نبيل فهمي




الكونجرس قال لنا إذا لم تتغاضوا عن قضية سعد الدين إبراهيم فلن نرفع لكم المعونات.. ونفذ تهديده
---------------------------------------------
حوار رانيا بدوى- المصري اليوم -١١/ ٨/ ٢٠١٠
---------------------------------------------

ظل المناخ العام فى أمريكا والعالم أثناء رئاسة الرئيس جورج بوش الابن للولايات المتحدة الأمريكية، مناخ حرب وتوتر بدعوى مواجهة الإرهاب، وتحت هذا الغطاء دخلت أمريكا العراق، ودمرت أفغانستان وفَشّلت عملية السلام فى فلسطين،

ووضع اسم الرئيس الفلسطينى الراحل ياسر عرفات من قبل كل من «شارون» و«بوش» على قائمة الإرهابيين، وظهرت التهديدات بخفض المعونات الأمريكية لمصر، وزادت الدعوات للإصلاح الديمقراطى وحقوق الإنسان.

٨ سنوات شهدت أحداثا كثيرة ساخنة ومؤثرة حتى إن التاريخ أخذ يؤرخ لمنطقة الشرق الأوسط قبل ولاية «بوش» وبعدها وقبل أحداث ١١ سبتمر وبعدها، وبدأت جملة الضغوط الأمريكية على مصر تتردد كثيرا بين المثقفين وفى الشارع المصرى، البعض يقول إن أمريكا تختار وزراء مصر، وبعضهم ذهب إلى أن أيمن نور، خرج من السجن بضغط أمريكى، وأكد آخرون أننا ننحنى أمام إسرائيل لكسب الرضا الأمريكى، وغير ذلك الكثير فالحديث المرسل كثير والمدقق قليل، والمنسوب إلى شهود عيان يكاد يكون غير موجود،

لذا كان السؤال للسفير نبيل فهمى، الذى مثل مصر٩ سنوات فى واشنطن وكان شاهدا على مرحلة فاصلة، ليس فى تاريخ مصر فقط وإنما فى تاريخ العرب ومنطقة الشرق الأوسط بأكملها، لنقدم فى هذ الحوار دلائل واضحة، تكمن فى شهادة رجل عاصر المرحلة وكان أحد صناع القرار، بل وأول من كان يتلقى الضغوط الأمريكية ليبلغها إلى القاهرة، ليحكى لنا عن تفاصيل هذه الضغوط وأسبابها ونوعيتها ومدى استجاباتنا لها.

■ «الضغوط الأمريكية على مصر».. جملة نسمعها كثيرا ونقرأها فى الصحف يوميا.. نسمع عن معاداة مصر لإيران تنفيذا لرغبات أمريكا ومهادنة إسرائيل تلبية لطلبات الكونجرس.. فهل تحكم مصر بقرارات أمريكية؟

- كل ما يقال عن الضغوط الأمريكية صحيح، لكننى أعترض على جملة «مصر تحكم بقرارات أمريكية»، لنقل إنهم يحاولون بكل الطرق التأثير فى القرار المصرى، لكن الأهم هو هل نلبى هذه الطلبات ونمتثل لهذه الضغوط أم لا؟

■ فلتجب إذن.. هل نمتثل لهذه الضغوط؟

- مصر تنفذ أى مطلب أمريكى يتناسب مع مصالحها، ولا تنفذ أى مطلب لا يتناسب مع هذه المصالح.

■ يقال إن هناك وزراء تم تعيينهم بالاسم باقتراح أمريكى؟

- لم أسمع عن ذلك، فلست من يعين الوزراء، وليست حتى مشاركاً فى العملية.

■ إذن كيف يحاولون التأثير على القرار المصرى؟

- يتصلون بنا مرارا وتكرارا ويقولون نريد منكم عدم التعامل مع فلان، أو معاداة الدولة الفلانية لأننا على علاقة سيئة بها ولا نريد منكم دعم الدولة الفلانية فى الانتخابات الدولية، وأشياء من هذا القبيل، وقد تعرضت كثيرا أثناء وجودى فى واشنطن لمثل هذه الأمور.

■ هل من أمثلة على ذلك؟

- طلب منا بشكل واضح عدم دعم سوريا أو إعطائها صوتنا أثناء ترشحها لمجلس إدارة مجلس محافظى الطاقة الذرية، بل وطلب منا التخلى عنها وعدم تأييدها فرفضنا، وقلنا إننا لن نقف ضد مرشح عربى، لن يحدث هذا، مع العلم أن علاقتنا بسوريا لم تكن جيدة آنذاك.

■ لكن هل رشحنا سوريا ودعمناها بالفعل؟

- سوريا انسحبت من تلقاء نفسها من الانتخابات بعد ذلك.

■ ماذا عن علاقتنا بإيران؟

- اتصل بى عدد من المسؤولين الأمريكيين، وسألونى باستنكار: لماذا أتى على لاريجانى إلى مصر ولماذا قابله الرئيس مبارك؟ فقلت لهم إنه أتى للمشاركة فى مؤتمر ثم طلب مقابلة الرئيس الذى رأى مصلحة فى ذلك فقابله. وفى موقف آخر قالوا لنا: نريد توقيعكم على قرار تحويل الملف النووى الإيرانى إلى مجلس الأمن، فقلنا لهم: لا شك أن الموقف الإيرانى معيب، لكننا لا نستطيع التوقيع على هذا القرار، فالرأى العام سيحاسبنا: فكيف لنا أن نقف ضد إيران، لأنها مخالفة لبنود اتفاقية منع انتشار السلاح النووى،

فى حين نترك إسرائيل الممتنعة عن الانضمام إلى الاتفاقية من الأساس، ورفضنا بالفعل التوقيع، وطلبنا أولا أن يوضع بند ينص على أن «كل ذلك خطوة فى إطار إنشاء منطقة خالية من السلاح النووى فى الشرق الأوسط»، وكان ذلك مدار حديث بينى وبين وزيرة الخارجية السابقة كونداليزا رايس.

