عائشة راتب



وزيرة الشؤون الاجتماعية السابقة التى عارضت السادات وقدمت استقالتها
توجه رسائل إلى المسؤولين عبر «المصرى اليوم»:
عائشة راتب لـ «الرئيس مبارك»: «شرم الشيخ» ليست عاصمة مصر .. وبقاؤك فيها يضع «حاجزاً» بينك وبين الشعب
----------------------------------------------------------
حوار رانـيا بـدوى ٣٠/ ٦/ ٢٠١٠
---------------------------------------------------------

«كنت سفيرة مصر فى كوبنهاجن عندما طلبنى الرئيس السادات للحضور إلى مصر لمقابلته وقال لى: (أنا أرسلت لك يا دكتورة عائشة لأننى أعرف صراحتك المطلقة وأود أن أعرض عليك أمراً ما لمعرفة رأيك)، فأجبته: تفضل ياريس وسأجيبك بصراحة، فقال لى: (أفكر فى ترك رئاسة الجمهورية على أن أكون منظر الحزب الوطنى، أى فيلسوف النظام)، فقلت له إننى كنت بالأمس ألبى دعوة عشاء أقامه لنا رئيس مجلس النواب الدنماركى فى حضور الدكتور صوفى أبوطالب، وأخبرنا رئيس المجلس أنه ذهب لملكة الدنمارك وأبلغها بعدم ترشيحه لنفسه فى الانتخابات المقبلة، وعندما سأل الدكتور صوفى أبوطالب عن السبب، أجابه رئيس العلاقات الخارجية بالمجلس الدنماركى قائلاً: (لأننا فى بلدنا نحب أن يتساءل الناس لماذا تركنا المنصب بدلاً من أن يتساءلوا متى نترك المنصب)».

هذا أحد المواقف التى ذكرتها الدكتورة عائشة راتب، أستاذ القانون الدولى بكلية الحقوق جامعة القاهرة ووزيرة التأمينات والشؤون الاجتماعية فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات، خلال حوارها معنا قبل أن تكمل: «فهم السادات ماذا أقصد وقال لى: (إنتى شايفة كده يا دكتورة)، فأجبته نعم وأنا أرى أن هذا أفضل.. فقال لى: (النبوى إسماعيل، وزير الداخلية، كان لسه عندى وأبلغنى أن نتيجة استفتاء الرئاسة ٩٩%)، فابتسمت قائلة: وإنت صدقت؟، فقال لى: (مفيش فايدة فيكى يا عائشة)».

وفى غمرة الانشغال بقضايا وأزمات مصرية لا تنتهى توجه الوزيرة المشهود لها بالإخلاص عدداً من الرسائل للمسؤولين فى الدولة عبر «المصرى اليوم».. ولأن سؤالى الأول كان عن أزمات المجتمع التى لا تكاد تهدأ إحداها حتى تعصف به أخرى، كانت إجابتها التلقائية: «المجتمع فى مصر للأسف الشديد فك».

■ لماذا تفكك المجتمع؟

- السبب يكمن فى الفساد المستشرى من ناحية وغياب المشروع القومى الذى يلتف حوله الشعب من ناحية أخرى، فهل يعقل أن يكون الشىء الوحيد الذى يلتف حوله الناس الآن هو كرة القدم، ماعدا بعض التجمعات الفئوية.

■ ما رأيك فى أزمة قتيل الإسكندرية خالد سعيد وكيف تقرئين تداعياتها؟

- كنت أتمنى أن يجلس وزير الداخلية حبيب العادلى فى منزله ويترك التحقيق يسير وتتكشف الحقائق أمام الناس بلا أى ضغوط من أى جهة، فأنا أحترمه وأعرف أنه رجل شديد ويمسك البلد بيد من حديد، وإذا لزم منصبه أثناء التحقيقات «مش هيطلعوا نفسهم غلطانين»، يجب أن يبتعد عن منصبه ويجلس فى منزله لحين انتهاء التحقيقات.

