الإخوان مؤثرة إلى هذه الدرجة.. لكن هناك طوائف قالت نعم بإرادتها وعن اقتناع منها عملا بمبدأ الاستقرار؟

- أتفق معك فى هذا القول، ولكن لم يؤخر البلد إلا فكرة الاستقرار التى ظلوا ٣٠ عاما يقنعوننا بها حتى تخلفنا فى كل المجالات، فالاستقرار مسألة نسبية، هناك استقرار يؤدى إلى الجمود، واستقرار ديناميكى ينطلق من حالة استقرار إلى حالة أعلى وأفضل.

■ عودة إلى الإسلاميين.. هل تخشى الإخوان المسلمين؟

- بل أخشى السلفيين والجهاديين والمتشددين عموما، فلا أنكر أن الإخوان بهم أعضاء معتدلون ولكننى أخشى من تأثير السلفيين عليهم.

■ ولكن الإخوان منفصلون عن السلفيين؟

- ليس كما يظن البعض، فعلى مستوى القاعدة يمكن للسلفيين استقطاب قواعد الإخوان، وأنا لا أنادى بإقصاء أحد، ولكن أنادى بأن نمنح بعض الوقت لنعطى الفرصة المتكافئة للجميع، فالمطلوب الآن هو التفكير فى مستقبل التنمية الاجتماعية، ومنهج الحرب ضد الفقر والجهل والأمراض الجسدية والنفسية وأمراض المجتمع المزمنة.

■ ماذا لو حصل الإخوان المسلمون على عدد كبير من مقاعد مجلس الشعب القادم؟

- على الإخوان الخروج إلى الناس ببرنامج كامل يحدد منهجهم وأهدافهم إذا ما حصلوا على مكانة ما فى صناعة السلطة سواء فى مجلس الشعب أو غيره، وعليهم توضيح كيف سيكون نمط الحياة فى عهدهم، وموقفهم من المرأة والأقباط، وعلاقاتنا الخارجية.. هل سنتحالف مع أوروبا وأمريكا أم مع طالبان وأفغانستان.. موقفهم من التعليم والصحة والفن والغناء والرقص.. تفسيرهم لمفهوم الحداثة.. على أن يعلنوا موقفهم الآن وبشكل واضح لا يحتمل اللبس، ليعطوا فرصة للناس بلا أى تأثير أن يختاروهم أو يرفضوهم.

■ فى رأيك أيهما أنسب لإدارة مصر، النظام البرلمانى أم الرئاسى؟

- النظام البرلمانى، ولكن لا مانع عندى من أن يتم ذلك على مرحلتين، بأن نحكم بنظام رئاسى فى الوقت الحالى بشرط تحديد وتقنين صلاحيات الرئيس، ثم ننتقل إلى النظام البرلمانى عندما نكون مؤهلين لذلك.

■ وكيف نختار وزراء يمكنهم إدارة البلد.. وهل الحل فى حكومات تكنوقراط كما يقول البعض؟

- من الممكن أن يكون وزير تكنوقراط ولكنه مدير فاشل، فالأهم هو وزير كفء فى مجاله وفى نفس الوقت لديه سمات القائد، وأن تكون لديه أسس الإدارة العلمية، وأن يكون منهجه ديمقراطيا على أن يتم اختيار الوزراء فى لجان استماع.

■ هل ترى ضرورة البدء فى ممر التنمية وتعمير سيناء الآن لإحداث النقلة النوعية؟

- بالطبع، ولكننا نريد ٢٠ مشروعاً من هذا النوع لنقل مصر، والمشروع الأكبر الذى يجب الاستثمار فيه هو «الإنسان المصرى» عن طريق التعليم والتدريب، فذلك هو المشروع القومى المستدام الذى يمكن من خلاله طرق الصناعات الحديثة وتطوير البحث العلمى، فبدون تطوير للبشر لن نتحرك خطوة للأمام، فالعلم هو الذى سيضعنا فى مصاف الدول العظمى، فإسرائيل تنفق٥.٥% من دخلها القومى على العلم، وكذلك كوريا، فى حين تنفق اليابان ٤% من دخلها القومى، بينما تنفق مصر ٠.٥% وهى نسبة ضئيلة جدا، فالمؤسسة أو الشركة التى لا تنفق ٣% من دخلها على التنمية البشرية للقائمين عليها وعلى الأبحاث والدراسات، يهبط مستواها وتهبط قوتها التنافسية فى السوق، الأمر نفسه ينطبق على الدول، والتعليم يؤسس لجيل قوى ويجب ألا يقف حد التعلم عند سن معينة، إنما على كل مؤسسة أن تستمر فى تعليم العاملين بها لتحسين المنتج والجودة، أما الديمقراطية فهى التى تخلق مناخ الابتكار والإبداع.

■ وماذا عن المشروع النووى ورأيك فى المطالبات بتأجيله بدعوى ما حدث فى اليابان والظروف الاقتصادية التى تمر بها مصر؟

- أنا مع التأجيل لأننا فى ظل عدم التدريب والتأهيل وغياب قيم وأسس الإدارة العلمية، أرى أن شراء محطة نووية الآن هو شراء لـ«مشكلة» والأجدى الآن هو الاستثمار فى الطاقة المتجددة.

■ ما تقييمك للجنة التنمية البشرية التى أنشأها الحزب الوطنى قديما؟

- اللجنة كانت اقتراحى، تقدمت به إلى الرئيس السابق حسنى مبارك فقبلها وعيننى رئيسا للجنة عام ٨٦.

■ أعلنت من قبل إنك اختلفت مع قادة الحزب الوطنى بسبب هذه اللجنة.. فما هى تفاصيل هذا الخلاف؟

- وضعت ضمن أهداف اللجنة ضرورة اختيار ممثلين عن الشعب لقيادات مصر، وقلت إن اختيار المسؤولين يجب أن يكون فى النور وليس فى الظلام، وأن تكون هناك لجان استماع تقيم من يتم اختيارهم للمناصب، على أن يعاد التقييم من وقت إلى آخر، وذلك كان بداية الخلاف.

■ وماذا كان رد فعل الحزب؟

- قالوا عنى رجلاً مجنوناً، وأغلقوا مكتب اللجنة.

■ ولكنك ظللت فى الحزب الوطنى حتى آخر لحظة؟

- اعتبرت نفسى خارج الحزب منذ اللحظة التى أغلقوا فيها مكتب اللجنة وعزلونى ولم يأخذوا بأفكارى، ولكننى كنت أشارك بالرأى فى لجنة السياسات من باب إبداء المشورة.

■ ولكنك فى النهاية محسوب على الحزب؟

- الكل كان يعرف أننى منبوذ فى الحزب الوطنى لعدم موافقتى على سياساته، والدليل أننى لم أحصل على أى منصب سياسى فى البلد رغم كل خبراتى، بل حاربونى فى عملى الخاص وفى مصدر رزقى، ثم إنه ليس كل من ينتمى إلى الحزب كان سيئا، كما أن هناك شخصيات كانت تحضر اجتماعات الحزب الوطنى وأمانة السياسات للمشاركة بخبراتهم مثل دكتور سمير رضوان، والفريق أحمد شفيق، وبرغم أننى كنت أعتبر نفسى مستقيلا من الحزب، إلا أننى كنت أرى أن من واجبى أن أقاوم لآخر لحظة، لعل وعسى يأخذون ولو لمرة واحدة بأفكارى.

■ كنت أستاذًا لجمال مبارك فى الجامعة الأمريكية.. فماذا علمته؟

- درست له علم الإدارة، وكان تلميذا مجتهدا ولكن مشكلته أنه لم تكن لديه عواطف، رغم أن الإنسان ما هو إلا سلوك وعواطف.

■ هل كنت تواجهه بأخطائه؟

- نعم، فقبل الانتخابات الماضية مباشرة قلت له نصا «الفساد مستشر وأنت المسؤول عن ملاحقته»، وقلت له: «لو الانتخابات القادمة حدث فيها تزوير هتروح فى داهية»، وفى إحدى المرات اتصلت به وقلت له لدى منهج لتغيير سياسات الحزب، ويجب أن تستمع إليه، فقال لى «اكتبهولى فى ورقة» وقتها شعرت بأنه دخل مرحلة الغيبوبة السياسية، ولا أمل فى إصلاحه، حيث بدأ يتعامل من أعلى ومن مركز قوة، وأصيب بالنرجسية هو ووالده ووالدته، ففى الفترة الأخيرة أصيبت العائلة بالكامل بالنرجسية الشديدة، وانعزلوا عن العالم، وكانوا يريدون كل شىء لأنفسهم.

■ سبق أن قلت إن جمال مبارك إذا أراد ترشيح نفسه فى الانتخابات الرئاسية فعليه أن يقنع والده بتغيير المادة ٧٧ فإذا كنت مناهضا لسياسة العائلة كيف تتقدم بهذا الاقتراح؟

- لا أنكر أننى قلت ذلك، والسبب أن البلد آنذاك كان محكوماً بالحديد والنار، ولم يكن هناك أى سبيل للخروج، والشعب بدا وكأنه لا يريد أن يدفع ثمن الحرية، فاقترحت أن يترشح جمال مبارك بشرط تغيير مدد الرئاسة، وكانت نيتى أن تتحمل مصر جمال مبارك مدة رئاسية واحدة فنكون استعدنا قوتنا والتقطنا أنفاسنا، ووضعنا أول خطوة فى عقد اجتماعى جديد، واشترطت وقتها أيضا أن يغير جمال البطانة التى حوله «عز والشلة».

■ ننتقل إلى ملف آخر، وهو ملف الثروات والأموال المنهوبة فى عهد النظام السابق.. هل يمكن أن نسترد هذه الأموال؟

- الحديث عن ثروات مبارك والعائلة لم يكن مفاجأة لى، لأن هذا الحديث مطروح فى الخارج منذ فترة، وأنا بحكم سفرى كثيرا، واحتكاكى بشخصيات سياسية ومصرفية أجنبية علمت بمليارات العائلة منذ زمن، ولكن المفاجأة كانت فى رجال الأعمال والوزراء والموظفين الذين اتضح أن ثرواتهم أيضا بالمليارات، وهنا أنا أؤمن بقاعدة أن أى رجل أعمال لم يضف شيئا مفيدا للمجتمع، بينما تصل أرصدته إلى المليارات فهو ١٠٠% حرامى ولا أحتاج إلى سؤاله أو محاكمته. وقتها أصادر أمواله أولا، وإذا ظهر له حق فى أى منها نعطيها له بعد ذلك، لكن الأصل هو المصادرة «مش لما بتيجى فواتير عالية ونشتكى كانوا بيقولولنا ادفع الأول وبعدين اشتكى؟، إحنا كمان هنطبق عليهم نفس السياسة».

