منصور حسن

وزير الإعلام والثقافة وشؤون الرئاسة الأسبق :
الهجوم على السفارة الإسرائيلية غوغائية وليس عملاً ثورياً
-----------------------------------
حوار رانيـا بـدوى ١٣/ ٩/ ٢٠١١
------------------------------------

ارتفعت مؤخراً الدعوات لتصويب مسار أعظم ثورة مصرية فى العصر الحديث، ثورة شهد العالم لها بالعبقرية لسلميتها ووضوح أهدافها.. الآن تمر هذه الثورة بمنعطف خطير يكاد يجعلها غنيمة لقوى متنمرة لقطف ثمارها.. والانحراف بها عن مسارها.

التقينا وزير الإعلام والثقافة وشؤون الرئاسة الأسبق منصور حسن لنسأله كيف يرى وضع الثورة الآن وكيف تعود قاطرة الثورة إلى مسارها الصحيح.. قال لنا إن الأمر بالنسبة له أكبر من مجرد حوار.. بل فرصة جاءت فى حينها ليوجه عبر «المصرى اليوم» نداءً لكل من شاركوا بحق فى الثورة، أن يسارعوا بالاتحاد لبناء «حزب الثورة».

■ وضع شباب الثورة مؤخرا فى مأزق خطير بعد الاعتداء على أهداف مختلفة ليس بينها رابط، مثل السفارة الإسرائيلية والسفارة السعودية ومديرية أمن الجيزة وتحرشهم بعدد من قوات الشرطة والجيش مما أثار حفيظة الرأى العام ضدهم، فكيف تقرأ المشهد العام؟

كان من المقرر أن تكون الجمعة الفائتة فرصة وتلبية لدعوة لمليونية جديدة لتصحيح المسار، ومع اعتراض عدد من القوى السياسية ومقاطعتها لهذه الجمعة إلا أن البعض توافق وذهب إلى ميدان التحرير. ورغم أننى أرى أن موضوع المليونيات كان يجب المحافظة عليه للموضوعات ذات الأهمية القصوى، إلا أن استعماله زاد عن حده وأسىء استغلاله مما أدى إلى فقدانه بعضا من تأثيره. ومر يوم هذه المليونية عاديا كما حدث من قبل فى المليونيات السابقة، وأعلن كل طرف مطالبه ومبادئه. وفى نهاية اليوم وجدنا مجموعات تجرى نحو أهداف مختلفة فريق هاجم وزارة الداخلية، وآخر ذهب إلى مقر السفارة الإسرائيلية وحاول اقتحامها واعتدى على عدد من قوات الشرطة والجيش وفريق آخر اتجه نحو السفارة السعودية وغيره نحو مديرية أمن الجيزة وتم الاشتباك مع قوات الأمن هناك، وهذه الأعمال ليست أعمالا ثورية على الإطلاق إنما أعمال شغب وغوغائية. ومن المؤكد أن الأغلبية يشعرون بأن شباب الثورة ليسوا من ضمن هؤلاء.

■ إذن أين هم شباب الثورة، وما موقفهم مما حدث؟

- شباب الثورة تفكك وذاب فى العديد من الأحزاب والتنظيمات، وكان يفترض أن تخرج قياداتهم للإعلان للرأى العام عن رفضهم لما حدث بل تنظيمهم مع زملائهم مجموعات لمواجهة هذه المواقف حماية للثورة ولمصر. كما أن غياب كتلة شباب الثورة فى تنظيم موحد ترك فراغا لتملوه فئات شبابية أخرى، الكثير منهم لم يكونوا على مستوى المسؤولية، فاتخذوا مواقف أساءت إلى شباب الثورة بل إلى مصر فى كثير من الأحيان.

■ تتفق إذن مع من يقولون بأن عدم وجود قيادة معلنة لثورة ٢٥ يناير أسهم فى ظهور السلبيات التى لحقت بمسارها؟

- من أهم خصائص ثورة ٢٥ يناير العظيمة بالاختلاف عن كل الثورات أنها ليست لديها قياده فردية ولا جماعية معروفة، هم مجموعة من الشباب تعارفوا وتراسلوا فى الفضاء الالكترونى وانعقد عزمهم على ضرورة التحرك فى مظاهرة كبيرة أو احتجاج على المساوئ المتزايدة لنظام الحكم فى ذلك الوقت، هذا التحرك الذى تحول بتأييد الشعب إلى ثورة بهرت الجميع وأعرب زعماء العالم عن إعجابهم واحترامهم لها.

ولا شك فى أن عدم وجود قيادة معلنة لهذه الثورة كان ميزة كبيرة رغم بعض السلبيات، فإن عدم وجود قيادة للثورة كان يعنى أن الشعب هو الذى يحدد الاتجاه ويقرر المصير دون ضغوط خارجية أو داخلية، لأول مرة منذ أن نشأت مصر فى أعماق التاريخ، ولا شك فى أن هذه فرصة وميزة كبرى لو قدرناها حق قدرها، وكنا على مستوى المسؤولية كشعب فى ممارسة واجباتنا فى ظلها.