■ هل لديك رسالة له؟

- أود أن أقول له إن المصريين «بيتبهدلوا» فى أقسام الشرطة لدرجة أن الناس تفضل ضياع حقها على دخول قسم البوليس، الأمن يجب أن يكون موجوداً لحماية الناس وحقوقهم وليس لحماية النظام، النظام سيُحمى إذا ما تمت حماية حقوق الناس.

■ وماذا عن أزمة القضاة والمحامين وأنت أستاذة فى كلية الحقوق جامعة القاهرة؟

- الطرفان أولادى ويعز علىّ أن أرى ما يحدث بينهم فهو شىء لا يصدقه عقل، والأزمة تعكس ماقلته فى البداية من أن المجتمع تفكك والفساد هو سبب هذه الأزمات، فشباب المحامين يهيأ لهم أن كل من دخل النيابة هم أصحاب الوسائط وليس من حصلوا على مجموع جيد فى كلية الحقوق، نظراً لتدخل الواسطة بالفعل فى تعيين البعض وعدم وجود عدالة ولا تكافؤ للفرص فى المجتمع، ورغم أن خريجى كلية الحقوق مطلوبون فى سوق العمل والأبواب أمامهم كثيرة مثل النيابة العامة، والنيابة الإدارية، وقضاء مجلس الدولة، والخارجية، وغيرها ولكن مع تفشى الواسطة والفساد أصبح هناك محامون يجلسون فى بيوتهم لا يجدون عملاً.

ورأيى أن الحكم على محاميَى طنطا كان قاسياً جداً، فحتى لو كان المحاميان هما البادئين بالاعتداء أتفهم وقتها لو حُكم عليهما بشهر أو شهرين مع وقف التنفيذ، لكن ليس خمس سنوات، ولا يجب أن يتعصب القاضى لبنى مهنته بل عليه أن يعامل الجميع سواسية، وأعتقد أن حل الأزمة فى منح الحصانة للمحامين.

■ هل ترين أن هناك عوامل مشتركة بين ما أحدثه قانون الانفتاح فى المجتمع المصرى فى عهد السادات وما أحدثته سياسة الخصخصة وبيع القطاع العام الآن؟

- ما يحدث الآن فى المجتمع المصرى من فساد اقتصادى بدأ فى عهد السادات مع قانون الانفتاح وهو القانون الذى اعترضت عليه لدرجة أن الوزارة تم تغييرها فى نفس اليوم ليأخذوا منى اللجنة التشريعية ويعطونى بدلا منها اللجنة الاجتماعية، كنت وقتها رئيسة اللجنة الوزارية التشريعية بحكم أنى أقدم وزيرة قانونية، وقدم لنا المشروع، وجاءنى مستشارو اللجنة، وقالوا لى إن القانون مخالف للدستور فقلت لهم إذن لن يصدر،

وفى اجتماع اللجنة رد أحد الوزراء قائلاً إن الدكتور عبدالعزيز حجازى يريد القانون، وكان أيامها نائبًا أول لرئيس الوزراء، فطلبت الدكتور عبدالعزيز حجازى وقلت له إن القانون غير دستورى، فقال إن سيادة الرئيس يريد القانون، فقلت «إن سيادة الرئيس يعلم أنه غير دستورى، وقل له على لسانى إنه غير دستورى، ضرورى لن يوافق»، فقاموا بإجراء تعديل وزارى وأصبح الدكتور عبدالعزيز حجازى رئيسًا للوزراء، وأقالونى من اللجنة التشريعية التى كانت ترفض القانون، وصدر القانون كما يريدون وجعلوا اللجنة التشريعية برئاسة وزير العدل وقرروا أن يكون وزير العدل هو رئيسها على الدوام، وعندما جاء وزير العدل بعد ذلك وافق على القانون.

