السفير نبيل فهمي

سفير مصر السابق فى واشنطن يكشف لـ«المصري اليوم» كواليس علاقات القاهرة وأمريكا (١-٢) نبيل فهمى: رفضت منصب وزير الخارجية فى عهد «مبارك» لأنه كان المطلوب «وزير» يدير انكماش دور مصر الخارجى
--------------------------------------
أجرت الحوار رانيـا بـدوى ٢٠/ ٩/ ٢٠١١
-------------------------------------

كشف السفير نبيل فهمى، سفير مصر السابق فى واشنطن، فى حواره مع «المصرى اليوم»، عن رفضه منصب وزير الخارجية، فى عهد الرئيس السابق محمد حسنى مبارك، مبرراً رفضه بأن الدور المصرى كان فى حالة انكماش. كما كشف أيضاً عن إبلاغه القيادة السياسية بنية أمريكا غزو العراق قبل إقدامها على هذه الخطوة بتسعة أشهر، فكان رد الفعل أن أرسلوا أسامة الباز وبصحبته جمال مبارك وماجد عبدالفتاح لإقناع أمريكا بالتراجع.

ويروى «فهمى» تاريخ وتفاصيل اتصال جماعة الإخوان المسلمين بالإدارة الأمريكية.. وإلى نص الحوار:

■ تم ترشيحك أكثر من مرة لمنصب وزير الخارجية بعد الثورة ومع ذلك تم استبعادك.. ما تعليقك؟

- السياسات أهم من الأشخاص، ووزير الخارجية الحالى، محمد كامل عمرو، صديقى وأتمنى له التوفيق. وسأقدم له كل العون.

■ يقال إن توجهاتك السياسية سبب استبعادك.. هل هذا صحيح؟

- أعبر دائما عن آرائى فى الاجتماعات والمحافل العامة بصراحة كاملة، وهو ما جعل البعض يرشحنى «رسميا، وإعلاميا»، لمناصب وزارية وإقليمية مختلفة قبل وبعد الثورة، وهذا تقدير أعتز به، إلا أننى غير مهتم بتولى مناصب رسمية وأفضل الاحتفاظ بمساحة تسمح لى بالتفكير والحركة، حتى تكون إسهاماتى متجددة ومبنية على تصورات متكاملة وتفكير عميق.

■ أليس حلم أى دبلوماسى الوصول إلى منصب وزير الخارجية؟

- قد يبدو ذلك للبعض، وإنما ما يهمنى هو المساهمة فى بلورة السياسات العامة الصحيحة، وعلى كل منا اختيار الأسلوب الذى يفضل المساهمة به، ولذلك اعتذرت قبل وبعد الثورة عن عدم تولى مناصب وزارية وإقليمية مختلفة.

■ أفهم من ذلك أنه عرض عليك منصب وزير الخارجية قبل الثورة؟

- نعم.. ورفضت.

■ لماذا؟

- سبب رفضى قبل الثورة كان شعورى بأننا مضينا فى طريق الانكماش الخارجى، وأن المهمة المطلوبة هى إدارة هذا الانكماش على المستوى الإقليمى والدولى مع تحسين الصورة بقدر الإمكان، وهو ما يتعارض مع توجهاتى الشخصية، وما أراه فى مصلحة مصر.

■ إذن لماذا بقيت فى منصبك سفيرا؟

- خدمت فى وزارة الخارجية المصرية كدبلوماسى ما يقرب من ٣٥ عاماً، نصفها على الأقل فى مناصب بالغة الحساسية، وكانت هناك اختلافات واتفاقات كثيرة، وسعيت دائماً إلى تسجيل موقفى بصراحة، وعندما شعرت بأن نسبة الاختلافات ارتفعت بدأت الابتعاد تدريجياً، وهو ما جعلنى أرفض تكليفاً من الرئيس السابق بأن أتولى منصب وزير الخارجية بعد أحمد ماهر، ثم تركت العمل بوزارة الخارجية، بعد عودتى من واشنطن حتى قبل بلوغى سن المعاش.

■ هل كنت تعرب عن رفضك للتوجيهات المتعارضة مع قناعتك أثناء عملك سفيرا لمصر فى واشنطن؟

- طبعا. لقد علمنى الوالد تحمل المسؤولية وصيانة الأمانة، وأكد لى مراراً أن أهم سلاح للدبلوماسى، والمشتغل بالعمل العام هو المصداقية، لذا عليه عرض الموقف بأمانة وإبداء الرأى بوضوح، فالمصلحة المصرية لها أولوية بصرف النظر عن أهواء المسؤولين أو إرضاء الأجانب، وأنا التزمت بذلك طوال عملى الدبلوماسى وما بعده.

■ هل رصدت تواطؤاً مصريا، أثناء حكم مبارك، مع أمريكا وإسرائيل ضد القضية الفلسطينية؟

- فى السنوات الأخيرة من النظام السابق انحصر الدور المصرى فى الدعوة إلى اجتماعات غير جدية حول عملية السلام غير الحقيقية، أو فى إطار تصعيد المواجهة مع إيران دون داع.

وكانت هناك أخطاء سياسية استفادت منها إسرائيل، وإن كنت لا أميل إلى استخدام كلمة تواطؤ لأننى لم أشهد مباشرة شيئاً محدداً يعكس نية مبيتة. ومن ضمن الأخطاء عدم اتخاذ موقف قوى تجاه التعنت الإسرائيلى، فمثلاً علمت قبل زيارة الرئيس السابق إلى الولايات المتحدة فى أبريل عام ٢٠٠٤ بأيام قليلة أن الرئيس بوش ينوى تسليم رئيس الوزراء الإسرائيلى شارون خطابات ضمان تؤكد تأييد الولايات المتحدة لاحتفاظ إسرائيل بالتجمعات الاستيطانية الكبرى وبتأييد الولايات المتحدة عدم عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى إسرائيل، فحاولت الاتصال بالرئيس مبارك لأطالبه بإلغاء الزيارة، ثم بلغت هذا الطلب لرئيس الديوان زكريا عزمى، نظراً لوجود الرئيس السابق خارج المقر بالقاهرة، إلا أن الرد جاءنى فى اليوم التالى بأنه لا يمكن الاعتذار عن دعوة لزيارة الرئيس فى مزرعته الخاصة.