■ ماذا كان رد فعلها؟

- قالت لى: يعنى إيه.. انت بتربط توقيع مصر مقابل وضع هذا البند؟! فقلت: نعم، وأوضحت لها أننا نريد الحل، وهذه هى الطريقة الوحيدة للعلاج، بوضع معايير موحدة للجميع، وكانت هذه هى المرة الأولى التى يتخذ فيها مجلس محافظى وكالة الطاقة الذرية، قرارا بتحويل الملف النووى الإيرانى من وكالة الطاقة الذرية إلى مجلس الأمن، وبالفعل امتثلوا لطلبنا ووضعوا هذا البند فى القرار.

■ هل توقيع مصر على هذا القرار كان أحد أسباب العداء بين مصر وإيران؟

- لا يوجد عداء بين مصر وإيران، لكن لا شك أن هناك توترات ترتفع أحيانا وتخفت أحيانا أخرى.

■ ما سبب هذه التوترات؟

- ترتبط أساسا بمشكلات أمنية وملفات مفتوحة بيننا وبين إيران، تخص جماعات متطرفة فى إيران، ومادامت المشكلات ترتبط بمسائل أمنية، هنا يكون لنا نظرة مختلفة، والسبب الآخر يكمن فى الموقف الإيرانى السلبى من عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية، حيث تشجع إيران الجماعات التى لا تريد التوصل إلى حل سلمى، إضافة إلى رغبتها فى مد نفوذها إلى دول الخليج والمساس بالحيازة الجغرافية لدول الخليج العربى، وأقصد جزر الإمارات من ناحية، وتهديد البحرين من ناحية أخرى، ومع ذلك لا أرى أنه من المستحيل الوصول إلى توافق مصرى إيرانى.

■ لماذا إذن لا نصل إلى هذا التوافق؟

- هناك محاولات للحل من جانبنا ومن الجانب الإيرانى، لكن بكل صراحة، كنا نجد دائما المحاولات الإيرانية تقف على السطح أكثر من الوصول إلى الواقع الحقيقى للمشكلات، نتيجة وجود تيارات داخل إيران تحول دون الإجماع على الخطوات الأولى التى يتم طرحها. وقد أوضحنا مرارا أننا لا نعادى إيران، ولايوجد بيننا خلاف، طالما التزمت بأسس التنافس الشرعى وعدم المساس بأمن الطرف الآخر.

■ لكن.. هناك مسؤولون إيرانيون أتوا إلى مصر وطلبوا مقابلة الرئيس، وأبرزهم لاريجانى، بينما لم نر مسؤولا مصريا واحدا يزور إيران؟

- أولا أغلب المسؤولين الإيرانيين الذى أتوا إلى مصر جاءوا لحضور مؤتمرات دولية، وأثناء ذلك طلبوا مقابلة الرئيس، وتحدث معهم بإيجابية وصراحة، لكننا لم نجد من الجانب الإيرانى أى متابعة لهذه الاتصالات وتنفيذ ما يتم الوعد به.

■ عودة إلى المواقف التى مارست فيها الولايات المتحدة الأمريكية ضغوطا على مصر.. إلى أى مدى وصلت؟

- طلبت منا الولايات المتحدة الأمريكية ذات مرة عدم استقبال الرئيس الفلسطينى الراحل عرفات أو دعمه، عندما اتخذوا قرار المقاطعة ضده، وحبسه «شارون» فى مقر السلطة الفلسطينية، ورفضنا ذلك، وأعلنا امتعاضنا.

■ ماذا عن احتلال الولايات المتحدة الأمريكية للعراق وموقفنا من هذا الاحتلال؟

- أطلعونا على قرار دخول العراق قبل القيام بالاحتلال، وأرسلنا إليهم الرد بالرفض، وعدم موافقتنا على هذه الخطوة، ولامت أمريكا مصر كثيرا على رفضها قرار دخول العراق، وقالوا لى كيف للرئيس مبارك وهو صديق وحليف للولايات المتحدة الأمريكية أن يقول إن دخول العراق سيخلق مائة صدام حسين ومائة أسامة بن لادن، وقلت لهم، لقد قال هذا لأنه صديق مخلص لأمريكا، ويرى أن دخولكم العراق سيخلق العديد من المشاكل.

■ هل ساعدت مصر أمريكا فى دخول العراق.. لوجستيا على الأقل؟

- إطلاقا.. لكن هناك دولاً عربية ساعدت أمريكا فى دخول العراق بكل تأكيد.

■ من هى تلك الدول؟

- عدد من الدول العربية منها قطر والكويت.

■ أحاديث وأقاويل كثيرة صاحبت آخر زيارة للرئيس بوش الابن لمصر، وعدم حضور الرئيس مبارك كلمته، فما شهادتك على هذه اللحظة، وما سبب ترك الرئيس مبارك للقاعة آنذاك؟

- جاء الرئيس الأمريكى السابق، بوش الابن إلى مصر بعد زيارة إلى إسرائيل، وقبل أن تقله الطائرة إلى مصر فوجئت باتصال من نائب مستشار الأمن القومى الأمريكى يقول لى: لدينا تعليمات بأن نطلعك على نص الخطاب الذى سيلقيه الرئيس بوش فى شرم الشيخ، وبدأ النص بمدح مصر، ووردت به بعض الجمل التى تحمل مجاملات، فقلت له: طبعا أنت لم تطلبنى لتقول لى أنكم ستمتدحوننا، فلتبدأ بالحديث الذى لن يعجبنا، وفوجئت بأن صياغة الخطاب قاسية للغاية، وفيها هجوم شديد على مصر،

فقلت له إذا كنتم تنوون إلقاء هذا الخطاب فى شرم الشيخ، فالأفضل ألا تذهبوا إلى هناك، وهذا رأيى الشخصى، فقال لى اهدأ، وما الذى لا يعجبك فى الخطاب؟ المهم أنه وبعد نقاشات طويلة تم تعديل الخطاب أكثر من مرة، حتى اللحظة التى استقلوا فيها الطائرة كان الخطاب يعدل، وخفف إلى حد كبير، ورغم أن الصيغة النهائية التى ألقاها «بوش» كانت أيضا غير مريحة إلا إنها أفضل كثيرا من أصل الخطاب الذى أعد فى البداية.

