د. منى ذو الفقار

مدنية الدولة أبرز مناطق الخلاف فى «وثيقة السلمى
----------------------------------------------
أجرت الحوار رانيـا بـدوى ٢/ ١٢/ ٢٠١١
----------------------------------------------

كانت الدكتورة منى ذوالفقار عضوا بلجنة التشاور المسؤولة عن جمع التوافق حول «وثيقة السلمى»، تلك الوثيقة التى كانت كلمة السر فى إعادة مشاهد ثورة ٢٥ يناير من جديد، وجددت الصراعات بين القوى المختلفة وحشدت الجموع فى ميدان التحرير فضلا عن كونها سببا فى إسقاط حكومة شرف وتحديد موعد محدد لانتخابات الرئاسة.

وفى حوارها مع «المصرى اليوم» تكشف الدكتورة منى ذوالفقار، عضو المجلس القومى لحقوق الإنسان، عن كواليس صناعة وثيقة السلمى مؤكدة أن الوثيقة عدلت المادتين التاسعة والعاشرة قبل جمعة ١٨ نوفمبر بأيام وأعلن التعديل على التيارات المختلفة إلا أن تيارات الإسلام السياسى تجاهلت ذلك وقررت النزول متعللة بأنها ترغب فى تعديل المادتين أنفسهما.

■ نعيش أجواء ثورة جديدة، مابين اعتصام فى التحرير منذ أكثر من أسبوع، وتشدد من قبل التيارات الدينية وارتباك شديد من جانب الحكومة والمجلس العسكرى، ثم مشاركة انتخابية غير مسبوقة فهل هذا طبيعى فى المراحل الانتقالية؟

- الطبيعى فى المراحل الانتقالية أن يحدث ارتباك ومعوقات، ولكن دائما فى الثورات هناك قيادة تكسب ثقة جموع الشعب وتتصدى لهذه المعوقات وتقود عملية بناء التوافق وتنفيذ التغيير المطلوب، إلا أن الحالة المصرية فريدة من نوعها لأنه لا يوجد قيادة واضحة محل توافق لا فى الثورة ولا فى الحكومة أو الأحزاب أو أى جهة، والنتيجة أن الشعب المصرى شعر بالخوف والضياع، وهو ما دفعه للمشاركة غير المسبوقة فى الانتخابات رغم مخاطر العنف وغياب الأمن والأزمة السياسية التى نمر بها وبذلك يتولى الشعب المصرى القيادة.

■ إذن، فالمجلس العسكرى مسؤول أيضا عن تردى الوضع الحالى؟

- أعتقد أنه منذ اندلاع الثورة وحتى الآن ورغم التحديات الهائلة التى نواجهها كان هناك سوء إدارة من قبل المجلس الأعلى للقوات المسلحة، خاصة فيما يتعلق بخارطة الطريق، وكذلك سوء إدارة من الحكومات المتعاقبة، مما تسبب فى هذا الارتباك، إضافة إلى البطء فى التصدى للمشكلات واتخاذ القرار. فالكثير من قيادات الأجهزة المختلفة فى الدولة، إما أنهم أصحاب مصالح مع النظام السابق، أو مرتعشون ويخشون اتخاذ أى قرار لأن من سبقهم محل تحقيق أو فى السجن فأصبحوا مصابين بشلل مزمن، أو لديهم رغبة وإرادة للتغيير ولكن حدود صلاحياتهم واختصاصهم مقيدة ومحدودة، وكل الظروف من حولهم محفوفة بالمخاطر وتعوق حركتهم، باختصار نحن فى وضع لا يحرك أجندة الثورة وأجندة الوطن إلى الأمام . والسياسة العامة القائمة الآن لا تختلف عن الماضى، كل الأحداث الجسام يعقبها دائما بيان متأخر كرد فعل دون مواجهة حاسمة، وحتى لو تم اتخاذ القرار المناسب فهو غالبا متأخر أو فى الوقت غيرالمناسب بحيث يفقد قيمته فى الحالتين.