■ وماذا كان تخوفك الأساسى من الزيارة؟

- هذه الضمانات كان من شأنها أن تجهض أى عملية تفاوض سلمية فى المستقبل يحكمها مبدأ الأرض مقابل السلام، كما أنها تنحاز لطرف على حساب الطرف الآخر، بالإضافة إلى أنه لم يكن مناسبا أن يأتى رئيس مصر للولايات المتحدة وتعطى هذه الضمانات الخطيرة أثناء الزيارة أو بعدها بقليل، لأن ذلك سيضعنا فى موقف بالغ الحرج مع الأطراف العربية ويسمح للبعض بتصوير الأمر على أننا وافقنا على تلك الضمانات، وبالفعل حدث ما كنت أخشاه.

■ ما شهادتك على غزو الولايات المتحدة الأمريكية للعراق؟

- كانت إدارة الرئيس بوش عاقدة عزمها على غزو العراق منذ توليها السلطة، وقيل حين ذاك إن الرئيس بوش الابن كان يريد استكمال ما لم يستكمله أبوه بعد تحرير الكويت، وإن المحافظين الجدد، وعلى رأسهم تشينى ونائب وزير الدفاع، يعملون على تغيير شكل العالم العربى وإضعافه. وأحداث١١ سبتمبر وفرت الفرصة والمبرر ليس أكثر.

وأبلغت المسؤولين بالقاهرة فى يونيو ٢٠٠١، أى قبل الحدث بثلاثة أشهر، بأن الولايات المتحدة عازمة على غزو العراق مع بداية ربيع العام التالى، وكان كلامى محل اهتمام واتصالات متبادلة، ورغم أنهم قالوا لى «إننى أبالغ وأضخم فى تصوير الأمور وإنه لا داعى للتوتر»، إلا أن الرئيس السابق كلف السفير أسامة الباز بصحبة جمال مبارك وماجد عبدالفتاح، سكرتير الرئيس للمعلومات، بالحضور إلى واشنطن لمقابلة المسؤولين أوائل عام ٢٠٠٢ لتحذيرهم من مخاطر غزو العراق.

■ وكيف علمت بقرار خطير كهذا قبلها بكل هذه المدة؟

- لم يبلغنى أحد بالقرار، وإنما استنتجت عزمه على غزو العراق بناء على عدة مؤشرات أبرزها أن عدد القوات الأمريكية فى الخليج كان سيصل إلى ١١٠ آلاف جندى فى نهاية سبتمبر، وهو رقم ضخم ومكلف، أما بالنسبة للتوقيت فلا يمكن أن تحارب الولايات المتحدة صيفاً، نظرا لارتفاع درجات الحرارة، وكان من المنطقى أن تشن الحرب على العراق ما بين يناير ومارس.

■ أثناء فترة وجودك فى واشنطن هل كانت تدور أى أحاديث حول توريث جمال مبارك الحكم بعد والده بدعم أمريكى؟

- تركت منصبى فى سفارة مصر بأمريكا فى سبتمبر ٢٠٠٨، وحتى ذلك التاريخ لم يفاتحنى أى مسؤول أمريكى أو مصرى فى مسألة التوريث إطلاقاً، وإنما مراكز البحث ووسائل الإعلام، وبطبيعة الحال بعض المؤسسات الأمريكية الرسمية كانت تقوم بتحليل الموقف والسيناريوهات.

وبعد صدور أغنية شعبان عبدالرحيم دارت تساؤلات حول احتمالات نجاح وزير الخارجية السابق عمرو موسى فى تولى الرئاسة فى ضوء شعبيته بين عامة الشعب، ثم دارت تساؤلات آخرى حول مدير المخابرات العامة عمر سليمان، حين ذاك عندما تردد أنه سيصبح نائباً للرئيس، ومع تصاعد الدور السياسى لجمال مبارك داخليا طرحت تساؤلات حول سيناريو انتخابه، وإذا كان هذا مقبولاً شعبياً، ومدى قدرته على ضمان السيطرة الأمنية، خاصة أن الاهتمام الأمريكى الرئيسى كان باستقرار الأوضاع فى مصر حفاظاً على مصالحها ومصالح حلفائها، ويجب أن نلاحظ أنه بعد تولى الخمينى السلطة فى إيران وإطاحته بالشاه، عقد الجانب الأمريكى العزم على تجنب المفاجآت.

■ ما سبب زيارات جمال مبارك المتكررة لواشنطن؟

- زيارات جمال مبارك لأمريكا تنوعت بين مرافقة والده والمشاركة فى وفود بصحبة السفير أسامة الباز، المستشار السياسى للرئيس قبل حرب العراق بقليل، أو ضمن وفود من المجتمع المدنى، أو فى إطار زيارات شخصية بدعوة من الرئيس بوش الابن، أو لمتابعة أمور خاصة، ولم تتدخل السفارة فى أى زيارة شخصية عدا مرة واحدة عندما طلب الجانب الأمريكى ترتيب لقاء معه خلال توقفه فى واشنطن.

■ من طلب هذا اللقاء؟ وماذا دار فيه؟

- ستيفن هادلى، مستشار الأمن القومى، وعلى حسب ما أتذكر كان أغلب الحديث حول إعلان الإسكندرية الخاص بالإصلاح والديمقراطية، وكانوا يريدون معرفة خطى الإصلاح، وماذا ينوى الحزب الوطنى أن يفعل فى المرحلة المقبلة.

