ملف تصدير الغاز

القاهرة وتل أبيب.. مفاجآت من النصوص الأمريكية لـ«كامب ديفيد» «المصري اليوم» تكشف أسرار ملف تصدير الغاز«الحلقة الأولى»
-------------------------------------------
حوارات الملف رانيا بدوى ٢٧/ ٧/ ٢٠١١
-------------------------------------------

من المسؤول عن تصدير الغاز لإسرائيل؟.. وهل من حق مصر تعليق الاتفاقية من جانب واحد؟ ما حقيقة استبدال بند تصدير البترول فى «كامب ديفيد» بتصدير الغاز.. وهل تلزمنا الاتفاقية بتصدير سلعة معينة؟متى بدأت مفاوضات التصدير؟ ولماذا رفضت تل أبيب الاستيراد من مصر فى البداية؟ على أى أساس تم التسعير؟. وهل هى اتفاقية «سياسية» أم اقتصادية؟

أسئلة محيرة طرحناها على خبراء ومراقبين ومسؤولين عن اتفاقية تصدير الغاز لإسرائيل، وجاءت الإجابات أكثر إثارة للحيرة.. والشك. حاولنا أن نقترب أكثر من سيناريوهات التعامل مع إسرائيل فى المرحلة المقبلة ليس فيما يتعلق بملف الغاز وحسب، إنما فى معاهدة السلام وما يمكن تعديله فيها وفرص الفوز فى التحكيم الدولى إذا ما تم اللجوء إليه..

آخذين فى الاعتبار شهادة اللواء عمر سليمان فى تحقيقات النيابة بأن قرار تصدير الغاز هو قرار رئاسى، حيث قرر الرئيس السابق استبدال تصدير البترول بالغاز لحاجة البلاد له ومدى صلاحية هذا القرار من الناحية القانونية. وتوالت المفاجآت، ففى الوقت الذى حملت فيه الاتفاقية توقيع سامح فهمى كان الدكتور حمدى البنبى وزير البترول الأسبق هو مهندس الاتفاقية. وفى الوقت الذى أكد لنا فيه البعض صعوبة فسخ الاتفاقية وضع لنا خبراء آخرون سيناريوهات للفسخ وأخرى للتعديل دون تعريضنا لمخالفة القانون الدولى..

-----------------------

السفير جمال بيومى:
إسرائيل رفضت استيراد الغاز من مصر خوفاً على أمنها القومى
---------------------------------------
بدأنا ملف الحوارات مع السفير جمال بيومى مدير برنامج اتفاقية المشاركة المصرية الأوروبية بوزارة التعاون الدولى، بصفته شاهداً على قرار تصدير البترول لإسرائيل فى عهد الرئيس الراحل السادات وكان على درجة مستشار فى وزارة الخارجية، وكذلك على تصدير الغاز لإسرائيل فى عهد الرئيس السابق مبارك كممثل لوزارة الخارجية، وأكد بيومى أن مهندس اتفاقية الغاز مع إسرائيل هو وزير البترول الأسبق حمدى البنبى الذى تولى مهمة إقناع إسرائيل بالحصول على الغاز المصرى كاشفاً عن رفض إسرائيل فى البداية لولا قوة وضغط الجانب المصرى.. وإلى نص الحوار:

■ ماذا تعرف عن كواليس تصدير الغاز لإسرائيل؟

- ما أعلمه من المقربين ومن وزير البترول الأسبق حمدى البنبى أن إسرائيل كانت تخشى توقيع اتفاقية لاستيراد الغاز الطبيعى من مصر وأن الجانب المصرى بذل مجهوداً شاقاً فى إقناع إسرائيل بالأمر وأعلم أيضاً أن «مبارك» كلف حمدى البنبى وزير البترول وقتها بالتفاوض مع إسرائيل بهذا الشأن وأنا كنت قريباً من المفاوضات باعتبارى ممثلاً لوزارة الخارجية.

■ لماذا كانت ترفض إسرائيل استيراد الغاز المصرى؟

- كانت تخشى ما يحدث الآن وهو أن يأتى يوم ونقطع عنها الغاز أو نلوح بذلك بعد أن تكون قد اعتمدت عليه، إضافة إلى أنه فى هذا التوقيت عام ١٩٩٥ لم يكن هناك احتياطى للغاز الطبيعى بالشكل الكافى والذى يمكننا من إمداد إسرائيل بالكميات المطلوبة وللوقت المتفق عليه.

■ وما الحكمة من إصرارنا على تصدير الغاز لإسرائيل؟

- حتى يكون لإسرائيل مصلحة مرتبطة بنا فمن مصلحتى كأمن قومى أن تعتمد علىّ إسرائيل فى مصالحها فآمن شرها.

■ ألا تراها فكرة غير منطقية؟

- حتى لو اختلف معى البعض فيما أقول وحتى لو اعتبرها البعض فكرة غير منطقية أو حتى «حمقاء» فهذا رأيهم ولكن ما أريد التأكيد عليه أن هذا كان القصد منها ولم يكن تصدير الغاز لإسرائيل «خيانة»، بالإضافة إلى أنه فى ذلك الوقت عامى ٩٤ و٩٥ لم نكن نعلم أن لدينا احتياطياً كافياً من الغاز يكفى للتوريد لمدة ٢٠ سنة وكنا نقصد توريط إسرائيل وربطها معنا باتفاقية، ثم إن تصدير الغاز لإسرائيل والأردن كان الأفضل من كل النواحى.

■ ألم يكن من الأفضل ترك الغاز للأجيال القادمة خاصة أنك قلت إن الاحتياطى منه كان قليلاً؟

- الغاز تقنياً لا يخزن.. الغاز «مايتحوش».

■ لو افترضنا ذلك ألم يكن من الأجدى أن نصدر الغاز للدول الأوروبية وبالسعر العالمى؟

- الأسهل تصديره إلى إسرائيل والأردن لأننا نصدره فى صورته الأولية، أما تصدير الغاز إلى أوروبا فيحتاج إلى تسييل الغاز وهذه العملية مكلفة للغاية وتحتاج إلى مصنع يتكلف ٢.٣ مليار دولار لذا الأفضل تصديره فى صورته الأولية أرخص.

■ عمر سليمان رئيس المخابرات السابق قال إنه تم استبدال الغاز بالبترول بقرار من رئيس الجمهورية السابق.. إذن الهدف لم يكن ربط إسرائيل بنا؟

- هذا كلام غير صحيح وليس حقيقياً فمازلنا نصدر البترول لإسرائيل.

■ ما حقيقة ربط اتفاقية تصدير الغاز بإطار كامب ديفيد ومعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل؟

- لقد أحضرت النسخة الأمريكية لإطار كامب ديفيد ومعاهدة السلام وجميع الملاحق ولا يوجد فيها أى نص يقول بتصدير الغاز لإسرائيل.

■ وكيف جاء وضع البترول فى اتفاقية السلام ولماذا؟

- أنا اشتركت فى موضوع تصدير البترول لإسرائيل وأنا مستشار فى الخارجية، وقتها كان موقف المفاوض المصرى المحترم «جيل أنور السادات» حريصاً على مصلحة مصر وواجهه عدد من الصعوبات، فجزء من تلكؤ إسرائيل من الانسحاب من سيناء كان بسبب البترول فكان المفاوض الإسرائيلى وهو الأصعب فى العالم، ليس لذكائه إنما «لتلامته وبجاحته» يقول لنا كيف ننسحب من طابا وفندق سونستا الذى دفعنا فيه ٦٠ مليون دولار فقام وزير السياحة آنذاك بإعطائهم المبلغ، ثم قالوا لنا إنهم لا يستطيعون العيش بدون البترول المصرى، لذا وقعت اتفاقية منفصلة اختصت إسرائيل بثلاثة استثناءات ولكنها لا تضر بمصلحة مصر وهى السعر حيث تم تحديد السعر بسعر روتردام يوم التسليم، فى حين كنا نبيع البترول بمزايدات تقام فى أكتوبر ونوفمبر من كل عام، كما أننا لم نكن نبيع البترول للحكومات لكن تم استثناء إسرائيل، الاستثناء الثالث هو أننا كنا نبيع ١٠٠ ألف برميل فقط وأعطيناهم ٢ مليون برميل. أما قصة تصدير الغاز فهى مختلفة وأعتقد أن بها خللاً لا أفهمه، وإن كان لدى إحساس بأن إسرائيل كانت تشترى الغاز بسعر أكبر مما يعلن عنه وأن الفرق كان يذهب إلى جيوب السماسرة، فقد سمعت أن إسرائيل تدفع سعراً معقولاً.

■ الأستاذ هيكل قال إن اتفاقية الغاز ألحقت بكامب ديفيد فهل يوجد سوابق مشابهة فى العلاقات الدولية؟

- لا يوجد شىء اسمه اتفاقية ألحقت بأخرى، أثناء عقد الاتفاقية يتم الإشارة للقانون الدولى وقواعد الأمم المتحدة وحقوق الإنسان، ومن الممكن الإشارة إلى اتفاقية سبق إبرامها مع هذا الطرف، ولكن لا يوجد ما يسمى أن الاتفاقية ألحقت بها وبالتالى أصبحت جزءاً منها.

يجب ملاحظة أن هذه الاتفاقية لم تعرض على مجلس الشعب بدعوى أنها أسرار حساسة، رغم أنه يجب أن يعرض أى التزام مالى دولى على مجلس الشعب، هم فعلوا نفس الأمر مع اتفاقية الكويز التى قالوا عنها إنها بروتوكول والبروتوكول لا يعرض على مجلس الشعب، وإن كنت أرى أنها لو «كمبيالة» كان يجب أن تعرض على مجلس الشعب.

■ هل تؤيد فسخ اتفاقية تصدير الغاز لإسرائيل أم تعديل بند السعر؟

- أنا بالتأكيد معترض على السعر المجحف لمصر ولا أجد مبرراً له ولكن أنا فى المقابل أرى أن تصدير الغاز لإسرائيل يصب فى مصلحة الأمن القومى المصرى.

■ لماذا؟

- لأنه طبقاً لمدرسة الرئيس الراحل أنور السادات فى السلام، فإنه بدلاً من الدخول فى حروب طويلة مع إسرائيل، وخسارة الرأى العام العالمى من الأفضل أن نحل مشكلاتنا مع إسرائيل بشكل مباشر ودون وساطة أمريكا بالدخول فى علاقات تجارية مع «تل أبيب» تربطها بمصالح معنا وبالتالى لا تفكر فى الاعتداء علينا خوفاً على مصالحها فحالة العداء التى استمرت لسنوات طويلة بين فرنسا وألمانيا على سبيل المثال لم تحل إلا بفتح علاقات تجارية ومصالح مشتركة بين البلدين، فالسياسة شىء والعاطفة شىء آخر.

---------------------

الدكتور محمد محسوب:
تصدير الغاز لإسرائيل «خيانة عظمى».. واللجوء للتحكيم الدولى فى صالح مصر
----------------------------------

أكد الدكتور محمد محسوب، المحكم الدولى، عميد كلية حقوق جامعة المنوفية، أمين المجموعة المصرية لاسترداد ثروة الشعب المصرى، أن اتفاقية تصدير الغاز ينطبق عليها «وقوع غبن على الطرف المصرى» وهو ما يوجب، وفقاً للقانون الدولى، تعديل بعض البنود أو تعليق الاتفاقية أو فسخها إذا ما لم تمتثل إسرائيل لتعديل البنود المجحفة لمصر فى الاتفاقية، والأهم أنه أكد أن الوضع القانونى لصالح مصر تماماً فى هذه القضية، وهو ما يضع علامات استفهام على استمرار ضخ الغاز لإسرائيل من قبل حكومة الدكتور شرف «حكومة الثورة».. وإلى نص الحوار..

■ هل يمكن قبول الثورة كمبرر قانونى لفسخ اتفاقية تصدير الغاز لإسرائيل؟

- إذا كان هناك غبن وقع على أحد أطراف الاتفاقية يمكن التدخل من جانب واحد بفسخ العقد، هذا لو تحدثنا عن علاقات طبيعية بين دولتين واتفاقية بأسعار طبيعية وحدثت تغيرات خارجية فى العلاقات الدولية أو وضع اقتصادى ترتب عليه وقوع «غبن» على دولة ما فمن حقها أن تطالب بتعديل الاتفاقية بما يعيد التوازن الاقتصادى، فالاتفاقية عقد وما يحكم العقود بين الأطراف هو التوازن الاقتصادى للعقد، وأن يأخذ كل طرف من الطرف الآخر قدر ما يعطى، وهو ما يسمى «توازن الأداءات المقابلة»، لكن لو حدث اختلاف جوهرى يصل إلى حد الغبن يمكن للطرف الذى يشعر بالضرر أن يوقف التنفيذ من جانب واحد.

■ الاختلاف الجوهرى والغبن كلمات مطاطية.. هل يمكن إثباتها بسهولة أمام التحكيم الدولى؟

- الاختلاف الجوهرى وفقاً للعرف الدولى يصل إلى نسبة الخمس، بمعنى أنه لو أعطيتك منتجاً أقل من سعره بنسبة ٢٠٪ يدخل ذلك تحت بند الغبن الناتج عن طيش شخص أو مجموعة، ونوع من الاستغلال، فقد استغل وضع مصر الضعيف فى عهد مبارك لوضع أسعار غير منطقية فى الاتفاقية، لذا الدولة المصرية وفقا لمبادئ وتشريعات القانون الدولى والعدالة والقانون الطبيعى لها الحق فى إعادة النظر فى أسعار الاتفاقية لإعادة التوازن الاقتصادى داخل الاتفاقية أى البيع بسعر السوق وهو حوالى ٦ دولارات.

■ ما الخطوة القانونية التى يجب اتخاذها الآن؟

- تعليق الاتفاقية من طرف مصر لحين إعادة التفاوض بما يحقق التوازن الاقتصادى للاتفاقية بين الطرفين.

■ وماذا لو قررنا فسخ الاتفاقية برمتها؟

- لو فسخنا الاتفاقية دون أى مبرر سنخسر التحكيم الدولى، ولكن لو قلنا سنعلق الاتفاقية لحين رد العقد إلى طبيعته لأن العقد معيب وبه خلل ونحن نريد تصحيحه وفقاً للمعايير الدولية فهذا مقبول، وأنا رأيى أن تعلق مصر الاتفاقية لحين التفاوض على السعر، وتلجأ هى إلى التحكيم الدولى أولاً.

■ إذا كان الوضع القانونى فى صالحنا بماذا تفسر موقف حكومة الدكتور شرف التى أعادت ضخ الغاز لإسرائيل قبل التفاوض على السعر؟

- الفترة الانتقالية فى مصر هى امتداد للنظام السابق وليست بداية لدولة الثورة المصرية، لأن رجال النظام السابق هم المتقلدون للمناصب القيادية، نحن فقط أحللنا الجيل الثانى محل الجيل الأول الموجود فى السجن، هم يقدمون ذات السياسات، وكل منهم شارك فى ذات العمل بتبرير ذهنى داخلى، وكل من يتحدثون فى الاقتصاد أو المالية على سبيل المثال يطرحون نفس الحلول فى الأزمات التى كانت تطرح من قبل، عندنا أزمة اقتصادية فوراً يتم الاتفاق على الاقتراض من الخارج والتبرير هو أنهم يقترضون بفائدة أقل من التى كان يقترض بها النظام السابق، وهم فى ذهنهم فقط أن الاقتراض لحل الأزمة الاقتصادية وليس فى ذهنهم أى حلول أخرى، لأنهم أبناء النظام السابق وسياساته القائمة على التبعية الاقتصادية، أما فى مجال الغاز فهم يروجون لفكرة ارتباطها بكامب ديفيد مما يعكس أنهم لم يقرأوا الاتفاقية، معتقدين أن ذلك التزام على عاتق الدولة وهو ليس كذلك، ليبرروا أنهم مضطرون للتصدير.. هذه الاتفاقية لا تتعلق بالعلاقات الدولية ولا بالأمن القومى المصرى ويجب أن نخلع عنها ثوبها السياسى فهى قضية اقتصادية فى الأساس.

■ هل تخضع المحاكم الدولية لضغوط سياسية؟

- نعم بالطبع.

■ هذا يعنى أنه من الممكن أن أمريكا تتدخل لصالح إسرائيل إذا ما لجأنا للتحكيم الدولى؟

- هذا وارد ولا يجب إهمال أى احتمال ولكن فى المقابل لابد أن نضع فى الاعتبار أن وضع مصر الدولى الآن تغير بعد ثورة يناير، وأمريكا الآن تشترى الصداقة المصرية.

■ ولكن لن تشترى مصلحة مصر على حساب مصلحة إسرائيل؟

- لو الأمر متعلق بالمال ستغض الطرف، مادامت المسألة لا تمس أمن إسرائيل.

■ وماذا عن القول بخطورة تعليق العقد على السمعة الدولية لمصر؟

- الحقيقة أنهم يضعون القضية فى إطار سياسى ليقولوا هذا الكلام، هذه الاتفاقية ليست سياسية إنما هى اقتصادية بامتياز، والاتفاقية الاقتصادية يجب أن تحقق امتيازات اقتصادية للطرفين، وهذه الاتفاقية لا تحقق أى امتيازات اقتصادية للدولة المصرية بالعكس هى تحمّل الدولة المصرية أعباء اقتصادية.

■ اللواء عمر سليمان قال فى التحقيقات إن الرئيس السابق تفاوض مع إسرائيل لاستبدال الغاز بالبترول فهل يحق قانوناً لرئيس الجمهورية أن يقوم بهذا الإجراء؟

- لا بالطبع.. أولاً لأن اتفاقية كامب ديفيد هى استثناء فى العلاقة مع الدولة الصهيونية، وبالتالى هذا الاستثناء عند تفسيره يجب تفسيره تفسيراً ضيقاً، الاتفاقية دخلت حيز النفاذ بعد التصديق عليها من البرلمان المصرى، وبالتالى أى تعديلات عليها بالتفسير الواسع بأن أحل منتجاً بمنتج آخر، أو نوعاً من العلاقة بنوع آخر، يحتاج إلى تدخل من ممثلى الشعب المصرى.

■ أكد الأستاذ هيكل أن لديه مذكرة تفاهم وقعت من الحكومتين المصرية والإسرائيلية تربط اتفاقية تصدير الغاز بمعاهدة السلام.. ما مدى قانونية هذه المذكرة؟

- هذه الاتفاقية غير مرتبطة باتفاقية السلام، فأثناء توقيع اتفاقية كامب ديفيد عام ١٩٧٩ لم تكن مصر دولة منتجة للغاز آنذاك.. ولم تكن واعدة فيه، وبالتالى الربط بينها وبين اتفاقية كامب ديفيد «كلام هرطقة»، الاتفاقية وقعت عام ٢٠٠٥ وألزمت مصر بأن تصدر لإسرائيل حوالى ١.٧ مليار متر مكعب سنويا من الغاز لمدة ٢٠ سنة، وهى مدة طويلة جداً، خاصة مع تثبيت السعر دون ملاحظة التغييرات الدولية، حيث إن السعر يتراوح بين ٧٠ سنتاً وواحد ونصف دولار للمليون وحدة حرارية، وما يدعو للدهشة أن تكلفة إنتاج المليون وحدة حرارية ٢.٦٥ دولار أى أن التكلفة أعلى من ضعف ثمن البيع، النكتة الثالثة أن شركة الغاز الإسرائيلية حصلت على إعفاء ضريبى من الحكومة لمدة ثلاث سنوات من ٢٠٠٥ إلى ٢٠٠٨، والمسكوت عنه فى قضية تصدير الغاز هو أنه تم تكليف شركة غاز شرق المتوسط بمد خط الغاز للكيان الصهيونى بطول ١٠٠ كيلومتر من العريش لنقطة عسقلان على البحر المتوسط جنوب فلسطين، وهى شركة مملوكة لأربعة شركاء هم حسين سالم ومجموعة ميرهاف الإسرائيلية وشركة أمريكية إسرائيلية، وشركة «بى تى تى» التايلاندية المملوكة لرجل أعمال أمريكى -يهودى يدعى سام زل.. وهذا هو الجزء الأكثر سواداً فى الاتفاقية تعدد جنسيات الشركاء.

■ هناك مبرر وهو أن اعتبارات الأمن القومى المصرى تقتضى دائماً ربط إسرائيل بمصالح مشتركة مع مصر فما تعليقك؟

- هذا كلام فاضى.. وهذا ما طرح عندما قدمت طلبات الإحاطة عام ٢٠١٠ بشأن هذه الاتفاقية، وهو نفس ما يتم طرحه الآن من أعوان وأنصار النظام السابق استكمالا لدعايات النظام السابق، أن الاتفاقية مرتبطة بكامب ديفيد، وأنها لصالح الأمن القومى وغيرها.

■ وما رأيك فى الاستناد إلى موافقة «الأمن القومى» على الاتفاقية؟

- هذا أمن الفساد المصرى! هذه الاتفاقية واضح فيها العوار لأنها أبرمت بمعرفة طبقة فاسدة مع الكيان الصهيونى، ولا علاقة لها بكامب ديفيد أو بالأمن القومى المصرى، إسرائيل كانت ستقبل بالسعر العالمى لو عرض عليها، لأنها فى حاجة إلى الغاز الذى ينقل بأقل تكلفة، أى دون أن تتكلف أعباء مضاعفة مثل تكلفة النقل بالسفن والمخاطر التى يمكن أن تتعرض لها الشحنات، بالإضافة إلى أن الغاز المصرى غاز مميز وليس درجة ثانية.

ولكنها حصلت على الغاز بهذا السعر لوجود العمولات التى كانت تدفع من تحت الترابيزة، وأصحاب العمولات يحاولون ربط الاتفاقية بالأمن القومى المصرى والتزامات مصر تجاه كامب ديفيد للتغطية على فسادهم.

