محمد سلماوي

لا أحد يضمن «الخروج الآمن» لـ«العسكرى»
------------------------------------
حوار رانيا بدوى ١٤/ ١/ ٢٠١٢
--------------------------------

من يضمن للمجلس العسكرى الخروج الآمن من السلطة، دون أن يتم التحقيق معه فور تسليم السلطة، فى وقائع قتل وإصابة المتظاهرين، أو اتهامات سياسية أو جنائية أخرى.. وهل يمكن أن ينص الدستور الجديد على وضع خاص للجيش؟ أسئلة كثيرة دارت فى ذهنى وطرحتها على الكاتب والأديب محمد سلماوى، الذى أكد أن فكرة الخروج الآمن خرافية وهلامية، ومن يقبلها يكن ساذجا، والدستور الذى ينص عليها يكون معيبا يجب إسقاطه.

وأضاف «سلماوى»، فى حواره مع «المصرى اليوم»، إنه لا يوجد أحد أو جهة تضمن للمجلس الخروج الآمن من السلطة، والرئيس المقبل لن يستطيع إجبار الجيش على عرض ميزانيته على مجلس الشعب، وإذا تضمن الدستور الجديد وضعاً خاصاً للجيش سيكون معيبا ويجب إسقاطه.. وإلى نص الحوار:

■ فى البداية هل ترى ضرورة جلوس النخب سويًّا للتفكير فى قضية الخروج الآمن حاليا مع اقتراب انتهاء المرحلة الانتقالية؟

- ليس هناك فى السياسة شىء اسمه الخروج الآمن، حدث قبل ذلك أن تنازل مبارك لـ«عمر سليمان» بناء على اتفاق غير معلن، يقضى بخروج آمن لـ«مبارك» إلى شرم الشيخ معززًا مكرمًا، لكن ما حدث أن رأيًا عامًّا قويًّا فرض نفسه وقتها للمطالبة بتنحى «مبارك» تمامًا، ثم محاكمته بعد ذلك، فلم يستطع أحد أن يضمن لـ«مبارك» ذلك الخروج الآمن.

■ ولا حتى بوضع مواد فى الدستور تحفظ للجيش وضعًا خاصًّا؟

- إذا حدث هذا سيكون الدستور معيبًا وسيسقط، الخروج الآمن يعنى أن هناك من تستوجب أعماله الحساب، لكن يتفق على استثنائه، فى حين أن القوانين والدساتير توضع لمحاسبة من قدم عملاً يستوجب المحاسبة، لهذا فإن الخروج الآمن فكرة غير قانونية وغير واردة، لأنها غير ممكنة التنفيذ، ومن يقبلها سيكون ساذجاً، لأنه قد تمر فترة لا تنتبه فيها الناس للأمر، لكن سريعًا ما ستتم المطالبة بالحساب، ومن لا يحاسبه الناس سيحاسبه التاريخ رغمًا عنا.

■ كيف نتعامل مع الوضع الخاص للجيش الذى سيصعب فى المرحلة المقبلة الإبقاء عليه فى ظل التغيرات التى حدثت؟

- المفروض أن نتحدث عن ترتيبات المرحلة المقبلة فيما يتعلق بالجيش، حيث توجد أوضاع معينة للجيش منها التسليح والنفوذ والوضع الاقتصادى، وهنا أمر من اثنين: إما أن نقول إنه لا يوجد وضع خاص للجيش وميزانيته يجب أن تخضع للرقابة، ويكون الحل أقرب إلى البتر، أو نرتضى فترة انتقالية نتمكن خلالها من الوصول إلى صيغة تقترب من مقتضيات النظام الديمقراطى، وهذا يحتاج مدى زمنياً معيناً.

وأنا أميل إلى الحل الثانى، لأنه أكثر واقعية من الدعوات التى تُطلق الآن بشأن أن تخضع ميزانية الجيش فورًا لمراقبة مجلس الشعب، وأعتقد أن أى رئيس قادم لن يستطيع تنفيذ هذا، وإنما سيكون ذلك أحد الملفات الموضوعة أمامه التى يجب أن يجد لها حلاًّ واقعيًّا مثل باقى الملفات.

■ ما الذى يضمن عدم استدعاء المجلس العسكرى للتحقيق معه بشأن قتل المتظاهرين مثلاً؟

- هل تتصورين أن هناك من يستطيع أن يضمن ذلك؟!

■ هذا يجعلنا نتشكك فى أن يترك الجيش السلطة لخوفه من هذا الأمر؟

- لا أحد يترك السلطة طواعية، العالم تغير، ولم يعد الأمر فى يد العسكر ولا رهن إرادة واحدة فقط.

■ حتى لو تم دعمه من الخارج؟

- الغرب لا يستطيع ذلك، والدليل أنهم كانوا حتى اللحظة الأخيرة يدعمون نظام مبارك باعتباره الأفضل لهم، ومع ذلك لم يستطيعوا حمايته.

■ لماذا تحول المجلس العسكرى إلى مادة ثرية لمحبى نظرية المؤامرة، فمثلاً يقال الجيش حرق المجمع العلمى، وألصق الاتهام بالثوار.. الجيش لن يسلم السلطة.. الجيش عقد صفقة مع الإخوان؟

- المؤامرة فى التاريخ قائمة، وكتابة التاريخ هى فى جزء منها كشفٌ لمثل هذه المؤامرات، ففى حرب ٥٦ مثلاً اكتشفت مصر أن هناك اتفاقاً تم فى الخفاء بين بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، وهكذا، لكن يركن العقل العربى دائمًا إلى المؤامرة دون أن يكون هناك ما يوحى بذلك، لأن هذا هو الطريق الأسهل، فبدلاً من التحليل والنقاش وإعمال العقل، للوقوف على أسباب ما حدث، يتم الاستسهال وإعمال نظرية المؤامرة.

أما عن الاعتقاد بأن المجلس العسكرى ضالع فى مؤامرة مع التيارات الإسلامية، فهذه اتفاقات سياسية وصفقات وليست بالضرورة مؤامرة، وتحليلى لذلك أنه كانت هناك قناعة لدى الجيش بأن أكبر تيار سياسى بعيدًا عن النظام السابق وأدواته هو الإخوان، وبما أن الحزب الوطنى انحل إذن تبقى الإخوان، لذا اعتبر المجلس العسكرى أن الإخوان هم الشريك السياسى الأساسى له على الساحة لأنهم القوى الفاعلة، ووجد ضرورة الإقرار بهذه القوى والنقاش والجلوس معها، بل التعاون معها إن استلزم الأمر، وهذا التعاون كان مبرره التعامل مع الواقع السياسى بعكس النظام السابق، الذى كان رافضًا التعامل مع الواقع، وكان يفضل اعتبار الإخوان قوى غير قائمة لأنها «محظورة».

والخطأ هنا ليس أن المجلس العسكرى تعاون مع الإخوان، وإنما لأنه تصور أنهم يمثلون الواقع السياسى وحدهم، فقد يكون الإخوان هم القوى العظمى، لكن الديمقراطية والعمل السياسى يقولان إنه يجب ألا أتعامل مع القوى الأكبر فقط، لأن الأقلية لا تقل أهمية عن الأغلبية، وكان يجب التعامل مع الجميع، والعمل السياسى لا يقوم إلا على الأغلبية والأقلية معًا، وكان على المجلس العسكرى أن يقرأ ثورة يناير جيدًا، فقد أثبتت أن هناك قوى أخرى لم نكن نعمل حسابها هى التى أطلقت الثورة وأشعلتها، وهى قوى الشباب، وتلك هى القوى التى لم يتعامل معها المجلس العسكرى حتى الآن.

■ هل تعتقد أن الأمر مقصود أم مجرد خطأ؟

- أعتقد أنه كان خطأ ليس مقصودًا، لأنه سبب مشاكل حتى لمن ارتكبه.

■ ما النتائج التى ترتبت على هذا التعامل مع طرف واحد من وجهة نظرك؟

- التعامل مع الإخوان المسلمين وحدهم دون غيرهم رأيناه واضحًا فى لجنة إعداد التعديلات الدستورية، برئاسة المستشار البشرى، التى غلب عليها تمثيل الإخوان، والأهم من ذلك أن النتائج التى توصلت إليها اللجنة كانت تحقق مصالح الإخوان أكثر من مصلحة الوطن، لأنها خدمت فصيلاً واحدًا فأحدثت هذا الانشقاق، الذى أصاب المجتمع، وتحول الإسلاميون والليبراليون إلى قطبين متصارعين، فى حين كانت الحنكة السياسية تتطلب الوصول إلى صيغ للتوافق.

والخطأ الثانى أنه تم تجاهل القوى الجديدة، التى أفرزتها ثورة يناير وهى الشباب، فظل الشباب فى الميدان بينما دارت أمور الحكم فى أروقة المبانى الحكومية، وهذا الاستبعاد أحدث استقطابًا آخر، وفصل بين من قاموا بالثورة ومن تولوا مهمة تطبيق أهدافها، وأدى الانشقاق إلى أزمة ثقة أدت بدورها إلى الصدام العنيف، الذى أدمى قلوب الناس جميعًا.

■ هل ستشهد مصر اتفاقًا بين الأغلبية البرلمانية والمجلس العسكرى بشأن الرئيس القادم؟

- أى اتفاق بين الإخوان والمجلس العسكرى فى ظل عدم رضاء باقى القوى السياسية لن يمر بسلام.

■ هل الأقلية بهذه القوة؟

- الأقلية قوية جدًّا جدًّا، وإذا تصور من ملكوا الأغلبية أن من حقهم أن يفعلوا ما يشاءون، فهذا هو ديكتاتورية الأغلبية، وهو ليس من الديمقراطية فى شىء، وهذا الكلام أوجهه للإخوان المسلمين، الذين حصلوا على الأغلبية، وللمجلس العسكرى المتعاون مع هذه الأغلبية، لأنه الوصفة الأكيدة لاستمرار الثورة فى الشارع، لكن بدلاً من أن كانت ضد النظام القديم ستكون ضد الحكم الجديد.

■ فى ظل القول بأن الدستور غير مهم والأهم هو الرئيس القادم كيف ترى المستقبل؟

- الدستور مهم جدًّا، لأنه الطريق لحل الأزمات التى نراها الآن منذ يناير، وهو حل لحالة الاستقطاب التى يشهدها المجتمع الآن، لذا يجب أن يتم الاحتكام إلى وثيقة واحدة يقبلها الجميع وليس وثيقة مقبولة من البعض ومرفوضة من البعض الآخر، وهذا لا يتأتى إلا من خلال هيئة تأسيسية يغلب عليها طابع التوافق الوطنى، ولا تعكس مصالح أغلبية سياسية بعينها.

لذا لابد أن توضع معايير تحدد قيام كل هيئات ومؤسسات ونقابات مصر بترشيح ممثليها، على أن يقوم مجلسا الشعب والشورى بالاختيار من بين هؤلاء، فالدستور ليس وثيقة قانونية فقط، إنما هو وثيقة سياسية اقتصادية اجتماعية ثقافية، ولو توصلنا إلى هذا الدستور نكون استطعنا إخراج المجتمع من حالة التناحر، التى حدثت منذ يناير حتى الآن، لأنه سيكون الحكم الذى نلجأ إليه جميعًا، ويعبر عن كل الطوائف.

■ هل تعتقد أن الرئيس القادم سيكون من التيارات الدينية أو حائزًا على رضا المجلس العسكرى؟

- الحل لمصر أن يأتى الرئيس القادم بعيدًا عن هذين الاتجاهين، لكنه مرضى عنه من الجميع، المصريون انتخبوا الإخوان المسلمين ليس لقناعتهم بأن الإخوان لديهم الحل السياسى، وإنما هم يسددون ديناً قديماً عليهم للإخوان، لأنه الفصيل الذى وقف إلى جوارهم فى العديد من الأزمات، وقاموا بكل المهام التى كان يجب أن يقوم بها الحزب الذى كان حاكمًا طوال العقود الماضية، حيث ساعدهم ماليًّا فى الأزمات وصحيًّا بإنشاء المستوصفات فى أغلب الجوامع وبشتى الطرق الأخرى، والشعب المصرى لا ينسى الجميل، وهو أيضًا شعب ذكى، فهو أعطاهم أصواته فى البرلمان كرد للجميل، لكن الرئاسة أمر مختلف.

■ لكن ربما تحشد «الإخوان» كل أتباعها كما فعلت فى مجلس الشعب لإنجاح مرشحها؟

- لن يكون للإخوان مرشح فى الرئاسة، ولا أعتقد أنهم سيحشدون لصالح أحد من مرشحى التيار الدينى المطروحين الآن على الساحة، لأنهم لا يريدون تصدر المشهد بالكامل فيتحملوا الأخطاء كلها، هم يريدون أن يضمنوا المواقع المهمة فقط دون أن يتحملوا كل المسؤولية.

■ ولا حتى الحشد لصالح شخص من خارج التيار الإسلامى ربما يكون مدنيًّا لكن يريد المجلس العسكرى دعمه؟

- هذه المعادلة غائب عنها الشعب، لأنها تضع فى الحسبان ما الذى يريده الإخوان، وما الذى يريده المجلس العسكرى دون أن يوضع فى الاعتبار ما الذى يريده الشعب، الشعب يريد رئيساً مدنياً ولا يريد رئيسًا بزى عسكرى أو بلحية وجلباب، ومن قراءتى أجد أن الناس تبحث عن الشخصية القيادية القوية القادرة على لم الشتات بعد أن انفرط عقد البلاد خلال سنة ضائعة أدت للتدهور فى جميع المرافق، يريدون شخصية لها ثقل وخبرة ووزن على الساحتين العربية والدولية، والمرشح الذى ستتوافر فيه هذه الصفات سيفوز بثقة الناس، وعندما رفعت الناس صور جمال عبدالناصر فى الشوارع لم يكن ذلك اعتباطًا إنما دليل على أن الناس تبحث عن القيادى القوى الذى يستطيع أن يعبر بالبلاد فى هذه المرحلة الدقيقة، والقادر على أن يضعها حيث مكانتها الرائدة فى الوطن العربى ويحفظ لها مكانتها على الساحة الدولية.

■ مَنْ المرشح الحالى الذى تتوافر فيه أغلب هذه الصفات؟

- أعتقد عمرو موسى لما له من شعبية وقوة حسم وثقل دولى وخبرة.

■ لكنه محسوب على النظام السابق؟

- كل البلد تربى فى عهد النظام السابق، بمن فيهم الشباب الذى تعلم فى مدارس النظام السابق وتفتحت مداركه على إعلام النظام السابق وعاش سنوات الشباب والنضج وسط أفكار النظام السابق، نحن لم نولد جميعًا يوم ٢٥ يناير، عمرو موسى كان موجودًا فى ظل النظام السابق ولكن السؤال: هل ناله الفساد؟ هل كان عضوًا فى لجنة السياسات أو حتى فى الحزب الوطنى؟ هل كان موافقًا على التوريث؟

لقد كان عمرو موسى وزيرًا لخارجية مصر طوال ١٠ أعوام، رفع فيها اسم مصر عاليًا على الساحة الدولية، وتصدى بقوة ووطنية لمخططات أعدائها، فكان أول وزير خارجية يحظى بشعبية فى الشارع، وإذا كان قد فعل ذلك فى ظل النظام السابق فهذا لا يضيره، فالله سبحانه وتعالى لم يحاسب موسى على أنه نشأ فى بلاط فرعون.

■ فى رأيك متى يستقر الوضع الداخلى وهل انتهاء الانتخابات مؤشر على ذلك؟

- هذا البلد لن يستقر قبل انتخابات الرئاسة، ولن يستقر إلا إذا جاء الرئيس القادم بمواصفات محددة، وهى قوة الشخصية والزعامة والقدرة على إحداث التوافق بين الجميع، مثل تاريخ كل الدول التى خرجت من كبوتها بعد أحداث مأساوية، ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية أخرجها كونراد أديناور، مستشار ألمانيا، الذى استطاع أن يلهم الناس بشخصية قوية وقدرة على العمل وجمع الناس خلفه.

■ ما رأيك فى الدعوات التى تطالب بتسليم الحكم إلى رئيس مجلس الشعب القادم، على أن تجرى انتخابات الرئاسة خلال ٦٠ يومًا؟

- هذه أفضل وصفة لإطالة المرحلة الانتقالية، فقد كنا فى البداية أمام مرحلة انتقالية بنهاية مفتوحة، ولا يعرف أحد متى ستنتهى، وبالضغط تم تحديد موعد لانتقال السلطة، ومع اقتراب انتهاء هذه المرحلة تعلو أصوات تقول «يللا نهد اللعبة» وكأنهم يشعرون بأن المرحلة الانتقالية شارفت على الانتهاء، وبالتالى اقترب موعد تسليم السلطة فقرروا إنهاء اللعبة لإطالة المدة والبداية من جديد، وهذه الأصوات لا أفهمها ولا أفهم الغرض منها.

فهذه وصفة أكيدة لإطالة الفترة الانتقالية لأنه لن يتفق عليها أحد وستدخلنا فى دوامات قانونية ودستورية وسياسية بينما الطريق الوحيد لإنهاء المرحلة الانتقالية هو تسليم الحكم إلى سلطة مدنية منتخبة.

■ الشباب يطالبون بذلك ردَّا على العنف وقتل المتظاهرين وتقديم بعضهم للمحاكمات العسكرية وسحل البنات، لذا يتخوفون من بقاء العسكرى حتى نهاية المدة.

- تسليم الحكم للإخوان ليس حلاًّ لأى شىء، لكن هذا رد فعل طبيعى لغضب الشباب، وأنا لا ألوم الشباب ولكن ألوم مَن مِن واجبهم ترشيد هذا الغضب وترجمته إلى أفكار بناءة تساهم فى إنقاذ البلد، تمامًا كما سمعنا أن هناك أناساً فى التحرير انتخبوا ثلاثة أشخاص ويريدونهم أن يتولوا السلطة، فقلت لهم هذا توريث جديد لأن هؤلاء غير منتخبين، فهل ستفرضونهم علينا؟ فأجاب أحدهم: نحن انتخبناهم فى التحرير، فحتى لو سمح بذلك سنجد من يطعن فى ذلك ويقول إنهم غير شرعيين، وما أفهمه إذا كنا غاضبين فعلينا أن نسرع فى هذا الجدول الزمنى لا أن نهدمه.

■ كيف نسرع به؟

- بإجراء انتخابات الرئاسة فى أسرع وقت ممكن.

■ ماذا عن انتخابات مجلس الشورى؟

- لا أريد الدخول فى معضلة هل إلغاؤه سيكون دستوريًّا أم لا، لكن هناك حلاً آخر بأن نقول إننا سنؤجل انتخابات الشورى لما بعد انتخابات الرئاسة، ثم بعدها نرى ما هو وضع مجلس الشورى لأنه لا علاقة له باستقرار البلد.

■ هل يمكن وقتها أن يشكل مجلس الشعب فقط اللجنة التأسيسية؟

- نعم يمكن الاكتفاء بمجلس الشعب.

■ ماذا عمن يقولون إن انتخابات الرئاسة قبل وضع الدستور ستأتى برئيس له صلاحيات واسعة؟

- غير صحيح، لأن كل السلطات التى كانت للرئيس السابق فى دستور ٧١ سقطت بسقوط الدستور، هذا من الجانب القانونى، كما أنه واقعيًّا لن يسمح له بهذه السلطات المطلقة، والتى هى أيضًا غير موجودة فى الإعلان الدستورى، بل دعينى أقل لك إن سلطات الرئيس المنصوص عليها فى الاستفتاء وفى الإعلان الدستورى أقل من السلطات الطبيعية لرئيس الجمهورية، فهى لا تتضمن على سبيل المثال حل مجلس الشعب، وهو حق أصيل للرئيس، لكن الناس تردد ما يقال دون أن تكلف نفسها عناء البحث والتدقيق.

■ أى الأنظمة السياسية تراها الأنسب لمصر؟

- أفضل النظام الرئاسى لأن مصر ليست لديها أحزاب قوية ومتكافئة لينشأ نظام برلمانى، هناك أحزاب جديدة لم تترسخ أقدامها بعد وأخرى قديمة لكنها ضعيفة، فالوضع ليس جاهزًا الآن وإلا دخلنا فى نوع من «اللبننة»، وكل يوم ستسقط حكومة وتشكل حكومة أخرى وندخل فى دوامة وحالة من الفوضى لا نحتملها، ومصر بطبيعتها دولة مركزية، وهناك فرق بين المركزية والديكتاتورية، ومن الممكن أن نجرب النظام المختلط، أى خليط بين الرئاسى والبرلمانى، لأنه يعطى لاختيارات الشعب حقًّا فى اختيار الحكومة ولكن فى ظل نظام رئاسى قوى.