■ إذن الرئيس مبارك كان يعلم بخطاب الرئيس بوش قبل إلقائه؟

- نعم.

■ ماذا كان رد الفعل؟

- القاهرة أيدتنى فى تصرفى تماما.

■ لماذا لم يُتخذ قرار أعنف من قبل القاهرة يعكس موقفها؟

- لكل فعل رد فعل، ثم إن القاهرة رأت أننى قمت بمسؤوليتى، وتحملتها على أفضل وجه، وجنبت العلاقات المصرية الأمريكية صداما كان يمكن أن يؤدى إلى خلافات، فكان من الممكن أن أرسل الخطاب بصيغته الأولى إلى القاهرة، ووقتها سيأتينى الرد أعنف فتتوتر العلاقات، ولكن بما بذلته من مجهود لتخفيف الخطاب جنبت القاهرة الحاجة إلى الصدام، وربما اكتفى الرئيس بعدم التواجد أثناء خطاب الرئيس الأمريكى، وكان هذا تصرفا سليما ١٠٠ %، ولا تنس أن المؤتمر كان يحضره عدد من رؤساء الدول الأخرى، وليس فقط الرئيس بوش.

■ ننتقل إلى الضغوط الأمريكية فى المجال الاقتصادى.. ما مدى تأثيرها؟

- لا شك أن هناك عدداً من الضغوط الاقتصادية مورست على مصر، وأذكر أنه فى مرحلة من المراحل قال لنا الأمريكان إننا لن نتفاوض معكم على اتفاقية التجارة الحرة إلا إذا طبقتم عدداً من الإصلاحات السياسية والديمقراطية، فقلنا لهم إذن لا نريد التفاوض على الاتفاقية.

■ ما أسرار التهديد بقطع المعونات أو تخفيضها التى ظلت مسيطرة على الأحداث فى ظل إدارة الرئيس بوش الابن؟

- يوجد اتفاق سابق مع الرئيس «كلينتون» على تخفيض المساعدات التى تحصل عليها مصر، وكانت قيمتها ٨١٥ مليون دولار آنذاك، ٤٠ مليون دولار كل سنة على ١٠ سنوات، وعندما تركت سفارة مصر فى واشنطن كان المبلغ قد وصل إلى ٤٠٥ ملايين دولار تقريبا، لكنه تخفيض متفق عليه وليس نتيجة ضغوط، لكن فعلا أكثر من مرة هددوا مصر بعدم الحصول على المعونات وربطوها بشروط معينة منها المبلغ الأخير من المعونات، وصدر قرار بهذا الشأن بالفعل من الكونجرس الأمريكى لكنه لم يطبق.

■ ما هى هذه الشروط؟

- الإصلاح القضائى، إصلاح جهاز الشرطة، والأنفاق بيننا وبين غزة.

■ أتفهم مسألة أنفاق غزة، للحفاظ على الأمن الإسرائيلى، ولكن بماذا سيفيدهم الإصلاح القضائى أو إصلاح جهاز الشرطة؟

- كلها أدوات وأفكار المحافظين الجدد فى الضغط، الذين كانوا يريدون خلق أى ذرائع لتفكيك الوطن العربى، ونلاحظ أنهم ظلوا ينادون بالديمقراطية، وفور أن أتت حماس إلى الحكم فى فلسطين توقفوا عن المناداة بها، وبدأوا يبحثون عن ذرائع أخرى؛ مثل إصلاح جهاز الشرطة أو القضاء أو حقوق الانسان، فهو كلام حق يراد به باطل، وأنا بالطبع مع حقوق الإنسان لكن بإصلاح مصرى وليس بضغط أمريكى، وأعتقد أن الإدارة الأمريكية الحالية لا تستخدم مسألة المساعدات كورقة ضغط على مصر كما كانت تفعل الإدارة السابقة.

ويجب أن نعلم أن العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية مهمة ومؤثرة بالنسبة لنا، لأن أمريكا القوة العالمية الأكبر وموجودة فى كل مكان فى العالم وفى كل الملفات، لذا نهتم بها وهى أيضا تهتم بنا ليس لأننا قوة عالمية وإنما لما لنا من نفوذ وتأثير فى المنطقة وفى العالم النامى المحيط بنا.. لذا يحاولون دائما ممارسة الضغوط، وطالما أنهم يمارسون ضغوطا فى إطار ما هو مقبول، فلا مانع، ولكن إذا كانت الضغوط تضر بمصالحنا أو تحدث بلى الذراع نرفضها بشدة.

■ حتى الضغوط التى تمارس فى إطار العلاقة بيننا وبين إسرائيل؟

- لعلاقة مع إسرائيل تؤثر فى الكونجرس الأمريكى أكثر من الإدارة الأمريكية، وكلا الطرفين فى النهاية مهم بالنسبة لنا.

■ هل التزامنا الكامل باتفاقية السلام مع إسرائيل يأتى من باب مغازلة الكونجرس المسؤول عن اعتماد المساعدات لمصر رغم عدم التزام إسرائيل بها؟

- بالفعل نحن ملتزمون حرفيا بمعاهدة السلام فى حين أن إسرائيل تخل بها، ولكننا لا نلتزم بها بفعل ضغط أمريكى، إنما لأنها تحقق هدفاً مصرياً، فنحن لا نريد دخول حرب، ونسعى دائما لحل الأزمات بالدبلوماسية.

■ قلت إننا رفضنا ربط المساعدات بالإصلاح السياسى والديمقراطى.. هل يعنى ذلك أن المساعدات خفضت نتيجة لهذا الرفض؟

- الكونجرس هو الجهة التى كانت متشددة فى هذا الأمر، وأمام الرفض المصرى أدرجوا فى القرار أنه يجوز لوزير الخارجية استثناء هذا البند إذا ما رأى مصلحة فى ذلك، وبالفعل صدر القرار بالتخفيض واستخدمت كونداليزا رايس صلاحياتها ولم يتم تخفيض مليم واحد من المساعدات منذ وجودى فى واشنطن حتى انتهاء مدة خدمتى هناك.