وأنا أرى أن قانون الانفتاح غير فى التركيبة الاجتماعية للبلد، وأوجد طبقة جديدة فيما يشبه ما فعله الخديو إسماعيل حينما جاء بأقاربه وأعطاهم إقطاعيات كاملة يتحكمون بها، ظهرت هذه الإقطاعيات مرة ثانية فى عهد الرئيس السادات فقد أعطوا رجال الأعمال أراضى بملاليم باعوها للناس بآلاف، ولكن إقطاعيات العصر الحالى أخذت شكلاً مختلفاً فقد أعطوا رجال الأعمال مدناً كاملة بملاليم، وهى ظاهرة وضحت بقوة فى عهد مبارك، بل وصلت الجرأة لحد شراء وزراء جزراً كاملة فى النيل، ثم استطردت مبدية دهشتها: يُقال إن أحد الوزراء، اشترى ٢٥٠ فداناً فى النيل.. ليه؟ هيه مصر سايبة؟ دا ناقص يرفع عليها علم ويعلنها دولة مستقلة.

■ كيف تقرئين تدخل الرئيس مبارك لإلغاء صفقة «جزيرة آمون»؟

- على ما يبدو أن الرئيس مبارك بدأ يتنبه أخيراً للفساد الذى يحدث فى البلد وعليه أن يتحرك بحسم وسرعة أكثر.

■ وماذا عن الخصخصة؟

- الخصخصة تمت «سداح مداح»، باعوا القطاع العام وملكوه للقطاع الخاص وبلا رقابة وأخرجوا العمال على المعاش المبكر فزادت نسب البطالة، وزادت الأسعار فازداد الفقر وتضاعفت المعاناة وللأسف سياسة كل من الدكتور محمود محيى الدين والدكتور يوسف بطرس غالى خاطئة، والسياسة الاقتصادية فى مصر سيئة رغم كل ما يقال عن نسب التنمية فالمقياس هو حالة الناس فى الشارع.

■ قدمت استقالتك فى أحداث ١٨و١٩ يناير ١٩٧٧ بعد خلافك مع الرئيس السادات حول الانتفاضة الشعبية التى سماها «انتفاضة حرامية» عقب ارتفاع الأسعار آنذاك، فكيف تقرئين الاحتجاجات العمالية فى الوقت الحالى؟

- توجد هوة كبيرة وانفصال شديد بين من هم فوق ومن هم تحت فى مصر.. هناك أناس فاعلون فى هذا البلد وآخرون مفعول بهم، ولا أتصور كيف يقف عمال غلابة لأسابيع على الرصيف دون أن يعبأ بهم أحد لا نائب ولا وزير، والسؤال الأهم كيف للدكتور فتحى سرور، وهو رجل قامة وقيمة قانونية وأحترمه كثيراً، أن يصمت إزاء هذا الوضع ويقبله.

عند استقالتى عام ‏١٩٧٧‏ بعد انتفاضة ‏١٨ و١٩‏ يناير قلت فى اجتماع مجلس الوزراء إنه ليس من العدل أن يشرب الوزراء السيجار ويعيشون فى هذا الرغد والشعب محتاج، وعارضت الرئيس السادات وقلت إنها انتفاضة جوع وليست انتفاضة حرامية كما قال‏، وقدمت استقالتى فى هذا الموقف اعتراضاً على زيادة الأسعار، وبعدها أمر الرئيس بإعادة الأسعار إلى وضعها الطبيعى وتم الضغط على الحكومة وتراجعت عن القرار، ولم يتعامل أحد مع الشعب بهذه اللامبالاة ولم يتركوا الناس ينامون على الأرصفة لأيام وأسابيع.

■ هل تتوقعين تكرار ما حدث فى يناير ٧٧؟

- ما يحدث هذه الأيام أفظع مما حدث فى يناير ٧٧، فالعمال أيام السادات لم يخلعوا ملابسهم ليقفوا عراة فى الشارع، وفى يناير ٧٧ الأمن لم يضرب العمال على وجوههم أمام كاميرات التليفزيون، ما يحدث الآن مقدمة لما هو أفظع من يناير ٧٧ ولكن من هم فوق لا يدركون خطورة ما يفعلون.

