محمد سلماوي

لا أحد يضمن «الخروج الآمن» لـ«العسكرى»
------------------------------------
حوار رانيا بدوى ١٤/ ١/ ٢٠١٢
--------------------------------

من يضمن للمجلس العسكرى الخروج الآمن من السلطة، دون أن يتم التحقيق معه فور تسليم السلطة، فى وقائع قتل وإصابة المتظاهرين، أو اتهامات سياسية أو جنائية أخرى.. وهل يمكن أن ينص الدستور الجديد على وضع خاص للجيش؟ أسئلة كثيرة دارت فى ذهنى وطرحتها على الكاتب والأديب محمد سلماوى، الذى أكد أن فكرة الخروج الآمن خرافية وهلامية، ومن يقبلها يكن ساذجا، والدستور الذى ينص عليها يكون معيبا يجب إسقاطه.

وأضاف «سلماوى»، فى حواره مع «المصرى اليوم»، إنه لا يوجد أحد أو جهة تضمن للمجلس الخروج الآمن من السلطة، والرئيس المقبل لن يستطيع إجبار الجيش على عرض ميزانيته على مجلس الشعب، وإذا تضمن الدستور الجديد وضعاً خاصاً للجيش سيكون معيبا ويجب إسقاطه.. وإلى نص الحوار:

■ فى البداية هل ترى ضرورة جلوس النخب سويًّا للتفكير فى قضية الخروج الآمن حاليا مع اقتراب انتهاء المرحلة الانتقالية؟

- ليس هناك فى السياسة شىء اسمه الخروج الآمن، حدث قبل ذلك أن تنازل مبارك لـ«عمر سليمان» بناء على اتفاق غير معلن، يقضى بخروج آمن لـ«مبارك» إلى شرم الشيخ معززًا مكرمًا، لكن ما حدث أن رأيًا عامًّا قويًّا فرض نفسه وقتها للمطالبة بتنحى «مبارك» تمامًا، ثم محاكمته بعد ذلك، فلم يستطع أحد أن يضمن لـ«مبارك» ذلك الخروج الآمن.

■ ولا حتى بوضع مواد فى الدستور تحفظ للجيش وضعًا خاصًّا؟

- إذا حدث هذا سيكون الدستور معيبًا وسيسقط، الخروج الآمن يعنى أن هناك من تستوجب أعماله الحساب، لكن يتفق على استثنائه، فى حين أن القوانين والدساتير توضع لمحاسبة من قدم عملاً يستوجب المحاسبة، لهذا فإن الخروج الآمن فكرة غير قانونية وغير واردة، لأنها غير ممكنة التنفيذ، ومن يقبلها سيكون ساذجاً، لأنه قد تمر فترة لا تنتبه فيها الناس للأمر، لكن سريعًا ما ستتم المطالبة بالحساب، ومن لا يحاسبه الناس سيحاسبه التاريخ رغمًا عنا.

■ كيف نتعامل مع الوضع الخاص للجيش الذى سيصعب فى المرحلة المقبلة الإبقاء عليه فى ظل التغيرات التى حدثت؟

- المفروض أن نتحدث عن ترتيبات المرحلة المقبلة فيما يتعلق بالجيش، حيث توجد أوضاع معينة للجيش منها التسليح والنفوذ والوضع الاقتصادى، وهنا أمر من اثنين: إما أن نقول إنه لا يوجد وضع خاص للجيش وميزانيته يجب أن تخضع للرقابة، ويكون الحل أقرب إلى البتر، أو نرتضى فترة انتقالية نتمكن خلالها من الوصول إلى صيغة تقترب من مقتضيات النظام الديمقراطى، وهذا يحتاج مدى زمنياً معيناً.

وأنا أميل إلى الحل الثانى، لأنه أكثر واقعية من الدعوات التى تُطلق الآن بشأن أن تخضع ميزانية الجيش فورًا لمراقبة مجلس الشعب، وأعتقد أن أى رئيس قادم لن يستطيع تنفيذ هذا، وإنما سيكون ذلك أحد الملفات الموضوعة أمامه التى يجب أن يجد لها حلاًّ واقعيًّا مثل باقى الملفات.

