د.أحمد عكاشة




النظام يخشى الشعب بدليل وجود مليون ونصف المليون ضابط و«عسكرى»
----------------------------------------------------
حوار رانيا بدوى ٢٢/ ١/ ٢٠١١
-----------------------------------------------------


وصف الدكتور أحمد عكاشة، أستاذ الطب النفسى البارز، محاولات الانتحار والشروع فيه، التى قام بها عدد من المواطنين، فى الآونة الأخيرة، بأنها «صرخة احتجاج»، على الأوضاع التى يعيشونها، وقال إن هذه الحوادث وراءها الرغبة فى توصيل رسائل سياسية للمسؤولين.

وأضاف «عكاشة»، فى حواره لـ«المصرى اليوم»، الذى أجاب فيه، عن ١٠ أسئلة «حساسة»، أن حرص الحكومة على التهدئة وعدم رفع الأسعار، بعد أحداث تونس، هو «قصر نظر سياسى»، وأكد أن كلاً من الشعب والنظام يخشى الآخر.. وإلى نص الحوار:

■ ارتفعت معدلات الانتحار والشروع فيه فى الآونة الأخيرة.. ما تفسيرك؟

- هى صرخة للاحتجاج على محنة أو كرب، والتعبير عن الإحباط الذى يمر به الإنسان، أما عن زيادة العدد فتفسيرها أنه بكثرة الحديث عن هذا النوع من الانتحار فى وسائل الإعلام، تزداد الظاهرة، ومن المرشح أن تزيد أكثر إذا تحدثنا عنها أكثر، وهذا ينطبق على جميع الظواهر النفسية من انتحار وقتل وسرقة واغتصاب، فهى ظواهر تنتشر بكثرة الحديث عنها، وفى دراسة أجريت فى السويد بعد ارتفاع معدلات الانتحار، وجد أن الإعلام أحد الأسباب، فمع منع ذكر الانتحارات لمدة ٦ أشهر فى الإعلام، وجد أن النسبة تقلصت ووصلت إلى ٤٣٪.

■ الحكومة وصفتهم بـ«مرضى نفسيين»؟

- هذا ليس أسلوب المريض النفسى فى الانتحار، فالمريض النفسى عندما ينتحر عادة ما يكون بآلة حادة ويصور له عقله أسباباً للانتحار لا علاقة لها بمرضه، أما هؤلاء المنتحرون فأسبابهم واضحة، هى البطالة وعدم الرضا عن أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية، فمنهم من ذهب أمام مجلس الشعب ظناً منه أنه مصدر القرار ليعبر عن شكواه ويلفت الانتباه لأوضاعه.

■ ما الفارق بيننا وبين الشعب التونسى؟

- كل الإخوة فى شمال أفريقيا عانوا طويلاً من الاستعمار الفرنسى ودخلوا فى حروب طويلة، وهذا ما جعل لهم شخصية تختلف عنا، فقد تعايشنا نحن مع الاستعمار التركى، أما الاستعمار الفرنسى فخرج بمفرده، والمواجهة مع الإنجليز كانت أحداثاً فردية، وهذا يعكس أن الشعب المصرى بطبعه يميل إلى المسالمة أكثر من المواجهة ويميل إلى الوسطية.

■ لكن الجوع وغلاء الأسعار يلتهمان الشارع المصرى حالياً؟

- نعم.. لكن للأسف المواطن المصرى متمركز حول ذاته، والدليل أن كل الإضرابات والاعتصامات تمت لأسباب فئوية وليست لهدف عام، ولم تحدث مظاهرة لسبب عام، إلا فى حالة خالد سعيد، قتيل الإسكندرية، فى تايلاند مثلاً نجد مظاهرات عارمة لعدم نزاهة الانتخابات، لكن فى مصر النظام يفعل ما يشاء فى الانتخابات ولا أحد يتحرك.

■ هل لغياب الطبقة المتوسطة دور فى ذلك؟

- من يقم بالثورات فعلاً الطبقة المتوسطة، والطبقة المتوسطة فى مصر نصفها نزل تحت خط الفقر، والنصف الثانى صعد إلى الطبقة الأعلى بطرق غير مشروعة.

■ انتحار ٦ مواطنين وبقاء الوضع مستقراً.. هل ذلك يزيد النظام اطمئناناً؟

- لا.. الشعب والنظام خائفان وتعادل الخوف هو الذى أحدث لحظة السكون هذه، كل قابع فى مكانه.. فالشعب يخاف الخروج إلى الشارع حتى لا يعتقل ويسجن.

■ ما دليل هذا الخوف؟

- عندما يكون لدى النظام مليون ونصف المليون ضابط وعسكرى أمن مركزى إذن هو نظام خائف، عندما يكون الأمن السياسى أهم من أمن المواطن إذن النظام خائف، إذا كانت ميزانية الأمن أكبر من ميزانية التعليم والصحة إذن النظام خائف.

■ لكن قيل إن ما حدث فى تونس لن يتكرر فى مصر؟

- حزنت لذلك الكلام واندهشت لتصريح «أبوالغيط» وأرى فيه استفزازاً أكثر للناس واستهزاء بمشاعرهم.

■ يحاولون تهدئة الأحوال بالتنبيه على التجار بعدم رفع الأسعار، ودول أخرى مثل الكويت منحت شعبها طعاماً مجانياً لعام كامل.. كيف تفسر هذه الحلول؟

- قصر نظر سياسى، وحلول وقتية لا طائل منها.. نحن نريد إصلاحاً كاملاً للأوضاع بممارسات استباقية حتى لا تقع الكارثة.

■ هل يمكن للحاكم أن يتراجع دون أن يصل بنا الحال إلى ما وصلت إليه تونس؟

- عادة صاحب القوة لا يتنازل أبداً إلا إذا رأى غضباً شعبياً، وإن كنا نأمل ألا نصل إلى هذه الدرجة من الخطورة.

محمد فائق




وزير الإعلام الأسبق عضو المجلس القومى لحقوق الإنسان (١-٢):
مشكلات الأقباط «المزمنة» يجب حلها قبل أن تجف دماء «شهداء القديسين»
----------------------------------------------
حوار رانيا بدوى ٨/ ١/ ٢٠١١
--------------------------------------------------


حذر محمد فائق، وزير الإعلام الأسبق، عضو المجلس القومى لحقوق الإنسان، من خطورة تجاهل حل مشكلات الأقباط «المزمنة»، على المجتمع المصرى، وطالب بسرعة تلبية مطالبهم قبل أن تجف دماء شهداء كنيسة «القديسين»، لإغلاق الباب أمام المتربصين بمصر، ومنعهم من العبث بأمنها، موضحا أن الحروب الكلامية بين المسلمين والمسيحيين على الإنترنت، ستتسبب فى كارثة حقيقية، إذا استمرت على ما هى عليه.

