المستشار هشام البسطويسي



المرشح القادم من منصة القضاء يتحدث لـ«المصري اليوم»:
أنا الأقرب لـ«الرئاسة»
------------------------------
حوار رانيا بدوى ١٠/ ٤/ ٢٠١١
------------------------------


المستشار هشام البسطويسى أحد الشخصيات التى تحظى باحترام وتقدير جميع القوى السياسية فى مصر.. خاض معركة ضارية مع النظام السابق لإصلاح القضاء، فخرج وبعض المستشارين إلى الشارع، رغم كل ما يحيط القضاء من سياج مهيب وقدسية شديدة، ليقولوا «لا لاختراق القضاء»، ويعلنوا رفضهم الأحكام السياسية وتزوير الانتخابات.

لاقى «البسطويسى» ورفاقه الإصلاحيون جميعاً جزاء شجاعتهم من النظام السابق، حتى إن الرئيس السابق «مبارك»، تدخل بنفسه وطلب من المستشار محمود أبوالليل، وزير العدل الأسبق، إحالة «البسطويسى» إلى «التأديب».

ولأن دوام الحال من المحال سقط «مبارك» وأعلن «البسطويسى» رغبته فى الترشح لمنصب الرئاسة، مؤكدا أن فرصته أكبر من غيره من المرشحين، لعلمه بتفاصيل حياة المصريين، ووقوفه على مشاكلهم، وثقة الناس فيه كقاض فعل ما لم يفعله وزراء فى العهد السابق، على حد قوله.

قال «البسطويسى»، فى حواره لـ«المصرى اليوم»، إنه لا تصالح مع الفساد، ولا ضياع لحق المصريين فى الأموال المنهوبة، وأكد أنه ليس كل تباطؤ تواطؤاً، وأن التعجل فى إصدار أحكام فى مثل هذه الحالات قد يسفر عن أحكام بها أخطاء إجرائية تجعل الغرب لا يعتد بها فنجد أنفسنا نعلّق الحكم على الحائط، على حد قوله.. وإلى نص الحوار:

■ هناك خلاف واضح بين شباب الثورة و«المجلس العسكرى» ظهر جليا فى مليونيات جديدة تطالب بتطهير النظام.. كيف تقرأ المشهد؟

- مصر تدار حاليا بوضع مختلف عن غيرها من الدول التى حدثت بها ثورات، فعادة عندما تنجح ثورة ما وتزيل حكماً قائماً تتقلد السلطة، وتبدأ عقد محاكمات سريعة وإصلاحاً للمجتمع، لكن الوضع الحالى هو أن الثورة ليست هى التى تحكم وإنما المجلس العسكرى، الذى حمى الثورة ولم يدخل فى مواجهات مع الشعب، والاثنان لا يسيران على نفس النغمة، فالثوار متعجلون والمجلس ليس بنفس السرعة ولا الحسم، ويريد عدم التعجل لتحقيق انتقال مأمون للسلطة، وهذا سبب القلق والتوتر لدى الناس وتساؤلهم: هل ستنجح الثورة أم لا؟

والثورة المصرية تفرّدت بعدم وجود قائد لها، سواء كان شخصاً أو حزباً، لذا فالمجلس العسكرى معذور، لأن قوى الشعب كلها قامت بالثورة، فلا يعرف مع من يتحدث بالضبط، إضافة إلى وجود خلافات حاليا بين النخبة، لذا فأنا أعذر الطرفين: الثوار المتعجلين والمجلس المتأنى.

■ والحل؟

- الحل يكون بعقد لقاءات مكثفة بين الثوار والمجلس لتقريب وجهات النظر.

■ لكن البعض لا يجد عذرا للمجلس فى ظل وجود بديل هو تشكيل مجلس رئاسى أو تعيين لجان استشارية؟

- صحيح.. لكن حتى هذا لم يستطع المجلس الأعلى للقوات المسلحة فعله، لأنه ليست لديه خبرة ولا إلمام بمكونات المجتمع السياسى ولا قواه المختلفة، ففجأة وجدوا أنفسهم فى هذا الموقف، والمعلومات المسموعة التى كانت تصلهم عن القوى السياسية لا تطمئن، مثل أن الإخوان جماعة تريد السيطرة على الحكم لصالح إيران أو السعودية مثلاً.