■ ما الذى يضمن عدم استدعاء المجلس العسكرى للتحقيق معه بشأن قتل المتظاهرين مثلاً؟

- هل تتصورين أن هناك من يستطيع أن يضمن ذلك؟!

■ هذا يجعلنا نتشكك فى أن يترك الجيش السلطة لخوفه من هذا الأمر؟

- لا أحد يترك السلطة طواعية، العالم تغير، ولم يعد الأمر فى يد العسكر ولا رهن إرادة واحدة فقط.

■ حتى لو تم دعمه من الخارج؟

- الغرب لا يستطيع ذلك، والدليل أنهم كانوا حتى اللحظة الأخيرة يدعمون نظام مبارك باعتباره الأفضل لهم، ومع ذلك لم يستطيعوا حمايته.

■ لماذا تحول المجلس العسكرى إلى مادة ثرية لمحبى نظرية المؤامرة، فمثلاً يقال الجيش حرق المجمع العلمى، وألصق الاتهام بالثوار.. الجيش لن يسلم السلطة.. الجيش عقد صفقة مع الإخوان؟

- المؤامرة فى التاريخ قائمة، وكتابة التاريخ هى فى جزء منها كشفٌ لمثل هذه المؤامرات، ففى حرب ٥٦ مثلاً اكتشفت مصر أن هناك اتفاقاً تم فى الخفاء بين بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، وهكذا، لكن يركن العقل العربى دائمًا إلى المؤامرة دون أن يكون هناك ما يوحى بذلك، لأن هذا هو الطريق الأسهل، فبدلاً من التحليل والنقاش وإعمال العقل، للوقوف على أسباب ما حدث، يتم الاستسهال وإعمال نظرية المؤامرة.

أما عن الاعتقاد بأن المجلس العسكرى ضالع فى مؤامرة مع التيارات الإسلامية، فهذه اتفاقات سياسية وصفقات وليست بالضرورة مؤامرة، وتحليلى لذلك أنه كانت هناك قناعة لدى الجيش بأن أكبر تيار سياسى بعيدًا عن النظام السابق وأدواته هو الإخوان، وبما أن الحزب الوطنى انحل إذن تبقى الإخوان، لذا اعتبر المجلس العسكرى أن الإخوان هم الشريك السياسى الأساسى له على الساحة لأنهم القوى الفاعلة، ووجد ضرورة الإقرار بهذه القوى والنقاش والجلوس معها، بل التعاون معها إن استلزم الأمر، وهذا التعاون كان مبرره التعامل مع الواقع السياسى بعكس النظام السابق، الذى كان رافضًا التعامل مع الواقع، وكان يفضل اعتبار الإخوان قوى غير قائمة لأنها «محظورة».

والخطأ هنا ليس أن المجلس العسكرى تعاون مع الإخوان، وإنما لأنه تصور أنهم يمثلون الواقع السياسى وحدهم، فقد يكون الإخوان هم القوى العظمى، لكن الديمقراطية والعمل السياسى يقولان إنه يجب ألا أتعامل مع القوى الأكبر فقط، لأن الأقلية لا تقل أهمية عن الأغلبية، وكان يجب التعامل مع الجميع، والعمل السياسى لا يقوم إلا على الأغلبية والأقلية معًا، وكان على المجلس العسكرى أن يقرأ ثورة يناير جيدًا، فقد أثبتت أن هناك قوى أخرى لم نكن نعمل حسابها هى التى أطلقت الثورة وأشعلتها، وهى قوى الشباب، وتلك هى القوى التى لم يتعامل معها المجلس العسكرى حتى الآن.

■ هل تعتقد أن الأمر مقصود أم مجرد خطأ؟

- أعتقد أنه كان خطأ ليس مقصودًا، لأنه سبب مشاكل حتى لمن ارتكبه.