وقال «فائق»، فى حواره لـ«المصرى اليوم»: إن الدكتور محمد البرادعى، المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، لا ينوى الترشح لـ«الرئاسة»، وإنه ليس «زوبعة» وانتهت، كما يقول البعض، بدليل التوقيعات، التى تم جمعها على مطالبه للتغيير، مؤكدا أن الجمعية الوطنية للتغيير، تلفظ أنفاسها الأخيرة و«بتطلع فى الروح».

وتابع أن المجلس لن يكف عن المطالبة بإلغاء قانون الطوارئ، ووقف التعذيب والحد من الفقر، وقال إن رأس المال أصبح يسيطر على الحكم والقرارات الاقتصادية فى مصر، مدللا على ذلك بما سماه «الهجمة الشرسة على صفقة اللحوم الإثيوبية»، التى كانت تنوى مصر استيرادها لتخفيض سعر اللحوم فى الأسواق، والتى كان وراء وقفها رجال أعمال، وكذلك محاولة تأجيل المشروع النووى والمفاعل الذرى، التى كان خلفها أيضا رجال الأعمال.. وإلى نص الحوار:

■ بداية.. ما تعليقك على حادث «كنيسة القديسين»؟

- الحادث يريدون به تفكيك المجتمع، وضرب الوحدة الوطنية، وأحزننى كثيرا، لكننى سعدت لحالة التلاحم، التى رأيتها بين المسلمين والمسيحيين، حتى إننى علمت أن حوالى ٢٠٠٠ شاب تبرعوا بالدماء لضحايا الحادث، معظمهم من المسلمين، ورغم ذلك فإن كل ما أخشاه أنه وبعد أيام قليلة، ينتهى زخم الحادث، وتهدأ الأمور، دون أن نفعل شيئاً، لذا علينا البدء فورا فى تلبية مطالب المسيحيين، فهذا هو وقت الحل، قبل أن يجف دم هؤلاء الشهداء.

■ هل هناك علاقة بين عدم تنفيذ مطالب الأقباط والحادث؟

- الحادث إرهابى، لكنه يقوم على أرضية طائفية، بمعنى أن من وراء الحادث يريدون شق الوحدة الوطنية، لأنهم يعلمون أن هذه نقطة ضعف، ويعلمون بوجود توتر بين المسلمين والمسيحيين، وهم يقومون بمثل هذا الحادث ليقسموا العلاقة تماما، والدولة يجب أن تلبى مطالب المسيحيين، وتحل مشاكلهم المزمنة، لإغلاق الباب أمام المتربصين بنا.

■ ما الخطوات والمطالب، التى يجب أن نسرع فى تنفيذها ؟

- أولاً: إصدار قانون يمنع حظر التمييز سواء على أساس دينى أو اجتماعى أو طائفى أو على أساس الجنس أو اللون، والدستور يؤكد عدم التمييز والفرص المتكافئة، لكن لا يُفعَّل، ثانياً: قانون يجرم أى مساس بالأديان، ورغم أن هناك ما يجرم ذلك بالفعل فإنه أيضا لا ينفذ، وبعد ذلك هناك أمور أصعب، لأنها تحتاج جهداً أكبر، مثل قانون دور العبادة الموحد، والقانون قد يراه البعض سيجلب مشكلات، إلا أنه مهم، وعلينا البدء فى دراسته، لأن تركه هو الأصعب، لكن فى المقابل ما سبب تعطيل قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين.. ولماذا لم يتم الحكم فى قضايا الكشح ونجع حمادى وغيرها؟ لا أجد مبرراً لذلك، فكل هذه الأمور تتعلق بوحدة الوطن وسلامته، لذا لا يجب إغفالها أو التباطؤ فيها.

■ علت أصوات بعد الحادث تؤكد أن الدستور لم يذكر الدولة المدنية، وأنه استعاض عنها بكلمة المواطنة؟

- الدستور واضح فيه تماما أننا دولة مدنية، طبعا كان لا مانع من التأكيد على هذا المعنى أكثر، لكن المدنية واضحة، والمواطنة أيضا فى المادة الأولى من الدستور علينا فقط أن نفعلها أكثر، وأن نطبقها حتى ولو واجهتنا المشكلات والصعاب.

■ حمل بعض الشباب الغاضبون لافتات طالبت باستقالة وزير الداخلية.. ما رأيك؟

- الأمور الأمنية ليست بالبساطة التى يتصورها البعض، فاستقالة وزير الداخلية تحدث فراغاً أمنياً أكبر فى الدولة من الحادث نفسه.

■ هل كان مطلوبا من البابا شنودة خطاب أكثر صراحة ووضوحاً للتهدئة والتأكيد على أن الحادث إرهابى وليس فتنة طائفية؟

- تردد قليلا ثم قال: «كلام البابا كان واضحاً فى تهدئة الناس، لكن الأهم الآن هو تعديل الخطاب الدينى فى الجانبين، لأن الشباب المصرى فى خطر حقيقى.

■ بمعنى؟

- الأجيال الكبيرة تعى الأزمة، وواعية لخطورة الفتنة الطائفية، لكن الشباب الصغار، وما يحدث من الجانبين من فتنة طائفية، على موقع «فيس بوك» مثلا ينبئ بكارثة حقيقية، فهناك عالم آخر تماما وتبادل للسباب بشكل مخيف، والتطرف واضح جدا وخطير، لذا علينا التنبيه أن الشباب يحتاجون إلى رعاية.

■ هل آن أوان الاعتراف بوجود احتقان وتوتر فى الشارع المصرى؟

- نعم التوتر موجود والاحتقان موجود، لكن فى مناطق ومناطق، والفقر له عامل كبير فى تأجيج هذه المشاعر، فمثلا أغنياء الأقباط لا يشعرون باضطهاد ولا احتقان، إنما يظهر ذلك جليا فى المناطق الفقيرة.

■ ننتقل إلى الأزمات السياسية التى تمر بها مصر.. ما موقفك من انتخابات مجلس الشعب الماضية؟

- أعترف بأن الانتخابات حدث بها العديد من التجاوزات والانتهاكات تشمل التزوير وغيره، لكن ما يدعو حقيقة للقلق هو استبعاد المعارضة من مجلس الشعب، وهنا أود أن أؤكد أنه لا ديمقراطية أبداً دون معارضة قوية.

■ ماذا لو لم توجد معارضة نهائيا.. هل يمكن القول إنه لا توجد ديمقراطية على الإطلاق؟

- نحن بعيدون تماما عن الديمقراطية فى مصر.

■ هل ما حدث فى انتخابات مجلس الشعب من انتهاكات يوازى ما حدث فى انتخابات مجلس الشورى أم يفوقه؟

- ابتسم قائلا: الأسلوب مختلف لكن النتيجة واحدة.