■ يرى البعض أن الاتفاقية قد يشوبها الفساد وليس الخيانة؟

- لا أتفق مع هذا الرأى.. فعلى العكس تماماً هذه الاتفاقية نموذج للفساد الذى يصل إلى حد الخيانة العظمى، فإسرائيل «عدو» حتى مع وجود اتفاقية سلام، فهى على الأقل عدو محتمل ومنافس لمصر فى المنطقة، ويوجد نوع من التزاحم على النفوذ فى المنطقة، فكيف لمصر أن تدعمها بالغاز الطبيعى الذى يعد ملكاً لهذا الشعب. بل وأقل من التكلفة، هذا يعد نوعاً من المساعدة والدعم الواضحين للكيان الصهيونى، ولو فرض أن الاتفاقية تلزم مصر بنص صريح بتصدير الغاز، فهل تلزمها بتصديره بأقل من سعر التكلفة؟ الاتفاقية يختلط فيها الفساد بالخيانة.

باختصار هذه الاتفاقية ضد الأمن القومى المصرى فنحن ندعم منافساً إقليمياً، والأمن القومى المصرى مقتضاياته تتطلب عدم تصدير أى منتج لمنافس إقليمى. إضافة إلى كونه أقل من تكلفته.

■ إلى أى مدى تلزمنا معاهدة السلام بالتعاون الاقتصادى مع إسرائيل؟

- يوجد إلزام بنوع من التعاون الاقتصادى دون تحديد لنوعية المنتجات التى أصدرها إلى إسرائيل، يعنى من الممكن أن أصدر لإسرائيل «أقلام رصاص أو أساتيك»، بدلاً من تصدير الغاز والبترول، ما أقصده أن الاتفاقية لم تلزمنا بنوعية ولا بكمية.

■ قلت قبل ذلك إن الاتفاقيات الثنائية كاتفاقية الغاز يمكن تعديل بعض بنودها بعكس الاتفاقيات الدولية.. فهل بهذا المنطق يسهل تعديل معاهدة السلام بيننا وبين إسرائيل؟

- مشكلة معاهدة السلام ليست فى ثنائيتها، إنما المشكلة فى الطرف الضامن وهو الولايات المتحدة الأمريكية، فبالرغم من كونها اتفاقية ثنائية فإنها أصبحت وكأنها متعددة الأطراف، ورغم أن الولايات المتحدة تبدو وكأنها فقط ضامن لا علاقة لها بالاتفاقية فإنها فى الحقيقة لها مصلحة فى استمرار الاتفاقية، ولكن مصالح الولايات المتحدة تتغير بتغير الظروف، فمصالح الولايات المتحدة تقتضى تعديل هذه الاتفاقية، والظروف الدولية مواتية لتعديل كامب ديفيد مثل إعادة انتشار القوات فى سيناء، فالأوضاع المستجدة فى غزة تجعل الجانب الأمريكى ذاته يرغب فى تعديل هذا البند، لأنه كان يريد محاصرة غزة أكثر ويمنع عمليات تسليح حماس، وهنا لا أقول بإلغاء معاهدة السلام فنحن لا نريد للدولة المصرية الجديدة أن تستنفد قواها فى مواجهات، فنحن نريد استغلال قواها فى البناء والتنمية حتى تصبح دولة كبيرة لها تأثير فى تغيير موازين القوى، ففى العلاقات الدولية لا يوجد شىء اسمه اتفاقيات إنما يوجد ما يسمى بموازين القوى، الاتفاقيات دائماً تعبر عن موازين القوى واتفاقية كامب ديفيد تعبر عن موازين قوى مختلة ضد المصالح المصرية، وعندما تتغير موازين القوى يجب الاستفادة من ذلك لتعديل بعض قواعد الاتفاقية وليس الفسخ.

■ ولكن بعض مرشحى الرئاسة يغازلون الشارع المصرى بأنهم سيلغون الاتفاقية إذا أراد الشعب ذلك؟

- الكلام عن وقف الاتفاقية أو تعطيلها أو طرحها على استفتاء شعبى يتناقض مع الالتزامات الدولية، ولن نستطيع الدفاع عن موقفنا لا من الجانب القانونى، ولا من باب موازين القوى.

■ هل نستطيع تعديل بند البترول؟

- يفترض أن الاتفاقية تنص على تصدير ما يفيض عن حاجتنا، مصر فى السابق لم تكن فى حاجة إلى البترول لأنها كانت تنتقل من الإنتاج والصناعة إلى صناعة التجميع، فنحن كنا فى حاجة فى ظل السياسات السابقة إلى البنية التحتية للتخديم على السياحة، ولم يكن الهدف تحويل مصر إلى دولة صناعية، بل كانوا يتخلصون من الوحدات الإنتاجية، الآن الوضع مختلف إذا كنا نتحدث عن التصريحات التى يدلى بها رئيس الوزراء بأننا نريد استغلال ٢٤٪ من مساحة الدولة المصرية، والمشروعات المطروحة مثل ممر التنمية أو إعادة الوحدات الإنتاجية والتوسع فى عملية تدخل الدولة فى الصناعات والإنتاج الاستراتيجى، كل هذا سيقتضى القيام بعملية إنهاض واسعة جداً، وبالتالى سنحتاج البترول بالكامل، بل نحتاج أيضاً إلى الطاقة البديلة لأن البترول وحده لن يكفى فى مواجهة المتطلبات، هنا لدينا عذر ولنقل لهم نحن ملتزمون بالتصدير إذا ما حدث فائض.

■ هل يجب أن نمنع تصدير البترول لأى دولة حتى لا نخسر التحكيم الدولى إذا أوقفنا تصديره لإسرائيل؟

- إذا قامت الدولة المصرية بالجهد المطلوب منها لن تصدر ولا نقطة بترول، ووقتها سنتجه إلى الصناعة وتصدير منتجاتها، ومن الممكن أن أتحايل على الوضع بتصدير البترول فى مقابل الحصول على منتج آخر غير متوافر لدى إسرائيل، أى لو تم التصدير كسداد لمديونية شراء منتج آخر ما المانع، وليكن مركزاً للأبحاث النووية مثلاً ووقتها سيكون التصدير سداداً لثمن منتج استراتيجى.

■ لنعد إلى معاهدة السلام المصرية ما رأيك فى تصريح بعض مرشحى الرئاسة باستعدادهم لإلغائها إذا أراد الشعب ذلك؟

- لماذا تلغى إذا كانت حققت لى مكاسب ضخمة أولها انسحاب إسرائيل من ٦٠ ألف كيلومتر مربع، وتفكيك كل المستوطنات فى سيناء، وعودة كل حقول البترول الموجودة فى سيناء لمصر وبدء التنمية والاستثمارات فى مصر بعد أن كان يخصص جزء كبير من الدخل القومى للمجهود الحربى.. أرجوا عند التحدث عن هذه الملفات أن تؤخذ مصلحة مصر فى الاعتبار الأول.

■ على الأقل هل يمكن إعادة التفاوض حول بعض بنود اتفاقية السلام؟

- البند الرابع من المادة الرابعة من معاهدة السلام ينص على «يتم بناء على طلب أحد الطرفين إعادة النظر فى الترتيبات الأمنية المنصوص عليها فى المعاهدة وتعديلها باتفاق الطرفين». إذن الأمر ممكن ولكن بالجلوس إلى مائدة المفاوضات.

■ وماذا عن تعديل بند العلاقات الاقتصادية؟

- الملحق الثالث من معاهدة السلام ينص على إقامة علاقات اقتصادية طبيعية من الأطراف، ووفقاً لهذا فقد اتفق على أن هذه العلاقات سوف تشمل مبيعات تجارية عادية من البترول من مصر إلى إسرائيل وأن يكون من حق إسرائيل التقدم بعطاءات لشراء البترول المصرى الذى لا تحتاجه مصر لاستهلاكها المحلى، وأن تنظر مصر والشركات التى لها حق استثمار بترولها فى العطاءات المقدمة من إسرائيل على نفس الأسس والشروط المطبقة على مقدمى العطاءات الآخرين لهذا البترول.

---------------------

السفير محمد بسيونى:
معاهدة السلام بريئة من أى ميزات اقتصادية لإسرائيل
-----------------------------------------------

يرفض البعض اتفاقية تصدير الغاز لإسرائيل ويراها ضد مصلحة الأمن القومى المصرى، إلا أن السفير محمد بسيونى يقول: إن الاتفاقيات من هذا النوع تحصل أولا وقبل إبرامها على موافقة جهاز الأمن القومى.. الذى أكد أنه وافق على اتفاقية تصدير الغاز لإسرائيل وأنها لا تضر بمصلحة الوطن!!

بل وأضاف أن الأمن القومى المصرى بمفهومه الواسع لا يمكن حصره فى اتفاقية اقتصادية هنا أو هناك بل هو تركيبة سياسية اقتصادية أمنية اجتماعية لا يمكن فصل أحد أجزائها عن الآخر، وأشار فى هذا الحوار إلى أن بند الترتيبات الأمنية فى معاهدة السلام يمكن تعديله بالجلوس مع إسرائيل إلى طاولة المفاوضات أما البند الاقتصادى والتجارى فلم تحصل فيه إسرائيل على أى ميزة، وإن كان هناك ميزات فى السياسات فلا علاقة لها بما ورد فى معاهدة السلام وإلى نص الحوار..

■ ما رأيك فيما قيل عن أن اتفاقية تصدير الغاز لإسرائيل ألحقت بمعاهدة السلام لتدخل أمريكا كضامن لها؟

- لا يوجد شىء اسمه اتفاقية ألحقت باتفاقية ولا العكس، فمعاهدة السلام لا يوجد فيها أى بند يشير إلى اتفاقية تصدير الغاز لإسرائيل، فهذا البروتوكول وقع عام ٢٠٠٥ بينما معاهدة السلام وقعت عام ١٩٧٩، ولم يكن هناك أى إشارة إلى الغاز ولكن كان هناك إشارة للبترول على أساس أنه تعامل تجارى.

والبترول حسب علمى توقف تصديره لإسرائيل عام ٢٠٠٦، وكان الموضوع تجارياً صرفاً وكنا نبيعه بسعر السوق.

■ بمعرفتك الجيدة بالجانب الإسرائيلى هل يمكن بسهولة تقبلهم لتعديل أو فسخ الاتفاقية معهم؟

- المجلس الأعلى للقوات المسلحة المنوط به إدارة البلد الآن ووزير الخارجية السابق نبيل العربى قالا إن مصر تحترم تعهداتها الدولية والاتفاقيات الموقعة التى دخلت حيز التنفيذ، إذن هذا هو الموقف الرسمى للدولة وقضى الأمر.

■ ما رأيك فى القول بأن الاتفاقية تضر بالأمن القومى المصرى؟

- صدقينى لا يوجد مشروع فى مصر من هذا النوع يتم إلا بموافقة جهاز الأمن القومى وبعد أن يقولوا إن هذا المشروع لا يضر بالأمن القومى، والمهم هو مصلحة مصر.

■ وأين مصلحة مصر؟

- الفيصل فى هذا الأمر هو هل العلاقات التجارية مع إسرائيل تحقق لى مصلحة أم لا؟ على كل المستويات فأمن مصر القومى له أبعاد كثيرة، أبعاد سياسية وأخرى اقتصادية وأمنية واجتماعية وإذا تحدثنا عن الأمن القومى المصرى لا يمكن حصره فى موضوع تجارى وانتزاعه من سياقه فقط، بل يجب تحقيق الأمن القومى بأبعاده المختلفة.

■ وهل الأمن القومى يتطلب أن أبيع الغاز لإسرائيل بأقل من سعر تكلفته؟

- بالطبع لا.. وهذا أمر آخر فأنا لا أقبل أن نعطى إسرائيل الغاز بأقل من السعر العالمى بل ومصر لن تقبل بهذا الوضع، والآن يوجد مباحثات لتعديل السعر ليعادل السعر العالمى.

■ وماذا لو تعنتت إسرائيل فى المفاوضات؟

- إذا كان السعر محدداً فى الاتفاقية تحل الأزمة بالتفاوض ولا أعتقد أن إسرائيل ستتعنت مادام هذا هو السعر العالمى.. (واستطرد السفير بسيونى قائلاً: وعلى أى حال مفتاح الغاز عندى).

■ وماذا لو أغلقنا أنابيب ضخ الغاز من جانبنا ألن يعرضنا ذلك لخسائر لو احتكمت إسرائيل للتحكيم الدولى؟

- لو أن لإسرائيل حقاً ستكسب القضية ولكن لن يكون لها حق لأن السعر مجحف.

■ لكن من الممكن أن يقولوا لنا إنه السعر المحدد فى الاتفاقية حتى ولو كان مجحفاً؟

- السعر محدد فى الاتفاقية فى توقيت معين وظرف زمنى مختلف.

■ فى رأيك لماذا وضع مدى زمنى ٢٠ عاماً لهذه الاتفاقية وهل هو أمر له سوابق فى الاتفاقيات الثنائية؟

- الاتفاقيات التى تتم من هذا النوع تكون طويلة الأمد لأنها تأخذ فى الاعتبار أن البنية التحتية لمشروع كهذا تتكلف كثيرا فالخطوط والأنابيب التى يتم توصيلها لنقل الغاز تتكلف مليارات فلا يعقل أن تتكلف جهة مليارات لتستورد غازاً لعامين أو ثلاثة.

■ لنعد إلى معاهدة السلام المصرية ما رأيك فى تصريح بعض مرشحى الرئاسة باستعدادهم لإلغائها إذا ما أراد الشعب ذلك؟

- لماذا تلغى إذا كانت حققت لى مكاسب ضخمة أولها انسحاب إسرئيل من ٦٠ ألف كيلو متر مربع، تفكيك كل المستوطنات فى سيناء، عودة كل حقول البترول الموجودة فى سيناء لمصر وبدء التنمية والاستثمارات فى مصر بعد أن كان يخصص جزء كبير من الدخل القومى للمجهود الحربى.. أرجو عند التحدث عن هذه الملفات أن تؤخذ مصلحة مصر فى الاعتبار الأول.

■ على الأقل هل يمكن إعادة التفاوض حول بعض بنود اتفاقية السلام؟

- البند الرابع من المادة الرابعة من معاهدة السلام ينص على أن «يتم بناء على طلب أحد الطرفين إعادة النظر فى الترتيبات الأمنية المنصوص عليها فى المعاهدة وتعديلها باتفاق الطرفين». إذن الأمر ممكن ولكن بالجلوس إلى مائدة المفاوضات.

■ وماذا عن تعديل بند العلاقات الاقتصادية؟

- الملحق الثالث من معاهدة السلام ينص على إقامة علاقات اقتصادية طبيعية بين الأطراف، ووفقا لهذا فقد اتفق على أن هذه العلاقات سوف تشمل مبيعات تجارية عادية من البترول من مصر إلى إسرائيل وأن يكون من حق إسرائيل الكامل التقدم بعطاءات لشراء البترول المصرى والذى لا تحتاجه مصر لاستهلاكها المحلى وأن تنظر مصر والشركات التى لها حق استثمار بترولها بالعطاءات المقدمة من إسرائيل على نفس الأسس والشروط المطبقة على مقدمى العطاءات الآخرين لهذا البترول.

وأضاف بسيونى قائلاً:

هذا يعنى عدم وجود أى شىء يميز إسرائيل عن أى دولة أخرى تطلب البترول، ومن ثم التأكيد على أنها علاقات تجارية طبيعية.. أما اذا كان حدث شىء آخر فهذا له علاقة بالسياسات التى اتبعت وليس خطأ المعاهدة.


--------------------
اللواء زكريا حسين:
بندا التعاون الاقتصادى والتجارى فى «معاهدة السلام» غير ملزمين لمصر
-----------------------------------------------

اللواء أركان حرب زكريا حسين، أحد أعضاء لجنة مفاوضات «كامب ديفيد»، رئيس هيئة البحوث العسكرية، مدير أكاديمية ناصر العسكرية العليا السابق- حسم، فى هذا الحوار، عدة أمور أولها أنه لا يوجد ملاحق سرية لاتفاقية السلام مع إسرائيل، وثانيها أن كل صيغ الاتفاقية، فيما يخص العلاقات الاقتصادية والتجارية والثقافية، ليست إلزامية على الإطلاق.. وإلى نص الحوار:

■ باعتبارك أحد المفاوضين أثناء صياغة معاهدة السلام بيننا وبين إسرائيل.. دعنى أسألك فى البداية: هل يوجد بنود سرية فى معاهدة السلام؟

- لا.. على الإطلاق، كل البنود معلنة ومنشورة، وما أستدل به معك الآن فى هذا الحوار هو نسخة أصلية لـ«معاهدة السلام»، والنص الرسمى الخاص بالولايات المتحدة الأمريكية، الذى حصلت عليه باعتبارى عضوا فى المفاوضات.

■ وهل النص الأصلى به أى صيغ إلزامية غير موجودة فى النسخ الأخرى للمعاهدة؟

- لا.. على الإطلاق، فكل من إطار «كامب ديفيد» و«معاهدة السلام» ينص على أن يدخل الطرفان فى أقرب وقت ممكن وفى موعد أقصاه ٦ أشهر بعد إتمام الانسحاب المرحلى لعقد اتفاق تجارة، يستهدف إنماء العلاقات الاقتصادية ذات النفع المتبادل بينهما. أى أن الاتفاقية لا تلزمنا بشىء، بل يفترض، وفقا لهذا النص، ألا أجرى أى علاقات تجارية لا تحقق لى النفع.

■ بدأت بعد الثورة تتزايد المطالبات بإعادة النظر فى بند الترتيبات الأمنية، وحجم قواتنا فى سيناء، فالبعض يرى الأمر مستغرباً أن تكون سيناء جزءاً من مصرنا العزيزة، فى حين لا نملك وضع أعداد من القوات المسلحة تتلاءم مع مخاطر الحدود، كأن إرادتنا السياسية على سيناء مسلوبة.. فما تعليقك، فى ظل ما قيل عن موافقة إسرائيل على مراجعة وتعديل هذا البند؟

- دعينى أتحدث معك بشكل علمى وليس سياسياً.. فقد اختلف نمط التهديد فى العالم كله، فى حين مازلنا نحن نفكر بالطريقة نفسها، ونطالب بزيادة أعداد الجيش فى سيناء. هنا أود أن أوضح أنه لو لدى فرقة برية أو اثنتين أو حتى عشره فى سيناء، فلا قيمة لها على الإطلاق، مادام ليست لدى قدرات تدميرية أخرى ذات مستوى رفيع من الصواريخ والمقاتلات والطائرات المدمرة.. ولأوضح ما أقصد، سأذكر لك مثال ما حدث فى عاصفة الصحراء الخاصة بتحرير الكويت، وقد أغارت فيها الولايات المتحدة على العراق والقوات العراقية فى الكويت، خلال مدة ٣٧ يوماً، هى مدة الحرب بما يساوى ١٠٩ آلاف طلعة جوية، كل طلعة جوية تتراوح قوتها ما بين ٥٠٠ وألف طائرة، حجم ما أسقطته الطائرة الواحدة طراز القاذفة ٥٢ من وسائل التدمير ٨٨ ألف طن مفرقعات، أى ما يساوى ٤ قنابل نووية، مثل التى ألقيت على ناجازاكى وهيروشيما..

فهل بعد هذا كله تقولين لى بضرورة وجود قوات برية فى سيناء على حدودنا مع إسرائيل..!

الميزان انقلب وتغير نمط المعارك، فى حرب «٧٣»، كانت الضربة الجوية التى صعدنا بها إلى السماء طوال السنوات الماضية. عند تحليلها عسكريا نجد أنها قد استغرقت ١٥ دقيقة بـ٢٣٧ طائرة، وكلها طائرات مستهلكة ومن مخلفات الحرب العالمية الثانية، بعدها حدث ضرب جوى صاروخى لمدة ٥٥ دقيقة بالمدفعيات والصواريخ، ثم دخلت القوات البرية وهاجمت على الأرض لمدة ٣ أسابيع، وكانت متمثلة فى ٥ فرق مشاة و٢ فرقة مدرعة، وفى هذا الوقت كانت القوات البرية هى عمود المعركة وكل ما عداها يسمى قوات معاونة، أما الآن فالموضوع انقلب وأصبحت القوة التدميرية الجوية و الصاروخية هى الأساس فى حسم المعركة، ثم تدخل القوات البرية كهدف تال فقط «لتأخذ الأرض» وهنا أرد على الذين يقولون بأن أعداد القوات الموجودة فى سيناء غير كافية –وهذا على مسؤوليتى- بأن حجم القوات البرية الحالى الموجود فى سيناء مضاعف لما كان عليه قبل هزيمة «٦٧» وقتما كانت سيناء فى أيدينا وغير محتلة.

لا يمكن أن تستنفر القوات المسلحة فى أى دولة بنسبة ١٠٠%، ولا أن تضع دولة قواتها المسلحة بشكل دائم فى المواقع المهددة أو المتوقع الاعتداء عليها. الوضع نفسه ينطبق على إسرائيل، فهى تعتمد على ٢٠ % فقط من حجم قواتها العسكرية فى التأمين و٨٠% من القوة تستدعى بالتعبئة، ولا تلجأ إلى هذه الخطوة إلا إذا كانت هناك نية حقيقة لإدارة الصراع.

