عمرو موسى



الأمين العام لجامعة الدول العربية يستكمل حواره مع «المصري اليوم»:
لست محسوباً على نظام «مبارك».. واختلفت معه بشأن العلاقة مع إسرائيل (٢-٢)
------------------------------------------------------
حوار مجدى الجلاد ورانيا بدوى ٢/ ٣/ ٢٠١١
----------------------------------------------------

رغم حرصه الشديد على عدم الخوض فى الحديث عن الماضى أو الأشخاص، استجاب لأسئلتنا الملحة، لمعرفة سر خلافه مع حسنى مبارك، الرئيس السابق، فقال إن العلاقة مع إسرائيل كانت أحد أوجه الخلاف: كيف تُدار، وما الذى يجب حسمه معهم وفق معاهدة السلام.

كان عمرو موسى قد أعلن فى الحلقة الأولى من حوارنا معه، دون مواربة، نيته الترشح لمنصب رئيس الجمهورية، بل كشف لـ«المصرى اليوم» جزءاً من ملامح برنامجه الانتخابى، متحدثا عن رؤيته فى المعالجة السياسية والاقتصادية لأزماتنا الحالية، لكننا فى الجزء الثانى نواجهه برفض بعض الفئات له فى الداخل، وممانعة آخرين فى الخارج لترشحه، وكيف سيواجه من يحسبونه على نظام مبارك، ومن يرونه وجهاً من وجوه نظام يريدون نسيانه.. وإلى نص الحوار:

■ أعلنت نيتك الترشح لرئاسة الجمهورية، لكن البعض يرى أن ترشحك سيواجه بشدة من إسرائيل والغرب، وكذلك من التيار الدينى فى الداخل؟

- يجب القول إن ما يسمى بالتيار الدينى مكون من مواطنين مصريين، يهمهم أن تنطلق مصر إلى الأمام، لا أن تكبل وتقيد، وفى اللحظة الحساسة التى نمر بها الآن كلى ثقة أن أى مواطن مصرى يجب أن يكون حريصاً على اتخاذ القرار السليم بالنسبة للوطن ومن يقوده.

أما عن الغرب وإسرائيل فهم يعرفون سياستى جيداً، ويعرفون أيضاً أننى أرى المصلحة دائما فى السلام وليس الحرب، ومصلحتنا فى تحقيق العدالة، وموقفى معروف، وقرأت أن إسرائيل الآن تحاول المناورة مع بعض القوى السياسية لوقف ترشيح عمرو موسى، ولا أستبعد هذه المحاولات، لكننى فى الوقت ذاته أربأ بأى قوى سياسية وطنية أن تتعاون مع إسرائيل لمقاومة مرشح مصرى.

■ هناك أيضا تيار ثالث لا يمكن تجاهله وهو التيار غير المسيس، الذى يقول إنك محسوب فى النهاية على النظام السابق، إذ عملت وزيراً للخارجية فى عهد مبارك، وحتى بعد أن تركت الوزارة كان أكثر الداعمين لك فى رئاسة جامعة الدول العربية؟

- كلمة «محسوب على النظام السابق» غير دقيقة، ولا شك أننى كنت من أهل الخبرة العاملين فى الحكومة المصرية، إذ عملت سفيراً لمصر ووزيراً لخارجيتها، أعبر عن نبض شعبها، ولم أكن مجرد موظف، يؤمر فيطيع، بصرف النظر عن قناعاته، وأراقب تصاعد الهجوم ضدى، وأرى أنه من الطبيعى فى كل الأحوال ألا يوجد إجماع على أى مرشح، فعهد التأييد بنسبة ١٠٠% و٩٩% انتهى.

■ نُشر على موقع «يوتيوب» جزء من حديث لك قلت فيه إنك كنت ستصوت للرئيس مبارك، وإنك تعتبر جمال كفئاً ورجلاً لطيفاً، فماذا كنت تقصد؟

- السياق واضح، وهو أننا كنا نحكم بالمادة ٧٦ فى صيغتها السيئة القديمة، ومن ثم لم يكن متاحاً للترشيح فى إطارها إلا الرئيس وابنه، وقد فضلت الرئيس، وسبق أن قلت فى «المصرى اليوم» إن مصر بها رجال لن يسمحوا بهذا العبث المسمى بالتوريث.

■ هل تفكر فى تأسيس حزب سياسى؟

- لابد من حزب، لكن الوقت قصير والجهد سيكون مضاعفاً، لأن إنشاء الحزب ستأتى بعده مباشرة انتخابات الرئاسة، وكل ذلك فى وقت قصير، وربما يأتى وقت إنشائه فيما بعد، لكن ليس الآن.

■ هل يستطيع عالم أن يكون رئيس جمهورية؟

- أى شخص مؤهل لأن يدير الشؤون المصرية يستطيع القيام بمهام منصب الرئيس، لكن أعتقد أن هذا المنصب يحتاج إلى شخص سياسى، وللعالم دائما مكانه ومكانته.

■ وما المانع فى أن يكون رئيس الجمهورية عالماً ولديه فى الوقت نفسه مجلس استشارى تكنوقراط فى جميع المجالات؟

- لا مانع طبعا، وهنا يهمنى أن أقول إن الرئيس نفسه يجب أن يكون شخصاً مؤهلاً، وأن يدير سياسة بلده من منطلق الشعور بالمسؤولية الوطنية، وكل من يستطيع ذلك، بصرف النظر عن مهنته، يصلح للترشح.

■ ما علاقتك بالدكتور أحمد زويل والدكتور محمد البرادعى؟

- جيدة جدا على المستويين الشخصى والفكرى، ويربطنا حبل من الود والتقدير المتبادل.