■ هل تعتقد أن موقف المجلس القومى لحقوق الإنسان كان كافيا تجاه ما حدث من انتهاكات فى الانتخابات؟

- المجلس أصدر أكثر من بيان، يقول إن هناك انتهاكات وتجاوزات، وصرح بذلك الأستاذ مكرم محمد أحمد، إضافة إلى بيان صدر من مكتب الشكاوى، لكن انتظروا قريبا تقريرا مفصلا سيصدر من المجلس القومى لحقوق الإنسان، يرصد الانتهاكات والتزوير والتجاوزات، وعدم تطبيق القانون فى انتخابات مجلس الشعب الماضية.

■ ما تبعات استبعاد المعارضة من مجلس الشعب وهيمنة الحزب الوطنى عليه فى المرحلة المقبلة ؟

- سيؤثر ذلك على الرقابة والتشريع، فالرقابة على أداء الحكومة ستقل كثيرا، والقوانين ستخرج بلا مناقشات أو سماع وجهة النظر الأخرى.

■ ما حدث فى الانتخابات هل كان مقصودا به التمهيد للانتخابات الرئاسية فقط أم أيضا لتمرير القوانين المراد إقرارها؟

- إذا اعتبرنا ما حدث كان تمهيدا للانتخابات الرئاسية، فهو تمهيد سيئ للغاية، لأن الناس ستكون متوقعة أن تسير الانتخابات الرئاسية بنفس الأسلوب، أما إذا كان ما جرى بغرض تمرير القوانين التى يريدونها، فالأمر الآن أصبح سهلا للغاية.

■ بعد انتخابات مجلس الشعب وما حدث بها.. كيف ترى انتخابات الرئاسة المقبلة؟

- الانتخابات الرئاسية ستكون خطيرة جدا إذا خرجت عن الرئيس مبارك، لأن الدستور به أمور معيبة للغاية، صحيح المادة ٧٦ فتحت الباب للترشح للرئاسة، إلا أنها قيدت بشدة هذا الترشح، بحيث لا تجعل الرئاسة تخرج عن الحزب الحاكم.

■ إذن يجب تغيير الدستور قبل الانتخابات؟

- طبعا نتمنى ذلك، لكن على الأقل يجب أن يتغير إن آجلا أو عاجلا، لأن أى شخص سيأتى فى ظل الدستور الحالى إذا لم يكن «مبارك» هو المرشح سيكون بلا شرعية.

■ الأحزاب وبعض القوى تتهم الجمعية الوطنية للتغيير والدكتور محمد البرادعى بأنهما زوبعة وانتهت؟

- الدكتور البرادعى ليس «زوبعة»، ويكفى أنه حصل على مليون توقيع من الرأى العام، وكما يقولون إن «البرادعى» ألقى حجرا فى المياه الراكدة، وعلى ما أظن أنه لا ينوى أن يتقدم للترشح للرئاسة، هو فقط أراد أن يثبت أمرا مهما، وهو أن شخصاً لديه مليون توقيع من الرأى العام، ومع ذلك لا يمكنه الترشح لرئاسة الجمهورية، والرسائل فى ذلك مهمة وخطيرة، لأنه يثبت خطأ دستورياً كبيراً.

■ لكن هل انتهت الجمعية الوطنية للتغيير من الساحة السياسية؟

- تلفظ أنفاسها الأخيرة، وبالبلدى كده بتطلع فى الروح.. إلا إذا غيرت أسلوب عملها.

■ الدكتور مفيد شهاب قال قبل بدء الانتخابات: « ٨٨ مقعداً للإخوان أمر صعب أن يتكرر» فما تعليقك؟

- مصادرة مسبقة فى حينها، فربما كان يتنبأ، وإن كان من الصعب لأحد أن يتنبأ بذلك لو أنه كان يعلم أن الانتخابات ستكون سليمة.

■ الكل كان يأمل فى تعديل قانون ممارسة الحقوق السياسية قبل الانتخابات ومع ذلك أحبطت الآمال وتم تخصيص كوتة للمرأة؟

- أولا: أنا مع كوتة المرأة، لكن لفترة محدودة، أما لماذا لم يتم تعديل القانون، فذلك لأن التعديل كان سيوجب الإصلاح وتكافؤ الفرص، وهم لا يريدون تكافؤ الفرص.

■ التلويح بمقاطعة الانتخابات من قبل بعض الأحزاب والقوى السياسية هل كان مناورة سياسية أم تعنى الارتباك؟

- كانت مناورة سياسية «خايبة» والنتيجة أنهم لم يحصلوا على شىء، فكان يجب التمسك بموقفهم ليحصلوا على ما يريدون لكن للأسف هم مختلفون فيما بينهم، والنظام كان يعلم ذلك.

■ ما حدث مع الإعلام قبل الانتخابات هل كان مقصودا؟

- التوقيت جعل البعض يظن ذلك، وأنا لا أستبعد أنه كان مقصودا، لأن الحزب الوطنى كان ممسكاً بمقاليد الأمور جيدا، ويفهم تماما ماذا يريد وماذا عليه أن يفعل للوصول إلى ما يريد، وأظن أن تخوف الإعلام فى محله لأنه ربما يستمر التضييق عليه لفترة.

■ لكن البعض قال لو كان الحزب الوطنى بهذا الذكاء فى التخطيط لما كنا فى الحالة التى وصلت إليها مصر الآن؟

- ضحك بشدة وقال: فى الحاجات دى هما بيفهموا كويس، ويعرفون كيف يخططون فى مثل هذه الحالات، ولو أنهم كانوا أذكياء حقا لغيروا النظام بالكامل.

■ كيف ترى حظر العمل السياسى فى الجامعة وتصريح وزير التعليم العالى «سأقطع لسان من يروج لشعارات سياسية داخل الجامعة»؟

- من حق الطالب الجامعى أن يتعلم السياسة ويمارسها داخل الجامعة ويتدرب عليها تحت إشراف أساتذته، فإن لم يتعلمها فى الجامعة فسيتعلمها أين ومتى؟ وقرار منع السياسة من الجامعة خطأ كبير جدا ووضع غريب جدا، بل يعطى فرصة للتطرف والمتطرفين للعمل داخل الجامعة كيفما يشاؤون، أما إذا كان هناك شباب متدرب على السياسة ويفهمها فلن يقع فريسة للتطرف، ثم إن منع السياسة فى الجامعة يعنى القضاء على الكوادر السياسية فى المستقبل.

■ إذن أنت مع خروج حرس الجامعة إلى خارج الأسوار؟

- لا شك أن دور وحجم الحرس الجامعى تضخم للغاية، وأصبح يتدخل فى اختيار عمداء الكليات وتقييم الأساتذة، وهذا موجود ومعمول به، لذا يجب أن يخرج الحرس خارج الأسوار.