---------------------------

الخبير الاقتصادى د. عبدالخالق فاروق:
أطالب الحكومة بتنفيذ الخطة «شبح» للضغط على إسرائيل وتعديل سعر الغاز
---------------------------------------

الخبير الاقتصادى الدكتور عبدالخالق فاروق، الحاصل على جائزة الدولة التشجيعية فى الاقتصاد والقانون، بدا متحمسا لفكرة اللعب مع إسرائيل بالألعاب التى يفهمونها دون توريط المجلس العسكرى فى موقف سياسى ليس مستعدا له الآن، فاقترح تطبيق الخطة «شبح» للضغط على إسرائيل، كما اقترح عمل حملات مكثفة لكسب الرأى العام العالمى فى صف قضيتنا، وهى تعديل كل الاتفاقيات الدولية المجحفة لمصر لأنها وقعت من قبل مجموعة فاسدة.. ورفض فاروق أى أحاديث تقال عن ربط تصدير الغاز لإسرائيل بالأمن القومى بل اعتبرها تهديدا طويل الأجل لأمن مصر.. وإلى نص الحوار:

■ دكتور فاروق، قيل لى من مصدر أمنى رفض ذكر اسمه إن سبب توقيع اتفاقية تصدير الغاز لإسرائيل هو أمنى بالدرجة الأولى؟

- هذا كلام عبثى لأنه لا يوجد دولة فى العالم تضع مصيرها فى يد مصدر واحد للطاقة، فما بالك بدولة إسرائيل، إسرائيل لا تأخذ غازا من مصر فقط وإنما لديها بدائل ولديها خطوط اضافية، ولك أن تتصورى أن إسرائيل كانت تصدر الغاز المصرى لدول أخرى بالسعر العالمى وتحقق من ورائه أرباحاً طائلة، وهذه كانت إحدى فضائح هذه الاتفاقية.

ولو أن هذه النظرية صحيحة قولى لى ماذا فعلت إسرائيل إزاء قطع الغاز عنها طوال الفترة الماضية بعد تدمير الأنابيب فى العريش! كيف أدارت إسرئيل مصانعها ومحطاتها؟ إسرائيل لديها بدائل حاضرة تلبى احتياجاتها قد تكون قليلة الكفاءة والجودة ولكنها تلبى الحاجة لحين إيجاد بدائل أخرى.

■ وهل لديك تفسير لموافقة كثير من أجهزة الدولة على الاتفاقية؟

- أولا مطلوب إجراء عمليات تطهير فوراً للأجهزة التى وافقت على الاتفاقية، إذا كنا حريصين على أمننا القومى، فمثل هذه الأجهزة جرى تحريفها عن مسارها الطبيعى خاصة بعد «كامب ديفيد»، ثم زاد الأمر بعد مسار الرئيس السابق حسنى مبارك وتحالفه الفج والمباشر مع إسرائيل.

■ إذن أنت تريد التعامل مع تصدير الغاز لإسرائيل بالمنطق التجارى؟

- موضوع الغاز لكونه سلعة استراتيجية لا يمكن التعامل معه من منظور تجارى بحت، حتى الدول الكبرى تفعل ذلك، فعندما أجريت روسيا اتفاقية طويلة الأجل مع دول الاتحاد الأوروبى من عشرين سنة كان يعتبر ذلك إحدى وسائل الضغط المتوقعة فى إدارة العلاقات بين الاتحاد السوفيتى أو روسيا فيما بعد ودول الاتحاد الأوروبى، ولكن لأن الوضع فى العلاقات بينهما مختلف نوعيا عن طبيعة العلاقات بين مصر وإسرائيل، لذا كان يجب أن يكون التعامل أيضا مختلفاً نوعيا، لأن مشروع إسرائيل مازال قلقاً فى محيطه، وبالتالى دعمه بعناصر الاستقرار هو تهديد طويل الأجل على الأمن القومى المصرى، حتى ولو كانت هناك اتفاقية سلام تربطنى بإسرائيل، المفروض أن أضعها فى الحدود الدنيا للتعامل، ولا أعظم مساحة الدعم لإسرائيل سواء بنفط أو بغاز.

■ ولكن سبق أن تنازلنا فيما يخص تصدير البترول لإسرائيل فى عهد السادات؟

- التنازل المصرى فى موضوع النفط تم لمحاولة تليين الموقف الإسرائيلى للخروج من سيناء، أى كان ذلك فى إطار محاولة إجلاء القوات الإسرائيلية عن سيناء، بعد ذلك تخلصت مصر من هذا التعاقد التجارى السياسى، ولم تكن به ميزة تفضيلية لإسرائيل، لا فى الكميات ولا فى النوعيات، وقد تخلصنا بذلك بدواعى احتياجنا الداخلى له.

■ ولكن السيد عمر سليمان قال فى نص التحقيقات إننا أوقفنا البترول الذى هو ضمن اتفاقية السلام لحاجتنا له واستبدلناه بالغاز بقرار من مبارك لنظل ملتزمين بالاتفاقية؟

- لا، هذا كذب.. البترول لم يكن جزءاً من صفقة كامب ديفيد، إنما هو جزء من تسهيلات التسريع وتليين موقف مناحم بيجن وقتها للانسحاب من سيناء، فهو جزء من الملاحق التى توضح أشكال التعاون الاقتصادى والتجارى، ولم يكن ملزماً، ولم يكن منصوصاً عليه فى الاتفاقية، وهذا الاتفاق لم يكن مربوطاً مباشرة بكامب ديفيد.

■ فى رأيك لو صح ما قاله الأستاذ هيكل بشأن مذكرة تفاهم مشتركة بين مصر وإسرائيل تربط بين اتفاقية الغاز وكامب ديفيد هل كان المقصود إصباغ حالة الإلزام على الاتفاقية؟

- ما أشار إليه الأستاذ هيكل كلام خطير، فقبل توقيع الاتفاقية تم التوقيع على ما يسمى مذكرة تفاهم بين وزير البترول السابق سامح فهمى ووزير الصناعة والتجارة الإسرائيلى، حيث تم إدخال جملة كامب ديفيد ومعاهدة السلام لتقييد مصر بها، ولتكون مذكرة تفاهم بين البلدين لها صفة الإلزام وذات طابع سياسى.. بعدها تم التعاقد بين هيئة البترول وشركة غاز شرق المتوسط على الاتفاقية، لمزيد من التقييد قام حسين سالم ببيع حوالى ٣٥% من حصته فى الشركة لشركة ميرهاف الإسرائيلية المملوكة للشريك موسى ميمان، وحصة بنسبة ٢٥% للشركة التايلندية، وثالثة أمريكية، بعدما كان حصل على قرض من البنك الأهلى بقيمة ٥٥٠ مليون دولار لعمل البنية التحتية لعمل خط الأنابيب، وهذا يعنى أنه لم يدفع مليماً من جيبه، إنما مد الخط بأموالنا وودائعنا فى البنك الأهلى، وفور بدء عمل الإمدادات والضخ بدأ حسين سالم يبيع حصته شيئا فشيئا، حتى يضفى على العقد الصفة الدولية ليكون مقيدة لمصر، وهذ هو الخطير فى الأمر.

وهى نفس اللعبة التى مارسها من قبل فى شركات ميدور ومعامل التكرير، حيث باع حصته لشركاء إسرائيليين ووضع مصر فى ورطة، حيث أجبروا البنك الأهلى أيام رئاسة محمود عبدالعزيز على شراء أسهم حسين سالم بثلاثة أضعاف قيمته وقد كتب عن هذا الفساد الكاتب الراحل مجدى مهنا ثلاث مقالات، ثم أجبروا البنك الأهلى مرة ثانية على شراء أسهم الطرف الإسرائيلى بثلاثة أضعاف السعر أيضا حيث حقق الطرفان أرباحا طائلة، وهو ما يعد عمليات غسيل أموال واضحة، ينشئون الشركة وفور أن تبدأ أعمالها ينسحبون ويدخلون أطرافاً أجنبية لتقييد مصر وتضطر مصر إلى التصرف بما يخالف التعاقد الأصلى نظرا لوجود أطراف أجنبية.

■ إذن فرصنا فى وجود هذه الأطراف الأجنبية صعب إذا ما قررنا عدم الالتزام بالاتفاقية؟

- هذا يتوقف على هل يوجد نص فى الاتفاقية يتعلق بالتحكيم أم لا، ولأن حسين سالم باع لأطراف أجنبية فهم سيستظلون بالاتفاقية الدولية لحماية الاستثمار وسيرفعون دعاوى على الجانب المصرى إذا ما أخلت بالتعاقد وهو ما يضع الإدارة المصرية فى مأزق.

■ أليس لدينا أى حلول؟

- طبعا لدينا حلول أولها أننا فى حالة ثورة وفى حالات الثورات وارد أن يحدث تجاوزات فى تطبيق الاتفاقيات والتعاقدات من أطراف غير معروفة، كأن يقوم متمردون بتكسير خطوط الضخ مثلا، وقتها لا يمكن إلزام مصر بالتعاقدات نظرا لظروفها السياسية، تماما كما حدث فى نهر النيجر عندما قام المتمردون بتكسير محطات الكهرباء، كان من الصعب الرجوع على الحكومة بالتعويض.

■ ولكن حدث ذلك بالفعل وسارعت الحكومة إلى إصلاح الأنابيب وإعادة ضخ الغاز إلى إسرائيل؟

- يجب على الحكومة المصرية وفقا للقانون الدولى إصلاح التلفيات، ولكن من الممكن بعدها بعدة أيام حدوث تفجير فى مكان آخر والمبرر لدينا «نحن فى حالة ثورة ويصعب السيطرة على الأمور»، وهنا يصعب الرجوع على الحكومة بالإخلال بالاتفاقية.. وهذا نموذج لكيفية اللعب مع العدو ولنسمها «الخطة شبح»، وهناك نماذج كثيرة للحلول إذا ما توافرت الرؤية الاستراتيجية لدى الحكومة، ويمكن بهذه الطريقة على سبيل المثال لا الحصر أن أضغط على الحكومة الإسرائيلية وشركة غاز شرق المتوسط بإعادة النظر فى السعر لأنه معتمد على الغاز المصرى بنسبة ٤٠%.

■ يوجد دول أخرى مثل إيطاليا وفرنسا وإسبانيا أخذوا الغاز بنفس السعر فكيف أدير التفاوض معهم؟

- يمكن ذلك عن طريق ثلاثة محاور أولها أن أستخدم الهالة الموجودة حول الثورة فى الخارج، والترابطات بين الشباب المصرى والأجنبى وتعاطفهم مع الثورة كما يمكن استغلال المجتمع المدنى فى خلق رأى عام عالمى لمساندة مصر فى إعادة النظر فى التعاقدات التى كان يحكمها الفساد ونهب الثورة المصرية، وما فيها من غبن شديد، ونطلب من الرأى العام الأوروبى مساندتنا فى الطلبات التى تتقدم بها وزارتا الخارجية والبترول لرفع السعر، وبالتالى نأخذ مشروعية سياسية وأخلاقية وسط الرأى العام الأوروبى، ثانيا يفترض أن يقوم وزير الخارجية إذا ما كان نشطاً ولديه رؤية استراتيجية بإدارة هذا الملف بشكل تفاوضى جيد، ثالثا أن نستغل حرص دول الاتحاد الأوروبى على عدم خروج الجانب المصرى من تحت جناح وطوع السياسة الأوروبية والأمريكية- كما يظنون- فيما يتعلق بتوازنات المنطقة فى المرحلة المقبلة.

■ كيف تفسر موقف حكومة شرف وتصريح المجلس العسكرى الصريح باحترام تعهداتنا؟

- عصام شرف رجل شريف ومخلص ولكنه عديم الخبرة والرؤية السياسية، وهو فى هذه الحالة أصبح عبئا على الثورة المصرية، لأنه يتعامل مع الملفات يوما بيوم أما موقف المجلس العسكرى فهو أكثر حصافة لأنه يحاول تجنب الدخول فى تفاوضات أو أى لقاءات رسمية مع الطرف الإسرائيلى وهو محق فى ذلك.

■ لو افترضنا أننا أغلقنا الغاز عن إسرائيل وأنهينا التعاقد البعض يقول بأن تكلفة عمل أنابيب جديدة لا تمر بإسرائيل لمد الغاز للأردن سيتكلف مليارات؟

- هذا كلام يقصد به التخويف، فحجم التكلفة ليس مليارات فحسين سالم اقترض ٥٥٠ مليون دولار من البنك الأهلى وأخذ ما يقرب من ٢٠٠ مليون دولار أخرى من بعض المؤسسات المالية والبنوك العربية لمد هذه الأنابيب، فالخط بالكامل لايزيد حجم تكلفته عن ٧٥٠ مليون دولار.

■ إذن ما هو البديل؟

- أنتقل الى خط ثان يصل من العريش إلى نويبع على البحر الأحمر إلى العقبة ثم يخرج خط آخر إلى سوريا ولبنان.

■ ولكن لا تنسى أننا لدينا قيد كبير وهو مدة الـخمسة عشر عاماً المتبقية من مدة العقد؟

- وإن كنت أرى أن مصر لم تكن مطالبة بعمل هذا التوسع فى التصدير لتزايد الاحتياجات المحلية للغاز، فالتعاقد الذى تم مع الأردن وإسرائيل تحديدا أدى إلى أن محطات توليد الكهرباء كانت تحصل على ٨٥% من احتياجاتها من الغاز الطبيعى، والذى نقص إلى ٦٨%، لذا اضطررنا إلى استيراد مازوت بـألف ومئتى مليون دولار ووقفت المليون وحدة حرارية من المازوت علينا بـ١٢ دولاراً فى حين نصدر نحن الغاز لإسرائيل والأردن بـ٣ دولارات.


----------------------------------

نشر في المصري اليوم بتاريخ 27 و28 -7 - 2011
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=305252

د. مجدي يعقوب

التقدم العلمى سيحقق أهداف الثورة والاكتشافات تصنع مكانة الدول وليس السياسة
---------------------------------------------
أجرت الحوار رانيا بدوى ٧/ ٧/ ٢٠١١
---------------------------------------------
لم ينس كونه جراح القلب العالمى، حتى وهو يتحدث فى السياسة والشؤون الداخلية لمصر، ولذلك وصف الدكتور مجدى يعقوب حالة مصر بـ«مريض القلب»، الذى أجرى عملية جراحية ناجحة، ولكنه لا يزال يشعر بحالة من عدم الاستقرار رغم امتلائه بالتفاؤل، وقال جراح القلب العالمى إن الشهور القليلة المقبلة ستكون حاسمة فى التقرير النهائى للحالة، وأضاف فى حواره مع «المصرى اليوم» أن العلم هو الذى يصنع مكانة الدول وليس السياسة، وأن دخول مصر عصر العلم يحتاج إيمان الشعب، وليس قراراً فوقياً من الحاكم، وأنه لا علم دون تعليم جيد، ولا اقتصاد دون بحث علمى، ولا صحة دون تجارب علمية وإلى نص الحوار:

■ ما حالة قلب مصر بعد الثورة؟

- بدا لى واضحاً أن شعور الناس بعد الثورة مختلف، وحدثت طفرة ما بداخلهم، وأشعر بتفاؤل لم أكن ألمسه من قبل، خصوصاً لدى الشباب، وهذا أمر يسعدنى للغاية، والتفاؤل بشكل عام يحسن أداء القلب، لذا آمل أن ينعكس على الأداء فى المرحلة المقبلة بمصر.

■ لكن هناك إلى جانب التفاؤل حالة من الارتباك.. بل الخوف لدى المواطن المصرى؟

- نعم.. فرغم وجود التفاؤل فإنه أيضاً يوجد عدم استقرار نفسى لدى المواطن، نتيجة عدم الاستقرار السياسى، فالمواطن المصرى مشغول بفكرة ما الذى سيحدث فى المستقبل، وقد أثبتت كل الدراسات العلمية أن التوتر النفسى والكآبة لهما تأثير كبير على عضلة القلب، ولكن لا ننسى أيضا أن التفاؤل بالمستقبل الذى لمسته لدى الشباب بعد الثورة يؤدى إلى السعادة، وبالتالى يحسن القلب، وهذا كلام حقيقى علمياً.

■ ما تقييمك للمشهد السياسى الحالى؟

- هذا أمر صعب أن أصفه لك بدقة، أنا أرى أن الأمور تسير إلى حد ما بشكل معقول، ولكن ليس بالشكل الذى يجب أن تكون عليه، ورغم وجود التفاؤل لدى الناس، فإنه تقابله حالة من عدم الاستقرار والارتباك، كما قلت مفادها أن الناس لا تعلم ما الذى سيحدث فى المستقبل، وما الخطوة المقبلة، ولكن المنطق يقول إنه لابد من استغلال ما حدث فى الثورة لنبنى مصر ونتقدم بشكل ضخم وملحوظ فى العامين المقبلين، ولكن أى طريق سننتهج، ذلك يتوقف على ما سيحدث فى الشهور القليلة المقبلة.

■ هل يجوز القول بأن مستقبل العلم يتوقف على شكل المستقبل السياسى المقبل؟

- بالطبع، فهناك ترابط دائم بين العلم والسياسة، لأن العلم يتوقف على كل الشعب، فليست هناك فئة واحدة تصنع العلم والتقدم، وتظل باقى الفئات متلقية، لذا مستقبل العلم متوقف على مدى إيمان الشعب به ومدى مشاركته، فالعلم يعنى أولاً الإحساس بالانتماء لدى الشعب بالكامل وتفاعلهم ومساهماتهم فى التقدم.

■ كيف للمواطن العادى أن يشارك فى تقدم العلم؟

- المساهمة فى التقدم العلمى تكون بإتقان كل شخص عمله أياً كان، فلا يشترط للتقدم العلمى أن يقف الجميع فى المعامل، ولكن أن يكون العمل مقروناً بالتفانى والإخلاص والإبداع والابتكار.

■ لكن أين دور الرئيس والحكومات المقبلة.. ألا يعتمد العلم فى النهاية على قرار جمهورى؟

- بالطبع الرئيس القادم لمصر سيكون له تأثير كبير فى شكل وحجم النقلة العلمية التى ستمر بها مصر، أو شكل التراجع أو الثبات، لا قدر الله، فالرئيس مؤثر، ولكن يجب أن يعلم الشعب أن التقدم العلمى لا يتوقف على الرئيس فقط، وإنما على كل الشعب، وذلك بإحساسه بالمسؤولية، وتفاعله مع الحكومة والرئاسة، والتخلى عن السلبية، بألا يقول إنه على الحكومة أن تفعل كل شىء، وهى المسؤولة عن العلم والسياسة والاقتصاد، فأنا ضد هذه الفكرة، ويجب أن يقول المواطن ماذا يريد؟ ويتفاعل ويشارك ويتابع أداء الحكومة، ويصر على رغبته فى دخول مصر عصر العلم.

ومثلما طالب الشعب بالحرية والعدل والمساواة، ونفذ جزءا مما يريد، عليه أيضاً أن يفعل ذلك مع العلم، أى أن يطالب الشعب بالتقدم العلمى وتطوير البحث العلمى، ومشاركة المواطن تتوقف على حجم الحريات المتاحة له، وما الفرص المتوافرة أمامه خصوصاً الشباب.

■ فى الوقت الذى يقول فيه البعض إن العلم لا ينمو إلا فى بيئة ديمقراطية.. يرى آخرون وجود أنظمة ديكتاتورية تفوقت فى العلم، وهو ما يؤكد ضرورة إيمان الحاكم بالعلم؟

- كما قلت، أنا متأكد أن العلم يأتى من الشعب نفسه وليس من الحكام، ويجب أن يوفر الحكام فرص وبيئة البحث العلمى، ولكن لا يجبرون أحدا على السير فى طريق معين أو فى بحث معين أو لساعات عمل محددة، فالعلم لا يأتى من أعلى ولا بقرار فوقى، ومن سبقوا فى هذه المجالات يمكنهم أن ينصحوا لكن لا يفرضون وجهات نظرهم ولا يفرضون أوامرهم.

■ بماذا تفسر نجاح مشروع مانهاتن وهو مشروع اتخذ قراره من أعلى لإنتاج القنبلة الذرية خلال عام، وهو ما حدث؟

- إذا كانت هناك تجارب لنجاح التقدم العلمى من قرارات فوقية، فهذه تجارب قليلة واستثنائية، وإذا كانت هناك تجربة مشروع مانهاتن، الذى اتخذوا فيه قراراً بصنع القنبلة الذرية فى غضون عام، وأنهوها بالفعل قبل عام، فإنه فى المقابل هناك تجارب عالمية أخرى حاولت تقليد مشروع مانهاتن فى أبحاث السرطان بتحديد موعد محدد لاكتشاف علاج له، إلا أنها فشلت، لأنه يجب أن يكون الباحثون أنفسهم مؤمنين بموضوع البحث، وليس مفروضا عليهم، لذا فإن الحرية والديمقراطية مهمتان جداً لنمو العلم، فأى شخص لديه حرية يستطيع التفكير بشكل أفضل، لأنها توفر مناخاً من الإبداع والابتكار، ويستطيع طرح نظريته، حتى لو اختلف معه البعض، وينشأ جدل علمى يفرز فى النهاية نتائج فى صالح التطور العلمى ككل.

■ توجد تخوفات من سيطرة التيارات الدينية على المشهد السياسى فى المرحلة المقبلة.. وهناك قلق قبطى واضح فى الشارع المصرى بعد الثورة.. باعتبارك قبطياً كيف ترى المشهد؟

- أنا دائماً بعيد عن السياسة، ولكن توجد مبالغات شديدة فى الإعلام، لذا أرى أنه من المهم جداً أن نعمل جميعا على أن يكون هناك حرية للجميع تشمل بالتأكيد حرية للأديان، وأن تكون هناك مساواة وعدل وتكافؤ فرص، وأنا مؤمن بأن كل أهداف الثورة ستتحقق بتقدم العلم.

■ أحداث شغب هنا وهناك.. اعتصامات.. مواجهات بين الثوار والشرطة.. هل تراها نفقاً مظلماً تدخله مصر أم عرضاً طارئاً؟

- أنا إنسان متفائل، لذا أرى ما يحدث شيئاً عارضاً ولن ينتصر حتى ولو طال، فالشىء الصحيح هو الذى سيستمر، وكل الثورات فى العالم تبعتها حالة من عدم الاستقرار، المهم ألا نجعل هذه الحالة تطول أكثر من اللازم، لأنها إن طالت ستنقلب إلى ضدها وستلهينا عن بناء وطننا.

