محمد الدكروري

المستشار القانونى لمؤسسة الرئاسة سابقا وأحد أبرز صناع القوانين:
تعطيل إلقاء القبض على خلية إرهابية لحين الانتهاء من الإجراءات القضائية « غير معقول»
------------------------------------------
رانيا بدوي 14 نوفمبر 2008
------------------------------------------

بعد التأكيد على أنه أحد أهم خبراء صياغة القوانين فى مصر، وأحد أهم المستشارين القانونيين ليس فقط لمجلسى الشعب والشورى، إنما لمؤسسة الرئاسة أيضا بل أحد أهم المشاركين فى صياغة آلاف القوانين التى حكمت مصر خلال خمس وعشرين عاما ماضية.. سألته ونحن نرتشف فنجان القهوة الساعة التاسعة صباحا قائلة: سيادة المستشار هل أنت راض عن كل القوانين التى شاركت فى صياغتها فأجاب: نعم وبنسبة 100 %.. ألم تشعر أبدا بالندم؟ لا إطلاقا.. ألم تشعر حتى بالخطأ؟ أحيانا يحدث أخطاء فى تطبيقات القانون، لم يكن لأحد أن يتخيلها وقت صياغة القانون، ولكنها ليست عيبا فى القانون نفسه. أتنام مرتاح البال على سريرك كل ليلة وأنت صانع لكل هذه القوانين المكبلة للحريات؟ أنا راعيت الله وضميرى طوال سنوات عملى فى هذه المهنة.. ألا يضيرك ما يقال عن كونك ترزى قوانين لصالح السلطة؟ أنا محترف فى هذه المهنة لأننى أجيد التصرف، ولدى حلول لكل الأمور وهذا دليل على كفاءتى وليس أمرا يؤخذ ضدى.. المهم أننى أراعى ضميرى...فقلت له إذن فلنبدأ الحوار.. حوار ينطلق من أن القانون العادل يحقق العدالة والقانون الظالم يظلم الناس حتى إن استقل القضاء.

◄ كيف تصاغ القوانين فى مصر؟
خط السير العادى.. الجهات المعنية التى تريد صياغة قانون ما لتنظيم أمور لديها تتقدم بصياغة مشروع قانون عن الموضوع التى تريده. ويعرض بالترتيب على وزارة العدل حيث قسم التشريع بمجلس الدولة، ثم اللجنة الوزارية برئاسة الدكتور مفيد شهاب، وعندما يصبح المشروع جاهزا للمناقشة يوضع على أجندة مجلسى الشعب ثم الشورى، ويتم تباحثه من قبل اللجنة التشريعية بمجلس الشورى ثم الشعب، ثم يتم التصويت عليه فى النهاية من قبل الأعضاء، ويتم اعتماده من قبل رئيس الجمهورية لقبوله أو الاعتراض عليه.

◄ كل ما ذكرته عن الجهات التى تدرس القوانين أو حتى تقرها اختلطت فيها السلطة التشريعية المتمثلة فى مجلسى الشعب والشورى بالسلطة التنفيذية المتمثلة فى وزارة العدل وحق الرئيس فى الموافقة أو رفض قانون؟
السلطة التنفيذية من حقها إبداء الرأى والتعاون من خلال خبرائها ولكن القرار فى النهاية لمجلس الشعب، أى السلطة التشريعية فهذه هى مسئوليتها الدستورية.

◄ وكيف للسلطة التنفيذية أن تتدخل فى عمل السلطة التشريعية بالقبول أو الرفض؟
هذا حقه الذى منحه له الدستور باعتباره رئيسا للجمهورية وليس باعتباره رئيسا للسلطة التنفيذية.

◄ فى أى مرحلة يتم أخذ الرأى العام فى الاعتبار قبل إصدار القانون واعتماده؟
عندما يكون هناك مشروع يهم جهة معينة يأخذ رأيها من خلال جلسة استماع فى مجلس الشعب، فإذا كان القانون يخص الأحزاب مثلا نستمع إليهم، وإذا كان يخص الجامعة نستمع للقائمين على الجامعات وهكذا.

◄ وماذا لو كان القانون يهم الرأى العام وليس جهة بعينها مثل قانون الإرهاب؟
أجاب متهكما يعنى إيه الرأى العام؟! يعنى أعمل إيه؟! أمسك واحد واحد أساله عن القانون.