■ كيف تقرأ تقديم رموز النظام السابق إلى المحاكمة مؤخرا بعد ضغوط شديدة من الثوار؟

- ما حدث من تسويف وتباطؤ عليه علامات استفهام كثيرة، فمثل هذه القرارات كان يجب أن تكون سريعة وحاسمة من اللحظة الأولى، لأن التأجيل يساوى لعباً، أنا أستاذ إدارة وعندما أجد مديرا يتصرف بهذه الطريقة، أضع عليه علامات استفهام ومن تسببوا فى هذا التباطؤ يجب أن يحاكموا، لأنهم يضيعون حقوق الشعب، والمهم أنه إذا تم استرداد هذه المبالغ أن توضع فى صندوق قومى يخصص لحل مشكلات العشوائية والأمية والنهوض بالمجتمع.

■ تردد مؤخرا أن مصر لن تنهض بسهولة، بسبب وضعها الاقتصادى الحرج، إضافة إلى أن الاستثمار فى المرحلة السابقة كان بسياسة دق الأبواب.. فكيف نحفز الاستثمار الخارجى وبسرعة للخروج من المأزق؟

- لنترك الاستثمار الخارجى الآن، لأنه سيأتى بعد هدوء واستقرار الأوضاع، ولكننا نريد حلا سريعا وعمليا لزيادة وتعظيم الإنتاج واستيعاب البطالة، وهذا يكمن فى الاستثمار الداخلى، بمعنى أن البنوك المصرية بها ما يقرب من ٩٠٠ مليار جنيه، نأخذ منها ١٠٠ مليار جنيه سنويا لعمل شركات مساهمة مصرية، ونضمن للمواطن قيمة السهم، ونستثمر هذه الأموال فى مشروعات جديدة نسبة المخاطرة فيها معدومة، للحفاظ على أموال الناس، مثل مجالات الطرق ومحطات المياه ومشروعات الطاقة المتجددة، وغيرها، وهنا سأحسن البيئة الداخلية وأشغل الشباب، وكل سهم يملكه مواطن سيدر عليه دخلاً وربحاً، إضافة إلى أن الناس هم أصحاب هذه المشروعات، وأموالهم مضمونة بمشروعات قوية وبضمانات من البنك المركزى، لأننا لو نظرنا إلى الاستثمار الأجنبى، الذى كان يأتى فى الماضى، سنجده يأتى ومعه ١٠ ملايين جنيه، ويقترض من البنوك المصرية عشرة أضعافها وينشئ المشروع ويربح ويرسل الربح إلى الخارج وكله بفلوسنا، فلماذا لا نستثمر نحن أموالنا، كل دول العالم تعمل ذلك، فالشعب اليابانى هو الذى يملك شركات توشيبا، ماليزيا وإندونيسيا تستثمران فى المنتج المحلى، الذى يميزهما ويعد قيمة مالية مضافة.. يجب أن تنتهى الرأسمالية الفاجرة، ونبدأ عهد الرأسمالية الشعبية أى أن يملك الشعب مؤسساته ومصانعه وشركاته.

■ وهل يمكن استعادة قيمة الجنيه المصرى بسهولة؟

- الجنيه المصرى انعكاس لقيمة الإنسان المصرى، إذا عظم الأول عظم الثانى، وإذا ضعف الشأن المصرى انهارت عملته وهبطت، فقوة الجنيه تعنى أن المواطن المصرى ملتزم، ويعمل ويجيد عمله، وإذا هبط يعنى العكس، وللأسف دراسات الأمم المتحدة تقول إن المواطن المصرى يعمل ٢٧ دقيقة فى اليوم، وإذا عمل لا يجيد ما يعمل، إضافة إلى أننا لا نصنع المنتجات التى تجعل لدينا ميزة نسبية، حتى الزراعة أهملناها وما تبقى منها نصدره خاماً، وأنا أؤمن بأن البلد الخام يصدر خاماً، بينما علينا أن نتبع أسلوب القيمة المضافة لمنتجاتنا بتصنيعها. أما إذا استمررنا على هذا الوضع فيجب ألا نأمل خيرا فى اقتصاد البلد وتنميته.

■ إذا انتقلنا لملف الأمن.. كيف ندير جهاز الشرطة وسط ما يتردد عن امتناع بعضهم من النزول إلى الشارع بحجة الخوف من تعرض المواطنين لهم؟

- يجب البدء فورا فى عمل تدريب مكثف للضباط الحاليين، ولا مانع من تدريب مكثف لخريجى كليات الحقوق وضمهم لجهاز الشرطة، وأى ضابط لا يريد النزول إلى الشارع وأداء مهامه يتم فصله، فمصر تمر بمرحلة لا يجب فيها التهاون فى الإدارة.

■ وكيف نتعامل مع الاعتصامات الفئوية، وكيف نواجه الطلبات المالية المتزايدة فى ظل الوضع الاقتصادى المتردى؟

- لابد من مواجهة، لوقف نزيف أموال الناس، والخسارة الفادحة فى كل القطاعات، فسياسة «الدلع القومى» المتبعة الآن ستتسبب فى انهيار البلد، فلابد من إدارة حاسمة وليست رخوة، وعلينا أن نبدأ حملات لتوعية الناس بضرورة شد الأحزمة على البطون، للخروج من هذا المأزق، والانطلاق إلى المستقبل. فلو استرضينا الناس، فذلك معناه طبع ورق بنكنوت، مما سيترتب عليه تضخم كبير سيدفع المواطنون ثمنه فى النهاية، لذا يجب ألا نعامل الشعب على كونهم أطفالا صغارا، بل يجب مواجهتهم على أن يتولى المثقفون والسياسيون هذه المهمة إلى جانب الحكومة لتوعية الشعب بوضعنا الاقتصادى الحقيقى.
http://www.almasryalyoum.com/multimedia/video
------------------------------------
نشر في المصري اليوم بتاريخ 18-4-2011
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=293941

د. فاروق الباز



مستوى البحث العلمى المصرى «واطى جداً» ونعيش مرحلة حرجة من «الارتباك السياسى»
---------------------------------------------
أجرت الحوار رانيا بدوى ١٦/ ٤/ ٢٠١١
---------------------------------------------

لا شك أن حواراً مع رجل بقامة الدكتور فاروق الباز، يغرى بالإبحار فى عالم متدفق بالرؤى والأفكار.. كان لابد أن نسأله عما يجرى فى مصر بعد ثورة ٢٥ يناير، والمستقبل العلمى لمصر.. وفى خضم الاهتمام بالسياسة قررنا أن نراجع مع الدكتور الباز ما طرحه فى سنوات سابقة حول قضايا كثيرة، وفى مقدمتها مشروعه حول ممر التنمية وركزنا فى الحوار معه حول العلم ونظرياته والمستقبل البيئى لهذا البلد. وكان لافتاً أن «الباز»- عبر الحوار- نسف كل الأفكار العلمية القائلة بالجفاف والمجاعة المائية، وزف لنا خبراً سعيداً رغم تأكيده على غرق الدلتا هو أن السبع سنوات المقبلة ستشهد هطولاً للأمطار وغزارة فى مياه النيل تكفى لزراعة متوسعة وإنتاج وفير، إذا أردنا ذلك، لكن فاجأنا بالقول بأنه يؤيد فكرة تأجيل المشروع النووى، الذى طالما حلمنا به لعدم قدرتنا على التعامل مع المشروع من ناحية ومع نفاياته من ناحية أخرى والتى قد يؤدى دفنها إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض، ومن ثم تعرضنا للزلازل.. وإلى نص الحوار:

■ اسمح لنا بأن نبدأ بسؤال الحاضر، ما رأيك فى كيفية إدارة المرحلة الانتقالية الحالية؟

- المرحلة الانتقالية لجميع الثورات هى مرحلة حرجة، يترتب عليها نجاح الثورة فى تحقيق آمالها، بشرط أن نفكر بتأن، ونستعد للبدائل على الدوام، أعنى بذلك أن يكون هناك مخطط علمى واقتصادى وسياسى للوصول إلى الغرض المنشود فى وقت محدد، مع إعداد خطط بديلة معدة مسبقاً لتغيير المسار، هذا ما تعلمناه من أعظم وأنجح برامج «ناسا» على الإطلاق، وهو مشروع «أبوللو» لنزول الإنسان على سطح القمر، فكل خطوة فى البرنامج كان لها بديل إذا لم تنجح، وفى معظم الأحيان كان هناك بديل للبديل!.. هكذا نستطيع تغيير المسار ولو قليلاً حتى نصل إلى بر الأمان لمصر وشعبها.

■ كيف تقرأ المشهد السياسى العام والخلافات حول الإعلان الدستورى والمظاهرات المليونية وغيرها؟

- إن لم تكن التعديلات الدستورية والإعلان الدستورى، تكفى شباب الثورة فعليهم أن يخرجوا بالبديل، أى أن يخططوا لما يلزم من عمل، لكى يصلوا إلى الغرض المنشود مستقبلاً- إذا لم يكن هذا العام، فماذا يلزم للعمل فى المستقبل، وهكذا- أى التخطيط للبدائل.

ولا شك أننا نمر بحالة من الارتباك السياسى، لأنه لم تكن هناك قوى سياسية فى مصر منذ بزوغ ثورة ١٩٥٢، فقط حزب أوحد لم يسمح للغير بممارسة السياسة، لذلك فنحن نفتقر للفكر السياسى على وجه العموم.

■ يكثر الحديث بعد الثورة عن الإصلاح السياسى.. بينما لم توضع بعد أى خارطة طريق لشكل مصر فى العلوم والتكنولوجيا والأبحاث.. ما تعليقك؟

- نعم.. يشغل الإصلاح السياسى معظم الفكر المصرى اليوم، وفى حقيقة الأمر فإن الإصلاح لن يتم فى عام أو عامين، وربما يتطلب الأمر جيلاً كاملاً، ولكن لابد من البدء الآن، فى نفس الوقت يجب أن نعلم أن العمل السياسى لا ينضج إلا إذا ازداد علم الناس ومعرفتهم.. لذلك يجب أن نبدأ بإصلاح التعليم ومحو الأمية، مع دعم البحث العلمى فى إطار خطة محكمة طويلة المدى لكى يخدم العلم والبحث العلمى متطلبات مجتمع المعرفة.

■ إلى من ستعطى صوتك فى الانتخابات الرئاسية المقبلة؟

- لن أعطى صوتى إلى شخص ما، وإنما سأعطى صوتى لأحسن البرامج الرئاسية المعلن عنها على الملأ بواسطة من يرشحون أنفسهم.

■ مليونية الجمعة الماضى اتهمت المسؤولين بالتباطؤ فى محاسبة رموز النظام السابق.. هل توافقهم الرأى.. وما المطلوب لتطهير البلاد؟

- علينا أن نثق بأهل القانون فى مصر، ونعطيهم مسؤولية محاسبة من يثبت عليه الإجرام فى حق الشعب من رموز النظام البائد، وإذا لم يقوموا بذلك بكل أمانة، علينا أن نحاسبهم آنذاك على عدم القيام بدورهم المهنى.