■ من إذن يحمى أمن الجامعة من الداخل.. هم يقولون ماذا لو كرر الإخوان مثلا العرض العسكرى أو عرض «الميليشيات»؟

- لو كانت هناك سياسة فى الجامعة لما ظهرت هذه الظواهر، والأساتذة والطلبة يمكنهم تأمين الجامعة والحفاظ عليها، لذا يجب تدريب الطلبة وبناء كوادر مسؤولة.

■ وضعتم الفقر على رأس أولويات المجلس القومى لحقوق الإنسان وأنت عضو به.. كيف تصف حجم الفقر وهل تؤمن الحكومة بوجوده؟

- أنا قلق جدا جدا من اتساع دائرة الفقر فى مصر، فالنمو الاقتصادى الذى يقولون عنه ربما يكون موجودا فعلا، لكنه لا ينعكس على الفقراء إطلاقا، فهناك خلل ما، وما يشعرنى بالقلق أكثر أنه كلما أثيرت أزمة توزيع عوائد النمو يقولون إن نتائج العملية التنموية لم تظهر بعد، وهنا أتساءل متى إذن ستظهر؟ ومتى سيشعر بها المواطن؟ ومع ذلك كنت أنتظر أن يتم التغلب على أزمة توزيع عوائد النمو الاقتصادى بوضع خطط للتنمية تشمل محدودى الدخل، لكن بدلا من مراعاة الفقراء فى خطط التنمية وضعنا سياسة ضريبية تهلك الطبقة المتوسطة، فالسياسة الضريبية التى تنتهجها الحكومة الآن خطيرة جدا.

■ هل يمكن أن نقول إنها ضد حقوق الإنسان؟

- طبعا فالضريبة العقارية التى تفرض على المسكن لا شك أنها ضد حقوق الإنسان.

■ لكن الدول الغربية التى تراعى حقوق الإنسان تفرض ضريبة عقارية على مواطنيها حسب قول الحكومة؟

- صحيح، لكن لا يجب أن يقارنوا دخل المواطن المصرى بدخل المواطن فى أمريكا أو إنجلترا، الأجور هناك مرتفعة، أما هنا فالطبقة المتوسطة محملة بأعباء ضخمة زادت منها السياسة الضريبية التى تسببت فى تآكل الطبقة المتوسطة، ونزولها إلى مؤشر الفقر، فمثلا نجد المواطن الذى يملك جهاز تكييف أو اثنين فى منزله يقولون له ادفع الكهرباء بالسعر العالمى، ويضعون من يملك سيارة فى فئة القادرين، فى حين تجدين المواطن اشتراها بالتقسيط وتحمل أعباءها نظرا لأن المواصلات العامة سيئة للغاية، باختصار الطبقة المتوسطة تتآكل وتتجه نحو الفقر، والفقر أكبر انتهاك لحقوق الإنسان.

■ ألن يزداد الفقراء فقرا بعد أن أصبح رجال الأعمال وزراء وأعضاء بمجلس الشعب؟

- لا شك أن هناك سيطرة لرأس المال على الحكم وعلى القرارات الاقتصادية فى مصر، والدليل مثلا الهجمة الشرسة على صفقة اللحوم الإثيوبية التى كانت تنوى مصر استيرادها لتخفيض سعر اللحوم فى الأسواق، والتى كان وراء وقفها رجال أعمال مصريون، كذلك محاولة تأجيل المشروع النووى والمفاعل الذرى المتمثلة فى الهجمة الشرسة على موقع الضبعة، التى كان خلفها أيضا رجال الأعمال، وغيرها من مصالح البلد التى وقف أمامها رجال الأعمال من أجل مصالحهم الخاصة، فقد أثرت سيطرة رجال الأعمال على نظام الحكم وعلى الوضع الاقتصادى وتوازن المجتمع، والنتيجة تصادم المصالح الذى أصبح يحدث كثيرا فى اتخاذ القرارات الاقتصادية.

■ بصراحة.. هل كان مجلس حقوق الإنسان فى عهد الدكتور بطرس غالى مختلفا عما هو عليه حاليا فى وجود المستشار مقبل شاكر؟

- ابتسم قائلا وقد فطن إلى ما خلف السؤال: لا تنسى أن الدكتور بطرس غالى لا يزال موجودا فى رئاسة المجلس، لكن عموما اتخذنا قرارا بعدم التراجع عن المكتسبات الماضية، ولا عن القرارات والأهداف التى تم وضعها وعلى رأسها العمل على إلغاء حالة الطوارئ، وسنظل نطالب بالإلغاء لأن وجود حالة الطوارئ يعنى تجميد حقوق الإنسان تماما، ثانيا التعذيب فى السجون حيث وضعنا مشاريع قوانين لوقف عمليات التعذيب، وثالثا القضاء على الفقر.

■ هل الهدف إلغاء قانون الطوارئ لصالح الإرهاب؟

- رأى المجلس أنه لا ضرورة لقانون الإرهاب لكن إذا وجد لا يجب أن يلغى ضمانات الحريات، لكن رأيى الشخصى نحن لسنا فى حاجة إلى قانون الإرهاب، لأن لدينا ما يكفى من نصوص فى قانون العقوبات ولدينا قانون للإرهاب سبق أن وضع، وقالوا وقتها تبريرا لتشريعه إننا نريد إلغاء قانون الطوارئ، ما أعنيه أن لدينا ترسانة كافية من القوانين لردع الإرهاب ولسنا فى حاجة إلى قانون جديد.

■ باعتبارك كنت مسؤولا عن ملف أفريقيا فى عهد «عبدالناصر».. كيف ترى المأزق الذى يمر به السودان، وانفصال الجنوب الذى بات مؤكدا؟

- كل الأزمات التى يمر بها السودان الآن، للأسف الشديد، سببها حسن الترابى، منذ أن كان فى الحكم، فآنذاك كان النظام يفرض اتجاها واحدا على الدولة، وهو الإسلام السياسى، فقد تصور «الترابى» أنه يمكن أن يدخل أفريقيا بالإسلام السياسى، ومن يعرف أفريقيا جيدا يعرف أنها قارة شديدة التعددية فى اللغة والدين، فمثلا فى نيجيريا من الممكن أن تجدى أبا لا دين له، الابن الأكبر مسلم، والثانى مسيحى، ولا يوجد عصبية دينية داخل الأسرة، لذا إذا دخلت بفكر الإسلام السياسى فى دول بها هذه التعددية فأنت تثيرين حفيظة الجميع، وقد أساء ذلك لعلاقات السودان مع دول الجوار مثل تشاد وأوغندا وكينيا وإثيوبيا وإريتريا.

■ هل أثر ذلك على نظرة الأفارقة للعرب والمسلمين؟

- طبعا إلى حد كبير كان لذلك تأثير سلبى.