■ ما هى حقيقة تخفيض المعونات بسبب قضية الدكتور سعد الدين إبراهيم؟

- الحقيقة أن الجانب الأمريكى اقترح إضافة ٢٠٠ مليون دولار إلى المساعدات التى تدفع إلى مصر، لأن الجانب الإسرائيلى طلب زيادة فى المساعدات، فرأت الولايات المتحدة الأمريكية عمل توازن بين ما يعطى لمصر وما يعطى لإسرائيل - طبعا توازن نسبى- فقرروا إعطاءنا هذه الزيادة، وبعد أن ظهر موضوع «سعد الدين» فى الأفق هددوا بعدم إعطائنا هذا المبلغ، وقالوا لنا صراحة مطلوب أن تتغاضوا عن موضوع سعد الدين إبراهيم وإلا لن نعطيكم الـ٢٠٠ مليون دولار فرفضنا، وقلنا لهم لن نتدخل فى شأن قضائى، ورفضنا الأمر برمته.

■ هل نفذوا تهديدهم؟

- نعم ولم يعطونا بالفعل الـ٢٠٠ مليون دولار، ولكن الأمر لم يشغلنا، لأننا لم نطلب المبلغ من الأساس، بل كان اقتراحا منهم.

■ ماذا عن قضية أيمن نور؟

- قضية أيمن نور أثيرت كثيرا فى الكونجرس الأمريكى أكثر من الإدارة الأمريكية، ولم يكن موقفنا منها مختلفا عن موقفنا من قضية سعد الدين إبراهيم، وقلنا لهم إن الأحكام القضائية ليست رهن المواقف السياسية للدول الأجنبية، ولكن لا يوجد إجراء محدد اتخذ ضد مصر بسبب أيمن نور، رغم حديث الكونجرس دائما عن القضية وتهديداته.

■ هل الاهتمام هنا كان بالأشخاص أنفسهم؟

- لا فالاهتمام كان بالحدث وليس الشخص، ولمزيد من التوضيح، هناك عدد من التيارات الأمريكية وليس تيارا واحدا اهتم بالحدث، أحد هذه التيارات هو تيار مهتم بحقوق الإنسان والديمقراطية، وتيار مخلص فى هذا الأمر، وكثيرا ما يثير مشكلات داخل الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، وبمجرد السماع عن حدث ما دون معرفة التفاصيل يطالب بالتزام الدول بمعايير حقوق الإنسان،

وهناك تيار آخر يريد انتهاز أى فرصة وأى حادث للإساءة إلى العلاقات المصرية الأمريكية والعربية الأمريكية، وتيار ثالث مقتنع بأنه بعد أحداث سبتمبر من الواجب استغلال كل الفرص لمحاولة تفتيت العالم العربى والمساس بهويته حتى لا يجتمع العرب حتى على أساس الهوية.

■ أين كان التيار الصادق المخلص الذى تتحدث عنه بعد أن أتت الانتخابات الديمقراطية بـ«حماس» فى فلسطين تحت إشراف أمريكى ولماذا كف عن المطالبة بالديمقراطية بعدها؟

- لديك حق، لكن كما قلت هذا التيار ليس الوحيد ولا التيار الحاكم، لكن عموما كل التيارات حدثت لها حالة صدمة بعد الانتخابات الفلسطينية، فسكت الجميع عن الحديث حول الانتخابات الديمقراطية، خوفا من أن تأتى بتيارات معادية للولايات المتحدة الأمريكية.

■ لماذا حصلت على إجازة من وزارة الخارجية بعد انتهاء مدتك فى واشنطن.. ولماذا لم تستمر فى العمل فى «ديوان الخارجية»؟

- أديت مهمتى فى واشنطن على أكمل وجه، وأنا راضٍ تماما عن تجربتى الدبلوماسية، وكل ما فعلته فى هذه الفترة، وأعتقد أن ٩ سنوات فى منصب واحد مدة كافية جدا، وليس لى طموح أكثر من ذلك، فواشنطن مكان رفيع المستوى يتمناه كل من يلتحق بالسلك الدبلوماسى، وأنا لا يعنينى أن آتى إلى القاهرة بعد ذلك لأحصل على منصب، فأنا لا أفكر بشكل تقليدى، والإجازة مريحة بالنسبة لى.

■ أمر من اثنين إما أن أداءك كان مغضوبا عليه، أو جيداً لدرجة أثارت لدى البعض الغيرة المهنية والخوف منك؟

- أدائى لم يكن مغضوبا عليه بل لاقى استحسان جميع رؤسائى، وعندما أنهيت مدتى ذهبت إلى أحمد أبو الغيط، الذى استقبلنى وشكرنى، وأنا الذى فاتحته فى قرارى الحصول على إجازة، وأن أخدم البلد بطريقة مختلفة، وأوضحت أننى مستعد لأى مشورة أو مساعدة.

■ أشيع أنك وزير الخارجية القادم بعد أحمد أبوالغيط؟

- ابتسم قائلا: لن يحدث تغيير وزارى قريبا.

-------

سفيرنا السابق فى واشنطن يواصل حواره لـ«المصرى اليوم» (٢ -٢)
نبيل فهمى: العرب لن يحاربوا إسرائيل دون مصر.. ومصر لن تحارب
--------------------------------------------------
حوار رانيا بدوى ١٢/ ٨/ ٢٠١٠
----------------------------------------------------
المياه، الغذاء، الطاقة، ودول الجوار، هذه هى قائمة الأولويات المصرية من وجهة نظر السفير نبيل فهمى التى يجب على أساسها التخطيط للعلاقات مع الآخرين وإعادة النظر فى العلاقات الدولية بين مصر والعالم الخارجى، فيما يخص تلبية هذه الاحتياجات، مع ضرورة وضع سيناريو للفشل وآخر للنجاح فيما يخص النزاعات الإقليمية المؤثرة على مصر، حتى لا نفاجأ بالنتائج، هذا ما قاله نبيل فهمى عندما سألته: ماذا لو عين وزيرا للخارجية؟

لكن أكثر ما لفت انتباهى أثناء تفسير السفير نبيل فهمى لكل نقطة من هذه النقاط، ما قاله عن السودان كإحدى دول الجوار، كنا نختار فى مرحلة من المراحل سفيرنا فى السودان على درجة وزير، وحدث ذات مرة أن أرسلنا وكيلا لوزارة الخارجية، فأرسل لنا السودانيون يتساءلون عن الأمر، فقلنا لهم: «إن هذا السفير ربما يكون وكيلا للوزارة وليس وزيرا، لكنه رقم اثنين فى وزارة الخارجية، إضافة إلى أنه كان أحد ضباط الثورة ورجل له مكانته»

واستطرد نبيل فهمى: هذا كان يحدث، والسودان لم تكن أهم أو أغنى دولة فى العالم، لكنها كانت على رأس الأولويات المصرية.