■ البعض يربط بين زيارة الفريق سامى عنان لأمريكا إبان الثورة وتنحى مبارك.. بخبرتك مع الإدارة الأمريكية كيف تقرأ ما حدث؟

- أعتقد أن هناك مبالغة فى تصوير هذه الأمور والربط بينها، فجرت العادة أن يقوم وزير الدفاع المصرى بزيارة الولايات المتحدة تارة ورئيس الأركان تارة أخرى، ويتم الترتيب لهذه الزيارات بالتفصيل ومبكرا، وأعتقد أن زيارة الفريق سامى عنان للولايات المتحدة فى بداية العام الجارى كانت فى إطار الزيارات التقليدية وليست مرتبطة بالثورة المصرية التى فاجأت الجميع.

أما أثناء الثورة فكان من الطبيعى أن يتصل مسؤولون أمريكيون بنظرائهم المصريين، لأن أكثر شيء يقلق الأمريكان هو نقص المعلومات ومواجهة المفاجآت.

■ ما معلوماتك عن الحوار الأمريكى مع جماعة الإخوان المسلمين؟

- القسم السياسى بالسفارة الأمريكية اتصل بالإخوان المسلمين ومؤيديهم منذ فترة طويلة جداً، وكان يقوم بهذه المهمة فرانك ريكاردونى، الذى كان سكرتير أول بالسفارة فى الثمانينيات، قبل أن يعمل سفيرا أمريكيا فى مصر عام ٢٠٠٤، إلا أن الاتصالات الأمريكية ارتفع مستواها بعد انتخابات ٢٠٠٥ وأصبحت هناك لقاءات فى مناسبات مختلفة مع نواب فى مجلس الشعب من الإخوان المسلمين، ثم أعلنت وزيرة الخارجية هيلارى كلينتون بعد الثورة اعترافها بالإخوان المسلمين. وأنا أعتقد أنه كان من غير المنطقى أن يكون هناك تيار سياسى يسمى «المحظورة» له ممثلون معروفون فى مجلس الشعب، ويتم التعامل معهم مصريا، ثم يتصور أن دولاً عظمى مثل الولايات المتحدة لن تتصل بهم، ومن يتصور ذلك كالنعامة التى تضع رأسها فى الرمال. وعلى العموم لقد تعدينا هذه المرحلة كلية الآن، وأصبح الكل يتعامل مع الإخوان فى مصر وسيتعامل الإخوان مع من يريدون فى الخارج.

■ كيف تقرأ ما تردد عن تدريب الشباب المصرى فى الخارج على القيام بالثورة؟

- ليس لدىّ معلومات محددة لها مصداقية فى هذا الشأن تسمح لى بالجزم بما تم بالتحديد، وليس لدىّ شك فى أن هناك جهات عديدة تعمل فى الساحة، وأن بعضها متآمر، ولكن هناك تناقضاً غريباً فى تناول هذه القضية، فمن الناحية الأمنية رصدت الأجهزة الأمنية قبل الثورة الأنشطة الشبابية بصفة عامة وأغلبها كان علنيا فى شكل منح وندوات مفتوحة للجميع، وكذلك ما كان يدور على موقع «فيس بوك»، فإذا كانت هناك مؤامرة بالفعل فلماذا لم تتحرك الأجهزة الأمنية، وكيف تتفوق عليها مجموعة شبابية تدربت هنا وهناك لأسابيع محدودة، والأعجب من ذلك أن مؤسسات الدولة بعد ٢٥ يناير أعلنت تأييدها للثورة والثوار، والرأى العام التف حولهم، والآن نبدأ بتخوينهم فى تناقض واضح ومعيب.

■ كشفت قبل ذلك عن وجود ضغوط أمريكية على مصر للإفراج عن سعد الدين إبراهيم وأيمن نور أثناء سجنهما فى عهد النظام السابق.. فهل ستدعم أمريكا أيمن نور، وتقف ضد آخرين؟

- ما ذكرته فى الماضى أنه فى إطار الجدل الذى دار بين إدارة الرئيس بوش الابن والحكومة المصرية أثير موضوع الأحكام الصادرة ضد الدكتور سعد الدين إبراهيم والدكتور أيمن نور، مع تركيز خاص على الدكتور إبراهيم، لعل ذلك لأنه صاحب جنسية مزدوجة، ولعلاقته القديمة مع الأكاديميين والنشطاء السياسيين، وفى هذا السياق سعت جماعات ضغط مختلفة داخل وخارج الكونجرس والإدارة لممارسة الضغط على الحكومة المصرية، أما مسألة دعم الولايات المتحدة لمرشح فلا أعتقد أنهم سيقومون بذلك بشكل مباشر خشية ردود الفعل الدولية والمحلية، كما أننى لا أعتقد أن أياً من المرشحين المصريين سيسعى للحصول على دعم أمريكى لأن الفصل هنا سيكون لصندوق الانتخابات ورغبة الرأى العام، وليس تصور بعض القيادات أن شخصا ما مقبول أو مرفوض أمريكيا.

■ كيف ترى العلاقات مع إيران بعد الثورة؟

- من مصلحة مصر وإيران أن تكون لديهما علاقات مباشرة لنعظم ما بيننا من اتفاق وإدارة ما نختلف عليه وحله. لدى مصر تحفظات حول السياسات الإيرانية فى عملية السلام العربية- الإسرائيلية وتجاه دول عربية بالخليج فضلاً عن عدد من القضايا الأمنية والدينية الحساسة بين البلدين، وأعتقد أن على إيران مراجعة مواقفها فمكانتها الإقليمية ستظل محل تشكيك إذا لم تكن لديها علاقات جوار مع العالم العربى وعلى الأخص مع مصر. من ناحية أخرى أشعر أيضا بأن مصر أضرت بنفسها بقصر الحوار الرسمى فيما بيننا على القضايا الأمنية عدا لقاءات سياسية بين الحين والآخر لها تابع شكلى لذا لم تكن مثمرة.