■ هل يمكن أن تكون المعركة الانتخابية بين أناس بهذا الحجم؟

- يجب أن تكون بين أناس يرى فيهم الشعب مميزات وبرامج مهمة حتى يستطيع الاختيار، وحتى تصبح المعركة حقيقية.

■ هل كنت تشعر بمرارة أن هناك شخصيات عظيمة فى مصر ومع ذلك يظل جمال مبارك هو المرشح الأبرز؟

- طبعا، وقلت وقتها: «إذا لم يكن الرئيس مبارك هو المرشح، فسيكون لنا موقف آخر، والبلد فيها رجالة»، فحتى إن قبلنا آنذاك فكرة ترشيح مبارك رغم سنه، أو لأن المادة ٧٦ لا تسمح لأحد آخر بالترشح إلا ابنه، فالموقف كان مجرد تفضيل للأب على الابن، وطرح فكرة التوريث التى كرهها الجميع كان سبب التوتر الذى حدث طوال السنوات الأخيرة، ورأينا نتيجته فى ثورة يناير.

■ ما رأيك فى الرقابة الدولية على الانتخابات المقبلة؟

- لفظ «الرقابة» ربما يعطى انطباعات سيئة فى أذهان الناس، لكننا كجامعة عربية راقبنا وتابعنا الكثير من انتخابات الدول الأخرى، فأمريكا نفسها تدعو دول العالم للحضور ومراقبة انتخاباتها، وهذا الأمر ليس عيباً، وطرحنا فى مصر ثورة يناير على العالم فأعجب العالم بنا وبثورتنا، فلماذا نخاف من أن يشاهدوا انتخاباتنا ويتابعوها عن قرب كما تابعوا الثورة؟

■ ما اللحظة التى شعرت فيها بأن النظام سيسقط لا محالة؟

- بعد موقعة الجمل التى كان وراءها بعض رجال الأعمال والنواب الذين أتت بهم الانتخابات الأخيرة المزورة، فقد ظنوا أن من فى التحرير مجموعة شباب ينظمون مظاهرة، ولم يدركوا أن مصر كلها كانت ثائرة على الحكم وقادته.

■ متى كانت آخر مكالمة بينك وبين الرئيس مبارك؟

- قبل بيانه الأول، وتحدثت معه عن أن الوضع حقيقى وجدى وخطير للغاية، ويجب تفهم الشباب والحوار معهم بصفة عاجلة وتلقى رسائلهم باهتمام، وأجابنى بأنه سيكون هناك حوار بالفعل، ولم يحدث بيننا اتصال بعدها.

■ هل تتفق مع ما طرحه الأستاذ محمد حسنين هيكل من أن مصر تُحكم من شرم الشيخ حتى الآن؟

- لا أظن ذلك، لكن ربما لا تزال هناك بعض الاتصالات، وأعتقد أن المجلس العسكرى الأعلى لا يفرط فى مسؤولياته، وما أطالعه من قرارات بتجميد أرصدة الرئيس السابق وعائلته وإنزال صوره من الوزارات والمؤسسات يجعل من المستحيل عودته، فعقارب الساعة لا تعود إلى الوراء.

■ هل ترى ضرورة محاكمة الرئيس أم لا باعتباره أحد رموز نصر أكتوبر؟

- إذا كان هناك اتهام جدى فيجب التحقيق فيه فورا.

■ وماذا عن المحاكمة السياسية لرموز النظام السابق؟

- إذا دخلنا فى هذا الآن فلن نتفرغ للمستقبل، والمحاكمة يجب أن تكون عن اتهامات بعينها، أما المحاكمة السياسية فمرتبطة بالتاريخ أكثر من أى شىء آخر، ويجب الآن تأكيد التخلى عن السياسات السابقة، وما نتفق على أنه فاشل، وأحذر من تمزيق المجتمع المصرى فى عمليات انتقامية وشتائم وسباب متبادل، فهذه الثورة أخرجت أفضل ما فى المصرى، وأعتقد أنه لا مجال لإخراج أسوأ ما فينا فى ظل الحالة الإيجابية الموجودة حاليا، فنحن نتحدث عن مرحلة انتقالية وليست انتقامية، والعدالة يجب أن تأخذ مجراها فى كل الأحوال.

■ إذا لم تكن رئيسا للبلاد فهل لديك القدرة على أن تكون جزءاً من التحول الذى تعيشه مصر بالعمل مع رئيس آخر؟

- سأكون فى كل الأحوال جزءا من المسيرة الوطنية كمواطن مصرى عادى مهتم ببلده، وله أفكار ورؤية جديدة لإدارة مصر، ومن هذا المنطلق سأكون موجوداً ومستعداً على الدوام وبقدر ما تسمح به الظروف.

■ البعض طالب بانتخاب الرئيس ونائبه فى الوقت نفسه كما هو الحال فى الولايات المتحدة الأمريكية؟

- فكرة تستحق التفكير والدراسة فى مرحلة الانتقال هذه.

■ هل تثق فى محافظة القوى السياسية المصرية على الانتخابات لنخرج بشكل حضارى وسلمى أم ستحدث بها مهازل مثلما سبق قبل أشهر؟

- لا أعتقد أن المهازل التى حدثت فى الانتخابات السابقة ستتكرر، لكن إذا تدثر الكل بالرداء الوطنى وشعروا بالأزمة التى تمر بها مصر فسوف تُظهر الانتخابات أفضل ما فى المصريين.

■ هل تؤيد فكرة التصويت بالرقم القومى؟

- نعم، لأنها ستتيح للكل إعطاء صوته للمرشح الذى يريد، وإذا كان لدينا حوالى ٥٠ مليون ناخب حالياً فأعتقد أن ٩٠% منهم يرغبون فى التصويت، وسوف يكون هناك إقبال كبير على صناديق الاقتراع، وسيعطى ذلك الرئيس القادم الجديد والنظام كله شرعية كبيرة.