■ وزارة الكهرباء تبحث تأجيل التعاقد على أول محطة للإنتاج النووى السلمى بسبب الوضع السياسى والاقتصادى الراهن فى مصر.. وتخوفاً مما حدث فى اليابان.. ما تعليقك؟

- هذا فى نظرى أمر طيب جداً، ليس هناك أى سبب للإسراع فى «شراء» محطة للطاقة النووية، إلا إذا كنا وصلنا إلى مرحلة متقدمة فى الأبحاث النووية مثل الهند.. لكن التعاقد على محطة لا دخل لنا فى تصميمها ولا نعلم ماذا يحدث بداخلها لا لزوم له.

ومن الناحية الجيولوجية الطاقة النووية ينتج عنها مواد مشعة بعد الاستخدام، ولا نعلم بعد كيف نخزن هذه المواد فى باطن الأرض لأنها تزيد درجة حرارة الصخور، وربما يترتب عليها زلازل، هذه المواد تعيش آلاف السنين ولا نعلم بعد كيف نحفظها أو نتعامل معها.

■ لكن هذا قد يؤخرنا كثيراً فى طرق باب العلم الحديث والاستخدام السلمى للطاقة النووية وما قد يترتب عنه من نقلة نوعية لمصر؟

- لقد تأخرنا بالفعل بمقدار نصف قرن، ومن الأفضل أن نكون معرفيين ونبنى قدراتنا الفنية كما فعلت الهند وباكستان وإيران أولاً قبل أن نطرق هذا الباب.

■ كيف نتمكن من مواجهة الاستهلاك المتزايد للطاقة؟

- يمكننا تطوير الطاقة الشمسية فى الصحراء الغربية لتحقيق جميع احتياجاتنا فى وادى النيل، كما أنه يمكن الاعتماد فى منطقة البحر الأحمر على طاقة الرياح.

■ فى رأيك ما مستقبل مشروع ممر التنمية بعد الثورة.. وهل حدث أى اتصال بينك وبين حكومة «شرف» أو المجلس العسكرى بهذا الشأن؟

- يسعدنى أن الغالبية العظمى من شعب مصر، مقتنعة تماماً بأهمية ممر التنمية، لفتح آفاق جديدة للعيش الكريم، بتوسيع المساحة المستخدمة من مصر، ودعم آمال الجيل الصاعد فى بناء مصر القوية المنتجة التى تؤهل الحياة السعيدة، والدكتور عصام شرف وكل الوزراء والمسؤولين مقتنعون بأهمية المشروع ولزوم بدء العمل فيه الآن، حيث إنه ربما يحتاج عقداً كاملاً من الزمان لإكماله فى صورة متميزة، وفى حقيقة الأمر أنا لم أتطوع للحديث عن المشروع إلا مع عامة الناس فى مصر، لأنه مشروع العامة وهم من سينفذونه، ورؤساء الوزراء أو الوزراء هم من يسألوننى أن أوضح لهم أبعاد المشروع.

■ هل مصر عرضة للمجاعة المائية، كما تشير كل النظريات العلمية؟

- كل النظريات القائلة بذلك غير مثبتة علمياً.. وأنا لدى نظرية مختلفة تماماً عما قيل، هى أيضاً غير مثبتة، لكنه اجتهاد أظنه صحيحاً، فالنظرية القديمة تقول إن ارتفاع درجات الحرارة نتيجة تغير المناخ سيؤدى إلى التصحر لقلة المياه وبالتالى قلة الأراضى الزراعية، أما نظريتى فبنيتها على سؤال بسيط هو: من أين تأتينا المياه العذبة؟ الإجابة: من البحر حيث يحدث تبخر عن طريق أشعة الشمس، يتصاعد البخار إلى أعلى ويتكثف فى الطبقات العليا، ويكون السحب بكثرة، والتى تتساقط على هيئة أمطار، والمطر الغزير يكون من نصيب شمال وجنوب خط الاستواء، وهذا يعنى أنه بارتفاع درجات الحرارة يزداد البخر فيزداد المطر فتنكمش الصحراء، وإذا قلت درجة الحرارة قل البخر، وانكمش المطر واتسعت الصحراء، فقصة سيدنا يوسف التى تقول إن هناك سبع سنوات عجاف هى حقيقة علمية، لأنه منذ أن بدأت أعمل فى أبحاث الصحراء، وجدت أنه فعلاً كل حوالى ٧ سنوات يحدث هطول للمطر بعد التصحر، والعلم أثبت بعد ذلك أن هذا الأمر له علاقة بالتفجيرات على سطح الشمس ولا علاقة للأرض بذلك، لكن نظريتى هذه أخص بها الحزام المتاخم لخط الاستواء شمالاً وجنوباً ومنها منطقتنا، لكن من الممكن أن تنقص المياه فى مناطق أخرى مثل أمريكا والصين.

■ ننتقل إلى أزمة غرق الدلتا المصرية.. هل الغرق محتمل أم حتمى؟

- الدلتا ستنزل تدريجياً ناحية الشرق، أى ناحية بحيرة البرلس والمنزلة، وسيكون النزول بالمليمترات، سيصل بعد مائة عام إلى نصف متر والبعض يقول متر وهى حقيقة علمية لا خلاف حولها.

■ لكن هناك خلافاً حول كيفية التصدى لهذه الظاهرة.. ما وجهة نظرك فى الحل.. وإلى أى مدى ستكون فكرة الحوائط والمصدات عملية.. وهل أنت مع فكرة سحب المياه الزائدة إلى منخفض القطارة؟

- أتمنى ألا نشغل أنفسنا بحوائط للصد هنا وهناك، أو أى فكرة أخرى، لأن الواقع يقول إن الدلتا «هتنزل هتنزل» لذا يجب أن ندرس حجم نزول الدلتا والمساحات التى ستغطيها المياه، والبشر الذين يسكنون هذه المناطق الآن وعلى مدار مائة عام، ونخرج خارج حزام البحر المتوسط تماماً، ونبنى مدناً ومساحات تستوعب حجم المناطق المنكوبة فى الصحراء، ويتم ترحيل الناس إليها شيئاً فشيئاً، وأمامنا مائة عام، وهى مدة كافية للغاية لو بدأنا من اليوم، وأنا أرى فى ممر التنمية الحل المؤكد للأزمة، لأنه يبعد عن البحر المتوسط، وينشئ مصر الموازية فى الصحراء ويحل أزمات التكدس فى الوادى والدلتا، ولنستغل المليارات التى ستنفق فى المصدات والحوائط وغيرها فى البداية فى مشروع ممر التنمية، وهنا أكون ضربت عشرة عصافير بحجر واحد.

■ لكن هناك خلافاً حول ممر التنمية بين العلماء؟

- نحن العلماء نقترح ونقدم أفكاراً، وننتظر لنراها جيدة وقابلة للتنفيذ أم لا؟ ولا يحزننى على الإطلاق خلاف العلماء حول مشروعى فهذا حقهم.

■ البعض قال إن ما تقدمت به من أبحاث وصور لمشروع «ممر التنمية» ليس وافياً.. وقالوا إن المشروع «مرتبك»؟

- كل من قال هذا لم يقرأ كتابى ولا مقالاتى، والتى قدمت نسخاً منها للحكومة المصرية السابقة، لأن كل ما يخطر على بال إنسان من صور بالأقمار الصناعية وخرائط جغرافية تم تضمينها المشروع، وكل شبر أحكى عنه فى المشروع له إثباتات على أسباب اختياره.

■ لكن الدكتور رشدى وهو عالم كبير انتقد هو الآخر المشروع؟

- أنا أقدر الدكتور «رشدى» جداً وأحترم رأيه، وقد بلغنى بالفعل أنه قال: «إيه اللى فاروق عايز يعمله ده؟! عايز يعمل طريق فى الصحراء الغربية، ما إحنا عندنا طرق كتير» وعلى ما يبدو أن الدكتور «رشدى» لم يقرأ المشروع، بل سمع عنه فقال ما قال، وردى عليه أنه: يا دكتور رشدى أنا لم أقل أننى أريد عمل طريق فى الصحراء ولا أن يمر بجانب الواحات، أنا قلت ممر للتنمية أى قطار سكة حديد، وخط مياه، وخط كهرباء و١٥ طريقاً عرضياً من الوادى والدلتا إلى طريق مواز لها فى الصحراء الغربية، على أن نبدأ بتنفيذ الطرق العرضية أولاً، واعتمدت فى مشروعى على صور التقطت بالأقمار الصناعية لهذه المناطق، والخرائط الجيولوجية والطبوغرافية جزء بجزءاً، وما أريده هو عمل مكان ينفع لإقامة ٢٠ مدينة متكاملة و٤٠ ألف قرية ليتم توسيع حزام المعيشة.

■ هل خط مياه من النيل يكفى مشروعاً بهذه الضخامة؟

- معظم الأماكن التى اخترتها بها مياه جوفية حلوة متسربة من النيل وليست أمطاراً، وهى مياه متوافرة بكثرة بل وعلى الدوام، واخترتها لهذا السبب، ومعظم الطرق التى رسمتها تمر بمصادر طبيعية من المياه والمعادن وغيرها، كما سيتم مد خط مياه عرضى لها من النيل، كما سنمد خطوطاً من الكهرباء إضافة إلى استخدام السخانات الشمسية، وكله مكتوب فى الدراسة المقدمة.

■ البعض قال إن تنمية سيناء أهم من تنفيذ «ممر التنمية»؟

- وارد طبعاً.. وكل الأفكار مطروحة، أنا عندى نظرية وهناك نسخة منها فى رئاسة الوزراء، والمشروع متاح للجميع للاطلاع عليه على النت، لكن أنا رأيى أن الإنسان المصرى بحكم تركيبته لا يستطيع الابتعاد عن النيل كثيراً لذا فكرة ممر التنمية هى الأقرب لتركيبته.. لكن فى المقابل الحكومات القادمة هى التى ستحدد الأولويات.

■ ما آخر موقف للنظام السابق من المشروع قبل قيام الثورة؟

- آخر خطوة كانت قيام الدكتور عثمان محمد عثمان، بتشكيل لجنة لدراسة المشروع، والتى أثبتت أنه مخرج لمصر من العديد من الأزمات، وأعلنت هذه النتائج، لكن الموضوع يتوقف على التمويل، وكان هناك تفكير فى طرحه للاكتتاب العام وللاستثمار للشركات الخاصة، أو أن تساهم الحكومة بجزء والقطاع الخاص بجزء.