وعلى العموم، لاحظت فى الأسابيع الأخيرة بوادر انفراجة جزئية فى بعض القضايا الأمنية مع إعادة عدد من المطلوبين أمنياً إلى مصر، وأرجو أن نشهد خطوات أخرى وأدعو الآن إلى فتح حوار مصرى إيرانى شامل تطرح فيه جميع القضايا.

■ وماذا عن موقف دول الخليج من عودة العلاقات المصرية الإيرانية؟

- العلاقة المصرية مع دول الخليج علاقة هوية، تتعدى الاعتبارات والمعايير التقليدية فى العلاقات بين الدول، إذن لا مجال للتخوف من أن تنعكس حواراتنا مع إيران سلبا على علاقتنا بالدول الخليجية، بل بالعكس، فاستعادة الاستقرار فى العلاقات المصرية الإيرانية سيخدم ليس فقط الدولتين وإنما كذلك العلاقة العربية الإيرانية بصفة عامة.

■ ولكن هل كانت إيران تمثل خطراً على مصر على نحو يستوجب قطع العلاقات أم أن الأمر كان مجرد إرضاء للخليج وأمريكا؟

- كما ذكرت، تفاقمت المسألة نتيجة أخطاء الجانبين ثم ترددنا فى إجراء حوارات جادة خشية إثارة بعض الدول الصديقة وهذا قصر نظر من جانبنا.

■ وماذا عن أمريكا وإسرائيل؟

- طبعا أمريكا وإسرائيل لن يرحبا بذلك وأنا لا أدعو إلى استعداء أحد ولكن مصلحة مصر فوق أى اعتبار، لذا أدعو إلى إقامة حوار مصرى إيرانى مباشر للاتفاق على القضايا الخلافية تمهيدا لرفع العلاقات بعد انتخاب البرلمان المقبل بصرف النظر عن موقف أمريكا أو إسرائيل فهذا فى مصلحة مصر.

■ هل تعتقد أن مصر مستعدة لتحمل تبعات نتائج بدء هذا الحوار، مثل التهديد بسلاح المعونة وما شابه؟

- لا أعتقد أن أمريكا ستتخذ إجراءات صارمة تجاه مصر لمجرد بدء الحوار، وعلى العموم إذا كنا نرى فى أى خطوة سياسية مصلحة مصرية حقيقية فلا مجال للتردد خشية رد فعل دولة أو أخرى.

■ هل تعتقد أن المجلس العسكرى يخشى اتخاذ خطوات مصيرية مثل إعادة العلاقات مع إيران الآن، مفضلا تركها إلى الرئيس المقبل؟

- المجلس العسكرى مشغول بآلاف القضايا والمشاكل. وليس عيبا أن يعطى ملفات أخرى الأولوية وأن يدرس كل ملف بتأن قبل اتخاذ القرارات أو فى تحديد التوقيتات الملائمة للتحرك. وكل ما أدعو إليه الآن هو بدء الحوار لأن الأوضاع الإقليمية لن تنتظرنا وعلينا الاستثمار فى المستقبل فضلا عن أن القضايا كثيرة وحساسة والحوار لن يكون قصيرا إذا أردنا تحقيق إنجازات حقيقية.


---------------
نبيل فهمى 2-2: أعداء الثورة وراء «الفوضى الخلاقة».. وعملية السلام «مسرحية هزلية»
----------------------------------
حوار رانيا بدوى ٢٥/ ٩/ ٢٠١١
---------------------------------
فى الجزء الثانى من حوار السفير نبيل فهمى، سفير مصر السابق فى واشنطن، يؤكد ضرورة إعلان وقف عملية السلام التى تحولت إلى مجرد عملية «مظهرية»، والتوجه إلى الأمم المتحدة لإعلان الدولة الفلسطينية. وأشار إلى أن نظرية الفوضى الخلاقة قائمة ليس فقط من الخارج إلى الداخل وإنما فيما بيننا أيضاً من خلال أعداء الثورة والتحضر والديمقراطية.

ويرى «فهمى» أن الحكومة المصرية ارتكبت عدداً من الأخطاء فى إدارة أزمة اعتداء إسرائيل على الحدود المصرية وقتل الجنود المصريين، واصفاً التصريحات التى أدلى بها مسؤولو الحكومة بـ«المتضاربة»، والبيان العام بـ«الفاتر الذى لا يحمل أى معلومات أو إجراءات»، فضلا عن عدم الشفافية مع الرأى العام، ويؤكد أنه كان من المفترض قيام الجانب المصرى وبشكل مستقل بتحقيق مبدئى وسريع.. وإلى نص الحوار.

■ ما الفرق بين وزير الخارجية السياسى ووزير الخارجية المنفذ، وهو المفهوم الذى ساد طوال الثلاثين عاما الماضية؟ وماذا لو اختلفت رؤية الوزير عن رؤية الحاكم؟