■ هل يمكن فعلا استعادة الأموال المنهوبة من مصر؟

- نعم، إذا اتبعنا الطرق القانونية، وهناك آليات دولية تمكننا من ذلك، ولن يضيع حق وراءه مطالب، على أن توضع فور استعادتها فى صندوق يخصص للتنمية ورفع مستوى الفقراء وتأهيل العشوائيات.

■ هل آن الأوان لمعرفة أبرز ملامح الخلاف بينك وبين الرئيس السابق؟

- لا أريد أن أخوض فى الحديث عن الماضى، ولا عن الأشخاص، وأرى أن تعبئة الناس للمستقبل هى الأهم فى هذه المرحلة، وعلى كل حال لم يكن الطريق سهلاً ولا ممهداً مع الرئيس مبارك فى كل محطاته.

■ كانت هناك خلافات فى وجهات النظر بينكما فيما يخص أداء وزارة الخارجية فى عهدك، فما هى؟

- وزارة الخارجية فى عهدى كانت تواجه سياسات سلبية من جانب إسرائيل بشأن السلام، ولم تكن الخارجية المصرية مستعدة للتلاعب بمصير القضية الفلسطينية لحساب أى جهة، وكنا نرى أن عملية السلام أصبحت مثل الساقية، لا تنتهى إلى نقطة محددة، وكانت وجهة نظرى أنه يجب أن نكون صريحين مع الإسرائيليين، ونتخذ مواقف حاسمة فى إطار معاهدة السلام، وفى بعض الأحيان كانت هناك تحركات ثنائية، لم أكن طرفا فيها، لاتخاذ مواقف معينة، وأمور تتم خارج إطار وزارة الخارجية، وفى قضايا لا يمكن أن تستكمل إلا بدور الوزارة وجهازها الدبلوماسى، ومن هنا كان دور الخارجية يعود على الدوام ليكون مؤثراً وفعالاً، وربما خلق ذلك نوعاً من عدم التوافق فيما يخص العلاقة مع إسرائيل.

موضوع آخر وهو الملف النووى الذى كان ضمن اختصاصات وزارة الخارجية من الألف إلى الياء، ويهدف إلى إنشاء برنامج نووى سلمى لإنتاج الطاقة، ومنطقة خالية من السلاح النووى ومحاصرة البرنامج النووى الإسرائيلى، فى نفس الوقت، وحدث نوع من الخلاف فى وجهات النظر، لأن جهات فى الرئاسة كانت متخوفة من هذا الأمر، وربما تحفظت عليه، لكن الأمر استقر الآن على إشراف وزارة الخارجية على الملف، ويدار بشكل جيد.

■ كيف ترى الدور الخارجى لمصر، وما مرت به خلال الثلاثين عاما الماضية، وما أسباب تراجعه، وكيف يمكن إصلاح الوضع؟

- لنكن أكثر دقة، فالسنوات الأخيرة فقط، وليس الثلاثين سنة الأخيرة، شهدت تراجعا فى عدد من الملفات على المستويين الداخلى والخارجى. ولا شك أن دورنا تراجع وظهرت دول أخرى مثل تركيا وإيران، وقد عرفت تركيا بسياستها اللينة والناعمة، وعرفت إيران باستخدامها الدبلوماسية الجافة، والاثنتان وجدتا لهما دورا فى المنطقة، وضعف إزاءهما دور مصر التاريخى، رغم أننا كنا نلعب الدور الرئيسى منذ عهد محمد على حتى السنوات الأخيرة، وهذا التراجع له أكثر من سبب، وأهم أسبابه عدم الرغبة فى استثارة قوى كبرى قد تكون حيوية لدعم طلبات أخرى، وهو ما أثر فى نفسية المصريين، بل العرب أيضاً.

■ هل تعتقد أنه ستكون هناك رغبة أجنبية فى انتقال ديمقراطى للسلطة فى مصر أم أن الديمقراطية ستأتى بنظام لا يرغبون فيه؟

- هناك سياسات خارجية تقوم على فرضية غبية جداً، وهى أن الأفضل لمصر والدول العربية أن تُحكم بنظم ديكتاتورية، فيسهل بمكالمة تليفونية التفاهم حول أمر ما، وهو ما أدى إلى تراجع الدور العربى، والالتفاف على المصالح العربية، وكان سبباً فى الغضب العربى الذى نرى صداه الآن، وتمضى الفرضية لتتساءل عما إذا كانت الدول العربية التى تحكم بالنظم الديمقراطية يمكن أن تكون سهلة فى التعامل، وردى أنها ستكون أكثر إيجابية فى رسم علاقة سوية لا تؤدى فى النهاية إلى اختلال التوازن والغضب والانفجار بكل تبعاته. هذا هو الوضع الصحيح والمتعارف عليه فى العالم كله، أى فى العلاقة بين الدول باستثناء العالم العربى، ولم يكن الوضع سيستقيم إلى الأبد بهذا الشكل، وعلى بعض أصدقائنا فى الغرب أن يعيدوا النظر فى مواقفهم وإدارتهم للعلاقات الاستراتيجية مع العرب، للحفاظ على هذه المصالح، وأن تكون الطلبات معقولة وتراعى فيها المصالح المشتركة وأن يستمعوا باهتمام إلى طلباتنا نحن أيضا.