■ هل لديك تفسير أو ملامح للطرف الخفى المسؤول عن كل أزمات مصر منذ الثورة حتى الآن؟

- ليست هناك أطراف خفية، فاللاعبون على الساحة معروفون ولا يوجد طرف ثالث، يوجد لاعبون فى الملعب، وكل شيء حدث نتج عن أحدهم، وهم الجيش والثوار ثم جحافل البلطجية وقاطنو الشوارع، ووجود مثل هؤلاء البلطجية لا يشين الثورة، فليست هناك ثورة فى العالم لم تتضمن الرعاع والبلطجية وساكنى الشوارع، كما حدث فى الثورة الفرنسية والبلشيفية وغيرهما، اللهو الخفى يلغى المسؤولية فى التحقيق، بينما التحقيق السليم الشفاف هو الذى يجب أن يعلمنى من الطرف الذى قام بذلك.

■ ماذا عن المشاهد التى ظهر فيها الجيش يضرب ويسحل المتظاهرين؟

- الجيوش بطبيعتها لا تستطيع التعامل مع المظاهرات والاعتصامات، وهى غير مؤهلة لذلك، لذا كان من الخطأ أن نطلب من الجيش أن ينزل الشارع لأن نزوله أحدث أخطاء جديدة.

■ ماذا كان الحل مادامت الشرطة ممتنعة عن العمل؟

- كان لابد من إيجاد حل، أين الشباب الذى شكل اللجان الشعبية وحمى مصر فى فترة الثورة؟ كان على وزير الداخلية بعد الثورة القيام بهذه المهمة بأن يجمع كل الشباب الذى يجلس بلا عمل على المقاهى ويتم تدريبه ويعتبره قواماً جيداً لوزارة داخلية جديدة مدنية، خاصة أن الشباب برهن فى لحظة الاختبار أنه قادر على حفظ الأمن وتنظيم المرور وحماية المنشآت، لأنه يحظى بثقة الجماهير الذين كانوا سيفرح بهم الناس ويساعدونهم، وبالمناسبة فإن الشرطة فى كل العالم مدنية، فلا توجد فيها رتب عسكرية، كلواء وعميد وما شابه، كما هو الحال عندنا، وحل مشكلة الشرطة فى مصر يكمن فى إنهاء عسكرتها.

■ أين يقف الشباب من الثورة الآن بعدما كانوا مفجريها؟

- الشباب فى مصر حالة غريبة، فمن الحالات النادرة فى التاريخ التى يقوم فيها طرف بالثورة ثم يطلب من آخرين أن يتولوا الحكم بدلاً منه، وهذا حدث أولاً لأننا جميعًا ارتضينا حكم الجيش فى المرحلة الانتقالية، وثانيًا لأن الشباب لم تكن لهم رغبة فى الحكم، لكن أين الشباب من مجلس الشعب؟ لقد فُتح أمامهم باب للمشاركة السياسية وصنع مستقبل البلد، وكنت أتصور أن ينظم الشباب نفسه فى أحزاب، استعدادًا لهذه الانتخابات، لأنها كانت فرصتهم الذهبية لإصدار التشريعات والقوانين التى تضمن تنفيذ مطالب الثورة، فلو أن كل الشباب تجمعوا فى حزب واحد أو أكثر لم يكن الناس ليعطوا أصواتهم لأى حزب آخر، لكن الواقع أنهم تشتتوا بين أحزاب عدة، وحتى الإقبال على الترشح الفردى كان ضعيفًا، شباب الثورة كان لابد أن ينتقل من ميدان التحرير إلى مجلس الشعب.

■ لكن المجلس العسكرى اعتقلهم وسحلهم وشوه سمعتهم على حد ما يتردد؟

- صورة الشباب عند الشعب ناصعة، ومازالت ثورة ٢٥ يناير مشهدًا لن تنساه مصر ولا العالم كله، والشعب ليس ناقمًا على الثوار إنما على الحالة التى نعيشها الآن ولا يعرف من يلوم: المجلس العسكرى باعتباره الحاكم أم الوزارات المتعاقبة واحدة وراء الأخرى، أم النخب التى لم توجه ولم تقدم المشورة، أم الفلول، ومن الخطأ والظلم أن نقول إنها تقع على عاتق الشباب، وهذه النقمة كانت أدعى لأن ينظم الشباب أنفسهم.

■ لماذا فى رأيك لم ينظم الشباب نفسه؟

- لأنهم لم يعوا مهمة الثائر بشكل دقيق، فالثائر الحقيقى لا يجب أن يظل ثائرًا، إنما ينتقل من حالة شعبية الثورة إلى مأسسة الثورة، بأن يفرض سياساته ويطبق أهدافه، والفرصة الذهبية كانت أمامه فى مجلس الشعب لكنه أضاعها، وأغلب من تقدم من الشباب للانتخابات فاز، وهذا يدل على أنهم لو تقدموا بأعداد أكبر كان الناس سيلتفون حولهم.

■ لماذا استقلت من المجلس الاستشارى؟

- أنا انسحبت من المجلس الاستشارى ولم أستقل، والانسحاب ليس أقل من الاستقالة لكن فى العمل التطوعى لا تكون هناك استقالة، لأنها ليست وظيفة ولا يوجد عقد ملزم، وإنما هو جهد يبذل قد نتطوع به أو ننسحب منه.

وكنت مؤمنًا بأن المجلس الاستشارى قد يؤدى دورًا مهماً فى ظل شكوى الناس ومطالباتهم بضرورة وجود آلية للتشاور مع الجميع، خاصة، أننا لم نكن فى حاجة إلى الاستشارة السياسية والاستعانة بكل الآراء الممكنة، مثلما نحن الآن، حتى نخرج من هذا المأزق بسلام، لكن هذا العمل الذى أتحدث عنه ذو اتجاهين، بمعنى أنه توجد جهة تعطى المشورة، ويجب أن تكون هناك جهة أخرى على استعداد لتقبلها، وبعد عدة جلسات كان عندى شك فى يتم الأخذ بهذه المشورة، فضميرى لم يسمح بأن أظل أبدى آراء وليس هناك من يتقبلها أو يتعامل معها، لكن لأن هدفى ليس التشويش على المجلس لم أعلق على تفاصيل ما جرى داخله واكتفيت بإعلان انسحابى.

■ لكن ألم يرد فى ذهنك أن تشكيل المجلس من البداية ربما يكون للتهدئة وأنه لن يكون فعالاً؟

- هذه الفكرة وردت فى ذهنى فى البداية، لكن الواجب الوطنى والظرف التاريخى كان يحتم علىَّ ألا أركن إلى الاحتمال وإنما إلى التجربة الواقعية، وكنت أتصور أن المجلس العسكرى يتطلع إلى المشورة السياسية بعد أن ساءت الأوضاع على مدى تلك الأشهر التسعة، فقد شاءت ظروف الثورة أن تضع المجلس العسكرى فى موضع جديد، نقلته من المهام العسكرية إلى السياسة، فالأداء العسكرى يتطلب تقديس الأمر لا مناقشته، أما فى السياسة فكل شىء قابل للخطأ والصواب، وهنا تكون قيمة المشورة، وعندما تشكل المجلس الاستشارى كنت أعتقد أنه مجلس استشارى لجهة سياسية، لكن ثبت لى أنه أداة استشارية لجهة عسكرية.


----------------
نشر في المصري اليوم بتاريخ 14/1/2012
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=324596

د. جلال أمين

تفاهم المجلس العسكرى والإسلاميين قد ينتهى برئيس يحركه الجيش من وراء الستار
----------------------------------------------
أجرت الحوار رانيـا بـدوى ١٣/ ١/ ٢٠١٢
----------------------------------------------

أكد المفكر الكبير الدكتور جلال أمين أن الحديث عن الدستور المصرى الجديد ليس مهما لأن مصر لم تحترم دساتيرها السابقة، موضحا أنه غير مقتنع بفكرة المجلس الاستشارى الذى يدخل ضمن القرارات المسكنة التى تم اتخاذها لتهدئة الناس.

وقال الدكتور جلال أمين فى حواره لـ«المصرى اليوم» إن أجندة المجلس العسكرى مختلفة تماما عن مطالب الثوار باستثناء الاتفاق على «خلع» مبارك، مشيراً إلى أن متخذى القرار فى مصر حاليا ليسوا ممن يظهرون فى الصورة.

وإلى نص الحوار..

■ ذكرت فى أحد مقالاتك أنه من غير المنطقى أن نرفع مطالبنا للمجلس العسكرى، كيف ذلك وهو يمثل السلطة الحاكمة؟

- المجلس العسكرى لديه أجندة مختلفة عن أجندة الثوار، وعلى كل شخص أن يفسر طبيعة هذه الأجندة حسب هواه، لكن الناس لا تريد تصديق ذلك وظلوا يرفعون مطالبهم للمجلس العسكرى ظنا منهم أنه سيستجيب لمطالبهم.

■ ولكن المجلس العسكرى استجاب للعديد من مطالب الثوار؟

- لأنه من الطبيعى أن تتفق بعض مطالب الثوار مع أجندة المجلس العسكرى فتنفذ، أما ما لا يتفق معها فلن ينفذ.

■ وما الذى اتفق من مطالبهم مع أجندة المجلس العسكرى؟

- خلع مبارك.

■ إذن، أنت ضد فكرة أن أخطاء المجلس العسكرى سببها قلة خبرته بالشأن السياسى؟

- غير صحيح أن كل هذه الأخطاء ناتجة عن قلة الخبرة، فضباط ثورة ٢٣ يوليو كانوا أقل خبرة من الضباط الحاليين وأصغر منهم سنا، ومع ذلك أصدروا قرارات مهمة تتفق مع آمال الناس، منها إعلان الجمهورية وقانون الإصلاح الزراعى وإلغاء الألقاب، وعلى أى حال فالحق بيّن والباطل بيّن، والقرارات الصائبة فى مثل الوضع الذى نعيشه لا تحتاج إلى خبرة كبيرة.

■ ولماذا يقال إن الجيش حمى الثورة؟

- الأمران لا يتعارضان، فلو كان الجيش أخذ موقفا سلبيا كان سيتم ضرب الثوار، فبهذا المعنى هو الذى حمى الثورة، خاصة أنه كان يريد نفس النتيجة، وهى خلع مبارك.

■ وهل كان ضرب المتظاهرين وقنص العيون مجرد تصرفات فردية من بعض الضباط أم بناء على أوامر عليا؟

- هناك أوامر بالعنف أحيانا وأوامر أخرى باللين على حسب كل حالة، والمدهش أن الشباب يتصرف طبقا للقانون فليس هناك ما يحرم المظاهرات والاعتصامات السلمية ولكن السلطة الحاكمة هى التى تخرق القانون.

■ ما رأيك فى تفسير البعض للعنف بأنه رد فعل أسد جريح بسبب النقد والسباب الذى تعرض له المجلس العسكرى؟

- لا أقبل هذا التفسير، ففى السياسة لا توجد أسود جريحة، إضافة إلى أننى أعتقد أن من يتخذ القرارات رجل هادئ ويملك زمام نفسه وليس من النوع الذى يقول «إنهم يسبوننا فى التحرير فلنضربهم»، فأى شخص لديه سلطة كبيرة تجعله الظروف يتصرف بذكاء، ولكنه قد يكون ذكاء شريرا فمثلا الرئيس الأمريكى السابق جورج بوش الابن لم يكن ذكيا باعتراف الجميع ولكنه لم يكن متخذ القرار بل كان هناك من يفكرون له ويتخذون القرارات.

■ ومن يتخذ القرار للمجلس العسكرى؟

- متخذو القرار فى مصر حاليا ليسوا ممن يظهرون فى الصورة.

■ هل هم رجال أعمال أم عسكريون؟

- ربما يكون هناك تعاون بين مجموعة من هؤلاء وهؤلاء.

■ إذا كانوا بهذا الذكاء، لماذا نواجه حاليا كل هذه الأزمات؟

- ربما يكون ذلك هو المطلوب، هل تتذكرين كلمة كوندوليزا رايس عن الفوضى الخلاقة، نحن حاليا فى الفوضى الخلاقة.

■ هل تعتقد أن المجلس العسكرى يفتعل بعض الأزمات لإلصاق التهم بالمتظاهرين؟

- المؤكد فى رأيى أن هناك اتهامات ظالمة توجه للمتظاهرين وهناك دلائل كثيرة على أنها اتهامات غير صحيحة.

■ من المسؤول عن حريق المجمع العلمى؟

- لا أتهم المجلس العسكرى، ولكن الأجهزة الأمنية المختلفة تهاونت فى حماية المجمع العلمى، وهذه مسؤولية كبيرة.

■ هل تراها مصادفة أن تتخذ مؤسسة القضاء قرارا أو تصدر حكما يهدئ من غضب الشارع عقب كل أزمة؟

- جزء من مؤسسة القضاء يأخذ أوامر من المجلس العسكرى وهذا مخيف ومؤسف، ولكنه ليس وليد اللحظة وإنما يعود إلى أواخر عهد عبدالناصر ومذبحة القضاء.

■ هل تتفق مع استمرار المظاهرات التى تطالب بسقوط حكم العسكر وتسليم السلطة للمدنيين بشكل فورى؟

- الأساليب التى أسقطت نظام مبارك ربما لا تنفع مع العسكر، فالأمر مختلف، وأنا مع الانتظار حتى نهاية المرحلة الثالثة من الانتخابات، وأؤيد إلغاء انتخابات مجلس الشورى لأنه عديم الفائدة وكلنا نعرف أن السادات أنشأه لوضع بعض المقربين والمحظوظين فيه وحتى تزداد حالة الدردشة التى ليست منها فائدة.

■ ما رأيك فى فكرة إنشاء المجلس الاستشارى كمحاولة للتواصل مع الشعب عن طريق النخب السياسية؟

- أنا غير مقتنع على الإطلاق بفكرة المجلس الاستشارى، وإن كان أمره مفهوما بالنسبة لى أكثر من إجراءات أخرى سابقة اتخذت ولم أفهمها، فقد اتضح لى الآن أن المجلس العسكرى كلما واجه ورطة بحث عن نصف حل، فاختيار عصام شرف لرئاسة الوزراء كان نصف حل، وكذلك اختيار كمال الجنزورى، ولذلك المجلس الاستشارى نصف حل، فالمجلس العسكرى لا يجد حلا للورطة ولكنه يتخذ قرارات مسكنة آملا فى تهدئة الناس ولو مؤقتا، وكذلك كان سبب إنشاء المجلس الاستشارى هو تهدئة الناس، من خلال ضم مجموعة من الوجوه الجيدة وأخرى محبوبة لدى الناس ومجموعة ثالثة «نص نص»، وهم يعرفون جيدا كل شخصية، ومن هو الشجاع و من يجد صعوبة فى قول لا، ولكن على ما يبدو فإن هذا المجلس لن يهدئ الناس كثيرا، لأن الشعب بدأ يفهم ويدرك اللعبة، ثم إن آراء كل هؤلاء معروفة ويطرحونها يوميا فى وسائل الإعلام المختلفة وليست غائبة عن المجلس العسكرى، فلماذا تم إنشاء مجلس استشارى؟ كان من الممكن أن يعطى للمجلس الاستشارى صلاحيات حقيقية ولكنه فى هذه الحالة لن يكون مجرد مجلس استشارى.

■ ما هى فى رأيك أسباب الفتنة الموجودة بين التيارات السياسية؟

- ما يحدث سببه تصرفات المجلس العسكرى.

■ ألا يقع على النخب السياسية أى خطأ؟

- من المؤكد أنهم أخطأوا ولكننى أجد لهم أعذارا، فهم محرومون منذ ٦٠ عاما من أى نشاط سياسى، تماما مثل أهل الكهف الذين ناموا ٣٠٠عام ثم استيقظوا مرة أخرى ليجدوا النور ساطعا، فلم يستطيعوا الرؤية، هناك أحزاب نسيت لماذا أنشئت من الأساس؟ ألم ينشأ حزب التجمع من أجل الفقراء والمبادئ الاشتراكية؟! ومع ذلك عقد صفقة مع النظام السابق، ألم ينشأ الوفد من أجل حماية المبادئ الليبرالية ومع ذلك تفاهم بعد الثورة مع الإخوان المسلمين؟ كذلك بعض الأشخاص المناضلين يصيبهم التعب بمرور الوقت، فهناك من كانوا شرفاء جدا، ومع الوقت شعروا بأنه لا نهاية للنضال، فقرروا «عمل قرشين للأولاد»، وهناك من قاموا بأدوار الشرفاء وهم ليسوا كذلك على الإطلاق، وآخرون كانوا دائما شرفاء وأمضوا عمرهم كذلك ولم يستطيعوا التحمل فانسحبوا من الحياة إما بالاختفاء أو الاكتئاب أو الوفاة.

■ هل تعتقد أن هناك صفقة بين الإسلاميين والمجلس العسكرى تقضى بأن البرلمان للإسلاميين والرئيس للعسكرى؟

- أفضل تسمية ذلك تفاهما، لأننا لا نعرف ما هو نوع العلاقة التى ستنشأ بين الطرفين فى المستقبل، ولكن بربط الأحداث ببعضها سنجد أن هناك تفاهما ما قد حدث، فمن سمح لعبود الزمر أن يصبح نجما فى الفضائيات وأن يروج لأفكاره؟ أنا سمعته وهو يبرر اشتراكه فى مؤامرة قتل الرئيس السادات قائلا: «مادام لم يكن هناك مخرج قانونى فعلينا أن نقتله»، هذا الكلام لا يجوز أن يسمح به حتى فى أكثر تليفزيونات العالم حرية، لذلك أعتبر أنه كان مقصودا كجزء من الفوضى المدبرة، بمعنى أن تخرج القوى السلفية من الجحور، وأن يسمح لهم بالدعاية لصالح الاستفتاء على الدستور بالادعاء بأن من سيقول لا «كافر»، كما أن الشرطة تركت الناس تقطع الطريق لرفضهم محافظا مسيحيا، وكانت تستطيع منعهم لكنها لم ترد، كل هذا جزء من مخطط الفوضى فضلا عن العديد من الممارسات التى كانت فى صالح التيارات الإسلامية.

■ لكن الناس صوتت لصالحهم فى الانتخابات، فماذا حدث للمصريين؟

- تغير المصريون خلال الأربعين عاما الماضية مع تردى الأحوال الاقتصادية وتدهور التعليم، والتفاوت فى الدخول، والظروف الاقتصادية التى منعت الشباب من الزواج، فما الذى نتوقعه من شعب هو أصلا متدين فى ظل كل هذه الظروف، ومع تليفزيون ترك له الحبل على الغارب؟ كلها أسباب أدت إلى المد الدينى، نعم تغير المصريون، وبعض هذه التغيرات جيدة وكثير منها سيئ، وعندما عشنا فترة ظاهرها الحرية خرج إلى السطح كل ما كان فى الباطن، وفى أى ثورة عقب إسقاط النظام تظهر الفوضى، ولكن كان على المجلس العسكرى الذى تسلم السلطة بموافقة الثوار أن يأخذ الأمور بحسم، وألا يترك الفوضى تجتاح البلاد، خاصة أن الناس ظلت لسنوات طويلة تعانى من الكبت، وأنا لا أنكر أن الناس صوتت للإسلاميين، ولكن الواقع يقول إن القانون يمنع استخدام الشعارات الدينية داخل اللجان وتأسيس الأحزاب على أساس دينى، ومع ذلك لم يطبق القانون.

■ بناء على التفاهم الذى أشرت إليه، هل تعتقد أن الرئيس المقبل سيكون من التيار الدينى أم مدنيا؟

- لا أستبعد تماما أن يأتى من التيار الدينى، وربما يكون مدنيا ولكن سيتم حشد الإخوان والإسلاميين خلفه للعمل على فوزه خاصة إذا كان حائزا رضا المجلس العسكرى أيضا.

■ هل كنت تتوقع تغير نتيجة الانتخابات لو كان المجلس العسكرى حاسما فى القرارات مع التيار الدينى؟

- كانت النسبة ستكون أقل إلى حد ما، ولكنهم كانوا سيحصلون على نسبة التصويت الأكبر فى جميع الأحوال.

■ ولكن البعض يقول إن مناوشات الإخوان بشأن حقهم فى تشكيل الحكومة كانت بداية الصدام مع المجلس العسكرى؟

- لن يحدث أى صدام بين المجلس العسكرى والإخوان وما يحدث هو مجرد مناوشات سياسية، فطالما هناك تفاهم لن يحدث صدام.