■ هل ترين أن اعتصام التحرير الحالى بمثابة ثورة ثانية؟

- بل الموجة الثانية للثورة، وهى نتيجة تراكمات وإحباطات وأخطاء الشهور العشرة الماضية منذ الثورة، ومحاولات القفز على الثورة من بعض التيارات السياسية، كما أن انتهاكات حقوق الإنسان وسقوط الشهداء والمصابين من الشباب، سواء إصابات العيون أو الاختناق بالغاز على أيدى سلطات تنفيذ القانون المسؤولة عن حمايتهم، كانت المفجر للموجة الثانية ومصدر استمراريتها.

■ ما تفسيرك لانسحاب الإخوان وتوافد القوى المختلفة والشعب غير المسيس بعد جمعة المطلب الواحد؟

- الإخوان يعطون الأولوية لمصالحهم الانتخابية وعلاقتهم بالسلطة، ومع ذلك شارك بعض شباب الإخوان بالمخالفة لتعليمات الجماعة. واللافت للنظر أن شيخ الأزهر أرسل مندوبا عنه فى جمعة ٢٥ نوفمبر، كما زادت مشاركة قوى شعبية من الطبقات الكادحة أعطتهم شعارات الثورة الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية أملا فى أن الضوء موجود فى نهاية النفق المظلم وتضامنا مع الشهداء والمصابين، فالثورة لعبت دورا مفصليا فى تسييس الشعب المصرى وتحريك الأغلبية الصامتة.

■ لماذا لم يرض التحرير عن خطاب المشير؟

- لأن الخطاب اتبع منهجا مشابها لمنهج الرئيس السابق، وكان المتوقع أن يسبق الخطاب السياسى تحقيق مطالب الثوار ولا يكون رد فعل جزئياً ومتأخراً لمطالبهم.

■ كيف ترين الأيام المقبلة فى ضوء مطالبة التحرير بتشكيل حكومة إنقاذ وطنى برئاسة البرادعى أو أبوالفتوح مقابل إصرار المجلس العسكرى على تكليف الجنزورى؟

- للأسف يبدو أن الأزمة ستستمر لفترة، فالدكتور البرادعى هو الوحيد من الأسماء التى رشحها الميدان والذى أعلن موافقته على تحمل المسؤولية الانتحارية لإدارة المرحلة الانتقالية لمدة عدة شهور لو تم تكليفه، مع تنازله عن الترشح لمنصب الرئاسة، مما يدل على عدم تمسكه بالسلطة، والمجلس العسكرى كلف الدكتور كمال الجنزورى، ولا يبدو أن أياً من مرشحى التحرير قبل المشاركة فى الوزارة، وهذه الأزمة تحتاج لحل سياسى سريع يبنى توافقا مع شباب التحرير ولا يتجاهلهم ويلم الشمل ولا يفرقه.

■ ولماذا يصر المجلس العسكرى على الاحتفاظ بصلاحياته التشريعية والسياسية رغم تأكيده أنه ينوى تسليم السلطة للمدنيين؟

- الحكم العسكرى شأنه شأن الحكم الدينى، فهو بطبيعته غير ديمقراطى، ويعتمد على السمع والطاعة، ولكن مقتضيات المرحلة الانتقالية وتحدياتها تحتاج إلى حكومة إنقاذ وطنى قوية تشارك فى تحمل مسؤولية الحكم، حتى تتقدم أجندة الثورة والوطن إلى الأمام.

■ «يسقط يسقط حكم العسكر» شعار هتف به ميدان التحرير مؤخرا، كيف ترين المشهد إذا ما تنحى المجلس العسكرى؟

- ليس مطلوبا تنحى المجلس العسكرى، ولكن المطلوب أن تكون حكومة الإنقاذ الوطنى «حكومة بجد» تشارك فى الحكم وتمارس اختصاصاتها فى اتخاذ القرار السياسى والاقتصادى والاجتماعى، دون وصاية.