■ كيف ترى شكل العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية فى المستقبل؟

- أراها أساسية ومهمة ويجب أبدا ألا نتعامل معها بخفة، لأنها تتطلب العقل والحنكة والسياسة الرصينة التى تمكنك من الوقوف إزاء الرغبة الأمريكية فى أمر ما، بالبناء على منطق الأمور والمصالح الوطنية وموقف الشعب، وبالذات حين يتعلق الوضع بأمور أساسية فى مجرى السياسة الأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط، هذه العلاقة يجب أن تدار بقدر كبير من الحذر والحنكة لأنها الدولة العظمى الرئيسية فى العالم، ونحن دولة متوسطة فى ميزان القوى، وتحسب قوتنا بحجم تأثيرنا فى المنطقة، وقدرتنا على توجيه الأمور فى المجالات الإقليمية وهذا يعطى مصر ثمناً مهما وفقدانه يفقدنا الكثير، لكن العنوان الرئيسى للعلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية هو أن تكون قوية وجيدة معها.

■ ما تصورك للوطن العربى بعد التغيرات التى تطرأ عليه الآن، وهل تعتبر جامعة الدول العربية مؤهلة للمرحلة المقبلة؟

- العالم العربى تغير ولا يمكن إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، والجامعة العربية كمنظمة إقليمية صيغة ضرورية بشرط أن تكتمل بسياسة الجوار العربى التى سبق أن طرحتها فى قمة سرت، وكانت مبادرة رسمية خاصة بإقامة منتدى يضم كل الحزام المحيط بالدول العربية.

■ بما فيه إسرائيل؟

- لا، هناك استثناءات منها إسرائيل طبعا، حتى يقوم السلام وتحل المشكلة الفلسطينية، أما بالنسبة لإيران فدعوت من قبل إلى حوار معها لأنها موجودة فى المنطقة وستظل كذلك، ويجب أن نجلس لحل مشكلة جزر الإمارات والوضع فى اليمن وغيرهما من الملفات، وقد أدهشنى كثيراً أن موضوع الملف النووى الإيرانى تعالجه دول تبعد عن إيران بحوالى ٥٠٠٠ ميل مثل البرازيل، وهناك دول أخرى مجاورة مثلنا يمكن أن يؤثر عليها هذا البرنامج ولا تتدخل، فلماذا؟ هنا لا أقصد لوم البرازيل، بل لابد أن أبدى إعجابى بدبلوماسيتها ونشاطها فى هذا الملف ومعها تركيا التى أحييها أيضاً.

■ هل تعتقد أنك ظُلمت بوجودك على رأس جامعة الدول العربية فى ظل ضعف العرب؟

- لم أشعر بذلك، وجُوبهت بصعوبات جمة، لكننى أود أن أعترف بأن السنوات العشر الماضية كانت من أمتع سنوات إدارتى للسياسة، فرغم هذه الصعوبات كنت أتجاهل أحيانا خلافاتهم، واستطعت أن أدير الجامعة بأسلوب مختلف طوال مدة رئاستى لها.

■ قلت إنك كنت تتجاهلهم أحيانا؟

- نعم، والقصد هو تجاهل الخلافات والمناورات والقفز فوقها بقدر ما تمكننى الظروف، وكنت أتحدث بدلا منهم أو بأسمائهم فى مواقف عديدة، لأننى كنت أحاول أن أفعل الصواب وكانوا يشيدون بالمواقف التى اتخذتها بعد ذلك.

■ مؤكد أن الأمين العام القادم سيكون أوفر حظاً منك بعد تغير العالم العربى؟

- أتمنى أن يكون أوفر حظاً بالفعل.

■ هل سيكون مصريا؟

- نعم.

■ الدكتور مفيد شهاب؟

- لا أعلم، لكنه المرشح حتى الآن.

■ هل سُئلت عن رأيك فيه؟

- ليس بشكل محدد.

■ هل تعتقد أن موقف الجامعة مما يحدث فى ليبيا كاف.. والأشقاء يُقصفون بالطائرات والدبابات؟

- الجامعة العربية اتخذت قرارات وإجراءات لم تحدث من قبل، بوقف أنشطة ليبيا فى إطار الجامعة، والجامعة ليس لديها جيوش لتتدخل، وفى نفس الوقت لا يمكن إقناع الدول العربية بالتدخل فى الظروف الحالية لأن كل الأنظمة العربية إما خائفة أو منشغلة، حتى المجتمع الدولى ومجلس الأمن لم يذهبا إلى أبعد من الإدانة، لكن الوضع الدموى فى ليبيا غير معقول، ولا مقبول، ولا أعتقد أن الأمور ستعود إلى ما كانت عليه فى ليبيا أبداً، والعلاقات الدولية والأمريكية والعربية معها سيكون من الصعب إدارتها وسط هذه الدماء، وفى أعقاب المعارك التى دارت ضد المدنيين والمواطنين العزل.

■ وماذا عن تهديد الولايات المتحدة بمحاصرة ليبيا عسكرياً عن طريق البحر؟

- مبتسماً: لم أسمع إلا عن فرقاطة فى البحر المتوسط، ولا أعرف بالضبط ما هو حجم هذه الفرقاطة.

■ أنت تعرف شخص العقيد القذافى، فهل توقعت أن يتصرف هكذا أم أدهشك تصرفه؟

- إذا صح ما سمعناه عن ضرب المدنيين بالطائرات والدبابات والأسلحة، فمن منا يمكن أن يقبل هذا، ولكن الشعب فى النهاية سينتصر، لأنه الأطول نفساً وعمراً، والتغيير القادم فى بلاد العرب لن يستثنى أحداً.