■ ننتقل إلى انفصال جنوب السودان عن شماله؟

- الانفصال خسارة كبيرة، وأرجع الأمر مرة ثانية للسياسات السودانية الخاطئة، وحسن الترابى أعتبره المتسبب الأول فى انفصال جنوب السودان عن شماله، لأنه أول مسؤول يتحدث عن تقرير المصير والانفصال.

■ ما تأثير الانفصال على مصر فى نظرك؟

- لا أعتقد أن التأثير سيكون سلبيا لو كانت علاقتنا بالجنوب جيدة، وهذا ما نسعى إليه الآن، وبالطبع لا نتمنى الانفصال للجنوب، لأمن السودان أولا، ولأنه عمقنا الاستراتيجى ثانيا، وحتى لو تفاءلنا وقلنا إنه لن تحدث حروب بين الشمال والجنوب، فأنا أتوقع حروبا ضارية بين مكونات الجنوب نفسه، وأنها ستكون خطيرة للغاية، لأنه لا توجد مقومات دولة فى الجنوب،إضافة لسيطرة بعض القبائل على كل شىء، كما أن هناك قبائل أخرى ترى أن الانفصال ليس فى مصلحتها، إضافة لمنطقة أبيى التى أتوقع أن تكون منطقة مشتعلة دائما.

■ ما رأيك فى تسفيه اقتراح «الكونفيدرالية» الذى نصحهم به وزير الخارجية المصرى وما صرح به وزير التجارة السودانى بأن على مصر ألا تعمل على تعقيد الأمور؟

- هذا هو الثقل الذى نتحدث عنه، كان مستحيلا فى الماضى أن يجرؤ أحد أن يفعل ذلك، كانت هناك رهبة واعتبار لمصر وأنها دولة لا تجوز خسارتها.

■ هل ضاع حرص السودانيين والأفارقة على مصر؟

- للأسف الشديد نعم ولم يكن ذلك يحدث فى الماضى.

■ علقت جميع أزمات السودان على عاتق الترابى ولم تذكر البشير؟

- لا شك أن نظام الحكم السودانى ضالع فى العديد من الأزمات، لكنى أقصد أن «الترابى» هو من أسس لهذه السياسات.

■ هل ترى أن جرائم دارفور تتم بعلم «البشير»؟

- هناك جرائم ترتكب من الحكومة السودانية وأخرى من قبل المتمردين، والبشير بالطبع مسؤول عن جزء مما يحدث، وإن كانت المحكمة الجنائية تعجلت فى اتهام البشير وتأخرت فى اتهام المتمردين.

■ هل تعتقد أن محاكمة «البشير» وغيره من المتمردين كان يجب أن تكون أمام محكمة سودانية؟

- وقتها كان سيصبح الوضع ألعن، فالقضاء السودانى لا يستطيع القيام بهذه المهمة لأنه غير مستقل، فى حين كان فى الماضى مشهودا له بالاستقلال، لكن الوضع تغير، فـ«البشير»، ومن قبله الترابى، تدخلوا فى القضاء، فأفقده استقلاله، لكن ربما تكون المحكمة الأفريقية بديلاً جيداً فى المستقبل.

------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
وزير الإعلام الأسبق عضو المجلس القومى لحقوق الإنسان لـ «المصري اليوم» (٢-٢): محمد فائق:
مصر فقدت هيبتها فتجرّأت عليها الدول.. وصراعها مع إسرائيل أصبح «حرب مصالح»
-------------------------------------------------------
أجرت الحوار رانيا بدوى ١٢/ ١/ ٢٠١١
-------------------------------------------------------

قال محمد فائق، وزير الإعلام الأسبق، عضو المجلس القومى لحقوق الإنسان، إن الولايات المتحدة الأمريكية مارست ضغوطا شديدة على مصر، لمنعها من التصديق على الاتفاقية المنشئة للمحكمة الجنائية الدولية، وإن مصر وعدداً من الدول العربية الأخرى امتثلت لهذه الضغوط.

وانتقد «فائق»، فى الجزء الثانى من حواره لـ«المصرى اليوم»، تأخر مصر المستمر فى التصديق على الاتفاقيات الأفريقية، مثل اتفاقية «محكمة العدل وحقوق الإنسان الأفريقية». وقال إن مصر تنازلت عن دورها العربى بالكامل بإغلاق المعابر أثناء أزمة غزة، وإن إسرائيل هى العدو الوحيد لمصر فى أفريقيا، التى قال إن الحرب بينها وبين القاهرة أصبحت حرب مصالح. وأضاف أن التجرؤ على مصر حاليا أصبح وضعا طبيعيا، بعد أن فقدت هيبتها، على حد قوله.

كان «فائق» قد حذر، فى الجزء الأول من حواره، من خطورة تجاهل حل مشكلات الأقباط، وطالب بسرعة تلبية مطالبهم قبل أن تجف دماء شهداء كنيسة «القديسين»، موضحا أن الحروب الكلامية بين المسلمين والمسيحيين على الإنترنت ستسبب كارثة حقيقية، إذا استمرت على ما هى عليه. وأكد أن المجلس القومى لحقوق الإنسان لن يكف عن المطالبة بإلغاء قانون الطوارئ، ووقف التعذيب والحد من الفقر.. وإلى نص الحوار:

■ ما موقفك من المحكمة الجنائية الدولية بشكل عام؟

- أنا أؤيدها جدا، فهى مطلب جماهيرى وشعبى، ومصر كذلك كانت متحمسة جدا لهذه المحكمة فى البداية، ومستعدة للتوقيع على اتفاقيتها.

■ كيف؟

- لدىّ معلومات بأننا كنا من أشد المؤيدين لهذه المحكمة.

■ ما الذى حدث بعد ذلك؟

- اسأليهم.

■ قلت إن لديك معلومات.. فلتقل إذن ما أسباب عدم توقيع مصر مادامت كانت من أشد مؤيدى المحكمة؟

- تم الضغط على مصر بشدة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية لعدم التصديق عليها، وللأسف امتثلت مصر لهذه الضغوط.

■ لماذا مارست أمريكا هذه الضغوط على مصر.. ولم تمارسها على الأردن؟

- أولا أمريكا كانت ضد المحكمة لما يرتكبه الأمريكيون من جرائم قد تعرضهم لمحاكمة جنودهم فى هذه المحكمة، كأن يحاكم الجنود الأمريكيون على ما فعلوه فى العراق على سبيل المثال، لذا ضغطت على مصر، وكذلك العرب تعرضوا لنفس الضغوط، ورأيى أنهم فقط لم يسارعوا فى إخبار الأردن بعدم التوقيع، خصوصا أنهم يعتبرون الأردن معهم على طول الخط فلم يولوا الأمر اهتماما، ظنا منهم أن الأردن لن تأخذ وقتا فى الإقناع فتركوها حتى وقّعت، أما جيبوتى فوقّعت تحت التأثير الفرنسى عليها.