■ أحد الأسباب التى أدت إلى تأزم الأوضاع مؤخرا كان ما عرف إعلاميا بـ«وثيقة السلمى»، باعتبارك ممن تشاوروا مع القوى السياسية للوصول إلى صيغة توافقية للوثيقة، ما تفاصيل مرحلة التشاور؟

- هذه الوثيقة كانت تجميعاً لكل الوثائق الأخرى التى صدرت عن جهات ومؤسسات مختلفة، وبلغت حوالى ١٥ وثيقة مثل وثائق الأزهر والدكتور البرادعى وتحالف الأحزاب من أجل الديمقراطية والمستشار هشام البسطويسى والمجلس الوطنى والوفاق القومى والمجلس القومى لحقوق الإنسان ومنظمات حقوق الإنسان وغيرها، وتم التشاور مع الأحزاب والقوى السياسية على مدى أربعة أسابيع لبناء التوافق من خلال ما يزيد على ٢٢ مسودة حتى وصلنا لمشروع الوثيقة النهائية بعد مناقشات وخلافات شديدة بين مختلف القوى السياسية.

■ وماذا عن أبرز مناطق الخلاف؟

- بعض تيارات الإسلام السياسى كانت متحفظة على وصف الدولة بـ«المدنية» لغموضه، فتم تعريفها بأنها دولة مدنية ديمقراطية تقوم على سيادة القانون والمواطنة، تحترم التعددية والمساواة والعدالة وتكافؤ الفرص، دون تمييز أو تفرقة بين المواطنين لأى سبب إلا الجدارة والكفاءة، كما أوضحنا أن الدولة المدنية لا يحكمها الجيش أو رجال الدين وهى ليست فى خصومة مع الدين، فمبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع طبقا للمادة الثانية، ثم تم تغيير الصياغة إلى «دولة نظامها مدنى ديمقراطى» لإزالة أى لبس، وتيسير بناء التوافق، ومع ذلك استمر الإصرار على شطب أى إشارة لكلمة مدنى أو مدنية، ومنطقة الخلاف الأخرى كانت تتعلق بصياغة فقرة إضافية للمادة الثانية لحماية حقوق غير المسلمين فيما يتعلق بالقوانين والتشريعات التى تخص أحوالهم الشخصية وشؤونهم الدينية، حيث وضعت صياغة تحمى دولة القانون، تنص على أن تصدر هذه التشريعات استنادا إلى مبادئ شرائعهم، وكان البعض يريد الاستناد إلى أحكام «شرائعهم» مباشرة دون الإشارة إلى «مبادئ» شرائعهم أو الإشارة إلى أن تلك المبادئ المصدر الرئيسى لتلك التشريعات، كما هو الحال فى المادة الثانية من الدستور، وبعد مناقشات طويلة تم التوافق على أن تصدر التشريعات المتعلقة بالأحوال الشخصية والشؤون الدينية لغير المسلمين استنادا إلى مبادئ شرائعهم باعتبارها المصدر الرئيسى لتلك التشريعات.

■ وهل كانت هناك مناطق خلاف أخرى؟

- كان هناك خلاف كبير حول المادة السادسة المتعلقة بالمقومات الاقتصادية للدولة، فبينما أرادت بعض الاتجاهات اليسارية وائتلافات الشباب إدراج نصوص ذات طابع اشتراكى، أراد الليبراليون والبعض الآخر إدراج نصوص تؤكد أهمية الاستثمار ودور القطاع الخاص، وتم التوافق على أن الدستور ليس محلا للأيديولوجيات التى تتغير بتغير الحكومات، وعلى صيغة أن النظام الاقتصادى يهدف لتحقيق التنمية المستدامة وتوزيع العوائد على المواطنين، بما يكفل العدالة الاجتماعية، ويشارك فيها القطاع العام والخاص والتعاونى.