■ ثارت من جديد أزمة أموال التأمينات الاجتماعية فكيف تابعتها خاصة أنك كنت وزيرة للتأمينات والشؤون الاجتماعية فى عهد السادات؟

- الرئيس السادات- رحمه الله- أعطانى وزارة التأمينات والشؤون الاجتماعية، والواقع أن الارتباط بينهما مهم جدًا، لأن كل المآسى والمشاكل التى كنت أجدها فى الشؤون الاجتماعية عالجتها عن طريق المعاشات والتأمينات. وأنا لست راضية عن قيام وزير المالية يوسف بطرس غالى باللعب بأموال التأمينات فى البورصة، لأنها يوم فوق ويوم تحت، هذه أموال ناس فكيف يرتضى يوسف بطرس غالى أن يضيع حق أرامل وأطفال أيتام وناس غلابة.

■ كنت سفيرة لأربع سنوات فى عهد الرئيس مبارك فلماذا لم يتم تعيينك وزيرة أو حتى مستشارة قانونية فى عهد مبارك؟

- ضحكت قائلة: أنا مرضاش.. مع احترامى الكامل للرئيس مبارك. أنا استقلت فى عهد السادات فكيف لى أن أعمل فى عهد الرئيس مبارك، ثم إننى طول عمرى صاحبة رأى والكل يعلم ذلك، ولا أقول «نعم» إلا إذا كنت مقتنعة، وإذا لم أقتنع فسأقول «لا» بكل صراحة ووضوح، كما أننى ضد فكرة الوزير المنفذ فقط، بل عليه أن يشارك فى صنع السياسات، وأنا مع عمرو موسى عندما قال إن الوزير يجب أن يكون واضع سياسات وليس منفذاً فقط.. الناس تقول الآن إن أحمد نظيف هو مدير مكتب لا أكثر.. فهل هذا يجوز.. أن يكون رئيس وزراء مصر مدير مكتب.

■ كيف تتوقعين نتيجة انتخابات مجلس الشعب المقبلة؟

- انتخابات الشورى لم تكن مبشرة وأراها مجرد بروفة لما سيحدث فى انتخابات مجلس الشعب، قرأت عن دوائر نجح فيها مرشح الحزب الوطنى بـ٤٠٠ ألف صوت.. من هذا الذى لديه القدرة على الحصول على هذا الكم الضخم من الأصوات، ثم هل نزل ٤٠٠ مواطن فى دائرة واحدة أصلاً حتى يقولوا إن هناك من نجح بـ٤٠٠ ألف صوت.. ما يحدث مهزلة بكل المقاييس.

■ وماذا عن انتخابات الرئاسة ومحاولات الدكتور محمد البرادعى لخوض المنافسة؟

- إذا ما خاض كل من البرادعى ومبارك انتخابات الرئاسة فسأقرأ برنامج كل منهما وأقرر وقتها لمن أعطى صوتى.

■ وهل حدوث هذا السيناريو ممكن؟

- لا طبعاً.. البرادعى رجل محترم، ولكن الحزب الوطنى لن يمتثل لمطالب التغيير، وما يحدث نوع من العبث يعطى أملاً زائفاً للمصريين.

■ لننتقل إلى الشؤون الخارجية والدور المصرى فى المنطقة، وأنت أستاذة فى القانون الدولى.. نشهد الآن حماساً تركياً تجاه القضية الفلسطينية وقطاع غزة، ودوراً تركياً نشطاً انقسم حوله المحللون ما بين صدق النوايا واتهام تركيا بالمزايدة لأغراض أخرى، فما رأيك؟

- أن يكون هناك دور تركى فى المنطقة أفضل من وجود دور إسرائيلى فى المنطقة، والدور الإيرانى أحب إلى قلبى من الدور الإسرائيلى، لماذا الذعر من دور تركى أو إيرانى، تركيا بلد مسلم وأنا شديدة الفخر بأردوغان فهو رجل اتخذ من القرارات الصارمة مالم يتخذه الحكام العرب.

■ هل يحرج الدور التركى مصر؟

- لا يجب أن تكون هذه الأدوار بمنأى عن مصر، وعلى مصر أن تسعى بنفسها لذلك، وهذا لا يقلل منها على الإطلاق خاصة أن تركيا وإيران- وغيرهما تعلمان جيداً مكانة مصر ومدى تأثيرها.