شاهد فيديو عمرو موسى: «مستعد لخوض انتخابات الرئاسة» على الرابط التالى: www.almasryalyoum.com/node/٣٣٤٤٤٩
http://www.almasryalyoum.com/multimedia/video
--------------------------------------------------------------

عمرو موسى : سأعلن برنامجى للرئاسة فى اللحظة المناسبة والرئيس القادم يجب أن يبقى لفترة رئاسية واحدة
----------------------------------------------
حوار مجدى الجلاد ورانيا بدوى ١/ ٣/ ٢٠١١
----------------------------------------------

بينما كان يلملم عمرو موسى أوراقه ويستعد لمغادرة مكتبه ومنصبه كأمين عام للجامعة
العربية، مطاردا بـ«حالة ترقب» لموقفه من الترشح لانتخابات الرئاسة التاريخية المقبلة، أجرينا معه هذا الحوار الذى قطع خلاله كثيراً من خيوط الشك.. باليقين.

لم يكتف عمرو موسى بالإعلان عن عزمه الترشح لانتخابات الرئاسة، بل ذهب إلى التأكيد على أنه يعكف حالياً – مع مجموعة من الخبراء – على وضع برنامجه الانتخابى تمهيداً للإعلان عنه فى الوقت المناسب، وتحدث فى العديد من القضايا الشائكة، من الاقتصاد والبحث العلمى، وحتى السياسة والضغوط الدولية، فإلى نص الحوار:

■ بداية، ما رأيك فى حالة الزخم التى خلفتها ثورة ٢٥ يناير؟

- ثورة ٢٥ يناير هى ثورة بكل معنى الكلمة، فريدة فى نوعها، كبيرة فى تأثيرها الوطنى والإقليمى. البعض منا تنبأ بالفعل بأن العالم العربى بشبابه، بل بكل مكوناته يعيش حالة إحباط شديدة، وهذا كان واضحاً فى مصر بصفة خاصة، فالخلل الذى حدث للمجتمع المصرى كان من شأنه أن يؤدى إلى انفجار ومواجهة ما.

حقيقة لم يتصور أحد أن تحدث ثورة بهذا الشكل الهائل وغير المسبوق وغير التقليدى، غير أنها ثورة بمعايير القرن الحادى والعشرين للتخلص من مخلفات القرن العشرين.

هذه الثورة أحدثت بالفعل، وحتى الآن، تغييراً ضخماً فى المفاهيم، وفى أسس الوعى السياسى المصرى، بالإضافة إلى ما يتوقع أن تسهم به من تغيير فى العالم العربى والشرق الأوسط على اتساعه فى المستقبل القريب.

هذه الثورة أطلقت ما يسمى «نظرية الدومينو»، وهنا لا يشترط أن تكون وسائل ونتائج التغيير واحدة، ولكنها فى النهاية ستؤدى إلى تغيير فى طريقة إدارة وحكم الدول العربية ومسارها السياسى، وهنا يجب أن نشيد بثورة تونس التى شكلت الشرارة التى فتحت طاقات كبيرة، وأطلقت زخما، قدر من جانبنا جميعا فى الوطن العربى، لكن تبقى الثورة المصرية ذات تأثيرات عميقة على المجتمع العربى ككل. صحيح أن ثورة ٢٥ يناير المصرية ليس لها رأس محدد، ولكن بالتأكيد لها قاعدة عريضة وهذا إلى حد كبير أهم من الرأس.

■ هناك تخوف شديد من اختطاف ثورة يناير من قبل قوى سياسية أو تيارات دينية، فهل تشعر بأن هذا الخوف فى محله؟

- أعتقد أن مصر بعد ٢٥ يناير لن تكون هى مصر قبل ٢٥ يناير مرة أخرى، وبالتالى مهما كانت المخاوف لدى البعض من احتمال اختطاف الثورة والعودة إلى المربع الأول أو الانحراف بها إلى مربعات أخرى، فإن القاعدة الواضحة هى أنه لا عودة إلى النظام السابق أو إلى الشكل السابق لحكم مصر، وأنه إذا أحسنا إدارة الأمور، وأكدنا الحركة نحو الديمقراطية والشفافية والحكم الدستورى والإصلاح الشامل فهذه الثورة سوف تكتسح فى طريقها كل المحاولات السلبية.

■ إذن تستبعد محاولات الاختطاف؟

- لا.. لا أستبعد محاولات الاختطاف - هذه هى السياسة – ولكن لا أخشى منها لأن الشعب هو الذى ثار وليس مجموعة منه، إنما الشعب كله خرج للمطالبة بالحرية والتغيير. الآن الفرصة أصبحت سانحة لتنطلق مصر الفتية مرة أخرى بعدما كانت مصر «العجوزة الكسولة والخاملة»، وهذا لن يختطف.

■ قيل إن الإخوان المسلمين هم أكثر المستفيدين من ثورة ٢٥ يناير والبداية كانت بتشكيل حزب سياسى؟

- من حق جميع القوى السياسية أن تكون لها أحزاب تنطق باسمها، وأن تطرح أفكارها والحلول التى تقترحها لمشاكل مصر حتى تكون موضع نقاش قومى. ومن حق الشعب أن يعلم ماذا تريد هذه المجموعة أو تلك وأن يقارن بين البرامج المطروحة ويقدر مدى فائدتها والإمكانيات الحقيقية التى تعتمد عليها، فالهدف الآن هو إطلاق مصر الحديثة، مصر الديمقراطية، والديمقراطية تعنى أن يكون لكل مواطن ولكل تيار فى مصر الفرصة لأن يعبر عن نفسه، وأن يكون الخط السياسى الذى تقره مصر نابعاً من نقاش وطنى ومؤسساً على توافق رأى تنتجه آليات الديمقراطية.