■ تتردد كثيرا جملة «مصر أهملت أفريقيا» فهل لك أن تحدد لنا تفاصيل هذا الإهمال وأبعاده؟

- صور إهمالنا لأفريقيا كثيرة، على رأسها أننا نتأخر دائما فى التصديق على الاتفاقيات الأفريقية الجديدة، مثلما فعلنا فى اتفاقية «محكمة العدل وحقوق الإنسان الأفريقية»، فحتى الآن لم تصدق مصر عليها، والنتيجة أنه لا يوجد قاض مصرى فى تشكيلها، ولا أجد مبررا ولا سببا واضحا أو منطق لهذا التأخير، كذلك تأخرنا فى التوقيع على البروتوكول الخاص بالاتحاد الأفريقى، تأخرنا فى التوقيع على اتفاقية الاتحاد الأفريقى، وكذلك اتفاقية مجلس السلم والأمن الأفريقى، وكانت النتيجة أنه لم يكن لدينا مفوض عام واحد فى الاتحاد الأفريقى، ولم توكل إلى مصر أى مهمة من مهام مؤسسات الاتحاد، والسمة الغالبة أننا نتأخر فى التصديق على كل الاتفاقيات الأفريقية، هذا إن وقعنا.

مثال آخر، عندما أقامت أوغندا احتفالية إحياء حركات التحرر وتكريم من ساعدوهم، وعلى رأسهم مصر والرئيس الراحل جمال عبدالناصر، قاموا بدعوة عدد من الشخصيات المصرية جميعها لم يحضر، أنا أيضا دعيت ولم أحضر، لأننى كنت أجرى عملية فى ألمانيا فى نفس التوقيت، لكننى فوجئت بأن جميع المدعوين المصريين لم يذهبوا ومنهم الدكتورة هدى عبدالناصر، رغم أن تلبية مثل هذه الدعوات لها تأثير إيجابى على الأفارقة، على الجانب الآخر تجدين الوزراء والمسؤولين المصريين يسارعون بتلبية المؤتمرات التى تقام فى الغرب، ويتجاهلون أى مؤتمر فى أفريقيا، فهناك إهمال سياسى لأفريقيا .

■ هل يمكن القول إن هذا الإهمال السياسى انعكس على الإعلام فأصبح هناك إهمال إعلامى لأفريقيا؟

- نعم هناك إهمال كبير لأفريقيا من جانب الإعلام المصرى، ففى وقت من الأوقات كنا نذيع بـ٢٥ لغة إلى أفريقيا، تم وقفها جميعا مؤخرا بـ«جرة قلم» من وزير الإعلام أنس الفقى، دون توضيح للأسباب، وجاء المذيعون الأفارقة يصوتون ويبكون لى كى أساعدهم، وللأسف لم أستطع أن أفعل لهم شيئاً، وأُصبت بحزن شديد لما لهذا القرار من تبعات سيئة، فالإعلام كان إحدى أهم الوسائل التى تربطنا وتقربنا من أفريقيا، وتجعلنا نؤثر فيهم، إضافة إلى أن الصحف المصرية لا تكاد تذكر شيئا عن أفريقيا، وإن ذكرت يكون ذلك بأخبار محدودة، بعكس جريدة مثل «الحياة» التى تولى أفريقيا اهتماما ملحوظا، وكان من الأحرى بالصحف المصرية أن تقوم بهذا الدور.

■ ألا يوجد اتصال بينك وبين أنس الفقى بحيث يمكنك أن تشرح له خطورة هذا القرار؟

- لا توجد علاقة.

■ هل تعتقد أن إهمال أفريقيا بكل صوره كان عن عمد؟

- ربما عن عمد، لكن ليس هذا هو المهم، المهم أن الواقع يقول إن هناك إبعاداً لأفريقيا من الأولويات المصرية.

■ هل الإهمال بدأ منذ عهد «السادات».. وإلى أى مدى وصل تجاهلنا لأفريقيا فى عهد «مبارك»؟

- إهمال أفريقيا بدأ بالفعل تدريجيا، فى عهد «السادات»، لكنها أهملت أكثر بعد ذلك، رغم وجود علاقات متينة مع أفريقيا، بنيناها منذ مرحلة التحرر، وقبل مرحلة التحرر، فعلى سبيل المثال اللغة العربية كانت لغة أصيلة فى أفريقيا، فكلما بحثنا فى تاريخ أفريقيا وجدنا أن معظم التاريخ القديم مكتوب باللغة العربية، لكن الاستعمار أراد بعد ذلك أن يبدأ تاريخ أفريقيا بتاريخ الاستعمار، وهذا غير صحيح، لأنه كانت توجد إمبراطوريات عظيمة فى أفريقيا، ودول ذات شأن عظيم قضى عليها الاستعمار. وبالطبع لم يكن يفترض أن نعتمد فقط، على هذا الميراث، وكان يجب أن نبنى عليه، لكن هذا ما لم يحدث، بل خسرنا الميراث نفسه.

■ هناك وجهة نظر تقول إن «كامب ديفيد» كانت بمثابة كارت أخضر لتوغل إسرائيل فى أفريقيا؟

- قبل اتفاقية «كامب ديفيد»، كان هناك صراع كبير بين مصر وإسرائيل حول أفريقيا، وكانت إسرائيل تعتمد على الاستعمار الموجود فى الدول الأفريقية فى تسهيل مهماتها، وكانت تسعى لتوطيد علاقاتها بالدول الأفريقية، حتى إذا ما رحل الاستعمار بقيت علاقاتها قوية معها، ولطالما أفشلت مصر خططاً كثيرة لإسرائيل فى أفريقيا، لكن بتوقيع معاهدة كامب ديفيد انتهى هذا الصراع القوى، وبدأت إسرائيل تتغلغل فى أفريقيا، وزاد الأمر عندما صافح «عرفات»، «بيجين» فى البيت الأبيض، حيث أعلن وقتها حوالى ٥٠ دولة اعترافها بإسرائيل، ومنها دول أفريقية، وبدأت تفتح أبواب أفريقيا لإسرائيل، خاصة أن مصر أصبحت ترتبط معها بمعاهدة سلام، ولا توجد بينها حرب، كما كان فى السابق، ولكن أظن أنه فى مصر بدأوا ينتبهون مؤخرا لخطورة التواجد الإسرائيلى، لذلك حدث نوع من الصحوة تجاه أفريقيا.

■ هل كان من الممكن أن تحدث هذه الصحوة لو لم تحدث أزمة حوض النيل؟

- لا أعتقد، فالصحوة بالفعل جاءت نتيجة أزمة دول حوض النيل والصراع على المياه.