■ والآن؟

- أفكر فى إنشاء مؤسسة باسم «ممر التنمية» لها مجلس إدارة ويطرح المشروع للاكتتاب العام على أن نبدأ بجنيه قيمة السهم لنشجع جميع المصريين على شراء أسهم فى المشروع ليشعروا بالانتماء لبلدهم، وأن المشروع ملكهم.

■ المهندس حسب الله الكفراوى قال لى فى حوار معه إن ممر التنمية ليس فكرتك.. بل فكرة الرئيس الراحل أنور السادات؟

- ابتسم قائلاً: لا يهم المشروع فكرة مَنْ، فكرتى أم فكرة «السادات».. المهم أن ينفذ المشروع.

■ مؤخراً تم افتتاح العمل فى منجم جبل السكرى، الذى قيل إن كميات الذهب به ستنعكس على الاقتصاد المصرى.. ما تقييمك لهذا المنجم؟

- الفراعنة هم من اكتشفوا منجم جبل السكرى، وليس الحكومات المصرية الأخيرة، وجميع مناجم الذهب التى نعمل فيها هى من نفايات المصريين القدماء، وما تبقى منهم، وكلها اكتشافهم، لكن أيام الفراعنة كانت الوسائل فى استخراج الذهب محدودة، لذا كانوا يأخذون عروق الذهب السميكة من المناجم، أما الأجزاء البسيطة فلا يلتفتون إليها، لأنهم لم يعرفوا كيف يكسرون صخرة لتصبح بودرة، ثم يتم تسخينها فى درجة حرارة معينة ليفصل الذهب ليخرج أوقية أو اثنتين من الذهب، ونحن كجيولوجيين نعرف أن هذا الموقع ومواقع أخرى بها ذهب، ولم يتم استخراجه لضعف الإمكانيات، لكن عندما تم استجلاب شركات أجنبية، وتوافرت إمكانيات تم استخراجه، فلم تكن لدينا تكنولوجيا تركيز الخام واستخراجه، ومخطئ من يقول إنه اكتشاف جديد.

■ هل الكمية بالفعل كبيرة لدرجة أنها ستنعكس على الاقتصاد المصرى إيجابياً؟

- نعم لكن هذا يتوقف على طريقة استخداماتها والمجالات التى سينفق عائدها عليها، وسبق أن قلت عندما أعلن فى السابق عن ذلك: لو أخذوها واستمروا فى بناء العقارات يبقى «بيلبخوا» لكن لو أنفقت على التنمية الصناعية أو الزراعية، وفتح مجالات للعمل أو تحسين التعليم، نكون استفدنا من هذا الكنز.

■ هل توجد مناجم أخرى لدينا غنية بالذهب؟

- نعم فى أقصى جنوب غرب مصر فى هضبة الجلف الكبير، هناك قنوات بها نسب من الذهب، لكن لا نعرف كيف نستخرجها لأنه لا توجد طرق ولا مياه ولا أى شىء، لكن كجيولوجيين نعرف الصخور التى تحتوى عليها.

■ هل لدينا عناصر أخرى مهمة فى الصحراء ذات قيمة اقتصادية؟

- لدينا عدد من العناصر الثقيلة، وعناصر قليلة التواجد مثل الليثيوم والتيتانيوم، لكن أيضاً ليس لدينا تكنولوجيا للحصول عليها، فكل العالم تطور فى مجال المناجم إلا نحن، عموماً نحن نحتاج إلى تطوير الصناعة بكل أشكالها من أعمال المناجم، وحتى تصنيع المواد الخام، لا أن نستجلب شركات أجنبية أو أن نشترى مصنعاً جاهزاً، علينا تصنيع كل شىء حتى نستطيع التحكم فى الأسعار.

■ ذكر أحد قادة الجيش الإسرائيلى أنهم وجدوا فى سيناء خام اليورانيوم بما يكفى مفاعلهم النووى، وأن ذلك عرف عن طريق تنكر بعض المهندسين ودخولهم سيناء.. ما تعليقك.. وهل يوجد فى سيناء اليورانيوم بكثرة؟

- عندما كان الإسرائيليون فى سيناء أجروا مسحاً شاملاً لأرضها بالكامل، ويعلمون تماماً ماذا يحوى كل شبر أرض فيها، والمدة من عام ٦٧ حتى ١٩٧٣ كانت كافية للغاية لهم، فقد أخذوا عينات من كل المناطق، ولم يكونوا فى حاجة للتخفى، لكن هذه إحدى ألاعيبهم ليتم تضخيم الدور الذى يلعبونه واستعراض قدراتهم الاستخباراتية، لينفخوا فى أساطيرهم وقدراتهم، وهم نشروا التحليلات والخرائط التى توصلوا إليها، ونحن نعرف أيضاً هذه النتائج، وبالفعل لدينا صخور رسوبية بها خام اليورانيوم فى سيناء والصحراء الشرقية ومناطق فى جنوب الصحراء الغربية.

■ هل تكفينا كميات «اليورانيوم» لو قررنا قرع باب الإنتاج النووى؟

- لو طورنا التكنولوجيا الخاصة بتركيز الخام وكيفية استخراجه نستطيع توفير الخام الذى نريده.

■ ماذا عن اليوم؟

- «مانقدرش».

■ أعلن الرئيس الأمريكى أوباما فور توليه رئاسة أمريكا اهتمامه بالتعاون فى مجال العلوم مع مصر ورغبته فى عمل برامج حكومية لدعم البحث العلمى.. كيف تقرأ ذلك؟

- «أوباما» مهتم جداً بهذا الجانب، وعرض على الجانب المصرى آنذاك أن يحدد المجالات، التى يريدون دعماً أمريكياً لها، سواء مالياً أو بالخبرات والتكنولوجيا، وطلبت مصر بالفعل جزءاً من الدعم لأبحاث الطاقة البديلة، الرياح والشمس والنووى، وخصص «أوباما» لهذا الشأن مبالغ ضخمة، وعلى المؤسسة التى تريد إجراء البحث العلمى فى مصر التقدم للحكومة الأمريكية وأخذ المخصصات اللازمة.

■ كيف تقيم مستوى البحث العلمى المصرى؟

- مستواه «واطى جداً»، مصر لا تستحق أن تكون فى هذا المستوى، مقارنة بالعقول المصرية والعلماء المحترمين، الذين أفرزتهم على مدى السنين، فكيف لماليزيا وكوريا الجنوبية، وكل من كنا نفوقهم فى مستوى العلم والتقدم أن يصبحوا أفضل منا؟!.. كيف ينتجون ونحن لا ننتج؟! عموماً عندما تريدين معرفة مستوى بلد فى الاقتصاد أرصدى ماذا يستورد وماذا يصدر.

■ بمعنى؟

- عندما تجدى أن مصر لا تزال تستورد طعامها من الخارج، فهذا يعنى أننا لا نزرع بشكل صحيح، ولا نستخدم المحاصيل الصحيحة، وليس لدينا فكر زراعى صحيح، وهذا يعنى إما أنك لا تجرى بحثاً علمياً جيداً أو أن بحثك العلمى لا تستخدمه الحكومة.

■ أيهما كان متبعاً فى مصر؟

- الاثنان.

■ منذ أشهر واجهت مصر أزمة طماطم.. كيف قرأت حينها تلك الأزمة؟

- الأزمات الكبرى من هذا النوع فى مصر تدل، من وجهة نظرى، على أن الناس أصبحت تفكر فى «تفاهات»، فلابد ألا يكون ارتفاع سعر الطماطم أزمة على الإطلاق، وطوال عمرنا كنا نقول إنه لا يوجد فى الأسواق كذا ثم نسكت، وتخلص الحكاية، عندما تكون هذه السلعة متاحة فى الأسواق نشتريها، وإذا كانت متاحة لكن غالية الثمن نبتعد عنها لحين هبوط سعرها أو نجد لها البدائل وانتهينا. «مفيش طماطم أو غالية خلاص نطبخ بغيرها».. هكذا كنا نتقبل تلك الأوضاع، أما الآن فلا أحد يريد أن يتقبل أى شىء.

■ هل المواطن يتحمل اللوم وحده؟

- لا أعفى الحكومات عندما لا توفر المنتج بسعر مناسب، لكن اللوم الأكبر يقع على الناس التى ينصب تفكيرها فقط حول أسعار الطعام.

■ لكن أزمة الطماطم لم تكن تعكس أزمة فى الغذاء فقط بل أيضاً أزمة فى البحث العلمى، لأن الخبراء كانوا يعلمون بارتفاع درجات الحرارة، ولم تتم زراعة أصناف خالية من الأمراض.. ولم تتم زراعة سلالات تحقق وفرة؟

- ربما كان خبراء الزراعة يعلمون بكل ما تقولين، ولم يبلغوا المسؤولين، وربما علم المسؤولون بذلك آنذاك، لكن لم يعملوا على حل الأزمة قبل وقوعها، لأن الأمور فى مصر «كانت سايحة»، ولم يوجد مخطط يسير خلفه الناس، وأرجع للقول بأن سبب كل هذه الأزمات هو أننا متكدسون بشكل خيالى، أكبر من أى دولة فى العالم، فالقاهرة بها أكثر من ٢٠ مليون نسمة يعيشون فى مكان واحد، لا يزرعون طعامهم، بل ينتظرون أن يأتيهم تحت عماراتهم، وهذا يعنى أن أزرع طماطم لعشرين مليون شخص، وأنقلها بما فى العملية من تكاليف ومخاطر النقل، نحن فى حاجة إلى مشروع حضارى ينقذ مصر مما هى فيه.
----------------
نشرت في المصري اليوم بتاريخ 16-4-2011
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=293721

د.صفوت العالم



المشهد الإعلامى مرتبك ويعيش حالة فقدان ثقة
--------------------------------------
أجرت الحوار رانيـا بـدوى ٩/ ٤/ ٢٠١١
---------------------------------------

«يلّا نلعب ثورة».. هذا هو التوصيف الذى عبر به الدكتور صفوت العالم أستاذ الإعلام السياسى بكلية الإعلام جامعة القاهرة، حول ما يشاهده ويقرؤه حالياً فى الإعلام الحكومى.. وأضاف «العالم» فى حوار لـ«المصرى اليوم» أن التحول الذى يحدث هو تحول معيب لأنه ليست لديه رؤية ولا مرتكز سياسى ينطلق منه.. وإلى نص الحوار:

■ كيف تقرأ المشهد الإعلامى فى مصر حالياً؟

- المشهد مرتبك وغير مستقر، وهذا انعكاس طبيعى لحالة التحول السياسى التى نمر بها، فالجانب الاقتصادى مقلق والقائمون عليه فى حالة ترقب، والوضع السياسى غير واضح الرؤية وهذا يظهر جليا فى القول بتعديلات دستورية ثم التصريح بإعلان دستورى، ناهيك عن ملاحظة الجميع للغياب الفاعل للمؤسسات الأمنية، والإحساس العام بأن الحكومة الحالية هى حكومة تسيير أعمال، وفوق كل هذا العبء الذى يتحمله المجلس الأعلى للقوات المسلحة من أمور ومناح هى بعيدة عن تخصصه.