■ هل لديك تفسير لرفض تكوين مجلس رئاسى؟

- السبب الوحيد الذى قالوه هو أنه لم يكن من السهل الاتفاق على مجلس رئاسى، وكانت دائما هناك اعتراضات على الأسماء حتى من القوى الوطنية نفسها.

■ هل هذا يعنى أنه لا يوجد توافق على أسماء ثلاثة أو حتى خمسة أشخاص فى مصر؟

- نعم لا يوجد توافق، وحتى لو لم يتم الاعتراض على الأسماء سنجد القوى الوطنية تقول «إشمعنى؟!» وسندخل دوامة أن الجميع يريد أن يمثل فى المجلس الرئاسى.. لذا كان من الصعوبة تشكيله.

■ لماذا لم يتم طرح أكثر من اسم ويتم انتخاب ثلاثة أو خمسة من بينهم لحسم الخلاف بين النخب؟

- فى النهاية هذا يعنى إجراء انتخابات بما تتطلبه من إجراءات وإمكانيات، وإذا كنا سنجرى انتخابات فمن باب أولى أن نجرى انتخابات رئاسة الجمهورية وينتهى الموضوع.

■ كقاض هل أنت مع فكرة التصالح مع رموز النظام السابق ممن أفسدوا الحياة السياسية فى مصر ورجال الأعمال الفاسدين إذا ردوا ما سرقوه؟

- لا يوجد اتفاق على معنى كلمة «فساد»، فالبعض يراه فى كل من ارتكب جرائم، والبعض يرى أن الفساد هو الفساد السياسى، وآخرون يقولون إن الفساد ينطبق على كل من تعامل مع النظام السابق.. إلخ، لابد أن نضبط أولاً المعانى حتى نعرف عما نتكلم، وأنا رأيى الشخصى أن كل مَنْ ارتكب جريمة من جرائم المال العام أو الجرائم السياسية مثل تزوير الانتخابات أو جرائم الاعتداء على المتظاهرين، خلال الثورة، لابد أن يحاكم أمام محكمة جنائية، ويلقى عقوبة جنائية نص عليها القانون، وهذه العقوبة تتضمن أمرين فضلا عن الحبس، هما: رد ما استفادوه لصالح الشعب، وهذا ليس فيه فصال، فلا يجوز أن أقول لشخص سرق مليون جنيه ادفع ١٠٠ ألف وسأتصالح معك، مَنْ سرق مليوناً يرد المليون أولاً، ثم يُحبس، فمن ارتكب جريمة يجب أن يقضى عليه بالعقوبة وينفذها، حتى يتحقق الردع العام والردع الخاص، وثانياً عقوبة الحرمان من ممارسة الحقوق السياسية كعقوبة تبعية للحكم بالإدانة، ويجب أن ينفذها.

أما الذى استفاد من الفساد دون أن يرتكب جريمة وكان مضطرا أن يعمل وفقا للنظام المعمول به وإلا فلن يعمل، فمن الممكن أن أتعامل معه كما نتعامل مع الراشى، القانون يعفى الراشى من العقوبة إذا اعترف بالجريمة وأرشد عن المرتشى وذكر حجم مبلغ الرشوة، وهنا يمكن أن أتصالح مع هؤلاء، فمثلا لو أن رجل أعمال استفاد بمليار جنيه من فروق الأسعار بين ما اشترى به وسعر الأرض الحقيقى، هنا يجب رد هذا الفرق فى السعر وليكن ٣٠ ملياراً، وإذا تعذر ذلك نتفق على خطة معه بأن الـ٣٠ ملياراً مثلا تسمح ببناء ٥٠ ألف وحدة سكنية بأسعار السوق بالمواصفات الفلانية، سأتفق معك على رد الأموال لصالح الشعب من خلال أن تبنى كل عام وتسلمنى ١٠ آلاف وحدة سكنية على ٥ سنوات.