■ كان وزير الرى قال فى حوار لـ«المصرى اليوم» إن أزمتنا مع دول حوض النيل إعلامية فى الأساس.. ما رأيك؟

- لا أود أن أرد على الوزير، لكن وجود اتفاقية يتم التوقيع عليها من قبل بعض دول حوض النيل واستثناء مصر منها، والرغبة فى تنفيذها، لاشك أنه يعبر عن أزمة، الأزمة موجودة بلا شك، ولا يمكن اعتبارها أزمة إعلامية، لكن فى النهاية هى أزمة يمكن التغلب عليها، خاصة أن النصاب القانونى من عدد الدول الموقعة على الاتفاقية، الذى يضمن تنفيذها لم يكتمل بعد.

■ هل يمكن عرض أزمتنا مع دول حوض النيل على محكمة العدل إذا تعذر الوصول إلى حل يرضى جميع الأطراف؟

- بالطبع لو أن هناك نزاعا بين دولتين أو أكثر يمكن عرضه على المحكمة.

■ هل لها صلاحيات؟

- نعم وأنا أتوقع أنها ستقوم بدور جيد جدا، فقط كنت أتمنى أن تكون مصر ممثلة فيها بقضاة مصريين.

■ هل تعتقد أنه من السهل لملمة الأمور وحل الأزمات والتقرب إلى أفريقيا من جديد؟

- لا أستطيع القول إن الأمر سهل، لكن من الممكن إلى حد كبير أن تستعيد مصر دورها، لكن يجب أن يكون الدور كاملا.

■ كيف؟

- بأن تبدأ مصر استعادة دورها عربيا أولا، فحتى يتم الوصول إلى أفريقيا يجب أن يكون لمصر دور عربى مقبول، ف«جمال عبدالناصر» دخل جميع معاركه ليس بقوة مصر وحجمها فقط إنما بقوة العرب، ومصر صحيح من دول العالم الثالث، لكنها بالعالم العربى قوة لا يستهان بها، وإذا تنازلت عن دورها العربى تكون قد أهدرت كل شىء.

■ لكن العالم العربى تغير، وأصبح لم شمله من رابع المستحيلات، وأصبح لكل دولة انتماءاتها الخارجية؟

- أنا معك لكن أفعال مصر تزيد الأمر سوءاً، فمثلا عندما تغلق مصر المعابر فى أزمة غزة فهى تتنازل عن دورها العربى بالكامل.

■ ماذا تفعل مصر إزاء الضغوط الأمريكية؟

- مصر يجب ألا تستسلم لجهة ما، وأنا معك أن الأوضاع العالمية تغيرت ولم يعد هناك قوتان وحيدتان فى العالم كما كان الوضع فى السابق، الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتى، بل أصبحت هناك قوة واحدة تسيطر على الأوضاع، وتجعل حركة مصر أصعب، لكن مع ذلك هذا ليس مبرراً للامتثال للضغوط، فهناك دول رغم هذه الهيمنة استطاعت أن تتحرك وتوجد لنفسها مكانة.

■ البعض يقول إن الأزمة الاقتصادية الخانقة التى تمر بها مصر تشغلها عن لعب أى دور خارجى وبقيت الساحة لدول أخرى غنية؟

- أنا أرفض هذا التصور.. الدور لا يقوم على المال فقط، نعم للمال بعض التأثير، لكن يجب ألا نغفل أنه لا أحد يرمى أمواله فى الهواء، فمن يدفع مليماً يعرف أنه سيجنى استفادة من ورائه، فالقضية قضية مصالح، لكن ما أود التأكيد عليه هو أن الدور ليس دائما يعتمد على المال.

■ مصر كانت تدفع أموالا للدول الأفريقية لتساعدها على التحرر ودفعت أموالا كمعونات لـ«غزة» ودفعت أموالاً لمساعدة جنوب السودان لذا يجب عدم إغفال دور المال؟

- كنا فى الماضى نساعد بعض الدول اقتصاديا دون أن ندفع مليما واحدا.

■ كيف؟

- كنا نعتمد على كيفية إيجاد مصالح مشتركة، فمثلا الصومال فى مرحلة من المراحل كانت الشركات الإيطالية تحتكر إنتاج الموز بها، فحضر رئيس الوزراء إلى مصر يستنجد بنا، فقررت مصر أن تصدر إنتاجها من الموز للخارج، وأن تشترى الموز الصومالى للاستهلاك الداخلى، وهى مساعدة لن تكلف مصر أموالا، ومع ذلك لم يكتمل الأمر لأنه بمجرد أن شعرت إيطاليا بالأمر تراجعت عن الضغط على الصومال، ومثل هذه المواقف تساعد اقتصاديا ولا تكلفنا شيئاً، تماما مثل أن نأخذ أراضى فى السودان لزراعتها بالقمح مما يحقق المنفعة والاستفادة الاقتصادية المشتركة دون أن ندفع شيئاً، وكذلك عندما نقيم مصانع فى أوغندا، كلها استثمارات تعد مساعدة اقتصادية للدول الأفريقية ومنفعة لنا فى الوقت نفسه.

■ إذن المسألة فى حاجة إلى إرادة وقرار سياسى؟

- نعم.. قرار بأن توضع أفريقيا على رأس الأولويات.

■ كيف؟

- أولا يجب فتح الجامعات المصرية أمام الطلبة الأفارقة كما كان الوضع قديما، لأن ذلك يعد أكبر استثمار فى أفريقيا، فمن يتعلمون فى مصر يدينون بالولاء لها وينقلون ثقافتها إلى بلادهم ويحملون حب مصر فى قلوبهم عندما يتقلدون المناصب فى دولهم، لكن للأسف أغلقنا هذا الباب تماما الآن.

■ لماذا؟

- لا تسألينى، بل اسأليهم، وأظن أن الموضوع توفير اقتصادى، وبالطبع هذا قرار خاطئ، لأن التعليم يعد استثمارا وليس عبئاً اقتصادياً، ما أريد قوله إن هناك أشياء بسيطة جدا يمكن فعلها من شأنها تقوية العلاقات دون أن ندفع شيئاً، الدور ليس مالاً.. الدور موقف.

■ ماذا عن باقى الجهود؟

- أن نستثمر فى أفريقيا، فهى قارة بكر.

■ لكن بعض رجال الأعمال يخشون وضع أموالهم فى دول غير مستقرة أمنيا؟

- هناك عدد من الدول لديه استعداد لتوفير جميع الخدمات والتأمين للمستثمرين، فقد اتصل بى عدد من رؤساء الدول الأفريقية، منهم رئيس دولة نامبيا على سبيل المثال، الذى قال لى إنهم يعانون ضغوطا شديدة تمارسها الشركات الألمانية على الحكومة، حيث كانت نامبيا مستعمرة ألمانية فى السابق، والآن تسيطر الشركات الألمانية على معظم الاستثمارات بها، فقال لى إنه يتمنى أن يفتح الباب أمام الاستثمارات العربية والمصرية.