■ هل ينعكس ذلك على المشهد الإعلامى؟

بالتأكيد، وهذا واضح أكثر فى التليفزيون المصرى والصحف القومية، فاستقرار المؤسسات الإعلامية يأتى من وضوح الرؤية لدى النظام الحاكم سواء سلبا أو إيجابا، فالمضمون الإعلامى جرت العادة أن تكون له مرتكزات سياسية، هذه المرتكزات غير واضحة الآن، ولا شك أن استقرار نظام قرابة ٣٠ سنة، ينتج عنه مستفيدون جدد ويظهر المتذبذبون والمتحولون، ويظهر ذلك واضحا فى شكل المضمون الصحفى والإعلامى.

■ هل لك أن تذكر بعض مشاهد الارتباك الواضحة فى التليفزيون؟

- أولا الإعلام يعيش حالة فقدان ثقة، وعدم وجود بوصلة سياسية للدولة، وعدم الثقة فى أغلب قيادات الإعلام الذين كانوا فى ظل النظام الماضى، إضافة إلى عدم الرضا الوظيفى لدى عشرات الآلاف عندما اكتشفوا الأجور المبالغ فيها لبعض العاملين والمخرجين والإعلاميين، فى حين أن رواتبهم الضئيلة تتأخر قرابة الثلاثة أشهر، فضلا عن تعدد وتنوع الهياكل المالية لإنتاج البرامج الإعلامية فى قنوات التلفزيون المصرى، فهذا البرنامج يتبع الوزير لذا نجد المذيع يتقاضى أكثر من عشرة آلاف جنيه وكذلك المخرج، بينما هذا البرنامج يتبع التليفزيون يتقاضى المذيع به ٣٠ جنيهاً فى الحلقة.

■ هل ترى أن تحول بعض الإعلاميين يأتى من باب العودة إلى الحقيقة؟

- ما يحدث من تحول هو تحول معيب، فحتى التحول يجب أن تحكمه بوصلة سياسية ورؤية وليس مجرد تحول للقفز على عربة الفوز، لذا هذا التحول مصداقيته ضئيلة، وكأنهم يرفعون شعار «يلّا نلعب ثورة».

■ ماذا عن التحول فى الصحف القومية؟

- التحول حدث فى الصحف القومية حتى تحت قيادة الرؤساء السابقين بعدما أيقنوا نجاح الثورة، لذا لجأوا لعدة مظاهر أولها أن بعضهم تراجع عن فكرة مقال الصفحة الكاملة إلى مقال العمود فقد كان أسامة سرايا ومحمد على إبراهيم وغيرهما يسطعون علينا بمقالات صفحة كاملة تراجعت بعد الثورة إلى مجرد عمود، لأنهم يشعرون بأنهم فى مأزق سياسى، وآخرون بدأوا تسكين مقالاتهم كمقال بديل فى الأعمدة الرئيسية فى الجريدة، فمثلا نجد عبدالمنعم سعيد أخذ مكان مقال الأستاذ سلامة أحمد سلامة كنوع من حجز «بوتيك المستقبل» وكضمانة للتحول القادم، لأنه كان لدى الجميع إحساس بأن القيادات كلها سترحل وبالتالى يضمن مقالا للتواصل إذا ما رحل تماما مثل إبراهيم نافع وغيره.

■ تشهد الساحة الإعلامية حالياً تصنيف الإعلاميين حسب المؤيد والمعارض للثورة وليس على أساس الكفاءة كيف تقرأ ذلك؟

- هذا واضح للجميع، فمثلا النظرة إلى سها النقاش الآن متعاظمة للغاية لأنها رفضت النظام السابق ونزلت إلى المظاهرات فى حين من لم ينزل إلى المظاهرات وشارك فى تغييب الرأى العام وقت الثورة ينظر لهم صباح مساء نظرة سيئة بداية من مدخل التليفزيون نفسه على أنهم خانوا الثورة، وأنهم أبواق النظام، ولكن من الطبيعى أن يكون هناك ضحايا للثورة ومستفيدون منها.

■ فى تقديرك هل سيعود التليفزيون والصحف القومية مرة أخرى للاصطفاف إلى جانب النظام الجديد أم ستبقى فى صف المعارضة؟

- الرؤية السياسية التى ستتمثل فى الحكومات القادمة وشخصية الرئيس نفسه ستحدد طبيعة المرحلة المقبلة فى الإعلام، إضافة إلى أن الجميع يجب أن يتعلم الدرس، وعلى الرئيس القادم أن يتعلم الدرس، وعلى الإعلاميين أن يتعلموا أن احترام الرأى العام والتجاوب مع متطلباته هما اللذان يصنعان المكانة الإعلامية.

■ كيف يمكن فعليا الحفاظ على المساحة بين الرئيس والنظام وبين الإعلام فى المستقبل؟

- لن يتم ذلك إلا بصياغة متكاملة لأداء نقابى يحمى الإعلاميين من البطش وضياع حقوقهم المهنية والمالية، إذا ما كان لهم رأى مخالف للنظام أو لرؤسائه، وأيضا تدعيم نقابة الصحفيين، فهى ليست منتدى ثقافيا، إنما عليها أن تدعم الممارسة المهنية، وأن يكون لديها آلية لرفع مستوى أداء الصحفى عن طريق التدريب المتواصل.

■ ما رأيك فى الأطروحات الخاصة بضرورة فصل التحرير عن الملكية فيما يخص الصحف القومية.. وطرح التليفزيون للاكتتاب العام؟

- لا شك أن التفكير فى «الإذاعة والتليفزيون» على أن تكون هيئة مستقلة هى آلية مطلوبة للارتقاء بهذه المؤسسة، كذلك المؤسسات الصحفية يجب التفكير فى نمط الملكية الذى سيحكمها فى المستقبل.

■ هل لديك ملاحظات على أداء الإعلام الخاص؟

- رغم أن أغلب وسائل الإعلام الخاصة منحت رخصها لرجال الأعمال فإنها كانت متفاوتة فى أدائها فهناك من حافظ على مساحة المصداقية بينه وبين الجمهور وهناك من استفاد من مؤسساته الإعلامية عن طريق تخديمه على النظام السابق، وبالتالى حصل على المقابل فى شكل مزايا اقتصادية.
------------
نشرت في المصري اليوم بتاريخ 9-4-2011
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=293023

المستشار هشام البسطويسي



المرشح القادم من منصة القضاء يتحدث لـ«المصري اليوم»:
أنا الأقرب لـ«الرئاسة»
------------------------------
حوار رانيا بدوى ١٠/ ٤/ ٢٠١١
------------------------------


المستشار هشام البسطويسى أحد الشخصيات التى تحظى باحترام وتقدير جميع القوى السياسية فى مصر.. خاض معركة ضارية مع النظام السابق لإصلاح القضاء، فخرج وبعض المستشارين إلى الشارع، رغم كل ما يحيط القضاء من سياج مهيب وقدسية شديدة، ليقولوا «لا لاختراق القضاء»، ويعلنوا رفضهم الأحكام السياسية وتزوير الانتخابات.

لاقى «البسطويسى» ورفاقه الإصلاحيون جميعاً جزاء شجاعتهم من النظام السابق، حتى إن الرئيس السابق «مبارك»، تدخل بنفسه وطلب من المستشار محمود أبوالليل، وزير العدل الأسبق، إحالة «البسطويسى» إلى «التأديب».

ولأن دوام الحال من المحال سقط «مبارك» وأعلن «البسطويسى» رغبته فى الترشح لمنصب الرئاسة، مؤكدا أن فرصته أكبر من غيره من المرشحين، لعلمه بتفاصيل حياة المصريين، ووقوفه على مشاكلهم، وثقة الناس فيه كقاض فعل ما لم يفعله وزراء فى العهد السابق، على حد قوله.

قال «البسطويسى»، فى حواره لـ«المصرى اليوم»، إنه لا تصالح مع الفساد، ولا ضياع لحق المصريين فى الأموال المنهوبة، وأكد أنه ليس كل تباطؤ تواطؤاً، وأن التعجل فى إصدار أحكام فى مثل هذه الحالات قد يسفر عن أحكام بها أخطاء إجرائية تجعل الغرب لا يعتد بها فنجد أنفسنا نعلّق الحكم على الحائط، على حد قوله.. وإلى نص الحوار:

■ هناك خلاف واضح بين شباب الثورة و«المجلس العسكرى» ظهر جليا فى مليونيات جديدة تطالب بتطهير النظام.. كيف تقرأ المشهد؟

- مصر تدار حاليا بوضع مختلف عن غيرها من الدول التى حدثت بها ثورات، فعادة عندما تنجح ثورة ما وتزيل حكماً قائماً تتقلد السلطة، وتبدأ عقد محاكمات سريعة وإصلاحاً للمجتمع، لكن الوضع الحالى هو أن الثورة ليست هى التى تحكم وإنما المجلس العسكرى، الذى حمى الثورة ولم يدخل فى مواجهات مع الشعب، والاثنان لا يسيران على نفس النغمة، فالثوار متعجلون والمجلس ليس بنفس السرعة ولا الحسم، ويريد عدم التعجل لتحقيق انتقال مأمون للسلطة، وهذا سبب القلق والتوتر لدى الناس وتساؤلهم: هل ستنجح الثورة أم لا؟

والثورة المصرية تفرّدت بعدم وجود قائد لها، سواء كان شخصاً أو حزباً، لذا فالمجلس العسكرى معذور، لأن قوى الشعب كلها قامت بالثورة، فلا يعرف مع من يتحدث بالضبط، إضافة إلى وجود خلافات حاليا بين النخبة، لذا فأنا أعذر الطرفين: الثوار المتعجلين والمجلس المتأنى.

■ والحل؟

- الحل يكون بعقد لقاءات مكثفة بين الثوار والمجلس لتقريب وجهات النظر.

■ لكن البعض لا يجد عذرا للمجلس فى ظل وجود بديل هو تشكيل مجلس رئاسى أو تعيين لجان استشارية؟

- صحيح.. لكن حتى هذا لم يستطع المجلس الأعلى للقوات المسلحة فعله، لأنه ليست لديه خبرة ولا إلمام بمكونات المجتمع السياسى ولا قواه المختلفة، ففجأة وجدوا أنفسهم فى هذا الموقف، والمعلومات المسموعة التى كانت تصلهم عن القوى السياسية لا تطمئن، مثل أن الإخوان جماعة تريد السيطرة على الحكم لصالح إيران أو السعودية مثلاً.

■ هل لديك تفسير لرفض تكوين مجلس رئاسى؟

- السبب الوحيد الذى قالوه هو أنه لم يكن من السهل الاتفاق على مجلس رئاسى، وكانت دائما هناك اعتراضات على الأسماء حتى من القوى الوطنية نفسها.