■ ما النتائج التى ترتبت على هذا التعامل مع طرف واحد من وجهة نظرك؟

- التعامل مع الإخوان المسلمين وحدهم دون غيرهم رأيناه واضحًا فى لجنة إعداد التعديلات الدستورية، برئاسة المستشار البشرى، التى غلب عليها تمثيل الإخوان، والأهم من ذلك أن النتائج التى توصلت إليها اللجنة كانت تحقق مصالح الإخوان أكثر من مصلحة الوطن، لأنها خدمت فصيلاً واحدًا فأحدثت هذا الانشقاق، الذى أصاب المجتمع، وتحول الإسلاميون والليبراليون إلى قطبين متصارعين، فى حين كانت الحنكة السياسية تتطلب الوصول إلى صيغ للتوافق.

والخطأ الثانى أنه تم تجاهل القوى الجديدة، التى أفرزتها ثورة يناير وهى الشباب، فظل الشباب فى الميدان بينما دارت أمور الحكم فى أروقة المبانى الحكومية، وهذا الاستبعاد أحدث استقطابًا آخر، وفصل بين من قاموا بالثورة ومن تولوا مهمة تطبيق أهدافها، وأدى الانشقاق إلى أزمة ثقة أدت بدورها إلى الصدام العنيف، الذى أدمى قلوب الناس جميعًا.

■ هل ستشهد مصر اتفاقًا بين الأغلبية البرلمانية والمجلس العسكرى بشأن الرئيس القادم؟

- أى اتفاق بين الإخوان والمجلس العسكرى فى ظل عدم رضاء باقى القوى السياسية لن يمر بسلام.

■ هل الأقلية بهذه القوة؟

- الأقلية قوية جدًّا جدًّا، وإذا تصور من ملكوا الأغلبية أن من حقهم أن يفعلوا ما يشاءون، فهذا هو ديكتاتورية الأغلبية، وهو ليس من الديمقراطية فى شىء، وهذا الكلام أوجهه للإخوان المسلمين، الذين حصلوا على الأغلبية، وللمجلس العسكرى المتعاون مع هذه الأغلبية، لأنه الوصفة الأكيدة لاستمرار الثورة فى الشارع، لكن بدلاً من أن كانت ضد النظام القديم ستكون ضد الحكم الجديد.

■ فى ظل القول بأن الدستور غير مهم والأهم هو الرئيس القادم كيف ترى المستقبل؟

- الدستور مهم جدًّا، لأنه الطريق لحل الأزمات التى نراها الآن منذ يناير، وهو حل لحالة الاستقطاب التى يشهدها المجتمع الآن، لذا يجب أن يتم الاحتكام إلى وثيقة واحدة يقبلها الجميع وليس وثيقة مقبولة من البعض ومرفوضة من البعض الآخر، وهذا لا يتأتى إلا من خلال هيئة تأسيسية يغلب عليها طابع التوافق الوطنى، ولا تعكس مصالح أغلبية سياسية بعينها.

لذا لابد أن توضع معايير تحدد قيام كل هيئات ومؤسسات ونقابات مصر بترشيح ممثليها، على أن يقوم مجلسا الشعب والشورى بالاختيار من بين هؤلاء، فالدستور ليس وثيقة قانونية فقط، إنما هو وثيقة سياسية اقتصادية اجتماعية ثقافية، ولو توصلنا إلى هذا الدستور نكون استطعنا إخراج المجتمع من حالة التناحر، التى حدثت منذ يناير حتى الآن، لأنه سيكون الحكم الذى نلجأ إليه جميعًا، ويعبر عن كل الطوائف.

■ هل تعتقد أن الرئيس القادم سيكون من التيارات الدينية أو حائزًا على رضا المجلس العسكرى؟

- الحل لمصر أن يأتى الرئيس القادم بعيدًا عن هذين الاتجاهين، لكنه مرضى عنه من الجميع، المصريون انتخبوا الإخوان المسلمين ليس لقناعتهم بأن الإخوان لديهم الحل السياسى، وإنما هم يسددون ديناً قديماً عليهم للإخوان، لأنه الفصيل الذى وقف إلى جوارهم فى العديد من الأزمات، وقاموا بكل المهام التى كان يجب أن يقوم بها الحزب الذى كان حاكمًا طوال العقود الماضية، حيث ساعدهم ماليًّا فى الأزمات وصحيًّا بإنشاء المستوصفات فى أغلب الجوامع وبشتى الطرق الأخرى، والشعب المصرى لا ينسى الجميل، وهو أيضًا شعب ذكى، فهو أعطاهم أصواته فى البرلمان كرد للجميل، لكن الرئاسة أمر مختلف.