■ وما السلبيات التى ظهرت بسبب عدم وجود قيادة؟

- أولاً عدم وجود قيادة فردية أو جماعية للثورة لم يساعد على استكمال الأدوات المطلوبة للسيطرة على مقاليد الحكم واتخاذ القرارات اللازمة لتحقيق أهداف الثورة والعمل على تنفيذها، فأصبحت ثورة غير مكتملة الأدوات. الثوار فى جانب يطرحون مطالبهم ويلتمسون تحقيقها من المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى أنيطت به مسؤولية الحكم خلال هذه المرحلة، لا شك أن هذا الوضع قد أدى إلى بعض المشكلات، حيث إن الذين قاموا بالثورة لا يملكون أساليب وتوقيتات الخطوات التى تحقق أهدافها. فكان الإحساس العام بأن خطوات الثورة بطيئة ومترددة أحياناً ومرتبكة أحياناً أخرى، بالإضافة إلى توزع المسؤولية بين المطالبين بتحقيق أهداف الثورة والمنوط بهم تنفيذها، فبالرغم من أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة قد انحاز للثورة منذ مرحلتها الأولى وعمل على حمايتها، ففروق السن والخبرة وموقع المسؤولية تؤثر فى مدى التطابق بين رأى شباب الثورة والمجلس العسكرى.

■ يرى البعض أن الثورة بعد أن نجحت فى تحقيق أول انتصاراتها بسقوط رأس النظام السابق، ثم خبا صوتها بين ضجيج القوى السياسية التى تسعى لاقتناصها، هل ترى ذلك أيضاً؟

- نعم، عدم وجود تنظيم موحد للثورة يتحدث باسمها ويقرر أهدافها ويحدد الخطوات المطلوبة لتحقيقها عامل سلبى، جعل صوت الثورة يخبو بين ضجيج القوى السياسية العديدة، القديمة منها والجديدة، وضاعت معالم خطواتها بين طرح القوى السياسية وسعى كل منها إلى الحصول على موقع متميز فى البناء السياسى الجديد. بل إن ما هو أخطر من ذلك بكثير أنه يحدث كثيرا أن يقوم بعض الشباب باتخاذ إجراء معين مثل إغلاق مجمع التحرير أمام الجمهور، أو المناداة بشعارات خطيرة وغير منطقية مثل إغلاق قناة السويس، أو القيام بشغب ضار. هذه التصرفات التى تتميز بالرعونة والغوغائية التى لا يقبلها المنطق أو الرأى العام ينسبها الرأى العام للشباب عموما ولا يميز بين فئة وأخرى مما يسىء ظلما لشباب الثورة بل الثورة نفسها.ولو كان هناك تنظيم موحد للثورة كان سيسارع باستنكار هذه التحركات ويبرئ الثورة مما قد يشينها.

■ وكيف يرى المواطن العادى الثورة حاليا؟

- لا شك فى أن عدم وجود تنظيم للثورة هو أخطر ما يهدد نجاح الثورة ويعطل تحقيق أهدافها بل يهدد استمرار الثورة نفسها. وأصبح هناك شعور متزايد لدى الرأى العام بأن نبض الثورة يخفت، وأن آثار الثورة لم تعد واضحة مما أصاب البعض باليأس والبعض الآخر بالقلق والارتباك وعدم وضوح الرؤية والاتجاه. وأمام هذا الخطر الكبير الذى يهدد ضياع الثورة العظيمة من أيدينا ما زال فى الإمكان إعادة الأمور إلى نصابها وإيجاد تواجد قوى للثورة يجب هذه السلبيات الخطيرة، ويضمن لنا تحقيق أهداف الثورة بهمة وحماس ويضمن لنا استمرار الثورة لنحدد بها معالم المستقبل الذى نتطلع إليه.

■ وكيف السبيل كى تعود الثورة إلى مسارها الصحيح؟

- يمكن تحقيق ذلك لو قرر ثوار يناير، وعلى الأخص طلائعهـــم من الشباب، أن يجمعوا أنفسهم مرة أخرى فى تنظيم واحد «حزب ثورة ٢٥ يناير». فإذا ما قرر الشباب بالذات أن يعيدوا تجمع الصفوف وتوحيدها فى هذا الكيان الواحد فيكونوا قد وجدوا الكيان الثورى الذى نفتقده والذى يملأ الفراغ الذى نشعر به فى الحياة السياسية.

