عبد الرحيم شحاتة



وزير التنمية المحلية السابق لـ«المصرى اليوم»:
(١-٢)انشغلنا بمَن سيجلس على «كرسى» الحكم أكثر من «الإصلاح»
----------------------------------------
حوار رانيا بدوى ١٠/ ١٠/ ٢٠١٠
--------------------------------------
قال الدكتور عبدالرحيم شحاتة، وزير التنمية المحلية السابق، إننا انشغلنا بقضية من سيجلس على كرسى الحكم أكثر من انشغالنا بكيفية الإصلاح، معتبراً أن حل الأزمات فى مصر ليس فى تعديل الدستور، ولكن بتطبيق القانون، والتربية والتعليم، وسلوكيات المجتمع، مؤكداً أن المركزية هى سبب أزمات مثل المياه، والصرف الصحى، والخبز، والبوتاجاز، مشيراً إلى أنه لا ديمقراطية أو تنمية دون تطبيق اللامركزية، مبرراً عدم تطبيقها حتى الآن بأن بعض المسؤولين يخافون من ضعف قبضة الدولة إذا تم تطبيقها، كاشفاً عن أنه كثيرا ما يصدر رئيس الجمهورية قرارات لا ينفذها الوزراء.

وأضاف «شحاتة»، الذى قضى أكثر من ١٠ أعوام محافظاً للفيوم، ثم الجيزة، ثم القاهرة على التوالى، وعاماً ونصف العام وزيراً للتنمية المحلية، فى حواره مع «المصرى اليوم»، مؤكداً أن مشكلة الزيوت فى مصر أخطر من مشكلة القمح، بسبب إهمالنا القطن الذى كان يوفر نحو ٧٠% من الاستهلاك المحلى من الزيوت، واصفاً قرار تقسيم المحافظات بأنه لم يستند إلى دراسة متأنية، لافتاً إلى أن مصر تحتاج إلى تقسيم جديد لكل الجمهورية بشرط ألا يكون «اعتباطياً».

وتابع «شحاتة»، الذى كان من أكثر المطالبين بتنفيذ اللامركزية، أن الفساد أصبح ظاهرة كما كان فى عهد حكومة عاطف عبيد، رئيس مجلس الوزراء السابق، لكنه فى المحليات ينحصر فى الإدارات الهندسية فقط، مؤكداً أن تنمية الريف هى أول خطوة لحل مشاكل المدن فى مصر، واصفاً إرادتنا فى تقوية مراكزنا الاقتصادية بأنها محدودة، وإلى نص الحوار:

■ إذا كانت المركزية نموذج الحكم منذ عهود طويلة فما الذى يجعل تطبيق اللامركزية الآن ضرورة ملحة؟

- مصر بلد تحكمه مركزية شديدة جدا منذ قديم الأزل، لكن فى الوقت الحالى اتسعت رقعة الدولة وتعقدت المشكلات، والناس لم يعد عندها صبر مثل ذى قبل، فهناك مشاكل لا يمكن الانتظار عليها أو التباطؤ فى حلها، مثل مشاكل مياه الشرب، والصرف الصحى، والأسمدة، وإضراب العاملين فى المصانع، ومشاكل أخرى كثيرة كان يجب النظر فى حلها سريعا، لذا زاد الإحساس بأن المركزية تحول دون اتخاذ رد الفعل السريع تجاه بعض المشكلات.

■ وما الذى يمنع نقل بعض الصلاحيات إلى الإدارة المحلية منذ الستينيات وحتى الآن؟

- يرى البعض أن تنفيذ اللامركزية سيؤدى إلى اضمحلال وتفكك سطوة الدولة، وهذا غير صحيح، فنحن نتحدث عن لامركزية فى أسلوب الإدارة وأسلوب التمويل، ولا نطلب لامركزية سياسية، فالسياسات تأتى من أعلى، إنما التطبيق المالى والإدارى يجب أن يكون فى يد المحليات، فلا يمكن أن تحدث تنمية عادلة فى مصر ولا ديمقراطية بمعناها الحقيقى، أى أن يكون الإنسان هو مصدر ومحور القرار، دون أن تطبق اللامركزية المالية والإدارية، فالمحليات أدرى بشؤونها، كما يجب أن تذهب موارد المحافظات إلى المحافظات، فمثلا الموارد الطبيعية فى محافظة ما من المحافظات، من محاجر وغيرها، يجب أن يذهب الجزء الأكبر منها لأبناء هذه المحافظة.

■ وماذا عن المحافظات الفقيرة فى الموارد، هل تموت جوعا، أم الأفضل أن تذهب جميع الموارد إلى الدولة وتقسم بين جميع المحافظات؟

- هذا يقودنا إلى قضية التقسيم الإدارى، فأنا أرى أن التقسيم الإدارى بين المحافظات يجب أن يأخذ فى الاعتبار موارد كل محافظة، وأن تتواءم مع احتياجات شعب المحافظة، فمثلا طبقا للتقسيم الذى حدث منذ عامين فإن محافظة القاهرة الآن ليس لديها موارد نهائيا، فالموارد المحجرية ذهبت إلى محافظة حلوان، رغم أن حلوان غنية بالموارد بالفعل، كذلك محافظة الجيزة، كل مواردها ذهبت إلى محافظة ٦ أكتوبر، أى أن المحافظتين الآن ليس لديهما موارد، إلا إذا قررت الدولة إعطاءهما جزءا من حصيلة الضريبة العقارية حتى تستطيعا مواجهة احتياجاتهما.