هنا أكون استرددت أموال الشعب و«شغّلت ناس» فى المبانى والمشاريع التى ستبنى، ورجل الأعمال نفسه إذا استطاع التسديد فنكون قد حللنا العديد من المشاكل، وأعتقد أنه بهذا المفهوم يمكن الحديث عن التصالح مع من لم يرتكب جريمة، لكنه اضطر للتعامل بمفاهيم السوق، التى كانت سائدة، والتى فرضها النظام السابق مادام اعترف وأرشد عن الأموال وحجمها وهوية المرتشين.

■ ماذا عن تهمة إفساد الحياة السياسية؟

- لا توجد تهمة بهذا المعنى، ولا يوجد هناك نص يعاقب على ذلك، ولكن لو اتبعوا أساليب أدت إلى ذلك حتى لو لم تكن جرائم محددة فمن المفروض تجميد نشاطهم تماما حتى تنتهى الثورة من إعادة البناء الجديد، أى أن تجرى الانتخابات البرلمانية دون وجود الحزب الوطنى، وكذا إعداد الدستور الجديد واستفتاء الشعب عليه، بعد ذلك يمكن أن يعود أعضاء الحزب ممن لم يرتكبوا جرائم إلى الحياة السياسية، بشرط الاعتذار للشعب المصرى عن السياسات السابقة، لكن أى ظهور لهم قبل ذلك سيثير الشك مباشرة بأنهم يستهدفون إجهاض الثورة.

■ هل توقعت حجم الفساد الذى تكشَّف فى الأيام الماضية.. وهل تؤيد فكرة تشكيل لجان معاونة للنائب العام لتخفيف العبء عنه؟

- هذا مطلوب بالفعل، لذلك شُكلت لجنة تقصى الحقائق، برئاسة المستشار عادل قورة، لكنها كانت مختصة فقط بالاعتداءات التى حدثت أثناء الثورة على الثوار، وهى فكرة طيبة أن يتم تشكيل عدد من اللجان على نفس النمط تكون مهمتها فحص جميع ملفات الفساد وجمع الأدلة فيها لمعاونة النائب العام، لكن فى النهاية هذه الإجراءات ليست لها صفة قانونية، إنما ستكون معاونة للنائب العام، مثل لجنة تقصى الحقائق، إذ ليست لها صفة قانونية، إنما هى استشارية وقراراتها غير ملزمة.

■ البعض يقول إن الجيش لن يحاسب أحداً من رموز حرب أكتوبر؟

- هناك عدد من رموز أكتوبر دخلوا السجن، مثل الفريق «الشاذلى»، ودور الرئيس السابق فى حرب أكتوبر لم يكن أكبر من دور مَنْ استشهد من الجنود والضباط.

■ البعض الآخر يفسر التباطؤ الذى يحدث فى التحقيقات بأنه «تواطؤ»؟

- حتى نستطيع استرداد الأموال المهربة إلى الدول الأجنبية يجب أن تكون هناك أحكام قضائية تتوافر فيها كل شروط القانون والمعايير الدولية حتى يُعتد بها، فقبل ذلك كانت لدينا أحكام كثيرة ضد أناس لكن الجهات الأجنبية لم تعتد بها، لأن الإجراءات كانت غير سليمة، لذا لابد أن نتبع الإجراءات الشرعية السليمة حتى يصدر حكم محترم يُعتد به، أما التعجل فقد يؤدى بنا إلى أن يكون لدينا حكم لكن «معلق على الحائط» لا نستطيع تنفيذه.

■ هناك من يشكك فى أسباب تأخر النائب العام فى بعض التحقيقات وعدم توجيه اتهامات محددة حتى الآن لـ«مبارك» وأسرته؟

- لا أحد يستطيع عزل النائب العام، وهذه ضمانة من ضمانات استقلال القضاء واستقلال النائب العام، ولو «مبارك» نفسه موجود فلا يستطيع عزله، فهو لا يترك منصبه إلا إذا وصل سن التقاعد أو وقعت منه جريمة، حينئذ يرفع عنه مجلس القضاء الأعلى الحصانة ويحوله إلى التحقيق والمحاكمة.