فى الحلقة الثانية من الحوار يتحدث نبيل فهمى عن أزمة حوض النيل، ويشرح كيف يسير أوباما على نفس نهج بوش فيما يخص عملية السلام، كما أنه ولأول مرة يتحدث فى الشأن الداخلى المصرى، وبدأنا الحوار من هذه النقطة:

■ لنبدأ بسؤال سبق أن طرحه عليك الكاتب الراحل مجدى مهنا- رحمه الله- عندما سألك عن التعديلات الدستورية، وكان فى إجابتك الكثير من التحفظ، وتعللت بكونك سفيرا لمصر فى واشنطن، والآن كيف ترى المطالبات المتعددة بتعديل الدستور؟

- الدستور المصرى وضع فى مرحلة زمنية معينة تعبر عن فلسفة الثورة، وتم تعديله فى مراحل أخرى بشكل جزئى، ورغم أنه صيغ بجهد سياسى واجتماعى وقانونى يحترم، فإنه ظل يعبر عن مرحلة تجاوزناها، والدستور وثيقة قابلة للتغيير من مرحلة إلى أخرى ليتوافق مع تطور النظام المصرى، ومن الطبيعى أن تثار مسألة التعديل الدستورى مع بداية موسم الانتخابات، لذا أرى ضرورة تعديل الدستور، ولكن مع النظر إليه بدقة شديدة وتفنيد كل جوانبه، وأن يتم التعديل بشكل شامل وليس جزئياً، بما يتماشى مع الأوضاع الجديدة حتى لا نضطر إلى تعديله بشكل متكرر.

■ إذا افترضنا موافقة الحزب الوطنى على إجراء التعديلات البعض يشكك فى مصداقيتها، فى ظل سيطرة الحزب الوطنى على بقية الأحزاب، إضافة إلى مناداة آخرين بتعديل الدستور بالكامل قبل إجراء الانتخابات.. فكيف تحل هذه المعضلة؟

- لديك حق، وأنا أتفق مع من يقول بعدم وجود مصداقية للتعديلات فى حالة سيطرة حزب على الآخرين، كما أن مسألة إجراء التعديلات قبل الانتخابات أمر صعب والحل من وجهة نظرى أن يتعهد جميع المرشحين للرئاسة بتعديل الدستور، ووضع بند واضح وصريح بأن أى رئيس سينتخب بعد الرئيس مبارك، يتولى الرئاسة لدورتين رئاسيتين فقط، وهذا البند من شأنه أن يضفى مصداقية على باقى التعديلات حتى لو كانت هناك هيمنة لحزب على الآخرين.

■ وماذا لو رشح الرئيس مبارك نفسه؟

- أكن له كل الاحترام، وقد مثلته فى الخارج مرتين، لكننى أدعوه وغيره من المرشحين إلى التعهد بالتعديل الدستورى، وإذا رشح نفسه للرئاسة وفاز فى الانتخابات أرجو أن يحدد مدة الرئاسة لمن سيأتى بعده، أنا أقصد كل المرشحين، وعليهم اعتبار تعديل الدستور وتحديد مدة الرئاسة نقطة الالتقاء بينهم، يختلفون على أى شىء بعدها لا يهم.

■ بصرف النظر عن وضع هذا البند، ما هى باقى البنود التى ترى وجوب تعديلها؟

- لا أريد التعرض لبنود بعينها، ولكن يجب أن نسأل أنفسنا عدة أسئلة، منها، هل نسب التمثيل البرلمانى الحالية الخاصة بالعمال والفلاحين مازالت مفيدة، أم كان لها هدف فى الماضى، وهو تحقيق عدالة اجتماعية لما عانته هاتان الطبقتان قبل الثورة، وقد انتفى الهدف الآن؟ كما يجب النظر فى جميع النصوص الاشتراكية بعد تحولنا إلى اقتصاد السوق الحرة، كذلك كنا نتحدث فى الماضى عن حزب واحد واستفتاء عام على الرئاسة، اليوم لدينا تعددية حزبية وانتخابات رئاسية، كما علينا أن نضع فى الدستور، ليس فقط ما يضمن التعددية الحزبية، إنما التنافس بين الأحزاب، كل هذه أمور يجب مراعاتها أثناء مراجعتنا للدستور وإجراء التعديلات، لذا فإن التعديلات الدستورية مسألة صعبة جدا، وتحتاج إلى وقت وجهد وتدقيق.

■ ننتقل إلى تصريحات السفيرة الأمريكية مارجريت سكوبى، حول مقتل خالد سعيد، التى أثارت أزمات وتحفظات فى مصر، وهنا أود أن أسألك: هل تصريحات السفير الأمريكى تخضع لتعليمات أمريكية أم أنها اجتهاد شخصى من السفيرة؟

- لا نستطيع التعميم على كل الحالات، ولكن بغض النظر عن تصريحات سكوبى فإن التصريحات نفسها صدرت من وزارة الخارجية الأمريكية، بل ومن البيت الأبيض نفسه، وليس مهما ما إذا كانت هذه التصريحات بتعليمات أم لا، وكل ما أتحفظ عليه أن يتم التعقيب على قضايا بعينها قبل أن يترك المجال للمؤسسة القضائية الوطنية أن تحقق وتصدر أحكامها، نحن نعيش الآن فى إطار منظومة عالمية توضع فيها أسس للتعامل فى القضايا الدولية، وهناك أرضية لكيفية التعامل على المستوى الداخلى للدول، وعلى كل دولة الالتزام بهذه القواعد، لكن فى إطار الممارسة ذاتها يجب على الطرف الخارجى أن يتابع ما يريد دون تدخل، إلا إذا وجد قصورا فى التحقيق وفى النظام المتبع، وأن يكون القصور متكرراً وليس حادثاً استثنائياً، فأى دولة أجنبية تريد أن تتابع أى قضية أهلا وسهلا بها، ولكن لا يجب التعقيب قبل التحقيق.