- لا يوجد شىء اسمه وزير غير سياسى أو منفذ، قبل أو بعد الثورة، إذ يحلف كل وزير يميناً لحماية مصالح البلاد، ويتحمل مسؤولية مشتركة مع أعضاء مجلس الوزراء تجاه الصالح العام، ودوره الأساسى إذا كان وزيرا بحق أن يطرح رؤيته للجهاز الذى يقع فى اختصاصه المباشر وطريقة العمل على تنفيذها، لكن للأسف فإن غياب الديمقراطية فى مصر منذ ما يقرب من ستين عاما جعلنا نفصل مفاهيم لا أساس لها، فنتحدث عن «الوزير التكنوقراط» على أساس أنه لا يتحمل مسؤولية قرارات سياسية مهمة، فى حين أن المقصود بهذه العبارة أن الوزير اختير على أساس خبرته بعيدا عن انتماءاته الحزبية، وهو فى النهاية وزير ومهمته سياسية، فعلى سبيل المثال هل يعقل تصور ألا يكون «وزير الرى» دوراً سياسياً رغم حساسية قضايا المياه؟ والحال نفسه بالنسبة لوزير الزراعة بكل ما يرتبط بهذا القطاع من أمن غذائى؟ من المفيد أن تكون هناك رؤى متعددة بل متعارضة فى الساحة السياسية بين الاشتراكية والرأسمالية، الدينية والمدنية والليبرالية، وتباين الآراء داخل مجلس الوزراء مفيد، مادام هناك توافق حول هوية المجلس ورسالته السياسية، فمن حق وواجب الوزراء حتى فى النظم الرئاسية أن يطرحوا رؤيتهم بوضوح وصراحة، حتى لو اختلفت مع رؤى رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء، وعلى الوزراء أن يتركوا مناصبهم إذا رأوا أن هناك خلافاً حول قضايا جوهرية، ولقد كان والدى إسماعيل فهمى، وزير الخارجية الأسبق، مثالا لذلك حين استقال اعتراضا على زيارة الرئيس السادات إلى إسرائيل.

■ ألمح الدكتور جلال أمين فى أحد مقالاته إلى أن الثورات العربية قد تكون ضمن مخطط الفوضى الخلاقة، فكيف تقرأ المشهد السياسى الحالى فى ضوء هذه الفرضية؟

- ستظل المنطقة مستهدفة نظرا لموقعها الجغرافى ومواردها الطبيعية إلى أن تحصن نفسها بنظام سياسى داخلى يضمن لها الاستقرار ويتسم بالشفافية والمشاركة، وتعتمد على نفسها سياسياً وأمنياً، ما يوفر لها الاستقلالية الكاملة، مثلما خفت حدة ووتيرة المؤامرات فى الدول الصناعية والديمقراطية سواء كانت فى أوروبا أو أمريكا اللاتينية أو آسيا. ونظرية الفوضى الخلاقة قائمة ليس فقط من الخارج إلى الداخل، وإنما فيما بيننا، ويقودها أعداء الثورة والتحضر والديمقراطية.

■ هل يعكس تدخل الناتو فى ليبيا وعدم تدخله فى سوريا خوفا على إسرائيل أم خوفا من إيران؟

- أعتقد أنه خوف على إسرائيل، إضافة إلى أن للغرب مصالح مباشرة فى ليبيا كالبترول وهو غير موجود فى سوريا، كما أنه لا يهمهم ما يحدث داخل سوريا ما دام بعيدا عن هضبة الجولان، فمن مصلحة الغرب استقرار وثبات الأوضاع فى سوريا، خوفا من أن تأتى الثورة بنظام إسلامى أو حتى نظام ديمقراطى يبدأ فى التساؤل: لماذا تركت هضبة الجولان على وضعها الحالى طوال السنوات الماضية؟ ويبدأ فى تغيير الوضع، وهذه احتمالات لا يريدونها، ويدخل فى الحساب أيضا المكسب والتكلفة من التدخل المباشر، ومدى تقبل المجتمع الدولى لهذا التدخل من عدمه، أنا شخصياً أستبعد تدخل الناتو عسكرياً بشكل مباشر فى سوريا، لكن هناك أزمة حقيقية وخطيرة فى سوريا، وقتلى وجرحى بأعداد تتجاوز ما يمكن قبوله، وأرى أن قرار جامعة الدول العربية الأخير يوم ١٣ سبتمبر هو آخر فرصة، وسيكون حكم التاريخ قاسيا على سوريا إذا تم تجاهله، وعلى العالم العربى إذا لم يتم تفعيله.

■ ألا ترى أن هناك ضرورة لإعادة النظر فى العلاقات المصرية - الأمريكية؟

- تحتاج إلى إعادة هيكلة وتأهيل. فهى علاقات ستظل مهمة للدولتين، ولا يمكن لمصر الانتشار إقليميا أو دوليا على المستوى السياسى أو الاقتصادى أو الأمنى أو الاجتماعى دون التفاعل مع الولايات المتحدة، ولن تستطيع الولايات المتحدة حماية مصالحها فى الشرق الأوسط دون إيجاد توازن فى علاقتها مع مصر لثقلها الإقليمى خاصة بعد الثورة. إذن فالمسألة ليست إعادة النظر فى العلاقات المصرية - الأمريكية، وإنما إعادة تقويم العلاقة على أسس سليمة، بعد أن اختلت المعايير والموازين، حيث الساحة الأمريكية تنظر إلى العلاقة المصرية - الأمريكية من خلال مصلحة إسرائيل، وبعد اتفاق السلام المصرى - الإسرائيلى، أصبحت العلاقة المصرية - الأمريكية بثلاثة أضلاع، رغم أن العلاقة الإسرائيلية - الأمريكية ظلت ثنائية لا تأخذ فى الاعتبار المصالح المصرية أو ضرورة تحريك عملية السلام، أقول ذلك وأشدد على أن التقويم المطلوب قد طال انتظاره كثيرا، ويجب إعادة هيكلة العلاقات المصرية - الأمريكية على أسس سليمة تشمل وإنما لا ترتكز على السلام العربى - الإسرائيلى.

■ فور وصول الرئيس الأمريكى باراك أوباما إلى الحكم، وتهليل العرب له، وصفت المشهد قائلا: «وكأنه فرح والعروسة جاية».. الآن وبعد أن ثبت خطأ نظرتنا لأوباما، كيف ترى تعامله مع منطقة الشرق الأوسط وفشله فى إنهاء الصراع العربى - الإسرائيلى كما وعد فى البداية؟

- ذكّرنى الاستقبال العربى لأوباما بالعريس الذى يقابل عروسه يوم الفرح لأول مرة، فالمناسبة سعيدة، لكنه لا يعلم عن شريكته شيئا. كان من حقنا أن نفرح بقدوم أوباما لأن له نظرة عالمية للقضايا، وفهما طيبا لمشاكل الشرق الأوسط، بل قناعة بالحق العربى، لكننى كنت أخشى الفرحة المبالغ فيها، فشخصية أوباما تحكمها المبادئ والواقعية فى آن واحد، يدعو للحق، لكنه لا ينفق من رصيده السياسى سوى على أولوياته، وكنت أعلم جيداً أن أولوياته السياسية للقضايا الداخلية الأمريكية، أما بالنسبة للشؤون الخارجية فيأتى العراق وتأمين الولايات المتحدة، ثم تهدئة العلاقات بينها وبين العالم الإسلامى.. إنه يتعامل مع عملية السلام العربية - الإسرائيلية فى سياق هذه التهدئة.