■ هل سيتأثر مستوى التقدم العلمى بشكل الدولة.. وما إذا كانت مدنية أو دينية؟

- من خلال معرفتى بالمبادئ العامة للسياسة أعرف أن الدول المتقدمة مرت بفترات مثل تلك التى تمر بها مصر الآن، وفى لحظة فاصلة قررت فصل الدين عن السياسة، وأنا أعتقد أن هذا أمر مهم، وتسبب فى إحداث طفرة علمية فى هذه الدول.

■ دخلت عضوا فى أكثر من مجلس علمى منذ بداية الثورة، فإلى أى شىء انتهت تلك المجالس فيما يخص المستقبل العلمى لمصر؟

- يهيأ لى أنها ما زالت مجالس بدائية وفى طور النمو، كل ما يدور حتى الآن مجرد كلام وليست هناك تفاصيل بعد ولا مشروعات تنفذ على أرض الواقع.

■ فى ظل وضع اقتصادى مهترئ بعد الثورة.. هل تعتقد أن ذلك سيؤثر على السير قدما فى طريق البحث العلمى؟

- توجد علاقة قوية بين الاقتصاد والعلم من ناحيتين، أولاً يجب أن تكون لدى موارد لاستغلالها فى إجراء التجارب العلمية، ولا يشترط أن تكون هذه الموارد كثيرة جداً، ولكن فى المقابل العلم نفسه يضاعف موارد الدولة فى كل النواحى.. ولنتحدث مثلاً عن تأثير البحث العلمى فى تحسين صحة المواطن، وهو ما يعنى أن الشعب سينتج أكثر بجودة أعلى، مما يعنى دخول موارد مالية أكثر للبلد، ثانيا البحث العلمى فى مجال تطوير التكنولوجيا سينعكس على أداء المصانع والشركات والمؤسسات ويساهم فى زيادة ثروة البلد، فإذا كان الاقتصاد يساعد نوعا ما فى البداية، فالعلم يضيف بقوة للدخل القومى فيما بعد، وأى مليم ينفق على البحث العلمى يأتى بأضعاف أضعافه، وهناك مثال واضح جداً، حيث كان الدخل القومى لكل من غانا وكوريا فى نفس المستوى، ثم بدأت كوريا تسلك طريق البحث العلمى، فزاد الدخل القومى لها ٦٠ مرة أكثر، وهذا ما نريده أن يحدث لمصر.

العلم هو الطريق الوحيد لتقدم الأمم، والاكتشافات الجديدة تؤدى إلى تطوير التكنولوجيا واحترام الإنسان لنفسه ولمن حوله، والعلم يفيد المجتمع ويصنع مكانته فى العالم بطريقة لا تفعلها السياسة، ويزيد الانتماء والترقى، ويزيد الدخل القومى للدول، وبدون العلم سنظل كما كنا إن لم نرجع إلى الخلف.

■ لكن يقولون إن أخصب سنوات عمر مصر ضيعها مبارك وأعوانه.. فهل ما زالت هناك فرصة لمضاهاة هذه الدول؟

- كل هذا يعتمد على إجاباتنا عن هذه الأسئلة: هل سنعمل بشكل جماعى وبروح الفريق أم لا؟ حجم القدرة التى سنعمل بها وحجم العمل، وما الذى سنتعلمه من الدول التى سبقتنا فى التقدم؟ وهل نحن مؤمنون بضرورة تطوير البحث العلمى أم لا، والأمثلة كثيرة، كالذى حدث فى ماليزيا وسنغافورة، فقد بدأوا من الصفر، ومصر لا تقل عن هذه الدول. الفرصة مازالت موجودة، بل بالعكس، الفرص اليوم موجودة أكثر من الأمس، مصر فيها كفاءات كثيرة أراها بنفسى فى الشباب والشابات، والوقت ما زال فى صالحنا.

■ ما تقييمك للوضع الطبى فى مصر؟

- توجد كفاءات كثيرة فردية ويوجد أيضا تطبيق جيد للعلم، ولكن ما أريد رؤيته هو تطور البحث العلمى فى مجال الطب، فللأسف نحن نستورد البحث العلمى جاهزا من الخارج ونطبقه كما هو، فى حين أنه يجب التطلع إلى المساهمة فى منظومة الاكتشافات والبحث العلمى فى الخارج، فمثلاً فى مركز أسوان للقلب نطبق آخر ما وصل له العلم فى علاج مرضى القلب، ولكن فى الوقت نفسه نخصص على الأقل ثلث الموارد والوقت للأبحاث العلمية، لأن البحث العلمى يطور تطبيق ما نقوم به فى مجال الصحة، كما أن لدينا أبحاثا نقيم فيها أخطاءنا، وتعتمد على رصد الأخطاء التى وقعنا فيها وكيف نكتشف أشياء تساعدنا فى عدم الوقوع فى هذه الأخطاء مرة ثانية، حتى نمنح مرضانا صحة أكثر وخدمة طبية أفضل، وكيف نكتشف أساليب جديدة للعلاج فى المستقبل من أجل أبنائنا وأحفادنا، وحتى تكون مصر ناهضة فى مجال العلم، فنحن ما زلنا كمصريين نعيش على ما اكتشفه المصريون القدماء فى أصول العلم وما قدموه من إبداع فى مجال الطب. ولأن الأبحاث العلمية المنشورة من مصر قليلة للغاية، بدأنا فى أسوان عقد مؤتمرات دولية، وجعلنا التدريب جزءاً أساسياً من مهمتنا لتبادل الخبرات مع العالم، كما أننا ننشر مجلة علمية بعنوان «العلم وتطبيقاته» تصدر ٤ مرات فى العام، تتضمن أبحاثا بها آخر ما وصل له العلم فى العالم، وكيفية استخدامه، وما الذى اكتشفناه نحن، وهذه المجلة تضم أكبر علماء فى إنجلترا وأمريكا وأستراليا.

■ ما حجم التدريب فى مركز القلب بأسوان؟

- التدريب حالة مستمرة ونزيد العدد كل يوم، وتقريباً لدينا ١٥ طبيباً متدرباً الآن من شباب الأطباء المصريين، ودائما نختار أفضل الأطباء من ناحية صغر السن، ومدى قابليتهم للتعلم والدراسة ومدى احترامهم للعمل والعمل الجماعى واحترامهم للعلم، والأهم احترامهم للمريض، فنحن فى مركز أسوان نعتبر أنفسنا خادمين للمرضى والعلم.

■ ما الأخطاء التى وقعتم فيها فى طور تقييمكم لأنفسكم؟

- لدينا قائمة طويلة من الأمور التى نقيمها باستمرار، على سبيل المثال ما هى نسبة نجاح كل عملية؟ ويتم تقييم النتائج بدقة تامة، وما هى المضاعفات التى حدثت بعد العملية؟ ولماذا حدثت؟ وهل الخطأ خطأ المريض أم الطبيب أم من؟ ويكون التحليل بطريقة علمية فنية دقيقة، ونحلل كل شىء بدقة وننتقد أنفسنا ونحاول إصلاح الخطأ.

■ أى خطأ يقع فيه الطب فى مصر ويجب إصلاحه فوراً؟

- أنا أشعر دائما بأننا مخطئون جداً فى حق الممرضين والممرضات، فنحن فى مصر لا نحترمهم، ولا نخضعهم للتدريب، ولا نعطيهم مقابلاً مادياً كافياً، لذا أرى ضرورة تصحيح هذا الخطأ فوراً، ومن المهم جداً أن ندرب الممرضين ونحترمهم وندفع لهم رواتب تعادل المسؤولية الضخمة التى تقع على عاتقهم، لأن المسؤولية التى تقع عليهم تساوى حجم المسؤولية التى تقع على عاتق الأطباء وربما أكثر، ففى مرحلة علاجية معينة يقع العبء فى أغلبه على التمريض، لذا نهدف فى برامج التدريب فى مركز أسوان للقلب أن نضع برامج تدريب للممرضات والممرضين والفنيين إلى جانب برامج تدريب الأطباء، وهذا التدريب وحدة كاملة غير قابلة للتجزئة، لأن أى خلل فى فريق من هذه الفرق يحدث خللاً فى منظومة الطب بأكملها، وبرامج التدريب فى رأيى تؤدى فى النهاية إلى خدمة المرضى والعلم فى الوقت نفسه.

■ هل لأمراض القلب فى مصر خصوصية ما؟

- نعم ذلك صحيح، فكل منطقة بالعالم لها جينات تختلف عن المنطقة الأخرى، ونحن كمصريين لدينا جينات مختلفة تجعل لأمراض القلب فى مصر خصوصية، بسبب البيئة التى نعيش فيها وتلوث الجو، وكذلك الكثافة السكانية وتواجد أعداد ضخمة من الناس فى أماكن محدودة، كل ذلك يؤثر بالضرورة على القلب، كذلك التلوث الناتج عن السيارات، ونوعية الطعام الذى نأكله وجودته، وما إذا كان ملوثا بالكيماويات أم لا، فبعض العناصر الكيماوية لها تأثير سلبى على عضلة القلب، كذلك عدم ممارسة الرياضة، إضافة إلى وجود أنواع معينة من الجراثيم لها علاقة بأمراض القلب، وفوق كل هذا تأثير كل من مرض السكر وارتفاع ضغط الدم، وهما منتشران جداً فى مصر، لذا نجد أن أكثر أمراض القلب المنتشرة فى مصر هى جلطات القلب وتصلب الشرايين والحمى الروماتيزمية، ونحن الآن نجرى أبحاثاً عليها للوقوف على مسبباتها وكيفية تجنبها، كما نبحث فى معاملنا فى أسوان ومكتبة الإسكندرية الجينات والأمراض الوراثية التى تؤثر على عضلة القلب، كما نجرى عمليات كثيرة لمرضى الأمراض الوراثية وتضخم عضلة القلب الذى ينتج عنه انسداد فى القلب وكله بالمجان.

■ ما رأيك فى انتشار دعاية مداواة المرضى بالخلايا الجذعية، وما الحقيقة والوهم فى هذا المجال؟

- العلاج بالخلايا الجذعية له مستقبل باهر، ولكن لم تصل بعد الأبحاث لمرحلة التطبيق على مساحة كبيرة، كل يوم يخرج عدد ضخم من الأبحاث فى هذا الشأن لكن لم تنته بعد لنقدمها للمرضى، وربما بعد عامين نتمكن من ذلك.

■ لكن هناك أطباء يروجون لأنفسهم الآن بقدرتهم على العلاج بالخلايا الجذعية؟

- أعتقد أنه لم تصل نتيجة الأبحاث فيه إلى حد التطبيق الضخم، ومازالت الأبحاث تجرى.

■ ما رأيك فى حفظ الحبل السرى بعد الولادة فى بنوك خاصة.. وهل الفكرة مجدية فى المستقبل، حيث يمكن معالجة الأمراض المستعصية بخلايا الحبل السرى للطفل المولود فى أى مرحلة من عمره؟

- هذا أمر مفيد جداً من نواحٍ مختلفة، لأن هذه الخلايا تستخدم فى زرع النخاع، لذا من المهم جداً أن يكون لدينا فى مصر بنك كبير تتوافر فيه هذه الخلايا، وهى موجودة فى العالم كله، وهذه الخلايا يمكن أن تحفظ للمستقبل لإجراء الأبحاث العلمية عليها بتوسع، وليس لخدمة إنسان بعينه، فعلينا جميعاً المساهمة فى الأمر دون التفكير فى مصالح شخصية، لأن تطور البحث العلمى ستنعكس نتائجه على المجتمع بأكمله.

■ ما رؤيتك لشكل التعليم الذى تحتاجه مصر بعد الثورة؟

- لا علم دون تعليم جيد، ولا يوجد تعليم جيد إلا إذا بنى على الابتكار والإبداع، وهذان أمران لا ينتجان أبداً عن سياسة تعليم تعتمد على الحفظ والتلقين فى المدارس، كما هو قائم بالفعل، لذا نحتاج إلى تغيير مناهج التعليم وأساليب التعلم.

■ كيف نخرج مصر من عنق الزجاجة؟

- نعطى فرصاً للشباب للإبداع فى العلم، وأن نسمح لأفكارهم بأن تنتج أبحاثاً علمية، وأن تساهم كل المؤسسات العلمية فى منح الفرص للشباب، وفوق كل هذا أن نبدأ جدياً فى تنفيذ خطط محاربة الفقر، ونتأكد أن كل الشعب المصرى لديه فرص أن ينتمى وينتج بطرق مختلفة فى مجالات مختلفة.


-------------------
نشرت في المصري اليوم بتاريخ 7/7/2011
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=302892

منصور حسن

الجدل بين فريقى «الدستور أولاً» و«الانتخابات أولاً» يهدد المجتمع بانقسام حاد
------------------------------------------------------------------------
أجرت الحوار رانيا بدوى ٢٢/ ٦/ ٢٠١١
---------------------------------------------------
مازال الجدل مستمراً بين النخب السياسية حول وضع الدستور أولا، أم إجراء الانتخابات البرلمانية، وفى خضم الجدل تبرز من حين لآخر بعض الاقتراحات الخاصة ببنود الدستور، على شاكلة ضرورة أن يكون للقوات المسلحة وضع خاص فى الدستور الجديد، فى الوقت الذى ينشغل فيه الشارع بهوية الدولة، مدنية أم دينية؟، وما بين الخوف من سيطرة التيارات الدينية على المشهد، وصراع النخب حول الدستور، كان لابد من الرجوع إلى منصور حسن، وزير الثقافة والإعلام وشؤون الرئاسة الأسبق، لطرح التساؤلات، وعرض وجهة نظره حول مستقبل الوطن.

أكد «حسن» أن الصراع حول الدستور يهدد المجتمع بانقسام حاد، وحذر من خطورة تشبث كل طرف برأيه. وعلى الجانب الآخر لم يجد الرجل مبرراً للرعب الشديد من التيارات الدينية، مؤكداً أن تعاضدهم قبل الثورة ومنطق الطاعة العمياء لأولى الأمر، اختلف بعد الثورة، وظهرت عليهم أعراض أى منظمة سياسية أخرى، من اختلافات فى وجهات النظر، وربما الانشقاقات.. وإلى نص الحوار:

■ قدم البعض اقتراحاً بأن تنفرد القوات المسلحة بوضع خاص فى الدستور الجديد، فما تعليقك؟

- الدافع عند أصحاب هذا الرأى غالبا، أمر من اثنين، أو ربما الاثنين معاً، أولاً: هم يريدون أن تكون هناك ضمانة لعدم استغلال رئيس الجمهورية، القوات المسلحة فى مواجهة الشعب لمصلحة النظام، والسبب الثانى، أن تكون القوات المسلحة نفسها ضمانا لعدم سيطرة قوة سياسية ما على الحكم، تصل من القوة حد عدم احترام قواعد العمل الديمقراطى، لكن فى حقيقة الأمر، ومع تقديرى لهذه الدوافع الطيبة، فإننا يجب أن نثق فى الشعب ثقة كاملة، إذ أصبح هو صاحب القرار بعد ثورة ٢٥ يناير، ويجب أن نعتمد عليه اعتماداً كلياً، فهو الذى سيحمى نظامه السياسى، وقادر على ردع أى قوة سياسية تشذ عن قواعد العمل الديمقراطى السليم، وهذا هو الضمان الأساسى والوحيد الذى يمكن الاعتماد عليه.

■ بعض أصحاب هذا الرأى يبررون وجهة نظرهم بالتجربة التركية حيث كان الجيش يحمى علمانية الدولة؟

- الوضع هنا مختلف كلية، فتركيا لها ظروف مختلفة عن مصر، ومهمة الجيش هناك، كانت حماية نظام علمانى فرض على المجتمع لكى يتغير من جذوره، ويبتعد عن ميراثه الإسلامى، وكان التغيير جذرياً، فتغيرت مثلاً حروف الكتابة، والزى التركى، وكان الحرص على عدم ظهور أحزاب تدعو إلى هدم العلمانية شديداً، وهذا الإصرار من جانب الجيش على تثبيت النظام العلمانى، لم يمنع بزوغ الشعور الإسلامى من جديد، بعد ما يقرب من ٧٠ عاماً، فالحزب الذى يحكم الآن، والذى نجح فى الانتخابات ثلاث دورات متتالية، ذو مرجعية إسلامية، ومجرد وجوده، رغم اعتداله، يعد خرقاً للمبدأ الذى وضعه أتاتورك، وقد استطاع الحزب أيضا الحد من قوة الجيش فى النظام السياسى، أما فى مصر، فنحن لا نفرض نظاما ضد طبيعة المجتمع، بل نعود إلى الديمقراطية، إذن فنحن لا نحتاج إلى قوة قاهرة للحفاظ على النظام الجديد، بل يكفى أن الشعب هو المسؤول عن التغيير، ويجب أن نتعود على ذلك، بل وهو المسؤول عن حماية الجيش نفسه من تسلط الإدارة السياسية القادمة، إذا أرادت الإضرار به، وفى هذه الحالة سيكون الشعب مطالبا بالخروج إلى الشارع للحد من قوة الإدارة السياسية، التى تحاول الزج بالجيش فى عمل سياسى لا يقبله.

■ الجدل يدور منذ أسابيع حول معركة «الدستور أولا أم الانتخابات البرلمانية أولا»، إلى أى الفريقين تميل، وما رأيك فى شكل هذا الجدل؟

- رغم أننى مازلت أعتقد أنه كان من الأوفق أن نبدأ بوضع الدستور أولا، ثم البناء عليه بانتخابات برلمانية ورئاسية، فإننى للأسف أرى أن الحوار بين أنصار الدستور أولا وأنصار الانتخابات أولا، تطور وتفاقم بحيث أصبح يهدد المجتمع بالانقسام الحاد، وبهذه المناسبة يعيب البعض على المجتمع أنه قد لا يتحمل ممارسة الديمقراطية السليمة، لكننى أرى أن الأخطر من ذلك، هو أن تطول مدة الحوار بين طرفين حول موضوع واحد، دون أن تكون هناك محاولة منهما للوصول إلى حل يرضى الجميع، لأنه فى أوقات الخلاف هذه، يكون السعى الى التوافق أحد الأساليب المهمة فى النظام الديمقراطى.

■ وأمام تشبث الطرفين برأيهما، ما الحل من وجهة نظرك، هل ترى اللجوء إلى مجلس الدولة لحسم الخلاف؟

- بالنظر إلى ما وصلنا إليه من انقسام حاد، فأنا لا أحبذ أى فكرة تنصر طرفا على آخر، سواء بأخذ رأى مجلس الدولة، أو حتى بإجراء استفتاء جديد، لأن من الخطورة فى مثل هذه الموضوعات الحساسة، أن يكون هناك غالب ومغلوب، ولابد أن يسعى الطرفان، بجهود بعض القوى السياسية وبعض الشخصيات العامة والمتخصصين فى القانون الدستورى، أن يجدوا حلا توافقيا، يراعى مخاوف كلا الطرفين، ويحقق القاسم المشترك بينهما، وعندئذ سيجد المجلس العسكرى الفرصة متاحة أمامه ليصدر بياناً توضيحياً حول الموضوع، ويعتبر مكملاً للإعلان الدستورى.

■ لننتقل إلى مخاوف الشارع المصرى من سيطرة التيارات الإسلامية على الحكم، هل هناك مبرر واضح لكل هذا الخوف من جماعة الإخوان المسلمين، وتقلدهم السلطة فى الفترة المقبلة؟

- أشعر أن قطاعاً كبيراً من الرأى العام ينتابه هذا الخوف، ويرجع ذلك إلى كون الإخوان وحزب الوفد أقدم قوتين سياسيتين، لأنهما تواجدا فى بدايات القرن الماضى، وإن كان الوفد سبق إلى الوجود بعدد بسيط من السنوات، وطوال هذه المدة -أكثر من ٨٠ سنة- كان الإخوان يتعرضون لمحن شديدة جداً مع نظم الحكم المتعاقبة فى مصر، والنظام السابق اتبع معهم سياسة مختلفة، فلم تكن سياسة الهجوم والاعتقال والتعذيب هى المتبعة، كما كان يحدث فى السابق، بل اعتمد سياسة شل الحركة، أى لا تتركهم فى راحة بحيث يعملون بانطلاق، ولا تستفزهم إلى درجة الصدام المباشر، فيدخلون فى حرب تحت الأرض، وكان هذا واضحا لنا، حيث كان النظام يعتقل مجموعة ثم يفرج عن بعضها ثم يعتقل مجموعة أخرى وهكذا، ولا يقرب المرشد العام، رغم أنه لو كان هناك عداء، والنظام يريد كبح جماح الجماعة، كان من باب أولى أن يعتقل المرشد، لكنهم كانوا يعلمون جيدا أن اعتقاله معناه إعلان الحرب، والدخول فى صدام مباشر مع الجماعة، كانت هذه سياسة النظام الماكرة فى مواجهة الإخوان، وقد تجاوزت الجماعة هذه المحن بجدارة، بل وعملت التجارب على تقوية الروابط بينهم، وأدت إلى قوة الإخوان التنظيمية، وهى قوة جعلتهم فى موقع الصدارة من المنظمات السياسية الأخرى، فى الوقت الذى لم تكن هناك منظمات سياسية حقيقية، لذا كانت قوتهم ساطعة وظاهرة تماما، خصوصاً خلال الثلاثين عاما الماضية، وفى نفس الوقت كانت الغالبية تعانى من الحزب الوطنى الحاكم، وبالتالى كان الرأى العام يرى أن القوة الوحيدة التى تواجه الحزب هى الإخوان، وبالإضافة إلى القوة التنظيمية للجماعة، كان هناك قدر كبير من التعاطف الشعبى معها، وهذه العوامل جعلت منها قوة واضحة لا يستهان بها، وهذا الإحساس الذى تكون قبل ٢٥ يناير هو الذى يستدعيه الرأى العام أثناء تفكيره فى المستقبل، وبالتالى يشعر بالخوف من قوة الإخوان، خوفا يصل إلى درجة الرعب من أن يسيطروا على البرلمان والوضع السياسى فى البلاد، والبعض يسرف فى القول بأنهم لو تمكنوا من الحكم فلن يتركوه، وستنتهى العملية الديمقراطية.

