هيلدا أرليانو

مديرة المعونة الأمريكية فى أول حوار
لدينا مشاريع ضخمة ومتعددة لدعم الديمقراطية والإصلاح السياسى فى مصر
---------------------------------------
حوار رانيـا بـدوى ٥/ ١١/ ٢٠٠٩
---------------------------------------

الآن فقط يمكننا الحديث عن تحرر أعناقنا من المعونة الأمريكية.. ليس بالطبع لأن مصر طلبت
قطعها، ولكن لأن الولايات المتحدة خفضتها للحد الذى يمكن معه الاستغناء عنها تماما.

وهذا بالطبع ليس تكهناً صحفيا إنما معلومات مؤكدة أدلت بها هيلدا أرليانو مديرة المعونة الأمريكية أو ما يسمى «الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية»، وهى المسؤولة عن توزيع المعونة بين المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص والإشراف على إنفاقها فى مصر.

وفى أول حوار صحفى لها كشفت أرليانو عن أسباب خفض المعونات الأمريكية لمصر الحليف الاستراتيجى لها. ففى خلال الثلاثين عاماً الماضية ساهمت الحكومة الأمريكية بأكثر من ٢٨ مليار دولار فى شكل مساعدات اقتصادية بما فيها ٢ مليار دولار منذ عام ٢٠٠٤، هذا بخلاف المعونة العسكرية.

ورغم عدم إنكارنا للجهود والمبالغ التى دفعتها المعونة الأمريكية فى مصر فى تطوير البنية الأساسية والتعليم والصحة والزراعة، والتى وصلت إلى حد أن بعض المسؤولين المصريين كانوا ينسبونها لأنفسهم ولجهود الحكومة فى حين أنها ممولة من المعونة الأمريكية، إلا أنه مازال هناك سؤال فى حاجة إلى إجابة: ما هو المقابل الذى تحصل عليه أمريكا؟

■ هناك قناعة لدى المصريين بأن حجم وطريقة دفع المعونات الأمريكية تتوقف كثيرا على حالة العلاقة السياسية المصرية الأمريكية.. ما صحة ذلك؟

- حجم المعونة الأمريكية تحدده أمور كثيرة منها الحالة الاقتصادية لمصر واحتياجها الفعلى لها، إلى جانب قائمة أولويات الولايات المتحدة الأمريكية فى دفع هذه المعونات والتى تتحدد وفقا للدول الأكثر احتياجا.

■ على أى أساس يتقرر إعطاء هذا المحافظ ٥ ملايين جنيه وتلك الوزارة ٢٠ مليونا، ولماذا شبكة صرف صحى هنا أو بناء مدرسة هناك؟

- الأمر كله يتوقف على طلبات الحكومة ونوعية المشروعات المقدمة لنا، فهناك مشروعات تطلبها الحكومة فنقوم بدراستها ثم تمويلها وهناك مشروعات تقدم من القطاع الخاص والمجتمع المدنى لا نقبل منها إلا تلك التى ينطبق عليها الشروط التى سبق أن وضعناها، وهناك قوانين خاصة بالمساعدات الأجنبية تحكمنا فى ذلك.

■ ألا تقبلون المشروعات على هواكم وطبقا لما يحقق أغراضكم السياسية؟

- غير صحيح، فأى أغراض سياسية فى بناء شبكات ضخمة للصرف الصحى فى مصر، وأى غرض سياسى وراء مشاريع خفض المياه الجوفية فى معابد الأقصر والكرنك التى أنقذت هذه المعالم التاريخية من أضرار كبيرة وغيرها من المشروعات التنموية.

■ أليست مصر تابعة للولايات المتحدة الأمريكية ومربوطة من عنقها بالمعونات الأمريكية؟

- غير صحيح.. ودعينى أكشف لك الصورة على حقيقتها، مصر الآن لم تعد هى مصر التى كانت فى عام ١٩٧٠ وقت بدء المعونة الاقتصادية.. ربما كانت فى حاجة حقيقية وقتها للمعونة الأمريكية، أما الآن مع النمو الاقتصادى والاستقرار فى الأسواق لم تعد مصر بنفس الحاجة السابقة للمعونة.. وتخفيض المعونة الاقتصادية من مبلغ ٨١٥ مليون دولار إلى ٤١٥ مليونا كان بالاتفاق مع الحكومة المصرية على اعتبار أن وضعها الاقتصادى الحالى أفضل بكثير من وقت بدء المساعدات.