■ هل يقلقك ترك اللجنة التى ستضع الدستور لمجلس الشعب دون وضع معايير اختيار أعضائها؟

- أنا أجد صعوبة حتى فى حفظ المسمى «تشكيل لجنة لوضع معايير لتشكيل اللجنة التأسيسية للدستور»، «لجنة إيه ومعايير إيه؟» الحق واضح والباطل واضح، والمسألة لا تحتاج إلى لجان، اتخذ قرارا مرة واحدة و«خلصنا»، فدائما أضرب المثل بالدكتور نبيل العربى الذى أصلح العلاقات المصرية الخارجية فى ثلاثة أيام، ثم قالوا له شكرا اذهب إلى جامعة الدول العربية، فعندما تكون هناك إرادة سياسية ينتهى الأمر فورا.

■ ما توقعاتك لشكل الدستور القادم؟

- صياغة مواد الدستور ليست مهمة إلى هذه الدرجة، فالدستور لم يحترم قط فى مصر، ولا فى بلاد أخرى كثيرة نص فيها الدستور على الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، فلم تحترم لا الديمقراطية ولا حقوق الإنسان، فمثلا دستور ٢٣ يضرب به المثل فى الجودة حيث وضعه «فطاحل» القانون الدستورى من أفضل ما فى الدستورين البلجيكى والفرنسى وقدموا دستورا بديعا ثم لم يكن للملك من عمل سوى الخروج على الدستور وإقالة الحكومات المنتخبة وتشكيل حكومات من الأقلية، وجاء صدقى باشا عام ٣٠ فألغى الدستور، ومع ذلك يقولون إنها أفضل فترة ديمقراطية فى تاريخ مصر لأنها كانت «لعبة ظريفة وكان شكلها جميل»، والحقيقة أن ٢% من الشعب وهم الإقطاعيون كانوا يحكمون مع القصر والإنجليز بينما وضع الدستور على «الرف»، وعلى الجانب الآخر عبد الناصر حكم مصر واتخذ قرارات مهمة وتلقاها الشعب بالترحيب دون دستور ودون ديمقراطية، فالدستور فى حد ذاته ليس مهما بقدر إرادة احترامه، أما أن تجمع الشعب المصرى بالكامل للنزول إلى الشارع والاستفتاء على ٦ مواد أهم ما فيها هو عدم التوريث رغم أن هذا لم يعد ممكنا بقيام الثورة التى أسقطت النظام والتوريث فهذا يسمى ضحكا على العقول، وأتفهم حالة العرس التى عاشتها مصر أثناء الاستفتاء لأنها المرة الأولى التى ينزل فيها الناس ويدلون بأصواتهم، ولكنى لم أنزل ولم أشارك فى هذا الاستفتاء لأنى لم أجد معنى واضحا سواء لقول نعم أو لا.

■ بما أن الدستور ليس مهماً، إذن فإصلاح البلد يكمن فى الرئيس القادم؟

- لا يهمنى أن يكون الرئيس القادم مدنيا أو عسكريا، المهم أن يقوم بتنفيذ أجندة الثوار، فهذا هو العمل الوطنى فى هذه الفترة.

■ معنى هذا أنه ليس لديك مانع من ترشح المشير طنطاوى للرئاسة؟

- أظن أنه فى ظل تفاهم التيار الإسلامى والمجلس العسكرى، فإننى لا آمل خيرا لأنه ربما سنشهد رئيسا يحركه المجلس العسكرى من وراء ستار وكأن الثورة لم تقم.

■ وكيف ترى أداء الإعلام ما بين مفجر للثورة ومشعل للفتن؟

- فى رواية «أورويل ١٩٨٤» التى كانت تتخيل العالم فى المستقبل تجدين أن البطل كان يكتب فى مذكراته قبل القبض عليه: «إننى لو استطعت أن أحتفظ ببضعة سنتيمترات من مخى حتى أتمسك بالاعتقاد بأن ٢+٢=٤ فقد نجحت»، وهذا يعنى أن وسائل الخداع التى تسلط الآن على عقول الناس كثيرة وقوية، ومهمتنا ككتاب وإعلاميين الاحتفاظ للناس بعقولهم وإظهار الحقائق، فالناس مغيبة وتحاول وسائل الإعلام شغلهم بقضايا تافهة، خاصة من قبل الإعلام الرسمى، أما الإعلام الخاص فخداع الناس فيه يأتى عن طريق الإثارة لجلب الإعلانات.

■ وكيف ترى موقف الغرب مما يحدث فى مصر حاليا؟

- الغريب أننا نتناقش فى كل الأمور وكأن مصر أصبحت حرة مستقلة فى سياساتها الداخلية والخارجية وهذا غير صحيح، أمريكا كانت هى التى تتحكم فى سياسة مصر حتى ٢٥ يناير، أما الآن فلا أعرف بالضبط لكنها ليست بعيدة عن المشهد ومن السذاجة أن نظن أن الغرب ليس له دور.

■ وكيف ترى الوضع الاقتصادى؟

- الوضع الاقتصادى سيئ ولكنه ليس خطيرا، والرعب المتعلق بتدهور الاقتصاد جزء من المخطط المنشود لأن الشخص المرعوب هو أسهل من تستطيع السيطرة عليه، ولاحظت أيضا أن الجنزورى فى بداية تصريحاته بدلا من أن يطمئن الناس قال إن الوضع الاقتصادى أسوأ مما توقعنا بكثير، فهل مثل هذا الترويع هو المطلوب الآن؟

■ أخيرا ما هو المخرج الآمن للشعب؟

- السلطة قل خوفها من الشعوب، ليس فى مصر فقط ولكن فى العالم المتقدم أيضا، لأن الدولة الحديثة توحشت، والمفكر الأمريكى المرموق ناعوم تشومسكى وصف النظام الديمقراطى الأمريكى ذات مرة بأنه أفضل نظام سياسى تستطيع شراءه بالنقود، ومن يقول إن العالم تسوده الآن موجة من الديمقراطية أرد عليه بأن العكس تماما هو الصحيح، ولن أقول موجة ديكتاتورية، لأن الذى حدث أفظع بكثير، فمثلا ثلثا الشعب البريطانى خرج للشارع معارضا دخول بريطانيا العراق، ومع ذلك دخلت، أتريدين استهزاء برغبات الناس أكثر من هذا؟! كما أن أجهزة المخابرات الأمريكية حاليا تستطيع معرفة كل كتاب يقرؤه المواطنون فى المكتبات العامة إذا أثيرت حوله أى شكوك، انظرى كيف يعاملون المواطنين فى المطارات من تفتيش قاس وتجريد للملابس، ثم يتكلمون عن ديمقراطية العالم المتقدم! هذه أكبر خدعة، فما بالك بنا نحن حديثى العهد بالحرية؟

أنا لم أفقد الأمل، فالإنسان فى النهاية هو الأقوى وقضية سميرة إبراهيم الفتاه الصعيدية التى وقف والدها مساندا لها، أظهرت أن مصر تغيرت رغم كل المصاعب التى مرت بها خلال الأربعين عاما الماضية، وأنا متفائل بالجيل الجديد الذى يبعث على الأمل، والطبقة الوسطى تغيرت وانفتحت على العالم وتخلت عن سلبيتها.

------------
نشر في المصري اليوم بتاريخ 13/1/2012
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=324457

بهاء طاهر

الحكم الدينى «خرب» مصر ومستحيل أن يقيم «الإخوان» نظاماً ديمقراطياً
-----------------------------------
أجرت الحوار رانيـا بـدوى ٣١/ ١٢/ ٢٠١١
------------------------------------

«صعود الإسلاميين من التجارب التى يجب أن تخوضها الشعوب»، هكذا قال الأديب العالمى الراحل نجيب محفوظ، عندما سأله أصدقاؤه عن صعود التيار الدينى فى المجتمع، ويحكى الأديب بهاء طاهر أن أصدقاء «محفوظ»، عندما كانوا يسمعون هذه الجملة، كانوا يندهشون ويتساءلون فيما بينهم: هل يعنى هذا أن «الأستاذ» موافق على هذا الصعود؟!

أجاب بهاء طاهر بأن «محفوظ» كان يختلف مع التيار الدينى فى وجهات النظر، لكنه كان مؤمنا بأن صعوده أو انحساره مجرد تجارب يجب أن تخوضها الشعوب.

وروى «طاهر»، فى حواره مع «المصرى اليوم»، تاريخ الحكم الدينى فى مصر وتطور جماعة الإخوان المسلمين، وقال إن الحكم الدينى «خرب مصر» والإخوان من المستحيل أن يقيموا نظاما ديمقراطيا، وإن وعى الشعب مضلل.

وشدد الروائى العالمى على أن الجيش يضرب شباب الثورة فى مقتل ويمنح مساحات من الحرية لشباب «إحنا آسفين ياريس».. وإلى نص الحوار:

■ فى البداية.. هل تعرضت مدنية الدولة للسرقة؟

- حدث انقلاب فى ثقافة ووجدان المواطن المصرى، تم تحقيقه على امتداد ثلاثة عقود على الأقل، بحنكة وتأن، لصالح التيار الدينى الذى كان يكسب أرضا جديدة كل يوم، ولم تفلح أصوات الإنذار المبكر ولا حشد القوى فى وقف مساره أو التصدى لزحفه.

■ من ساهم فى هذا الزحف؟

- ساهمت فى ذلك سياسات داخلية وخارجية وأموال دولية طائلة وقفزات فى الاتصال غير مسبوقة.

■ لماذا القلق من تجربة الحكم الدينى فى مصر؟

- لأنه حتى الستينيات من القرن الماضى كان فى مصر مجتمع مدنى قوى ينخرط فى كفاح تحررى للتخلص من تخلف قرون طويلة فى ظل الدولة العثمانية التى وصفها المفكر الكبير جمال حمدان بأنها «استعمار دينى» من نوع باطش يتستر بمفهوم الخلافة، ليستنزف آخر قطرة من عرق المصريين ودمائهم.

وطوال عمر هذا الاستعمار تأسست الأسس النظرية والفكرية للحكم العثمانى فى التسليم بحق الخليفة (السلطان فيما بعد) فى الحكم المطلق والأمر والنهى دون أى حقوق للرعية غير الطاعة العمياء لهذا القائد الدينى.

ويصف لنا جمال حمدان بعبارات موجعة حال الأمة فى ذلك العصر بقوله «كما يفصل الراعى بين أنواع القطعان، فصل الأتراك بين الأمم والأجناس المختلفة عملا بمبدأ فرق تسد، وكما يسوس الراعى قطيعه بالكلاب، كانت الانكشارية كلاب صيد الدولة العثمانية، وكما يحلب الراعى ماشيته كانت الإمبراطورية بقرة كبرى عند العثمانيين للحلب فقط».

وفى ظل ذلك الحكم المهلك، المستند إلى مرجعية دينية زائفة يتبرأ منها إسلامنا الحنيف، «عم الخراب إقليم مصر» على حد قول الجبرتى، وكاد المصريون يندثرون فعلا لا مجازا بسبب المجاعات المتكررة والمجازر والأوبئة، وبارت الأرض الزراعية بسبب إهمال الحاكم لأعمال الرى والصرف وهروب الفلاحين من أرضهم فرارا من جباة الضرائب الفاحشة، وانتشر الجهل الشامل والخرافة والشعوذة، فتجربة الحكم الدينى فى مصر كانت مدمرة.

■ كيف خرجت مصر من هذه الحالة المتردية؟

- الفضل فى ذلك يرجع إلى جهود أجيال متتابعة من المثقفين عملت على إلغاء مفاهيم البطش العثمانى وتشييد منظومة فكرية عصرية ومدنية تدريجيا، ظللنا نعيش فى نطاقها قرنا ونصف القرن، وأبرز ملامح هذه المنظومة هو إحياء فكرة الوطن «مصر» التى كانت غائبة تماما فى ظل فكرة الأممية العثمانية التى تجعل كل سكان الإمبراطورية رعايا على قدم المساواة فى العبودية أمام الأستانة، وإدخال مبدأ الوحدة الوطنية والمساواة بين المسلمين والمسيحيين فى الحقوق والواجبات، وهكذا تم نفى المبدأ العثمانى للفصل بين الملل وسياسة فرق تسد، ونفى وجود السلطة الدينية.

ويقول الإمام محمد عبده بوضوح: إن قلب السلطة الدينية والإتيان عليها من أساسها هو أصل من أصول الإسلام، وبالتالى تم نزع أى قداسة أو صفة دينية عن أى حاكم بشرى مهما كان لقبه، ونزعها، بالمثل، عن أى جماعة ومؤسسة تدعى أن لها سلطة دينية من أى نوع، إلى جانب أنه تم تحرير المرأة التى كانت فى وضع أسوأ من الرقيق والإماء، وأذكر فى ذلك دور قاسم أمين، ثم انتشار الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وهى حق للجميع.

وبالطبع لم تطبق تلك المبادئ العصرية من تلقاء نفسها بل عبر صراع دفع المثقفون خلاله أثمانا فادحة، وقد أثبت الشعب المصرى فى النهاية انحيازه لهذه القيم الجديدة المستمدة من صحيح الدين خلال ثورتيه الكبيرتين فى ١٩١٩ و١٩٥٢.

■ قلت من قبل إن الزحف الإخوانى بدأ منذ عهد عبد الناصر فكيف ذلك، وهو من انقلب عليهم بعد الثورة وحاربهم كثيرا؟

- نكسة ٦٧ لعبت دورا كبيرا فى المد الدينى، فطوال الخمسينيات كان هناك زهو بالدولة المدنية وما حققته من إنجازات، ورغم أن الإخوان حاولوا جاهدين العمل فى هذه الفترة إلا أنه لم يكن من السهل ضرب الدولة المدنية فى مقتل، لأنه كان هناك نوع من الانحياز إلى الفكر التحررى، لكن نكسة ٦٧ قضت على هذا وكان رد الفعل الطبيعى أن يتجه الناس إلى الله ليطلبوا منه العون، وقد لاقى هذا صدى لدى أنصار الدولة الدينية.

■ لكن الآلاف من التيارات الدينية خرجوا من مصر فى الخمسينيات والستينيات بعد صدام متكرر مع نظام عبدالناصر.. كيف كانت العودة؟

- الإخوان المسلمون تعجلوا واعتبروا أن ثورة ٥٢ هى ثورتهم التى قام بها أولادهم وأشقاؤهم من الضباط، واعتقدوا أنه آن الأوان للوصول إلى الحكم، فبدأ الصراع مع عبدالناصر الذى كان فى جوهره صراع بين رؤيتين لنظام الحكم فى مصر، إما الدولة الدينية أو الدولة المدنية، وقد انحاز المجتمع فى هذا الصراع للدولة المدنية، وخاض صراعا مع الاستعمار مكسبه الرئيسى استرداد قناة السويس، وصراعا مع قوى الإقطاع فى الداخل لتحقيق العدالة الاجتماعية ومكاسب التنمية وعلى رأسها السد العالى، ثم جاءت بعد الانتصارات انكسارات عام ٦٧، وفى أثناء الانتصارات والهزائم كان الإخوان المهاجرون يحققون ثروات طائلة فى المنافى الخليجية والأوروبية ويحكمون أطراف تنظيم دولى يكاد يكون إمبراطوريا، وسبق أن تحدث يوسف ندا أمين صندوق التنظيم الدولى على شاشة إحدى الفضائيات عن استثمارات بمليارات الدولارات، وبهذا السند القوى دخل الإخوان المسلمون مصر فى عهد السادات.

■ إذن من الظلم القول إن السادات هو سبب المد الدينى؟

- نعم لأن المد الدينى بدأ من قبل عهده فى أعقاب النكسة كنوع من التطلع إلى الخلاص من الهزيمة، ومنذ أوائل السبعينيات بدأ السادات عهده بحملة شاملة على الثقافة، فأغلق المجلات الثقافية والمسارح الجادة والمؤسسة الوطنية للسينما وطرد المثقفين الحقيقيين من كل منابر الإعلام والثقافة، وبينما حسب البعض أن هذه ضربة لخصومه من الناصريين واليساريين، اتضح أن مشروعه أكبر من ذلك بكثير فالضربة كانت موجهة فى الواقع إلى قيم النهضة العصرية.

وكان لابد من إخلاء الساحة من عناصر الممانعة والمقاومة للمشروع الفكرى الجديد، وهكذا نجح السادات فى تشتيت مثقفى النهضة والتطوير فى منافى الأرض وإسكات وإضعاف من بقى منهم فى مصر، وجلب بدلا منهم مجموعة من الوعاظ المهاجرين منذ العهد الناصرى إلى دول الخليج، الذين لم يكونوا استمرارا بأى شكل لشيوخ مصر العظام أمثال الإمام محمد عبده والشيخ شلتوت ممن كرسوا جهودهم لجلاء مواءمة الإسلام لكل العصور وعدم معارضته النهضة والتطور الاجتماعى.

وفتح أمام هؤلاء الوعاظ المنابر التى أغلقت تماما أمام المدنيين المثقفين حتى انفردوا بساحة الرأى العام، فرد هؤلاء الجميل لصاحب الفضل، فأضفوا عليه بدورهم هالة دينية ثم جعلوه إماما، ألم يقل قائلهم تحت قبة البرلمان إن السادات «لا يسأل عما يفعل، أوَلِم ينته الأمر باقتراح تسميته سادس الخلفاء الراشدين»؟ خطوة أخرى نحو إعادة دولة السلطة الدينية.

■ هل خلو الساحة من أنصار الدولة المدنية جعل مهمة الإخوان أسهل؟

- بكل تأكيد غياب أنصار الدولة المدنية نتيجة نفيهم وإبعادهم سهّل المهمة على الإخوان، وعلى الجانب الآخر عندما فتح لهم السادات الباب قرروا ألا يراهنوا على العسكر مرة ثانية، وأن يعملوا على الناس فبدأوا بمنتهى الذكاء من النظام التعليمى، حيث جندوا آلافا من المدرسين الحكوميين ومولوا إنشاء مدارس خاصة إسلامية التوجه والمناهج، وفى حقبة السبعينيات بدأوا تكثيف جرعة التلقين الدينى للأبناء فى المدارس والتى تنصب على تلقين الشعائر والعبادات دون التطرق إلى المعاملات أو المنهج الإسلامى لتقدم المجتمع وتغييره نحو الأفضل، بالتوازى مع دور الدعاة والوعاظ الذين استغلوا الإعلام فى نشر ثقافة الطاعة لسلطة الدعاة، وخطوة وراء الأخرى سيطروا على الريف والأحياء الشعبية، حتى سيطروا على المجتمع.

وقد قلت وقتها إن من حكم المجتمع ليس من الصعب عليه أن يحكم الدولة، فقد تغلغلوا فى الجامعات واتحادات الطلاب والمدارس وأئمة المساجد والنقابات والمستشفيات وكانت أولى بشائر النصر بالنسبة لهم حصولهم على ٨٨ مقعداً فى البرلمان عام ٢٠٠٥ وربما لو كانت تركت لهم الفرصة لحصلوا على ٧٠% من المقاعد لولا تدخل النظام السابق فى المرحلتين الثانية والثالثة بالتزوير.

■ لماذا حدث الصدام فى النهاية مع السادات؟

- جزء من التيار الدينى تعجل تحقيق أهدافه ودخل فى صدام مباشر مع نظام السادات، أما الإخوان فكانوا أذكى من ذلك بكثير، لم يختاروا الصدام بل المسايرة وحاولوا إرضاء السادات بكل طريق، حتى بالامتناع عن نقد سياساته نحو إسرائيل التى أغضبت كثيرا من القوى الوطنية، بل إن كثيراً من أفرع الإخوان خارج مصر اشتروا الوقت ليحققوا على مهل مشروعهم الخاص بالسيطرة على العقول، ومن ثم على المجتمع.

ومن الحكمة أنهم لم يتعجلوا وعملوا فى هدوء، وشاء الله أن تقوم ثورة يناير، ولن أدخل فى جدل هل ساهموا فى الثورة أم لا، ولكن كل من كان فى الطليعة الثورية يؤكد أن الإخوان لم يكونوا موجودين بل كانوا معارضين للثورة إلا أنهم استفادوا منها فى الانتخابات.

■ لكن شباب الإخوان شاركوا فى الثورة.

- نعم لكن كل من شارك فُصِل من الجماعة لأنهم خرجوا عن المبدأ الأساسى للجماعة وهو السمع والطاعة والانضباط الديكتاتورى.

■ هل يمكن القول إن فساد النظام السياسى سهل المهمة على الإخوان فى تنفيذ مشروعهم فى السيطرة على المجتمع؟

- بكل تأكيد، فالفساد والظلم جعلا الناس يبحثون عمن يتحدثون بالقرآن والسنة ظنا منهم أن هؤلاء هم من يتقون الله وسيصلحون أوضاعهم، إضافة إلى أن الدعاية المضادة التى مورست على مدى ٥٠ عاما ضد مدنية الدولة، كانت سببا فى رفض الشارع لهذه الفكرة.