■ لذا فشل فى تنفيذ وعده بوقف الاستيطان؟

- نعم فشل فى وقف الاستيطان الإسرائيلى فى الأراضى المحتلة، لأنه لم يستثمر رصيده السياسى الضخم فور انتخابه لمحاولة الضغط على إسرائيل بعد أن رفض رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو الموقف الأمريكى صراحة. وسمح للأخير بإحراجه أمام العالم. وقد خسرت الولايات المتحدة لأن هيبة الرئيس الأمريكى أصابها شرخ، وخسرت عملية السلام العربية - الإسرائيلية نتيجة عدم تمسك أوباما بموقفه، لأن هذا التراجع شجع نتنياهو على إحراج أوباما بشكل علنى فى البيت الأبيض، وأمام العدسات الإعلامية ثم فى الكونجرس الذى صفق ٢٧ مرة لنتنياهو رغم أنه كان يتعارض مع المواقف الدولية والأمريكية بالنسبة لحدود ١٩٦٧ والقدس.

■ إذن فقد فقدنا جزءاً من أوراق الصراع السياسى مع إسرائيل؟

- أوراق اللعبة لم تكن يوماً ٩٩% فى يد الأمريكان، السياسة والتاريخ يثبتان ذلك، والدور الأمريكى مهم، لكنه مكمل لدور المنطقة، فضلاً عن أنها لم تكن فى يوم من الأيام بمؤسساتها المختلفة على مسافات متساوية من الطرفين، ومن السذاجة تصور ذلك. فإذا أرادت الولايات المتحدة الحفاظ على دورها وتطلع أوباما لاستعادة مصداقيته السياسية فمن المطلوب اتخاذ مواقف أكثر قوة وجرأة، وإذا أراد العرب الاستفادة من الدور الأمريكى يجب وضع هذا الدور فى حجمه الصحيح.

■ هل لديك رؤية للتعامل مع الصراع العربى - الإسرائيلى وفق آخر التطورات فى المنطقة؟

- لا أؤمن إلا بالسلام الشامل وإقامة دولتين، لذا يجب أن نصارح أنفسنا والمجتمع الدولى والرأى العام بأن ما يسمى «عملية السلام» مسرحية هزلية ولا تتجاوز تفاوض العرب مع أنفسهم، لعدم وجود شريك إسرائيلى جاد، لذا لا جدوى من المظهرية، فأنا لا أرى جدوى من التفاوض مع الحكومة الإسرائيلية الحالية لاستحالة اتخاذها مواقف تقترب من الموقف المطلوب عربيا، وخطاب نتنياهو بالكونجرس والتوسع الاستيطانى وهدم المنازل بالقدس الشرقية تثبت ذلك. لذا يجب التركيز مرحليا على «تثبيت الحق الفلسطينى»، وتقنين أسس الحل النهائى، وممارسة الضغط على إسرائيل خارجياً وداخلياً لاحترام الشرعية الدولية من خلال التقدم للأمم المتحدة والمنظمات الدولية وعلى المستوى الثنائى للحصول على الاعتراف الدولى بالدولة الفلسطينية على حدود ١٩٦٧ والسلام الشامل وفقا للمبادرة العربية، والإعلان عن استعداد عربى للتفاوض مع إسرائيل إذا التزمت بهذه المبادئ ورفض أى مفاوضات لا تقوم على هذا الأساس، مع القيام بحملة دولية وداخل إسرائيل ذاتها لشرح تكلفة تعثر عملية السلام والعائد الإيجابى للسلام الشامل، ومطالبة المجتمع الدولى باتخاذ مواقف وإجراءات محددة تؤكد عدم تعاملها مع إسرائيل فيما يتعلق بالضفة الغربية بما فى ذلك القدس الشرقية وقطاع غزة باعتبارها فلسطين المحتلة.

■ هذا من شأنه إعلان وقف أى تعاملات تجارية وأى ميزات تحصل عليها إسرائيل من مصر والدول العربية؟

- أى مزايا استثنائية أعطيت لإسرائيل فى السابق تمت بقرار سياسى ويمكن إعادة النظر فيها، وأنا ضد حصول إسرائيل على أى امتيازات، إذ كان يجب أن تبقى العلاقة فى حدود اتفاقية السلام لا أكثر.

■ هل تعتقد أن اقتحام السفارة الإسرائيلية مؤخرا من شأنه أن يضغط على إسرائيل أم أنك تراه خرقا للقانون الدولى يمكن أن يجلب لنا المشكلات؟

- هناك غضب شعبى كبير لقتل الجنود المصريين على الحدود مع إسرائيل، ومن الطبيعى أن نشهد مظاهرات تعبر عن هذا الغضب فى أماكن مختلفة بما فى ذلك أمام السفارة الإسرائيلية، ولا شك لدىَّ أن الحادث أربك إسرائيل، لكن الخطأ فى اقتحام السفارة ليس فقط أنه مخالف للقوانين الدولية والأعراف الدبلوماسية وإنما لأنه يسلط الأضواء على هذا الحادث بالذات بدلاً من التركيز على الجريمة الإسرائيلية وهى قتل الجنود المصريين، وسيفسره البعض على أن هناك انفلاتاً أمنياً فى مصر. مع هذا، وحتى نضع الأمور فى نصابها الصحيح، كانت هناك جريمة إسرائيلية بإطلاق النار عبر الحدود المصرية فى مخالفة صريحة للقانون الدولى والملحق الأمنى فى الاتفاق المصرى - الإسرائيلى.