■ ولكن علاقة مصر بإيران على سبيل المثال سيئة؟

- على حسب علمى أن الساسة الإيرانيين أرسلوا إلى مصر أكثر من مرة لإبداء المصالحة، ومصر رفضت وتحجج المسؤولون بفيلم مقتل فرعون وشارع قاتل السادات، وصدقينى لو أن الرئيس السادات نفسه كان حياً لكان رد فعله «اتركوهم هذا لعب عيال» رغم أنه شخصية متآمرة بطبعه، أنا أعرف السادات جيداً وما كان ليلتفت إلى هذه الصغائر، فيلم أو حتى اسم شارع ليست أسباباً كافية لقطع العلاقات مع دولة بازغة ومهمة فى المنطقة مثل إيران.

■ إذن ما هى الأسباب الحقيقية لخلاف مصر مع إيران؟

- الأسباب الحقيقية تكمن فى تنفيذ السياسة الأمريكية فى المنطقة، وعلى مصر والدول الحليفة تنفيذ هذه السياسة المتمثلة فى معاداة إيران.. أمريكا تريد موقع إيران على الخليج العربى وجنوب روسيا وجنوب الصين، وهو موقع ممتاز جغرافيا لأنها تريد الثروات الموجودة فى هذه المنطقة، ومنذ زمن وأنا أتساءل وآخرون لماذا «حشرت» أمريكا نفسها فى أفغانستان والآن فقط عرفنا السبب بعد الإعلان مؤخراً عن اكتشاف الأمريكيين لثروات معدنية هائلة فى أفغانستان تقدر بتريليون دولار، وبالطبع من غير المقنع أنه تم اكتشافها مؤخراً بل كانوا يعلمون بهذه الثروات من قبل عن طريق الأقمار الصناعية وهذا هو أحد الأسباب المهمة لاستمرار وجودهم فى أفغانستان، وإيران تعد بوابة جيدة لهذه المنطقة، وواشنطن تريد إسقاط النظام الحالى فى إيران بأى طريقة.

■ أليس من الأحرى بمصر أن ترتبط بعلاقات جيدة مع إيران واستخدام هذه العلاقة كـ«فزاعة» أو «كارت ضغط» على إسرائيل إذا ما تجاوزت الحدود؟

- مع وجود إسرائيل نووية فى المنطقة يجب أن تكون هناك إيران نووية، ولو أن مصر شاركت فى الحرب على إيران لمنعها من امتلاك السلاح النووى فكأنها تساعد إسرائيل ليكون لها اليد الطولى فى المنطقة.

أتمنى أن تمتلك إيران السلاح النووى فعلى الأقل سوف يحدث توازن فى المنطقة، ولو امتلكت إيران السلاح النووى لأمنا شر السلاح النووى الإسرائيلى، إيران لا تمثل تهديداً لمصر والحوار معها يجب أن يكون على رأس الأولويات.

■ كيف تفسرين توتر العلاقات المصرية مع بعض الدول العربية؟

- لا شك أننا انكفأنا على أنفسنا، ولكن السبب الحقيقى يكمن فى أن الولايات المتحدة الأمريكية بذلت كل الجهد الممكن لإبعاد مصر عن تزعم المنطقة العربية، فبعد مناداة عبد الناصر بالقومية العربية وانتصار السادات فى ٧٣ شعر اليمين الصهيونى فى أمريكا بالقلق على إسرائيل ووجدت الولايات المتحدة أن أمان إسرائيل يكمن فى تفتيت الوحدة العربية، وإبعاد مصر عن زعامة المنطقة وإيجاد الخلافات بينها وبين الدول العربية..

حتى الدول التى تربطها بمصر علاقات جيدة مثل السعودية ولبنان فهى الدول التى يسمونها الدول المعتدلة أى الدول التى تسير وفق السياسات الأمريكية، فى حين أن الحلف الآخر يسمونهم الدول المارقة، وليس فخراً لمصر أن تكون من الدول المعتدلة، وأنا مع المروق على السياسات الأمريكية والإسرائيلية للحفاظ على السيادة الوطنية.