■ ولكن قرار خفض المعونة للمرة الثانية كان قرار الولايات المتحدة الأمريكية منفردة ودون رغبة مصر؟

- نعم كان قرار الولايات المتحدة وحدها وتم تخفيض المبلغ من ٤١٥ مليون دولار إلى ٢٥٠ مليون دولار للسنة المالية ٢٠٠٩، ولكن السبب لم يكن خلافا سياسيا، بل نظرا لزيادة الطلب على المساعدات الأمريكية من دول أخرى، وشعور الولايات المتحدة بأن هناك دولاً فى حاجة أكثر إلى هذه المعونات مثل العراق وأفغانستان.

■ هل تغيرت أولويات إنفاق المبلغ حاليا بتغير الإدارة الأمريكية؟

- بعد زيارة الرئيس أوباما فى يونيو الماضى أجريت مناقشات عديدة بين الولايات المتحدة الأمريكية والحكومة المصرية، التى بدورها أخبرتنا أن لديها رغبة فى الاهتمام بالتعليم بجميع مراحله، ليثمر عن خريجين لديهم المهارات المطلوبة فى سوق العمل، والجزء الثانى هو رغبتها فى الاهتمام بالبحث العلمى والعلوم التكنولوجية لجذب الاستثمارات.. إذن الأولويات تغيرت ليس نظرا لاختلاف السياسة والإدارة الأمريكية، ولكن لتغير الاحتياجات والمتطلبات المصرية.

■ ولكن كان الإصلاح السياسى والديمقراطية على رأس الأولويات فى عهد الرئيس بوش، فهل هذا يعنى أنها تراجعت فى أولويات إدارة أوباما خاصة أنه قد خفت الحديث عنها تماما؟

- لا أبدا.. ما زالت لدينا مشاريع ضخمة ومتعددة فى مجال الإصلاح السياسى ودعم الديمقراطية وإحلال اللامركزية وزيادة الشفافية فى المجتمع المصرى، من خلال ميكنة ثمانى محاكم فى جميع أنحاء البلاد وتطوير البرامج، التى تسمح للحكومة المصرية على نحو مستقل بميكنة خمس محاكم إضافية، وبرنامج تدريبى شامل لأول قاضيات من النساء المعينات فى المحاكم الابتدائية، كما قمنا بإعداد استراتيجية قومية لتطبيق اللامركزية وتنفيذ نماذج رائدة فى أسيوط وقنا والبحيرة وتم دعم أكثر من ١٠٠ مبادرة مشتركة بين المجتمعات المحلية والحكم المحلى فى حل المشاكل المحلية، وتوفير التدريب على القيادة لأكثر من ٤٧٠٠٠ من النساء والطلاب والشباب فى جميع أنحاء البلاد، إضافة إلى دعم إصدار بطاقات الرقم القومى وبطاقات الاقتراع لتسهيل مشاركة المواطنين فى الانتخابات القومية والمحلية. وكلها برامج تسهم فى تعزيز اللامركزية المالية والسياسة والحكم الإدارى، وتشجيع المزيد من المنافسة والشفافية فى العمليات الانتخابية.

■ ولكن رغم كل الجهود المبذولة فى مجال الإصلاح الديمقراطى والسياسى فإنها ليست ملحوظة للعيان، فلا توجد نزاهة فى الانتخابات ولا شفافية فى القرارات، ولا حتى الوعى بضرورة الانتخاب موجود لدى المواطن المصرى، فهل تعتقدين أنه فى ظل الحكم الحالى كل الأموال المدفوعة فى دعم الديمقراطية هى أموال تذهب فى الهواء ولا طائل منها؟

- يوجد تحسن كبير فى عدد من المجالات منها النظام القضائى واللامركزية على مستوى المحافظات وحقوق المرأة، ولكن بالنسبة للجزء الخاص بالديمقراطية ونزاهة الانتخابات، فإن الدور الأول والأخير والمسؤولية الأولى تقع على عاتق الشعب المصرى، نحن فقط نقدم المساعدة لهم، وحتى يظهر تأثير المعونة فى هذا المجال نحن فى حاجة إلى وقت طويل.