■ إذن فهناك مبرر للخوف من صعود الإخوان؟

- رغم كل ما قلته من أسباب الخوف، فإننى فى حقيقة الأمر لا أرى أى داع له، لأن الوضع بعد ٢٥ يناير اختلف، والإخوان لم يعودوا مضطهدين، بالعكس فقد أصبح لهم وضع شرعى، ويعملون ويتحركون كما يريدون، منطلقين إلى أبعد حد بحكم تنظيمهم القوى، وفى الوقت نفسه، ليس هناك حزب وطنى، لكى تتحول النقمة عليه إلى رضا عن الإخوان، وفى هذا الوضع الجديد، من المنتظر أن يحدث عكس ما كان يحدث قبل ٢٥ يناير، فبدلا من أن تدفع العوامل المختلفة إلى توحيد صفوف الجماعة وصلابتها والتفاف الناس حولها، حدث العكس، بمعنى أن الوضع المريح الجديد، يضع الإخوان فى وضعهم الطبيعى فى الحياة السياسية، بحيث يكونون فى موضع التطور السياسى العادى لأى جماعة سياسية، ومن الممكن جدا أن تظهر الانشقاقات بينهم، وقد رأينا موقف الشباب فى ميدان التحرير من قيادات الإخوان، وهذا لا يتماشى مع المبدأ المعروف عنهم، وهو الطاعة العمياء، كذلك وجدنا قراراً بفصل الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح، أحد المرشحين المحتملين للرئاسة، بعدما شق وحدة الصف، وقرر ترشيح نفسه ضد إرادة الجماعة، فاتخذت موقفا ضده، ومع وجود حزب وليد للإخوان، من الممكن أن نتنبأ بأن قيادات الحزب، التى عينت من قبل مكتب الإرشاد، لن تكون كذلك فى المستقبل، وستكون القيادات الجديدة آتية من صفوف الحزب، وليس صفوف الجماعة، وليس من المستبعد أن يكون هناك اختلافات فى وجهات النظر بين الحزب والجماعة، إضافة إلى أن كثيراً من المحللين لا يعطون للإخوان فى تشكيلة مجلس الشعب القادم أكثر من ٢٠%، حسب رؤيتهم، وهذه النسبة ليست غالبة، والبعض يذهب الى أنه من المستحيل أن يحقق أى تيار أغلبية فى المجلس القادم.

■ لماذا؟

- لأن هناك أحزابا كثيرة الآن، وليست هناك قوة سياسية وحيدة، بحيث تنفرد بالوضع، لذا لا يوجد مبرر لهذا الخوف، فالإخوان قوة حقيقية، لكنها مثل باقى القوى الأخرى، تؤخذ فى الاعتبار، لكن لا تؤدى إلى هذا الإحساس بالرعب، وأخشى أن ينقلب الوضع لدى باقى القوى إلى الاستسلام، وهنا تكمن الخطورة، فيجب أن نفكر لمصلحة المجتمع، وإذا كان هناك احتمال بحصول الإخوان على نسبة من ٢٠ إلى ٢٥ % فى البرلمان المقبل، فهناك ٧٥% من المقاعد متروكة للقوى السياسية والأحزاب الجادة.

■ يقال إنه حتى لو توافرت مقومات وعوامل العمل السياسى الجاد، فإن الوقت غير كاف؟

- إذا عملت الأحزاب بجدية فمن الممكن أن تحقق شيئا، بدلا من القول إنهم يخافون الإخوان، وغير جاهزين للانتخابات، أما إذا سادت روح الاستسلام بينها، فليتركوا الساحة للإخوان ولينتهى الأمر.

■ شهدت الساحة السياسية مؤخراً اجتماعاً بين الإخوان وحزب الوفد وبعض التيارات الأخرى للتوافق فيما يخص الانتخابات المقبلة، فما تقييمك لهذه الخطوة، وهل يمكن أن تتلاقى مصالح تيارات تختلف تماما فى الفكر والأيديولوجيا؟

- مع تقديرى للنوايا الطيبة التى تدفع إلى مثل هذا التعاون، لكننى أتمنى أن يكون التعاون فى حدود الاتفاق حول مسائل عامة، لا ينبغى أن تصل الأمور الى درجة الاتفاق والتنسيق فيما بينهم فى الانتخابات المقبلة، كما لا أتمنى أن يصل الوضع إلى درجة تشكيل تحالف سياسى على مستوى الحكم.

■ وما الذى يضر البلاد من تحالف الإخوان والوفد؟

- هذا ضد العمل الديمقراطى، لأن الديمقراطية الصحيحة، التى يستحقها الشعب المصرى، تقتضى أن يكون هناك فريق فى الحكم، وآخر فى المعارضة، لمصلحة الديمقراطية، حيث يجب أن تكون هناك مجموعة تحكم، وأخرى تراقب وتحلل وتنتقد وتقدم البدائل، وإذا حدث غير ذلك، فهذا افتئات على حق الشعب، فمن حقه أن تكون لديه أداة للرقابة على الحكومة، أما أن يتفقوا معا على أن يحكموا جميعا ويحرموا الشعب من هذه الأداة، فهذا إخلال بحق الشعب فى الديمقراطية.

■ وهل ينطبق هذا الكلام على اتفاقهم الذى يقضى بأن تكون الحكومة المقبلة حكومة وحدة وطنية؟

- أرفض أن تكون الحكومة المقبلة حكومة وحدة وطنية مؤلفة من جميع الأحزاب والتيارات السياسية، فإذا كان الجميع سيحكم، فمن إذن سيمثل الجانب الآخر؟، فالشعب يبنى قناعات، ويتخذ قراره من خلال الحوار والخلافات بين القوى السياسية المختلفة، هذا التيار يقول شيئا، والآخر يعترض، ويقدم مبرراته، والثالث يسوق أفكاراً جديدة، وهذه هى الحالة الديمقراطية السليمة. لكن دعينى أؤكد أنه لا مانع لدى من هذا التوافق، إذا وجدت كتلة معارضة أخرى تواجه الاثنين معا، المهم ألا تترك الساحة السياسية لتآلف موحد دون معارضة، مهما كانت النوايا الحسنة التى تدفع إلى ذلك.

■ هل يمكن أن تقبل القوات المسلحة رئيسا لمصر ذا خلفية دينية، أو أن تتولى الحكم امرأة، خاصة أن رئيس مصر هو فى الوقت نفسه القائد الأعلى للقوات المسلحة؟

- بعد تضامن القوات المسلحة مع الشعب فى ثورة يناير، ستقبل فى رأيى إرادته مهما كانت.

■ وماذا عن رضا أمريكا وإسرائيل عن الرئيس القادم، هل سيتركون الشعب يختار رئيسه حتى لو أتى للحكم مرشح ضد مصالحهما؟

- القول إن الرئيس القادم لمصر يجب أن يحظى برضا أمريكا وإسرائيل خاطئ، خصوصا بعد ثورة ٢٥ يناير، فهذا الرأى ربما كانت له ظلال من الحقيقة عندما كانت سياساتنا تعتمد على «المشى جنب الحيط»، أما الآن فلا يجوز أبداً أن يطرح هذا الرأى فى ساحة الخطاب السياسى، حتى لو تصور البعض أنه واقعى، لأننا لن نسمح لأى طرف بأن يتدخل فى شؤوننا الداخلية بأى صورة من الصور، وإلا لماذا قامت الثورة.

■ ما رأيك فى مؤتمرات الحوار والوفاق الوطنى التى شغلت الفصائل السياسية طوال الأسابيع الماضية؟

- لا شك أن فكرة الحوار الوطنى مهمة، بعدما انتقلنا من الديكتاتورية الى الحرية، وأصبحت الإرادة فى يد الشعب، وأصبح الباب مفتوحاً لإجراء حوار ومناقشة السياسات والتفكير فى المستقبل، ولم يعد الأمر كما كان فى السابق، وهو ان يظل الشعب ساكنا، فى حين أن هناك فرداً فى القيادة يفكر ويخطط، إذا كان يفكر بالفعل، ولعله من المناسب هنا أن أوضح أنه منذ أن خلقت مصر لم يكن الشعب المصرى أبدا يتحكم فى تقرير مصيره بإرادة حرة لا تخضع إلى ضغط أجنبى أو داخلى، منذ حكم الفراعنة مروراً بالإغريق والرومان والعثمانيين والإنجليز، المرة الوحيدة التى سيكون الشعب المصرى حراً فى بلده، وهو صاحب السيادة والرأى الأخير، هذه الأيام، وهذه منحة حصلنا عليها، لذا يجب التمسك بها والدفاع والقتال من أجلها. وبالتالى فالحوارات أمر مطلوب حاليا ومستقبلا، لكننى أرى أن الحوار الوطنى بدأ بقيادة الدكتور يحيى الجمل ثم انتقل إلى الدكتور عبدالعزيز حجازى ثم قيل إن الدكتور يحيى الجمل يقود حواراً جديداً يسمى الوفاق الوطنى، وهو متعلق بالدستور، أما الآخر فمتعلق بالشؤون العامة، وأعتقد أن الغرض من هذه الحوارات ليس واضحاً لدى عدد كبير من الناس، ويثير العديد من التساؤلات على شاكلة: لمن ستقدم توصيات ونتائج هذه الحوارات؟ وما مدى الالتزام بتفعيلها؟، وهل كل التوصيات سيتم تفعيلها الآن أم مستقبلا؟ وما الضمانات التى تلزم المؤسسات فى المستقبل بنتائج حوارات تمت فى فترة سابقة؟، هذه الأسئلة تثار وتقلل من ثقة الرأى العام فى أهمية هذه الحوارات .

■ البعض يقول إن الثورة ضاعت، فما تعليقك؟

- الإحساس بضياع الثورة موجود لدى البعض، وهذا جزء من القلق العام والارتباك الذى شعرنا به بعد نجاحها فى ١١ فبراير، وأحيانا يزداد الشعور بالقلق لعدم اتخاذ قرارات متلاحقة بالسرعة المطلوبة، وهذا الطرح فى محله، لكننا لكى لا نبرر ما يحدث، يجب أن نراعى أن ثورتنا لم تكن بقيادة حزب من الأحزاب أو قوة معينة، بل كانت ثورة شعبية بمعنى الكلمة، وحتى الآن لا نعرف لها قائداً أو زعيماً، وهو ما جعل هناك طرفين: الثائر والحاكم، بعكس كل الثورات التى يقوم بها حزب أو قوة سياسية ما تتقلد هى الحكم بعد ذلك وتنفذ أهداف الثورة. لكن ما حدث فى مصر أن الثورة العظيمة لم تسيطر على مقاليد الحكم، وكل ما فعلته أنها استجمعت قوتها للإطاحة برأس النظام السابق، وأصبحت هناك قوات مسلحة تسلمت الحكم، وشباب ثورى يطالب ويدعو إلى تحقيق أهداف الثورة، وهنا تجب الإشارة الى أنهما ليسا فريقين متضادين، لأن إسهام القوات المسلحة فى الثورة بعدم التدخل لقمعها، واختيارها الانضمام إلى الشعب فى مطالبه، كان عاملا أساسيا فى نجاح الثورة، ورغم أنهما فريقان، واحد فى الحكم والثانى فى الشارع، فإنهما ينطلقان من موقف موحد.

■ لكن مازالت هناك فجوة بين المطالب ومدى الاستجابة لها؟

- نعم، الفجوة موجودة، لذا يجب أن تبذل الجهود لتضييقها الى أقصى درجة ممكنة لكى تتحقق المصلحة العامة ويستمر زخم الثورة والفرحة بها، ولا يجب أن يصل الوضع إلى حد الإحساس بضياع الثورة، فالثورة تضيع عندما نضيع نحن، وإذا كان الناس غير قادرين على حمايتها، فهم إذن لم يكونوا جديرين بها، ويجب ألا نتصور أن الثورة يمكن أن تُسرق أو تضيع منا، فالشعب الذى استطاع أن يطيح بأعتى الأنظمة الأمنية فى العالم سيتحرك مرة واثنتين وثلاثاً ليحافظ على ما حصل عليه من سلطة وحرية فى بلده، وميدان التحرير موجود.

■ هل لديك تفسير لتدخل حلف الناتو فى ليبيا وعدم تدخله فى سوريا، وما تقييمك للمشهد العربى الآن؟

- لاشك أن نجاح الشعب فى إسقاط النظام فى مصر وتونس، ينبئ بأن هذه الموجة ستمتد إلى بعض الدول العربية، خصوصا الجمهوريات الديكتاتورية ومنها سوريا وليبيا واليمن، ولا شك أن أى عربى قومى مخلص ينحاز الى الشعوب العربية ضد أنظمة الحكم، التى تخطت عمرها الافتراضى بكثير، خصوصا أنها لم تكن تقوم على شرعية حقيقية من البداية، ومن المؤسف أن قادة هذه الدول فى ليبيا وسوريا واليمن بعد أن حكموا لعشرات السنوات، لم يقدموا إنجازات وطنية ويتمسكون بسلطتهم إلى درجة الدفع بالبلاد إلى حرب أهلية، واستعمال الجيش ضد الشعب فى القتل والترهيب، وهذا يضعهم فى مصاف مجرمى الحرب وليس مصاف الحكام.

أما عن تدخل الناتو فى ليبيا وعدم تدخله فى سوريا فالأمر ببساطة يكمن فى وجود مصالح غربية فى ليبيا، أولا لأنها أقرب إلى دول حلف الأطلنطى جغرافيا بينما سوريا أبعد قليلا، ثانيا لوجود البترول بغزارة فى ليبيا، أما سوريا فهى مجاورة للبنان من ناحية وهم يرون أن الوضع فى لبنان حساس بحيث لا يريدون أن يكونوا طرفا فى إثارة أى مشاكل من الممكن أن تؤثر على لبنان لحساسية الوضع هناك وجوار اسرئيل من ناحية أخرى، لذا لا يتدخلون لحساسية وضع سوريا مع إسرائيل. فالمصالح هى التى تحكم تحركات حلف الناتو بالدرجة الأولى.


--------------
نشرت في المصري اليوم بتاريخ 22-6-2011
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=301215

المستشار عدلي حسين

إحالة قضايا رموز النظام السابق للمحاكم العسكرية ستعرقل استرداد الأموال المهربة
-----------------------------------------------------------
حوار رانيا بدوى ١٧/ ٦/ ٢٠١١
---------------------------------------------------------
أكد المستشار عدلى حسين، محافظ القليوبية السابق، أن التصريحات التى أدلى بها اللواء منصور عيسوى، وزير الداخلية، للإعلامية منى الشاذلى، حول عدم التفريق بين شهداء الثورة، وضحايا الهجوم على أقسام الشرطة، بمثابة وثيقة يمكن الاستعانة بها لصالح الضباط المتهمين بقتل المتظاهرين خلال أحداث ٢٥ يناير وما بعدها، إذ يمكن لشهادته أن تلعب دورا مؤثرا فى سير المحاكمات.

وأشار «حسين» فى حواره مع «المصرى اليوم» إلى قضية أخرى فى منتهى الخطورة، من وجهة نظره، تتعلق بقانون بناء دور العبادة الموحد، الذى يثير عددا من التساؤلات حول تعريف دور العبادة، وهل سيشمل القانون الأديان السماوية الثلاثة: الإسلام والمسيحية واليهودية فقط، أم من الممكن أن نشهد بناء دور عبادة للطوائف المختلفة داخل الدين الواحد، كبناء دار عبادة للبهائيين وأخرى للشيعة بخلاف أماكن عبادة طوائف المسيحية، والأديرة اليهودية، وإلى نص الحوار:

■ أوضح اللواء منصور عيسوى، وزير الداخلية، فى حواره مع الإعلامية منى الشاذلى، أنه فى فترة اندلاع أحداث الثورة، لم تحرر أى محاضر عن القتلى، لبيان ما إذا لقوا حتفهم فى الميدان، أم أثناء الهجوم على أقسام الشرطة، وبالتالى لم تعرض على النيابة العامة محاضر موثقة للأحداث، فما تعليقك؟

- وزير الداخلية ألقى الضوء على نقطة قانونية وإجرائية فى غاية الأهمية، أعتقد أنها فى صالح بعض المتهمين من رجال الشرطة الماثلين أمام القضاء الآن، بعدما كشف فى حديثه عن عدم التفرقة بين المتوفين فى المظاهرات السلمية، والذين توفوا داخل أقسام الشرطة أو أمامها، وهؤلاء كانوا يستهدفون سرقة السلاح وإخراج السجناء، وذكر أنه لم تحرر محاضر بشأن هذه الوقائع فى حينها نتيجة إحراق وتدمير مراكز الشرطة المختلفة، ولم تقدم للنيابة العامة، حسبما صرح الوزير، أى محاضر من هذا النوع، وأعتقد أن هذا الإيضاح من جانبه سيكون له أثر كبير فى المحاكمات الدائرة الآن.

■ بمناسبة التحقيقات التى تجرى الآن مع رموز النظام السابق فى انحرافات ومخالفات متنوعة، فقد لوحظ تكليف قضاة تحقيق، بخلاف النيابة العامة، لتولى قضايا معينة، فهل لذلك أصل فى القانون؟

- نعم له أصل فى قانون الإجراءات الجنائية على وجهين: الأول أنه للنائب العام أن يطلب من رئيس المحكمة الابتدائية المختصة ندب قاض لإجراء تحقيق فى قضية معينة، أما الآخر فهو، لوزير العدل أن يندب أحد مستشارى «قضاة» محكمة الاستئناف بعد موافقة الجمعية العمومية للمحكمة للتحقيق فى جريمة معينة، وذلك حسب الظروف التى تحيط بكل واقعة، وقد يكون لدى النيابة العامة مانع يدفعها إلى الطلب، وفى كل الأحوال، يلتزم قاضى التحقيق بكل القواعد المنصوص عليها فى القانون السابق، سواء بضرورة وجود محام للتحقيق أو اختيار مكان محايد لإجراء هذه التحقيقات بعيدا عن تأثير أى سلطة فى الدولة.

■ من أهم مشروعات القوانين المطروحة الآن بعد الثورة، قانون دور العبادة الموحد، وهناك من يؤيده درءا للفتنة، وآخرون يتحفظون عليه، وأعتقد أنك منهم؟

- ليست لدىّ تحفظات، بل تساؤلات، وأرجو أن يكون المشروع الذى أعده مجلس الوزراء لعرضه على المجلس العسكرى لإصداره، رداً على التساؤلات الأساسية التى طرحتها ذات مرة فى محاضرة لى بكنيسة شبرا قبل أحداث ثورة يناير بشهور، وفى حضور قيادات دينية وكنسية، وأرى أن هذا القانون لابد أن يعرّف دار العبادة تعريفا دقيقا، ومن المفترض أن دار العبادة تشمل المسجد والكنيسة والمعبد أو أى تسميات أخرى مناظرة، فهل تحقق ذلك فى المشروع أم لا؟ هل أجاب عن الأشخاص المخاطبين بهذا القانون، أو بمعنى آخر، هل اقتصر على تنظيم دور العبادة للأديان السماوية الثلاثة: الإسلام والمسيحية واليهودية؟، فهنا قد يطالب بعض نشطاء حقوق الإنسان فى الداخل أو الخارج بمساواة أتباع الأديان الأخرى غير السماوية بغيرهم، وهناك تساؤل آخر: هل سيتم التصريح ببناء دور عبادة لأصحاب الطوائف داخل العقيدة الواحدة مثل الشيعة والبهائيين وغيرهم ممن يصرون على أنهم منتسبون للإسلام، إذا قدموا طلبات بذلك؟، فى المقابل، تضم الديانة المسيحية الأرثوذكس، والكاثوليك، والبروتستانت الإنجيليين، والإنجليكانيين، والأدفنتست، وهناك من ينازع الكنيسة الأرثوذكسية الآن، وله كنيسة فى المقطم، فما العمل إذا تقدم بطلب بناء دور عبادة له فى مدن مختلفة بدعوى أن له أتباعا؟، وكذلك اليهود بطوائفهم المتعددة، ماذا لو تقدموا بطلبات لإنشاء معابد جديدة، بدعوى أن لهم أتباعا فى هذه المناطق؟ وكما ذكرت سابقا، فليس فى المشروع تعريف محدد لدور العبادة، على حد ما قرأت فى الصحف، بل ذكر فقط عبارة الأديان المعترف بها فى مصر، وعلى حد علمى، فليس هناك قانون يحدد ما هى الأديان المعترف بها هنا، إلا إذا كان القانون يقصد الأديان الثلاثة السماوية، وحتى لو افترضنا ذلك، فالقانون لم يبين ما إذا كان النظام القانونى المصرى يعترف بالطوائف والملل المختلفة لأصحاب هذه الأديان. ونأتى لمواصفات دور العبادة، هل سيتجه القانون إلى توحيد المساحات أم سيعتمد معايير أخرى؟، وبالنسبة لبعض المنشآت المسيحية كالأديرة التى تتبعها مئات الأفدنة، هل سيسمح لباقى دور العبادة بأن تمتلك المساحات ذاتها الأفدنة ذاتها؟، وهل ستبنى دور العبادة وفقا للأعداد السكانية؟، فتحديد مساحة دار العبادة، واشتراط مسافة الألف متر بين كل مبنى وآخر قد يثيران أيضا بعض المشكلات، وأتساءل أيضا: هل عالج المشروع المساجد الموجودة فى المصالح والمنشآت المختلفة وبعض المدارس والجامعات؟، وما شأن الأشكال الأخرى لدور العبادة؟ وكلها تساؤلات لابد أن يجيب عنها القانون ويحسمها درءا للمشكلات التى قد تنجم بعد صدوره.