■ نظرا لتدمير الأحزاب السياسية المصرية طوال فترة النظام السابق، وسقوط الحزب الوطنى مؤخرا، بدا للبعض أن أى انتخابات برلمانية قادمة ستأتى بالإخوان، لأنهم الفصيل الوحيد الذى له وجود فى الشارع الآن؟

- أعتقد أن الحركة السياسية المصرية يجب أن تبدأ بانتخاب رئيس الجمهورية أولا وليس بالانتخابات البرلمانية، فالمجلس الأعلى للقوات المسلحة قام حتى الآن بخطوات جيدة مثل تعديل الدستور، وتهدئة الأحوال، والتغيير الواضح فى كبار المسؤولين. وربما يكون التغيير الأهم هو المتعلق بالدستور، والمقصود بالتعديلات الدستورية أن تمكن للمعركة البرلمانية والرئاسية أن تبدأ، وأرى أنه بعد انتهاء الفترة الانتقالية التى يديرها المجلس الأعلى للقوات المسلحة، تأتى الانتخابات الرئاسية على أساس الدستور الحالى بعد إدخال التعديلات اللازمة عليه، ويدير الرئيس العمل لصياغة دستور جديد بدءاً بدعوة مجموعة واسعة التمثيل من خبراء القانون الدستورى وممثلين عن شرائح المجتمع المصرى وممثلين لأبناء المهن المختلفة من المهندسين، الأطباء، والزراعيين، وأيضا العمال وغيرهم، وممثلى المرأة والشباب، بمعنى تمثيل المجتمع ككل فى وضع مشروع الدستور، ثم يدعو الرئيس بعد ذلك إلى جمعية تأسيسية منتخبة مكونة من ٢٠٠ أو ٢٥٠ عضوا لهم مواصفات معينة للنظر فى مشروع الدستور واعتماده، وإذا ما تم اعتماده يدعو الرئيس إلى انتخابات برلمانية فورا على هذا الأساس ووقتها ستكون انتخابات منطلقة ومؤسسة على أساس الدستور الجديد.

ويجب أن نراعى فى صياغة الدستور أننا فى القرن الحادى والعشرين، وأننا نريد دستورا يتماشى مع احتياجات المجتمع فى هذا العصر الذى نعيشه، ويفصل بين السلطات، ويحدد سلطات الرئيس ومجلس الوزراء والبرلمان، ويحدد فترات الرئاسة بفترتين، أرى أن تكون كل فترة خمس سنوات، بمعنى أن يتولى الرئيس إدارة البلاد لعقد من الزمان، وذلك حتى يمكن تقييم مدى التقدم والإنجاز عقداً وراء عقد. وفى هذا يهمنى أن أشير إلى أن الدستور ليس مجرد بنود أو مواد، كما أنه ليس مسألة صياغة فحسب، وإنما هو فى الأساس روح وتوجه يشكل إطار فكر المجتمع ويحدد أهدافه ويضبط حركته.

■ وهل يمكن أن تصبح رئيساً لمصر لعقد من الزمان؟

- الرئيس القادم لمصر، أيا كان من هو، يجب فى رأيى أن يكون رئيسا لفترة واحدة فقط، سواء اتفقنا على أن تكون خمس أو أربع أو ست سنوات، يقود فيها عملية الإصلاح والتعديل، ويضع البلد على طريق الاستقرار وإرساء الأمور، ثم نبدأ من ٢٠١٥ فصاعداً بتحديد فترة الرئاسة بمدتين.

■ ما الخطورة الأساسية التى تلتمسها من إجراء الانتخابات البرلمانية قبل الرئاسية؟

- لا توجد خطورة حقيقية، فالآراء مختلفة ولكنها ليست بالضرورة متصادمة، ورأيى هو إعطاء وقت كافٍ للأحزاب لأنها غير جاهزة، والديمقراطية والبرلمانات بصفة خاصة تتطلب أحزاباً جاهزة بدرجات متقاربة تتيح لها منافسة حقيقية، أى أن تتاح لهم الفرصة ليعملوا ويستقطبوا أصواتاً ومؤيدين ومرشحين للحصول على مقاعد فى البرلمان، إذا أعطوا المساحة الزمنية المعقولة والكافية للإعداد والاستعداد والفرصة سانحة لذلك الآن بعكس الماضى، وسيساعد على ذلك، من وجهة نظرى، وجود رئيس للبلاد، ووجود دستور دائم تستند إليه الحركة الانتخابية والبرامج التى سوف تقدم.

■ نحتاج إلى حسم موقفك الآن: هل ستخوض انتخابات الرئاسة أم لا؟

- أنا مستعد لترشيح نفسى للانتخابات، فهذا أراه واجباً ومسؤولية، ولما لا والمنصب شاغر، والمطالبات كثيرة من عدد كبير من الشباب وفئات المجتمع المختلفة، وأنا الآن أرتب برنامجى لأتمكن فى اللحظة المناسبة من طرح اسمى للترشح للانتخابات الرئاسية، فالباب مفتوح فى العهد الجديد للجميع للمشاركة، والعهد الجديد يبدأ بالتمكين وفتح الباب للمنافسة الحقيقية. تمكين كل من يصلح حتى يكون التنافس إيجابياً ودون تدخل أو تفضيل، وهذا هو التغيير الذى سعت الثورة لتحقيقه.

■ وما الملامح العامة لبرنامجك الانتخابى؟

- يجب ألا يتوقع أحد أن يكون لدىّ برنامج انتخابى شامل فى هذه المرحلة، ولكننى أرى أن النظام المصرى فى المرحلة الراهنة يجب أن يكون نظاما رئاسيا وليس برلمانيا، ويجب أن يكون هناك نص يسمح بإعادة النظر فى شكل النظام الديمقراطى الذى يحكم مصر فى إطار عشر سنوات مثلاً من بدء إطلاق الدستور الجديد وإمكانية الانتقال إلى النظام البرلمانى.

الأفضل فى اللحظة الراهنة من وجهة نظرى هو النظام الرئاسى، مع تحديد سلطات الرئيس بطريقة واضحة وديمقراطية، خصوصا أن هذه المرحلة ستكون مرحلة ذات خصوصية لأن مهمة الرئيس خلالها ستكون إعادة وضع البلاد على الطريق الصحيح والعمل على استقرارها.