■ إذن أنت معترض على هذا التقسيم الذى ترتب على إنشاء محافظتين جديدتين؟

- حتى يكون هناك تقسيم إدارى ناجح، يجب أن نحدد الهدف منه، وما سيترتب عليه، وتتم دراسة الأمر جيدا من قبل متخصصين، ويراعى الاتصال الجغرافى بين المناطق، كما يجب أخذ رأى المعنيين بالتقسيم، عن طريق استطلاع آراء ممثليهم فى مجلس الشعب والمجالس المحلية، كما أن من أهم مواصفات التقسيم الناجح أن تكون إمكانيات المحافظة متوازنة مع احتياجاتها، أما أن يتم التقسيم لمجرد التقسيم فهذا لا يصح، وكنت قد قدمت بالفعل من قبل أفكاراً للتقسيم الإدارى قبل أن يحدث، لكن المسؤولين لم يأخذوا به.

■ ما أبرز ملامح هذا التقسيم؟

- كنت أرى دائما وأنا محافظ للقاهرة ضرورة تخفيف العبء الإدارى عن المحافظة، حيث كنت أعمل ١٨ ساعة يوميا ولا تكفى، كما لاحظت أن الجيزة لها مراكز تابعة لها شرق النيل، مثل الصف، وأطفيح، فاقترحت أن تنشأ فى القاهرة محافظة جديدة، على أن تسمى محافظة حلوان أو محافظة جنوب القاهرة، تشمل الصف، وأطفيح، وحلوان، والتبين، و١٥ مايو، وكنت أرى أن تبقى المعادى تابعة لمحافظة القاهرة، كما اقترحت أن تنشأ للمدن الجديدة فى شرق القاهرة محافظة جديدة تضم الشروق، والسلام، والنهضة، وبدر، والعبور وتسمى محافظة شرق القاهرة، ولدينا نماذج مماثلة فى أمريكا مثل «نورث» (شمال) كارولينا، و«ساوث» (جنوب) كارولينا، لكن ما لا أفهمه الآن هو تقسيم الجيزة، فالاتصال الجغرافى فيها أصبح غير متاح، وتم ضم مناطق أقرب للواحات البحرية منها إلى محافظة ٦ أكتوبر، وأخرى أقرب للجيزة تمت إضافتها إلى ٦ أكتوبر دون أى اعتبار للاتصال الجغرافى، أما فيما يخص محافظة حلوان فأنا موافق على ما جرى بشأنها، لكن اقتراحى بأن تكون شرق القاهرة محافظة مستقلة لم ينفذ، وعلى ما يبدو أن وزير الإسكان لم يرد ترك المجتمعات العمرانية الجديدة، وأبقاها ضمن اختصاصه، رغم أن قانون المجتمعات العمرانية الجديدة ينص على أنه متى انتهى توصيل المرافق إلى هذه المجتمعات العمرانية تنقل إدارتها إلى المحليات.

■ هذا يعنى تجاهل وزير الإسكان تنفيذ القانون؟

- أتفق معك، لكن لابد أن تكون هناك إرادة سياسية للدولة، حتى يتم تفعيل هذا القانون.

■ بعد مرور أكثر من عامين على التقسيم الإدارى لم يقل الضغط على القاهرة، ولم تحدث تنمية فى المحافظات الجديدة، فذهب الناس إلى فكرة أن التقسيم كان الغرض منه مجرد إيجاد مناصب جديدة لإعطاء بعض الموظفين أموالاً إضافية؟

- لا أعتقد أن هذا كان هو المقصود، إنما ما أستطيع قوله هو أن التقسيم لم يستند إلى دراسة متأنية فى عقلانيته ودواعيه.

■ هل أنت مع من يرون أن الناس لم تشعر بالفرق؟

- ربما لا يكون حدث فرق.

■ هل نحن بحاجة إلى تقسيم إدارى جديد يشمل مصر بالكامل؟

- إحساسى نعم، نحتاج ذلك، ولكن بشرط أن يستند على أسس إدارية ومالية وموارد سليمة، أما التقسيم الاعتباطى فلا يحل أى مشكلة.

■ فى رأيك لماذا تضخمت أزمات مثل مياه الشرب، والصرف الصحى، ورغيف الخبز، والبوتاجاز؟

- كلها أزمات مرجعها المركزية الشديدة، فهناك محاولات دائمة لجمع أكبر قدر من الصلاحيات فى يد الوزارات، فمثلا عندما كنت محافظاً للقاهرة كان عندى هيئتان هما مياه الشرب والصرف الصحى، والنقل، وفوجئت بأن السيد رئيس مجلس الوزراء يبلغنى بأن المهندس محمد إبراهيم سليمان، وزير الإسكان فى ذلك الوقت، يريد عمل هيكلة لنظام مياه الشرب والصرف الصحى، فرفضت، وقلت له إنها احتياجات فورية للمواطن ولا أعتقد أن الجهة المركزية ستقف لحين إصلاح مواسير كسرت، أو قطع المياه عن الشرابية أو الدرب الأحمر وغيرهما، مما سيحدث مشكلات كثيرة، فبدا وكأنه اقتنع برأيى، ولكن بعد ٦ أشهر صدر قرار جمهورى بإنشاء الشركة القابضة، وفصل هيئة مياه الشرب والصرف الصحى عن محافظة القاهرة، هذا أحد الأمثلة القريبة التى أخذ فيها المركز جزءًا من عمل وصلاحيات المحليات، رغم أن العكس هو المطلوب، والنتيجة أن الشركة القابضة لم تعد قادرة على استيعاب جميع مشكلات الجمهورية، فظهرت هذه المشكلات وتفاقمت، بينما لم نكن نسمع عنها حين كان الأمر فى يد المحليات.

