رسالة الدكتورة عائشة راتب إلى السيد الرئيس



بقلم د. حسن نافعة - المصري اليوم-١/ ٧/ ٢٠١٠
------------------------------------------
فى نهاية حوار مع الدكتورة عائشة راتب، نشرته صحيفة «المصرى اليوم» فى عددها الصادر أمس، وجهت لها رانيا بدوى سؤالا صاغته على النحو التالى: إذا أتيحت لك الفرصة لإرسال رسالة إلى الرئيس مبارك، فماذا تقولين له؟ وأجابت أستاذة القانون الدولى والوزيرة السابقة للشؤون الاجتماعية: «سأقول له إن شرم الشيخ ليست عاصمة مصر، وبقاءه هناك لفترات طويلة يجعل بينه وبين الشعب حاجزا كبيرا، إضافة إلى تكبيد الدولة مصاريف كثيرة الشعب أولى بها. فكل وزير يريد أن يقابل الرئيس يأخذ طيارة رايح وطيارة جاى، وكله من مال الشعب. وسأقول له إن مكانك بالقاهرة سيجعلك تشعر بالأزمة الطاحنة التى نعيشها لعلك تأمر بحلها».

أود بداية توجيه تحية حارة لأستاذتنا الفاضلة على حُسْن اختيارها لرسالتها، وهو اختيار يعكس شجاعة وجرأة اعتدناهما من شخصية عُرفت باعتزازها بنفسها، كما يعكس حسا وطنيا رفيعا ينم عن إدراك عميق للمسؤولية فى مرحلة لم يعد الصمت فيها ممكنا. فحين توجه شخصية عامة عُرفت برصانتها واعتدالها انتقادا مباشرا للرئيس بسبب بقائه لفترات طويلة بعيدا عن العاصمة، يتوجب علينا أن نتوقف مليا عند دلالاته. ورغم اتفاقى مع مضمونه وما يحمله من دلالات، إلا أننى أختلف بعض الشىء مع حيثياتها.

فقد بررت الدكتورة عائشة موقفها الرافض لابتعاد الرئيس عن العاصمة بما قد يسببه من عبء مالى لا مبرر له، ومن احتمال فقدان الرئيس حساسيته تجاه أزمات العاصمة وفى مقدمتها أزمة المرور. وبينما تبدو الحجة الأولى وجيهة، تبدو الحجة الثانية مبالغة فى مثاليتها لأن الرئيس لا يقابل فى طريقه أبدا إشارات مرور حمراء، ويتحرك فى شوارع خالية تماما حتى لو بقيت المدينة كلها محاصرة لساعات طويلة بسبب مرور موكبه. لذا يفضل القاهريون، خصوصا إذا ظلت العوامل الأخرى على حالها دون تغيير، بقاء الرئيس بعيدا عن عاصمتهم.

كنت أود لو أن الدكتورة عائشة ناقشت هذه القضية بالغة الأهمية من زوايا أخرى، كزاوية صلاحيات الرئيس أو حقه فى التصرف على هذا النحو. فمن حيث المبدأ لا يجوز للسلطة التنفيذية، ناهيك عن رأسها، أن تتخذ من غير عاصمة دولتها مقرا دائما أو شبه دائم لها إلا فى حالات الضرورة القصوى.

صحيح أن اكتظاظ بعض العواصم يدفع أحيانا بعض الدول إلى إنشاء «عواصم إدارية» بعيدا عن «العواصم السكنية»، لكن لم يحدث قط أن اتخذ رئيس دولة فى أى بلد فى العالم غير مصر من مدينة أخرى غير العاصمة، السكنية أو الإدارية، مقرا دائما أو شبه دائم له، فما بالك إذا كان المقر المختار منتجعا سياحيا!. والسؤال: هل توجد ضرورة صحية مثلا تستوجب هذا الأمر؟

وإذا كانت هناك ضرورة صحية، ألا توجد حلول أخرى لمعالجة الوضع الصحى للرئيس غير الإقامة فى منتجع سياحى؟ وما هى التكلفة الفعلية التى تتكبدها مصر بسبب ذلك؟ ولا أقصد هنا التكلفة المادية فقط، وهى عنصر مهم طبعا،

ولكن التكلفة السياسية التى قد تنجم عن تدهور صورة النظام المصرى، أو عن أعطال العمل التى قد تترتب على وجود الرئيس بعيدا عن العاصمة لفترات طويلة، أو عن اضطرار الرئيس إلى تفويض غير دستورى لبعض سلطاته وصلاحياته. بل أليس فى إقامة الرئيس شبه الدائمة فى منتجع سياحى استهانة بشعبه؟

تلك قضية تحتاج إلى نقاش عام، ولأن للدكتورة عائشة راتب فضل السبق فى إثارتها على هذا النحو، فهى تستحق منا جميعا أن نوجه لها الشكر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المتابعون