عدلي حسين



محافظ القليوبية فى أول حوار له بعد تقدمه بالاستقالة
الجو العام بعد الثورة يحتاج إلى وجوه جديدة
--------------------------------------------
أجرت الحوار رانيا بدوى ٣/ ٣/ ٢٠١١
--------------------------------------------

تقدم المستشار عدلى حسين باستقالته من منصبه كمحافظ للقليوبية منذ ثلاثة أيام إلى مجلس الوزراء، مفسحا مقعده لوجه جديد - على حد قوله - تماشيا مع روح يناير، لكن الرد على طلبه وصل فى وقت متأخر بالأمس، بعدما اتصل به رئيس الوزراء أحمد شفيق يبلغه برفض الاستقالة وتكليفه بالاستمرار فى منصبه، لذا التقينا المستشار عدلى حسين ليس فقط لمعرفة أسباب الاستقالة وإنما للوقوف على وجهة نظره فى الأحداث السياسية الراهنة،

باعتباره أحد رموز السلك القضائى المشهود لهم بالكفاءة، ولأنه كان دائما من المحافظين المشهود لهم بالجرأة السياسية، فكثيرا ما انتقد الوضع السياسى فى ظل حكم مبارك، وفى حوار سابق معه أعلن رفضه الحكم المركزى، وطالب بتغيير قانون الحكم المحلى، وكان المحافظ الوحيد الذى أعلن رفضه للتوريث بشكل غير مباشر، عندما أصدر قراراً حاسماً بمنع نشر وتعليق ملصقات تأييد جمال مبارك فى جميع أنحاء محافظة القليوبية.

عدلى حسين فى هذا الحوار يؤكد أن الحل فى النظام الرئاسى، وأن الدستور لم يسقط إنما عطل لإجراء التعديلات عليه.. وبالتالى تسقط المطالبة بانتخابات رئاسية قبل البرلمانية.. وأشار إلى أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة اختار العمل بالشرعية الدستورية وليس الشرعية الثورية وتحدث عن تفاصيل أخرى شديدة الأهمية فى هذا الحوار:

■ كيف تم إبلاغك برفض اسقالتك؟

- تقدمت باستقالتى مكتوبة لرئيس الوزراء الدكتور أحمد شفيق منذ ثلاثة أيام، وفوجئت أمس الأول باتصال هاتفى منه يبلغنى برفض الاستقالة، وكلفنى بالاستمرار فى منصبى، وفى أداء المهام المنوطة بى. فلم أجد أمامى إلا الاستجابه فهو تكليف دولة، للعبور بمصر إلى بر الأمان فى المرحلة الحرجة، التى تمر بها الآن.

■ وما السبب وراء الاستقالة من الأساس؟

- شعرت بأن الجو العام فى مصر بعد ثورة ٢٥ يناير يحتاج إلى وجوه جديدة قد تؤدى المهمة بصورة أفضل، وقد يكون تعاملها مع الجمهور بصورة ترضيهم. فمعظم الناس على اختلاف طبقاتهم وطوائفهم لهم مطالب قد لا يحققها المسؤول الحالى، لالتزامه بقواعد وسياسات من الصعب أن تتغير ١٨٠ درجة.

■ ولكن المسؤول الجديد أيضا ربما لن يستطيع التغيير ١٠٠% دفعة واحدة والدليل أنه لم تظهر نتائج تغيير بعض الوزراء حتى الآن؟

- هنا سنكون على الأقل أرضينا الجمهور بتغيير الوجوه، ولعله وقتها يتأكد أن المسألة ليست فى تغيير الأفراد، لأن إصلاح البلد لن يأتى فجأة، فهناك حالة محمومة بالطلبات لدى الجماهير لن يستطيع أحد تلبيتها بشكل آن.