■ ما رأيك فى المقولة الشهيرة التى خرجت من السلطة نفسها «الفساد فى المحليات للركب»؟

- أنا متحفظ على هذه العبارة لأنها شديدة الظلم للإدارة المحلية، التى يعمل بها نصف موظفى الدولة، وكى أكون صريحاً فإن الفساد فى المحليات ينحصر فى الإدارات الهندسية، وهى الإدارات المسؤولة عن إصدار التراخيص، ومراقبة المخالفات فى المبانى، والتخطيط العمرانى، أما باقى القطاعات والإدارات فسليمة.

■ وماذا عن الفساد بشكل عام فى مصر؟

- للأسف أنا أراه أصبح الآن ظاهرة، كما أنه كان ظاهرة أيضا أيام عاطف عبيد، رئيس مجلس الوزراء السابق.

■ قال أحد المحافظين إن مركزية الوزراء تصل إلى درجة «منع ومنح» المحافظات بحسب الهوى الشخصى للوزير وعلاقته بالمحافظ؟

- كل المحافظات تأخذ اعتماداتها بحسب تعدادها السكانى، وهناك بعض التمييز الذى يحدث بقرارات من رئيس مجلس الوزراء، فمثلا فى منتصف ٢٠٠٤ حدث تمييز للأقصر لإحداث طفرة بها، وقد حدثت الطفرة بالفعل نتيجة لوجود محافظ متميز هو الدكتور سمير فرج، الذى قلب الأقصر رأسا على عقب وطورها بالكامل، ولكن عموما الموازنات لا توزع اعتباطا فهناك مجالس شعب، وشورى، ووزراء، وأحيانا يحدث نزاع بين الوزراء والمحافظين، لكن لا يخرج عن النطاق المحدود، مجرد خلاف فى وجهات النظر.

■ لكن قد يؤدى هذا الخلاف إلى تعطيل مصالح الناس؟

- أنا نفسى لم يحدث معى موقف مماثل، بالطبع «الكيمياء» مطلوبة بين الوزير والمحافظ، لكنها ليست العامل المحدد فى قبول أو رفض المشروعات، ولا تصل إلى درجة تعطيل مشروعات أو مصالح الناس.

■ لا تحدث نهائيا؟

- قد تحدث، ولكن بنسب طفيفة.

■ بعض المحافظين يعانون من محدودية صلاحياتهم، فهل تؤيدهم فى ذلك، رغم أن لديهم صلاحيات بالتفويض؟

- نعم، ولكن عندما ينزعج الوزير أو يختلف مع المحافظ يسحب التفويض، وعموما هذا ما نطلبه فى قانون الإدارة المحلية، وهو توسيع نطاق صلاحيات المحافظ، وقد قدمت مشروع هذا القانون مرتين، الأولى كانت بعد ٦ أشهر من دخولى الوزارة، والثانية بعد دخولى بحوالى سنة، وتمت إحالة المشروع إلى اللجنة التشريعية فى مجلس الشعب، وكنت عضوا فيها، واتفقنا على أن المشروع سيطرح على مجلس الشعب ٢٠٠٦ وحتى الآن لم يطرح.

■ وهل أبدى أحد ما اعتراضا على مشروع القانون بشكل مباشر أثناء مناقشته؟

- لا أحد يقول شيئاً بشكل مباشر، وأضاف ساخرا: «ممكن يسمعونى وبعدين يطنشوا»، ولكن عموما يوجد تخوف من أن قبضة الدولة على الأمور قد تضعف بتطبيق اللامركزية.

■ هل هو تخوف نابع من الوزراء حرصا على سلطاتهم، أم من القيادة العليا؟

- بالعكس الرئيس فى أكثر من خطاب له أكد ضرورة تعميق اللامركزية.

■ إذا كان الرئيس يريد شيئا، فكيف للوزراء أن يفعلوا العكس؟

- «يا سلام»، وهل هذه هى المرة الأولى، هذا يحدث كثيرا.

■ ما تقوله كلام خطير، أن يصدر الرئيس قرارا والحكومة تمتنع عن التنفيذ أو تتجاهل؟

- الحكومة لا تقول صراحة لن أنفذ، لكن بعض السادة الوزراء يكونون متحفظين فى التنفيذ عمليا.

■ هل أنت مع الرأى القائل بأن إصلاح حال البلد يبدأ من تعديل الدستور؟

- الفرصة كانت متاحة عام ٢٠٠٥، ومع ذلك لم تكن التعديلات حسب المنشود كما يرى البعض، وبالطبع هناك من يتحدثون عن تعديلات دستورية، ولهم الحق فى ذلك، ولكن هناك مصالح لمن يطالبون بذلك.

■ لكن من الإنصاف ألا تغفل أن هناك مصالح أيضا لمن يرفضون التعديلات الدستورية؟

- على الكل إعادة النظر فى مواقفهم لمصلحة البلد.