ولو كان هناك من يستطيع عزل النائب العام فبالتبعية سيكون النائب العام تحت رحمته، وهذا ما يجعلنا نحسن الظن بأن النائب العام ليس لديه سبب يجعله يتواطأ لأنه محصَّن ضد العزل.

■ ولا قوة الثورة؟

- ولا أى قوة، وإلا سيصبح إجراء غير شرعى، ثم إن النائب العام الحالى هو أفضل نائب عام من حيث الكفاءة الفنية منذ محمد عبدالعزيز الجندى، وزير العدل الحالى، عندما كان نائباً عاماً، لذلك يجب ألا نظن أن كل تباطؤ تواطؤ.

■ البعض أيضا يقول إن عائلة «مبارك» مُنحت الوقت الكافى لتحويل أموالها إلى دول لا تربطنا معها معاهدات لاسترداد الأموال المنهوبة.. هل يمكن استرداد هذه الأموال؟

- دائما هناك وسائل لاسترداد الحق إذا كانت لدينا النية والرغبة فى استرداد هذه الأموال، وإذا لم تكن لدينا اتفاقات ثنائية مع بعض الدول فإن هناك اتفاقيات دولية هى جزء من اتفاقيات الأمم المتحدة، وجميع دول العالم تلتزم بها، مثل اتفاقية مكافحة الفساد، واتفاقية غسل الأموال، وهى اتفاقيات واجبة التنفيذ وسارية فى جميع أنحاء العالم. وحتى لو افترضنا أن هناك دولاً غير منضمة إليها، وأنا أشك فى ذلك، فتوجد وسائل أخرى للتعامل مع هذه الدول، مثل الضغوط الدبلوماسية والاقتصادية، لكن لا يوجد حق يضيع.

■ لننتقل إلى ملف آخر.. هل كانت لديك أى ملاحظات على الإعلان الدستورى الصادر مؤخرا؟

- أولا أنا سعدت لعدول «المجلس العسكرى» عن تعديل دستور ٧١.. صحيح أن الدستور المؤقت تضمن مواد أكثر من اللازم وبعضها مواد تفصيلية لا لزوم لها، لكنه فى النهاية دستور مؤقت والزيادة لا ضرر منها على أى حال، أما المواد التى كانت لى اعتراضات عليها فهى المواد التى عدلت من الدستور السابق، لكن نتيجة الاستفتاء أغلقت باب الاعتراض وأصبح علينا تقبل الأمر والالتزام به، وفى النهاية هذا الإعلان هو الذى سيحدد شكل المرحلة التى نسير فيها.

■ لكن البعض تخوف من أن التفصيلات الزائدة قد توحى بنية المجلس أن يطيل مدة بقائه؟

- لا أظن أن المجلس العسكرى يود إطالة مدة بقائه فى الحكم، فهذا التفصيل جاء نتيجة أن البعض كان لديه قلق، فأرادوا طمأنة الناس خاصة ما يتعلق بالمادة الثانية فى الدستور، فمع اللغط الذى حدث أعتقد أن المجلس خشى ألا يضع المادة الثانية فى الدستور المؤقت، فيظن البعض أنها ستلغى نهائيا، لذا وضعها هى والمواد الخاصة بالمواطنة، ليغلق باب الجدل ويزيل حالة اللبس لدى الناس.

■ الدكتور حسام عيسى قال إن الاعلان الدستورى خطأ لأن الأغلبية قالت «نعم» للتعديلات، وبالتالى هذا تجاهل لإرادة الشعب؟

- لكن المجلس العسكرى كان قد صرح قبلها بيومين أنه فى كلتا الحالتين سيصدر إعلاناً دستورياً، وأنه أراد ضمان أن تكون المواد المعدلة، التى ستضاف للإعلان الدستورى، والتى ستجرى على أساسها الانتخابات، محل رضاء من الأغلبية، أما باقى المواد فهى لطمأنة الناس باحترام حقوق الإنسان واستمرار المادة الثانية، وأعتقد أن هذه حجة مقبولة.