■ قيل إن هذه الخطوة كانت استجابة لمظاهرات داخل المحافظة طالبت باستقالتك ؟

- المظاهرات قائمة منذ ٢٥ يناير حتى الآن، ليس ضد عدلى حسين وحسب، بل جابت جميع أنحاء الجمهورية، وطالت جميع المحافظين والوزراء، وقرار تقديم استقالتى لا يتعلق بالمظاهرات إطلاقا، بل بعموم الحالة فى مصر.

■ الشارع المصرى رفع سقف طموحاته وباتت الطلبات كثيرة بداية من الطلبات المعيشية وصولا إلى المطالبات السياسية فكيف تحلل المشهد؟

- خليط بين الاندفاع والانفعال، وبالنسبة للمطالبات المعيشية هناك طلبات مشروعة وأخرى غير مشروعة، البعض لهم حق فعلا وآخرون يستغلون الوضع للحصول على أى استثناءات.

أما عن المطالبات السياسية فهى مشروعة، ولكن بعضها يحتاج إلى الوقت فى التنفيذ، والأمر هنا يعود إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى يدير البلاد فى وضع هذه المطالبات فى الميزان لتقدير الأولويات.

■ هل دولاب العمل قائم كما هو فى المحافظات أم أن الجميع فى حالة ترقب؟

- بالنسبة لمحافظة القليوبية العمل مستمر فى المشروعات التى بدأت بالفعل، ولم نتوقف عن تلبية الخدمات، ولكن آمل أن يتفهم أصحاب المطالب والاحتياجات أن مطالبهم لن تتحقق بين ليلة وضحاها، فهناك التزامات مالية يجب تدبيرها، فمثلا من يريدون التثبيت أو الحوافز هذه قرارات تحتاج إلى اعتمادات مالية يأتى جزء منها من المحليات وجزء آخر من الحكومة المركزية، وكل ما أرجوه من الناس أن يتفهموا أن الأمر ليس بيد المحافظ، ولا حتى وزير المالية، ولكن علينا أن نعمل على أن يثق المواطن فى أن حقة سيصله وفى موعد محدد، ولكن أغلب الناس يرفعون شعار، «إذا لم تحصل حالا فلن تحصل مآلا».

■ ما رأيك فى المشهد السياسى الآن فى مصر؟

- أولا لم يكن لأحد أن يتصور أن التغيير سيجرى بهذه السرعة ولا بهذه الكيفية، ولا شك أن ثورة يناير نقلت البلاد نقلة نوعية ستظهر نتائجها فى المستقبل، أما عما بعد ثورة يناير فأرى حالة من الغموض وعدم وضوح للرؤية بشأن الوضع السياسى من تعديلات دستورية والترتيب لانتخابات برلمانية ورئاسية، فى ظل غياب للأحزاب إلى آخره.

■ لنتحدث عن الأمور بشكل تفصيلى.. هل لديك ملاحظات على التعديلات الدستورية؟

- رغم أن الأمر انتهى.. فإننى كنت أتمنى أن تكون مدة الرئاسة ٥ سنوات للفترة الواحدة، لأن مدة الأربع سنوات قليلة إلى حد ما، هذا إذا ما وضعنا فى الاعتبار أن هناك عاماً يضيع فى دراسة شؤون البلاد والأسس التى سيسير عليها رئيس الجمهورية، وهناك عام آخر سيضيع فى نهاية المدة للترتيب للانتخابات الجديدة، وهذا أمر متعارف عليه فى العالم كله .

■ هل لديك أى ملاحظات على شروط الترشح للرئاسة ؟

- لدى اعتراض على تحديد الحصول على شرط موافقة ٣٠ ألف مواطن فقط من جميع الجمهورية فى حالة ترشح غير الحزبيين، وأراها نسبة بسيطة للغاية وكنت أتمنى ألا تقل عن ١٠٠ ألف فى مجتمع تعداده ٨٥ مليون مواطن.