◄ ولم لا.. وليكن عن طريق عينات عشوائية يتم استطلاع رأيها من خلال استمارات استبيان؟
هذا كلام غير معقول وغير منطقى.

◄ ما هى آخر تطورات مشروع قانون الإرهاب؟
قانون الإرهاب ما هو إلا تنظيم قانونى المقصود به مكافحة الإرهاب وهذا لا يعنى النيل من حرية الرأى ولا الأفراد و...

◄ قاطعته: حسب صياغة القانون؟
وأنا أضع قانون لمكافحة الإرهاب يجب أن أضع فى اعتبارى خطورة وفظاعة الجريمة الإرهابية.. ولا يمكن التعامل معها بنفس إجراءات وطرق التعامل مع جريمة سرقة أو نصب أو حتى قتل.

◄ قانون العقوبات به عقوبات على الجريمة الإرهابية فلماذا قانون ثان؟
أشكرك على إثارة هذه المنطقة فبالفعل قانون العقوبات به عقوبات على الجريمة الإرهابية، لكن هل يعقل أنه عندما يكون لدى معلومات بتفجير كوبرى أكتوبر مثلا أنتظر وقوع الجريمة ثم أوقع العقاب أم يكون لدى قانون لمنع الجريمة قبل أن تحدث.

◄ لكن محاولة المنع بالطريقة الموجودة بالقانون بها الكثير من تقييد حريه الناس وانتهاك خصوصيتهم؟
الخوف من القانون فيه كثير من المبالغة، القانون يضع ضوابط التدابير التى تتبع فى مثل هذه الظروف التى هى استثنائية على أى حال.. ولا يجب أن يفزع أحد من هذا القانون سوى الإرهابى أو من يريد أن يصبح إرهابيا.

◄ ألن يستخدم هذا القانون بتدابيره الاستثنائية بشكل خاطئ من قبل أى جهاز أمنى كوضع شخص ما له نشاط سياسى تحت المراقبة والتنصت على هاتفه بدعوى الشك فيه؟
ما الذى سيحدث حتى إن تم التنصت عليه.. النتيجة أنهم لن يكتشفوا شيئا.. فكأن شيئا لم يكن.

◄ سيحدث انتهاك للخصوصية؟
يا سيدتى ليس هناك مشكلة المهم الصالح العام.. من أجل منع جريمة إرهابية يجب الوصول إلى تدابير غير عادية والأمر كله يتم فى وجود ضوابط، فهى إجراءات تتم تحت إشراف قضائى.

◄ ولكن حتى الحصول على إذن القضاء الذى تتحدث عنه جاء فى مشروع القانون كإجراء تال لعملية القبض على الإرهاب وليس لاحقا؟
ليس من المعقول أن أعطل عملية الكشف أو إلقاء القبض على خلية إرهابية لحين الانتهاء من الإجراءات القضائية «تكون الدنيا ولعت».

◄ ألا يعد مشروع قانون الإرهاب فى حد ذاته ضد الدستور واختراقا للمواد 40، 41، 45 التى تكفل الحريات؟
الدستور يقول بأنه أثناء مواجهة ضرورة خطر الإرهاب لا تتقيد بهذه المواد وذلك كله تحت رقابة القضاء.

◄ استمرارا للحديث عن قوانين إحكام قبضة النظام تأتى التعديلات التى أجريت على قانون استقلال القضاء والتى وصفت بأنها جعلت القضاء غير مستقل على الإطلاق فما تعليقك؟
«عمر ما حد قال كده».. قانون السلطة القضائية قانون فى منتهى الكفاءة.. إذا كان هناك بعض اختصاصات لوزير العدل فهى فى حدود المسائل الإدارية نحن لدينا قضاء شامخ ولا أحد يستطيع أن يتحدث عن القضاء فى مصر، فالقضاء يتمتع بالحصانة والحيدة.

◄ قوانين تصنع بين يوم وليلة، فى حين أن قوانين أخرى تظل حبيسة الأدراج فى المجلس لسنوات طويلة؟
عندما يكون القانون مكونا من مادة واحدة مطلوب منى أعمل إيه؟ أعطله بالعافية.

◄ ما الذى يحدد طول أو مدة صياغة القوانين؟
أهمية القانون والأجندة التشريعية.