■ ماذا عن صعود السلفيين؟

- الأموال الخليجية لعبت دورا مهما بكل تأكيد فى صعودهم، واستغلوا أن الرأى العام مهيأ جدا للفكر الدينى وضد الدولة المدنية، كما أن السلفيين كانوا يكررون نهج الإخوان ولكن بشكل منفصل عنهم فى العمل فى المجتمع خاصة فى المساجد، لكننى اندهشت من أنهم فازوا بعدد لا بأس به من الدوائر فى المرحلتين الأولى والثانية.

■ لماذا ذهبت أموال الخليج إلى السلفيين وليس الإخوان؟

- لأنهم أكثر وهابية من الإخوان.

■ رغم انتشار تيار الإسلام السياسى فى كل أنحاء الجمهورية إلا أنه بدا واضحا بشدة فى الإسكندرية؟

- لا أعرف كيف تحولت من المدينة الكوزمبوليتانية إلى المدينة السلفية ولكن أغلب الظن أن ذلك نتج عن ازدياد الفقر، وبكل أمانة أدهشتنى سيطرة السلفيين على الإسكندرية رغم علمى بازدياد التيار الدينى هناك.

■ هناك رأى يتوقع تحالف التيار الدينى تحت القبة وآخر يتنبأ بصدام بين الإخوان والسلفيين.

- بالطبع ستتحالف التيارات الدينية مع بعضها البعض ولن يتحالف أحد منهم مع الليبراليين على الاطلاق «أنا وأخويا على ابن عمى وأنا وابن عمى على الغريب».

■ هل باع بعض المثقفين أنفسهم للتيارات الدينية كما فعل البعض مع الحزب الوطنى؟

- نعم ومازالوا، فهناك مثقفون كانوا يؤمنون بالفكر الليبرالى ثم تحولوا إلى فكر الإسلام السياسى عن قناعة أو لتحقيق مصلحة ما.. الله أعلم.

■ ما المصالح التى تجنى من وراء تبنى فكر الإسلام السياسى؟

- أحد أقطاب الفكر الماركسى ذكر لى من قبل أنه عندما كان يتحدث بالفكر الماركسى كان يقتنع به العشرات والآن حين يقول نفس الأفكار لكن بمفهوم الإسلام السياسى يقتنع ملايين، فهناك عدد من المثقفين وجدوا أن فكر الإسلام السياسى يحقق لهم ما لم يكن يحققه الفكر اليسارى من شهرة وأتباع، وأن الرسائل تصل للناس أسرع.

ولمؤرخنا العظيم ابن خلدون رأى جدير بالنظر فيما نحن فيه الآن، فقد لاحظ أن الفتن التى تتخفى وراء قناع الدين تجارة رائجة جدا فى عصور التراجع الفكرى للمجتمعات، إذ يتواتر ظهور الجماعات التى تدعو إلى إقامة شرع الله والعمل بسنة نبيه، ولكن أكثر المنتحلين لمثل هذه الدعوة يطلبون بها رئاسة امتلأت بها جوانحهم وعجزوا عن التوصل إليها بشىء آخر، فيحسبون أن هذا من الأسباب البالغة إلى ما يأملونه.

■ هل أنت من المؤمنين بتحالف المجلس العسكرى مع تيارات الإسلام السياسى بعد الثورة؟

- المجلس العسكرى مسؤول عن طفرة التيار الدينى منذ الثورة، فبدأ الأمر بالإعلان الدستورى واللجنة التى اختيرت لإعداده وعلى رأسها المستشار طارق البشرى، الذى نكن له كل الاحترام، لكننا نعرف ميوله الإسلامية، وزاد على الأمر شخص لم يعرف عنه سابقة فكر قانونى، أن تم جعله المتحدث الرسمى باسم اللجنة، وكان يوميا على شاشات الفضائيات، ثم تم الإفراج عن المتطرفين عشية الاستفتاء وهذا أتاح لهم حشد الناس والمساهمة فى الدعوة للتصويت فى الاستفتاء بـ«نعم»، عملا بأن من يقول نعم فى الجنة، ومن يقول لا فى النار، ثم ما حدث بعد ذلك فى كنيسة أطفيح وقنا، ومعالجة الأمر بإرسال قادة السلفيين للتوسط فى الأزمة، وغيرها من التصرفات التى سمحت بتمدده، وإما أن يقولوا هم ما سر هذه التصرفات أو أن التاريخ هو من سيقول ما إذا كان ذلك مجرد مصادفة أم بناء على خطة.

■ هل تعتقد أن التعاون سيمتد بعد وصول التيار الإسلامى للأغلبية فى البرلمان؟

- الفترة القادمة ستشهد صراعاً قوياً بين المجلس العسكرى والإخوان وليس تعاونا.

■ هل تعتقد أن الرئيس القادم سيكون من نفس التيار وأن يتم الحشد لصالح مرشح من تيار الإسلام السياسى؟

- فى فرنسا رئيس الجمهورية فى مرحلة ما كان اشتراكيا ورئيس الوزراء يمينى، وهذه الحالة تحتاج وعى الناس وهو غير موجود فى حالتنا، وإلا ما كنا لنرى هذه النتائج.

■ هل تعتقد أن من ذاق الظلم والاضطهاد من الممكن أن يكون ديكتاتورا.. هذا منطق الإخوان فى التأكيد على أنهم سيلتزمون بالديمقراطية؟

- استحالة أن يكون الإخوان المسلمون ديمقراطيين فى يوم ما، فلا توجد ديمقراطية داخل التنظيم نفسه، من يخرج عن السمع والطاعة يفصل فورا حتى ولو كان زعيما مثل عبدالمنعم أبوالفتوح، كما أن لديهم مركزية شديدة فى القرار، حتى إن أصدقائى يقولون لى إنه أثناء التحاور مع أحد مندوبى الإخوان كان يتصل تليفونيا ليأخذ الإذن يوافق أم يرفض، فمن غير المتوقع أنه بين ليلة وضحاها يتحول الإسلاميون إلى تنظيم ديمقراطى.. استحالة استحالة استحالة.

■ أين الثوار بعد أن تشرذموا وتركوا الساحة لتيارات الإسلام السياسى؟

- المجلس العسكرى هو الذى شرذم الشباب، فالمعاملة القاسية التى تعرضوا لها جعلتهم شيعا، بعضهم يتقرب من المجلس العسكرى، والبعض الآخر يعاديه، ولم يُمنحوا أى فرصة لكى يتجمعوا بهدوء حتى تنبع منهم قيادات وفعاليات سياسية، مساحة الحرية المتاحة لأنصار النظام السابق مثل جماعة «إحنا آسفين يا ريس» أكبر بل مصونة أكثر من شباب الثورة، الذين يحظر عليهم التجمع ويضربونهم فى مقتل من حين لآخر، عدد ضخم منهم فى السجون العسكرية والباقون يرسلون لهم البلطجية ليضربوهم ويسحلوهم.

■ هل اتصل بك المجلس العسكرى فى إطار مشاوراته مع القوى السياسية؟

- عمرهم والحمد لله لا طلبوا يستشيرونى ولا طلبونى للمحاكمة. أنا لست نجم سياسة. يمكن أن أكون نجماً فى الأدب، وهذا أمر لا يهمهم على الإطلاق.

■ لكن الأديب على اتصال بنبض الشارع ورأيه يعكس الواقع.

- ليذهب أحد ويقل للمجلس العسكرى. يا جماعة حتى تعرفوا ما مشكلات المجتمع الحقيقية استدعوا صنع الله إبراهيم وإبراهيم أصلان وأدباء هذا البلد.

■ فى رأيك لماذا تم تهميش الأدباء بعد الثورة؟

- استمرارا لنهج مبارك الذى همشهم تماما، كان فقط يتقابل معهم فى معرض الكتاب لتلتقط له بعض الصور فيظهر بصورة راعى الثقافة لا أكثر، لكن أن يستفيد منهم لا.

■ ما المطلوب من المجلس العسكرى الآن؟

- موقف حاسم من نظام مبارك الذى مازال يحكم مصر حتى الآن، وأن يقترب المجلس العسكرى من الناس العاديين، لا نريد النخب بل اتصلوا بالناس الذين وثقوا فيكم وبصفة خاصة الثوار الذين اتهمتموهم وحولتوهم إلى المحاكمات العسكرية، كما أطالبهم بتنفيذ مبادئ الثورة، ومحاكمة مبارك ورموز نظامه.

ولو أنهم يتحججون بأن المحاكمات يجب أن تأخذ وقتها حتى يتم الاعتراف بهذه الأحكام فى الخارج، لنستطيع أن نسترد أموالنا المنهوبة فى الخارج، فأود هنا أن أنقل لهم ماذا يقول الناس فى الشارع: «فى ستين داهية الفلوس إحنا عايزين حق الشهدا»، فبعد أن كان كل مواطن يسير بآلة حاسبة ليحسب نصيبه من الفلوس المنهوبة الآن يقولون لا نريدها لكن حاكموا مبارك واقتصوا للشهداء.

■ ما آليات استرداد الدولة المدنية فى نظرك؟

- على دعاة وأنصار الدولة المدنية أن يتعاونوا مع شباب الثورة الذين هم أنبل ما فى مصر، وننطلق فى العمل من التراث الدينى لهذه الأمة المصرية سواء الإسلامى أو المسيحى الذى يتصف بالسماحة والوسطية، فدعاة التنوير من قبل كانوا من خريجى الأزهر، وقادة ثورة ١٩ كانوا من الشيوخ والقساوسة، وأن نكف عن التفكير فى أن العمل فى إطار النخبة سيأتى بنتائج، ولابد من العمل من المجتمع والتفكير فى طرق مبتكرة للوصول إلى الناس.

ويجب التوجه للتعليم والقضاء على الأمية، هذا كان جهد الرواد مثل رفاعة الطهطاوى وطه حسين وعبدالله النديم، ونحن لدينا شخصيات بالفعل تعمل فى مجالات الصحة والتعليم ولكن دون دعاية كما يفعل الإخوان كالدكتور محمد أبوالغار الذى أقام عيادات على نفقته الخاصة لعلاج مصابى الثورة، ومثله كثيرون يقومون بأعمال وطنية دون الإعلان عن ذلك ودون استغلاله سياسيا، ووقتها سيسترد الناس بالتدريج فكرة الدولة المدنية التى اندثرت تماما، ولو افترضنا أن سعد باشا زغلول بعث للحياة من جديد فلن يجد شعبا مدنيا يحكمه.
----------------------
نشر في المصري اليوم بتاريخ 31/12/2011
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=322906

منصور حسن

انهيار «الاستشارى» قد يكون بداية لانهيار جميع المؤسسات الدستورية فى البلد
-------------------------------------------
أجرت الحوار رانيا بدوى ١٩/ ١٢/ ٢٠١١
------------------------------------------

بعد اشتعال المشهد السياسى بين الثوار والمجلس العسكرى والذى أسفرعن سقوط قتلى ومصابين ومزيد من فقد الثقة بين الطرفين - تساءل كثيرون عن موقف حكماء هذا البلد الذين تجمعوا فيما يسمى المجلس الاستشارى الذى انتخب لرئاسته منصور حسن، وزير الإعلام والثقافة وشؤون الرئاسة الأسبق، المشهود له بالموضوعية والحنكة والحكمة، لذا وجب لقاء منصور حسن لسؤاله عن تقييمه للمشهد ورأيه فى استقالة بعض أعضاء المجلس الاستشارى، بل رد فعله تجاه العنف الذى شهدته البلاد فى اليومين الماضيين، حيث أكد لـ«المصرى اليوم» أنه لن يستقيل وسيصمد حتى النهاية لمواجهة الأزمات، وأشار إلى أن النخب السياسية لا تقوم بدورها المنوط بها من تصحيح أخطاء كل الأطراف دون مسايرة الجماهير بدعوى أن «الناس عايزة كده»، وناشد الشباب الابتعاد عن مواطن الخطر والبعد عن مواقع الجيش لتجنب الاحتكاك واشتعال الأزمات، كما أنه نفى ما يتردد عن أن المجلس العسكرى يريد أن يأخذ مصر رهينة. وإلى نص الحوار:

■ ما تعليقك على الاستقالات المتعددة داخل المجلس الاستشارى اعتراضا على العنف ضد المتظاهرين أمام مجلس الوزراء؟

- أولا هناك مبالغات فيما يخص أسماء وعدد من استقالوا من المجلس، وفى رأيى أنه من حق كل عضو أن يستقيل أو أن يبقى كما يملى عليه ضميره، ولكننى أناشد السادة الأعضاء أنه إذا كانت المصلحة الشخصية ومحبة الجماهير تقتضيان الاستقالة فإن مصلحة مصر تقتضى الثبات ومواجهة الأزمات والعمل على حلها، مصر تمر بمرحلة دقيقة فلو أن كل شخص داخل المجلس الاستشارى استقال من منصبه فهذا يعنى انهيار مؤسسات الدولة بالكامل.

■ لكنه مجلس استشارى فى النهاية فكيف تسقط الدولة إذا ما استقال المجلس الاستشارى؟

- المجلس الاستشارى ليس مؤسسة دستورية مثل المؤسسات التشريعية والتنفيذية هو مجرد مجلس استشارى للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، ورغم أنه ليس فى مستوى المؤسسات الأخرى إلا أنه أصبح مؤسسة سياسية، الاستقالة أوالخروج منه قد يكون بداية لانهيار المؤسسات الدستورية الأخرى مثل مجلس الوزراء، فلنا أن نتخيل ما ستكون عليه الدولة لو قدم كل مسؤول استقالته، ثم من الذى سيستفيد من ذلك، ألا نستطيع أن نمضى الستة أشهر التى تبقت من المرحلة الانتقالية فى هدوء وانضباط واستبشار بالمستقبل، هل يعقل أن نتحول إلى الجمهورية الجديدة عن طريق تحويل العاصمة إلى منطقة عشوائية وعداء مستمر بين المواطنين والمجلس العسكرى هذا لا يجوز على الإطلاق، ثم لماذا كل هذا العنف ولماذا الاستقالات ما هى المطالب التى يريدون تحقيقها.

■ المطلب الآن من وجهة نظر البعض هو «إسقاط حكم العسكر»؟

- بأى غرض يسقط حكم العسكر؟ هؤلاء هم من حموا الثورة ثم حكموا البلاد، بعدها أحسنوا وأخطأوا، أجادوا وأخفقوا، ونحن الآن فى مرحلة انتقالية ولم يبق فى هذه المرحلة إلا ٦ أشهر على تسليم السلطة ونهاية الوضع وإقامة الجمهورية الجديدة، لذا هذا العنف من أى طرف غير مبرر على الإطلاق، ثم لو أننا أسقطنا حكم العسكر لمن سنسلم السلطة؟ الستة أشهر المتبقية ليست كافية لو قررنا انتخاب مجلس رئاسى، لذا علينا أن نصبر حتى انتهاء انتخابات مجلس الشعب ثم انتخابات الرئاسة وتسليم السلطة لرئيس منتخب.

■ المجلس العسكرى بدأ بالعنف ضد المتظاهرين عندما فض اعتصام التحرير بالقوة؟

- لا أعرف ما الذى أشعل الشرارة الأولى ولكن أنا مبدئيا ضد استخدام العنف ضد المتظاهرين، ولكن أريد أن يقول لى أحد اسم دولة ديمقراطية فى العالم تسمح لمواطنيها بالاعتصام فى عرض الشوارع وإغلاق الميادين والمكاتب. حق التعبير عن الرأى بالاعتصام مكفول بالكامل ولكن دون الإضرار بمصالح الآخرين، ففى الخارج يقف المعتصمون على الرصيف ويقولون ما يريدون بحرية مطلقة، ولكن لو نزلت قدم متظاهر من على الرصيف يضرب بعنف وذلك يحدث فى إنجلترا وفرنسا وأمريكا وغيرها، فلماذا نعطى فى مصر حقوقا للمواطنين بإفساد الدولة وتعطيل المصالح.. هذه فوضى ولا ثورة.

■ ولكن كل الصور تؤكد سحل المواطنين من قبل الشرطة العسكرية هذا بخلاف شهداء سقطوا بالرصاص الحى فكيف تبرر ذلك؟

- أنا أستنكر بشدة أى عنف ضد المتظاهرين ولا نقبل ذلك على الإطلاق فهذا يعنى المساس بنا وبكرامتنا وتدمير الوطن بالكامل والعنف غير مبرر من قبل أى طرف.

■ ما رأيك فيما يتردد عن أن المجلس العسكرى افتعل الأزمة لتعطيل تسليم السلطة؟

- لا أوافق على هذا الرأى إطلاقا، بل مقتنع تماما أن المجلس العسكرى لا ينوى البقاء فى الحكم ولو لدقيقة إضافية وبالتالى لا توجد من ناحيته مؤامرات فهو يتمنى أن يترك السلطة الآن قبل غد.

■ ربما يخشى محاكمته بجريمة قتل المتظاهرين بعد استقرار النظام السياسى وتسليم السلطة؟

- كل هذه تهيؤات وكلام أناس تريد أن تقدم تحليلات سياسية، فهل يعقل أن يأخذ المجلس العسكرى مصر رهينة لأنه خائف من محاسبة أحد أعضائه إذا كان أخطأ.. هذا كلام غير منضبط وغير حقيقى.

■ وبماذا تفسر عدم إطفاء حريق المجمع العلمى رغم وجود المطافئ على مسافة قريبة بل وجود خراطيم مياه لتفرقة المتظاهرين حتى إن البعض قال إن المجمع احترق من الداخل لإلصاقه بالمتظاهرين؟

- هذا غير حقيقى وقد علمت من مصادر رسمية أن الجماهير التى كانت تواجه القوات المسلحة آنذاك رفضت أن تسمح للمطافئ بالدخول لإطفاء المجمع.

■ وبماذا تفسر مشاهد الشباب التى حاولت إنقاذ بعض الوثائق؟

- دائما يوجد شباب محترم ونيته جيدة ولا يرغب فى تدمير البلد بل يحافظ عليه ولكن للأسف الوضع يترتب على النتائج النهائية.

■ من التأييد المطلق للمجلس العسكرى فى بداية الثورة إلى المطالبة بإسقاط المجلس العسكرى كيف تقرأ هذا التحول؟

- حدثت فتنة بين الجماهير استجاب لها بعض العناصر غير المسؤولة، ومن رأيى أن انسحاب الشباب المحترم الذى قام بالثورة وتشتته فى أحزاب وتيارات مختلفة ترك الساحة والباب مفتوحا أمام شباب ليسوا من شباب الثورة ولا يستطيعون ضبط أفعالهم، وأنا أحذر من أن الإهانة والمساس بالقوات المسلحة خطر بالغ ويعنى أننا نهدم البلد.

■ البعض يتهم المجلس العسكرى بأنه هو الذى شتت وشرذم شباب الثورة باعتقال بعضهم واتهام ٦ أبريل بتلقى تمويل خارجى وغيرها؟

- لا شك أن هناك أخطاء بين الجانبين، الشباب والمجلس العسكرى، لكن مصر من مصلحتها اليوم أن تضبط كل الأطراف، ثم ربما يكون المجلس العسكرى ادعى على شباب ٦ أبريل أنهم يحصلون على تمويل خارجى وهم لا يقبلون ذلك، ولكن لا تنسى أيضا أن هذا جاء كرد فعل بعد الزحف نحو المجلس العسكرى فى ميدان العباسية، لا بد أن نقف على الحقائق دون أن يطلب أحد شعبية رخيصة.

■ هل تؤمن بنظرية وجود الطرف الثالث الخفى فى كل الأزمات التى تحدث منذ الثورة حتى الآن؟

- الطرف الثالث ليس طرفا مستقلا وبعيدا عن الجماهير والا لكنا اكتشفناه، إنما هو موجود بين الجماهير يحاول افتعال الأزمات وبث الفتن بين الشعب والجيش ويوقع كل الأطراف فى الأخطاء ويقود الجماهير نحو هذه الأفعال.

■ تقصد أنه طرف داخلى وليس خارجيا؟

- من الوارد وجود أطراف خارجية تعبث بالمشهد السياسى وقد يكون الطرف الثالث المندس بين الجماهير مدفوعا من الخارج.

■ ولكن الطرف الثالث الخفى متهم بأنه لا يثير الفتن وحسب إنما أيضا مسلح ويضرب الجماهير بالنار، فهل هذا منطقى من وجهة نظرك؟

- ليس لدىّ الإمكانيات لبحث هذه الأقوال التفصيلية: من الطرف المسلح ومَن الذى ضرب المتظاهرين بالنار، ليس لدىّ معلومات وهذا منوط بجهات التحقيق وعليها أن تعلن النتائج لنعرف جميعا الحقيقة.