■ وكيف تقيم طريقة إدارة الأزمة من قبل المسؤولين فى مصر؟

- هناك أخطاء مصرية فى إدارة رد الفعل، تصريحات متضاربة، ثم بيان عام فاتر لا يحمل أى معلومات أو إجراءات، وعدم شفافية مع الرأى العام، وكان من المفترض أن يقوم الجانب المصرى وبشكل مستقل بتحقيق مبدئى وسريع يعلن على أثره بعض البيانات، وعن عزمه مواصلة الاتصال بالجانب الإسرائيلى لإعداد تحقيق مشترك لاستكمال الصورة، حتى يكون الرأى العام المصرى على بينة بما حصل من مصادر مصرية، ويطمئن أن السلطات المصرية تتابع الموقف وستتخذ الإجراءات الملائمة حسب توافر المعلومات، أما أن تكون المصادر الوحيدة هى ما ينشر فى الصحف المصرية نقلاً عن تصريحات مسؤولين إسرائيليين أو صحفهم بوجود اعتذار إسرائيلى ثم نفيه، وبأن الاعتداء تم من خلال طائرات هليكوبتر، ثم سيناريوهات أخرى، وما نشر عن وصول مبعوثين إسرائيليين للتفاوض مع الجانب المصرى ومغادرتهم دون أى تعليق، وبدلاً من استدعاء السفير المصرى فى إسرائيل ولو مؤقتا للتشاور إلى حين انتهاء التحقيق. كان الشىء الملموس الوحيد الذى رآه الرأى العام المصرى هو بناء سور حام للسفارة على كوبرى الجامعة - إزاء كل ذلك ورغم اعتراضى على اقتحام السفارة فإننى لم أندهش من الحادث إطلاقاً لأن الغليان الشعبى هو الذى أدى إليه، وكنت أرى أن البعض قد يستغله للنيل من إنجازات الثورة بالإساءة إلى طبيعتها السلمية، وهذا ما حصل بالضبط.

■ بعد قتل إسرائيل عدداً من الجنود المصريين على الحدود أثار مرشحو الرئاسة المحتملون من جديد قضية إعادة النظر فى معاهدة السلام وأشار بعضهم إلى نيته إلغاءها حال فوزه بالانتخابات الرئاسية، فإلى أى الجانبين تميل؟

- تقوم أغلب دول العالم بشكل دورى بمراجعة سياساتها والتزاماتها الخارجية بما فيها التزاماتها القانونية الدولية أو الثنائية، وإذا لم تفعل مصر ذلك بعد الثورة وبشكل منتظم فستكون قد أخطأت فى حق نفسها، فالهدف الرئيسى والتقليدى من هذه المراجعات هو تقويم فاعلية المعاهدات وتوافقها مع سياسات وأولويات الدولة من خلال دراسة وتقييم عميق هادئ بعيداً عن العواطف والانفعالات، وفى أغلب الأحيان يتم الالتزام بالمعاهدات أو تعديل بعض ملاحقها، أو الإعلان عن عدم تجديد الاتفاقيات عند انتهاء سريانها كما فعلت الولايات المتحدة مع الاتحاد السوفيتى فى بعض اتفاقيات الحد من التسلح. وسيكون من الطبيعى بعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية أياً كانت نتيجتها مراجعة مصر لالتزاماتها الدولية بما فيها اتفاقية السلام المصرى الإسرائيلى، وسبق أن أعلنت مرات عديدة أننى داعم للسلام العربى - الإسرائيلى الشامل، بما فى ذلك السلام المصرى - الإسرائيلى، وإن كنت أرى أن توقيعنا على هذا الاتفاق خارج إطار السلام الشامل لم يكن ملائماً، ولدىًَّ تحفظات محددة على بعض جوانب الملحق الأمنى، لأن منظوره الأساسى هو توفير الأمن لإسرائيل بحجة ضآلة حجمها مقابل حجم مصر، ما يجعل العديد من التحركات المصرية فى المنطقتين (ب) و(ج) مقيدة أو محكومة بموافقات استثنائية من قبل إسرائيل، وهو أمر يجب مراجعته وتعديله، وأشهد للقوات المسلحة المصرية بأنها تقوم بدور وطنى نبيل بكفاءة عالية فى ظروف صعبة، ورغم كل ذلك أرى أن تتم أىّ مراجعة بهدوء بغية التقويم والتفعيل والبناء إن أمكن للوصول إلى السلام الشامل، وهذا يتطلب تغييرا جوهريا فى السلوك الإسرائيلى، سواء فى تعاملاتها على الحدود المصرية، أو فى توجّهها نحو التفاوض مع الجانب الفلسطينى، فالسلام المستهدف والأمن والأمان الذى نتطلع إليه ليس لإسرائيل فقط، وإنما لشعوب المنطقة جميعاً دون تفرقة أو تمييز.