■ إذا كان الأمر أولا وأخيرا راجعا للمصريين، فلماذا ضغطت إدارة بوش بكل قوة لتطبيق الديمقراطية لدرجة أنها دعمت كبار المعارضين للرئيس مبارك مما تسبب فى سوء العلاقات؟

- لا أستطيع أن أخوض فى هذا الأمر، لأننى شخصيا ومنذ أن توليت هذا المنصب لم يحدث أبدا أن تم ربط المعونات الاقتصادية بالأمور السياسية، ولم يأتنى أمر بتوجيهها وفق نمط معين مرتبط بالسياسة.

ثم أضافت: لماذا كل هذه الضجة على المعونة الأمريكية والتشكك فى نواياها، ومصر لديها الآن شركاء أقوياء جدا تحصل منهم على المعونة والمساعدات، مثل الاتحاد الأوروبى، هناك دول كثيرة تدعم مصر الآن، فلماذا لم نسمع المصريين يصرخون باتهامات فى وجه معونات الاتحاد الأوروبى؟!

■ قلت فى بداية الحديث إن مصر لم تعد كالسابق، ولم تعد فى حاجة للمعونة الاقتصادية.. هل هذا يعنى أن مصر لم تعد فى حاجة إلى المعونة الأمريكية، ونستطيع دفع عملية التنمية دون هذا المبلغ؟ وهل يمكن أن نشهد قطعها تماما قريبا؟

- لا لم أقصد هذا تماما، فمصر فى النهاية تعد دولة من ذوات الدخل المتوسط وتحتاج إلى المعونات، ولكن على أن تكون موجهة بطريقة مختلفة، فقديما كانت مصر فى حاجة إلى المساعدة فى بناء البنية الأساسية مثل مشاريع الصرف الصحى ومياه الشرب وغيرها، ولكن الآن مصر لم تعد بحاجة للمساعدة فى هذه المجالات بل فى حاجة أكثر لبرامج تطوير وتدريب وبناء قدرات وإدارة الموارد البشرية للأفراد، وهذا بناء على طلب الحكومة المصرية نفسها.

■ وما المجالات التى ساهمتم فيها لاستقرار الوضع الاقتصادى فى مصر؟

- أنشأنا هيئة لحماية المستهلك، وعززنا نظام حقوق الملكية الفكرية لتقليص الوقت الخاص بتسجيل العلامات التجارية من ٤٨ إلى ١٢ شهرا ومن ٦٠ إلى ٣٤ شهرا، للحصول على براءات اختراع، فهرسة إلكترونية للقوانين والأنظمة فى ١٢ وزارة والقضاء لعدم إعاقة الأعمال التجارية، زيادة الضرائب بنسبة ٤٠% فى عام واحد نتيجة إصلاح الهيكل الضريبى، تخفيض معدلات الرسوم الجمركية بنسبة ٥٠% وتخفيض ٦٠% فى تكلفة الإفراج عن السلع من الموانئ، مما أدى إلى استيراد سلع استهلاكية أقل سعرا وغيرها من المشروعات.

وفى مجال مياه الشرب والصرف الصحى تم تحسين خدمات مياه الشرب لأكثر من خمسة ملايين شخص يعيشون فى الإسكندرية من خلال تركيب ١٦٠ كيلومتراً من خطوط الأنابيب وتطوير سبع محطات لتنقية المياه، وبناء أكثر من ٣٠ مرفقاً لمياه الشرب والصرف الصحى فى محافظات الفيوم وبنى سويف والمنيا يستفيد منها أكثر من ثلاثة ملايين شخص، وتحسين خدمات المياه والصرف الصحى لما يقرب من ٥٠٠٠٠٠ شخص يعيشون فى الأقصر وأسوان و٩٠٠٠٠٠ شخص يعيشون فى المنصورة، ولدينا إصلاحات بعيدة المدى فى هذا القطاع منها إنشاء هيئة تنظيمية وشركة قابضة قائمة على إدارة شبه ذاتية وشركات إقليمية فرعية تعمل على تحسين خدمة العملاء واسترداد التكاليف والاستمرارية.