■ ما هو المطلوب من الشباب الآن؟

- بعد ما صدر بيان المجلس العسكرى وتعهد فيه بوقف العنف توقعنا خيرا، والجيش أقام متاريس ليحتمى بها ووضع خطا فاصلا بينه وبين الجماهير ومع ذلك وجدنا الجماهير تذهب إلى هناك لإلقاء الحجارة ثم تعود الجماهير وتشكو من عنف القوات المسلحة ونحن أيضا نشكو معهم من هذا العنف، ولكن أيضا لابد أن نتحلى بالتوازن والموضوعية والسؤال هنا ما الذى يجعل هؤلاء الشباب يذهبون إلى هناك ويحتكون بالجيش لماذا يكسرون الحد الفاصل والمتاريس، الجيش أيضا أبناؤنا ولديهم إحساس وكرامة ويضجرون من إهانتهم، على الشباب أن يبعدوا عن مواطن الخطر.

■ لكنهم يعبرون عن آرائهم فهذه هى الثورة؟

- إذا كان هؤلاء هم ثوار ٢٥ يناير فأنا آسف لذلك، هؤلاء ليسوا ثوار يناير لأن الثوار الحقيقيين شرفوا البلد ونزلوا بانضباط وهدوء وإصرار وعزيمة، وهؤلاء غير موجودين الآن للأسف وتشرذموا وكانوا لابد أن يتجمعوا ويحملوا مشعل الثورة ويفرضوا طلباتهم بهدوء وسلمية ويقودوا البلد، بل يفرضوا التغيير الذى ينشدونه على الجانب الآخر كجهة موحدة ومحددة المطالب، أما الآن فلا يعرف أحد منا من هم شباب الثورة ومن ليسوا شباب الثورة، ولا يمكن أن يكون شباب الثورة الحقيقيون راضين عما يحدث.

وللأسف العناصر التى تكيد ضد مصلحة مصر تجد فرصة فى وجود الجماهير المتجمهرة فى أى مكان لتثير الفتن وبهذه الطريقة لا نهاية للحوادث لابد أن تبتعد الجماهير عن مواقع القوات المسلحة وعلى القوات المسلحة أن تلتزم بالقيام بمهامها وحماية المؤسسات وفقط.

■ وما هو المطلوب من النخب السياسية فى هذه المرحلة؟

- عليهم ألا يسايروا ما يجرى بدعوى أن الجماهير تريد ذلك «الناس عايزة كده»، النخب دورها أن تقف موقف حق وتقول لكل طرف أنت محق فى هذا ومخطئ فى ذلك، فالمجتمعات لا تنهض بدون هذا الدور للنخب، يكفى ما عانيناه طوال التسعة أشهر الماضية فلم يكن هناك هيئة أو مؤسسة أو نخبة تقول لنا فى ماذا أصبنا وفى ماذا أخطأنا، وظللنا نسير بالدفع الذاتى حتى وصلنا إلى ما نحن عليه الآن.

■ سؤال أخير: لو تكررت الاستقالات داخل المجلس الاستشارى هل ستصمد أم ستستقيل؟

- أنا متأكد أننى عندما تحملت هذه المسؤولية لابد أن أكون على مستواها ولن أهرب من الميدان وسأبذل كل جهدى إلا إذا شاءت الظروف غير ذلك، وإذا كانت المصلحة الشخصية تتحقق بالاستقالة فإن مصلحة الوطن تقتضى الثبات فى الموقع وأداء الواجب.
------------------------------
نشر في المصري اليوم بتاريخ 19/12/2011
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=321492

المستشار عدلي حسين

لا يجوز «التسجيل» بدون إذن نيابة و«المحكمة» لا تعترف بـ«الدليل الباطل»
--------------------------------------
حوار رانيا بدوى ١٥/ ١٢/ ٢٠١١
-------------------------------------

أكد المستشار عدلى حسين، رئيس محكمة جنايات أمن الدولة العليا بالقاهرة سابقاً، أنه لا يجوز استغلال الـ«سى. دى»، الذى تم تسجيله للمتهمين فى قضايا تلقى تمويل أجنبى من الخارج، لأن ذلك لم يكن بإذن مسبق من النيابة حتى ولو أظهر السى دى تورط هؤلاء، وأكد أن تسريب السى دى مقصود به بث القناعة لدى الرأى العام بضرورة إدانة هؤلاء الأشخاص، وأشار إلى أن التسريب ربما جاء من قبل جهة الضبط، لأنه لا يعتقد أن قاضى التحقيق يقدم على هذه الخطوة.

■ من الناحية القانونية ما رأيك فيما انفردت به «المصرى اليوم» حول «سى. دى» يحتوى تسجيلات وإيميلات لأشخاص قيل إنهم متورطون فى تلقى أموال من الخارج؟

- ورد بالتحقيق الصحفى أنه تم الحصول على نسخة من السى دى من ملف التحقيقات، لذا فالسؤال المطروح هو من الذى سرب هذا السى دى؟، هل هو جهة الضبط «الشرطة» أم جهة التحقيق؟

■ وهل لكل من هذه الجهات دلالة ما؟

- بكل تأكيد.. إذا كانت جهة الضبط «الشرطة» هى التى سربت السى دى تأخذ المسألة وقتها بعداً إعلامياً بمعنى تهيئة الرأى العام لنتائج هذا التحقيق، أو أن جهة التحقيق هى التى سربت السى دى سواء قاضى التحقيق أو النيابة العامة، ولا أعتقد أن المحقق يقع فى هذا الخطأ الجسيم، حيث يعد ذلك انتهاكاً لسرية التحقيق بحكم القانون، ويلقى بظلال البطلان على التحقيقات وفقاً للمادة ٧٥ من قانون الإجراءات الجنائية التى تعتبر إجراءات التحقيق ذاتها والنتائج التى تسفر عنها من الأسرار، ومن يخالف ذلك يعاقب بمقتضى المادة ٣١٠ عقوبات، التى تصل فيها العقوبة إلى الحبس مدة لا تزيد على ٦ أشهر أو بغرامة لا تتجاوز ٥٠٠ جنيه، وفى كلتا الحالتين الأمر يتعلق بمسألة إعلامية وليست تحقيقات.

■ ماذا تقصد بـ«بعد إعلامى»؟ وهل تقصد تشويه هؤلاء الشباب حتى قبل أن تظهر نتائج التحقيق سواء بالإدانة أو البراءة؟

- دعونا نتفق على وجود مبدأ مهم، وهو أن المتهم برىء حتى تثبت إدانته بحكم قضائى نهائى، وأن الشك يفسر لصالح المتهم، ومن هذا المنطلق لا يجوز على الإطلاق التعرض بالتشويه لأى شخص يجرى معه تحقيق حتى تثبت إدانته، بعد محاكمة جنائية عادلة أمام قاضيه الطبيعى.

■ هل تعتقد أن التسريب مقصود؟

- أعتقد أن المقصود هو بث القناعة لدى الرأى العام بضرورة إدانة هؤلاء الأشخاص.

■ وماذا لو أن نتائج التحقيقات أثبتت عدم إدانتهم بالفعل؟ ما العمل وقتها؟

- يتعين على وسائل الإعلام التى تناولت هذا الموضوع أن تنصفهم بصورة واضحة، لرد اعتبارهم أمام الرأى العام.

■ ما البعد القانونى لمثل هذه التسجيلات؟ ومتى يمكن اعتبارها قانونية أو مجرد انتهاك للحريات الشخصية؟

- المبادئ القانونية الحاكمة لهذه التسجيلات أنه لا يجوز أصلاً إجراء أى تسجيل لأحاديث تليفونية إلا بإذن من النيابة العامة وقاضى التحقيق، وذلك بناء على معلومات وتحريات سابقة جدية بأن هناك جريمة معينة حتى يصلح الإذن بتسجيلها، فلو أن المعلومات غير جدية يبطل الإذن بالتسجيل.

المبدأ الثانى أنه لا يجوز للمحكمة أن تعتمد على دليل باطل مثل الدليل المستخدم من التسجيلات الباطلة غير المأذون بها لإدانة المتهم، وعلى العكس من ذلك يمكن للمحكمة أن تستند إلى دليل باطل لتبرئة المتهم، أى قد يجد المتهم فى هذه التسجيلات الباطلة ما يبرئه، ومن حقه فى هذه الحالة أن يستند إليه لطلب البراءة.

المبدأ الثالث إذا كانت التسجيلات بدأت مشروعة بإذن من النيابة العامة أو قاضى التحقيق لشخص معين، وأدت هذه التسجيلات بالضرورة إلى تسجيلات أخرى، لأطراف أخرى ومن خلال هذه التسجيلات تبينت جرائم جديدة فى هذه الحالة يكون التسجيل قانونياً.

■ ماذا لو أن التسجيلات تمت دون إذن نيابة، لكنها أظهرت إدانة الأطراف محل التسجيل؟

- لا تجوز الإدانة بها، بل ممنوع الإدانة بها على الإطلاق.. الحريات مصونة ومقطوع بها فى القانون، حتى ولو أظهرت التسجيلات تورط هذه الأطراف.

■ هل يمكن لجهات الضبط أن تقول إنها سجلت لهم دون إذن بموجب قانون الطوارئ؟

- ولا حتى بموجب قانون الطوارئ، فهذا القانون يوسع من الصلاحيات، لكن لا يلغى الإجراءات والحريات كاملة، بمعنى أنه وفقاً للمادة ٩٥ من قانون الإجراءات الجنائية تعطى لقاضى التحقيق سلطة التسجيل، حيث تنص على أنه لقاضى التحقيق أن يأمر بضبط جميع الخطابات والرسائل والجرائد والمطبوعات والطرود لدى مكاتب البريد وجميع البرقيات لدى مكاتب البرق، وأن يأمر بمراقبة المحادثات السلكية واللاسلكية وإجراء تسجيلات لأحاديث جرت فى مكان خاص متى كانت لذلك فائدة فى ظهور الحقيقة فى جناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس لمدة تزيد على ثلاثة أشهر، وفى جميع الأحوال يجب أن يكون الضبط أو الاطلاع أو المراقبة أو التسجيل بناءً على أمر مسبب، ولمدة لا تزيد على ٣٠ يوماً قابلة للتجديد لمدة أو مدد أخرى مماثلة.
----------------------
نشر في المصري اليوم بتاريخ 15/12/2011
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=321090

د. أحمد عكاشة

القوى السياسية تشرذمت وغداً سيكون لدينا أكثر من ديكتاتور
------------------------------------------
أجرت الحوار رانيـا بـدوى ١٤/ ١٢/ ٢٠١١
------------------------------------------


أكد الدكتور أحمد عكاشة، رئيس الجمعية المصرية للطب النفسى، ضرورة التوصل إلى حل توافقى بشأن ميزانية الجيش، لأنه من الممكن أن يتنازل عن السلطة، ولكنه لن يقدم تنازلات بشأن وضعه الاقتصادى. وقال إن تشكيل المجلس الاستشارى مضيعة للوقت، لأن مهمته هى المشورة فقط وليس اتخاذ القرارات المصيرية، وسياسة إرضاء جميع الأطراف سياسة فاشلة.

وأضاف «عكاشة»، فى حواره مع «المصرى اليوم»، أن الجيش ظل بعيدا عن السياسة فى عهد الرئيسين الراحلين جمال عبدالناصر، وأنور السادات، وحرص مبارك على إبعاده عنها طوال سنين حكمه الثلاثين، وكانت وزارة الداخلية هى التى تحكم البلاد.. وإلى نص الحوار:

■ ما تحليلك لشخصيات أعضاء المجلس العسكرى؟

- هم نخبة من الضباط المشهورين بالإتقان والانضباط والالتزام، نشأوا على الطاعة العمياء، وتربوا على مبدأ رفض النقاش مع من هو أعلى منهم فى القيادة، إضافة إلى أن كل قيادات المجلس العسكرى فوق الـ٦٠ سنة، ما يعنى بالنسبة للإنسان العادى بدء مرحلة تصلب شرايين القلب والمخ، ومن ثم فقدرتهم على التغيير محدودة، وقدرتهم على المرونة أيضا محدودة. فضلا عن أن أعضاء المجلس لم يختلطوا يوما بالمدنيين، لكن المقلب أن الرئيس السابق كلف المجلس العسكرى بالقيام بمهام رئيس الجمهورية، ومن هنا برزت أخطاء نتيجة عدم ممارستهم السياسة من قبل، لذا لا يستطيع المجلس العسكرى تفهم أن ينتقده أحد، لأنهم تعودوا على أنه لا أحد فى العالم ينتقد الجيش، وهو فى الوقت نفسه لا يستطيع التفرقة بين دوره العسكرى، ودوره السياسى الحالى، فهناك فرق كبير بين الجيش والمجلس العسكرى.

■ هناك رسائل متناقضة يرددها الإعلام فى هذا الشأن، فتارة يقول لنا إن المؤسسة العسكرية حكمت مصر حوالى ٦٠ عاما، ثم يؤكد أنها عديمة الخبرة بالسياسة، فكيف تفسر هذه الرسائل؟

- من يقل إن المؤسسة العسكرية حكمت مصر لمدة ٦٠ عاما مخطئ، لأنه فى نهاية عهد عبدالناصر تم إبعاد الجيش تماما عن المؤسسات المدنية، واستمر إبعاده عن السياسة فى عهد السادات، وفى عهد مبارك كانت الداخلية هى التى تحكم، ولم يكن الجيش يستشار فى أى قرار يخص السياسة، وأحيانا كانت المخابرات العامة تحكم مع الرؤساء، لكن رجال «مبارك» نجحوا فى إبعاد الجيش تماما عن الحكم.

■ فى رأيك، كيف يكون الخروج الآمن للجيش بعد ٦٠ عاما من خصوصية هذه المؤسسة؟

- فى رأى الكثيرين، لن يتنازل الجيش عن السلطة، رغم وعوده التى قطعها على نفسه، ورأيى أنه يعلم أن سر بقائه وقوته فى ابتعاده عن الحياة المدنية، لكن ستظهر معضلة الاستقلالية الاقتصادية الخاصة به، والتى نشأت منذ عهد الرئيس عبدالناصر، أى منذ حوالى ٦٠ عاما، فكيف نحقق معادلة استقلال الجيش، وأن يبقى للمؤسسة المدنية إشراف ما عليه، سواء كان ذلك بشكل جزئى أو كلى؟، هذا سؤال مهم يجب أن يجيب عنه السياسيون، ويضعونه فى اعتبارهم فى المرحلة المقبلة، لأننى أعتقد أن الجيش يمكن أن يتنازل عن السلطة، لكنه لن يتنازل عن استثماراته وخصوصية وضعه الاقتصادى، ويجب أن نصل إلى حل دون تخوين طرف على حساب آخر، وعلى الجانب الآخر يجب أن يظهر العسكريون نوعا من المرونة، لأن المدنيين بطبيعتهم لديهم مرونة أعلى من العسكريين، وأؤكد أنه لابد من الوصول إلى توافق، حتى إن لم يرض كل طرف ١٠٠ % . ولابد للمدنيين أن يفهموا أن العقلية العسكرية مختلفة عن المدنية، وأن كل الانقلابات العسكرية التى حدثت فى العالم انتهت بمآس.

■ البعض ينتقد المجلس العسكرى بعنف بسبب التشكك فى نواياه، ورغبته فى حماية رموز النظام السابق، فهل لذلك تأثير على رد فعل المجلس؟

- أولا، النقد الجارح للقوات المسلحة ليس فى صالحنا، وهذا خطر كبير، ليس فقط فى رد الفعل، لأننى أثق أن المجلس العسكرى وطنى، ولن يكون له رد فعل ضد البلاد، لكن على الأقل، هذا يفسر حالة الغضب الشديدة التى تنتابهم، وانفعالهم أثناء مداخلاتهم التليفزيونية، ردا على الهجوم الذى يتعرضون له، وما حدث أيضا مع الشرطة كان خطأ كبيرا.

■ لماذا؟

- لأنه لا يمكن لدولة أن تنهض إلا بالقانون، والذين يطبقون القانون هم عناصر الشرطة، وإن لم نمكنهم من أداء عملهم، ونعمل على سد الفجوة بين الشعب والشرطة، ستنهار الدولة أمنيا واجتماعيا واقتصاديا، وليس أمامنا إلا التعامل مع الأزمة على أساس أن بعض أفراد الشرطة أخطأوا، لكن ليس جهاز الشرطة بأكمله خاطئاً، وإن كان بعض عناصره عذب بعض المواطنين، فما نقوم به الآن هو تعذيب لكل الشرطة، ما يسمى فى علم النفس «التوحد مع المعتدى»، أى أن الشعب يتوحد مع سلوك الشرطة، فيعذب كل أفراد هذا الجهاز، حتى من لم يخطئ فيهم، والشرطة على الجانب الآخر تنتابها أزمة هوية، ففى كل دول العالم، من يهجم على قسم شرطة أو يعتدى على ضابط يعدم، وإذا نفذ ذلك فى مصر، سيعدمهم الشعب، وإن هربوا سنقول إنهم متخاذلون، وإن نزلوا الشارع سيهانون، وأرجو أن نبتعد عن روح الشماتة والانتقام فى التعامل مع الشرطة.

■ وبماذا تفسر بطء محاكمة الرئيس السابق فى وقت يؤكدون أن المجلس العسكرى هو من حمى الثورة، ووقف فى صف الشارع، وإذا كان ما حدث نوعاً من الانقلاب العسكرى، فلماذا لا نشهد محاكمة سريعة لـ«مبارك» للإطاحة بما تبقى من نظامه؟

- وفقا للتركيبة العسكرية التى تعودت على السمع والطاعة منذ الالتحاق بهذه المؤسسة، وحتى تولى أعلى المناصب، مع الأخذ فى الاعتبار أنهم حلفوا قسما بالله وبشرفهم العسكرى أمام رئيس الجمهورية بحمايته، فهذه ليست شيزوفرينيا، وإنما وضع طبيعى لشخص يدين بالولاء لرئيسه، خاصة أنه لم يكن يتوقع أحدهم ما حدث، وإن كنت أرى أنه لو لم تقم الثورة وقرر مبارك توريث الحكم لنجله «جمال»، لنفذ الجيش انقلابا عسكريا لإزاحته، لأنهم لم يكونوا ليقبلوا أن يتولى مدنى قيادة القوات المسلحة.

■ هذا يعنى أنهم لن يقبلوا برئيس مدنى الآن؟

- الوضع مختلف بعد الثورة، فلم يعد أحد يستطيع الوقوف أمام رغبة الشعب، لكن كما قلت، فإن الرؤساء الثلاثة السابقين منحوا الجيش حق إقامة مؤسسات اقتصادية للحصول على ولائه، ومن الممكن التوصل إلى اتفاق ما يحافظ على هذه المكتسبات، وقرأت مؤخراً أن الجيش سيمنح البنك المركزى مليار دولار من ميزانيته لدعمه بعد نقص الاحتياطى النقدى، مليار دولار من الجيش، أمال عندهم كام؟، أعتقد أنهم لا يريدون حكم مصر، لكن من الصعب أيضا أن يتنازلوا عن الاستثمارات الاقتصادية، والسؤال هنا: هل ستخضع لإشراف الجهاز المركزى للمحاسبات؟، لا أستطيع الجزم بذلك، وأترك الأمر للخبراء.

■ لو افترضنا أن المجلس العسكرى سيسلم السلطة كما وعد، فكيف يضمن عدم الاستدعاء للمحاكمة بعد تركه لها، بتهمة قتل المتظاهرين فى ماسبيرو، أو أحداث محمد محمود، على غرار محاكمة المسؤولين السابقين فى قتل ثوار ٢٥ يناير؟

- لو تم إجراء محاكمة عادلة وسريعة لمن تورط فى هذه الأحداث، سواء من ضباط عسكريين أو مدنيين، سينتهى الأمر.

■ ما رأيك فى فكرة المجلس الاستشارى، وهل تراها ترضى الشارع بدعوى أن المجلس يتواصل مع الجميع؟

- أعتقد أن اختيار ٣٥ شخصا من مختلف الفئات السياسية للمشورة بمثابة مضيعة للوقت، فنحن فى حاجة للبناء، والبلاد معرضة للإفلاس، ولو مرت هذه الأشهر القليلة دون أن نتخذ خطوات جديدة ستنهار، والمجلس الاستشارى سيعطى النصيحة لكنها غير ملزمة، وأمور الدولة يجب أن يتولاها القائمون على الحكم. فمصر الآن ملهاش كبير، لأن كل فئة ديكتاتورية مصغرة، وأعضاؤها يختلفون حول كل شىء، ولابد أن يكون هناك قرار حاسم، ولا يمكن أن يصدر قرار لا يغضب البعض، ونحن نعيش عصر الديكتاتوريات، ولا أحد يريد أن يمتثل للقرار، ولا القائمون على الحكم قادرون على اتخاذه، وفكرة أن المجلس العسكرى يريد أن يرضى كل الأطراف سياسة فاشلة بالطبع.