■ هل هذا يعنى أنه لا يوجد توافق على أسماء ثلاثة أو حتى خمسة أشخاص فى مصر؟

- نعم لا يوجد توافق، وحتى لو لم يتم الاعتراض على الأسماء سنجد القوى الوطنية تقول «إشمعنى؟!» وسندخل دوامة أن الجميع يريد أن يمثل فى المجلس الرئاسى.. لذا كان من الصعوبة تشكيله.

■ لماذا لم يتم طرح أكثر من اسم ويتم انتخاب ثلاثة أو خمسة من بينهم لحسم الخلاف بين النخب؟

- فى النهاية هذا يعنى إجراء انتخابات بما تتطلبه من إجراءات وإمكانيات، وإذا كنا سنجرى انتخابات فمن باب أولى أن نجرى انتخابات رئاسة الجمهورية وينتهى الموضوع.

■ كقاض هل أنت مع فكرة التصالح مع رموز النظام السابق ممن أفسدوا الحياة السياسية فى مصر ورجال الأعمال الفاسدين إذا ردوا ما سرقوه؟

- لا يوجد اتفاق على معنى كلمة «فساد»، فالبعض يراه فى كل من ارتكب جرائم، والبعض يرى أن الفساد هو الفساد السياسى، وآخرون يقولون إن الفساد ينطبق على كل من تعامل مع النظام السابق.. إلخ، لابد أن نضبط أولاً المعانى حتى نعرف عما نتكلم، وأنا رأيى الشخصى أن كل مَنْ ارتكب جريمة من جرائم المال العام أو الجرائم السياسية مثل تزوير الانتخابات أو جرائم الاعتداء على المتظاهرين، خلال الثورة، لابد أن يحاكم أمام محكمة جنائية، ويلقى عقوبة جنائية نص عليها القانون، وهذه العقوبة تتضمن أمرين فضلا عن الحبس، هما: رد ما استفادوه لصالح الشعب، وهذا ليس فيه فصال، فلا يجوز أن أقول لشخص سرق مليون جنيه ادفع ١٠٠ ألف وسأتصالح معك، مَنْ سرق مليوناً يرد المليون أولاً، ثم يُحبس، فمن ارتكب جريمة يجب أن يقضى عليه بالعقوبة وينفذها، حتى يتحقق الردع العام والردع الخاص، وثانياً عقوبة الحرمان من ممارسة الحقوق السياسية كعقوبة تبعية للحكم بالإدانة، ويجب أن ينفذها.

أما الذى استفاد من الفساد دون أن يرتكب جريمة وكان مضطرا أن يعمل وفقا للنظام المعمول به وإلا فلن يعمل، فمن الممكن أن أتعامل معه كما نتعامل مع الراشى، القانون يعفى الراشى من العقوبة إذا اعترف بالجريمة وأرشد عن المرتشى وذكر حجم مبلغ الرشوة، وهنا يمكن أن أتصالح مع هؤلاء، فمثلا لو أن رجل أعمال استفاد بمليار جنيه من فروق الأسعار بين ما اشترى به وسعر الأرض الحقيقى، هنا يجب رد هذا الفرق فى السعر وليكن ٣٠ ملياراً، وإذا تعذر ذلك نتفق على خطة معه بأن الـ٣٠ ملياراً مثلا تسمح ببناء ٥٠ ألف وحدة سكنية بأسعار السوق بالمواصفات الفلانية، سأتفق معك على رد الأموال لصالح الشعب من خلال أن تبنى كل عام وتسلمنى ١٠ آلاف وحدة سكنية على ٥ سنوات.

هنا أكون استرددت أموال الشعب و«شغّلت ناس» فى المبانى والمشاريع التى ستبنى، ورجل الأعمال نفسه إذا استطاع التسديد فنكون قد حللنا العديد من المشاكل، وأعتقد أنه بهذا المفهوم يمكن الحديث عن التصالح مع من لم يرتكب جريمة، لكنه اضطر للتعامل بمفاهيم السوق، التى كانت سائدة، والتى فرضها النظام السابق مادام اعترف وأرشد عن الأموال وحجمها وهوية المرتشين.

■ ماذا عن تهمة إفساد الحياة السياسية؟

- لا توجد تهمة بهذا المعنى، ولا يوجد هناك نص يعاقب على ذلك، ولكن لو اتبعوا أساليب أدت إلى ذلك حتى لو لم تكن جرائم محددة فمن المفروض تجميد نشاطهم تماما حتى تنتهى الثورة من إعادة البناء الجديد، أى أن تجرى الانتخابات البرلمانية دون وجود الحزب الوطنى، وكذا إعداد الدستور الجديد واستفتاء الشعب عليه، بعد ذلك يمكن أن يعود أعضاء الحزب ممن لم يرتكبوا جرائم إلى الحياة السياسية، بشرط الاعتذار للشعب المصرى عن السياسات السابقة، لكن أى ظهور لهم قبل ذلك سيثير الشك مباشرة بأنهم يستهدفون إجهاض الثورة.

■ هل توقعت حجم الفساد الذى تكشَّف فى الأيام الماضية.. وهل تؤيد فكرة تشكيل لجان معاونة للنائب العام لتخفيف العبء عنه؟

- هذا مطلوب بالفعل، لذلك شُكلت لجنة تقصى الحقائق، برئاسة المستشار عادل قورة، لكنها كانت مختصة فقط بالاعتداءات التى حدثت أثناء الثورة على الثوار، وهى فكرة طيبة أن يتم تشكيل عدد من اللجان على نفس النمط تكون مهمتها فحص جميع ملفات الفساد وجمع الأدلة فيها لمعاونة النائب العام، لكن فى النهاية هذه الإجراءات ليست لها صفة قانونية، إنما ستكون معاونة للنائب العام، مثل لجنة تقصى الحقائق، إذ ليست لها صفة قانونية، إنما هى استشارية وقراراتها غير ملزمة.

■ البعض يقول إن الجيش لن يحاسب أحداً من رموز حرب أكتوبر؟

- هناك عدد من رموز أكتوبر دخلوا السجن، مثل الفريق «الشاذلى»، ودور الرئيس السابق فى حرب أكتوبر لم يكن أكبر من دور مَنْ استشهد من الجنود والضباط.

■ البعض الآخر يفسر التباطؤ الذى يحدث فى التحقيقات بأنه «تواطؤ»؟

- حتى نستطيع استرداد الأموال المهربة إلى الدول الأجنبية يجب أن تكون هناك أحكام قضائية تتوافر فيها كل شروط القانون والمعايير الدولية حتى يُعتد بها، فقبل ذلك كانت لدينا أحكام كثيرة ضد أناس لكن الجهات الأجنبية لم تعتد بها، لأن الإجراءات كانت غير سليمة، لذا لابد أن نتبع الإجراءات الشرعية السليمة حتى يصدر حكم محترم يُعتد به، أما التعجل فقد يؤدى بنا إلى أن يكون لدينا حكم لكن «معلق على الحائط» لا نستطيع تنفيذه.

■ هناك من يشكك فى أسباب تأخر النائب العام فى بعض التحقيقات وعدم توجيه اتهامات محددة حتى الآن لـ«مبارك» وأسرته؟

- لا أحد يستطيع عزل النائب العام، وهذه ضمانة من ضمانات استقلال القضاء واستقلال النائب العام، ولو «مبارك» نفسه موجود فلا يستطيع عزله، فهو لا يترك منصبه إلا إذا وصل سن التقاعد أو وقعت منه جريمة، حينئذ يرفع عنه مجلس القضاء الأعلى الحصانة ويحوله إلى التحقيق والمحاكمة.

ولو كان هناك من يستطيع عزل النائب العام فبالتبعية سيكون النائب العام تحت رحمته، وهذا ما يجعلنا نحسن الظن بأن النائب العام ليس لديه سبب يجعله يتواطأ لأنه محصَّن ضد العزل.

■ ولا قوة الثورة؟

- ولا أى قوة، وإلا سيصبح إجراء غير شرعى، ثم إن النائب العام الحالى هو أفضل نائب عام من حيث الكفاءة الفنية منذ محمد عبدالعزيز الجندى، وزير العدل الحالى، عندما كان نائباً عاماً، لذلك يجب ألا نظن أن كل تباطؤ تواطؤ.

■ البعض أيضا يقول إن عائلة «مبارك» مُنحت الوقت الكافى لتحويل أموالها إلى دول لا تربطنا معها معاهدات لاسترداد الأموال المنهوبة.. هل يمكن استرداد هذه الأموال؟

- دائما هناك وسائل لاسترداد الحق إذا كانت لدينا النية والرغبة فى استرداد هذه الأموال، وإذا لم تكن لدينا اتفاقات ثنائية مع بعض الدول فإن هناك اتفاقيات دولية هى جزء من اتفاقيات الأمم المتحدة، وجميع دول العالم تلتزم بها، مثل اتفاقية مكافحة الفساد، واتفاقية غسل الأموال، وهى اتفاقيات واجبة التنفيذ وسارية فى جميع أنحاء العالم. وحتى لو افترضنا أن هناك دولاً غير منضمة إليها، وأنا أشك فى ذلك، فتوجد وسائل أخرى للتعامل مع هذه الدول، مثل الضغوط الدبلوماسية والاقتصادية، لكن لا يوجد حق يضيع.

■ لننتقل إلى ملف آخر.. هل كانت لديك أى ملاحظات على الإعلان الدستورى الصادر مؤخرا؟

- أولا أنا سعدت لعدول «المجلس العسكرى» عن تعديل دستور ٧١.. صحيح أن الدستور المؤقت تضمن مواد أكثر من اللازم وبعضها مواد تفصيلية لا لزوم لها، لكنه فى النهاية دستور مؤقت والزيادة لا ضرر منها على أى حال، أما المواد التى كانت لى اعتراضات عليها فهى المواد التى عدلت من الدستور السابق، لكن نتيجة الاستفتاء أغلقت باب الاعتراض وأصبح علينا تقبل الأمر والالتزام به، وفى النهاية هذا الإعلان هو الذى سيحدد شكل المرحلة التى نسير فيها.

■ لكن البعض تخوف من أن التفصيلات الزائدة قد توحى بنية المجلس أن يطيل مدة بقائه؟

- لا أظن أن المجلس العسكرى يود إطالة مدة بقائه فى الحكم، فهذا التفصيل جاء نتيجة أن البعض كان لديه قلق، فأرادوا طمأنة الناس خاصة ما يتعلق بالمادة الثانية فى الدستور، فمع اللغط الذى حدث أعتقد أن المجلس خشى ألا يضع المادة الثانية فى الدستور المؤقت، فيظن البعض أنها ستلغى نهائيا، لذا وضعها هى والمواد الخاصة بالمواطنة، ليغلق باب الجدل ويزيل حالة اللبس لدى الناس.