■ وماذا عن المادتين التاسعة والعاشرة، ومن اقترح وضعهما فى الوثيقة؟

- تضمنت وثيقة المستشار هشام البسطويسى ووثيقة المجلس الوطنى أول اقتراحات بأن يكون للقوات المسلحة دور فى حماية الشرعية الدستورية، وأن تدرج الميزانية رقما واحدا، وعلى هذا الأساس تمت صياغة المادة التاسعة فى المسودات الأولى خلال مرحلة التشاور، إلا أن أغلب القوى السياسية اعترض عليها فتم شطبها، ولم ترد فى مشروع الوثيقة التوافقية التى وقعت عليها القوى والأحزاب السياسية.

■ إذن كيف وضعت هذه المواد فى الوثيقة من جديد؟

- وضعت بعد الانتهاء من التشاور والتوافق على مشروع الوثيقة أثناء المداولات بين المجلس والحكومة، ومن ثم جاء التحفظ عليها من القوى التى وقعت على الوثيقة، وكذلك من المعترضين على أن تكون ملزمة، حيث اعترض الجميع على اختصاص حماية الشرعية الدستورية باعتباره يفتح الباب لتدخل الجيش فى السياسة، وعلى اشتراط أن يوافق المجلس الأعلى للقوات المسلحة على القوانين المتعلقة بالجيش لأنه يسمح بمصادرة اختصاص السلطة التشريعية، وعلى إدراج الموازنة برقم واحد فى الموازنة العامة للدولة دون النص على آلية للرقابة على الموازنة واعتمادها من نواب الشعب، وقد تحفظت على هذه النصوص فى اجتماع الأوبرا لأنها وضعت بشكل غير مقبول، وإن كنت أرى أن هناك آليات متبعة فى الدول الديمقراطية تحافظ على السرية وخصوصية وضع القوات المسلحة مع ضمان رقابة ممثلى الشعب وعدم المصادرة على حقهم فى التشريع فى الوقت نفسه، وهو ما تم إدراجه فى تعديلات المادتين ٩ و١٠ التى أعلنتها الحكومة بعد اعتراضات الجميع وتم التوافق عليها.

■ ولماذا كانت جمعة ١٨ نوفمبر لو أنه تم تغيير المادتين التاسعة والعاشرة محلا الخلاف، فهذه المليونية كانت تعبيراً عن رفضهم لما تضمنته الوثيقة من وضع خاص للقوات المسلحة؟

- هذه الجمعة كانت تهدف للضغط على المجلس العسكرى، واستعراض للقوة الانتخابية من جانب حزب الحرية والعدالة والأحزاب والقوى السلفية، وشاركت فيها بعض ائتلافات وحركات الشباب والأحزاب الأخرى، وكانت المطالب المعلنة هى إعلان الجدول الزمنى للانتخابات الرئاسية لتسليم السلطة وإلغاء الوثيقة، رغم أنه كان تم الاتفاق على تعديل المادتين ٩ و١٠، كما وافقت عليها القوى السياسية الأخرى المؤيدة للوثيقة، وانحصرت الخلافات فى مدنية الدولة، ومدى إلزام الوثيقة، بالإضافة للأغلبية اللازمة لإصدار قرار تشكيل الجمعية التأسيسية، فالإخوان والسلفيون لا يريدون أن تكون المبادئ والحقوق والحريات الأساسية ملزمة، رغم أن الوثيقة تعتبر إعلانا كاشفا وليس منشئاً لأن كل المبادئ والحقوق والحريات التى وردت فيها هى حقوق الإنسان المصرى، وليست محل نقاش أو خلاف، وسبق لهم الموافقة على مضمونها، وهذا ما يثير التخوف والتساؤلات، فالوثيقة تؤكد أن الشعب مصدر السلطات، وتشدد على مبادئ المساواة، وعدم التمييز وحرية الرأى والعقيدة وحق العمل والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية، وكذلك أن مبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع، فكيف لا يكون ذلك كله ملزماً؟ وهل يعنى ذلك أن الإخوان والسلفيين لو تولوا كتابة الدستور سيخالفون هذه المبادئ؟