■ لكن الجيش ليست لديه خبرة سياسية، والنتيجة أخطاء لا حصر لها منذ بداية الثورة؟

- المجلس العسكرى يمكن أن يستمع للخبراء دون لجنة استشارية.

■ مصر تعيش حالة فتن كبرى، وصراع بين الليبراليين والإسلاميين، والجيش والثوار، والإعلام والنخب السياسية، فى تحليلك ما الذى يحدث؟

- سؤال صعب، وكان أملنا فى توحد المصريين بعد ثورة ٢٥ يناير، كما كانوا خلال الثورة، فعندما اجتمعت نخبة الشباب المثقف فى طليعة المشهد الثورى، وانضم إليهم باقى الشعب شباباً وشيوخاً، مسلمين ومسيحيين، رجالاً ونساء، على هدف واحد هو الحرية والعدالة الاجتماعية وكرامة المواطن- تحقق الهدف وسقط النظام، أما الآن فللأسف هذه الروح الجماعية اختفت بتشرذم الأحزاب والتيارات السياسية وشباب الثورة حتى تحول الأمر من انتماء للوطن إلى انتماء لمصالح كل فئة على حدة، وأصبح مفهوم الديمقراطية مختلاً، بل أصبح مجرد شعار يلوح به الجميع دون ممارسة، فالديمقراطية هى قبول الآخر فى حين أن كل فئة وفصيل وتيار يرفض قبول الآخر، ويعتبر أن رأيه هو الصحيح، حتى التيارات الإسلامية نفسها مختلفة فيما بينها فى فهم الإسلام، وهذا يعنى أنه فى المرحلة المقبلة سيكون لدينا أكثر من ديكتاتور بدلا من ديكتاتور واحد.

■ إذا أجريت تشريحا للشخصية المصرية خلال الأحد عشر شهرا الماضية، فماذا تقول؟

- أولا، ما قيل على لسان ابن خلدون من أن الشخصية المصرية سلبية، وتميل إلى الخنوع، وتأليه الحاكم والاحتكام إلى النكتة والسخرية أكثر من الاعتماد على المعارضة الإيجابية، ثم ما قاله الباحث جمال حمدان بأن الناس تميل إلى الخضوع والسلبية وعدم القدرة على مواجهة الحاكم- تبدد إلى حد كبير أثناء ثورة ٢٥ يناير، لتظهر شخصية مصرية أخرى تميل إلى الوسطية والاعتدال والتعاطف وحب الأرض والانتماء، وكل ما هنالك أن هذه الصفات كانت مكبوتة بالقمع والاستبداد من أيام الفراعنة، وتشخيصها من قبل العلماء كان يعتمد على ما هو واضح على السطح، وبحسب ما بدا ظاهراً من سلوكيات المصريين بعد تأثرهم بالظلم والكبت والقهر، حتى إننى قلت قبل الثورة إن كثيرا من أخلاق المصريين أخلاق «عبيد» بمعنى النفاق والكذب والانتهازية والفهلوة والمداهنة والتملق، ويزيد على ذلك الخضوع والسلبية وتبجيل الحاكم أمامه وسبه من خلفه، فكرامة وعزة المصرى إلى حد ما كانت منهارة، لكن بعد الثورة ظهرت الشخصية المدفونة فى المصريين، ولا يوجد بلد فى العالم عاش لأشهر يأكل ويشرب ويذهب للعمل دون وجود أمن إلا فى مصر، وظلت اللجان الشعبية تحميه لمدة شهرين، كان فيه صاحب العمارة مع البواب، الطفل مع الكهل، القبطى مع المسلم، جنبا إلى جنب، هذا الوعى له علاقة بالجينات الوراثية، ففى أمريكا عندما قطع التيار الكهربى عن لوس أنجلوس ونيويورك فى وجود البوليس الأمريكى بكل ما له من صيت، حدثت ٢٠٠ ألف حالة نهب فى ٤ ساعات، وفى اليابان بعد الزلزال حدثت ١٥ ألف حالة، وفى مصر لم نصل إلى هذه الأرقام أبدا.

■ لكن لماذا عادت أخلاق المصريين للانهيار بعد الثورة، ولماذا زاد العنف والاعتداء على الأراضى الزراعية وغيرها من المخالفات؟

- لأن موجة الثورة ركبتها تيارات لا علاقة لها بالثورة، وبدأ الصراع على المصالح الضيقة الخاصة، وليس مصلحة البلد، وعلى الجانب التنفيذى سنجد أن أى ديمقراطية تعتمد على الشفافية والمساءلة وتداول السلطة، لكن المواطن المصرى شعر بأنه لا توجد شفافية، فلم يصدر بيان يوضح من هم من هجموا على السجون والأقسام بعد الثورة، ولا من قتل المتظاهرين، ولا من هم المعتدون على الكنائس، ومن المتورط فى أحداث ماسبيرو، وغيرها، فهل يعقل أن كل هذه الأجهزة الأمنية من شرطة وجيش ومخابرات عامة ومخابرات عسكرية لا تستطيع الوصول إلى هذه القلة المندسة التى يصرحون باسمها ليل نهار عقب كل أزمة؟، وهذا ما عزز من مخاوف المصريين، واختلت الفرحة بالثورة، وانقسم الناس حولها، وكانت النتيجة أنه فى نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات حصل السلفيون، الذين كانوا متحالفين مع النظام السابق على مركز متقدم عن شباب الثورة.

■ «مبارك» يحاكم، فى حين يتحدث الإعلام حول الإسلاميين وصعودهم، فما تفسير ذلك؟

- أولا مبارك لا يحاكم، فهل يعقل أن تأخذ المحاكمات كل هذه المدة؟، ويستغرق رد المحكمة وحده ٣ أشهر؟، ما يحزننى فعلا أنهم أخذوا يشغلون وقتنا بهذه المحاكمات، فى حين كان من الممكن أن تنتهى فى ثلاثة أو أربعة أشهر، وننتبه إلى بناء مصر، ثم إننا نحاكم «مبارك» مدنيا، والثوار يحاكمون عسكريا، نحاكمه على بضع فيلات وقصور، ولم نحاكمه على فساد طال البلاد طيلة الثلاثين عاما الماضية. أما عن سبب نسيان المحاكمات كما تقولين، فهذا لأن إحدى سمات الشخصية المصرية طيبة القلب والقدرة على التسامح ونسيان الأحداث المؤلمة ومحاولة إيجاد أحداث جديدة لتنسينا الأحداث المؤلمة، فهى شخصية مشابهة للقرص الفوار، يفور جدا وسرعان ما يهدأ، وهذا يعنى عدم النضوج، فالشخصية الناضجة هى التى تتميز بالمثابرة والإصرار ومحاولة الإتقان فى العمل، ولا نستطيع التعميم، لكن الغالبية ليس لديها نضوج.

■ وهل يستغل السياسيون هذه الصفات فى المصريين؟

- الأذكياء منهم يلعبون على هذا الوتر، أن المصرى ينسى سريعا، خاصة أن مخ الإنسان لا يستطيع أن ينشغل بعدة أمور فى نفس الوقت، هو فقط ينشغل بحسب المنبهات، ولو ظل الإعلام يتحدث عن الانتخابات سينشغل بها، ولو حول الدفة على الإسلاميين سيكون ذلك محل اهتمام الناس وهكذا، فالأجهزة الإعلامية تلعب دورا كبيرا فى تهييج الناس، ليس للمصلحة الوطنية، ولكن ربما لكسب المزيد من الجمهور أو زيادة الإعلانات، والنتيجة أن الناس أصبحت مشغولة ببرامج التوك شو ولم تعد تشاهد أفلاما أو تسمع موسيقى، وكلما احتوت المنظومة المعرفية على فن وأفلام وثقافة حدث توازن للمخ، والدول الأوروبية أيام الحرب العالمية كانت حريصة، فى أوج الحرب والتدمير، على أن تعرض على جمهورها أفلاما وحفلات، لكن ما يحدث فى مصر غير مسبوق، كما أن الإعلام أثر فى نتائج الانتخابات، لأن عددا من المرشحين نجح لأنه الأكثر ظهورا فى الإعلام، وليس لأن له برامج انتخابية متميزة.

■ منذ بداية الثورة والمواطن يتعرض للكثير من التناقض فى المعلومات والآراء حول الشىء الواحد فإلى أى مدى يؤثر ذلك على المواطن؟

- كلما كانت الرسائل التى تعطى لمخ الإنسان متناقضة، كانت قدرته على التوازن النفسى مختلة، ففى النهاية يصاب الإنسان باللخبطة والإحباط، والأخير تنتج عنه مضاعفات، ونحن الآن نعيش مضاعفات الإحباط.

■ وما هذه المضاعفات بالتفصيل؟

- العنف والعدوان على الذات والآخر، حيث تصبح قدرة الإنسان على التحكم فى الغضب محدودة، ويثور لأقل شىء، وقد لاحظنا ذلك حتى مع السياسيين أثناء مؤتمرات الوفاق الوطنى، إذ قام الناس وضربوا بعضهم البعض، وهؤلاء هم المتعلمون والنخبة، كذلك العدوان اللفظى بين التيارات وبعضها، وفى الشارع كل شخص يحصل على حقه بنفسه، لأن هيبة الدولة اختفت، إضافة إلى القلق والخوف والترقب غير المريح لما قد يحدث، ثالثا، الاكتئاب واليأس والإحساس بالعجز وإنه «مفيش فايدة»، والإحباط ينتج اللامبالاة، ويلى ذلك المداومة، وتعنى أن نسلك نفس السلوكيات الخاطئة التى كنا نمارسها من قبل.

■ هل الخوف من تصاعد التيارات الإسلامية مبرر من وجهة نظرك؟

يوجد فى الطب النفسى ما يسمى بالإزاحة، فنتيجة أنه لم يتحقق شىء طيلة الأشهر العشرة الماضية، يحدث نوع من الإزاحة للإحباط من شىء إلى آخر، هذا ما حدث مع نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات، إذ تحول الحديث من محاكمات النظام السابق إلى صعود تيارات الإسلام السياسى ومدى تطرفهم، إضافة إلى أن الإعلام أظهر الإسلاميين المعتدلين مثل المتطرفين، فشوه المسألة، وعندما يتكالب الإعلام على شخصيات تقول إنها ستمنع سياحة الشواطئ، وعيون المرأة جنسية، ويتكالب على شخص خرج من السجن بعد الحكم عليه بالمؤبد، لاستضافته فى كل البرامج، فهو يتخذ موقفا من الإسلاميين، ويمارس حالة من تخويف الناس، لكننى لست قلقا من الإسلاميين، وأرى أن الإخوان معتدلون، ولديهم من الذكاء السياسى ما لا يجعلهم يعتدون على الحريات الشخصية.

■ هل من الممكن أن يتحول الإخوان إلى حزب وطنى آخر لو حصلوا على الأغلبية فى البرلمان القادم؟

- التغير فى شخصية الأغلبية يحدث فقط فى حالة التسلط المطلق، عندما لا توجد شفافية ولا محاسبة ولا مساءلة، وعندما تتعامل الأغلبية بمنطق أن المحاسبة تأتى من الله والتاريخ، لكن الشعب ليس له هذا الحق، وأذكر هنا اللورد أوين رئيس الحزب الليبرالى البريطانى، وأصله طبيب نفسى، لكنه ترك المهنة واشتغل بالسياسة حتى أصبح وزير الخارجية البريطانى، وقدم ما يسمى بمتلازمة الغطرسة، قال فيها إن الإنسان عندما يبقى فى السلطة طويلا يتوحد مع الكرسى، وأى نقد له يعتبره خيانة للوطن، ويعتبر نفسه مبعوث العناية الإلهية لإنقاذ هذا الوطن، ولا يقبل إطلاقا أى نصيحة، وأعتقد أنه لا أحد سيترك أى تيار يصل إلى هذه المرحلة مرة ثانية، كما أن الدستور القادم سينص على أن مدة الرئاسة فترتان، وستكون هناك مساءلة من الشعب، وهذا ينطبق على الرئيس القادم.

■ ما هو تفسيرك لتحقيق السلفيين مركزا متقدما عن شباب الثورة وباقى الأحزاب فى الانتخابات؟

- سمعت أن السلفيين لم يؤدوا الخدمات التى أداها الإخوان المسلمين، لكن الملايين التى حصلوا عليها من الخليج ساهمت فى هذا الفوز، ثم إن ثقافة الأميين تأتى من خطيب المسجد، وهذا الخطيب يعتمد فى خطبته على رسالة مؤداها أننا فى الدنيا حرمنا من كل شىء والخلاص فى الآخرة، ومعظم خطباء القرى ممن سافروا إلى الخليج وتأثروا بالأفكار الوهابية، إضافة إلى أن هناك شريحة كبيرة من ساكنى القرى يبحثون عن لقمة العيش، ولا يعنيهم الحديث عن الحرية والعدالة والشعارات التى ترفعها بقية الأحزاب.

----
نشر في المصري اليوم بتاريخ 14/12/2011
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=320869

سامح عاشور

المهمة الأولى لـ«الاستشارى» تنظيم انتخاب الرئيس..
والعسكرى يصدر مرسوماً بمعايير «لجنة الدستور»
--------------------------------------------
أجرت الحوار رانيا بدوى ٧/ ١٢/ ٢٠١١
------------------------------------------

سامح عاشور هو أحد أبرز «اللاعبين» على الساحة السياسية، بعد الثورة وقبلها، فهو نقيب المحامين، للمرة الثالثة، ورئيس الحزب الناصرى وعضو المجلس الاستشارى، وأحد أطراف أزمة القضاة والمحامين حول قانون السلطة القضائية، وإلى جانب ذلك هو محامى المدعين بالحق المدنى، فى قضية «قتل المتظاهرين».

من هنا كانت أهمية الحوار مع «عاشور»، الذى قال إن الأدلة فى قضية قتل المتظاهرين ليست ضد الرئيس السابق حسنى مبارك، وربما نشهد أحكاما بالبراءة له وبعض أعوانه، وطالب بمحاكمة «مبارك» أمام محاكم خاصة.

وشدد «عاشور»، خلال الحوار، على أن الغرب قد يتدخل لتقسيم مصر حال حدوث صراع دينى بها، وأن أموال مصر المنهوبة والمهربة للخارج ضاعت ولا أمل فى استردادها، وكشف لـ«المصرى اليوم» عن أنه تم الاتفاق مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة على أن تكون أولى مهام المجلس الاستشارى، وضع معايير لاختيار اللجنة التأسيسية للدستور، بالتعاون مع المجلس وأن يصدر مرسوم بقانون بهذا الشأن، إلى جانب إصدار مرسوم بقانون لتنظيم انتخاب رئيس الجمهورية الجديد.. وإلى نص الحوار:

■ بداية ما رأيك فى الوضع الراهن وتقييمك لأداء «المجلس العسكرى» وسر تحوله من رفض الحوار مع القوى السياسية إلى السعى لتشكيل مجلس استشارى؟

- المجلس العسكرى حصل على إجماع الأمة بعد الثورة، لكن هذا الإجماع أخذ فى التآكل حتى وصل إلى أقل معدلاته قبل الانتخابات مباشرة، ثم عاد وارتفع قليلا بسبب تنظيمه الجيد للانتخابات وحمايتها، فالمجلس خرج من دائرة الإجماع إلى دائرة الخلاف، حتى وصل الأمر إلى حد رفع شعارات ضده مثل «يسقط حكم العسكر»، كما أن شهادة المشير محمد حسين طنطاوى، رئيس المجلس، خلال محاكمة «مبارك»، حسبت على أنها فى صالح الرئيس السابق، ما زاد من الخلاف والنقد.

■ هل هذا هو سر تحول المجلس واتجاهه لتكثيف طلب المشورة بدلا من العمل المنفرد؟

- بالقطع «المجلس» أدرك أنه لا يستطيع العمل وحده، دون استشارة باقى القوى السياسية، كما أنه يحاول الآن تحاشى بعض علامات الاستفهام التى ظهرت مثل التعاون مع الإخوان المسلمين أو رغبتهم فى الاستمرار فى السلطة، وذلك كله كان بسبب غياب الرؤية الشاملة، الناتجة عن غياب المشورة.

ونحن لا نريد أن تكون تحركات المجلس العسكرى كلها نتيجة ضغوط من ميدان التحرير، كما كانت فى الفترة الماضية، بل نتيجة حوار وعلاقة محترمة، تسفر عن أفكار تفيد البلد، وأعتقد أن مليونية ١٨ نوفمبر أشعرت المجلس بالعزلة، فبدأ فى الحوار مع جميع التيارات والنخب والرموز وهذه ميزة لا بد أن نستفيد منها، ومن هنا جاءت فكرة تشكيل المجلس الاستشارى، الذى تتواجد به شخصيات مؤثرة ولها حضور فى المجتمع.

■ ماذا ستكون مهام المجلس؟

- التعاون وتقديم المشورة فى القرارات السياسية والقوانين، وكل ما سيقرره المجلس العسكرى لا بد أن يعرض على المجلس الاستشارى لأخذ الرأى فيه.

■ لكن هذا الرأى لن يكون ملزماً؟

- نعم لكننا سنقول رأينا وأجرنا على الله، وستنتهى مهمتنا بانتخاب رئيس الجمهورية وليس بانتهاء انتخابات مجلسى الشعب والشورى، وتم الانتهاء من تحديد اختصاصات المجلس الاستشارى، ودوره وتشكيله حيث ضم تمثيلا لشباب الثورة وشخصيات عامة لها علاقات حزبية ونقابية مثل محمد مرسى، رئيس حزب الحرية والعدالة، وأبو العلا ماضى، رئيس حزب الوسط، وعماد عبدالغفور، رئيس حزب النور، والسيد البدوى، رئيس حزب الوفد، والدكتور محمد نور فرحات والمهندس نجيب ساويرس، والدكتور محمد سليم العوا والدكتور كمال أبوالمجد، ومنصور حسن والدكتور عبدالعزيز حجازى، والدكتورة منار الشوربجى، ولبيب السباعى، والدكتورة نادية صالح، وعمرو موسى وأشرف عبدالغفور وأسامة برهان، وقد دعى الدكتور محمد البرادعى لكنه لم يحضر ولا أعرف سببا لذلك.

■ هل ستعلنون الأمر للرأى العام إذا اتفق المجلس على موقف وخرج المجلس العسكرى بموقف آخر؟

- ستكون هناك أمانة عامة وسينتخب رئيس ونائبان له سيتحدثان بالنيابة عن المجلس الاستشارى وسيعلنان للإعلام المواقف المختلفة والقضايا والقرارات.

■ البعض يردد أن الرابح الوحيد من تقدم تيار الإسلام السياسى فى الجولة الأولى من الانتخابات هو المجلس العسكرى؟

- على العكس تماما، فأنا أرى أن الخاسر الوحيد من هذه العملية هو المجلس العسكرى، فصلاحيات هذا البرلمان بالفعل محدودة بحكم دستور ٧١ الذى تم تلخيصه فى الإعلان الدستورى ويمنح كل السلطات لرئيس الجمهورية، فليس لمجلس الشعب، إلى حين صدور دستور جديد، حق اختيار الحكومة أو تعيينها أو سحب الثقة منها، لذا ستحدث مصادمات سياسية وقانونية ودستورية لا محالة فيها، بين المجلس العسكرى والأغلبية البرلمانية، التى تعلم أنه ليس لها الحق فى تشكيل الحكومة، لكنهم سيدفعون بأن لهم ثقة الأغلبية وبالتالى من حقهم التدخل فى تشكيل الحكومة وفرض أو رفض من شاءوا، وهذه أولى القضايا الصدامية وهى مؤشر على أن الأغلبية ستدخل مصادمات كثيرة مع المجلس العسكرى إلى حين تسليم السلطة لرئيس منتخب.

■ لكن هل تميل إلى فكرة أن المجلس العسكرى صدّر الإسلاميين كبديل له نكاية فى معارضيه؟

- أولا لا يستطيع أحد حاليا تزوير الانتخابات، فالإرادة السياسية للدولة بالتزوير غير موجودة الآن، ربما يحدث تزوير أهلى أو من قبل بعض الجماعات، لكن هذه مسألة أخرى، وبالتالى فالأغلبية البرلمانية ليست صناعة المجلس العسكرى أو غيره، كما أنها ليست بسبب أن المجلس ترك لهم الساحة أو ضيقها على الآخرين، لأن فوز التيار الإسلامى كان متوقعا من قبل الجميع ولذلك طالبوا بإعطائهم مهلة للعمل ومنافسة الإخوان المسلمين.