■ البعض يتوقع ألا تعبر نتائج انتخابات مجلس الشعب المقبلة عن التوافق الشعبى، وبالتالى ستكون الجمعية التأسيسية التى يختارها المجلس لوضع دستور جديد غير مناسبة؟

- من الواضح أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة قرر إجراء الانتخابات فى ضوء النظام القديم، الذى اعتاد عليه الناس، على أن يوضع النظام الذى يتوافق عليه الناس لاحقاً، هذا هو الخيار المتاح الآن، وكلا الحلين «مُر»، فلو تم تأجيل الانتخابات لمنح الوقت للأحزاب الجديدة للعمل فهذا معناه بقاء المجلس العسكرى مدة أطول فى الحكم وهذا غير مقبول من الكثيرين، والمجلس العسكرى نفسه لا يريده، وإذا قلنا أن تجرى الانتخابات فى الموعد المحدد ليعود الجيش سريعاً إلى ثكناته سنكون متعجلين، وبعض القوى لن تستطيع التفاعل فى الشارع بما يمكّنها من خوض الانتخابات.

كلا الموقفين له ما له وعليه ما عليه، لذا فلنتعامل مع الأمر الواقع الآن، لأننا لن نستطيع الوصول إلى حل حاسم يرضى الجميع فى هذا الأمر، وأنا أعتقد أن على الانتخابات أن تبدأ، وأنها ستفرز مجلساً قوياً يعبر عن آمال الناس.

■ من أين هذا التفاؤل؟

- الناس لديهم وعى.. الناس الذين نزلوا بالملايين فى الشارع وصنعوا الثورة ونجحوا فى تغيير النظام لديهم وعى وقدرة على انتخاب مجلس شعب جيد، والدليل أنه أثناء الانتخابات فى ظل الحزب الوطنى وفى ظل الديكتاتورية والفساد كان الناس ينزلون لانتخاب ناس جيدين، بدليل نجاح علاء عبدالمنعم، وأبوالعز الحريرى، ومصطفى الجندى، وغيرهم فى الانتخابات قبل السابقة، لكن النظام السابق كان يحول بينهم وبين الصناديق، أو يتم تزوير إرادتهم، فالناس دائما اختيارهم صحيح ولهذا كانوا يُمنعون لأنهم يختارون الصالح وليس الفاسد فكانوا يمنعونهم بالبلطجة والتزوير والمال إلى آخره، لذا فإنه مع انتفاء هذا المانع سينزل الناس وينتخبون الصالحين.

■ هل تعتقد أن نتيجة الاستفتاء التى جاءت بـ«نعم» كأغلبية تعبر عن وعى الشعب؟

- القول إن كون النخبة اختارت رأياً واختارت الأغلبية رأياً آخر بما يعنى عدم وعى الأغلبية هو قول خاطئ، فهذا يعنى أننى كنخبة أنصّب نفسى حَكماً على الأغلبية وهذا ليس من حقى.. الرأى الصحيح دائما هو رأى الأغلبية وإذا كانت الأغلبية قالت رأياً يخالف رأيى فعلىَّ أن أبحث عن الأسباب، وإذا أصرت النخبة على صحة رأيها إذن فهى قد قصرت فى شرح موقفها للأغلبية، وبالتالى لا يصح أن تكون نتيجة تقصيرى أن أتهم الأغلبية بعدم الوعى.

الأغلبية تحسن الاختيار، ومن قالوا «نعم» كانت لهم مبررات كثيرة، بعيدا عن التأثير الدينى والاستقرار، ومنها أن هناك ٤ ملايين شخص يعملون فى قطاع السياحة توقف رزقهم تماما ويحتاجون إلى عودة السياحة فى أسرع وقت، لذا رأوا أن الموافقة على التعديلات تعنى اطمئنان السياح وعودتهم سريعا.. نحن أخذنا بالشكل الخارجى وهو تأثير التيار الدينّى وعمّمنا ذلك على الجميع وهذا غير صحيح.