■ وهل أنت مع تعديل أم تغيير الدستور؟

- كان لدينا من قبل دستور ٢٣، وكان من أفضل الدساتير، وتم تغييره، ومع ذلك هل انصلح حال الدولة، الأزمة ليست فى الدستور، إنما فى تطبيق القانون، والتربية والتعليم، وسلوكيات المجتمع، فهل يعقل مثلا أن مصر بها ٤٠% نسبة أمية، لماذا فشلنا فى القضاء على الأمية حتى الآن، النظام كان يجب أن يصر على القضاء على الأمية، ولو فعل لكانت انتهت فى عام واحد، كأن يتخذ قراراً بأن كل شخص متعلم يمحو أمية ١٠ آخرين، فلنفتح الحدائق والمتنزهات والجوامع والكنائس ونعلن أن هذا العام مثلاً عام القضاء على الأمية، لكن للأسف لا توجد إرادة وطنية لا حكومة ولا شعب، وما أقصده أن حل أزماتنا لا يكمن فى تعديل الدستور فقط، وإنما فى رغبتنا كشعب قبل النظام فى إصلاح أحوالنا.

■ هل ترى أننا انشغلنا بقضية من سيجلس على كرسى الحكم أكثر من انشغالنا بكيفية إصلاح بلدنا؟

- نعم، وأرى أنه انشغال لا مبرر له.

■ هو مبرر لدى من يرون أن الفساد الحالى سببه النظام الحالى، وتغيير النظام يعنى تغيير الوضع الحالى؟

- هذا منطق من يريد السير فى الطريق السهل، أنا أرى أن التغيير فى حد ذاته ليس هو الهدف، إنما هو وسيلة لتحقيق هدف، وعلينا أولا أن نسأل أنفسنا كشعب هل لدينا الإرادة والرغبة فى إصلاح أحوالنا، نحن شعب لا نعادى أى حكومة، ولسنا أعداء لأى نظام، نحن مع التيار ومع الأغلبية، وهذه هى مشكلتنا.

■ تعنى أننا سبب مشكلاتنا، وأننا مَنْ نرضى بالواقع بل نساعد فى تكريسه؟

- نحن شعب يخطب دائما ود الحكومة، وليس كل ما تشكو منه الجماهير من صنع الحكومة، فسلوكيات الناس والمنطق السائد لديهم ليست سليمة فى معظم الحالات، ولا بديل لمصر إلا بإيجاد المواطن الصالح، من خلال تربية وتعليم سليمين، لا التعليم وحده سينفع، ولا التربية وحدها ستنقذ البلاد، فلا يوجد مواطن فى مصر لا يعتبر خرق القانون شطارة وفهلوة.

■ باعتبارك خبيراً فى الزراعة، وتوليت منصب مدير مركز البحوث الزراعية لفترة، وقلت من قبل إنه لا مستقبل لمصر إلا من خلال الزراعة، وإنها منطلق التنمية الشاملة فى مصر، فماذا كنت تعنى؟

- الزراعة بشكل عام تواجه مشكلات عديدة، منها تدهور الأراضى الزراعية، وتدهور حال الفلاح الذى أراه أولى بالرعاية من أى فئة أخرى، لأن تحسين حاله سينعكس على سكان الريف سواء من يعملون بالزراعة أو من يعملون بمهن أخرى، لكن أن أرفع الدعم عن الأسمدة والمبيدات والبذور، وأترك الفلاح يواجه الغلاء وحده، وعندما يحصد المحصول تشتريه الحكومة بسعر متواضع لا يعوضه، فهذه كلها أمور تتسبب فى كل أزمات الغذاء التى نواجهها الآن، ويدفع الفلاح بكل بساطة لترك الأرض فتزداد مشكلات الغذاء من ناحية وتزداد بطالة الريف من ناحية أخرى، فالبطالة فى الريف تنتقل إلى المدن، مما يؤدى إلى تفاقم الأزمة السكانية فى المدن، فكل المدن المصرية تعانى من البطالة التى تأتيها من الريف، والغريب أننا توقفنا عن دعم الزراعة فى حين أن كلاً من أمريكا وألمانيا وفرنسا وهولندا واليابان بل أغلب دول العالم، تدعم الزراعة بقوة.

■ وما الحل؟

- أن يرجع الجميع إلى جذورهم وأن نهتم بتنمية الريف، فما لم يُنمَّ الريف لن تحل مشاكل المدن فى مصر، وكان يفترض أن يحدث تركيز على الصناعات الغذائية والتحويلية فى الريف، لأن الريف ليس زراعة فقط، وإنما أيضاً يجب الاهتمام بالتصنيع الزراعى الذى يحل مشكلة البطالة من ناحية، وإضافة قيمة اقتصادية للمنتج الزراعى من ناحية أخرى، وهو ما ينعكس على الاقتصاد بشكل عام، فالزراعة تحتاج إلى تعظيم مخرجاتها، والصناعة بشكل عام تبدأ خطواتها الأولى بالتصنيع الزراعى، وكله يبدأ بتشجيع الفلاح الذى كان «عمدة مصر» كلها فى مرحلة من المراحل والآن هو يعانى بشدة.
---------