■ كيف ترين مقاطعة الإخوان كل المليونيات السابقة ثم النزول إلى الشارع فى تحدٍ للمجلس العسكرى يوم ١٨نوفمبر والانسحاب من جديد بعد الأحداث الدامية؟

- أنا أميل إلى أنها استعراض للقوة الانتخابية، ويبدو أنهم استشعروا أن المجلس لا يساندهم بالقدر المتوقع، فقرروا النزول للشارع لاستعراض القوة وللضغط على المجلس، لكنهم حريصون على علاقتهم بالسلطة، وعدم الدخول فى صدام معها.

■ وما رأيك فيما أعقب هذه الجمعة من أحداث دامية؟

- المناخ العام محتقن، بسبب تراكم المشاكل، وعدم التصدى لها، بالإضافة إلى وجود إدانة آلاف الشباب بأحكام المحاكم العسكرية، أو مثولهم لتحقيقات أمام النيابة العسكرية، ونرجو أن يتغير ذلك، وتمنع إحالة المدنيين للقضاء العسكرى، بالإضافة إلى أن التدخل العنيف لفض اعتصام عدد قليل من مصابى الثورة من قبل قوات الأمن والانتهاكات الجسيمة التى أدت لسقوط أكثر من ٤٠ شهيدا وآلاف المصابين، خاصة إصابات عيون الشباب والاختناق بالغازات المسيلة للدموع- أدى بالضرورة إلى تأزم المشهد.

■ بات واضحا تدخل الشرطة بعنف ضد متظاهرى التحرير، بينما لا تتدخل لمنع قطع الطرق أو إغلاق المؤسسات الحيوية كما حدث مؤخراً فى ميناء دمياط، فلماذا تكيل الشرطة بمكيالين؟

- أداء الشرطة فى فض اعتصام مصابى الثورة أحد أسباب الأزمة الحالية، ومن الملاحظ على سبيل المثال أن علاج أزمة ميناء دمياط تم بصبر وحكمة، فأعطوا من أغلقوا الميناء مهلة ١٠ أيام، وظلوا يتفاوضون معهم للوصول إلى حل، بل وصلوا لدرجة إغلاق مصانع لحين إصدار تقارير جديدة من خبراء دوليين بصحة الموقف البيئى لها، رغم وجود تقارير من جهاز حماية البيئة وخبراء دوليين فى هذا الشأن، فى حين أن تلك السياسة فى التفاوض والنفس الطويل لا تتبع مع شباب الثورة، فالعنف والمعالجة الأمنية والمحاكمات العسكرية هى الغالبة فى التعامل معهم.

■ وما رأيك فيما يتردد عن وجود طرف ثالث يساهم فى إشعال الأحداث؟

- فى أحداث التحرير الأخيرة شأنها شأن ما سبقها، يتحول المشهد فى النهاية إلى أحداث عنف وقتل وإصابات، كما الحال فى أحداث البالون والعباسية والجيزة وماسبيرو، حيث تتم عمليات قتل بالرصاص باحتراف، إضافة للحرق والإصابات، وإشعال الفتن من مجهولين، يرتدون ملابس مدنية، وعدم القبض على هؤلاء المجرمين المجهولين والتحقيق معهم من السلطات المختصة غير مقبول، فهل يعقل أن جميع الجهات الأمنية، بما فيها الداخلية والجيش والأمن القومى، بما لديها من سلطة وقوة ومعلومات لا تستطيع التوصل إلى هؤلاء المجرمين المجهولين؟!