■ لكن ربما تحشد «الإخوان» كل أتباعها كما فعلت فى مجلس الشعب لإنجاح مرشحها؟

- لن يكون للإخوان مرشح فى الرئاسة، ولا أعتقد أنهم سيحشدون لصالح أحد من مرشحى التيار الدينى المطروحين الآن على الساحة، لأنهم لا يريدون تصدر المشهد بالكامل فيتحملوا الأخطاء كلها، هم يريدون أن يضمنوا المواقع المهمة فقط دون أن يتحملوا كل المسؤولية.

■ ولا حتى الحشد لصالح شخص من خارج التيار الإسلامى ربما يكون مدنيًّا لكن يريد المجلس العسكرى دعمه؟

- هذه المعادلة غائب عنها الشعب، لأنها تضع فى الحسبان ما الذى يريده الإخوان، وما الذى يريده المجلس العسكرى دون أن يوضع فى الاعتبار ما الذى يريده الشعب، الشعب يريد رئيساً مدنياً ولا يريد رئيسًا بزى عسكرى أو بلحية وجلباب، ومن قراءتى أجد أن الناس تبحث عن الشخصية القيادية القوية القادرة على لم الشتات بعد أن انفرط عقد البلاد خلال سنة ضائعة أدت للتدهور فى جميع المرافق، يريدون شخصية لها ثقل وخبرة ووزن على الساحتين العربية والدولية، والمرشح الذى ستتوافر فيه هذه الصفات سيفوز بثقة الناس، وعندما رفعت الناس صور جمال عبدالناصر فى الشوارع لم يكن ذلك اعتباطًا إنما دليل على أن الناس تبحث عن القيادى القوى الذى يستطيع أن يعبر بالبلاد فى هذه المرحلة الدقيقة، والقادر على أن يضعها حيث مكانتها الرائدة فى الوطن العربى ويحفظ لها مكانتها على الساحة الدولية.

■ مَنْ المرشح الحالى الذى تتوافر فيه أغلب هذه الصفات؟

- أعتقد عمرو موسى لما له من شعبية وقوة حسم وثقل دولى وخبرة.

■ لكنه محسوب على النظام السابق؟

- كل البلد تربى فى عهد النظام السابق، بمن فيهم الشباب الذى تعلم فى مدارس النظام السابق وتفتحت مداركه على إعلام النظام السابق وعاش سنوات الشباب والنضج وسط أفكار النظام السابق، نحن لم نولد جميعًا يوم ٢٥ يناير، عمرو موسى كان موجودًا فى ظل النظام السابق ولكن السؤال: هل ناله الفساد؟ هل كان عضوًا فى لجنة السياسات أو حتى فى الحزب الوطنى؟ هل كان موافقًا على التوريث؟

لقد كان عمرو موسى وزيرًا لخارجية مصر طوال ١٠ أعوام، رفع فيها اسم مصر عاليًا على الساحة الدولية، وتصدى بقوة ووطنية لمخططات أعدائها، فكان أول وزير خارجية يحظى بشعبية فى الشارع، وإذا كان قد فعل ذلك فى ظل النظام السابق فهذا لا يضيره، فالله سبحانه وتعالى لم يحاسب موسى على أنه نشأ فى بلاط فرعون.

■ فى رأيك متى يستقر الوضع الداخلى وهل انتهاء الانتخابات مؤشر على ذلك؟

- هذا البلد لن يستقر قبل انتخابات الرئاسة، ولن يستقر إلا إذا جاء الرئيس القادم بمواصفات محددة، وهى قوة الشخصية والزعامة والقدرة على إحداث التوافق بين الجميع، مثل تاريخ كل الدول التى خرجت من كبوتها بعد أحداث مأساوية، ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية أخرجها كونراد أديناور، مستشار ألمانيا، الذى استطاع أن يلهم الناس بشخصية قوية وقدرة على العمل وجمع الناس خلفه.