د. عبدالرحيم شحاتة وزير التنمية المحلية السابق لـ«المصرى اليوم»: (٢-٢)
رفضت التعدى على الأراضى الزراعية فخرجت من الوزارة.. ومنعت تراخيص البناء عليها فوقف ضدى قيادى فى «الوطنى»
-------------------------------------
حوار رانيا بدوى ١١/ ١٠/ ٢٠١٠
----------------------------
تصدرت مصر أعلى المراتب فى استيراد القمح من الخارج بعد أن كانت المصدّر الأول له فى العالم.. وأصبح أهل مصر يضجون من أسعار خضارها وفومها وعدسها.. بعد أن باتت لا تخرج من بطنها ما يسد جوع أهلها.. والسبب كما ذكره الدكتور عبدالرحيم شحاتة، وزير التنمية المحلية السابق، هو إهمال الأرض الزراعية، ورفع الدعم عن الفلاح المصرى وظهور نوعية جديدة من المستثمرين فى الاقتصاد المصرى وهم «المستوردون»، الذين لم يعد من مصلحتهم الزراعة، حتى اختفى القطن المصرى، وندر القمح، وباتت أزمة الزيوت تلوح فى الأفق، وتم تبوير الأراضى الزراعية للبناء عليها.. ولعلها المرة الأولى، التى يكشف فيها الدكتور عبدالرحيم شحاتة سر خروجه من الوزارة سريعاً، ويتحدث عن سبب استجلابه الشركات الأجنبية لرفع القمامة المصرية فى الجزء الثانى من هذا الحوار.. وإلى نص الحوار.

■ كيف ترى الاكتفاء الذاتى من القمح، فى ظل آراء متباينة بين من يرى إمكانية تحقيق ذلك لو توافرت الإرادة السياسية ولم نمتثل لضغوط خارجية، وآخرين يرون استحالة تنفيذ ذلك لقلة الموارد المائية؟

- إذا أردنا أن نحقق الاكتفاء الذاتى من القمح فنحن بحاجة إلى زراعة ٣.٥ مليون فدان، وهذا سيأتى على حساب المساحات المخصصة للمحاصيل الأخرى التى تقوم عليها تربية الثروة الحيوانية، ولكن يمكننا تحقيق ما يسمى »الأمن الغذائى« من القمح أى أن ننتج ما يقرب من ٧٠ إلى ٨٠% من احتياجاتنا من القمح ونستورد من ٢٠ إلى ٣٠% من الخارج، بدلا من أن نستورد معظم استهلاكنا، وحتى لا نكون تحت ضغط دائم إذا ما حدثت أى أزمة عالمية مثل أزمة روسيا الأخيرة، وهذا ممكن وليس فيه استحالة.

■ لماذا اختفى من وجهة نظرك القطن المصرى؟

- كنا نزرع أيام الدكتور محمود داوود، وزير الزراعة الأسبق، ٢ مليون فدان من القطن، وكانت إنتاجية الفدان تصل إلى ٨ قناطير، والتسويق كان عالمياً، ولم تكن أهمية القطن تكمن فقط فى إنتاج أجود الأنواع »طويل التيلة« وتصديره للخارج وجلب العملة الصعبة، وإنما تكمن أهميته أيضا فى بذرة القطن التى كانت مصدر النسبة الأعظم من الزيوت التى يستهلكها المصريون، اليوم فجوة الزيوت خطيرة جداً وأخطر من فجوة القمح، فنحن نستورد زيوتاً بمعدل ٩٠ إلى ٩٥% من احتياجاتنا، الزيوت تستورد من الخارج والبذور الزيتية تستورد من الخارج وتعصر هنا لإعطاء إيحاء بأنها إنتاج محلى، وهذا غير صحيح، ويوما بعد الآخر تتسع فجوة الزيوت، فالقطن كان مصدراً للاكتفاء الذاتى من الزيوت بنسبة ٧٠%، كما أن العمالة التى كانت مرتبطة بالقطن مثل مصانع وعمال المحلة لديها مشكلات عديدة، وهذا تماما ما كان يريده الغرب.

■ تقصد أنها سياسة خارجية؟

- نعم، فالرئيس الأمريكى أيزنهاور كان غاضباً من رفض الرئيس الراحل جمال عبدالناصر »حلف بغداد«، لذلك أرسل تهديداً إليه بأنه إذا لم ينضم إلى حلف بغداد »هيخرب له القطن المصرى بتاعه« لأنه كان نقطة قوة فى مصر.

■ ولماذا تركنا اقتصادنا لعبة فى يد الغرب ونفذنا الشروط ورضخنا للضغوط؟

- لأن إرادتنا فى تقوية مراكزنا الاقتصادية محدودة، ولا نريد اتخاذ موقف كما أننا فى حالة ضعف، ساعات »نزرجن« ونرفض لكن فى النهاية نمتثل.

■ وهل تنتفى مسؤوليتنا نحن تجاه تخريب محصول القطن؟

- لا، فنحن دون وعى نفذنا المخطط الأجنبى بإهمالنا لهذا المحصول وللفلاحين، بل بكيفية التعامل مع جودة هذا المحصول الذى يعد ميزة نسبية لدى مصر، ففى الوقت الذى كانت فيه الصين تصنع منه حريراً كنا نصنع نحن منه »فوط وكستور عايدة«.