■ ربما بهدف التبسيط.. خاصة أن تعقيدات المادة ٧٦ كانت فى الأذهان؟

- من يرشح نفسه لرئاسة الجمهورية إذا لم تكن له أرضية فى حدود ١٠٠ ألف على الأقل كيف يتصور أن تكون له أغلبية فى الانتخابات، كما أننى معترض على أن تختص المحكمة الدستورية العليا بالنظر فى طعون الأعضاء، لأن الطعون الفردية قانونية وليست دستورية، وكان من الأصوب ترك هذا الأمر لمحكمة النقض لتصدر فيها أحكاما ملزمة وليس تقارير استشارية كما هو الحال الآن، فضلا عن اعتبار عملى آخر وهو قلة أعضاء المحكمة الدستورية العليا التى لن تسمح بالفصل فى الطعون الكثيرة التى لا تقدم عادة إلا بعد انتهاء مدة المجلس، وهو ما لا يحقق الغرض من التعديل.

■ وهل أنت مع التشدد الخاص بالجنسية المزدوجة والزوجة الأجنبية، خاصة أن البعض ينادى باستثناء الزوجة العربية وعدم اعتبارها أجنبية؟

- أنا مع هذا التشدد. فى ضوء ما صدر عن المحكمة الدستورية العليا من أحكام قاطعة الدلالة بشأن الجنسيات المزدوجة، لأعضاء البرلمان وضرورة نقاء المصرية بالنسبة للقائمين على السلطة التشريعية، فما بالك برئيس الجمهورية.

■ ما رأيك فى إشكالية النظامين البرلمانى والرئاسى وأيهما الأنسب لحكم مصر فى الفترة القادمة؟

- مصر تحتاج إلى خليط بين النظام البرلمانى والرئاسى، والمثال الواضح هنا هو النظام الفرنسى الذى يتضمن سلطات رئيسية للرئيس، مع رقابة صارمة من البرلمان، ولعل هذا النظام هو الأكثر ملاءمة للطبيعة المصرية فى الظرف الراهن.

■ باعتبارك قاضياً فى الأساس كيف تقرأ آليات محاكمة الفساد الحالية وما رأيك فى المطالبة بمحاكمات سياسية تسير بالتزامن مع المحاكمات الجنائية؟

محاكمة الفاسدين أمر مفروغ منه ولا جدال فيه أيا كان مرتكب الجريمة، وهذا من المبادئ الأساسية لنظام الحكم الرشيد، الذى طالما طالبت به ليس من الآن ولكن منذ سنوات طويلة، كان آخرها أيام ما قبل الثورة عندما دعيت من قبل السفير السعودى فى مصر لحضور ندوة، وتحدثت عن الحكم الرشيد الذى يبنى على ركائز ثلاث وهى الديمقراطية، التى لم تكن موجودة لدينا بسبب سيطرة الحزب الوطنى وضعف باقى الأحزاب، والشفافية التى تسبب غيابها فيما آلت اليه البلاد، والمساءلة التى غابت عن أناس بأعينهم وحالات بعينها.. والنتيجة ما نشاهده جميعا الآن.

■ وماذا عن المحاكمات السياسية؟

- المحاكمة الجنائية تقتضى أن يرتكب الشخص جريمة محددة لها عقوبة جنائية فى القانون، على أن يتوافر للمتهم جميع حقوقه القانونية من محام ومحاكمة عادلة أمام قاضيه الطبيعى، وله حق الطعن إلى آخره، أما المحاكمة السياسية فلها شأن آخر، وتكون فى البرلمان لأنه هو الذى يسائل الشخصيات العامة والوزراء.

■ ومع عدم وجود برلمان هل من الممكن إقامة محاكم سياسية؟

- أخشى هذا الصنف من المحاكم التى عانينا منها من قبل مثل «محكمة الثورة ومحكمة الشعب» لأنها تدخلنا فيما يسمى محاكم خاصة، وكان يعاب على المادة ١٧٩ التى تم إلغاؤها أنها تتيح لرئيس الجمهورية أن يحيل أى متهم إلى محاكم خاصة، وهذا مخيف للغاية، لذا أرى أن الجهة المنوط بها الرقابة والمساءلة فى حالة الانحراف السياسى هى البرلمان من خلال لجانه، ولن يتحقق ذلك إلا ببرلمان منتخب انتخاباً سليماً وقوياً ونزيهاً وفى هذه الحالة نضمن محاكمة سياسية سليمة.