■ هل من مخرج أسهل وأسلم لهذه التساؤلات يرضى المسيحيين؟

- فى الظروف الراهنة، ونتيجة لما استقر عليه الأمر من بناء المساجد على وجه التحديد، يجب الاكتفاء بتنظيم ميسر دون تعقيد لبناء الكنائس وترميمها، ويمكن البدء بأن تحدد قيادة الكنيسة احتياجاتها من الكنائس الجديدة فى كل محافظات مصر لعشر سنوات مقبلة، والترخيص بها، والانتهاء من هذا الملف نهائيا.

■ لننتقل إلى ملف استرداد الأموال المهربة، ما الثغرات التى قد ينفذ منها البعض لعرقلة استرداد هذه الأموال؟

- من المتفق عليه أنه لابد من توافر شروط أساسية لاسترجاع هذه الأموال من الجهات الأجنبية المودعة لديها، أولا: أن يكون هناك حكم نهائى غير قابل للطعن صادر من محكمة مدنية وليست عسكرية باسترداد الأموال، ثانيا: أن تتوافر جميع ضمانات المحاكمة، وتتمثل فى القاضى الطبيعى وضمانات الدفاع، ثالثا: أن يكون قضاء الدولة مستقلا وفقا للمعايير الدولية، فى هذه الحالة تقبل الطلبات لاسترجاع أى أموال مهربة للخارج.

■ معنى ذلك أن الدعاوى التى تطالب بتحويل قضايا محاكمة النظام السابق للمحاكم العسكرية لضمان سرعة الفصل فيها، قد تخرج بنتائج عكسية فيما يخص استرداد هذه الأموال، لو تم الأخذ بها؟

- لا يمكن أن تعد الأحكام الصادرة فى هذا الشأن حال إحالة قضايا نهب الأموال وتهريبها للخارج والاستيلاء عليها أو اختلاسها، إلى القضاء العسكرى، سندا صحيحا ومقبولا لاسترداد الأموال من الخارج.

■ ما معنى استقلال القضاء وفقا للمعايير الدولية؟

- المعلوم عن معايير استقلال القضاء فى أى بلد أن تكون السلطة القضائية غير خاضعة لأى سلطة أخرى فى الدولة، كالسلطة التنفيذية أو التشريعية، وأن يكون تعيين القضاة فيها وفقا لقواعد موضوعية، وأن يكونوا مؤهلين لهذه المهمة دون رقابة عليهم، إلا ما يشترطه القانون من إجراءات التقاضى والطعون القانونية والقضائية المعروفة.

■ لكن البعض يرى أن هذه المعايير غير متوافرة فى القضاء المصرى ما قد يسهّل الطعن على استقلاله وعدم الاعتداد بأحكامه؟

- القضاء المصرى له سمعة عالمية دولية، ومشهود باستقلاله، والجميع يعرف حرية القضاة فى إصدار الأحكام دون رقيب عليهم سوى ضمائرهم، وأحكام القضاء المصرى مشهودة، ويتم تدريسها فى كليات الحقوق والمعاهد القانونية فى كثير من الدول، خصوصا البلاد الأوروبية مثل فرنسا وإيطاليا وبلجيكا، لذا أرجو، مخلصا، أن يبتعد الناس والكتاب وغيرهم، عن الطعن فى أحكام أو قرارات القضاة على صفحات الصحف وفى وسائل الإعلام، أو التعرض لقضاة ينظرون قضايا معينة، أو وصف القضاء المصرى بعدم الاستقلالية.

■ طالب المستشار زكريا عبدالعزيز والمستشار هشام البسطويسى بإصلاح القضاء، وأكدا مرارا تدخل السلطة التنفيذية فى شؤون القضاء، وصرح المستشار الخضيرى من قبل بوجود قضاة غير مستقلين؟

- أرجو أن نفرق بين دعاوى الإصلاح وتعزيز استقلال القضاء، وبين الطعن فى القضاء المصرى، ووصفه بأنه غير مستقل، فكل هؤلاء الزملاء القضاة يستهدفون تعزيز استقلال القضاء وتقوية سلطاته بمثل هذه المقترحات والآراء، نتيجة للظروف المتغيرة فى المجتمع، والتى تستدعى تحقيق هذه المطالب.

■ أليس من الممكن أن تعطى هذه المطالب فرصة للبعض للادعاء بأن القضاء المصرى غير مستقل، لذا لا يجب الاعتداد بأحكامه، ومن ثم عدم رد الأموال المهربة؟

- نعم، ممكن جدا، وهنا ستنتقل المنازعات إلى المحاكم الدولية، لأن شرط نظر المنازعات أمام أى محكمة دولية هو ثبوت عدم استقلال القضاء فى الدولة المعنية، لذا أخشى فعلا من أن يلجأ أصحاب المصالح إلى هذا الأسلوب، مستشهدين بهذه الآراء والتصريحات فى وسائل الإعلام، لنقل هذه المنازعات إلى الخارج، وفى هذه الحالة سنكون أمام مأزق قانونى وقضائى كبير لا داعى له، وأفضل أن تكون المناقشات الرامية إلى الإصلاح داخل بيت القضاء، وليس خارجه، حتى لا تهتز صورة السلطة القضائية أمام المواطنين.

■ ما المنازعات التى يمكن أن تكون محلا لهذه التطبيقات، ويمكن نقل النزاع فيها إلى المحاكم الدولية؟

- المنازعات الخاصة بالاستثمار والعقود المبرمة بين الدولة ومستثمرين أجانب، والقضايا المتعلقة بحقوق الإنسان والحريات العامة، مثل قضايا التعذيب وتكوين الأحزاب وبطلان الانتخابات، وكل ما يتعلق بعناصر الحكم الرشيد.

■ معنى ذلك أن قواعد القانون الدولى الآن امتد نطاقها إلى الشأن الداخلى للبلاد؟

- نعم، فالقانون الدولى التقليدى الذى درسناه فى كليات الحقوق، كان يحدد أطرافه بالدول والمنظمات الدولية والإقليمية، ولا يجوز التدخل فى الشؤون الداخلية للدول، أما الآن، وقد اتسع نطاق القانون الدولى بعد إنشاء المحاكم الدولية مثل المحكمة الجنائية الدولية ومحاكم حقوق الإنسان والمحكمة الأوروبية وغيرها، حيث امتد الاختصاص إلى الأفراد وحماية المواطنين فى كل دولة، بدعوى حماية حريات الحقوق العامة، ورأينا تطبيقات عديدة فى هذا الشأن مؤخرا، مثل القرار الذى صدر بحق الرئيس البشير فى السودان، والعقيد القذافى فى ليبيا، وقضية اغتيال الرئيس الحريرى فى لبنان، والمطالبة بالإفراج عن بعض المعتقلين فى عدد من الدول.

■ الوضع القانونى للاستثمار فى مصر بعد الثورة أصبح مقلقا للمستثمرين مما سينعكس على الاقتصاد المصرى، فما تقييمك لهذا الوضع؟

- الاستثمار يقوم على عناصر مهمة فى الأصل، أولها: تحقيق الأمن حتى يطمئن أصحاب رأس المال، ثانيا: لن يأتى استثمار خارجى دون استقرار الاستثمار الداخلى أولا، لأن رجل الأعمال الأجنبى لا يستثمر فى بلد إلا بعد أن يطمئن إلى أن رجل الأعمال الوطنى استثمر قبله داخل وطنه، ثالثا: أن يطمئن المستثمر إلى وفاء الدولة بالتعهدات والاتفاقات والعقود التى تم إبرامها معه، وآلية حل النزاع الذى قد يثور أثناء تنفيذ هذه الاتفاقيات، أقصد آلية القضاء أو التحكيم الداخلى أو الخارجى المتفق عليها، رابعا: أن يطمئن المستثمر إلى سهولة تحويل أرباحه للخارج وقتما يريد، هذه هى قواعد ضمانة الاستثمار، ودونها لن يقوم استثمار.

■ سيكون لمجلس الشعب القادم حق إسقاط الحكومة، فما ضمانة المستثمر الذى تعاقد مع حكومة أسقطت، وهو الوضع نفسه الذى يعانيه بعض المستثمرين الآن ممن تعاملوا مع النظام السابق؟

- هذه إشكالية كبيرة لابد من حسمها، وقد قرأنا أن مجلس الوزراء شكل لجنة على مستوى رفيع لحل هذه المنازعات، والخوف من أن يلجأ المستثمر المتضرر إلى التحكيم الخارجى، الذى سيكون فى صفه فى أغلب الأحوال، ولدينا مثال سابق وهو قضية سياج الشهيرة.

■ وما الحل إذن؟

- من المفترض أن العقود والاتفاقات لا يجوز إبطالها إلا إذا كان هناك غش وتدليس شارك فيه المستثمر، لذلك أعتقد أن بث الطمأنينة فى نفوس المستثمرين الوطنيين والأجانب يكون بنص فى قانون الاستثمار يبرز هذا المعنى ويؤكده ويضمنه، بمعنى النص على أن الاتفاقات المبرمة مع الجهات الحكومية المختلفة مصونة إلا إذا شابها غش وتدليس.

■ ماذا لو تم التعاقد مع مستثمر ما على أرض، قيل بعد ذلك إنها أقل من السعر الطبيعى؟

- لو لم يلجأ المستثمر إلى الغش والتدليس، تقع المسؤولية هنا على الحكومة، وإلا سيلجأ المستثمر وقتها إلى التحكيم الدولى مثلما قد يحدث الآن إذا لم تتدخل الحكومة لحل الأزمة، وهو ما يضعنا فى مأزق كبير.

■ وفقا للقانون الدولى، هل يمكن تعديل بعض بنود اتفاقية كامب ديفيد، كما جاء فى البرامج الانتخابية لبعض مرشحى الرئاسة المحتملين، خاصة أن شركة غاز شرق المتوسط أخطرت مصر رسميا بلجوئها إلى التحكيم الدولى بسبب ملف تصدير الغاز؟

- بصرف النظر عن الأمور السياسية، فهذه التزامات واتفاقيات دولية يجب الالتزام بها، أما عن إمكانية التعديل، فمن الممكن تعديل بعض البنود، لكن لابد من موافقة طرفى المعاهدة على هذا الإجراء، ولا يجوز أن يجرى التعديل من جانب واحد.

■ وماذا إذا لم يوافق الطرف الآخر؟

- وقتها يمكن تقديم ما يثبت وقوع ضرر أشد من روح الاتفاقية، بمعنى أن أى اتفاقية لابد أن يكون بناؤها الأساسى التوازن بين الحقوق والالتزامات لدى الطرفين، وإذا ما تبين أن هناك خللا فى هذا التوازن بحيث أصبح التنفيذ من جانب أحد الأطراف عبئا شديدا، أو يضر ضررا جسيما بمصالحه، فيستطيع اللجوء إلى الجهة المتفق عليها فى الاتفاقية.

■ ما تعليقك على أزمة إحالة قضاة للتحقيق بقرار من وزير العدل بناء على مذكرة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة؟

- كنت أرى طلب مذكرة من القضاة المعنيين دون التعرض لإجراء تحقيق، ونحن معتادون فى الهيئة القضائية على هذا الإجراء، وهو الاكتفاء بتقديم مذكرات لتوضيح موقف القاضى المشكو فى حقه، وأعتقد أن قرار التحقيق هو ما أثار القضاة، واعتبروه مساسا بحريتهم واستقلالهم، وعلى كل حال فإن وزير العدل ترك الأمر برمته لمجلس القضاء الأعلى، الذى أنهى هذه الأزمة بطريقة مناسبة جدا، تحفظ لجهتى القضاء العادى والعسكرى الاحترام والوقار.

■ هل تعتقد أن القرار كان سياسيا بهدف إرضاء المجلس العسكرى؟

- من حق أى جهة، سواء المجلس العسكرى أو غيره، التقدم بمذكرة ما دام يرى أن هناك من أخطأ فى حقه، وقد قدمت مذكرة من القضاء العسكرى، كان يتعين الرد عليها، لكن أسلوب الرد هو محل الخلاف، وأعتقد أن إحالة القضاة المعنيين للتحقيق لم يكن إجراء مناسبا.

■ هذه الأزمة أعادت إلى السطح معضلة وضع القضاء العسكرى، ففى الوقت الذى قال فيه بعض القضاة إنه قضاء استثنائى، رد اللواء ممدوح شاهين، أحد أعضاء المجلس العسكرى، بأنه قضاء طبيعى، فما رأيك؟

- هذه المسألة تثار دائما عندما يقدم مدنى للمحاكمة العسكرية، وتكون المشاكل المطروحة حول حماية المدنيين وتوفير الضمانات لهم فى المحاكمات أمام قاض طبيعى، مثل ضمانات الدفاع والحرص على قاعدة الطعن فى الأحكام أمام درجات التقاضى المختلفة، وأهم المشكلات التى أثيرت فى هذا الصدد ما تنص عليه المادة ١٧٩ من الدستور الملغى، وتعطى لرئيس الجمهورية الحق فى إحالة أى جريمة من جرائم الإرهاب إلى أى جهة قضاء منصوص عليها فى الدستور أو القانون، فكان المفهوم من ذلك بالضرورة تحويل المدنيين إلى محاكمات عسكرية، وهذا ما كان القضاة يرفضونه، ومعهم كل أعضاء منظمات حقوق الإنسان، لكن يجب التفرقة بين اختصاص القضاء العادى والقضاء العسكرى، فالقضاء العسكرى فى حدود اختصاصه يتصدى لمحاكمة العسكريين أو جرائم التعدى على القوات المسلحة، ومن هنا فهو قضاء طبيعى، ويغدو القضاء العسكرى استثنائيا فى غير هذه الأحوال، مثل محاكمة المدنيين، وهذه المادة أدخلت فى استفتاء مارس ٢٠٠٧، والحمد لله أنها ألغيت وعادت الأوضاع إلى طبيعتها.

■ لكن الواقع يؤكد إحالة البلطجية واللصوص ومثيرى الشغب كل يوم إلى محاكم عسكرية؟

- هذه فترة مؤقتة ستنتهى بانتهاء حالة الطوارئ.

■ أثيرت فى الأونة الأخيرة إشكالية حرية القاضى فى مناقشة الأمور العامة، وضرورة حصوله على إذن قبل الخروج على وسائل الإعلام، فإلى أى مدى تتاح للقاضى حرية التعبير عن رأيه؟

- الجميع يتفق على أن القضاة محظور عليهم العمل بالسياسة، والانضمام للأحزاب، أما إبداء الآراء فى الشؤون العامة، فهذا أمر غير محظور، وصدر من مجلس القضاء الأعلى توجيه بهذا الشأن للقضاة، بهدف حمايتهم من الانزلاق فى مأزق إبداء آرائهم بشأن قضايا منظورة أمام القضاء أو محل تحقيق، وهو ما يجب أن يبتعد عنه القضاة، أما ما يتعلق بالقضايا العامة التى تمس الوطن، فالقاضى مثل أى مواطن، والمعيار الذى أراه لأى قاض فى هذا الشأن، هو أن يفكر قبل الإدلاء برأيه فى أى مسألة للإعلام، فيما إذا كان الموضوع مطروحا أمام القضاء أم لا؟ فإذا كان الأمر كذلك، أرى الابتعاد عن مناقشته.

■ تحدثت عن الفرق بين إصلاح القضاء والحديث عن استقلاله، فإلى أى مدى ترى أنهما منفصلان؟

- لا شك أن إصلاح القضاء يدعم استقلاله، لكن يجب التفريق بينهما، فإصلاح القضاء يتم أولا بنقل تبعية التفتيش القضائى لمجلس القضاء الأعلى بدلا من وزير العدل، علما بأن هذه المسألة يجب ألا تأخذ أكبر من حجمها، لأن من هم فى درجة المستشارين، بصرف النظر عن تسميتهم بالقضاة، لا يخضعون للتفتيش الفنى على أعمالهم، وكذلك إلغاء ندب القضاة للمصالح الحكومية، والحل يكون بزيادة رواتبهم حتى لا يسعون للندب لتحسين أوضاعهم المعيشية، إضافة إلى العناية بالمصالح المعاونة مثل الطب الشرعى، وتطوير كل الآليات المساعدة للقضاة من إدخال عناصر التكنولوجيا فى كل المحاكم، وتطوير الأبنية وغيرها، وهو ما يحتاج دعما ماليا وفنيا، لكنه ليس بالأمر الصعب.

■ ما تقييمك لعلاقة وزير العدل بنوادى القضاة؟

- انقطعت بعد عهد المرحوم المستشار فاروق سيف النصر، وبالتالى صارت هناك فجوة بين الوزارة ونوادى القضاة يتعين علاجها، لصالح القضاة والقضاء حتى لا تحدث حالات سوء التفاهم التى تتزايد وتتراكم نتيجة هذه القطيعة.

----------------------
نشرت في المصري اليوم بتاريخ 17/6/2011
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=300592

بهاء طاهر

الروائى والأديب العالمى فى حوار ساخن لـ«المصرى اليوم» (١ - ٢) :
مصر غير قابلة للتحول إلى دولة دينية إطلاقاً.. لأننا نفكر بمنطق «اللى يعوزه البيت يحرم على الجامع»
---------------------------------------------------
أجرت الحوار رانيـا بـدوى ١٣/ ٦/ ٢٠١١
---------------------------------------------------
كما قال «جورج كليمنصو»، رئيس وزراء فرنسا، خلال الحرب العالمية الأولى، «الحرب أخطر من أن تترك للجنرالات وحدهم».. أيضا السياسة أخطر من أن تترك للسياسيين وحدهم .. فلابد من دور للمثقفين والمبدعين، لأنهم، على حد قول الروائى الكبير بهاء طاهر، هم ضمير الأمة، والأمة التى لا تستعين بمثقفيها أمة بلا ضمير ينبهها ويستوقفها إذا ما أخطأت، ويراجعها إذا ما وقعت فى المحظور.

المبدع بهاء طاهر إحدى القمم الروائية فى مصر والعالم العربى، حاصل على عدد من الجوائز الكبيرة، منها جائزة البوكر العالمية عن روايته «واحة الغروب»، وجائزة أفضل رواية مترجمة فى إيطاليا عن روايته «خالتى صفية والدير» وجائزة أفضل رواية عام ٩٥ عن روايته «الحب فى المنفى».. فهو روائى ومترجم وقاص.. ويؤكد طاهر أن القائمين على الحكم قبل الثورة تعاملوا مع المبدعين على أنهم لا قيمة لآرائهم، وبعد الثورة يتعاملون بنفس منطق مبارك «خليهم يتسلوا» فلم يُدع المبدعون إلى لقاءات الحوار، ولم يؤخذ بأى من اقتراحاتهم.. وفى هذا الحوار حاولنا تكثيف الجهود للوقوف على رأى واحد من أهم ضمائر الأمة وإحدى القمم المبدعة التى تركت بصمة فى تاريخ مصر.. وإلى نص الحوار:

■ أستاذ بهاء، دعنى أبدأ من نقطة الجدال الدائر فى الأوساط السياسية الآن، وهى إشكالية المطالبة بوضع الدستور أولا انتخابات برلمانية ثم دستور ثم رئيس؟

- أنا لست فقيهاً دستورياً لكنى أستمع وأقرأ جيدا للخبراء فى هذا المجال، ومنهم الدكتور محمد نور فرحات، الذى يوضح أن الخطوات المقبلة المحددة بهذا الترتيب الذى يريدونه- أى الانتخابات البرلمانية ثم الدستور ثم الرئاسة- تنطوى على خلل دستورى فظيع، وهناك عوار دستورى يترتب على هذه الخطوات، ومن يعلمون يقولون إن هذا خطأ، وإنه يخل بآليات العمل السياسى، وسيؤدى إلى مشكلات فى المستقبل، فإذا كان أهل العلم والخبرة يقولون ذلك، فما الذى يمنع من الأخذ برأيهم، إلا إذا كان هناك رأى أقوى منه قانونياً ودستوريا، فليقولوا لنا ما هو.

■ ما الذى يجعل المجلس العسكرى يصر على هذا الترتيب؟

- هذا السؤال يوجه إلى المجلس العسكرى نفسه، لأنه حساس جداً للنقد ولا يريد الاستماع إلى كلام أحد، اسأليهم.

وأرى أن الدستور الجديد قضية شديدة الحساسية ولا تستدعى أن يخوّن أحد الآخر، ولا أن يفرض أحد رأيه على الآخر، فليجتمع الفقهاء الدستوريون من أنصار هذا الرأى وذاك ويحاولوا التوافق فيما بينهم، لأنهم أهل الخبرة وعليهم مسؤولية حسم هذا الوضع.

■ هذا الترتيب يمنع ائتلاف شباب الثورة، على سبيل المثال، من المشاركة فى الانتخابات المقبلة لعدم وجود الوقت الكافى للاستعداد ولطرح البرامج.. فما رأيك.. وهل هذا الأمر مقصود؟

- هناك قوة كبيرة جدا بحكم المال تسمى الحزب الوطنى، وأخرى كبيرة أيضا بحكم المال تسمى الإخوان المسلمين، وقد استمعت من قبل إلى يوسف ندا، المسؤول المالى للتنظيم الدولى للإخوان، الذى تحدث عن أن التنظيم الدولى يمتلك مبالغ هائلة تنفق على نشاط الجماعة، فكيف لشباب لا يجدون المليون جنيه المطلوب لعمل الإعلان عن الحزب فى الصحف والمنصوص عليه فى القانون أن ينافسوا من لديهم أموال طائلة ولديهم مشروعات هنا وهناك ويكدسون أموالا؟! وأضاف مبتسما وأقصد بـ«الحلال طبعا» كيف تطلبين من النملة أن تصارع الفيل ،ثم يقولون لنا تكافؤ الفرص.. أى تكافؤ هذا؟!