■ ولماذا أغفلنا التصنيع الزراعى فى مصر؟

- لأن الاقتصاد المصرى دخلته نوعية جديدة من المستثمرين وهى نوعية »المستوردين« القائمة على سياسة الاستيراد وليس الإنتاج، وأذكر أنه أثناء وجودى فى الفيوم أنشأت مصنعا لزيت عباد الشمس وزرعنا ٤٢ ألف فدان و»كان مصنع عَظَمة«، وظلت المساحة المزروعة تتناقص وتتناقص حتى وصلت إلى صفر، فأغلق المصنع أبوابه، ويجب ألا ننسى أن أول مصانع أنشأها بنك مصر، وطلعت حرب، كانت فى صناعة الغزل والنسيج، للأسف نحن انسحبنا من مجالات كثيرة كانت لنا فيها ميزة نسبية كما قلت، فى حين نجد أن دخل إسرائيل من التصنيع الزراعى ضخم جدا، لأنها تضيف قيمة مضافة لمنتجها الزراعى بتصنيعه وتغليفه، وبالتالى توظيف للناس وتحسين للاقتصاد.

■ إلى أين وصلت البحوث الزراعية فى مصر؟

- البحوث الزراعية فى حاجة إلى الدعم والاستكمال، وكل مليم ينفق على البحوث الزراعية يأتى بعائد أكبر ١٠ مرات، فقد زادت إنتاجية كل من محاصيل القمح، والذرة الشامية، والأرز فى الـ٣٠ عاماً الماضية، فبعد الحملة القومية التى أعلناها للنهوض بزراعة الذرة الشامية كأول حملة قومية من نوعها زاد متوسط إنتاجية الفدان من ٨ أرادب إلى ٢٤ إردباً، وزاد محصول القمح من ٦ أرادب إلى ١٨ إردباً للفدان، ومحصول الأرز من ٢ طن إلى ٤ أطنان للفدان، وهذا مقياس للنجاح والعائد من البحوث الزراعية.

■ بعد تجربتك كمحافظ للعاصمة.. أنت متهم مع آخرين بالتسبب فيما تعانيه القاهرة حالياً من مشكلات؟

- القاهرة كانت فى عهدى أفضل بكثير، وعن نفسى أنا بدأت العديد من المشروعات الجيدة لكن من أتوا بعدى أوقفوها ولم يستكملوها وأنا أول من أنشأ مصنعاً لتدوير القمامة، ومحافظة القاهرة هى التى ساهمت بالجزء الأكبر من ميزانية إنشاء كوبرى أكتوبر، الذى لولاه لاختنقت القاهرة تماماً، والاستثمار فى عهدى فى القاهرة وصل إلى حوالى ٦ مليارات جنيه.

■ ما رؤيتك للتخطيط العمرانى فى القاهرة؟

- أول مشكلة تواجه القاهرة، من وجهة نظرى، هى هدم الفيلات، لأنها جريمة كبرى، فالتخطيط العمرانى عندما وضع اشتراطات المبانى جعل المرافق محدودة السعة، تكفى فيلا وليس عمارة ١٢ دوراً، كل دور به شقتان وثلاث وأربع، فلا نستطيع أن نبنى برجاً ١٢ دوراً، عوضاً عن فيلا دورين، لأن هذا أوجد عبئاً كبيراً على المرافق والخدمات.

■ كيف ترى أزمة المرور التى تتفاقم كل ساعة؟

- سعة شوارع القاهرة لا تستوعب أكثر من نصف مليون سيارة، فى حين أن السيارات الموجودة بالفعل عددها ٢ مليون ونصف المليون سيارة، بخلاف الأتوبيسات وسيارات النقل العام، والنتيجة أن الشارع الذى به ٤ حارات سُدت بالكامل بمواقف السيارات، وقد اقترحت عدم الترخيص لأى سيارة، إلا لأغراض الإحلال والتبديل، وفى المقابل تحسين خدمة النقل العام على أن يكون الحل الرئيسى هو الجراجات تحت الأرض، وقد تعاقدنا بالفعل على ١١ جراجاً عاماً تحت الأرض كمرحلة أولى، لكن لم يستكمل المشروع.

■ لماذا؟

- كأى شىء فى البلد يتوقف فجأة وبلا سبب، هناك كارثة فى مدينة نصر مثلاً، كل الجراجات تحت العمارات تحولت إلى بوتيكات ومخازن ومحال.

■ ماذا عن العشوائيات فى القاهرة والجيزة.. ولماذا استعصت على الحل؟

- أثناء وجودى كمحافظ للقاهرة تعاقدنا مع عدد من المكاتب الاستشارية، للتخطيط لكيفية حل أزمة العشوائيات، بعد استصدار قرار من رئيس الوزراء كمال الجنزورى، بالتعاون مع هيئة التخطيط العمرانى، وبدأنا التنفيذ بما يسمى إعادة تخطيط العشوائيات بالمواءمة، أى بأقل قدر ممكن من الإزالات، نوسع بعض الشوارع لدخول المطافئ والإسعاف، وندخل المرافق وغيرها، لتحسين الأوضاع فى العشوائيات، وقد نفذ نظام المواءمة فى أكثر من منطقة عشوائية مثل المعصرة وعزبة بخيت فى منشية ناصر.

■ كم دفعت الحكومة للمكاتب الاستشارية؟

- حوالى ٥ ملايين جنيه، ومع ذلك توقف المشروع.