■ أليست كامب ديفيد هى التى أبعدت مصر عن العرب وكانت بداية التنازلات؟

- «ليست غلطة الاتفاقية.. محدش قالنا نخضع» وفى أيدينا أن نحافظ على علاقتنا بالعرب وعلى كرامتنا، لكن نحن اخترنا أن نقدم مصلحة إسرائيل على مصالحنا وطبعا حرصاً على العلاقة بأمريكا، ولا تصدقى من يقول إننا أصحاب قرارنا ولا قرار لأحد علينا.. هذا غير صحيح بالمرة.

■ وما سبب هذا الانصياع لأمريكا فى رأيك؟

- لأنها تسند النظام الحالى.

■ أمريكا تدعم النظام الحالى؟

- طبعا وليس من مصلحتها أن يقع، بدليل أنهم كانوا يتحدثون عن الديمقراطية فى البداية وتراجعوا الآن لأنهم وجدوا أن النظام الحالى أفضل النظم بالنسبة لهم.

■ كان لديك موقف رافض لمبادرة السلام والصلح مع إسرائيل؟

- فى البداية اعترضت بالفعل وبشدة وعبرت عن هذا الرفض للرئيس السادات حتى إننى قلت له لفظاً لا أستطيع ذكره مرة ثانية، ورغم قسوته فقد تقبله الرئيس منى، صحيح أن المبادرة قسمت المجتمع العربى وقتها وأعطت إسرائيل حرية العربدة فى المنطقة العربية، وهذا ما توقعناه، لكن الآن حينما أفكر فى الأمر أجد أنه كان من الممكن أن نظل حتى الآن نطالب بسيناء مثلما يطالب الفلسطينيون بالضفة الغربية. لذا أشعر أن السادات كان نظره أبعد منا جميعاً وشعر أن ذلك سيحدث، وأعتقد أن أغلب الدول العربية التى كانت رافضة للجلوس مع مصر أثناء التفاوض تقول الآن الله يرحمك يا سادات.

■ ننتقل من قضايا الشرق الأوسط إلى العلاقة بالقارة الأفريقية.. كيف تقرئين أزمة دول حوض النيل مع مصر؟

- نحن السبب فى هذه الأزمة، كل المسؤولين المصريين إذا ما لاح لهم فى الأفق مؤتمر فى أوروبا أو أمريكا يهرولون على الفور لحضوره، مصطحبين زوجاتهم «هو يحضر المؤتمر والمدام تعمل شوبنج ويتفسحوا»، أما إذا قلت لهم يوجد مؤتمر فى دولة أفريقية لا يذهبون لأن «الجو حر»، ومثلما ينظر الغرب لنا نظرة عنصرية فنحن ننظر لأفريقيا نفس النظرة حتى تسببنا فى ضياع العلاقات، والحل فى أن «الرئيس ياخد بعضه وينزل على تحت شوية» مثلما يجرى جولات فى باريس ولندن وألمانيا، عليه أن يذهب فى جولة أفريقية يحسن بها العلاقات ويلملم الشتات ويصلح ما تبقى.

■ إذا أتيحت لك الفرصة لإرسال رسالة إلى الرئيس مبارك فماذا تقولين له؟

- سأقول له إن شرم الشيخ ليست عاصمة مصر، وبقاءه هناك لفترات طويلة يجعل بينه وبين الشعب حاجزاً كبيراً، إضافة إلى تكبيد الدولة مصاريف كثيرة الشعب أولى بها، فكل وزير يريد مقابلة الرئيس «يأخذ طيارة رايح وطيارة جاى وكله من مال الشعب»، وسأقول له إن مكوثك بالقاهرة سيجعلك تشعر بأزمة المرور الطاحنة التى نعيشها لعلك تأمر بحلها.
-------------------------------------------------
نشرت في المصري اليوم بتاريخ 30/6/2010
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=260743

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المتابعون