■ الدكتور حسام عيسى قال إن الاعلان الدستورى خطأ لأن الأغلبية قالت «نعم» للتعديلات، وبالتالى هذا تجاهل لإرادة الشعب؟

- لكن المجلس العسكرى كان قد صرح قبلها بيومين أنه فى كلتا الحالتين سيصدر إعلاناً دستورياً، وأنه أراد ضمان أن تكون المواد المعدلة، التى ستضاف للإعلان الدستورى، والتى ستجرى على أساسها الانتخابات، محل رضاء من الأغلبية، أما باقى المواد فهى لطمأنة الناس باحترام حقوق الإنسان واستمرار المادة الثانية، وأعتقد أن هذه حجة مقبولة.

■ البعض يتوقع ألا تعبر نتائج انتخابات مجلس الشعب المقبلة عن التوافق الشعبى، وبالتالى ستكون الجمعية التأسيسية التى يختارها المجلس لوضع دستور جديد غير مناسبة؟

- من الواضح أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة قرر إجراء الانتخابات فى ضوء النظام القديم، الذى اعتاد عليه الناس، على أن يوضع النظام الذى يتوافق عليه الناس لاحقاً، هذا هو الخيار المتاح الآن، وكلا الحلين «مُر»، فلو تم تأجيل الانتخابات لمنح الوقت للأحزاب الجديدة للعمل فهذا معناه بقاء المجلس العسكرى مدة أطول فى الحكم وهذا غير مقبول من الكثيرين، والمجلس العسكرى نفسه لا يريده، وإذا قلنا أن تجرى الانتخابات فى الموعد المحدد ليعود الجيش سريعاً إلى ثكناته سنكون متعجلين، وبعض القوى لن تستطيع التفاعل فى الشارع بما يمكّنها من خوض الانتخابات.

كلا الموقفين له ما له وعليه ما عليه، لذا فلنتعامل مع الأمر الواقع الآن، لأننا لن نستطيع الوصول إلى حل حاسم يرضى الجميع فى هذا الأمر، وأنا أعتقد أن على الانتخابات أن تبدأ، وأنها ستفرز مجلساً قوياً يعبر عن آمال الناس.

■ من أين هذا التفاؤل؟

- الناس لديهم وعى.. الناس الذين نزلوا بالملايين فى الشارع وصنعوا الثورة ونجحوا فى تغيير النظام لديهم وعى وقدرة على انتخاب مجلس شعب جيد، والدليل أنه أثناء الانتخابات فى ظل الحزب الوطنى وفى ظل الديكتاتورية والفساد كان الناس ينزلون لانتخاب ناس جيدين، بدليل نجاح علاء عبدالمنعم، وأبوالعز الحريرى، ومصطفى الجندى، وغيرهم فى الانتخابات قبل السابقة، لكن النظام السابق كان يحول بينهم وبين الصناديق، أو يتم تزوير إرادتهم، فالناس دائما اختيارهم صحيح ولهذا كانوا يُمنعون لأنهم يختارون الصالح وليس الفاسد فكانوا يمنعونهم بالبلطجة والتزوير والمال إلى آخره، لذا فإنه مع انتفاء هذا المانع سينزل الناس وينتخبون الصالحين.

■ هل تعتقد أن نتيجة الاستفتاء التى جاءت بـ«نعم» كأغلبية تعبر عن وعى الشعب؟

- القول إن كون النخبة اختارت رأياً واختارت الأغلبية رأياً آخر بما يعنى عدم وعى الأغلبية هو قول خاطئ، فهذا يعنى أننى كنخبة أنصّب نفسى حَكماً على الأغلبية وهذا ليس من حقى.. الرأى الصحيح دائما هو رأى الأغلبية وإذا كانت الأغلبية قالت رأياً يخالف رأيى فعلىَّ أن أبحث عن الأسباب، وإذا أصرت النخبة على صحة رأيها إذن فهى قد قصرت فى شرح موقفها للأغلبية، وبالتالى لا يصح أن تكون نتيجة تقصيرى أن أتهم الأغلبية بعدم الوعى.

الأغلبية تحسن الاختيار، ومن قالوا «نعم» كانت لهم مبررات كثيرة، بعيدا عن التأثير الدينى والاستقرار، ومنها أن هناك ٤ ملايين شخص يعملون فى قطاع السياحة توقف رزقهم تماما ويحتاجون إلى عودة السياحة فى أسرع وقت، لذا رأوا أن الموافقة على التعديلات تعنى اطمئنان السياح وعودتهم سريعا.. نحن أخذنا بالشكل الخارجى وهو تأثير التيار الدينّى وعمّمنا ذلك على الجميع وهذا غير صحيح.

■ إذاً الاستفتاء على التعديلات الدستورية كشف الهوة بين النخبة والرأى العام؟

- طبعا لاشك فى ذلك، فهناك فجوة كبيرة بينهما، لذا كنت أراهن على أن الثورة لن تحدث أبدا إلا إذا تحرك شباب الجامعة من سن ١٨ إلى ٣٠، والذين قاموا كحلقة الوصل بين النخبة وجماهير الشعب، لأن النخب لا تستطيع النزول إلى الجماهير، نظرا لعوامل السن والوظيفة، واللغة التى يستخدمونها، والتى قد لا تكون مفهومة لدى الجماهير، ومن كان قادرا على سد هذه الفجوة هو الشباب الذى استوعب خطاب النخبة ثم ترجمها بلغة العامة إلى باقى الجماهير، وذلك سبب تأخر الثورة ١٠ سنوات، لأن الشباب لم يكن يملأ هذه الفجوة بعد، فلا يوجد غنى عن الشباب ولا النخبة ولا عن عامة الناس.. والكل لعب دورا فى التغيير.

■ هناك تخوف آخر من تزايد قوة السلفيين واستقطابهم الإخوان المسلمين فى الانتخابات؟

- هذا عيب القوى السياسية الأخرى، التى يجب أن تنزل إلى الشارع وتشرح مفاهيمها، لكن لا ينفع أن أظل جالساً على مكتبى وأكتفى بجريدة الحزب، وأقول إن الناس ليس لديهم وعى ويختارون بشكل خاطئ، الوقت يكفى للتواصل، والأحزاب إذا نشطت من الآن تستطيع أن تحقق ما تتمناه.

■ مع عدم تحديد موعد انتخابات الرئاسة حتى الآن.. هل لديك تصور للوقت الصحيح لإجرائها؟

- الأفضل أن تتأخر لما بعد صدور الدستور الدائم، حتى تكون انتخابات رئاسة الجمهورية على ضوء الدستور الجديد، بريئة من أى شبهات تدور حول الشرعية، لأن منصب رئيس الجمهورية حساس جدا، ويجب أن نُحصّنه ضد أى طعن، أما إجراء الانتخابات فى ضوء الدستور المؤقت ثم وضع دستور جديد فهذا سيثير الكثير من الاعتراضات والطعون، والأفضل تأجيل الانتخابات الرئاسية لبداية العام المقبل، لحين انتهاء الجمعية التأسيسية من وضع الدستور الجديد والاستفتاء عليه.

■ هل لديك أى تخوف من احتمالية دعم السلفيين مرشحاً دينياً أو دعم الجيش مرشحاً له خلفية عسكرية؟

- أنا أعتقد أن فرص جميع المرشحين ستكون متكافئة، على قدر عرض كل مرشح لبرنامجه ومدى تحقيق برنامجه مطالب الناس، وثقة الناس فى قدرته على تنفيذ وعوده وصدقه فيما يعد به، ولن يفرق عند الناس إن كان هذا المرشح من التيار الدينى أو الجيش أو من غيرهما، فطالما كانت هناك انتخابات حرة ولا يوجد تزوير إذن سيقع العبء فى النهاية على المرشحين أنفسهم للتواصل مع الناس والناس سيختارون من يريدون.

■ كونك قاضياً هل يقلل فرص فوزك فى انتخابات الرئاسة المقبلة على اعتبار أنك مرشح نخبوى؟

- أولاً القاضى حتى وإن لم يكن له تواجد فى الشارع بشكل قوى فى النهاية هو الأقرب لكل مشكلات المجتمع، لأنه يرى مشاكل المجتمع بجميع فئاته أمامه فى القضايا المنظورة، وبالتالى يحتك بها ويطَّلع عليها وعلى معاناة الناس أكثر من أى شخص آخر، والقاضى أيضا يتميز عن غيره بأنه يحسن الاستماع وقبول الرأى الآخر، ويقبل أن يكون رأيه من الأقلية دون حساسية أو غضب، وتعود على كونه ينزل على رأى الأغلبية، وهذا شىء نفتقده فى أغلب مناحى مصر.

ورغم أننى قاض فإننى نزلت الشارع فى عز جبروت «مبارك» وقلت «لا.. هناك تزوير وهناك إفساد واختراق للقضاء».. قلت ذلك فى الشارع وعلى صفحات الجرائد وهذا ما لم يفعله كل الوزراء فى مصر، لذا أعتقد أن من استطاع أن يقول لا لـ«مبارك» سيكون له قبول ومصداقية لدى الناس، ونحن لدينا فرصة حوالى ٦ أشهر لطرح برامجنا والعبرة فى النهاية ستتوقف على جودة البرامج ومدى قدرة المرشح على تنفيذها، ولا يمكن أن يُجمع الكل على مرشح واحد، لكن أنا أعتقد أن فرصتى أكبر من غيرى، لأننى متواصل أكثر مع الناس وعلى دراية بمشاكلهم ومن الممكن أن أقدم نموذجاً أكثر ديمقراطية، وإذا لم تكن عندى هذه الثقة ما نزلت الانتخابات.

■ ما أبرز ملامح برنامجك الانتخابى؟

- أنا أتعامل مع البرنامج الانتخابى بشكل مختلف عن باقى المرشحين، فالناس اعتادوا أن يأتى الشخص بخبراء يضعون له البرنامج الانتخابى كما يتصوره، ثم يطرحه على الناس لينتخبوه، أما أنا فلم أوافق على هذه الطريقة لأننى إذا كنت أدّعى أننى أريد أن أُحدث تغييرا ديمقراطيا فيجب أن يكون سلوكى ديمقراطيا ولا أكتفى بأن أرفع شعارات ديمقراطية.

وأنا أزعم أننى منحاز للأغلبية الفقيرة والكادحة، لذا أقوم بعدد من الجولات فى المحافظات لا لأطرح عليهم برنامجى الانتخابى، وإنما لأطلب منهم وضع برنامجى الانتخابى، لأتعرف على مشاكلهم وكيفية حل هذه المشكلات وأجمع هذه المقترحات ثم أعرضها على خبراء ليصوغوا البرنامج الانتخابى ويضعوا الحلول، ليكون البرنامج الانتخابى معبرا عن رؤية الناس، وهذا ينطبق مع قواعد الديمقراطية.