■ هناك تيار قوى على رأسه السيد عمرو موسى ينادى بانتخاب الرئيس أولا قبل الانتخابات البرلمانية؟

- إذا افترضنا ذلك فأمام من سيحلف الرئيس الجديد اليمين، ليكن أمام المجلس الأعلى للقوات المسلحة أو المحكمة الدستورية العليا. هذا غير دستورى.

■ وماذا عن الشرعية الثورية؟

- الدستور الحالى عطل ولم يلغ، وسوف يعاد إلى الحياة بعد إقرار التعديلات التى ستشمله فور الاستفتاء عليها وسيعاد العمل به، وبالتالى لم يسقط حتى يتم اعتماد الشرعية الثورية، وهذا جدل فقهى وسياسى لا أريد الدخول فيه، لكن دعينا نتحدث عن الواقع القائم بالفعل، والذى يقول بأن المجلس الأعلى للقوات المسلحة كان أمام طريقين إما أن يعتمد الشرعية الثورية ووقتها يسقط الدستور ويضع دستوراً مؤقتاً ويحل المجالس النيابية ويعلن الأحكام العرفية ويشكل مجلس ثورة، كما كان الحال فى ثورة ٢٣ يوليو، أو أن يعتمد الشرعية الدستورية ويعطل الدستور لحين إجراء التعديلات ثم يعاود العمل به، وتجرى الانتخابات ويسلم البلاد لقيادة مدنية منتخبة، والواقع يقول إن المجلس الأعلى اتبع المسلك الثانى.

■ هذا يعنى انتخاب برلمان على أساس نسبة الـ٥٠% عمال وفلاحين؟

- نعم.. علينا الالتزام بالدستور.. وعملا بالدستور فالانتخابات البرلمانية يجب أن تسبق الرئاسية.

■ لكن المدة ستطول إذ سنجرى انتخابات برلمانية ثم نحل البرلمان بعد عمل دستور جديد؟

- نحن نجرى أيضا تعديلات دستورية على دستور سنغيره فى المستقبل وفق ما تضمنته التعديلات الأخيرة.. ومع ذلك هذه ليست مدة طويلة فى حياة الشعوب، وعلينا الالتزام بالشرعية الدستورية لأنها هى القائمة حتى الآن.. وهذه المرحلة برمتها انتقالية.

■ البعض يتحفظ على إجراء انتخابات برلمانية الآن خوفا من سيطرة الإخوان على أغلبية المقاعد بعد إسقاط الحزب الوطنى؟

- الإخوان المسلمون هم القوة المنظمة الوحيدة الموجودة الآن على الساحة، وهم متواجدون بقوة ولا ينكرون ذلك، وأنا معك فى أن الحزب الوطنى لم يعد له وجود الآن، إضافة إلى ضعف الأحزاب الأخرى، لكن هذا لا يعنى خلو الساحة السياسية أمام الإخوان ففى تصورى أن هناك قوة العمال التى أظن أنها ستظهر قريبا، خاصة أنهم كانوا ركيزة الحزب الوطنى من قبل، كما أنهم منظمون بحكم نقاباتهم ولجانهم.

■ وهل يمكن أن تجرى الانتخابات فى غياب الأمن؟

- طالما اتفقنا على أن القضاه هم الذين سيشرفون على الانتخابات، فسيقتصر دور «الداخلية» على التأمين وفى وجود القوات المسلحة، وسيكون التصويت بالرقم القومى، وهذه ضمانات تكفى فى حد ذاتها لأن تكون الانتخابات نزيهة
-------------------
نشر في المصري اليوم تاريخ 3.3.3011
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=289393

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المتابعون