فى الوقت نفسه فالرئيس يجب أن تكون له رؤية استراتيجية واضحة لمصر المستقبل يطرحها فى برنامجه الانتخابى على بنى وطنه وتبحثها مؤسساته، تنبثق عنها خطط للتنفيذ، والنقطة الأساسية هنا أن يقود الرئيس تغييراً حقيقياً بإعلان أن هذه المرحلة هى مرحلة أهل الخبرة وليس أهل الثقة، فأهل الثقة وأعضاء الشلل كانوا أحد أسباب ما آلت إليه الأوضاع فى مصر من تدهور.

أنا إذن مع وضع دستور جديد للبلاد بالآلية التى اقترحتها أو ما يوازيها، على أن تضع المجموعة الوطنية التى ستكتب مشروع الدستور فى اعتبارها أنه كان لدينا دساتير مهمة ومتميزة مثل دستور ١٩٢٣ ودستور ١٩٥٤ ومشروعات دساتير أخرى لم تر النور، لمجرد أنها كانت مقيدة لسلطات رئيس الجمهورية، وكلها يمكن أن تشكل مرجعيات ذات قيمة.

■ وهل سيتضمن برنامجك الانتخابى «المخرج الأساسى» من الأزمات التى تضغط على الشارع المصرى مثل البطالة والعدالة الاجتماعية والأجور. بمعنى آخر: هل بدأت فى تكوين رؤية عامة فيما يخص هذه المشكلات؟

- أعد الأوراق الخاصة فى هذا الشأن واهتمامى بها ليس من اليوم ولا بعد ثورة يناير، ولكنى كنت أواليها باستمرار وأتابع النقاش بشأنها مع عدد من خبراء الاقتصاد والاجتماع والعلوم المختلفة من المصريين، حيث كنت على يقين أن سبب التراجع المصرى هو الخلل الذى أصاب المجتمع فى تنميته البشرية كما فى مفهوم الاقتصاد الذى يحكم توجهنا التنموى بما فيها الخدماتى وفى مرافق الحياه المختلفة من العمل إلى مرفق التعليم إلى الرعاية الصحية إلى كل الخدمات.

هذا ما نحن بحاجة إلى التوجه إليه بالإصلاح، وأنا أراهن على قدرة المصريين على اختصار الوقت ما دامت هناك جدية، وأن الإصلاح يتم طبقاً لمفهوم وخطة وبواسطة الخبراء والعلماء، وقد تأكد لى ذلك بعد أن اختلطت بالكثير من الناس أثناء الثورة، وقابلت وأقابل وفوداً من الشباب من القاهرة والإسكندرية والمحافظات المختلفة.

ورغم أن التعليم فى مدارسنا وجامعاتنا لا ينتج السلعة المطلوبة لسوق العمل ولا حتى المعرفة الجيدة، ورغم ما كان لدى من انطباع بأننا نواجه نتائج سيئة بسبب التعليم وسوء إدارته، فإننى عندما تحدثت مع الشباب وجدت أنهم ذوو عزم وعزيمة ووعى، وعلى وعى شديد.

ولأنهم لم يتلقوا التعليم الكافى واصلوا تلقى التعليم الإضافى الذى يحتاجون إليه، فيذهبون لتعلم الإنجليزية والصينية والكمبيوتر وتثقيف أنفسهم بعيدا عن التعليم النظامى، بالإضافة إلى وعيهم بحقيقة المشكلات التى تمر بها مصر، وقد استفدت كثيرا من هذه اللقاءات وتأكدت من قدرة هذا الشباب على إحداث التغيير. شبابنا فى وضع أفضل كثيراً مما كنا نظن، ولديه قدرات وعزائم تستحق التشجيع والتحية. ونحن نستطيع بمثل هذه الدرجة من الوعى أن نسير إلى الأمام، مستندين إلى أجيالنا القائمة من أهل الخبرة والعلم، وإلى روح الثورة التى سرت فى نفوسنا وضمائرنا.

ولدىّ إيمان بأن المطلوب تحقيقه مثلاً فى عشر سنوات يمكن إنجازه فى خمس سنوات بالإدارة الجريئة والخبيرة والحاسمة فيما يتعلق بأوضاعنا الاقتصادية والاجتماعية.

■ ومتى ستنتهى من وضع برنامجك الانتخابى على الورق ليعرض على الناس؟

- البرنامج قيد البلورة، وكان محلاً للتفكير العميق والنقاش النشط مع مجموعة من المفكرين كمرحلة أولى وسوف أطرحه على مجموعات أوسع فى المستقبل القريب.

■ لنتحدث عن كيفية الخروج من المأزق الاقتصادى؟

- تحدثنا فى بداية التسعينيات عن الإصلاح الاقتصادى فى إطار النظام الدولى الذى بزغ بعد انتهاء الحرب البادرة وإتمام سيطرة النظام الرأسمالى، وسيادة اقتصاديات السوق والخصخصة وغيرها، وذلك بالإضافة إلى تزايد دور صندوق النقد والبنك الدولى، وكانت النظريات لدينا تابعة وليست مؤسسة على رؤية مصرية واضحة لما يجب اتباعه وما يجب استبعاده باعتبارنا بلداً نامياً ولا يمكن أن يكون رأسمالياً بالمعنى الكامل فكان ما كان من انفصام النظرة الاقتصادية وعدم تمكن السياسة الاقتصادية من تحقيق التنمية ووصول نتائجها إلى مختلف شرائح المجتمع.