■ ما رأيك فى الدعوات التى تطالب بتسليم الحكم إلى رئيس مجلس الشعب القادم، على أن تجرى انتخابات الرئاسة خلال ٦٠ يومًا؟

- هذه أفضل وصفة لإطالة المرحلة الانتقالية، فقد كنا فى البداية أمام مرحلة انتقالية بنهاية مفتوحة، ولا يعرف أحد متى ستنتهى، وبالضغط تم تحديد موعد لانتقال السلطة، ومع اقتراب انتهاء هذه المرحلة تعلو أصوات تقول «يللا نهد اللعبة» وكأنهم يشعرون بأن المرحلة الانتقالية شارفت على الانتهاء، وبالتالى اقترب موعد تسليم السلطة فقرروا إنهاء اللعبة لإطالة المدة والبداية من جديد، وهذه الأصوات لا أفهمها ولا أفهم الغرض منها.

فهذه وصفة أكيدة لإطالة الفترة الانتقالية لأنه لن يتفق عليها أحد وستدخلنا فى دوامات قانونية ودستورية وسياسية بينما الطريق الوحيد لإنهاء المرحلة الانتقالية هو تسليم الحكم إلى سلطة مدنية منتخبة.

■ الشباب يطالبون بذلك ردَّا على العنف وقتل المتظاهرين وتقديم بعضهم للمحاكمات العسكرية وسحل البنات، لذا يتخوفون من بقاء العسكرى حتى نهاية المدة.

- تسليم الحكم للإخوان ليس حلاًّ لأى شىء، لكن هذا رد فعل طبيعى لغضب الشباب، وأنا لا ألوم الشباب ولكن ألوم مَن مِن واجبهم ترشيد هذا الغضب وترجمته إلى أفكار بناءة تساهم فى إنقاذ البلد، تمامًا كما سمعنا أن هناك أناساً فى التحرير انتخبوا ثلاثة أشخاص ويريدونهم أن يتولوا السلطة، فقلت لهم هذا توريث جديد لأن هؤلاء غير منتخبين، فهل ستفرضونهم علينا؟ فأجاب أحدهم: نحن انتخبناهم فى التحرير، فحتى لو سمح بذلك سنجد من يطعن فى ذلك ويقول إنهم غير شرعيين، وما أفهمه إذا كنا غاضبين فعلينا أن نسرع فى هذا الجدول الزمنى لا أن نهدمه.

■ كيف نسرع به؟

- بإجراء انتخابات الرئاسة فى أسرع وقت ممكن.

■ ماذا عن انتخابات مجلس الشورى؟

- لا أريد الدخول فى معضلة هل إلغاؤه سيكون دستوريًّا أم لا، لكن هناك حلاً آخر بأن نقول إننا سنؤجل انتخابات الشورى لما بعد انتخابات الرئاسة، ثم بعدها نرى ما هو وضع مجلس الشورى لأنه لا علاقة له باستقرار البلد.

■ هل يمكن وقتها أن يشكل مجلس الشعب فقط اللجنة التأسيسية؟

- نعم يمكن الاكتفاء بمجلس الشعب.

■ ماذا عمن يقولون إن انتخابات الرئاسة قبل وضع الدستور ستأتى برئيس له صلاحيات واسعة؟

- غير صحيح، لأن كل السلطات التى كانت للرئيس السابق فى دستور ٧١ سقطت بسقوط الدستور، هذا من الجانب القانونى، كما أنه واقعيًّا لن يسمح له بهذه السلطات المطلقة، والتى هى أيضًا غير موجودة فى الإعلان الدستورى، بل دعينى أقل لك إن سلطات الرئيس المنصوص عليها فى الاستفتاء وفى الإعلان الدستورى أقل من السلطات الطبيعية لرئيس الجمهورية، فهى لا تتضمن على سبيل المثال حل مجلس الشعب، وهو حق أصيل للرئيس، لكن الناس تردد ما يقال دون أن تكلف نفسها عناء البحث والتدقيق.