■ هل تعتقدين أن أموال المعونات تنفق فى محلها أم أن للعمولات والرشاوى نصيباً منها؟

- كل الأموال التى حددت للمعونة الاقتصادية ذهبت لمشاريع تنموية فى مصر وترسل بشكل دائم تقارير عن هذه المشاريع وطريقة الإنفاق وسير العمليات التنموية لحكومة الولايات المتحدة الأمريكية والكونجرس الأمريكى، وهناك متابعة دائمة لإنفاق المعونة فى مصر وإذا ما حدث ووجدنا أن هناك مشروعاً انحرف عن الهدف الذى يقام من أجله سرعان ما نوقف هذا المشروع ونعيد الدراسة ونصحح الأوضاع لتحقيق الهدف الذى ننشده.

■ وهل حدث ذلك من قبل وأوقفت مشاريع انحرفت عن الهدف المنشود؟

- نعم.

■ وهل لديك جميع الضمانات أن أموال المعونات التى تعطونها للمحافظات أو للمجتمع المدنى تنفق كاملة على المشروعات المحددة؟

- لدينا لجان متخصصة وموظفون مهمتهم متابعة تنفيذ هذه المشروعات، ومراجعة والتأكد من صحة الحسابات لضمان استفادة الشعب المصرى من أموال المعونة.

■ جاء ضمن أهداف الوكالة الأمريكية للتنمية المساعدة على الإصلاح الهيكلى للأحزاب، فهل لديكم أى مشروعات مشتركة مع الأحزاب المصرية؟

- لا على الإطلاق، فنحن لا نعمل مع الأحزاب السياسية.. فقط الحكومة المصرية.

■ لماذا؟

- لأننا ليس لدينا مهام سياسية، إنما مهامنا اقتصادية وتنموية.

■ ولكن جزءاً من هذه المهام هو الإصلاح السياسى والديمقراطية، فكيف تفعلون ذلك بعيدا عن الأحزاب وتتجاهلونها؟

- لا نتجاهلها ولكن هذا ليس من صميم اختصاصنا، فعندما نتحدث عن إصلاح سياسى وإحلال الديمقراطية فهذا لا يعنى التدخل المباشر فى السياسة أو شؤون الأحزاب، إنما نعمل على رفع درجة الوعى لدى المواطنين بحقوقهم المختلفة والمساعدة على تعزيز أهمية مشاركتهم فى الانتخابات المختلفة، نهتم بحقوق المرأة ودخولها مجلس الشعب وتفعيل دورها، هذا ما نقصده بالإصلاح السياسى.

■ ولكنكم تتعاونون أيضا مع القطاع الخاص والمجتمع المدنى؟

- نعم، ولكن بالتنسيق مع الحكومة المصرية أيضا وفى إطار الاتفاقيات الثنائية التى بيننا.

■ لننتقل إلى برامج تطوير المناهج الدراسية التى ترعاها المعونة الأمريكية كثيرون يتهمونكم بالتدخل بتغيير أنظمة التعليم لأغراض عليها علامات استفهام؟

- ردت منفعلة : حتى ننهى هذا الأمر لا يوجد أى مشروعات نقدمها فى مجال التعليم إلا بموافقة وزارة التربية والتعليم، وذلك فى إطار الاتفاقية التى بيننا وبين الوزارة ولا نقدم على بناء مدرسة أو مشروعات محو الأمية فى القرى أو أى برامج تطوير أو ما شابه ذلك إلا بموافقتهم وتحت رعاية منهم بل وأحيانا بطلب منهم.

■ هل ما وصلت إليه المرأة المصرية يرضى طموحاتك وبرامجك؟

- ضحكت قائلة: الثقافة تختلف من بلد إلى بلد وكذلك سقف الطموحات ولا يهم ما يرضينى أنا، المهم هل المرأة المصرية تشعر بهذا التحسن أم لا؟ هل هى راضية عما وصلت إليه وهل تطمح للمزيد؟ فما يرضى ثقافة شعب قد لا يرضى ثقافة شعب آخر.

■ سؤال أخير سيدة هيلدا.. لطالما أنفقتم مليارات فى مصر، فما هو الثمن أو المقابل هل هى مسؤولية اجتماعية تجاه الشعوب أم مسألة أمن قومى لأمريكا أم أسباب أخرى لا يعلمها أحد إلا أنتم؟

- حقيقة ليس لدى أى رد على هذا السؤال، أنا فقط أقوم بالمهام التى أكلف بها.

------------
نشرت في المصري اليوم بتاريخ 5-11-2009
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=232078&IssueID=1580#CommentFormAnchor


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المتابعون