◄ ما هو سر تأخير النظر فى مشروع قانون بناء دور العبادة الموحدة؟
لا يوجد قانون بهذا المسمى.

◄ بل يوجد وقد تقدم به المستشار محمد الجويلى؟
الجويلى لم يتقدم بمشروع إنما هو مجرد اقتراح بمشروع قانون تقدم به للجنة الاقتراحات والشكاوى، ويدرس الآن داخل اللجنة ولم يتم الانتهاء من إعداده بعد.
وحتى يتم وضعه على الأجندة لابد أن يمر بمراحله الدستورية العادية

◄ أليس التقليل من الشحن بين المسلمين والمسيحيين مسألة ملحة؟
نحن من نقوم بهذا الشحن ونرسخه.. أنا أريد شخصا منصفا يسير فى الشوارع الرئيسية والفرعية فى جميع عواصم جمهورية مصر من شمالها لجنوبها ومن شرقها لغربها، ولا يجد كنائس أو جوامع.

◄ هناك صعوبة حقيقية فى الحصول على تراخيص بناء كنيسة.. هذه هى الحقيقة التى يعلمها الجميع؟
كان فى البداية يتم بناء الكنائس طبقا لنظام قديم يسمى بالخط الهمايونى فكان أى ترميم أو تعديل فى كنيسة يتطلب إصدار مرسوم من الوالى، ولكن هذا النظام تم تغييره، وأصبح أى تعديل أو ترميم فى أى كنيسة يأتى بقرار من المحافظ وأصبح بناء كنيسة فقط بقرار من ولى الأمر.

◄ أليس هذا فى حد ذاته تفرقة طائفية.. وهل يبنى الجامع بقرار من الدولة؟
هذا الأمر له أسباب تاريخية بعيدة ومستمرة منذ سنوات طويلة.. وليست مجالا للنقاش الآن.

◄ لو تحدثنا عن قانون مثل قانون المرور الذى صدر فى الدورة السابقة يحوى عقوبات مشددة ربما يصبح معها الشعب المصرى كله مجرما؟
من يخشى القانون عليه الالتزام.

◄ يعنى عندما لا يكون لدينا رفاهية أن أركن صف أول، والشوارع مكتظة عن آخرها، واضطر البعض للصف الثانى هل يعقل أن يدفع الشخص غرامات تصل إلى 500 جنيه، وأحيانا ألف بل ثلاثة فى حالات أخرى وربما راتبه لا يتجاوز نصف هذا الرقم؟ هذا بخلاف النص بالسجن فى بعض المخالفات! ألا تشعر أنه قانون غير قابل للتنفيذ من ناحية، ولا يراعى البعد الاجتماعى من ناحية أخرى؟
كل العقوبات تتناسب مع الفعل وتعريض حياة الناس للخطر ليس بالأمر الهين.. أليس من يهدئ السرعة على مطلع أو منزل كوبرى يمكن أن يؤدى إلى حوادث، ومن يسير عكس الاتجاه يمكن أن يحدث كوارث؛ لذا من الطبيعى أن تكون العقوبة هى السجن كذلك السير عكس الاتجاه.ثم إن البعض أصبح يستسهل فكرة الركن صف أول وثان وثالث، وهو ما يعطل الجميع عن أشغالهم.

◄ ولماذا لا تحل مثل هذه المشكلات من جذورها بالسعى للمدن الجديدة لتخفيف الضغط على العاصمة، بدلا من التجريم طوال الوقت؟
هذا ما نفعله بالفعل بالتوازى مع القوانين، ففى قانون البناء الجديد على سبيل المثال هناك اشتراطات لعمل جراجات لكل الوحدات السكنية.. وإعادة الجراجات التى استخدمت لأغراض أخرى لاستيعاب أعداد السيارات المهولة فى شوارع القاهرة.
لكن علينا أيضا أن نضع فى الاعتبار حالة الاستهتار فى الشارع المصرى التى تعرض أرواح الناس للخطر، وبالمناسبة كان هناك فترة فى حياة المصريين يسير فيها الشارع المصرى «زى الألف».. إذن الانضباط ممكن.

◄ فى أى عهد تقصد؟
وزير الداخلية السابق أحمد رشدى.

◄ وما الذى حدث الآن ومن المسئول عن هذه الفوضى؟
الجميع مسئولون.. لذا يجب أن يطبق القانون بحزم.. مع بعض المرونة.