■ لكن البعض يرفض التعقيب الأجنبى لا قبل التحقيق ولا بعده، ولا حتى فى حالة حدوث أى تقصير، فهو شأن داخلى؟

- أتفق معك تماما.. فلو أن كل دول عقبت على الأحكام الداخلية للدول الأخرى سنعيش فى حالة من الغوغائية، وما أقوله إن العالم تحكمه أسس مشتركة فى الديمقراطية وحقوق الإنسان، وفى إطار هذه المنظومة يتابع كل طرف الطرف الآخر.. ومؤخرا وجدنا الدكتور مفيد شهاب ذهب بنفسه إلى جنيف لمناقشة ملف حقوق الإنسان فى مصر، وهو دليل التزامنا بالشفافية والمراجعة الدولية حتى لو اختلفنا فى بعض الأمور.

مصر تستطيع التعامل بصدق وإيجابية مع التيارات الداعية إلى احترام حقوق الانسان، لأننا أعلنا صراحة أننا فى مرحلة مستمرة من الإصلاح الداخلى، ولكن فى نفس الوقت لا نسمح باستغلال هذا الملف سياسيا، وإلا سينقلب الأمر وسنجدهم يقولون لنا من أجل الديمقراطية وحقوق الانسان عليكم بمعاداة فلان، من أجل الديمقراطية حاكموا واحبسوا فلانا ولا تحبسوا آخر وهى أمور لا نقبلها.

■ دعنى أطرح عليك السؤال المتكرر عن تراجع الدور المصرى.

- الحفاظ على الدور المصرى أصبح صعبا الآن، فاللعبة لم تعد كالسابق، لم تعد بين الشمال والجنوب والشرق والغرب، ولم تعد الأطراف معدودة: العرب ضد إسرائيل، والخليج العربى ضد بلاد فارس، بل أصبح الخلاف بين سنة وشيعة وكرد، أصبح اللاعبون اكثر والأطراف متعددة، فى الماضى كانت مصر والسعودية وسوريا هى الأطراف الوحيدة اللاعبة فى القضية الفلسطينية الآن تعددت الدول، لذا أصبح لزاما على مصر أن تنظر شمالا وغربا وجنوبا وشرقا فى نفس الوقت، فالمنافسة على الدور أصبحت أشرس.

■ هل أنت راضٍ عن أداء الخارجية المصرية؟

- يجب أن تكون لدينا رؤية استراتيجية ومنظور لاحتياجاتنا وأولوياتنا، وعلينا أن نتوقع طبيعة المشكلات والمخاطر والفرص المتاحة، بمعنى أن نحدد ما هى احتياجاتنا من المياه والطاقة والغذاء، وأن نبحث عن مصادر تلبية هذه الاحتياجات، وأن نبدأ فى صياغة علاقاتنا مع الدول التى ستلبى احتياجاتنا، أى أن أضع عينى على طرق واتجاهات هذه الاحتياجات، ثم النزاعات الإقليمية التى من الممكن أن تؤثر علينا، وأن نضع سيناريو إذا ما حلت هذه النزاعات، وسيناريو إذا ما تعذر الحل وتأثيرات ذلك على مصر، على سبيل المثال يجب أن نعد سيناريو فى حالة نجاح التفاوض مع إسرائيل، وآخر إذا ما فشل، سيناريو ماذا لو لم أصل لنقطة مشتركة مع دول حوض النيل، وغيرها من القضايا.

■ إلى أى سياسة تميل.. سياسة وزير الخارجية الحالى أحمد أبوالغيط، الذى يقول إن الرئيس يضع السياسات الخارجية والوزير ينفذها، أم سياسة عمرو موسى الذى يقول إن الوزير مشارك فى صنع السياسات؟

- بل سأذهب أبعد مما قاله عمرو موسى، فأنا أرى أن أى مسؤول فى الدولة وأى موظف عليه المشاركة فى وضع السياسات سواء أُخذ بها من قبل رؤسائه أو لا.

■ وهل كنت تشارك فى وضع السياسات أثناء وجودك فى واشنطن؟

- تعريف منصب السفير رسميا هو ممثل رئيس الجمهورية لدى رئيس الدولة الأخرى، أى أننى أمثل رئيس الجمهورية وليس وزير الخارجية، هذا أولا.. ثانيا لم أبعث سفيرا للولايات المتحدة لأرسل معلومات فقط، فهى مهمة من الممكن أن يقوم بها سكرتير، كما أننى لن أرسل وجهة النظر التى تريد القاهرة سماعها، فالمنصب مسؤولية ضخمة، وما أرسله من المعلومات يساهم فى صناعة القرار المصرى، لذا يجب أن أكون حذراً ومدققاً لكل شىء.

■ ما أبرز القضايا التى أرسلت فيها وجهة نظرك إلى مصر، وماذا كانت وجهة نظرك؟

- أرسلت تقارير كثيرة مصحوبة بوجهة نظرى، بداية من اليوم الثانى عشر بعد وصولى إلى واشنطن، حيث سقطت طائرة مصر للطيران، ولم يكن لى سابق خبرة فى التعامل مع مثل هذه الأزمات، وكانت الولايات المتحدة الأمريكية تقول بأنه حادث انتحار، مستندة إلى قول البطوطى «توكلت على الله»، على الجانب الآخر أرسلت مصر تنفى عملية الانتحار، فأرسلت إلى أمريكا وأوضحت لهم أن «توكلت على الله» كلمة يقولها المسلم والمسيحى فى مصر عندما يبدأ يومه وعمله ولا علاقة لها بالإرهاب، وفى نفس الوقت أرسلت إلى مصر رأيى بأنه لا يجب أن نبادر بنفى شىء مازال طى التحقيق، مرورا بإرسال تقرير من ٢٠ صفحة قيّمت فيه شخصية الرئيس بوش واتجاهاته، فور توليه الحكم، وأرسلت للقاهرة أقول لهم إن بوش الابن يميل إلى التفكير الدينى، وإنه ليس لديه أدنى خبرة فى التعامل مع العالم الخارجى، حيث إنه رجل لم يسافر إلا مرتين فى حياته مرة إلى مصر ومرة إلى الصين، عندما كان والده يعمل سفيرا هناك، إضافة إلى أنه لن يسير فى اتجاه عملية السلام إلا تحت ضغوط شديدة .. فقد كانت القاهرة على علم باتجاهات بوش فور توليه السلطة.