■ لماذا كانت مساكن حدائق زينهم الحالة الوحيدة التى أزيلت بالكامل ثم أعيد بناؤها؟

- حدائق زينهم لها قصة معى، فأنا كنت أهوى المرور ليلاً دون معاونين ولا سيارات، وفى إحدى المرات كنت أمر فى حدائق زينهم فوجدت بيوتاً من الصفيح والقش والكرتون، ورأيت فتاة صغيرة تستحم فى «طشت» بمعاونة والدتها وعندما رأيت ذلك وأنا أسير فى الشارع قلت «يا نهار اسود»، ولم أستطع النوم طيلة الليل بسبب هذا المشهد، وسهرت أفكر ماذا سنفعل لهؤلاء الناس، وأذكر أن السيدة سوزان مبارك كانت آتية لافتتاح فرع الهلال الأحمر فى زينهم، وهو مبنى فخم وبالرخام «حاجة كدة آخر ألاجة»، والأمن كعادته فى كل زيارة وضع ستائر حول الشبابيك والمنافذ حتى لا ترى السيدة سوزان مبارك المنطقة العشوائية التى يطل عليها المبنى، فأزحت الستائر فجأة، وسألتنى: ما هذا؟ فقلت لها «زينهم»، ونريد أن نطور هذه المنطقة تحت رعايتك، فوافقت، وبدأنا على الفور، ونقلنا جميع السكان وأزلنا المنطقة بالكامل، بميزانية المحافظة وبالتعاون مع عدد من رجال الأعمال، مثل محمد منصور وإبراهيم كامل، والبنك الأهلى، وأثبتت تجربة الإزالة الكاملة أنها الأنجح، لكن مشكلتها تكمن فى تكلفتها العالية.

■ بماذا تفسر ازدهار محافظات مثل الإسكندرية والأقصر، فى حين أن محافظات أخرى تسوء بسرعة كالقاهرة والجيزة.. هل يعكس ذلك فروقاً فردية بين المحافظين؟

- الجهود الشخصية للمحافظ مهمة، فهناك محافظ يريد عمل شىء وآخر لا يريد، ولا تنسى وعى الرأى العام فى المحافظ، ومدى استعداده للمساعدة والحفاظ على ما أنجز.

■ لننتقل إلى ملف نظافة العاصمة، أنت متهم باستجلاب الشركات الأجنبية لرفع القمامة المصرية وما تبعه من أزمات حيث حصلت هذه الشركات على مبالغ ضخمة فى حين تحولت أكوام القمامة إلى تلال؟

- عملية النظافة ورفع القمامة كانت تدار عن طريق هيئة نظافة وتجميل القاهرة، وكنا نريد استجلاب تكنولوجيا جديدة للتعامل مع القمامة، بما فيها التدوير وإعادة التصنيع، فأعلنا عن ذلك بين الشركات المصرية والأجنبية، ولأنه لم تكن هناك شركات مصرية متخصصة فى هذا المجال، أرسلنا الإعلان إلى سفاراتنا فى إيطاليا وإسبانيا وفرنسا وبريطانيا، وعن طريق المناقصات حصلت على العملية شركة إيطالية وأخرى إسبانية، وأنشأنا وحدة لمراقبة شروط العقد، وتم تعيين ٢٥٠ شاباً من حديثى التخرج، وتم تدريبهم على مراقبة شروط العقد، وأثناء وجودى كمحافظ لم تحدث أى مشكلة مع هذه الشركات.

■ هل تعتقد أن إزالة القمامة بحاجة لشركات أجنبية؟

- لم نقل فى الإعلان إننا نريد شركات أجنبية، إنما شركات قطاع خاص، ولم نشترط أن تكون أجنبية.

■ لكنك أعلنت عنها فى سفاراتنا بالخارج؟

- على العموم هى شركات أسست تحت القانون المصرى، وهذه الجهات الأجنبية دخلت كمساهمة مع أخرى مصرية، ثم إن شركة النظافة التى تعمل فى لندن هى شركة فرنسية، تلك التى كانت تعمل فى الإسكندرية، فلا عيب ولا غضاضة فى كونها أجنبية.

■ ما سبب مشكلة تفاقم أزمة القمامة بعد ذلك؟

- حتى تستطيعى مطالبة الشركات بالالتزام ببنود العقد، على الحكومة أولاً أن تلتزم بدفع المستحقات المالية لهذه الشركات لأن لديها عمالة، إضافة إلى أن جامعى القمامة القدامى كانوا متضررين من الوضع فسحبوا عمالهم، الذين لدى الشركات الأجنبية فتسببوا فى أزمة.

■ هذا يعنى أن الشركات الأجنبية اعتمدت على «الزبالين» المصريين أنفسهم؟

- نعم فالزبالون المصريون لديهم نقابة واتحاد خاص بهم فى منشية ناصر، وهم قرروا سحب عمالهم ولم يكتفوا بذلك، بل بدأوا يخربون فى الشوارع بفرز القمامة فى الشارع، وغير ذلك من عمليات التخريب، وجاءت أزمة ذبح الخنازير لتزيد من تفاقم الأزمة، حيث إن الخنازير عنصر مهم جداً فى دورة التخلص من القمامة، وبذبح الخنازير زادت القمامة فى الشوارع، واتهموا الشركات الأجنبية بأنها السبب، وهذا غير صحيح، ولابد أن نعترف بأن الوضع الحالى أفضل كثيراً مما سبق، فالقاهرة والجيزة كانتا أسوأ قبل دخول الشركات الأجنبية، فقد وفرت حوالى ٣٠٠٠ عامل نظافة فى القاهرة، بعد أن كان العدد السابق الذى كانت تعتمد عليه هيئة نظافة وتجميل القاهرة ٢٥٠٠ عامل فقط.