◄ مرونة يقدرها ضابط المرور؟
نعم.

◄ وخطأ يقدره أيضا ضابط المرور؟
نعم أمر طبيعى.

◄ وما الذى يضمن لى عدم سوء استخدام الضابط لصلاحياته؟
كل شىء وارد ولكن فى النهاية هذا شىء جيد أن يكون هناك سوء استخدام من البعض يقابله مرونة من ضباط آخرين هذا ما أعنى به مرونة القانون.

◄ هناك حالة من تعزيز موقف رجل الأمن فى أغلب القوانين على حساب المواطن كأن ينص قانون المرور على تجريم أى شخص يعتدى على ضابط فى حين لم يشر لا من قريب ولا من بعيد لتجريم الضابط الذى يضرب السائقين ويستفزهم بألفاظه وطريقة تعامله؟
هو أيضا فعل مجرّم بحكم القانون العام، ولكن هنا أنا أشدد العقوبة على من يعتدى على الضابط لأنه لا يجب مساواة الاثنين ببعضهما «الضابط والمواطن» فالضابط فى الشارع هو رمز النظام وأى اعتداء عليه يعد اعتداء على هيبة النظام.

◄ لكن دائما مجلس الشعب يقال إنه يمرر القوانين على هوى الدولة بحكم وجود الأغلبية تحت القبة؟
وهل الديمقراطية التى تريدونها أن ألغى كل ما تعترض المعارضة عليه وأوافق على ما توافق عليه رغم أنها القلة.

◄ وهل رأى الأغلبية فى مجلس الشعب يعبر عن حاجة الشعب والشارع المصرى؟
المفروض كده

◄ لو انتقلنا إلى قانون منع التظاهر فى دور العبادة، البعض يقول بأنه فصل خصيصا لجامع الأزهر؟
وهل من الطبيعى أن نعرض مساجدنا للتجاوزات التى تحدث من حرق للأعلام والتخريب وجعل الجامع ساحة لتصفية الخلافات السياسية وكل أنواع المظاهرات.. هل هذا يليق بقدسية بيت الله.

◄ عودة للحديث عن التشريعات.. ألا تعتقد أن كثرتها وكثرة التعديلات عليها تسبب أزمة فى سير العدالة؟
هذه الأزمة ترجع جذورها لأيام الثورة حيث هذا الكم اللانهائى من التشريعات التى كانت تصدر بسهولة مطلقة ولم يكن الأمر يحتاج سوى لقرار من مجلس قيادة الثورة أو قرار من رئيس الدولة، أما الآن فالمسألة أصبحت منظمة أكثر وتأخذ مراحل عدة.. لذا لدينا محاولات دائمة للتعديل والتنقيح والدمج لتقليل هذا العدد.. حيث تم تشكيل لجنة قومية لتحديث التشريعات.

◄ وهل يلاحق القضاة هذه التعديلات والقوانين الجديدة؟
للعلم كل قاض فى مصر لديه جهاز كمبيوتر محمول عليه كل القوانين المعمول بها فى مصر، وآخر تعديلات طرأت عليها وغير صحيح أن هذا أحد أسباب تباطؤ التقاضى.

◄ هل أجبرت يوما على صياغة قانون بشكل معين؟
لا إطلاقا، وأنا كنت مستشارا لرئاسة الجمهورية لمدة 11 سنة، وليس للرئيس.. وكانت تعرض علي مسائل كثيرة من سيادة الرئيس ولم يحدث أبدا من رئيس الجمهورية أنه تدخل أو طلب التدخل وأكثر شىء كان يمكن من سيادة الريس أن يفعله أن يسأل عن آخر التطورات أو الأحكام التى اتخذت بشأن قضايا الرأى العام، من باب العلم فقط.

◄ كيف تمت التعديلات الدستورية؟
بعد نقاش طويل مع رئيس الجمهورية، وكانت هناك مناقشة واسعة وكان سيادة الرئيس يستمع لكل الآراء ويبدى وجهات نظره والمسألة كانت موضوعية للغاية.

◄هل أنت راض عن هذه التعديلات؟
نعم ولكن كلنا نريد مزيدا من الديمقراطية
------------------------
نشرت في اليوم السابع بتاريخ 14/11/2008
http://www.youm7.com/News.asp?NewsID=49899

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المتابعون