■ عودة للمشهد الانتخابى.. ما تفسيرك لانتصار السلفيين رغم حداثة تجربتهم الانتخابية؟

- الخطاب الدينى موجود بكثافة فى الشارع المصرى، لأن الشعب متدين بطبعه، أما فيما يتعلق بـ«السلفيين» خصوصا، فلأن الأكثرية العددية بين المنتمين لكل من الإخوان والسلفيين هى لـ«السلفيين»، بينما «الإخوان» هم الأكثر تنظيما، ما جعل نسبة حصول حزب الحرية والعدالة، التابع لـ«الإخوان»، على مقاعد هى الأكبر فى نتائج المرحلة الأولى، وباقى الأحزاب منذ بداية إنشائها عام ٧٥ أحزاب «ديكورية» لأنها قبلت فكرة أن تكون فى المعارضة إلى الأبد، وأن يكون الحزب الحاكم حاكماً إلى الأبد.

وكانت النتيجة أن الناس عزفت عن جميع هذه الأحزاب القديمة وأرادت تجربة نماذج أخرى، والدليل أن من جاء بعد تيارات الإسلام السياسى فى الترتيب لم تكن الأحزاب القديمة وإنما الكتلة المصرية التى تضم أحزاباً جديدة، وعموما أعتقد أن الانتخابات أجريت قبل أوان الاستعداد وظلمت الأحزاب الجديدة، التى لو كانت منحت بعض الوقت لتعريف الجمهور بها وببرامجها ربما كانت ستتحسن نسب حصولها على مقاعد.

■ هل تعتقد أنه بعد الانتهاء من الانتخابات سيبدأ صدام جديد حول من يكتب الدستور وكيف يكتب؟

- لا أعتقد ذلك، فحزب الحرية والعدالة مثله مثل باقى القوى الليبرالية والقومية يؤكد فى كل حواراته أنه مع الدولة المدنية، لكنه لا يريد تثبيت هذا الموقف أو تقديم ما قد يرى أنه تنازل الآن لأن لديه حسابات الانتخابات.

■ ماذا عن التخوف من تحالف تيارات الإسلام السياسى داخل البرلمان الجديد فى كتابة الدستور؟

- لا يوجد دستور يُكتب بالأغلبية لأنه لو كُتب بالأغلبية فسيُلغى بالأغلبية اللاحقة عليه، والحل الأضمن هو أن يعى الناس ضرورة انتخاب من سيحمى الدولة المدنية فى المرحلتين المقبلتين.

■ ماذا لو لم يتم انتخاب حماة الدولة المدنية كما تصفهم.. ما ضمانات كتابة دستور توافقى؟

- هذا ما طرحناه فى نقاشنا مع المجلس العسكرى، ونادينا بضرورة إصدار مرسوم بقانون يوضح معايير اختيار اللجنة التأسيسية للدستور، بحيث يتم الاختيار بالتوافق دون تجاهل الأغلبية.

■ من سيضع هذه المعايير؟

- المجلس العسكرى بالتعاون مع المجلس الاستشارى، وقد طُرح هذا الأمر ووافق عليه المجلس العسكرى الذى أعلن أنها فكرة جوهرية جديرة بالدراسة، وكذلك سيصدر مرسوما بقانون ينظم عملية انتخابات رئيس الجمهورية الجديد.

■ لكن فى هذه الحالة ألن يتعارض قانون معايير اختيار اللجنة التأسيسية للدستور مع الإعلان الدستورى الذى يمنح الأغلبية البرلمانية هذا الحق؟

- سيكون هذا القانون مكملا للإعلان الدستورى ولن يتعارض معه، وفى النهاية سيتم الاختيار طبقا للقانون وليس للأهواء الشخصية، وإذا وضعت معايير صحيحة ومقبولة لن يحدث صراع أو خلافات.

■ فى رأيك كيف يستقبل الغرب نتائج الانتخابات، خاصة لو استمر التيار الإسلامى فى تحقيق انتصاراته؟

- الغرب لن يكون حزيناً على أى حال، فهم أمام أمر من اثنين: إما أن ينجح التيار الإسلامى ووقتها سيجدون آليات للتشاور والحوار معه، أو أن يفكر فى معضلات التدخل إذا ما تطور الأمر فى مصر إلى صراع دينى، والدليل تدخلهم فى ليبيا وها نحن نسمع الآن عن التدخل بإقامة مناطق عازلة فى سوريا بين مؤيدى النظام ومعارضيه، هذا يعنى أنه سيكون هناك ٢ سوريا، والسودان قُسمت بالفعل ولا ننسى أنه لولا الخطاب الدينى للشمال ما انفصل الجنوب، فقد رفعوا شعار الإسلام فلا حققوا دولة إسلامية فى الشمال ولا حافظوا على السودان موحدا، ولو لم ننتبه لذلك فى مصر فمن الممكن أن يطبق ذلك علينا.

■ هل يعنى ذلك أنك ترى إمكانية تقسيم مصر؟

- نعم، فلو أن المشهد تأزم وحدث صراع فسيبدأ المجلس الدولى لحقوق الإنسان فى التدخل، وستسلط علينا المحكمة الجنائية الدولية، فضلا عن المنظمات الحقوقية الدولية والأمم المتحدة والناتو، فالتدخل الأجنبى فى المنطقة «نقاوة»، والدلائل واضحة.. فهم يرسمون سيناريوهات الآن لكيفية خروج على عبدالله صالح من الأزمة كشاهد ملك، كما أن التدخل فى البحرين لم يكن لصالح المعارضة الشيعية ولن يكون، ولن يسمحوا بذلك فى أى من دول الخليج.

■ لك تصريح سابق تؤكد فيه أن الوزير المدنى لوزارة الداخلية هو الحل.. كيف ترى معضلة إعادة هيكلة الوزارة خاصة أن «الجنزورى» أعلن أن الحالة الحالية لا تسمح بوزير مدنى؟

- الشرطة يزداد رد فعلها العكسى بالسوء تجاه المواطنين، وبدأت العداوة تصبح مركبة ومنذ عشرة أشهر حتى الآن لم يأخذ أحد أى خطوات لإعادة بناء هذا الجهاز من جديد، وأنا أظن أن أى لواء شرطة سيتم تعيينه مرتبط بمشاعر عاطفية مع القيادات الموجودة فى طرة وفى الوزارة، أما الوزير المدنى فسيكون متجرداً من هذه الأهواء والمشاعر العاطفية، لكن على ما يبدو فإن «الجنزورى» لا يفكر فى إعادة بناء الجهاز بقدر تفكيره فى تسيير المرحلة المتبقية بشكل هادئ أمنيا فقط.

■ ننتقل إلى ملف محاكمات النظام السابق.. ذكر لى الدكتور شريف بسيونى فى حوار سابق أننا سنشهد براءة عدد من رموزه ممن يحاكمون لوجود أخطاء فى إجراءات التحقيق؟

- هذا صحيح، وأنا أرى أن الرئيس السابق حسنى مبارك لا يحاكم على جرائمه الحقيقية، لذا مازلت أرى ضرورة الفصل بين قضيتى الغاز وقتل المتظاهرين، لأن قضية الغاز تحتاج تعديل وصف التهمة، كما أنه من المفترض أن يحاكم فيها المحرضون على إبرام الصفقة وأحد هؤلاء المحرضين هو رئيس الوزراء الإسرائيلى الذى يجب استدعاؤه سواء حضر أم لا، حتى يصدر ضده حكم، فأحصن موقفى العدائى من الاتفاقية إذا ما رفعت للتحكيم الدولى.

كما أن النظر فى قضية الغاز سيطول وقد يقتضى الأمر إدخال متهمين جدد سواء من داخل مصر أو خارجها ومن ثم فلا يجب الانشغال بها على حساب قضية قتل المتظاهرين وهى الأهم. وللأسف فى قضية قتل المتظاهرين، وهى الأهم، قام ضابط بمسح التسجيلات التى عليها أوامر القتل ما جعل رقاباً كثيرة تنجو من حبل المشنقة، مقابل حصوله على حبس ٣ سنوات لكنه استأنف الحكم وربما يحصل على حكم أخف، وهنا السؤال: ما الذى استفدناه بعد إنقاذ «مبارك» وعدد من رموز نظامه من «حبل المشنقة» بواحد حصل على ٣ سنوات حبسا؟ «يا بلاش.. ده لازم كلهم يعوضوه ويدوه عن كل يوم مليون جنيه».

■ هل تعتقد أن ذلك سيناريو مرسوم لتبرئة الرئيس السابق ورموز نظامه؟

- لا أستبعد ذلك، فليس من الطبيعى محاكمة أشخاص نهبوا البلد أمام القضاء الطبيعى وفقا للإجراءات الطبيعية، نحن فى ثورة وهذه استحقاقات ثورة، أنا ضد محاكمة «مبارك» أمام القاضى الطبيعى لأنه رجل عسكرى، ويجب أن يحاكم وفقا للقانون العسكرى.

■ لكن القضاء العسكرى نأى بنفسه حتى لا يقال إن المؤسسة العسكرية تحيزت له؟

- إذن فى مثل هذه الحالات تشكل محاكم خاصة وفق قواعد مختلفة، ولا توجد ثورة حاكمت شخصاً أمام قاضٍ طبيعى، لأن من فى السلطة يصنع دليل براءته طوال فترة وجوده فى السلطة، ووفقا للقضاء الطبيعى إذا لم تتوافر الأدلة من الوارد أن يخرج «مبارك» وأبناؤه براءة ويمارسوا حياتهم بشكل طبيعى، لمجرد أن الشرائط والكاميرات التى صورت عمليات وأوامر القتل تم إتلافها.

■ كيف ستدينه المحاكم الخاصة مادامت لا توجد أدلة؟

- يدان وفق التوجه العام ووفقا لنتائج سياساته طوال الثلاثين عاما الماضية.. لا يصح أن نحاكم نظاما سقط بالثورة بقانون غير قانون الثورة.

■ هل صدمتك شهادة «المشير» التى اعتبرها البعض فى صالح «مبارك» وليست ضده؟

- صدمت لأننى لم أتوقع ما جاء فى شهادته، وإنما توقعت أن يكون هناك أمر ما صدر سواء بشكل مباشر أو غير مباشر بقتل المتظاهرين.

■ إذا انتقلنا لملف الأزمة بين القضاة والمحامين بشأن مشروع قانون السلطة القضائية.. أنت متهم بالمساهمة فى إشعال الأزمة لأغراض انتخابية؟

- أولا رفض المحامين مشروع القانون كان بمثابة الإجماع للمرة الأولى فى تاريخ المحاماة، فالمشروع خطير فعلا على المستويين الوطنى والمهنى، وأقصد كلا المشروعين المقدمين من المستشارين «الزند» و«مكى»، لأن كليهما مشروع قانون فئوى وعدوانى ضد المحامين وضد حق الدفاع، الذى هو مكفول فى كل المواثيق الدولية، المحامى أثناء أدائه عمله معفى من القبض عليه أو الحبس احتياطيا إذا ارتكب جريمة تتعلق بالدفاع مثل السب والقذف والإهانة، وإذا حدث وارتكب جريمة يكون الإجراء المتبع هو أن يحرر القاضى له محضرا ومذكرة ويحيلها إلى النيابة، لكنه يكمل دفاعه لأن حبس المحامى يعنى أنك تضيع كفالة حق الدفاع وهى القيمة التى نصت عليها المواثيق الدولية وقانون المحاماة، فى المادتين ٤٩ و٥٠، ما يعنى أن مشروع القانون يلغى مادتين من قانون المحامين، دون حتى التشاور فى الأمر، ولم أكن أنا أو غيرى يستطيع التهدئة فى هذا الموضوع أو تجاهل المشروع.

■ لكن هناك من قال إن النص وضع لحماية القضاة أثناء مراقبتهم الصناديق الانتخابية؟

- لا يوجد نص فى المشروعين له علاقة بالعملية الانتخابية، وإنما هم وضعوا نصا مقصودا به إهانة المحامين ووضع المحامى الذى لا يعجب القاضى فى القفص، ثم على الجانب الآخر ما علاقة استقلال القضاء بالمحامين، وكيف يأتى هذا المشروع فى باب اسمه «معاونو القضاة من الكتبة والمحضرين والخبراء»، على أن المحامين يمارسون عملهم وفق قانون المحاماة.

أولا هذا نص لا يقدم ولا يؤخر وغير ذى جدوى، لكن وضعه تحت باب معاونى القضاة مقصود منه إهانة المحامين، وقد رفض معدو المشروع رفعه، وهذا لا يصح ثم إن قانون السلطة القضائية (٣٠٠ مادة) لا يصلح أن يصدر «خطف» ولا أن يصدر بمرسوم عسكرى بل يجب الانتظار حتى يوضع الدستور وتوصيف السلطة القضائية إحدى السلطات الرئيسية، وبناء عليه يوضع القانون فلماذا العجلة؟! إلا إذا كان ذلك لخطف القانون وتحقيق مكاسب فئوية مثل زيادة الرواتب حيث جاء فى مشروع الزند «أن صندوق القضاة له نصيب مما يحكم فيه القاضى من غرامات وكفالات» فهل يليق ذلك، من البديهى أن يرفع القضاة وقتها من قيمة الغرامات والكفالات، ومن ثم فهو يحرض على الفساد والإفساد وإخراج القاضى عن دوره الذى هو أنزه من ذلك، وهناك بند آخر ينص على أن يحصل القاضى على نفس ما يتقاضاه قاضى المحكمة الدستورية، ومعروف أن قاضى المحكمة الدستورية يتقاضى من ٥٠ إلى ٦٠ ألف جنيه شهريا، هل يعنى ذلك أن أعطى كل هؤلاء القضاة هذه المبالغ ومن أين؟! النصوص غير العاقلة وغير الراشدة هى سبب ثورة المحامين، ومن حقهم أن يغضبوا بينما يتصور نادى القضاة نفسه أنه دولة داخل الدولة، فيضع نصا فى مشروع القانون نفسه أن القاضى لا يقبض عليه فى حالة تلبس ولا يجرى ضده تحقيق ولا يجوز اتخاذ أى إجراء ضده إلا بعد موافقة مجلس القضاء الأعلى.

■ ما رأيك فيما يقال عن كونك نسقت مع «الإخوان» لتفوز برئاسة نقابة المحامين ويحصلون هم على عضوية المجلس؟

- الإخوان حددوا موقفهم فى الانتخابات وكانوا مع محمد كامل، وأى أقلية منظمة تستطيع التركيز وإنجاح قائمة ما، أما فى انتخابات النقيب فالأمر مختلف، ورغم أن «الإخوان» صوتوا لـ«كامل» والجماعات الدينية لـ«منتصر الزيات»، ومن خرج عن «الإخوان» صوت لـ«مختار نوح»، فقد حصلت أنا على أصوات القوميين وباقى المحامين، فهل هذه محاولة لتضخيم «الإخوان» على حسابى، فى السابق قالوا نجح سامح عاشور لاتفاقه مع الحزب الوطنى وحاليا مع «الإخوان»، رغم أنه لا يوجد خلاف على أن الجماعة كانت ضدى تماما، ومش هيسيبونى فى حالى أبدا.

----------
نشر في المصري اليوم بتاريخ 7/12/2011

http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=320115

د. منى ذو الفقار

مدنية الدولة أبرز مناطق الخلاف فى «وثيقة السلمى
----------------------------------------------
أجرت الحوار رانيـا بـدوى ٢/ ١٢/ ٢٠١١
----------------------------------------------

كانت الدكتورة منى ذوالفقار عضوا بلجنة التشاور المسؤولة عن جمع التوافق حول «وثيقة السلمى»، تلك الوثيقة التى كانت كلمة السر فى إعادة مشاهد ثورة ٢٥ يناير من جديد، وجددت الصراعات بين القوى المختلفة وحشدت الجموع فى ميدان التحرير فضلا عن كونها سببا فى إسقاط حكومة شرف وتحديد موعد محدد لانتخابات الرئاسة.

وفى حوارها مع «المصرى اليوم» تكشف الدكتورة منى ذوالفقار، عضو المجلس القومى لحقوق الإنسان، عن كواليس صناعة وثيقة السلمى مؤكدة أن الوثيقة عدلت المادتين التاسعة والعاشرة قبل جمعة ١٨ نوفمبر بأيام وأعلن التعديل على التيارات المختلفة إلا أن تيارات الإسلام السياسى تجاهلت ذلك وقررت النزول متعللة بأنها ترغب فى تعديل المادتين أنفسهما.

■ نعيش أجواء ثورة جديدة، مابين اعتصام فى التحرير منذ أكثر من أسبوع، وتشدد من قبل التيارات الدينية وارتباك شديد من جانب الحكومة والمجلس العسكرى، ثم مشاركة انتخابية غير مسبوقة فهل هذا طبيعى فى المراحل الانتقالية؟

- الطبيعى فى المراحل الانتقالية أن يحدث ارتباك ومعوقات، ولكن دائما فى الثورات هناك قيادة تكسب ثقة جموع الشعب وتتصدى لهذه المعوقات وتقود عملية بناء التوافق وتنفيذ التغيير المطلوب، إلا أن الحالة المصرية فريدة من نوعها لأنه لا يوجد قيادة واضحة محل توافق لا فى الثورة ولا فى الحكومة أو الأحزاب أو أى جهة، والنتيجة أن الشعب المصرى شعر بالخوف والضياع، وهو ما دفعه للمشاركة غير المسبوقة فى الانتخابات رغم مخاطر العنف وغياب الأمن والأزمة السياسية التى نمر بها وبذلك يتولى الشعب المصرى القيادة.

■ إذن، فالمجلس العسكرى مسؤول أيضا عن تردى الوضع الحالى؟

- أعتقد أنه منذ اندلاع الثورة وحتى الآن ورغم التحديات الهائلة التى نواجهها كان هناك سوء إدارة من قبل المجلس الأعلى للقوات المسلحة، خاصة فيما يتعلق بخارطة الطريق، وكذلك سوء إدارة من الحكومات المتعاقبة، مما تسبب فى هذا الارتباك، إضافة إلى البطء فى التصدى للمشكلات واتخاذ القرار. فالكثير من قيادات الأجهزة المختلفة فى الدولة، إما أنهم أصحاب مصالح مع النظام السابق، أو مرتعشون ويخشون اتخاذ أى قرار لأن من سبقهم محل تحقيق أو فى السجن فأصبحوا مصابين بشلل مزمن، أو لديهم رغبة وإرادة للتغيير ولكن حدود صلاحياتهم واختصاصهم مقيدة ومحدودة، وكل الظروف من حولهم محفوفة بالمخاطر وتعوق حركتهم، باختصار نحن فى وضع لا يحرك أجندة الثورة وأجندة الوطن إلى الأمام . والسياسة العامة القائمة الآن لا تختلف عن الماضى، كل الأحداث الجسام يعقبها دائما بيان متأخر كرد فعل دون مواجهة حاسمة، وحتى لو تم اتخاذ القرار المناسب فهو غالبا متأخر أو فى الوقت غيرالمناسب بحيث يفقد قيمته فى الحالتين.

■ هل ترين أن اعتصام التحرير الحالى بمثابة ثورة ثانية؟

- بل الموجة الثانية للثورة، وهى نتيجة تراكمات وإحباطات وأخطاء الشهور العشرة الماضية منذ الثورة، ومحاولات القفز على الثورة من بعض التيارات السياسية، كما أن انتهاكات حقوق الإنسان وسقوط الشهداء والمصابين من الشباب، سواء إصابات العيون أو الاختناق بالغاز على أيدى سلطات تنفيذ القانون المسؤولة عن حمايتهم، كانت المفجر للموجة الثانية ومصدر استمراريتها.

■ ما تفسيرك لانسحاب الإخوان وتوافد القوى المختلفة والشعب غير المسيس بعد جمعة المطلب الواحد؟

- الإخوان يعطون الأولوية لمصالحهم الانتخابية وعلاقتهم بالسلطة، ومع ذلك شارك بعض شباب الإخوان بالمخالفة لتعليمات الجماعة. واللافت للنظر أن شيخ الأزهر أرسل مندوبا عنه فى جمعة ٢٥ نوفمبر، كما زادت مشاركة قوى شعبية من الطبقات الكادحة أعطتهم شعارات الثورة الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية أملا فى أن الضوء موجود فى نهاية النفق المظلم وتضامنا مع الشهداء والمصابين، فالثورة لعبت دورا مفصليا فى تسييس الشعب المصرى وتحريك الأغلبية الصامتة.

■ لماذا لم يرض التحرير عن خطاب المشير؟

- لأن الخطاب اتبع منهجا مشابها لمنهج الرئيس السابق، وكان المتوقع أن يسبق الخطاب السياسى تحقيق مطالب الثوار ولا يكون رد فعل جزئياً ومتأخراً لمطالبهم.