■ إذاً الاستفتاء على التعديلات الدستورية كشف الهوة بين النخبة والرأى العام؟

- طبعا لاشك فى ذلك، فهناك فجوة كبيرة بينهما، لذا كنت أراهن على أن الثورة لن تحدث أبدا إلا إذا تحرك شباب الجامعة من سن ١٨ إلى ٣٠، والذين قاموا كحلقة الوصل بين النخبة وجماهير الشعب، لأن النخب لا تستطيع النزول إلى الجماهير، نظرا لعوامل السن والوظيفة، واللغة التى يستخدمونها، والتى قد لا تكون مفهومة لدى الجماهير، ومن كان قادرا على سد هذه الفجوة هو الشباب الذى استوعب خطاب النخبة ثم ترجمها بلغة العامة إلى باقى الجماهير، وذلك سبب تأخر الثورة ١٠ سنوات، لأن الشباب لم يكن يملأ هذه الفجوة بعد، فلا يوجد غنى عن الشباب ولا النخبة ولا عن عامة الناس.. والكل لعب دورا فى التغيير.

■ هناك تخوف آخر من تزايد قوة السلفيين واستقطابهم الإخوان المسلمين فى الانتخابات؟

- هذا عيب القوى السياسية الأخرى، التى يجب أن تنزل إلى الشارع وتشرح مفاهيمها، لكن لا ينفع أن أظل جالساً على مكتبى وأكتفى بجريدة الحزب، وأقول إن الناس ليس لديهم وعى ويختارون بشكل خاطئ، الوقت يكفى للتواصل، والأحزاب إذا نشطت من الآن تستطيع أن تحقق ما تتمناه.

■ مع عدم تحديد موعد انتخابات الرئاسة حتى الآن.. هل لديك تصور للوقت الصحيح لإجرائها؟

- الأفضل أن تتأخر لما بعد صدور الدستور الدائم، حتى تكون انتخابات رئاسة الجمهورية على ضوء الدستور الجديد، بريئة من أى شبهات تدور حول الشرعية، لأن منصب رئيس الجمهورية حساس جدا، ويجب أن نُحصّنه ضد أى طعن، أما إجراء الانتخابات فى ضوء الدستور المؤقت ثم وضع دستور جديد فهذا سيثير الكثير من الاعتراضات والطعون، والأفضل تأجيل الانتخابات الرئاسية لبداية العام المقبل، لحين انتهاء الجمعية التأسيسية من وضع الدستور الجديد والاستفتاء عليه.

■ هل لديك أى تخوف من احتمالية دعم السلفيين مرشحاً دينياً أو دعم الجيش مرشحاً له خلفية عسكرية؟

- أنا أعتقد أن فرص جميع المرشحين ستكون متكافئة، على قدر عرض كل مرشح لبرنامجه ومدى تحقيق برنامجه مطالب الناس، وثقة الناس فى قدرته على تنفيذ وعوده وصدقه فيما يعد به، ولن يفرق عند الناس إن كان هذا المرشح من التيار الدينى أو الجيش أو من غيرهما، فطالما كانت هناك انتخابات حرة ولا يوجد تزوير إذن سيقع العبء فى النهاية على المرشحين أنفسهم للتواصل مع الناس والناس سيختارون من يريدون.

■ كونك قاضياً هل يقلل فرص فوزك فى انتخابات الرئاسة المقبلة على اعتبار أنك مرشح نخبوى؟

- أولاً القاضى حتى وإن لم يكن له تواجد فى الشارع بشكل قوى فى النهاية هو الأقرب لكل مشكلات المجتمع، لأنه يرى مشاكل المجتمع بجميع فئاته أمامه فى القضايا المنظورة، وبالتالى يحتك بها ويطَّلع عليها وعلى معاناة الناس أكثر من أى شخص آخر، والقاضى أيضا يتميز عن غيره بأنه يحسن الاستماع وقبول الرأى الآخر، ويقبل أن يكون رأيه من الأقلية دون حساسية أو غضب، وتعود على كونه ينزل على رأى الأغلبية، وهذا شىء نفتقده فى أغلب مناحى مصر.