■ لننتقل إلى القضية الفلسطينية.. كيف تقرأ تصريحات الرئيس أوباما أثناء الزيارة الأخيرة لنتنياهو للولايات المتحدة الأمريكية، التى قال فيها إن «إسرائيل دولة صغيرة لها احتياجات أمنية خاصة» وهل هذا يعنى أنها ستظل بحماية أمريكية خارج معاهدة منع الانتشار النووى فى المنطقة؟ وماذا تعنى جملة «مع مراعاة الأمر الواقع» أثناء الحديث عن الحل على أساس حدود ٦٧؟

- التصريحات الخاصة باحتياجات إسرائيل الأمنية تعنى تراجع الأمريكان عما تم الاتفاق عليه فى مؤتمر مراجعة اتفاقية منع الانتشار النووى فى منطقة الشرق الأوسط بما فيها إسرائيل، هذه المراجعة التى أعادتنا إلى ما كنا وصلنا إليه حتى عام ٢٠٠٠ فى تناول قضية عدم الانتشار النووى فى المنطقة بما فى ذلك إسرائيل، بعد تدهور الموقف السياسى الدولى فى هذه القضية إثر ولاية بوش الابن، وبكل صراحة شعرت بإحباط شديد من هذه التصريحات، لأنها تتنافى مع مبادئ وفلسفة منع الانتشار النووى فى المنطقة، ولأن أمريكا تشير ضمنا إلى إبقاء دولة خارج إطار الاتفاقية.

أما التصريحات الخاصة بعملية السلام بين فلسطين وإسرائيل، فأنا أرى فى الإشارة إلى إقامة دولتين شيئاً إيجابياً، وإلى إقامة دولة فلسطينية على حدود ٦٧ أمراً إيجابياً أيضاً، ولكن جملة «مع مراعاة الأمر الواقع» تعنى تأكيد الأمريكان وأوباما أنهم لن يتراجعوا عن الضمانات القديمة التى أعطيت إلى رئيس الوزراء شارون من قبل الرئيس الأمريكى السابق جورج بوش، وهو أمر يجب الحذر منه، لأن هذه التصريحات تؤكد احتفاظ إسرائيل بالمستوطنات على الحدود. كما أن من الأمور السلبية فى هذه التصريحات أنه لم تتم الإشارة إلى وجود عاصمة فى القدس.

■ مؤخرا صدرت تهديدات من الرئيس الأمريكى إما ببدء التفاوض المباشر أو خسارة الحوافز الأمريكية، فكيف ترى الوضع؟

- القضية الفلسطينية وصلت إلى عنق الزجاجة، والخطة العربية تقول ببدء المفاوضات غير المباشرة ثم المباشرة ثم الذهاب إلى مجلس الأمن، وهنا أحد أمرين: إما أن تنجح المفاوضات، وإن كنت أشك فى ذلك، لأن جميع المؤشرات تشير إلى عكس ذلك، وهذه العملية ستتعدى الستة أشهر، وهنا سيتعلل أوباما بقرب انتخابات التجديد النصفى للكونجرس ولن يتم اتخاذ أى موقف قبل الانتخابات، أو أن العرب سيذهبون إلى مجلس الأمن ويقدمون مشروع قرار يؤكدون فيه إقامة دولة فلسطينية على أساس حدود ٦٧ وعاصمتين فى القدس، وحل قضية اللاجئين على أساس قرار ١٩٤، ويسجلون الموقف برمته تاريخيا ويسعون إلى جمع تأييد دولى، حتى لو تم ذلك سيمتد التفاوض حول مشروع القرار لعدة أشهر، هذا إذا كنا معنيين بتأييد أمريكى وليس فيتو، وفى كل الحالات لا أتوقع أى حل فى عام ٢٠١٠، خاصة مع انشغال أمريكا بانتخابات التجديد النصفى للكونجرس من ناحية، وعدم توافر الحد الأدنى لدى الحكومة الإسرائيلية لبدء التفاوض من ناحية أخرى. ولن يحدث أى شىء بكل تأكيد قبل ديسمبر القادم، وبعد انتهاء الانتخابات الأمريكية، وسينتظر العرب حتى تأتى حكومة فى إسرائيل لديها النية فى الحل.

■ كل الخيارات التى طرحتها ليس من بينها خيار للحل ولا خيار للحرب؟

- العرب لن يحاربوا، ولن يسمح لهم أحد بالحرب، والمناخ الدولى ليس مناخ حرب، ولا توجد حرب بدون مصر ومصر لن تحارب.

■ ولا حتى سوريا بالاشتراك مع إيران وحزب الله فى لبنان؟

- لو رصدت معدلات خرق الحدود المصرية الإسرائيلية ستجدينها أكبر كثيرا من معدلات خرق الحدود السورية الإسرائيلية، فالجبهة السورية هادئة، سوريا تعلم أن الحرب ليست فى مصلحتها الآن، فأى حرب تتحدثين عنها؟!

■ وماذا عن تهديدات حزب الله؟

- هناك فرق كبير بين حرب بالمعنى المتكامل، وصاروخ يسقط من حين إلى آخر على إسرائيل.