■ كيف ترين الأيام المقبلة فى ضوء مطالبة التحرير بتشكيل حكومة إنقاذ وطنى برئاسة البرادعى أو أبوالفتوح مقابل إصرار المجلس العسكرى على تكليف الجنزورى؟

- للأسف يبدو أن الأزمة ستستمر لفترة، فالدكتور البرادعى هو الوحيد من الأسماء التى رشحها الميدان والذى أعلن موافقته على تحمل المسؤولية الانتحارية لإدارة المرحلة الانتقالية لمدة عدة شهور لو تم تكليفه، مع تنازله عن الترشح لمنصب الرئاسة، مما يدل على عدم تمسكه بالسلطة، والمجلس العسكرى كلف الدكتور كمال الجنزورى، ولا يبدو أن أياً من مرشحى التحرير قبل المشاركة فى الوزارة، وهذه الأزمة تحتاج لحل سياسى سريع يبنى توافقا مع شباب التحرير ولا يتجاهلهم ويلم الشمل ولا يفرقه.

■ ولماذا يصر المجلس العسكرى على الاحتفاظ بصلاحياته التشريعية والسياسية رغم تأكيده أنه ينوى تسليم السلطة للمدنيين؟

- الحكم العسكرى شأنه شأن الحكم الدينى، فهو بطبيعته غير ديمقراطى، ويعتمد على السمع والطاعة، ولكن مقتضيات المرحلة الانتقالية وتحدياتها تحتاج إلى حكومة إنقاذ وطنى قوية تشارك فى تحمل مسؤولية الحكم، حتى تتقدم أجندة الثورة والوطن إلى الأمام.

■ «يسقط يسقط حكم العسكر» شعار هتف به ميدان التحرير مؤخرا، كيف ترين المشهد إذا ما تنحى المجلس العسكرى؟

- ليس مطلوبا تنحى المجلس العسكرى، ولكن المطلوب أن تكون حكومة الإنقاذ الوطنى «حكومة بجد» تشارك فى الحكم وتمارس اختصاصاتها فى اتخاذ القرار السياسى والاقتصادى والاجتماعى، دون وصاية.

■ أحد الأسباب التى أدت إلى تأزم الأوضاع مؤخرا كان ما عرف إعلاميا بـ«وثيقة السلمى»، باعتبارك ممن تشاوروا مع القوى السياسية للوصول إلى صيغة توافقية للوثيقة، ما تفاصيل مرحلة التشاور؟

- هذه الوثيقة كانت تجميعاً لكل الوثائق الأخرى التى صدرت عن جهات ومؤسسات مختلفة، وبلغت حوالى ١٥ وثيقة مثل وثائق الأزهر والدكتور البرادعى وتحالف الأحزاب من أجل الديمقراطية والمستشار هشام البسطويسى والمجلس الوطنى والوفاق القومى والمجلس القومى لحقوق الإنسان ومنظمات حقوق الإنسان وغيرها، وتم التشاور مع الأحزاب والقوى السياسية على مدى أربعة أسابيع لبناء التوافق من خلال ما يزيد على ٢٢ مسودة حتى وصلنا لمشروع الوثيقة النهائية بعد مناقشات وخلافات شديدة بين مختلف القوى السياسية.

■ وماذا عن أبرز مناطق الخلاف؟

- بعض تيارات الإسلام السياسى كانت متحفظة على وصف الدولة بـ«المدنية» لغموضه، فتم تعريفها بأنها دولة مدنية ديمقراطية تقوم على سيادة القانون والمواطنة، تحترم التعددية والمساواة والعدالة وتكافؤ الفرص، دون تمييز أو تفرقة بين المواطنين لأى سبب إلا الجدارة والكفاءة، كما أوضحنا أن الدولة المدنية لا يحكمها الجيش أو رجال الدين وهى ليست فى خصومة مع الدين، فمبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع طبقا للمادة الثانية، ثم تم تغيير الصياغة إلى «دولة نظامها مدنى ديمقراطى» لإزالة أى لبس، وتيسير بناء التوافق، ومع ذلك استمر الإصرار على شطب أى إشارة لكلمة مدنى أو مدنية، ومنطقة الخلاف الأخرى كانت تتعلق بصياغة فقرة إضافية للمادة الثانية لحماية حقوق غير المسلمين فيما يتعلق بالقوانين والتشريعات التى تخص أحوالهم الشخصية وشؤونهم الدينية، حيث وضعت صياغة تحمى دولة القانون، تنص على أن تصدر هذه التشريعات استنادا إلى مبادئ شرائعهم، وكان البعض يريد الاستناد إلى أحكام «شرائعهم» مباشرة دون الإشارة إلى «مبادئ» شرائعهم أو الإشارة إلى أن تلك المبادئ المصدر الرئيسى لتلك التشريعات، كما هو الحال فى المادة الثانية من الدستور، وبعد مناقشات طويلة تم التوافق على أن تصدر التشريعات المتعلقة بالأحوال الشخصية والشؤون الدينية لغير المسلمين استنادا إلى مبادئ شرائعهم باعتبارها المصدر الرئيسى لتلك التشريعات.

■ وهل كانت هناك مناطق خلاف أخرى؟

- كان هناك خلاف كبير حول المادة السادسة المتعلقة بالمقومات الاقتصادية للدولة، فبينما أرادت بعض الاتجاهات اليسارية وائتلافات الشباب إدراج نصوص ذات طابع اشتراكى، أراد الليبراليون والبعض الآخر إدراج نصوص تؤكد أهمية الاستثمار ودور القطاع الخاص، وتم التوافق على أن الدستور ليس محلا للأيديولوجيات التى تتغير بتغير الحكومات، وعلى صيغة أن النظام الاقتصادى يهدف لتحقيق التنمية المستدامة وتوزيع العوائد على المواطنين، بما يكفل العدالة الاجتماعية، ويشارك فيها القطاع العام والخاص والتعاونى.

■ وماذا عن المادتين التاسعة والعاشرة، ومن اقترح وضعهما فى الوثيقة؟

- تضمنت وثيقة المستشار هشام البسطويسى ووثيقة المجلس الوطنى أول اقتراحات بأن يكون للقوات المسلحة دور فى حماية الشرعية الدستورية، وأن تدرج الميزانية رقما واحدا، وعلى هذا الأساس تمت صياغة المادة التاسعة فى المسودات الأولى خلال مرحلة التشاور، إلا أن أغلب القوى السياسية اعترض عليها فتم شطبها، ولم ترد فى مشروع الوثيقة التوافقية التى وقعت عليها القوى والأحزاب السياسية.

■ إذن كيف وضعت هذه المواد فى الوثيقة من جديد؟

- وضعت بعد الانتهاء من التشاور والتوافق على مشروع الوثيقة أثناء المداولات بين المجلس والحكومة، ومن ثم جاء التحفظ عليها من القوى التى وقعت على الوثيقة، وكذلك من المعترضين على أن تكون ملزمة، حيث اعترض الجميع على اختصاص حماية الشرعية الدستورية باعتباره يفتح الباب لتدخل الجيش فى السياسة، وعلى اشتراط أن يوافق المجلس الأعلى للقوات المسلحة على القوانين المتعلقة بالجيش لأنه يسمح بمصادرة اختصاص السلطة التشريعية، وعلى إدراج الموازنة برقم واحد فى الموازنة العامة للدولة دون النص على آلية للرقابة على الموازنة واعتمادها من نواب الشعب، وقد تحفظت على هذه النصوص فى اجتماع الأوبرا لأنها وضعت بشكل غير مقبول، وإن كنت أرى أن هناك آليات متبعة فى الدول الديمقراطية تحافظ على السرية وخصوصية وضع القوات المسلحة مع ضمان رقابة ممثلى الشعب وعدم المصادرة على حقهم فى التشريع فى الوقت نفسه، وهو ما تم إدراجه فى تعديلات المادتين ٩ و١٠ التى أعلنتها الحكومة بعد اعتراضات الجميع وتم التوافق عليها.

■ ولماذا كانت جمعة ١٨ نوفمبر لو أنه تم تغيير المادتين التاسعة والعاشرة محلا الخلاف، فهذه المليونية كانت تعبيراً عن رفضهم لما تضمنته الوثيقة من وضع خاص للقوات المسلحة؟

- هذه الجمعة كانت تهدف للضغط على المجلس العسكرى، واستعراض للقوة الانتخابية من جانب حزب الحرية والعدالة والأحزاب والقوى السلفية، وشاركت فيها بعض ائتلافات وحركات الشباب والأحزاب الأخرى، وكانت المطالب المعلنة هى إعلان الجدول الزمنى للانتخابات الرئاسية لتسليم السلطة وإلغاء الوثيقة، رغم أنه كان تم الاتفاق على تعديل المادتين ٩ و١٠، كما وافقت عليها القوى السياسية الأخرى المؤيدة للوثيقة، وانحصرت الخلافات فى مدنية الدولة، ومدى إلزام الوثيقة، بالإضافة للأغلبية اللازمة لإصدار قرار تشكيل الجمعية التأسيسية، فالإخوان والسلفيون لا يريدون أن تكون المبادئ والحقوق والحريات الأساسية ملزمة، رغم أن الوثيقة تعتبر إعلانا كاشفا وليس منشئاً لأن كل المبادئ والحقوق والحريات التى وردت فيها هى حقوق الإنسان المصرى، وليست محل نقاش أو خلاف، وسبق لهم الموافقة على مضمونها، وهذا ما يثير التخوف والتساؤلات، فالوثيقة تؤكد أن الشعب مصدر السلطات، وتشدد على مبادئ المساواة، وعدم التمييز وحرية الرأى والعقيدة وحق العمل والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية، وكذلك أن مبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع، فكيف لا يكون ذلك كله ملزماً؟ وهل يعنى ذلك أن الإخوان والسلفيين لو تولوا كتابة الدستور سيخالفون هذه المبادئ؟

■ كيف ترين مقاطعة الإخوان كل المليونيات السابقة ثم النزول إلى الشارع فى تحدٍ للمجلس العسكرى يوم ١٨نوفمبر والانسحاب من جديد بعد الأحداث الدامية؟

- أنا أميل إلى أنها استعراض للقوة الانتخابية، ويبدو أنهم استشعروا أن المجلس لا يساندهم بالقدر المتوقع، فقرروا النزول للشارع لاستعراض القوة وللضغط على المجلس، لكنهم حريصون على علاقتهم بالسلطة، وعدم الدخول فى صدام معها.

■ وما رأيك فيما أعقب هذه الجمعة من أحداث دامية؟

- المناخ العام محتقن، بسبب تراكم المشاكل، وعدم التصدى لها، بالإضافة إلى وجود إدانة آلاف الشباب بأحكام المحاكم العسكرية، أو مثولهم لتحقيقات أمام النيابة العسكرية، ونرجو أن يتغير ذلك، وتمنع إحالة المدنيين للقضاء العسكرى، بالإضافة إلى أن التدخل العنيف لفض اعتصام عدد قليل من مصابى الثورة من قبل قوات الأمن والانتهاكات الجسيمة التى أدت لسقوط أكثر من ٤٠ شهيدا وآلاف المصابين، خاصة إصابات عيون الشباب والاختناق بالغازات المسيلة للدموع- أدى بالضرورة إلى تأزم المشهد.

■ بات واضحا تدخل الشرطة بعنف ضد متظاهرى التحرير، بينما لا تتدخل لمنع قطع الطرق أو إغلاق المؤسسات الحيوية كما حدث مؤخراً فى ميناء دمياط، فلماذا تكيل الشرطة بمكيالين؟

- أداء الشرطة فى فض اعتصام مصابى الثورة أحد أسباب الأزمة الحالية، ومن الملاحظ على سبيل المثال أن علاج أزمة ميناء دمياط تم بصبر وحكمة، فأعطوا من أغلقوا الميناء مهلة ١٠ أيام، وظلوا يتفاوضون معهم للوصول إلى حل، بل وصلوا لدرجة إغلاق مصانع لحين إصدار تقارير جديدة من خبراء دوليين بصحة الموقف البيئى لها، رغم وجود تقارير من جهاز حماية البيئة وخبراء دوليين فى هذا الشأن، فى حين أن تلك السياسة فى التفاوض والنفس الطويل لا تتبع مع شباب الثورة، فالعنف والمعالجة الأمنية والمحاكمات العسكرية هى الغالبة فى التعامل معهم.

■ وما رأيك فيما يتردد عن وجود طرف ثالث يساهم فى إشعال الأحداث؟

- فى أحداث التحرير الأخيرة شأنها شأن ما سبقها، يتحول المشهد فى النهاية إلى أحداث عنف وقتل وإصابات، كما الحال فى أحداث البالون والعباسية والجيزة وماسبيرو، حيث تتم عمليات قتل بالرصاص باحتراف، إضافة للحرق والإصابات، وإشعال الفتن من مجهولين، يرتدون ملابس مدنية، وعدم القبض على هؤلاء المجرمين المجهولين والتحقيق معهم من السلطات المختصة غير مقبول، فهل يعقل أن جميع الجهات الأمنية، بما فيها الداخلية والجيش والأمن القومى، بما لديها من سلطة وقوة ومعلومات لا تستطيع التوصل إلى هؤلاء المجرمين المجهولين؟!

■ إما أنهم يعلمون من قتلوا المتظاهرين ولا يريدون الإفصاح عنهم أو أنهم لا يعرفون، فإلى أى الأمرين تميلين؟

- كونهم لا يعلمون أمر غير مقبول على الإطلاق.

■ إذن هم يعرفونهم ولا يريدون التصدى لهم، فهل تعتقدين أنهم مرتبطون بمصالح معهم؟

- على الأقل هم يعرفون أصحاب المصلحة فى إشعال البلد، والتأخير فى الإعلان عن المتهمين والتحقيق معهم ومحاكمتهم فى كل هذه الأحداث- كان دائما أحد أسباب استمرار وتصاعد الاحتقان.

■ هل تؤمنين بنظرية وجود أيادٍ خارجية تعبث فى الداخل؟

- بالتأكيد هناك قوى خارجية لها مصلحة فى عدم استقرار البلد ونجاح الثورة، لكن أن يتم تصدير هذه الفكرة طوال الوقت وفى كل الأحداث، فأعتقد أنه خطأ وشماعة للهروب من المسؤولية ومعاقبة المذنبين الحقيقيين فى الداخل، فنظرية أن كل المشاكل مصدرها إما قلة مندسة أو أصابع خارجية مدخل لاستمرار سياسة الهروب من المواجهة والمحاسبة.

■ تؤكدين أن الإعلان الدستورى وراء التخبط الذى نعيش فيه حالياً، فما الحل إذن؟

- أعتقد أن خارطة الطريق التى صاغتها اللجنة التى تم اختيارها برئاسة المستشار طارق البشرى فى إطار التعديلات لدستور ١٩٧١ وتحويلها لإعلان دستورى جديد، هما سبب العرقلة الرئيسى فى مسار الثورة نحو الديمقراطية، فخارطة الطريق خلطت بين مسار الانتخابات البرلمانية، ومسار وضع الدستور، فجعلت من حق الأغلبية البرلمانية اختيار الجمعية التأسيسية لوضع الدستور دون قيد ولا شرط، مما يعرضها لسيطرة أغلبية البرلمان القادم، بحيث يمكن أن يكون الدستور يسارياً متطرفاً أو دينياً متشدداً، والله أعلم ماذا سيكون شكل الدستور لو نجح الفلول، وحصلوا على الأغلبية فى الانتخابات، وهو وضع خطير، فالدستور وثيقة الشعب كله، ومهمته أيضا حماية حقوق الأقلية من استبداد الأغلبية، لذلك هناك حقوق وحريات أساسية لا تقبل الإيقاف أو التعطيل أو الانتقاص باعتبارها لصيقة بحقوق المواطن المصرى، كما قالت المحكمة الإدارية العليا.

■ وما الحل فى رأيك؟

- إعلان دستورى مكمل يضع معايير اختيار الجمعية التأسيسية للدستور بما يضمن عدالة تمثيل جميع طوائف الشعب وليس الأغلبية البرلمانية فقط، وأهم شرط يضمن أن يكون الاختيار بتوافق حقيقى أن يصدر قرار التشكيل بأغلبية الثلثين للأعضاء المنتخبين لعضوية مجلسى الشعب والشورى.

■ وما سبب التأخر فى صدور هذا الإعلان المكمل حتى الآن؟

- بعض تيارات الإسلام السياسى ضد أن توضع معايير ملزمة لاختيار الجمعية التأسيسية، وتصر على أن يكون قرار التشكيل بالأغلبية، وهو ما لا يضمن التوافق وعدالة التمثيل.

■ باعتبارك حقوقية ما تعليقك على اتهامات الحكومة لحركة ٦ أبريل وبعض المنظمات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدنى بتلقى أموال من الخارج؟

- الحصول على تمويل من الخارج بالمخالفة للقانون جريمة إذا ثبتت على أى طرف، سواء منظمة حقوقية أو تياراً أو حزباً سياسياً، وسواء جاء التمويل من الشرق أو الغرب، وتجب معاقبة أى طرف تثبت عليه هذه التهم، ولا يجوز إلقاء التهم جزافا وتشويه السمعة قبل ثبوت المخالفة، والمفروض أن ندعم المنظمات الحقوقية وائتلافات شباب الثورة، ونساند بناء مؤسساتها حتى تتمكن من القيام بدورها فى الحياة السياسية، أو فى الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان أو التنمية الاجتماعية، والحكومة فى بعض الأحيان تكيل بمكيالين فتوجه اتهامات للمنظمات الحقوقية والمجتمع المدنى دون تقديم الدليل، لكنها تغض الطرف عن تلقى بعض الجماعات الدينية أموالا من الخارج، فهل التمويل الذى يأتى من أمريكا وأوروبا حرام، والذى يأتى من الخليج والسعودية حلال؟، سيادة القانون على الجميع هى الحل.

■ ما أبرز ما وصلت إليه لجنة التحقيق فى أحداث ماسبيرو وما الجهات المتهمة وفقا للتقرير؟

- أهم الانتهاكات كان استخدام المركبات المدرعة من جانب القوات المتواجدة فى موقع الأحداث لتفريق وفض المتظاهرين ليسقط ١٢ من الشهداء على الأقل دهسا تحت إطاراتها، مما يشكل جريمة قتل عمد، كما يشكل انتهاكا جسيما للحق فى الحياة وإخلالا بالالتزامات الواجبة على المسؤولين عن إنفاذ القانون بحماية المتظاهرين السلميين، كما بلغ عدد الشهداء نتيجة انتهاك الحق فى الحياة بإطلاق النار على الرأس والصدر- ٨ حالات «٧ من المواطنين المسيحيين وحالة واحدة من العسكريين»، وذلك وفقا لشهادات الوفاة، التى صدرت لأسر الشهداء، وإن كان المتوقع تزايد تلك الأعداد لعدم التمكن من الحصول على المستندات الدالة على سبب الوفاة لعدد ٧ شهداء من المواطنين المسيحيين، مما يشكل جريمة قتل عمد، ليبلغ إجمالى شهداء ماسبيرو ٢٨ شهيداً على الأقل بالإضافة لمئات المصابين، وتعددت الشهادات عن مصدر إطلاق النار، فأفاد العديد من المواطنين فى شهاداتهم بأن الرصاص الحى مصدره قوات الشرطة العسكرية، فى حين أكد عدد من الشهود أن بداية إطلاق النار كانت من خلال عدد من المدنيين المجهولين اندسوا وسط المتظاهرين على دراجات بخارية، وأطلقوا النار على المتظاهرين وقوات الشرطة العسكرية، كما أفاد متظاهرون آخرون بوجود قناص على مطلع كوبرى أكتوبر أطلق النار على المتظاهرين وقوات الشرطة العسكرية، ويؤيد ذلك إطلاق النار على المظاهرة السلمية مرتين أثناء مسيرتها من شبرا حتى ماسبيرو، ويعد التليفزيون المصرى متهما رئيسيا فى الأحداث، وأدانه التقرير بتهمة التحريض والاستعداء ضد المواطنين المسيحيين.

■ إلى أى مدى تعاونت الجهات المختلفة معكم فى التحقيق؟

- كان التعاون وتوفير المعلومات محدوداً، بحيث أصبح الاختيار إما الحصول على المعلومات من أسر الشهداء والمصابين وهو الطريق الصعب، أو الاعتذار عن عدم تقديم تقرير جاد، واخترنا الطريق الصعب، واعتمدنا على تعاون الشهود وأسر الشهداء وائتلافات الشباب.

----------------
نشر هذا الحوار في المصري اليوم بتاريخ 2/12/2011

http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=319422

المتابعون