■ أى الأنظمة السياسية تراها الأنسب لمصر؟

- أفضل النظام الرئاسى لأن مصر ليست لديها أحزاب قوية ومتكافئة لينشأ نظام برلمانى، هناك أحزاب جديدة لم تترسخ أقدامها بعد وأخرى قديمة لكنها ضعيفة، فالوضع ليس جاهزًا الآن وإلا دخلنا فى نوع من «اللبننة»، وكل يوم ستسقط حكومة وتشكل حكومة أخرى وندخل فى دوامة وحالة من الفوضى لا نحتملها، ومصر بطبيعتها دولة مركزية، وهناك فرق بين المركزية والديكتاتورية، ومن الممكن أن نجرب النظام المختلط، أى خليط بين الرئاسى والبرلمانى، لأنه يعطى لاختيارات الشعب حقًّا فى اختيار الحكومة ولكن فى ظل نظام رئاسى قوى.

■ هل لديك تفسير أو ملامح للطرف الخفى المسؤول عن كل أزمات مصر منذ الثورة حتى الآن؟

- ليست هناك أطراف خفية، فاللاعبون على الساحة معروفون ولا يوجد طرف ثالث، يوجد لاعبون فى الملعب، وكل شيء حدث نتج عن أحدهم، وهم الجيش والثوار ثم جحافل البلطجية وقاطنو الشوارع، ووجود مثل هؤلاء البلطجية لا يشين الثورة، فليست هناك ثورة فى العالم لم تتضمن الرعاع والبلطجية وساكنى الشوارع، كما حدث فى الثورة الفرنسية والبلشيفية وغيرهما، اللهو الخفى يلغى المسؤولية فى التحقيق، بينما التحقيق السليم الشفاف هو الذى يجب أن يعلمنى من الطرف الذى قام بذلك.

■ ماذا عن المشاهد التى ظهر فيها الجيش يضرب ويسحل المتظاهرين؟

- الجيوش بطبيعتها لا تستطيع التعامل مع المظاهرات والاعتصامات، وهى غير مؤهلة لذلك، لذا كان من الخطأ أن نطلب من الجيش أن ينزل الشارع لأن نزوله أحدث أخطاء جديدة.

■ ماذا كان الحل مادامت الشرطة ممتنعة عن العمل؟

- كان لابد من إيجاد حل، أين الشباب الذى شكل اللجان الشعبية وحمى مصر فى فترة الثورة؟ كان على وزير الداخلية بعد الثورة القيام بهذه المهمة بأن يجمع كل الشباب الذى يجلس بلا عمل على المقاهى ويتم تدريبه ويعتبره قواماً جيداً لوزارة داخلية جديدة مدنية، خاصة أن الشباب برهن فى لحظة الاختبار أنه قادر على حفظ الأمن وتنظيم المرور وحماية المنشآت، لأنه يحظى بثقة الجماهير الذين كانوا سيفرح بهم الناس ويساعدونهم، وبالمناسبة فإن الشرطة فى كل العالم مدنية، فلا توجد فيها رتب عسكرية، كلواء وعميد وما شابه، كما هو الحال عندنا، وحل مشكلة الشرطة فى مصر يكمن فى إنهاء عسكرتها.

■ أين يقف الشباب من الثورة الآن بعدما كانوا مفجريها؟

- الشباب فى مصر حالة غريبة، فمن الحالات النادرة فى التاريخ التى يقوم فيها طرف بالثورة ثم يطلب من آخرين أن يتولوا الحكم بدلاً منه، وهذا حدث أولاً لأننا جميعًا ارتضينا حكم الجيش فى المرحلة الانتقالية، وثانيًا لأن الشباب لم تكن لهم رغبة فى الحكم، لكن أين الشباب من مجلس الشعب؟ لقد فُتح أمامهم باب للمشاركة السياسية وصنع مستقبل البلد، وكنت أتصور أن ينظم الشباب نفسه فى أحزاب، استعدادًا لهذه الانتخابات، لأنها كانت فرصتهم الذهبية لإصدار التشريعات والقوانين التى تضمن تنفيذ مطالب الثورة، فلو أن كل الشباب تجمعوا فى حزب واحد أو أكثر لم يكن الناس ليعطوا أصواتهم لأى حزب آخر، لكن الواقع أنهم تشتتوا بين أحزاب عدة، وحتى الإقبال على الترشح الفردى كان ضعيفًا، شباب الثورة كان لابد أن ينتقل من ميدان التحرير إلى مجلس الشعب.