■ من الانكماش فى مرحلة مبارك إلى الارتباك فى المرحلة الحالية.. لم تظهر أى ملامح واضحة لما ستكون عليه علاقاتنا الخارجية حتى الآن، ما تعليقك؟

- من المفترض أن تركز السياسة الخارجية المصرية خلال الأشهر القادمة وحتى إجراء الانتخابات على وضع الأرضية المناسبة لانطلاقة جديدة ومتطورة بعدها، باعتبارها مرحلة سياسية جديدة ومتكاملة، وأقترح قيام وزارة الخارجية الآن بمراجعة علاقات مصر مع مختلف دول العالم واتفاقياتنا الخارجية لتحديد أوجه القصور والتمييز فيها، والسعى لتصحيح العلاقة بين مصر ودول حوض النيل بحيث تكون علاقة احترام ومصلحة مشتركة، مع تواصل مواقف مصر التقليدية خاصة بالنسبة لدعم القضية الفلسطينية، وكذلك تقويم هيكل وآليات العمل داخل وزارة الخارجية المصرية لرفع كفاءتها حتى يعود الانتماء المؤسسى للعاملين بهذه الوزارة العريقة التى تتحمل مسؤولية وطنية وقومية بالغة الأهمية، ومن المهم إعداد دراسة شاملة عن التحديات والأولويات المصرية فى السياسة الخارجية من ٢٠١٢ إلى ٢٠٢٢ لتكون أمام النخبة السياسية المصرية والمرشحين للرئاسة والرأى العام عند تقييم مواقف المرشحين. وبعد انتخاب رئيس الجمهورية الجديد يجب أن نشهد رؤية متكاملة، وتغيراً حقيقياً فى السياسة الخارجية المصرية فى الفكر والمنهجية والممارسة، بما يعكس الأهداف والمبادئ التى كانت دافعاً لثورة ٢٥ يناير، وعلى رأسها المساواة والمشاركة والعدل الاجتماعى كدولة رائدة إقليمية، مع طرح مبادرة سلمية للتحضر الفكرى والمجتمعى فى العالمين العربى والأفريقى، سعياً لاستقرار المناطق المجاورة لنا، وإبراز الأسس القانونية فى العلاقات الدولية، وإعطائها وضعية حاكمة فى سياستنا الخارجية، ولعلها مناسبة جيدة لإصدار وثيقتين لشرح فلسفتنا الخارجية ومفهومنا المحدد للأمن القومى المصرى ما بعد الثورة، ويجب أن نكون أكثر وضوحاً فى أولوياتنا وأهدافنا على المدى القصير والطويل، مع تركيز خاص على إدارة علاقتنا مع دول الجوار والهوية المشتركة، أو التى تربطنا بها مصالح مباشرة، مثل العالم العربى ودول حوض النيل، فضلاً عن علاقتنا بالدول الرائدة دولياً. فلقد كانت الثورة المصرية صحوة مجتمعية داخلية ودعوة شعبية للمصارحة والمكاشفة للاستفادة من تجارب الماضى وتجنب تكرار أخطائه، ويجب أن تمر السياسة الخارجية بصحوتها الذاتية ومراجعتها لمواقفها للبناء على إنجازاتها وتصحيح أخطائها واستعادة ريادتها على المستويين الإقليمى والدولى.

■ إذا وصل التيار الدينى إلى الحكم فى مصر، هل ترى أن ذلك سيؤثر على السياسة الخارجية، وهل سيسمح الغرب بوصولهم إلى الحكم؟

- سيؤثر أى تيار يأتى إلى الحكم فى مصر، سواء كان دينياً أو ليبرالياً، على السياسة الخارجية مثلها مثل السياسة الداخلية لكن بمعدلات أبطأ، لتركيزنا فى المقام الأول على الوضع الداخلى، والاختلاف الرئيسى الذى أتوقعه فى السياسة الخارجية بين تيار دينى وتيار مدنى ليبرالى هو فى مدى إدخال المنهجية والخطاب الدينى فى سياستنا الخارجية وعلاقتنا مع الدول أو الجماعات التى تتبنى منظورا دينيا فى تكوينها السياسى. وأتوقع أن يتم تحسين الأوضاع على الحدود مع غزة، واتخاذ مواقف أقوى تجاه الجرائم الإسرائيلية على الحدود المصرية أو فى القدس الشرقية والتوسع الاستيطانى لاتفاقية السلام وتعديل الملحق الأمنى، وتنشيط العلاقات مع السودان وحوض النيل، وفتح الحوار مع إيران تدريجيا، أما استفسارك عن مدى قبول الغرب لحصول تيار دينى على الأغلبية فمرجعه رد الفعل الغربى فور فوز حماس بأغلبية فى الانتخابات الفلسطينية، ومن قبلها فوز حزب دينى فى الانتخابات التركية، فكلاهما لم يكن مريحاً للعالم الغربى أو لغيرهم، وحدث تصادم مع حماس وبعض التوترات المرحلية مع تركيا، وهو ما أتصوره بالنسبة لمصر فهى دولة أكبر من أن يتم تجاهلها رغم أن البعض سيحاول الضغط علينا، وهو ما شاهدناه من الكونجرس الأمريكى منذ الآن، وعلى المصريين تحديد خياراتهم وتحمل مسؤولية قراراتهم دون السماح لطرف أجنبى بالتأثير على رؤيتنا.

■ أفهم من ذلك أنك ضد وصول التيار الدينى للحكم؟

- للجميع حق المشاركة فى الانتخابات، وللناخب حق الاختيار، وشعارى هو «مصرية مصرية» وتطلعى أن تكون مصر دولة مدنية تجمع بين فئات الشعب المختلفة، إسلامية وقبطية أو غير ذلك، فى إطار من المواطنة المتساوية للجميع فى الحقوق، وسأتقبل نتيجة الانتخابات القادمة مادامت اتسمت بالشفافية والنزاهة، وهذه هى أصول الممارسة الديمقراطية، وأى تحفظات لدىّ سأسعى إلى إثارتها بالطرق السياسية السلمية. مع هذا، أريد أن أسجل قلقى الشديد من حالة الاستقطاب التى يشهدها الشارع السياسى المصرى حالياً، ورفضى محاولات التكفير أو التشكيك فى وطنية الآخر كأداة للترويع، وأطالب القائمين على إدارة حكم البلاد بتكثيف شرحهم العلنى والشفاف للخطوات القادمة ورؤيتهم لها، فالشفافية والحوار يشكلان أساس أى نظام سياسى وسطى، حتى فى مرحلة تكوينه.


----------------
نشر في المصري اليوم بتاريخ 20و25-9-2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المتابعون