■ إما أنهم يعلمون من قتلوا المتظاهرين ولا يريدون الإفصاح عنهم أو أنهم لا يعرفون، فإلى أى الأمرين تميلين؟

- كونهم لا يعلمون أمر غير مقبول على الإطلاق.

■ إذن هم يعرفونهم ولا يريدون التصدى لهم، فهل تعتقدين أنهم مرتبطون بمصالح معهم؟

- على الأقل هم يعرفون أصحاب المصلحة فى إشعال البلد، والتأخير فى الإعلان عن المتهمين والتحقيق معهم ومحاكمتهم فى كل هذه الأحداث- كان دائما أحد أسباب استمرار وتصاعد الاحتقان.

■ هل تؤمنين بنظرية وجود أيادٍ خارجية تعبث فى الداخل؟

- بالتأكيد هناك قوى خارجية لها مصلحة فى عدم استقرار البلد ونجاح الثورة، لكن أن يتم تصدير هذه الفكرة طوال الوقت وفى كل الأحداث، فأعتقد أنه خطأ وشماعة للهروب من المسؤولية ومعاقبة المذنبين الحقيقيين فى الداخل، فنظرية أن كل المشاكل مصدرها إما قلة مندسة أو أصابع خارجية مدخل لاستمرار سياسة الهروب من المواجهة والمحاسبة.

■ تؤكدين أن الإعلان الدستورى وراء التخبط الذى نعيش فيه حالياً، فما الحل إذن؟

- أعتقد أن خارطة الطريق التى صاغتها اللجنة التى تم اختيارها برئاسة المستشار طارق البشرى فى إطار التعديلات لدستور ١٩٧١ وتحويلها لإعلان دستورى جديد، هما سبب العرقلة الرئيسى فى مسار الثورة نحو الديمقراطية، فخارطة الطريق خلطت بين مسار الانتخابات البرلمانية، ومسار وضع الدستور، فجعلت من حق الأغلبية البرلمانية اختيار الجمعية التأسيسية لوضع الدستور دون قيد ولا شرط، مما يعرضها لسيطرة أغلبية البرلمان القادم، بحيث يمكن أن يكون الدستور يسارياً متطرفاً أو دينياً متشدداً، والله أعلم ماذا سيكون شكل الدستور لو نجح الفلول، وحصلوا على الأغلبية فى الانتخابات، وهو وضع خطير، فالدستور وثيقة الشعب كله، ومهمته أيضا حماية حقوق الأقلية من استبداد الأغلبية، لذلك هناك حقوق وحريات أساسية لا تقبل الإيقاف أو التعطيل أو الانتقاص باعتبارها لصيقة بحقوق المواطن المصرى، كما قالت المحكمة الإدارية العليا.

■ وما الحل فى رأيك؟

- إعلان دستورى مكمل يضع معايير اختيار الجمعية التأسيسية للدستور بما يضمن عدالة تمثيل جميع طوائف الشعب وليس الأغلبية البرلمانية فقط، وأهم شرط يضمن أن يكون الاختيار بتوافق حقيقى أن يصدر قرار التشكيل بأغلبية الثلثين للأعضاء المنتخبين لعضوية مجلسى الشعب والشورى.

■ وما سبب التأخر فى صدور هذا الإعلان المكمل حتى الآن؟

- بعض تيارات الإسلام السياسى ضد أن توضع معايير ملزمة لاختيار الجمعية التأسيسية، وتصر على أن يكون قرار التشكيل بالأغلبية، وهو ما لا يضمن التوافق وعدالة التمثيل.