وبصفة خاصة أعتقد أن الفقر والجهل والمرض وسوء الخدمات هى أهم مشكلات مصر، فضلا عن تردى الأوضاع الزراعية، بسبب معاناة الفلاح الذى تعرض لظلم كبير جدا طوال السنين الماضية، لذلك أعتقد أنى سأعمل ضمن ما أعمل على توفير البذور والأسمدة وتفعيل التعاونيات وضمان جودة المحاصيل، فضلا عن الارتقاء بالخدمات الصحية والتعليم وتوفيرهما للفلاحين، لتفعيل هذه الطاقة الإنتاجية المعطلة.. وسأعمل على حل مشاكل النوبة وسيناء.

■ هل صحيح أنك تفكر فى التحالف مع حمدين صباحى على مقعدى الرئيس ونائبه؟

- أنا ضد فكرة أن يتحالف أحد مع الآخر، لأننا نتنافس على مقعد واحد، أما أن أكون الرئيس وأتحالف مع آخر ليكون نائب الرئيس فهذا غير ممكن أيضاً لأننى سبق أن قلت إننى متنازل عن حقى فى اختيار نائب الرئيس، وسأجعل الناس ينتخبون من يرونه مناسبا كنائب لى إذا فزت فى الانتخابات.

■ هل تنوى التطرق لمعاهدة «كامب ديفيد» إذا فزت فى انتخابات الرئاسة؟

- مصر دولة كبيرة تحترم معاهداتها الدولية، ولا يليق بها إلغاء أى معاهدة، لأن هذا يعنى أن نفقد مصداقيتنا فى العالم، لكن نستطيع أن نستفيد مما يتيحه لنا القانون الدولى من إعادة التفاوض حول ما نراه مجحفا لحقوقنا مثل وضع سيناء.
----------------
نشرت في المصري اليوم بتاريخ 10/4/2011
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=293130

د. فتحى خضير



مصر محروقة وتحتاج إلى ١٧ عملية تجميل
--------------------------------------
حوار رانيـا بـدوى ٧/ ٤/ ٢٠١١
--------------------------------------
«على المجلس العسكرى أن يتخذ قراراً باستقلال التليفزيون والصحف القومية والجامعات من الآن وقبل اتخاذ أى قرار فى الاتجاه السياسى، فلا حرية للإعلام ولا ارتقاء بمستوى الجامعات إذا لم تنقل ملكية هذه المؤسسات للشعب بفتحها للاكتتاب العام، فأى رئيس قادم وأى حكومة منتخبة لن تتوانى إخضاع هذه المؤسسات لسيطرتها».. هذه هى رؤية الدكتور فتحى خضير، أستاذ الجراحة التجميلية بجامعة القاهرة وإلى نص الحوار:

■ تدور الآن مناقشات داخل جامعة القاهرة حول كيفية تطويرها.. فكيف ترى المشهد العام؟

- قامت كل من الجامعة ونادى أعضاء هيئة التدريس بإرسال خطابات رسمية إلى جميع أعضاء الهيئة، يطلبان منا تقديم مقترحات لتطوير الجامعة. ومن المقرر أن تتقدم جميع الأقسام فى كل كلية بوضع أفكارها ومقترحاتها، على أن ترفع لإعداد تقرير عام حول سبل التطوير.. وقد اجتمع بالفعل عدد من أساتذة قسم الجراحة جامعة القاهرة، وأنا من منهم، لوضع المقترحات، وعلى ما يبدو فإن الأغلبية تميل إلى فكرة أن تكون المناصب الجامعية بالانتخاب بداية من رئيس القسم والوكلاء وعميد الكلية ورئيس الجامعة، على أن ينتخب أعضاء القسم رئيس القسم، أما عميد الكلية فينتخبه أعضاء مجالس الأقسام، ورئيس الجامعة تنتخبه مجالس الكليات.

■ بتطبيق هذه الفكرة على جميع الجامعات والمؤسسات، ألن ينهك ذلك البلد؟

- هذا هو مربط الفرس، اما أن تكون مناصب الجامعات بالانتخاب، أو استقلال كامل للجامعات، وأنا أميل إلى الفكرة الثانية، لأنها الأجدى إذا أردنا الاصلاح الحقيقى.

■ ماذا تعنى بالاستقلال الكامل للجامعات؟

- أن تتحول الجامعات الحكومية إلى جامعات أهلية، بحيث يتم تمليكها للشعب عن طريق طرحها للاكتتاب العام. أنا درست فى أمريكا وأعرف نظامهم، فالحكومات لا تمتلك جامعات، إنما هى مملوكة للشعب، حيث توضع شروط لتنظيم التملك كألا يحق للشخص وعائلته وأقاربه أن تزيد أسهمهم عن نسبة معينة وهكذا، وهنا يتم انتخاب مجلس أمناء لإدارة الجامعة. وهذا هو الحل الوحيد لتطوير الجامعة والبحث العلمى، بأن تكون الإدارة والميزانية مستقلتان عن السلطة الحاكمة.

■ إذا ما كانت هناك دراسة بالفعل لأن تكون المناصب بالانتخاب، وخطوات تجاه إصلاح قانون الجامعات، ما الذى يخيفك لو بقيت الجامعات مملوكة للدولة؟

- هذه الجامعات مستثمر فيها مليارات المليارات، ولها تاريخ عظيم، لذا يجب ألا تترك هذه المؤسسات من جديد لحكومات وأنظمة متعاقبة حتى ولو كانت ديمقراطية، فمن الممكن أن تأتى الديمقراطية بأغلبية برلمانية إخوانية وبالتالى تشكل حكومة إخوانية، هل يعقل أن نترك لهم الجامعة يتحكمون فيها؟ وبعد انتهاء فترة هذه الحكومة من الممكن أن تأتى حكومة شيوعية، أو حكومة للحزب الوطنى، إذن يجب ألا تترك هذه المؤسسات لاتجاهات وميول من يتولى الحكم فى مصر.. وأنا من رأيى أننا إذا أردنا تغيير النظام يجب أن نبدأ بالتأسيس لفصل الصحف القومية والتليفزيون والجامعة والقضاء عن السلطة التنفيذية، وإذا كان استقلال القضاء يتم بالنص على ذلك فى الدستور، فاستقلال وسائل الإعلام والجامعة لن يتم الا بالملكية الشعبية لهم.

■ ألا ترى أن تغيير رموز هذه المؤسسات الإعلامية نوع من الإصلاح فى حد ذاته؟

- لا.. فهذا تغيير شكلى والنظام باق كما هو، ثم إن الرئيس القادم حتى ولو كان ملاكا ألا يمكن بعد عام أو اثنين فى السلطة أن يتصل برئيس التليفزيون ليقول له إفعل كذا ولا تفعل ذلك؟! على الجانب الآخر نجد فى أمريكا وبريطانيا قوانين تنظم الدعاية الانتخابية على أساس الفرص المتكافئة للمرشحين، كأن يمنح الجميع الدقائق نفسها فى الظهور على التليفزيون مثلاً وفى نفس الأوقات المتميزة. هذا غير معمول به الآن، ففى ظل المرحلة الانتقالية وبعد انتخابات مجلس الشعب وحصول تيار ما على الأغلبية أليس من الممكن أن توجه الدعاية الانتخابية لصالح مرشح معين كما كنا نرى فى الماضى، حتى مع وجود قوانين تنص على تكافؤ الفرص؟ وهل سيتعامل القائمون على إدارة المرحلة الانتقالية الآن بالوقوف على الحياد، محافظين على مسافة واحدة من جميع المرشحين للرئاسة، أم سيستغل الإعلام لصالح أناس على حساب آخرين؟

■ هذا يعنى أنك تريد استقلال الصحف والتليفزيون من الآن وقبل إجراء الانتخابات، سواء البرلمانية أو الرئاسية؟

- طبعاً.. فعلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة أن يتخذ هذه الخطوة أولا، لأن الإعلام هو السلاح الذى سيستخدم فى الانتخابات القادمة وسيؤثر فى شكل النظام القادم، حتى ولو كانت هناك شفافية ونزاهة فى الانتخابات. فأى دعاية سيكون لها الصوت الأعلى ستتحكم فى مجريات الأمور والدليل ما حدث فى الدعاية الخاصة بالاستفتاء على التعديلات الدستورية.

■ وماذا لو قيل إنه ستترك هذه الخطوة للرئيس القادم؟

- وقتها لن يكون من مصلحة الرئيس الجديد أن يتحمس ويصر على هذه الفكرة، ولن يقدم عليها طالما ليس هناك ما يلزمه بذلك.

■ بعدما فتح الباب أمام تأسيس الأحزاب ألا تعتقد أن ذلك سيضمن اعتدال الساحة السياسية وعدم سيطرة إحدى القوى عليها؟

- لقد قمت بجولة لتفقد عدد من الأحزاب التى تنوى التواجد على الساحة السياسية فى الفترة المقبلة للاستماع إلى أفكارها وبرامجها، ورغم احترامى للقائمين عليها وحماسهم الشديد، الا أننى أكاد أجزم مما سمعته ورأيته بأنهم مازالوا فى «كى جى وان» سياسة وأن أمامهم على الأقل سنتين أو ثلاث ليكون لهم تواجد فى الشارع وليس فقط شهرين أو ثلاثة.

■ كيف ترى إدارة المرحلة الانتقالية الآن؟

- أرى أن مصر تضيع وقتها الآن فى الانشغال بمحاكمة الفاسدين وتغيير الأسماء ونسينا أن النظام السابق قائم كما هو، ولم يعبأ أحد بتغيير النظام بشكل فعلى، بحيث تصبح الأسماء لا محل لها من الاعراب، رئيس يذهب، رئيس يأتى، الدولة قائمة بالفعل وفق نظام محدد، حتى لو عاد الحزب الوطنى نفسه إلى السلطة سيسير وفق نظام صالح لن يحيد عنه، وأنا أتصفح الصحف كلها يومياً، علنى أقرأ أن شخصا وضع خطة لإدارة مصر، أو أن هناك جدلاً حول كيفية الوصول إلى التنمية الاجتماعية والإصلاح الاقتصادى أو خارطة طريق لتطوير الجامعات، ولكن للأسف لا أجد ذلك.

■ هل ما يحدث لمصر الآن عملية تجميلية لا أكثر؟

- ما يحدث هو عملية تجميل ولكن لمريض محروق يحتاج ما بين ١٥ و١٧ عملية تجميل على مدى سنوات حتى يستطيع أن يعود إلى وظائفه الطبيعية، لذا يجب ألا نتوقع إصلاحاً سريعاً، فالعقلية المصرية ذاتها لن تتغير بسهولة.
--------------------
نشر في المصري اليوم بتاريخ 7-4-2011
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=292868

المتابعون