فى ثورة ١٩١٩ المصرية قامت القيادات بتكوين حزب الوفد الذى أصبح فور تكوينه الحزب الكبير الذى يحتوى حركة نضال الشعب لتحقيق الاستقلال والنهضة واستمر هو الحزب الكبير فى الحياة السياسية ليعبر عن رأى الشـعب فى مواجهة الاستعمار والقصر وأعوانهما. ما تحتاجه ثورة يناير الآن وعلى وجه السرعة، هو هذا الكيان الموحد الذى يوحد الثوار مرة أخرى حول الثورة ويبلغ أهدافها ويضمن العمل على تقدمها ويتجه بنا نحـو المستقبل الذى نتمناه لمصر والذى يليق بشعب صنع ثورة يجب أن تكون من أعظم الثورات فى التاريخ إذا ما استعدناها بين أيدينا وبذلنا تحت لوائها كل ما يحقق أهدافها.

■ ماذا توجه لشباب الثورة من رسائل فى هذه اللحظات الحرجة التى تمر بها مصر؟

- أناشدهم يا ثوار يناير لقد ضاع منا حتى الآن ما يقرب من ثمانية أشهر، منذ حققت الثورة أول انتصاراتها بسقوط رأس النظام السابق، انجرفنا فيها إلى دوامات الخلافات السياسية والفكرية، فضاع الطريق من تحت أقدامنا. فانهضوا أيها الثوار وارفعوا رؤوسكم عن هذه الدوامات السياسية التى تنظر إلى المستقبل من منظور الماضى واتجهوا إلى ما يجمعكم فى تجمع واحد تشرفوا منه على المسقبل الذى هو ملك لكم، عليكم أن تحددوا معالمه والطريق إليه.

إنه من الغريب أن الشباب من طلائع ثورة يناير الذين تجمعوا بدون سابق معرفة ليشعلوا الثورة، هم أنفسهم الذين سريعاً ما تفرقوا إلى شيع وأحزاب حتى قيل إن هناك ما يزيد على المائة من التنظيمات والائتلافات والاتحادات التى تضمهم.

كيف كان لديهم هذا الوعى الخلاق الذى جمعهم ليقوموا بهذه الثورة العظيمة، وبعد أن حققت الثورة أول نجاحاتها بسقوط النظـــام لم يكن لديهم ما يكفى من وعى ليحافظوا على وحدتهم ضماناً لاستمرار الثورة لتحقيق أهدافها.

■ وهل ترى فى شباب الثورة النضج الكافى لتنحية الخلافات بينهم بعد مرور كل هذه الفترة؟

- تابعت عدداً من شباب الثورة فى ندوات وحوارات، ورأيت فيهم النضج وقوة الشخصية مما جعلنى على ثقة بأن منهم من يستطيع أن يدعو باقى زملاء الثورة إلى التجمع مرة أخرى لتأسيس كيان سياســى واحد هو «حزب ثورة ٢٥ يناير». نعم قد يكونوا مختلفين سياسياً بل وعقائدياً، ولكن عليهم أن يدركـوا أن خلافاتهم لم تكن عائقاً لتجمعهم من أجل قيام الثورة. واثق أن لديهم من الوعى مما يجعل نجاح الثورة واستمرارها هدفاً أسمى يَجب كل خلافاتهم.

■ نرى الآن تجمعات سياسية بمرجعية إسلامية وصوفية وسلفية وليبرالية واشتراكية، ولكن أين التجمع بمرجعية «ثورة ٢٥ يناير»؟

- نعم.. فلا يجوز أن يتواجد كل هؤلاء ولا يكون هناك تجمع يحمل لواء «ثورة يناير» أعظم إنجاز مصرى منذ مئات السنين.

■ هل لديك استعداد للوقوف ناصحاً وموجها وداعماً لهذا الحزب إذا ما قدر له القيام؟

- رغم أنى لم أنضم لأى حزب منذ مغادرتى صفوف الحــزب الوطنى منذ أكثر من ٣٠ عاماً، إلا أنه إذا ما تكون حزب الثورة هذا سأبادر للمشاركة فيه والعمل على تحقيق أهدافه بكل ما أستطيع. وأثق أن كثيرين سيسارعون للانضمام بدافع إحياء الأمل. وفور تكوينه سيصبح أكبر وأهم الأحزاب السياسية، وبالتالى نضمن أن هناك من يحملون لواء «ثورة يناير» ومبادئها هى التى تقود العمــل السياسى فى هذه المرحلة الجديدة وهذا ما يجب أن يكون.

■ رغم أهمية نشر حديثك فإنه ربما يكون غير كافٍ.. فلماذا لا تفكر فى الاتصال ببعض قيادات الثورة لإقناعهم بهذا الحزب؟

- بالفعل أنوى الاتصال بعدد من الحركيين والقيادات الفاعلة داخل ائتلافات الشباب إيمانا منى بضرورة الحفاظ على الثورة ولم شمل الثوار.



-------------
نشر في المصري اليوم بتاريخ 13-9-2011
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=310469

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المتابعون