■ باعتبارك حقوقية ما تعليقك على اتهامات الحكومة لحركة ٦ أبريل وبعض المنظمات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدنى بتلقى أموال من الخارج؟

- الحصول على تمويل من الخارج بالمخالفة للقانون جريمة إذا ثبتت على أى طرف، سواء منظمة حقوقية أو تياراً أو حزباً سياسياً، وسواء جاء التمويل من الشرق أو الغرب، وتجب معاقبة أى طرف تثبت عليه هذه التهم، ولا يجوز إلقاء التهم جزافا وتشويه السمعة قبل ثبوت المخالفة، والمفروض أن ندعم المنظمات الحقوقية وائتلافات شباب الثورة، ونساند بناء مؤسساتها حتى تتمكن من القيام بدورها فى الحياة السياسية، أو فى الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان أو التنمية الاجتماعية، والحكومة فى بعض الأحيان تكيل بمكيالين فتوجه اتهامات للمنظمات الحقوقية والمجتمع المدنى دون تقديم الدليل، لكنها تغض الطرف عن تلقى بعض الجماعات الدينية أموالا من الخارج، فهل التمويل الذى يأتى من أمريكا وأوروبا حرام، والذى يأتى من الخليج والسعودية حلال؟، سيادة القانون على الجميع هى الحل.

■ ما أبرز ما وصلت إليه لجنة التحقيق فى أحداث ماسبيرو وما الجهات المتهمة وفقا للتقرير؟

- أهم الانتهاكات كان استخدام المركبات المدرعة من جانب القوات المتواجدة فى موقع الأحداث لتفريق وفض المتظاهرين ليسقط ١٢ من الشهداء على الأقل دهسا تحت إطاراتها، مما يشكل جريمة قتل عمد، كما يشكل انتهاكا جسيما للحق فى الحياة وإخلالا بالالتزامات الواجبة على المسؤولين عن إنفاذ القانون بحماية المتظاهرين السلميين، كما بلغ عدد الشهداء نتيجة انتهاك الحق فى الحياة بإطلاق النار على الرأس والصدر- ٨ حالات «٧ من المواطنين المسيحيين وحالة واحدة من العسكريين»، وذلك وفقا لشهادات الوفاة، التى صدرت لأسر الشهداء، وإن كان المتوقع تزايد تلك الأعداد لعدم التمكن من الحصول على المستندات الدالة على سبب الوفاة لعدد ٧ شهداء من المواطنين المسيحيين، مما يشكل جريمة قتل عمد، ليبلغ إجمالى شهداء ماسبيرو ٢٨ شهيداً على الأقل بالإضافة لمئات المصابين، وتعددت الشهادات عن مصدر إطلاق النار، فأفاد العديد من المواطنين فى شهاداتهم بأن الرصاص الحى مصدره قوات الشرطة العسكرية، فى حين أكد عدد من الشهود أن بداية إطلاق النار كانت من خلال عدد من المدنيين المجهولين اندسوا وسط المتظاهرين على دراجات بخارية، وأطلقوا النار على المتظاهرين وقوات الشرطة العسكرية، كما أفاد متظاهرون آخرون بوجود قناص على مطلع كوبرى أكتوبر أطلق النار على المتظاهرين وقوات الشرطة العسكرية، ويؤيد ذلك إطلاق النار على المظاهرة السلمية مرتين أثناء مسيرتها من شبرا حتى ماسبيرو، ويعد التليفزيون المصرى متهما رئيسيا فى الأحداث، وأدانه التقرير بتهمة التحريض والاستعداء ضد المواطنين المسيحيين.

■ إلى أى مدى تعاونت الجهات المختلفة معكم فى التحقيق؟

- كان التعاون وتوفير المعلومات محدوداً، بحيث أصبح الاختيار إما الحصول على المعلومات من أسر الشهداء والمصابين وهو الطريق الصعب، أو الاعتذار عن عدم تقديم تقرير جاد، واخترنا الطريق الصعب، واعتمدنا على تعاون الشهود وأسر الشهداء وائتلافات الشباب.

----------------
نشر هذا الحوار في المصري اليوم بتاريخ 2/12/2011

http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=319422

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المتابعون