■ هذا يعنى أننا أعطينا أموالاً ضخمة لشركات أجنبية اعتمدت على العمالة المصرية، وحتى العدد الذى تعتبره ميزة لا أجد فى الفرق العددى ما يجعلها ميزة تستحق دفع كل هذه الأموال؟

- كونها شركات أجنبية لم يكن هو العامل المحدد، ولا حتى عدد العمال، إنما الخبرة واستجلاب التكنولوجيا والمعدات الحديثة.

■ أى تكنولوجيا.. لا نرى سوى بائسين يرتدون ملابس عمال النظافة، و«مقشات بلح» ولا نرى تكنولوجيا تصول وتجول فى الشوارع؟

- كل هذا خطأ، ولم نكن نعلم أن الأمر سيصل إلى هذا الوضع، والتطبيق هو المشكلة.

■ قيل إن الشركات حصلت على مليارات الجنيهات؟

- لا ليس إلى هذا الحد، الأمر كان محسوباً بعدد الأحياء وعدد الشوارع فى كل حى، والأدوات المستخدمة..إلخ.

■ كل الدراسات تقول القمامة المصرية من أغنى أنواع القمامة، بمعنى أنه كان يفترض أن تدفع الشركة للحكومة أموالاً مقابل هذه القمامة، وأضعف الإيمان أن ترفعها دون مقابل؟

- هى قمامة غنية لو تم تدويرها.. لكن المسألة مجهدة وصعبة، وليست كما تتصورين، ومشكلتها الحقيقية تكمن فى سلوكيات الناس الذين يرمون القمامة من البلكونات أو تتركها فى عرض الطريق.

■ هل يمكن أن نلقى باللوم على الزيادة السكانية فى أغلب المشكلات التى تواجهنا؟

- لا.. فهناك دول كثيرة لديها زيادة فى السكان، ومع ذلك وظفت الثروة السكانية فى خدمة التنمية، مثل الصين والهند وكوريا الجنوبية وإيران.

■ ولكن هناك ما يسمى التحفيز الإيجابى للحد من الزيادة السكانية، فما التحفيز الذى قدمته الحكومة المصرية للناس؟

- لا يوجد.. ولا تصدقى إطلاقاً أن الفقراء سيقللون النسل دون أن يكونوا متعلمين ومستواهم الاقتصادى معقول، فزيادة الوعى والتعليم ومستوى الدخل مدخل لتنظيم الأسرة، قبل ذلك لا تنتظرى تنظيما للأسرة. ومصر إمكانياتها جيدة، والدليل الملايين التى تخصص للعلاج على نفقة الدولة، لكنها لا تذهب إلى مستحقيها.

■ ماذا عن الجملة التى يرددها دائماً وزير المالية يوسف بطرس غالى «أجيب منين»؟

- الإمكانيات متوافرة، لكن على الدولة أن ترتب أولوياتها، فيجب أن يأتى الوضع الاجتماعى والتعليم والصحة فى الصدارة.

■ إذن الإمكانيات موجودة، لكنه الفساد الإدارى؟

- لنقل إنه العجز الإدارى.

■ لنترك الشأن العام قليلاً، ودعنى أسألك سؤلاً خاصاً.. مكثت أقل من عام ونصف العام فقط فى وزارة التنمية المحلية، فما سبب خروجك من الوزارة؟

- لو كنت أعلم سأخبرك!

■ بعد كل هذه المدة كمحافظ، ألم تكن لديك الخبرة الكافية لإدارة وزارة التنمية المحلية، لتخرج منها سريعا أم أنك أغضبت الرئيس؟

- إطلاقاً فعلاقتى بالرئيس ممتازة، الحمد لله أنا راضٍ عن أدائى لمهمتى.

■ لكن عاماً ونصف العام ليس بالتكريم اللائق بعد خدمة طويلة كمحافظ؟

- أجاب بعد تردد شديد: موضوع البناء على الأرض الزراعية هو سبب خروجى من الوزارة، فقد كنت على طول الخط رافضاً لهذا التصرف، وأرى أن التوسع فى الحيازة العمرانية على حساب الأراضى الزراعية خطر كبير يواجه مصر.. وكان هذا موقفى منذ أن كنت محافظا، وأثيرت الأزمة وصعدت إلى مستويات أكبر، وعقدت لجان عدة، وفى كل مرة أقول نفس الرأى.. وعلى ما يبدو أن إصرارى على عدم منح تراخيص للبناء على الأراضى كان أحد أسباب خروجى من الوزارة.

■ ما وجهة نظر الطرف الآخر فى السماح بالبناء على الأراضى الزراعية ورفضهم لموقفك؟

- كان يبرر منطقه باحتياجات الناس للإسكان فى الريف، ورددت عليهم باقتراح يحل المشكلة، وهو الظهير الصحراوى والمجتمعات العمرانية الجديدة، وقال لى أحد الشخصيات فى الحزب الوطنى صراحة «لا تمنع البناء على الأراضى الزراعية.. إحنا داخلين على انتخابات».

■ تقصد أنهم أرادوا الاستمرار فى البناء على الأراضى الزراعية لكسب مزيد من التأييد فى الانتخابات؟

- «حاجة زى كده».

■ من هى هذه الشخصية الحزبية؟

- لن أذكر أسماء.

■ هل الصدام كان مع أحد الوزراء؟

- الوزراء غلابة.

■ مع أحد أعمدة النظام؟

- تقريباً.

■ ما علاقتك بـ«صفوت الشريف»؟

- طبيعية.

■ وأحمد عز؟

- علاقة سيئة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المتابعون