هذا فشل فى السياسة الاقتصادية لا شك فيه ويجب تجنبه تماماً فى سياستنا القادمة، ثم إنه فى السنوات العشر الأولى من القرن الجديد - أى فى القترة من ٢٠٠٠ إلى ٢٠١٠ - ظهر رجال الأعمال بقوة غير مسبوقة، فتحول الاقتصاد تماما بعيداً عن التنمية الشاملة إلى تحقيق الثراء السريع لفئة قليلة ممن سموا أنفسهم رجال أعمال، وقد رأينا نتيجة ذلك فى سوء التوزيع الذى نلمسه الآن ما بين الثراء الفاحش للقلة والفقر المدقع للكثرة.

■ وما السياسة الاقتصادية التى يجب اعتمادها فى المرحلة المقبلة؟

- الحل لدى أن يكون باعتماد سياسة الاقتصاد الحر والعدالة الاجتماعية فى الوقت نفسه، ليكونا بمثابة القدمين للجسد الواحد. ولدى رؤية للتفاصيل لسنا فى معرض مناقشتها الآن، ولكن السياسة العامة للاقتصاد يجب أن تستند إلى رؤية وخطة وليس إلى مجرد حركة لا تفيد ودعاية لا تسمن من جوع، أو أن تكون معدلات نمو مرتفعة يتم الافتخار بها دون أن يلمس الناس فى الشارع والنجوع والكفور والقرى أثر هذه المعدلات عليهم، فهناك نسبة كبيرة من مواطنى المجتمع لا يصل إليهم معدل النمو، وبالتالى هناك خلل فى الاقتصاد وسياساته والتحليل الاقتصادى المرافق له يعانى أيضا من سطحية وخلل، يجب أن يسير الاقتصاد المصرى على هاتين العجلتين: السوق الحرة والعدالة الاجتماعية سويا.

■ تأخرنا كثيرا عن الركب العلمى وبات البحث العلمى مجرد كلمة نرددها دون أن نلمسها فى الواقع، الآن وفى هذه اللحظة الفاصلة من تاريخنا ألا يجدر بنا وضع البحث العلمى فى قائمة الأولويات؟

- موضوع البحث العلمى لم يتراجع فقط بل كان غير موجود أصلا، والسبب أننا لم نقدر أبدا معنى البحث العلمى فخصصت له ميزانية لا تكفى حتى رواتب الباحثين، ولم يتم فهم معنى تواجد الدكتور زويل فى مصر ولا كيفية الاستفادة منه، وكانت فرصة عظيمة عندما عرض مساعدته لبلده واستعداده لإنشاء جامعة علمية تكنولوجية، دون أن يستجيب أحد، ولم يكن يصح أبدا أن يجنب الدكتور أحمد زويل أو يتم تجاهله. كذلك مشروع الدكتور فاروق الباز «ممر التنمية» الذى يعد أعظم المشروعات التى طرحت فى السنوات الماضية، وهى الفكرة التى بدأ طرحها منذ الثمانينيات وأعدنا نقاشها فى بداية التسعينيات جديا، وأذكر مناقشات تمت بيننا فى شأنها فى ذلك الوقت مع الدكتور الباز فى مصر وفى واشنطن، ومع ذلك لم تدرس بشكل جدى لتنفيذها رغم كونه مشروعاً ضخماً يحقق التنمية والتعمير ويحقق نقلة هائلة، ومثل هذه المشروعات قائمة على أسس علمية وليست دعائية. للأسف نحن أهملنا العلم والمراكز البحثية طوال السنوات الماضية.

■ وماذا عن البرنامج النووى المصرى؟

- كنت أخشى من أن ينجح بعض رجال الأعمال فى إلغاء البرنامج النووى السلمى المصرى لأسباب لا داعى لذكرها، وكنت شديد الإصرار والتصميم بأنه مهما كان موقعى كنت سأعترض علنا كمواطن مصرى على تعويق البرنامج، ولكن الله سلم وتمت الموافقة على أن تكون الضبعة مقراً للمحطة النووية، وأرجو أن تمثل نقلة نوعية فى هذا المشوار النووى السلمى.

■ وهل يمكننا مجابهة أى ضغوط أجنبية؟

طبعا، خاصة ونحن نتحدث عن مشروع نووى سلمى وفقا لشروط وكالة الطاقة الذرية. أنا أعرف بوجود الضغوط بالنظر إلى المصالح العالمية المتناقضة، ولكننى لا أفهم الخضوع الأوتوماتيكى لها، والأمر يتوقف على موقفنا وسياستنا، فإذا كان موقفنا قوياً وكنا مصرين على إتمام المشروع يمكننا تنفيذه لأنه من حقنا طبقا لمعاهدة عدم الانتشار، وطالما نحن ملتزمون بالالتزامات الخاصة بالاستخدام السلمى، المهم أن تكون هناك ثقة فى الموقف المصرى الواعى. وبالمناسبة، نحن لن نبدأ من الصفر، فلدينا عدد من المفاعلات ليس فقط مفاعل أنشاص ولكن أيضا لدينا مفاعلاً أرجنتينياً تم الحصول عليه فى التسعينيات.. المهم الآن هو توفير الإمكانيات والميزانيات وإعادة إطلاق الطاقات، وإظهار تأييد ودعم العلماء والعلم فى المرحلة المقبلة.

ولابد من النظر فى إنشاء مجلس أعلى للبحث العلمى فى مصر ترصد له الميزانيات وتكرس له الفروع المتخصصة فى الجامعات المصرية، ويتواصل مع الجامعات المهمة فى العالم، وأن نتوجه فى ذلك شرقا أيضا وليس غربا فقط. وجامعات اليابان والصين وكوريا والهند وغيرها كلها جاهزة وبتكاليف أقل كثيرا من مثيلاتها فى قارات أخرى

---------------------------------
نشر في المصري اليوم بتاريخ 1 و2 مارس 2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المتابعون