■ هل تنقل مثل هذه الرسائل والمطالبات الأفريقية للمسؤولين فى مصر؟

- نعم .. بعضها على الأقل.

■ على أى مستوى؟

- بعضها على مستوى الوزراء، وهناك اتصال محدود بوزير الخارجية.

■ ماذا عن الرئيس مبارك؟

- فى بداية حكم الرئيس مبارك كانت هناك علاقات جيدة ووثيقة، وكان يكلفنى بمهمات عربية كبيرة أثناء انقطاع العلاقات العربية، لكن حاليا لا توجد علاقة.

■ لماذا؟

- اسأليهم، أنا لا أجرى خلف هذه الأمور.

■ هل أحدثوا وقيعة بينك وبين الرئيس؟

- ابتسم قائلا: اسأليهم.

■ هل تعتقد أن المحاولات الحالية لتدارك الأخطاء فيما يخص أفريقيا تسير فى الاتجاه الصحيح؟

- لم يظهر بعد شكل الطريق الذى يسيرون فيه، لكن المهم أنهم بدأوا.

■ تنتشر حاليا أقاويل بأن العرب يريدون تعريب أفريقيا، وبالتالى ظهرت دعوات تحث الأفارقة على التصدى لهذه المحاولات.. كيف ترى المشهد؟

- هذا الكلام يتردد بالفعل لكنه غير صحيح بالمرة، العرب أفارقة بالأساس، وثلثا الأمة العربية موجود فى قارة أفريقيا، و١٠ دول عربية منضمة للاتحاد الأفريقى، وبالتالى الفصل بين العرب والأفارقة هو فصل تعسفى.

■ أعلنت إيران، أكثر من مرة، استعدادها للتدخل لحل أزمات أفريقيا.. ما تعليقك؟

- أيا كان ما أعلنوه، يجب ألا نغلق الباب فى وجه أحد.. وفى نفس الوقت يجب ألا نترك الفرصة لـ«أحمدى نجاد» ليحل لنا أزماتنا، والمفروض أن تكون مصر أقوى من إيران فى حل أزمات أفريقيا، والصين مثلا دخلت أفريقيا بشكل كبير، وكذلك عدد من الدول الغربية، والمهم أن ننافس الجميع فى أفريقيا ولا نترك لهم الساحة.

■ البعض وضع إيران وإسرائيل فى كفة واحدة من حيث العداء والإضرار بمصالح مصر فى أفريقيا؟

- لا يوجد سوى عدو واحد لمصر فى أفريقيا، هو إسرائيل، وأرجو ألا يشتتنا أحد عن أعدائنا الحقيقيين، فإيران لا تعارضنا فى أفريقيا ولا تعمل ضد مصالحنا، لكن إسرائيل تعمل ذلك، وأصابعها لها دور فى أزمة حوض النيل، فمثلا نجد الخبراء الإسرائيليين ينصحون دول حوض النيل بالتوسع الزراعى على مياه النيل، فى حين نرى نحن أن من مصلحتهم ومصلحتنا التوسع فى الزراعة على مياه الأمطار، وكنا دائما نرسل خبراء لتصحيح المفاهيم، التى تحاول إسرائيل ترسيخها لديهم، وهذا مثال على نوعية الحرب بيننا وبين إسرائيل فى أفريقيا.. حرب تستهدف المصالح، لكن على الجانب الآخر لا أريد أن أضخم من حجم إسرائيل فى أفريقيا وتحميلها كل ما يحدث، فهى عامل من العوامل، ويقع علينا العبء أيضا.

■ هل ترى أن علاقة إسرائيل بـ«إثيوبيا»، المنبع الرئيسى للنيل، بها بعض التضخيم؟

- لا.. العلاقة موجودة وقوية جدا.

■ هل تمثل خطورة خاصة أن الدكتور محمود أبوزيد، وزير الرى السابق، قال لى فى حوار سابق إن «المية جاية جاية»؟

- كلامه صحيح، لأننا عندما أردنا إنشاء السد العالى أجرينا العديد من الدراسات الخاصة بمجرى النيل واندفاعه وغيرها، وأثبتت الدراسات آنذاك أن دول حوض النيل لا تستطيع التحكم فى المياه إلا بنسبة ١/١٤ .

■ إذن لماذا نحن مذعورون؟

- لا أرى أن هناك مبررا للذعر، إلا إذا تطور العلم وعمليات التفجير الذرى وما شابه، لكن حتى الآن لا يستطيعون بالإمكانيات الحالية، لكن هذا لا يدعونا للتراخى عن العمل .

■ ماذا لو قررت إسرائيل مساعدتهم بإمكانياتها المتقدمة؟

- لن يكون الأمر مجديا بالنسبة لهم اقتصاديا، على الأقل حتى الآن، ويجب ألا ننتظر حتى يحدث ذلك، علينا السعى للتفاهم وحل الأزمات ومساعدة دول حوض النيل فى عمل خزانات على أحواض الأنهار الأخرى، ولا يشترط على مجرى نهر النيل.

■ هل نحن شعب عنصرى.. نتعامل مع أفريقيا كما يتعامل معنا الغرب؟

- بعض الأفارقة اشتكوا من أنهم عندما يأتون إلى مصر يتعرضون لبعض المواقف العنصرية، لكن أنا فى وجهة نظرى أعتقد أن من يعرف المصريين جيدا يعرف أنهم ليست لديهم عنصرية.

■ بعضهم يتحدث عن أن العرب كانوا يشترون العبيد الأفارقة ويتاجرون بهم؟

- هذه أقاويل خاطئة، والدليل أنه لا توجد دولة عربية قام اقتصادها على تجارة العبيد كما حدث فى أمريكا وبعض الدول الأوروبية.

■ الأفلام القديمة كانت تظهر دائما أن السفرجى وخادم المنزل أسود اللون؟

- ابتسم قائلا: «نعم وقد تنبهنا لنفس الأمر فى رئاسة الجمهورية أيام الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، حيث وجدنا أن من يخدمون فى القصر الرئاسى من ذوى البشرة السمراء فأتينا ببعض الخدم البيض».

■ حدث نوع من التجرؤ من قبل بعض الدول الأفريقية على مصر.. بم تفسر ذلك؟

- التجرؤ على مصر وضع طبيعى عندما نفقد الدور والهيبة.. فأيام «عبدالناصر» لم يكن يجرؤ أحد بأن يدلى بتصريحات ضد مصر أو يتخذ قرارات دون علم مصر، التى كانت دولة لا يجب ولا يجوز خسارتها، الكل كان حريصا على علاقته بها.

■ هل انتهى هذا الحرص الآن؟

- للأسف الشديد نعم.

-------------------------------------
نشر الحوار في المصري اليوم بتاريخ 11-12 يناير 2010

المتابعون