■ ظللنا نعمل لسنوات طويلة فى الملف الفلسطينى، فجأة وفى أحداث غزة أصبحت تركيا نجمة، فى حين قذفت السفارات المصرية فى الخارج بالحجارة، فأين موطن الخطأ؟

- لا يجب تقييم أداء الدولة من خلال ملف واحد، وفى فترة زمنية قصيرة الأجل، ومن الطبيعى أن كل من سيعمل فى الملف الفلسطينى ستسلط عليه الأضواء، لكنه حدث مؤقت، وأنا بالطبع أرحب بأى جهد يبذل، وهذا لا يخصم من رصيد مصر، صحيح أن مصر لم تصل إلى نتائج ملموسة، ولكن هذا لأن مناخ القضية الفلسطينية يمر من إيجابى إلى سلبى ومن سلبى إلى أسوأ، إضافة إلى أن الحكومة الإسرائيلية الحالية لا تريد السلام، وليس لديها الحد الأدنى الذى يمكن على أساسه بدء التفاوض.. عموما اللاعبون سيكثرون ولا يجب أن نشغل أنفسنا بذلك.

■ والحل؟

- أن نجتهد فى أكثر من ملف فى آن واحد، وليس فقط قضايا الشرق الأوسط، إنما باقى قضايا العالم، فالخبر اليوم الذى يذاع على الفضائية يستمع إليه كل من فى تشيلى وتايوان والصين وروسيا فى نفس اللحظة، فلو أن مصر أصبح لها دور فى الملفات العالمية ستظل بارزة فى المجتمع الدولى، إضافة إلى جانب مهم، وهو أن الإخفاق فى ملف ما، وقتها سيتضاءل أمام نجاحات فى باقى الملفات، وليس كما يحدث الآن، الإخفاق فى ملف يراه البعض إخفاقاً عاماً فى كل شىء، كما لا يجب أن تكون مصر فى موضع رد فعل للغير، بل يجب أن تكون لنا رؤية مستقبلية لحماية مصالحنا، وعلينا أن نكون طرفاً فاعلاً فى كل الملفات.

■ هذا يعنى أنه ليست لدينا رؤية؟

- لدينا المبادئ التى تحكم السيادة الوطنية والالتزام بالقانون الدولى.

■ وهل هذا يتعارض مع اتخاذ موقف مع إسرائيل وبناء علاقات جيدة مع دول حوض النيل وغيرها؟

- لا.. لذا أتحدث عن تحديد أولويات، وأذكر أننا كنا فى السابق مثلا نرسل سفير مصر فى السودان على درجة وزير احتراما منا لأهمية هذه الدولة، وأذكر أننا فى إحدى السنوات أرسلنا سفيراً للسودان على درجة وكيل أول وزارة، فأرسل لنا السودانيون يستفسرون عن الأمر، فأجبناهم بأن السفير الجديد ربما ليس على درجة وزير ولكنه رقم اثنين فى وزارة الخارجية، كما أنه كان من الضباط الذين ساهموا فى ثورة يوليو، هذا والسودان ليست أهم ولا أغنى دولة فى العالم، ولكنها تأتى على قمة أولوياتنا، كما يجب أن أضع جميع دول الجوار فى هذه المكانة، مثل إسرائيل وليبيا، فإن كانت الأولى مهمة لعملية السلام، فيجب أيضا أن نستثمر علاقتنا الجيدة بليبيا ولا نكتفى بالعلاقات الحسنة.

■ حديثك ينقلنا إلى الأزمة مع دول حوض النيل، هل لديك تعقيب على ما وصلت إليه؟

- قضية المياه يجب أن تحل على أساس الكسب للجميع، فلا يمكن حلها لصالح طرف على حساب الطرف الآخر، ولن تحل بالضغط ولا بسياسة الأمر الواقع، وإذا نظرنا إلى أزمة دول حوض النيل فلن نجدها أزمة مياه، إنما أزمة كيفية استغلال المياه لتوليد الطاقة لأغراض التنمية، وهو ما يدفعهم إلى تحميل مصر والسودان سعرا معينا للمياه التى تتجاوز الحقوق المتصورة بالنسبة إليهما، واعتقادى أن الحل يكمن فى الحوار والدبلوماسية الهادئة وكيفية الاستثمار فى حوض النيل من قبل مصر، بالنظر فى المشروعات المشتركة للاستخدام الأمثل للمياه، وقبول دول حوض النيل على الناحية الأخرى بأن قضية المياه استراتيجية بالنسبة لمصر والسودان، وعدم التعامل معها بمنطق فرض الرأى على الآخرين.

■ وهل تسير مصر فى الطريق الصحيح فى المفاوضات مع دول حوض النيل؟

- هناك جهود واضحة لا شك.. ولكن لا يجب أن نضيع وقتنا فى النقاش حول الحقوق التاريخية لمصر والسودان، فالحقوق قائمة.. ولا يجب أن يدور الحوار هل الحقوق قائمة أم لا، مصر تقول قائمة وهم يقولون لا.. وهذا خطأ فى الحوار، فالحقوق المصرية والسودانية معروفة ويجب التعامل معها على هذا الأساس، ويجب نقل الحوار إلى منطقة أخرى، وهى منطقة المصالح، كيف نحقق المصالح لدول حوض النيل دون المساس بالحقوق التاريخية والوضع التاريخى القائم، وهذا ما لم يكن يحدث.

■ هل الخارجية المصرية هى سبب الأزمة مع دول حوض النيل بتجاهل العلاقات معها لسنوات؟

- لا يجب أن نضيع وقتنا فى هل الخارجية قصرت أم لا، المهم أننا أمام مشكلة حيوية يجب أن تحل، وعلينا التركيز فى حلها، ثم إن الأزمة مع دول حوض النيل مستمرة منذ سنوات طويلة، تتوتر أحيانا وتخفت أحيانا، على حسب الظروف والأوضاع السياسية.

■ وعلى حسب حجم الضغط الأجنبى عليها لتأليبها على مصر؟

- لا شك أن التواجد الأجنبى فى دول حوض النيل كبير، ومتعدد الجنسيات، ولكن لو أننا ـ كما قلت ـ انتقلنا من النقاش حول الحقوق إلى النقاش حول المصالح ربما نصل إلى حل للأزمة.

http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=265634
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=265662

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المتابعون