ورغم أننى قاض فإننى نزلت الشارع فى عز جبروت «مبارك» وقلت «لا.. هناك تزوير وهناك إفساد واختراق للقضاء».. قلت ذلك فى الشارع وعلى صفحات الجرائد وهذا ما لم يفعله كل الوزراء فى مصر، لذا أعتقد أن من استطاع أن يقول لا لـ«مبارك» سيكون له قبول ومصداقية لدى الناس، ونحن لدينا فرصة حوالى ٦ أشهر لطرح برامجنا والعبرة فى النهاية ستتوقف على جودة البرامج ومدى قدرة المرشح على تنفيذها، ولا يمكن أن يُجمع الكل على مرشح واحد، لكن أنا أعتقد أن فرصتى أكبر من غيرى، لأننى متواصل أكثر مع الناس وعلى دراية بمشاكلهم ومن الممكن أن أقدم نموذجاً أكثر ديمقراطية، وإذا لم تكن عندى هذه الثقة ما نزلت الانتخابات.

■ ما أبرز ملامح برنامجك الانتخابى؟

- أنا أتعامل مع البرنامج الانتخابى بشكل مختلف عن باقى المرشحين، فالناس اعتادوا أن يأتى الشخص بخبراء يضعون له البرنامج الانتخابى كما يتصوره، ثم يطرحه على الناس لينتخبوه، أما أنا فلم أوافق على هذه الطريقة لأننى إذا كنت أدّعى أننى أريد أن أُحدث تغييرا ديمقراطيا فيجب أن يكون سلوكى ديمقراطيا ولا أكتفى بأن أرفع شعارات ديمقراطية.

وأنا أزعم أننى منحاز للأغلبية الفقيرة والكادحة، لذا أقوم بعدد من الجولات فى المحافظات لا لأطرح عليهم برنامجى الانتخابى، وإنما لأطلب منهم وضع برنامجى الانتخابى، لأتعرف على مشاكلهم وكيفية حل هذه المشكلات وأجمع هذه المقترحات ثم أعرضها على خبراء ليصوغوا البرنامج الانتخابى ويضعوا الحلول، ليكون البرنامج الانتخابى معبرا عن رؤية الناس، وهذا ينطبق مع قواعد الديمقراطية.

وبصفة خاصة أعتقد أن الفقر والجهل والمرض وسوء الخدمات هى أهم مشكلات مصر، فضلا عن تردى الأوضاع الزراعية، بسبب معاناة الفلاح الذى تعرض لظلم كبير جدا طوال السنين الماضية، لذلك أعتقد أنى سأعمل ضمن ما أعمل على توفير البذور والأسمدة وتفعيل التعاونيات وضمان جودة المحاصيل، فضلا عن الارتقاء بالخدمات الصحية والتعليم وتوفيرهما للفلاحين، لتفعيل هذه الطاقة الإنتاجية المعطلة.. وسأعمل على حل مشاكل النوبة وسيناء.

■ هل صحيح أنك تفكر فى التحالف مع حمدين صباحى على مقعدى الرئيس ونائبه؟

- أنا ضد فكرة أن يتحالف أحد مع الآخر، لأننا نتنافس على مقعد واحد، أما أن أكون الرئيس وأتحالف مع آخر ليكون نائب الرئيس فهذا غير ممكن أيضاً لأننى سبق أن قلت إننى متنازل عن حقى فى اختيار نائب الرئيس، وسأجعل الناس ينتخبون من يرونه مناسبا كنائب لى إذا فزت فى الانتخابات.

■ هل تنوى التطرق لمعاهدة «كامب ديفيد» إذا فزت فى انتخابات الرئاسة؟

- مصر دولة كبيرة تحترم معاهداتها الدولية، ولا يليق بها إلغاء أى معاهدة، لأن هذا يعنى أن نفقد مصداقيتنا فى العالم، لكن نستطيع أن نستفيد مما يتيحه لنا القانون الدولى من إعادة التفاوض حول ما نراه مجحفا لحقوقنا مثل وضع سيناء.
----------------
نشرت في المصري اليوم بتاريخ 10/4/2011
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=293130

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المتابعون