■ وهل الأموال وحدها هى التى تلعب الدور الأكبر؟ وهل يمكن لحزب على رأسه رجل أعمال مهم مثل ساويرس أن يخوض المعركة بقوة وعلى قدم المساواة؟

- لا.. ليس المال وحده هو الحاكم فى الأمر إنما التاريخ يلعب دوراً كبيراً، فالإخوان يعملون منذ ٨٠ سنة، بينما شباب الثورة مازالوا مبتدئين.

■ بمنطق التاريخ، ما موقع حزبى الوفد والتجمع وغيرهما التى تعمل منذ سنوات طويلة؟

- الأحزاب القديمة التى كانت موجودة فى عهد مبارك «كرتونية» لا ثقل ولا وجود لها، رغم أن حزب الوفد عندما أراه على حاله الآن «قلبى بيوجعنى»، لأننا تربينا على حزب الوفد وخرجنا فى المظاهرات نهتف «يحيا الوفد ولو فيها رفد» وكان هذا الحزب نموذجاً للوطنية المصرية لكن الآن أنا حزين جدا على ما آل اليه حاله، وأتمنى أن يعود حزبا يعبر عن الوطنية المصرية، وعلى وحدة جناحى الأمة المسلمين والمسيحيين وحريصاً على مصالح كل طبقات المجتمع كما كان فى الماضى، فلم يكن حزب الوفد هو حزب الإقطاعيين، وإنما كان حزب الكل الإقطاعيين والغلابة فى الحقيقة، أما الآن فليس له هوية.

■ تقصد وضعه قبل وبعد ثورة يناير؟

- نعم.. والى أن يقضى الله أمرا كان مفعولا. وما أيسر أن يسترد وضعه السابق بالعودة إلى سياساته السابقة، التى تؤلف بين طوائف الشعب وجناحى الأمة - المسلمين والمسيحيين- والتى تؤلف بين الأغنياء والفقراء، فهو كان حزبا يعتبر جبهة وطنية جامعة لطبقات وفئات الشعب كلها، كان بداخله من هم فى أقصى اليمين ومن هم فى أقصى اليسار، وكان ذلك فى تآلف يعكس الطبيعة المصرية تماما كما أن قيادة النحاس باشا له كانت قيادة أبوية، مهما اختلفنا معه فى الرأى، وكان حزبا يعد نموذجا مصريا ومع الأسف لم يعد كذلك .

■ إذن.. الإخوان والحزب الوطنى يسيطران، والأحزاب القديمة كرتونية، وشباب الثورة مبتدئون.. المشهد السياسى القادم سيديره الإخوان والوطنى؟

- الخلاصة أن الاستمرار فى هذا الوضع الذى ينتهجه القائمون على الحكم معناه تسليم مفتاح البلد للإخوان والحزب الوطنى. وإذا كان القائمون على الحكم فى مصر يريدون ذلك فليستمروا فيما يفعلون.

■ وأيهما ترجح كفته فى النهاية «الإخوان» أم «الوطنى»؟ أيهما له السطوة الكبرى؟ وأيهما سيحصل على العدد الأكبر من مقاعد البرلمان فى توقعاتك؟

- إيه رأيك لو كان تحالفاً من الاثنين؟! فقد أثبت التاريخ أن الطرفين يعملان بمنطق «اللى تغلب به العب به» ولو ثبت أن التحالف فى دوائر معينة سيعود بالنفع عليهما سيفعلان ذلك دون أى غضاضة، فالإخوان الأقرب والأكسب لهم هو التحالف مع الحزب الوطنى والعصبيات المحلية.

■ هل بهذا المنطق ستتحول مصر إلى دولة دينية؟

- تصورى أن مصر غير قابلة إطلاقا لأن تتحول إلى دولة دينية، فالشعب المصرى غير ذلك تماما، فهو معتدل، ومن الأشياء الجميلة التى كانت موجودة فى ميدان التحرير يوم جمعة الثورة الثانية، كما أطلق عليها البعض هو وجود الطرق الصوفية الذين قالوا إنهم سيحضرون الجمع التالية بأعداد أكبر، هذا إلى جانب مختلف طوائف الشعب بانتماءاتهم المختلفة، وعلى الجانب الآخر أنا شخصيا أعتقد أن أى مصرى يفكر فى أن يمس ضريح سيدنا الحسين أو السيدة زينب ستشل يده، هذه هى مصر الحقيقية.. الكل منسجم فيها ولا مجال للتشدد ولا للتطرف.

■ لكن نحن شعب تتحكم فيه العاطفة الدينية.. حتى السارق يقول توكلت على الله قبل أن يسرق ويدعو الله بالستر حتى يتم مهمته.. شعب بهذه التركيبة أليس من السهل التأثير عليه بالرسائل والشعارات الدينية؟

- لا تنسى أنه هو نفس الشعب الذى يقول فى بعض الأحيان «اللى يعوزه البيت يحرم على الجامع». لطالما كنا شعباً عاطفياً دينيا، وهذا لم ينل من اعتدالنا ومن تحكيمنا للمنطق والحكم على مصالحنا بالعقل.

■ تقول بصعوبة تحول مصر إلى دولة دينية لكن أحد السيناريوهات المطروحة، وهى أن مجلس الشعب المقبل إذا ما حصل الإخوان على أغلبية المقاعد به سيكون الأشرس فى التاريخ الحديث وسنشهد مساءلات للوزراء وإسقاط الحكومات، وسيكون رئيس الجمهورية القادم هو الأضعف، ومن هنا يقول البعض باحتمال مغازلة كل من الحكومة والرئيس القادمين لمجلس الشعب، بإصدار قرارات على هواه، حتى ولو كانت ضد مدنية الدولة؟

- هذا السيناريو يفترض أن الأمور ستكون أمام الإخوان بلا عقبات، الشعب سيقاوم ولن يستسلم، والتيار الليبرالى سيشتد يوما بعد الآخر، فكلنا لدينا عاطفة دينية، لكن طول عمرنا رغم وجود هذه العاطفة الدينية نأخذ قراراتنا السياسية على أساس مصالحنا، وقد نشهد الآن مغازلة للتيار الدينى تظهر فى شكل قرارات سياسية، وقد بدأت من الآن، كأن يصدر قرار بمنع القبلات والأحضان فى الأفلام رغم وجود أمور كثيرة أكثر أهمية تحتاج إلى إصلاح فى التليفزيون المصرى، لكن لا تنسى أننا كنا نشهد نفاقاً ومغازلة للحزب الوطنى فى السابق يفوق ما يحدث الآن مع التيارات الدينية، ولم ينفع النفاق فى النهاية، وأضاف «طاهر» ساخرا «وإن شاء الله هذه التيارات متقعدش ٣٠ سنة زى الحزب الوطنى».. عموما حتى ولو كان هناك انتصار للإخوان فى المرحلة المقبلة فهذا الانتصار سيخلق مقاومة شديدة لدى الناس.

■ لو عدنا قليلا إلى «جمعة الغضب الثانية» وما تضمنته من دلالات سياسية مهمة أولا فما تقييمك لمظاهرة هذا اليوم؟

- كل مرة كنت أشارك فيها فى المظاهرات كنت أعلم تماما أنه من الممكن أن يتحرش أو يحتك بى أحد، وحدث ذلك من قبل ومع ذلك لم أكن خائفا ولا متوجسا لكن هذه المرة كنت شديد التوجس، لم أكن خائفا على ذاتى، إنما كنت خائفا على البلد، لأنه كانت هناك حملة دعائية كبيرة تبث رسائل رعب وتقول إنها جمعة الخطر وإنه قد تسيل فيها الدماء، وقد تتحول إلى حرائق تشتعل فى وسط المدينة إلى آخره وكتب ذلك نصاً، لذا نزلت إلى المظاهرات وأنا مرعوب على البلد، وزاد هذا الرعب بمجرد نزولى إلى الشارع عندما وجدت القاهرة التى تضج بالازدحام أصبحت مدينة أشباح، بسبب خوف الناس من النزول إلى الشارع وأغلقت المحال أبوابها، ولم تكن هناك إشارة مرور واحدة مغلقة، لذا كنت فى غاية التوجس إلى أن وصلت إلى الميدان وتجاوزت لجان التفتيش التى أعدها الشباب للحفاظ على سلامة الجميع، ودخلت الميدان فوجدت القاهرة الحقيقية ومصر الحلوة هناك، ولم يحدث إطلاقا أى شغب وكانت مظاهرة على أعلى مستوى من التحضر، فارتفعت معنوياتى بعد أن كانت فى الحضيض.

وهناك وجدت نفس الشباب الذين كنت أراهم من قبل فى الجمعات السابقة، شباب برىء ليس لديه أطماع سياسية، مؤمن بأهداف الثورة رغبة فى استكمال هذه الأهداف والمبادىء، وهذا اليوم رد لى ثقتى فى هذا الشباب، فقد ثبت أن المصريين أفضل كثيرا من فكرتهم عن أنفسهم، وأن بداخلنا إمكانيات وطاقات لم نكن نعرفها عن أنفسنا.

■ هل كانت دعاية الترهيب من النزول يوم جمعة الغضب الثانية مقصودة؟

- طبعا بكل تأكيد.. ولا أستطيع أن أضع يدى على الفاعل، لأن الأمر يحتاج إلى بحث، لكن على الأقل الإخوان المسلمون قالوا ما كاد يكون معناه أن النزول إلى المظاهرة نوع من الكفر وتبعهم فى نفس الموقف السلفيون، وتبعهم حزب الوسط ذو المرجعية الاسلامية، وتبعهم الوفد وبعض التيارات الأخرى.

■ لماذا تلاقت المصالح بين أقصى اليمين وأقصى اليسار.. أى لماذا اتخذ الوفد نفس موقف الإخوان المسلمين؟

- لا أعرف.. ولا أود أن أقول بنظرية المؤامرة، وأن كل هؤلاء كانوا ضد الثورة ويقومون بثورة مضادة.. لكن ربما خشيت الأحزاب أن تنقلب المظاهرة إلى عمليات تخريب، مع العلم أن ما قالوه من عدم المشاركة وترويع الناس من النزول هو الذى يؤدى إلى التخريب.

■ ربما لم يكن هناك لا مؤامرة ولا خوف.. ماذا لو أن كل طرف يغازل المجلس الأعلى للقوات المسلحة ويقدم نفسه على أنه التيار الذى يجب الاعتماد عليه، ظنا أنه فى المستقبل سيكون لهم جزء من الكعكة، خاصة أنه تردد أن هذه الجمعة ستكون ضد قرارات المجلس العسكرى؟

- لم يكن هناك ما يشير الى أن المظاهرة كانت ضد المجلس العسكرى، بل العكس كانت هناك مظاهرة عند النصب التذكارى فى مدينة نصر لتأييد المجلس العسكرى وهذه هى الديمقراطية الحقيقية.

■ ربما خافت بعض الأحزاب أن يفسر نزولهم أنه ضد المجلس العسكرى؟

- لو كان الأمر كذلك لكان خطأ كبيراً جدا، يجب أن يكون فهم هذه التيارات والأحزاب مثل فهمى، وفهم كل الناس أن المجلس العسكرى قابل للحوار مع الناس وقابل للنقد عند الضرورة. وأن يعتبر المجلس العسكرى نفسه سلطة حاكمة لكن ليست محتكرة للحقيقة الكاملة، يجب أن يستمع إلى الآراء المختلفة عن رأيه. ولم يحدث فى الميدان قط أن ارتفع صوت ضد المجلس العسكرى ولم تحدث أى وقيعة كما قالوا إنها ستكون جمعة الوقيعة، حتى عندما قال المجلس العسكرى إنه سيبتعد عن الميدان وإنه واثق من تأمين الشباب للميدان تبين أن ثقته فى محلها.

■ البعض قال إن هذا الموقف تخلى به المجلس العسكرى عن مسؤولياته التأمينية لمتظاهرى التحرير «لاختلافهم معه فى الرأى ورفضهم بعض قراراته»؟

- أفضل التفسير الذى قلته عن أى تفسير آخر.. وأضاف ضاحكا «إنتى عايزانا نروح النيابة العسكرية سوا ولا إيه؟!

■ عدم وصول العدد إلى مليون فى جمعة الغضب الثانية، جعل البعض يؤكد على قوة وتأثير الإخوان وتقريبا أشار بعض الإخوان أنفسهم إلى هذا بأن عدم نزولهم إلى الميدان جعله خاويا؟

- أولا لم يكن الميدان خاويا، ولا أريد الدخول فى لعبة الأعداد لأنها لعبة سخيفة، لكن كان هناك عشرات الآلاف يتوافدون على الميدان حتى الساعة السادسة مساء موعد فض المظاهرة، بناء على قرار المنظمين من الشباب والذى التزم به الجميع، وأؤكد أنه وبعد جو الترويع والرعب الذى انتشر على مدى ٤٨ ساعة فى هذا البلد وتحولها إلى مدينة أشباح، لو أن الميدان كان فيه ٥٠٠ فقط كأنهم مليون، ومع ذلك بعض القنوات الفضائية عرضت صوراً للميدان وهو ممتلئ، من ميدان عبدالمنعم رياض إلى مجمع التحرير، ولا أعرف بحسابات الأرقام كم عددهم، المهم أنهم كانوا أعداداً كبيرة وكانوا متحضرين وسلميين.

■ ومن يقف خلف دعوات الترهيب؟

- قبل المظاهرة بيوم انتشرت رسائل على الإنترنت من نوعية «روحوا بكرة علشان تعرفوا حجمكم الحقيقى»، «انتوا من غير الإخوان ماتسووش»، ومن الواضح أن هذه الرسائل من شباب تابع للإخوان وإن لم يكن لدى دليل على ذلك، وهنا أرد عليهم أننى كنت آمل أن يأتى الإخوان إلى الميدان ليعرفوا حجمهم الحقيقى، ويتأكدوا أن الشعب قوة حقيقية بدون الإخوان. فالشخص الواحد فى هذا الميدان يعادل ألفا لأنه نزل متحديا جواً من الترويع لم يحدث فى التاريخ على الإطلاق.. كما أنه يعادل ألفاً من الأغلبية الصامته أو كما يقولون عنهم حزب الكنبة، الذين يجلسون يشاهدون الأحداث دون أن يكون لهم دور فعال، ويكتفون بترديد الشائعات والنميمة.

■ الأغلبية الصامتة كان لها مبررها قبل الثورة فبماذا تبررها بعد الثورة؟

- أثبت التاريخ فى كل دول العالم أن من يصنع التاريخ هم الأقلية الفاعلة وليس الأغلبية الصامتة والتى أدينها فى كل كتاباتى.

■ قلت إنك كنت تتمنى أن يأتى الإخوان إلى الميدان ليعرفوا حجمهم الحقيقى فهل تقلل من قوتهم وتأثيرهم؟

- لا على الإطلاق.. الإخوان قوة ولهم كل الاحترام لكن يجب ألا يعتبروا أنفسهم القوة الوحيدة، ويجب ألا يخونوا غيرهم، ويقللوا من شأنهم، ويكفروا كل من يخالفهم، فمثلا أنا فكريا ضد الإخوان ومع ذلك كنت أوقع على بيانات الرفض لمحاكماتهم أمام محاكم عسكرية، وليس معنى أننى فكريا ضدهم أن أكون على المستوى الإنسانى ضدهم، وعليهم التعامل بنفس المنطق مع الجميع، يجب ألا يخوننا الآخر ويجب ألا يكفروا الآخر، فهم مثلا يروجون أن العلمانيين كفرة، وأنا مسلم وآمل أن أكون مسلماً جيداً إن شاء الله ومع ذلك علمانى، فالعلمانية ليست كفرا كما يصورون.. العلمانية لا تناقض التدين فى شىء، أنا مسلم علمانى بمعنى أننى أرى أن الدين له احترامه ومجاله، والحياة المدنية لها مجالها ولا يجب الخلط بين الدين وتسيير شؤون الحياة العملية، وهذا يتفق مع الإسلام الذى ألغى أى سلطة كهنوتية لأى جهة، واعتبر العلاقة بين الفرد وربه علاقه مباشرة دون أى وسطاء.

■ الحوار الوطنى والوفاق الوطنى .. ما رأيك فى هذه اللقاءات؟

- أنا لا أعرف الفرق بين الاثنين، ولا أعرف ما هى مهام هذا ولا أهداف ذلك حتى أجيبك، لكن الحوارات الوطنية لا تقام من قبل السلطة الحاكمة إنما تقام من خلال إرادة شعبية، إذا كانت هناك تيارات وأحزاب تريد أن تتوافق برضاها على خطوات وطنية فليجلسوا ويفعلوا ذلك لكن لا يأتى الأمر من أعلى كما كان يحدث فى عهد «مبارك».

■ وكيف للمجلس العسكرى أن يتواصل إذن مع النخبة.. هو يريد موقفاً موحداً يتم التوافق عليه ليتبناه سواء فى القانون أو الاقتصاد وغيرهما لذا يجد فى توصيات مؤتمرات الحوار حلا للخلاف وللتواصل؟

- إذا كان المجلس العسكرى يريد التواصل معنا أقول لهم كيف، أبسط شىء ألا يكون الاتصال بالناس عن طريق الفيس بوك. أنا واحد من الناس لا أعرف كيف أستخدم الفيس بوك ولا التويتر، عليهم إقامة مؤتمرات صحفية دورية على الأقل كل أسبوع ويكون هناك ممثلون للصحافة ويسألون بكل صراحة، على أن يجيب ممثلو «المجلس» بصراحة. هذه هى طريقة التواصل التى يجب أن تكون.. ولقد اتفق النخب والقانونيون العظام وفقهاء القانون الدستورى على أهمية وضع الدستور أولا قبل الانتخابات البرلمانية.. ماذا كان رد فعل المجلس العسكرى؟!..الكل يعرف.

■ القائمون على الحكم يقولون بكثرة ائتلافات الثورة فمع من نتحدث؟

- لقد وصلوا للنتائج التى يريدون الوصول إليها.. وهذا ما يردده من هم ضد الثورة.

■ لكن النخب مختلفة فيما بينها، الأحزاب ليست على موقف واحد؟

- هذا ليس وضعاً جديداً على مصر لطالما كانت مصر هكذا بل وكل دول العالم، فجميع الدول لديها أحزاب مختلفة وتيارات متجاذبة وأخرى متنافرة، الدول الديمقراطية تتيح فرصة لكل التيارات للحوار، وليس الحوار على شاكلة وضع الناس فى «أوضة يقولوا عليها أوضة الحوار» أنا أقصد مجتمعاً يتحاور، أن تجتمع تيارات سياسية مختلفة ومتباينة، وأن يكون هذا الحوار مجتمعيا على صفحات الصحف وعلى شاشات التليفزيون، وفى النقابات، هذا هو الحوار المجتمعى الذى أفهمه.

■ فى حوار أجريته مع الدكتور جلال أمين مؤخرا قال لى نفهم الديمقراطية بشكل ساذج وليس كل شىء يحتاج إلى حوار وشورى وإنما نحتاج إلى الحسم بدلا من إضاعة الوقت فى الحوار فهل تتفق أم تختلف معه؟

- أتفق مع الأستاذ جلال فى كل ما قاله ألفاً فى المائة، هناك فعلا أمور تحتاج إلى قرارات حاسمة، فمثلا هل يعقل أن يقطع بعض الناس السكة الحديد فى أكثر من محافظة لعدة أيام ويعطلوا السير ومصالح الناس دون أن يواجه هذا الأمر بالحسم لإثبات هيبة الدولة والاكتفاء ببعض المشايخ للحوار مع الأهالى، هناك أمور لا تحتمل الحوار إنما تحتاج إلى تطبيق القانون.

■ هل دعيت إلى أى من مؤتمرات الحوار هذه؟

- لا.. الحمد لله.

■ لماذا؟ هل مازال يتم التعامل معك «كمعارض عتيد» كما كان الوضع قبل الثورة؟

- أظن أن الموضوع هذه المرة مختلف، المسألة لا علاقة لها بكونى معارضاً بقدر كونى أديباً أو مبدعاً فهم لا يعتبرون المبدعين أناساً مهمين وليس لآرائهم قيمة والدليل هل سمعت أنهم وجهوا الدعوة إلى إبراهيم أصلان أو صنع الله ابراهيم أو أى من الروائيين والمبدعين لمثل هذه الحوارات؟!.. هم يتعاملون معنا على طريقة مبارك «خليهم يتسلوا بعيد عننا»، وأرجو ألا يكون السبب هو كونى معارضاً.

■ لكن الإعلامى حسين عبدالغنى قال لى فى حوار معه إن أحد أعضاء المجلس العسكرى اعترض على ترشيحه لرئاسة قناة الأخبار ونقل له أنه قال إن «حسين» من ثوار التحرير؟

الله.. بدلا من أن يكون الأمر نقطة فى صالحه تحسب ضده.. أنا فعلا مندهش، عموما حتى ولو لم تتم دعوتى إلى هذه الحوارات لكونى معارضاً فأنا لا أعبأ بمثل هذه الأمور، فالعقاب الشديد لى هو أن أمنع من الكتابة، ما عدا ذلك لا ألقى بالا لشىء، فأنا منعت من الكتابة ما بين ٧٥ و٨٣، وكنت كلما رشحت لمنصب يسألون أمن الدولة عنى فيقولون لهم «دا بتاع حركة كفاية» فيبقى كفاية- قالها ضاحكا - لذا آمل بعد الثورة أن يكون عدم دعوتى لأى حوار هو استمرار لمنطق عدم الاعتراف بالمبدعين وليس شيئاً آخر. عموما المثقفون والمبدعون هم ضمير الأمة وطالما لا نستمع لهم فنحن لا نستمع إلى صوت الضمير، وخوف النظام منهم طيلة عشرات السنوات دليل على فاعليتهم وأن رسائلهم كانت تصل إلى الناس.