■ لكن المجلس العسكرى اعتقلهم وسحلهم وشوه سمعتهم على حد ما يتردد؟

- صورة الشباب عند الشعب ناصعة، ومازالت ثورة ٢٥ يناير مشهدًا لن تنساه مصر ولا العالم كله، والشعب ليس ناقمًا على الثوار إنما على الحالة التى نعيشها الآن ولا يعرف من يلوم: المجلس العسكرى باعتباره الحاكم أم الوزارات المتعاقبة واحدة وراء الأخرى، أم النخب التى لم توجه ولم تقدم المشورة، أم الفلول، ومن الخطأ والظلم أن نقول إنها تقع على عاتق الشباب، وهذه النقمة كانت أدعى لأن ينظم الشباب أنفسهم.

■ لماذا فى رأيك لم ينظم الشباب نفسه؟

- لأنهم لم يعوا مهمة الثائر بشكل دقيق، فالثائر الحقيقى لا يجب أن يظل ثائرًا، إنما ينتقل من حالة شعبية الثورة إلى مأسسة الثورة، بأن يفرض سياساته ويطبق أهدافه، والفرصة الذهبية كانت أمامه فى مجلس الشعب لكنه أضاعها، وأغلب من تقدم من الشباب للانتخابات فاز، وهذا يدل على أنهم لو تقدموا بأعداد أكبر كان الناس سيلتفون حولهم.

■ لماذا استقلت من المجلس الاستشارى؟

- أنا انسحبت من المجلس الاستشارى ولم أستقل، والانسحاب ليس أقل من الاستقالة لكن فى العمل التطوعى لا تكون هناك استقالة، لأنها ليست وظيفة ولا يوجد عقد ملزم، وإنما هو جهد يبذل قد نتطوع به أو ننسحب منه.

وكنت مؤمنًا بأن المجلس الاستشارى قد يؤدى دورًا مهماً فى ظل شكوى الناس ومطالباتهم بضرورة وجود آلية للتشاور مع الجميع، خاصة، أننا لم نكن فى حاجة إلى الاستشارة السياسية والاستعانة بكل الآراء الممكنة، مثلما نحن الآن، حتى نخرج من هذا المأزق بسلام، لكن هذا العمل الذى أتحدث عنه ذو اتجاهين، بمعنى أنه توجد جهة تعطى المشورة، ويجب أن تكون هناك جهة أخرى على استعداد لتقبلها، وبعد عدة جلسات كان عندى شك فى يتم الأخذ بهذه المشورة، فضميرى لم يسمح بأن أظل أبدى آراء وليس هناك من يتقبلها أو يتعامل معها، لكن لأن هدفى ليس التشويش على المجلس لم أعلق على تفاصيل ما جرى داخله واكتفيت بإعلان انسحابى.

■ لكن ألم يرد فى ذهنك أن تشكيل المجلس من البداية ربما يكون للتهدئة وأنه لن يكون فعالاً؟

- هذه الفكرة وردت فى ذهنى فى البداية، لكن الواجب الوطنى والظرف التاريخى كان يحتم علىَّ ألا أركن إلى الاحتمال وإنما إلى التجربة الواقعية، وكنت أتصور أن المجلس العسكرى يتطلع إلى المشورة السياسية بعد أن ساءت الأوضاع على مدى تلك الأشهر التسعة، فقد شاءت ظروف الثورة أن تضع المجلس العسكرى فى موضع جديد، نقلته من المهام العسكرية إلى السياسة، فالأداء العسكرى يتطلب تقديس الأمر لا مناقشته، أما فى السياسة فكل شىء قابل للخطأ والصواب، وهنا تكون قيمة المشورة، وعندما تشكل المجلس الاستشارى كنت أعتقد أنه مجلس استشارى لجهة سياسية، لكن ثبت لى أنه أداة استشارية لجهة عسكرية.


----------------
نشر في المصري اليوم بتاريخ 14/1/2012
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=324596

المتابعون