--------------------------------------------
الروائى بهاء طاهر يستكمل حواره مع «المصري اليوم» (٢-٢)
المشترك الوحيد بين المجلس العسكرى ومبارك: أنك تقول ما تريد وهم يفعلون ما يريدون
-------------------------------------------------------------------------------
أجرت الحوار رانيـا بـدوى ١٤/ ٦/ ٢٠١١
-------------------------------------------
عندما تجلس أمام الروائى المبدع بهاء طاهر تتفتح أمامك رؤى مختلفة للأمور وزوايا جديدة للتحليل فهو بسيط وواضح ولا تخلو تحليلاته من خفة الظل.. فى الجزء الثانى من الحوار معه يؤكد أن الثورة المضادة موجودة وليست «هزار ولا لعب»، والنظام السابق مزدهر جدا والقوى المحركة للثورة المضادة موجودة فى كل محافظات مصر.

وأضاف أنها ليست مثلثاً تتلاقى فيه المصالح بين إسرائيل وطرة وشرم الشيخ إنما هى مستطيل حيث وضعت النفوذ الخليجى بين قوسين.. وأكد طاهر أن الفتنة الطائفية لن تختفى إلا إذا اختفت العوامل المحرضة لها مثل التطرف من قبل المسلمين والمسيحيين على حد سواء والأيادى الصهيونية والنفوذ الخليجى ونفوذ أقباط المهجر، مشيراً إلى أن الشىء المشترك بين عصر مبارك والمجلس العسكرى فى إدارة البلاد هو أنهم يدعونك تقول ما تريد ويفعلون هم ما يريدون.. والى نص الحوار:

■ أستاذ بهاء المثقفون متهمون بالغياب عن المشهد السياسى مما أدى لتصدر التيار الدينى وتوجيهه للرأى العام؟

- أى غياب.. كل ميدان التحرير كان من المثقفين منذ بداية الثورة وحتى الآن بل من قبل، أنا واحد من الناس كنت موجوداً فى الوقفة الاحتجاجية بعد أحداث كنيسة القديسين وتحرش بى الضباط وأطفأ أحدهم الشمعة التى كانت فى يدى، وفى اليوم الذى سبق موقعة الجمل دخلت بعض العناصر إلى الميدان وأرادوا التعرض لى لولا الدكتور هانى عنانى الذى حال دون وقوع ذلك، وكنا دائما فى الشارع، نحن موجودون فى المشهد ولكن السؤال الآن: من المهم لإدارة البلد المثقفون أم السلفيون؟ والإجابة أنه على ما يبدو أن المسؤولين لا يريدون المثقفين، فالسلطة تغلب التيار الدينى.

■ لماذا؟

- لأنها تستشعر أن الشعب يريد ذلك.

■ ولماذا يميل الشعب إلى التيارات الدينية أكثر من المثقفين ورواد التنوير؟

- لا تستهينى بما حدث طوال السنوات الماضية فعلى امتداد ٤٠ سنة والنظام يملأ التليفزيون بالوعاظ يتحدثون ويخطبون فى الناس فى حين يتم تغييب المثقفين ومنعهم من الظهور وهذه كانت سياسة الرئيس السادات واستمرت فى عهد مبارك، هل معقول بعد هذه السنوات أن يكون للمثقفين السطوة فى توجيه الرأى العام كما كان الوضع من قبل.

وعلى ما يبدو أنه قد أريد للثورة أن تقف عند حد لا تتعداه، فتم إقصاء الشباب الذين نظموها وقادوها، واحتضن الإعلام الرسمى وجهات نافذة لا أعرفها، «جماعة الإخوان المسلمين» وتيارات دينية أخرى تصدرت المشهد الإعلامى والسياسى، بل الأصح أن أقول إنها احتكرت هذا المشهد دون سواها، وواصلت هذه الجماعات تنفيذ مخطط كان جاريا منذ سنوات طويلة لهدم مقومات الدولة المدنية حتى تخلو لهم الساحة.

■ إذن الدولة المدنية مهددة فى مصر؟

- بناء القيم الإيجابية يستغرق وقتا أطول بكثير من هدمها، وقد هدمت معاول كثيرة بنيان الدولة المدنية خلال العقود الماضية، لهذا يستطيع الإخوان المسلمون وأنصار التيارات الدينية الأخرى القول بأنهم يؤيدون الدولة المدنية وهم يعلمون أن هذه الدولة لم يعد لها وجود وأن الساحة قد خلت لهم أو فلنقل إنهم يتصورون ذلك!
فأنا مازلت وسأظل أعلق آمالا كبيرة على شباب ثورة ٢٥ يناير وأنصارهم فى المجتمع المصرى، لقد استطاعوا أن يقلبوا موازين معادلة أصعب من تلك حين أسقطوا حكم مبارك، وندائى لهم فى كل مرة هو أن يوحدوا صفوفهم وأن يعملوا من جديد مع الشعب الذى ضحوا من أجله بدمائهم الطاهرة، هذه المرة يجب أن نجتمع كلنا للدفاع عن الدولة المدنية التى تكفل لنا الوحدة والحرية.

■ وهل يمكن استعادة مكانة المثقفين فى التأثير فى الرأى العام بعد تغير الأوضاع بعد الثورة؟

- ممكن جدا استعادة المكانة ولكن هذه الأمور الفكرية تحتاج إلى تراكم لسنوات طويلة لنصحح تراث الأربعين عاما الماضية بشرط عدم وجود معوقات وأناس تحارب المثقفين وتعترض رسالتهم، فنحن نقول ونكتب وننبه ولا أحد يأخذ بآرائنا، فالشىء الوحيد المشترك بين المجلس العسكرى وعصر مبارك هو أنك تقول ما تريد وهم يفعلون ما يريدون.

■ كتبت كتابا مهما منذ عشرين عاما بعنوان «أبناء رفاعة: الثقافة والحرية» تحدثت فيه عن تطور الفكر المصرى بما فيه استبدال المثقفين بالوعاظ.. فمن الذى ساند أفكار الكتاب؟

- لا أحد، لأن أفكار الكتاب كانت ضد أفكار الوعاظ، وقد خرج الكتاب للنور وحصل على الجائزة ولكن تم التعتيم عليه.

يا ابنتى كما يقولون فى الأمثال «يد واحدة لا تصفق»، و«زهرة واحدة لا تصنع الربيع». يجب أن تكون هناك مجموعة من رواد التنوير كما كان الوضع من قبل، حيث صنع رواد التنوير النهضة الثقافية والتنويرية من القرن الـ١٩ حتى الآن، ورواد التنوير موجودون، ولكنهم متفرقون ويحارَبون بلا انقطاع. بالطبع لدىّ أمل فى أن الثورة تغير جميع الأوضاع بما فيها وضع الثقافة والمثقفين، ولكن لست ساذجا، وأعلم أن استعادة المكانة تحتاج إلى وقت طويل وتراكم، المهم أن نبدأ من الآن.

■ إلى أى مدى تعتقد فى تأثير الثورة المضادة أم أن هناك تهويلاً لحجمها؟

- النظام السابق مزدهر جدا الآن وهو عصب الثورة المضادة التى تحدث، ومن هم فى طرة مجرد قيادات، لكن القوى المحركة موجودة فى كل المحافظات، أتباع من هم فى طرة وربما آخرون يحمون مصالحهم. الثورة المضادة شىء حقيقى وليست «لعب ولا هزار»، وهناك من يتعمد إفساد كل شىء.

■ وهل تؤمن بالمثلث الافتراضى فى الثورة المضادة «إسرائيل.. شرم الشيخ.. طرة»؟

- ربما يكون مستطيلا وليس مثلثا، فكل الأطراف التى قلت بها صحيحة، ولكن هذا فضلا عن تدخل أطراف عربية خليجية كارهة لنموذج التسامح الدينى المصرى، ولها فى الشارع رجالها إلى جانب الأيادى المتآمرة فى الخارج، وعلى رأسها إسرائيل، فرئيس المخابرات السابق لإسرائيل أعلن من قبل أنهم سعداء بالنجاح فى زرع الفتن الطائفية فى مصر، إضافة إلى الدعاية المضادة كالرسائل التى تتردد على المقاهى وفى الميكروباصات حتى يرددها ويكررها الناس ويؤمنوا بها على شاكلة «مبارك كبير فى السن ومريض» لاستعطاف الناس، أو «الولاد دول» فى إشارة إلى شباب التحرير للتقليل منهم، «المظاهرات تعطل الإنتاج»، مع أن وزير الصناعة قال إن الإنتاج الصناعى زاد ولم يقل إن الإنتاج تعطل فى مظاهرة تقام يوم إجازة.. هذه دعاية مضادة.

■ ولكن البعض يؤكد ضعف الإنتاج فعلا ولا يعتبره دعاية مضادة والمقصود الاعتصامات والإضرابات وليس مظاهرات الجمعة فقط؟

- أنا أستشهد برأى الأستاذ لويس جريس الذى أقدره والذى قال إن على الإعلام تحرى المعلومات التى تنشر، وتساءل: هل أى من الصحفيين ذهب مثلا إلى المصانع فى العاشر من رمضان ليعرف إذا كانت تعمل أم متوقفة؟! أنا ذهبت ورأيت أن كل الأمور على ما يرام وأن حركة الإنتاج لم تتوقف- فى إشارة إلى الأستاذ لويس- إذن هناك شهادات أخرى غير شهادات وزير الصناعة تؤكد أن الوضع ليس كما يصورونه لنا وأن الإنتاج لم يتوقف بسبب المظاهرات ولا الوقفات الاحتجاجات.

■ ولكن وزير المالية قال إن عجز الموازنة وصل إلى ١٧٠ ملياراً والتضخم ارتفع.. أليس هذا إشارة إلى تدهور الوضع الاقتصادى؟

- لا شك أن هناك قطاعات تأثرت بالثورة وهذا طبيعى فى أعقاب أى ثورة ضخمة مثل التى حدثت فى مصر، طبيعى أن نجد تضخماً وتأثراً لبعض القطاعات، ولكن ما أقصده أن المليونيات لا علاقة لها بالوضع، ولو حدث بعض التضرر فهنا تأتى مسؤولية وزيرى المالية والصناعة. والسادة الخبراء المتخصصون فى الاقتصاد عليهم إيجاد حلول للتقليل من الآثار الاقتصادية قدر الإمكان، والحد من هذه المصاعب لا أن يصدروها لنا مرة أخرى. ما هى مهمتهم إذن لو أنهم سيخرجون علينا من حين إلى آخر لإعلان تدهور الاقتصاد، عليهم محاولة تلافى آثار ذلك وتخفيض الآثار إلى أقصى مدى.. ثم إن جزءاً من أزمة الإنتاج يعود فى الواقع إلى تدهور الحالة الأمنية والتى ظلت لأشهر طويلة لا يجد لها أحد مبررا، وعليهم إصلاح الأمن أولاً. وقتها سينصلح الإنتاج والاقتصاد فى قطاعات مثل السياحة والاستثمار وغيرهما.

■ وزير الداخلية قال فى حوار للإعلامية منى الشاذلى عن شهداء الثورة! هناك أناس توفوا فى التحرير ومجموعة أخرى أمام الأقسام أثناء اقتحامها لسرقة السلاح وإخراج المساجين فى هذه الفترة ولم تحرر أى محاضر عن هذه الأحداث وبالتالى لم تعرض على النيابة العامة أى محاضر موثقة للأحداث، واختلطت الجثث بحيث لا يمكن التفرقة بين النوعين من المتوفين.. هذه الرواية- كما قال أحد القانونيين الكبار- تعطى فرصة كبيرة للضباط المتهمين بقتل المتظاهرين بالبراءة مستندين على أقوال وزير الداخلية؟

- فى جميع الأحوال مهمة الشرطة هى أن تبحث عن المجرم وتحاول أن توسع نطاق البحث والتحقيق للوصول إلى الأيادى المجرمة، أنا غير موافق على الإطلاق على هذا التفسير، كيف أن هناك عشرات تم إطلاق النار على أعينهم مباشرة حيث أصيب بعضهم بالعمى وآخرون فقدوا عيناً واحدة وبعضهم توفى نتيجة ضرب رصاص بالليزر محدد وموجه، ولا أظن أن البلطجية يملكون مثل هذا السلاح، هذه جهة لديها هذا النوع من السلاح الذى يؤدى إلى مثل هذه الإصابات ومن السهل جدا على أجهزة التحقيق أن تعرف من الذى يملك مثل هذه الأسلحة وتجرى التحقيق وتوجه له الاتهام لكن من غير المعقول أن يتفرق دم الشهداء بين القبائل، أنا مختلف تماما مع وزير الداخلية فيما قاله وأطلب منه أن يوجه كل أجهزة التحقيق فى البحث عن المجرمين الذين قاموا بهذه الأفعال وهذه مهمته وليست شيئا يمكن أن يتنصل منه، وهذه الأمور لها الأولوية المطلقة فى تحقيق سريع وعادل ولو تطلب الأمر الاستعانة بأجهزة متخصصة.

■ وماذا لو كان غرض وزير الداخلية فض الاشتباك بين الشرطة والشعب؟

- الاشتباك لن ينفض الا بمعاقبة الجناة والمجرمين، والضباط الذين لم يخطئوا نضعهم على رؤوسنا من فوق ونساعدهم.. والتحقيق هو الذى سيظهر من الضابط الذى أطلق النار على الشباب فى الميدان ومن الذى أطلق البلطجية، لا أحد ينادى بمعاقبة ضابط دافع عن مكانه وحمى سلاحه، هم يعرفون من نريد أن نحاسب.

■ ننتقل إلى ملف الفتنة الطائفية.. قلت من قبل إن العلاقة بين المسلمين والمسيحيين قضية عمرك.. فبادرنى الأستاذ بهاء طاهر بالقول نعم.. فسألته: الفتنة الطائفية فى مصر مرض أم عرض؟

- هذا سؤال مهم، أنا شخصيا باعتبارى ابن ثورة ١٩ بمعنى أننى ابن فكرة الوحدة الوطنية أعتقد أن الفتنة الطائفية عرض، لكنه عرض متشبث ويجب بذل مزيد من الجهد لإزالته.

■ ما أدلتك؟

- أنه مثلا، ورغم حالة الانفلات الأمنى الشديد وقت الثورة، لم تسجل حالة اعتداء واحدة لا على كنيسة ولا جامع، لأن هذه هى مصر الحقيقية، وإذا كان سؤالك القادم: لماذا ظهرت بعد الثورة؟ سأجيبك لأنه ظهرت عوامل أخرى تسعى لذلك، منها الأيادى الصهيونية بالإضافة للنفوذ الخليجى، بالإضافة إلى نفوذ أقباط المهجر.. كل هذه عوامل مهمة جدا.

■ اختصرت أزمات المسيحيين مؤخرا فى «قانون دور العبادة الموحد» فهل بصدور هذا القانون ستختفى الفتنة الطائفية؟

- كان لابد أن يصدر هذا القانون من زمان، ومع ذلك أنا لا أرى أن هذه هى المشكلة، الفتنة الطائفية ستختفى إذا اختفت مسبباتها، ومنها الأصابع الصهيونية، التطرف والتعصب الدينى لدى الطرفين مسلمين ومسيحيين، عندما تتحقق العدالة فى المجتمع وقتها ستعود روح الأخوة الفعلية وستهدأ الأمور ولن يكون قانون بناء دور العبادة الموحد مشكلة ولاغيره من القوانين.

■ هل لديك تفسير لحالة الارتباك السياسى التى نعيشها الآن، وهل لها ما يبررها؟

- الارتباك طبيعى بعد أى ثورة، لكنه زاد فى الحالة المصرية، لأننا لم نستلهم روح الثورة ولم نجعل الثورة تعمل، فقد تم استبعاد شباب الثورة من المشهد.

■ ولكن رئيس الوزراء خصص لهم غرفة بالقرب من مكتبه لاستشارتهم فى القرارات المختلفة؟

- أجاب ساخرا.. «آه حطهم فى أوضة الفيران».

■ الشباب غير جاهز وغير مسيس ومنع من ممارسة السياسة فى الجامعة لسنوات طويلة فمن الطبيعى ألا يكون بديلاً جاهزاً لإدارة البلد!

- وكيف كان لديه قدرة على أعظم عمل فى التاريخ الحديث وهو الثورة؟

■ الأمر مختلف.

- إذن كان لابد أن يعطى الشباب الفرصة ويمنحوا الوقت لممارسة العمل السياسى، ليتحولوا من هواة إلى محترفين لكن ما حدث أنهم أبعدوهم تماما عن المشهد وعن الساحة بدلا من تتم إتاحة الفرصة لهم لكى يتطوروا، عزلناهم حتى يختفوا، كان مطلوباً أن تتاح لهم فرصة تكوين أحزاب بدون تقييد لهم بشروط قاسية ،ويمنحوا الفرصة للتعبير عن آرائهم وأفكارهم.

■ ما تقييمك لشباب الإخوان؟

سبق أن وجهت لهم التحية هم وألتراس الكورة، حيث علمت أنهم من كانوا يحمون الشباب فى ميدان التحرير من البلطجية وأصحاب موقعة الجمل، لكن أن ينشأ خلاف بينهم وبين قياداتهم فهو أمر يخصهم ويحسمون موقفهم داخليا.

■ هل تشعر أنهم أكثر انفتاحاً؟

- دون أن يكون لدى أى أدلة أعتقد أن التحام هؤلاء الشباب مع بقية الشباب فى ميدان التحرير والتحامهم مع تيارات شبابية أخرى لها أفكار مختلفة مثل شباب ٦ أبريل وشباب الأحزاب المختلفة، وأظن أنه بالتحام شباب الإخوان بزملائهم من الشباب فى التيارات المختلفة أصبح تفكيرهم أكثر انفتاحاً من قياداتهم التنظيمية، وكان من الممكن أن تكون القيادات التنظيمية من الذكاء بحيث تستفيد من تقارب شباب الإخوان من نظرائهم بدلا من أن تحاربهم وتعزلهم وتفرض عليهم عقوبات، وبحكم الواقع والظروف هذا ما سيحدث، إن هؤلاء الشباب سيفرضون وجهة نظرهم على الأجيال الأقدم فى التنظيم.

■ هل لديك ملاحظات على محاكمة النظام السابق؟

- طبعاً أريدها محاكمات مدنية عادلة ولا خلاف فى هذا، ولكن على الجانب الآخر توجد محاكمات عبثية، فمثلا ما قصة المحاكمات على اللوحات المعدنية هذه؟ هل يصح أن نترك الأمور المهمة ونمسك فى الأقل، طبعاً يجب أن يعاقب الإنسان على أى خطأ ولكن لا يجب أن أترك المحاكمات الخاصة بضرب النار على المتظاهرين وأترك دم الشهداء، قضايا القتل أولاً ثم اللوحات المعدنية.

■ وماذا عن المحاكمات السياسية والمعنوية بالرغبة فى إقصاء جميع رموز النظام السابق والذى يصفه البعض بالمنطق «المكارثى» الذى لا يليق بمصر فى حين المعارضون لهذا المنطق يؤكدون أن البلد لن ينصلح حاله إلا بتطهيره من كل من تعامل مع النظام السابق؟

- الإقصاء ينطبق فقط من وجهة نظرى على الرموز الكبيرة التى كان لها يد فى صنع السياسات ولا يجب أن يعمم الأمر، خاصة إذا كان شخصا اضطر إلى مسايرة الوضع العام لإنهاء مصالحه، وإلا سيتم إقصاء نسبة كبيرة جدا من الشعب المصرى.

■ روايتك «حب فى المنفى» تركز على الأيادى الصهيونية والعلاقة بين الأنا العربية والآخر الغربى فهل المؤامرة الصهيونية حاضرة فى الثورات العربية وإعادة تشكيل المنطقة العربية.. وهل ما يحدث يندرج تحت ما يسمى «الفوضى الخلاقة» تعبير كونداليزا رايس الشهير؟

- الحمد لله أن المؤامرة الصهيونية واضحة وحاضرة عندى دائما ولم أتجاوزها وأعيها جيدا، ولكن القول بأن ما يحدث فى العالم العربى الآن مخطط ومدبر تحت مسمى الفوضى الخلاقة فهذا كلام فارغ. الثورات العربية هى نتاج إرادات شعوب يا ابنتى نحن على مدى عشر سنوات نخرج فى مظاهرات ضد النظام مكونة من ١٠٠ فرد أو ٢٠٠ ثم ألف واثنين، معنى ذلك أن البلد كان يتململ دائما حتى جاءت الفرصة، وليس الفضل فى نجاح ثورة يناير هو تدخل أمريكا وإنما الفرصة جاءت بفضل «ذكاء حبيب العدلى» فلولا ذكاؤه ما كان حدث شىء وكانت المظاهرة ستكون مثل مظاهرات كفاية وحسب.

أوباما فى أول يوم للثورة قال النظام فى مصر راسخ، وعندما وجد الأمر خرج عن الحدود انقلب الوضع وبدأ يتحدث عن دعم الثورة المصرية، ومن ناحية أخرى هل قولهم هذا أثر على مجازر ليبيا أو اليمن.

■ وهل تعتقد أن أمريكا وإسرائيل ستتركان المنطقة العربية تتشكل على غير هواهما ورغبتهما؟

- أنت مخطئة لأنك تعطى إسرائيل حجماً أكبر من حجمها.

■ فى إطار إيمانك بالوحدة الوطنية ما تقييمك لرواية «عزازيل» للكاتب يوسف زيدان؟

- لا تعليق.

■ هل يجب أن يتحرر الكاتب من كل القيود وهو يكتب أم يجب أن يضع فى رأسه المسؤولية الاجتماعية؟

- بالطبع يجب أن يضع فى اعتباره المسؤولية الاجتماعية، فمثلا لو خطرت ببالى فكرة سأكتب بها رواية تأخذ جائزة نوبل وشعرت أن هذه الرواية ممكن أن تسىء إلى بلدى أو وحدة بلدى فلن أكتبها.


--------------------------
نشرت في المصري اليوم بتاريخ 13 و14 يونيو 2011

http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=300298

المتابعون