د. علي لطفي

رئيس الوزراء الأسبق يعترف:
«١-٢» كنت رئيساً للحكومة.. لكن «فيه رئيس فوقي»
--------------------------------------------
حوار رانيا بدوى - المصري اليوم ١٩/ ٣/ ٢٠٠٨
--------------------------------------------


علي طريقة زعيم اليمين الأمريكي باري جولد ووتر الذي قال قبل سنوات طويلة «إن الفقير مسؤول عن فقره ولا حل له، كما أن من ولد بقدمين كبيرتين لا يمكن له تغييرهما».. وقد أزاحه هذا القول في أمريكا ذاتها من مرشح قوي للرئاسة إلي هامش المسرح السياسي..

لا أعرف لماذا تذكرت هذه المقولة أثناء الحوار مع الدكتور علي لطفي رئيس الوزراء السابق وخبير الاقتصاد وعضو الحزب الوطني وأمانة السياسات الذي ألقي ـ مثل ووتر ـ باللوم بشكل كبير علي المواطن.. فهو من أخطأ في حق نفسه وهو الجاني وليس المجني عليه..

فالحكومة تعمل، والمواطن لا يكف عن الشكوي.. الحكومة تنتج، وهو يستهلك.. بل الأدهي أن المواطن يجلس علي القهوة «لا شغلة ولا مشغلة».. يشكو حاله ويلعن الحكومة.. ولأن الحوار يدور في الجزء الأكبر منه حول «كيف تُحكم مصر؟» أردت أن أتعرض لأفكار أحد المسؤولين وكيف كان يدير هذا البلد وهؤلاء المواطنين من علي كرسي رئاسة الوزارة فبادرته بالسؤال :

* كيف تم اختيارك رئيسا للوزراء؟ ولماذا خرجت من الحكومة سريعاً؟

ـ مضطر أن أعود إلي عام ٧٨ عندما تم اختياري وزيرا للمالية في حكومة الدكتور مصطفي خليل، حيث اتصل بي النبوي إسماعيل وكان وزير الداخلية، وقال لي أنت مرشح لمنصب وزاري لذا لديك موعد مع الدكتور مصطفي خليل الذي قابلني، وقال لي أنت مرشح لمنصب وزير المالية فاعتذرت.. وهو أمر نادر الحدوث، وعندما سألني عن السبب قلت له إنني أستاذ جامعي وأحب التدريس فطلب مني أن أعتذر للرئيس السادات فشعرت بالحرج لذا قبلت المنصب، ولكن قلت له علي شرط أن تتركني أدّرس في الجامعة، لأنني أعشق التدريس الجامعي فوافق، وعينت وزيراً للمالية عام ٧٨ حتي عام ١٩٨٠.

ثم اتصل بي الرئيس مبارك وكان نائبا لرئيس الجمهورية، وقال لي جملة لم أفهم معناها إلا فيما بعد «متزعلش يا دكتور إحنا شايلينك لوقت عوزة» بعد ٥ سنوات فهمت الجملة عندما اتصل بي الرئيس مبارك وكنت في أمريكا أعمل أستاذاً زائراً هناك وطلب مني العودة فوراً، وكلفني بتشكيل الحكومة، ورفضت للمرة الثانية ولكنه أصر فقبلت.

* هل تتذكر أول قرار أقدمت عليه فور توليك هذا المنصب؟

ـ نعم.. وضعت ما يسمي دستورعمل من ١٥ مادة عرضتها علي الوزراء في أول جلسة، وكان من بين ما تقدمت به هو مصارحة الشعب ورئيس الجمهورية بجميع الحقائق أول بأول وقد طبقت ذلك علي سبيل المثال في أحداث الأمن المركزي وكان أيامها الأخ صفوت الشريف وزيراً للإعلام فقلت له ياصفوت نزّل المصورين يصوروا كل ما تم حرقه في البلد ويعرضونه علي الشعب المصري ويقولون له ما حدث بالضبط، ووقتها الشعب سيقف معنا وقد كان.. كما نبهت علي السادة الوزراء عدم استخدام جملة بناء علي توجيهات الرئيس فلماذا تحملون الرئيس ما لا يحتمل.. كل الوزراء يتحملون مسؤوليتهم كاملة.

* هل رفضك هذه الجملة كان سبب الإطاحة بك سريعا؟

ـ لا أعلم! ولكنني تركت الحكومة وتوليت رئاسة مجلس الشوري وهو منصب بدرجة نائب رئيس الجمهورية.. وأعتقد أنه ثقة كبيرة.

* هل الحرس القديم في حكومتك كانوا سبب الإطاحة بك؟

ـ أنا علاقتي بهم كانت جيدة وكنت أعمل معهم بروح الفريق أما عن كونهم سبباً أو لا فهم يسألون عن ذلك.

* قيل إنك اشتكيت من شللية الوزراء خاصة شلة الحرس القديم الذين مثلوا العقبة الحقيقية في تنفيذ سياساتك؟

ـ إطلاقا لم يحدث ولم أشك أحداً لأحد.

* كيف يتم اختيار الوزراء في مصر؟

- سأتكلم فقط عن تجربتي الشخصية فكان هناك ثلاث مجموعات، المجموعة الأولي هم من يري رئيس الجمهورية أهليتهم لمناصبهم واستمرارهم في أماكنهم.. لذا يستمرون، والمجموعة الثانية يري رئيس الجمهورية في حدود متابعته للعمل العام أنهم يصلحون لبعض الوزارات، إذن فهم يصلحون، أما المجموعة الثالثة فقد تركها لي الرئيس مبارك لأختارها كرئيس للحكومة.

* قاطعته وبالطبع من اخترته تعرضه علي الرئيس مبارك أولا؟

ـ نعم ولكن نتفاهم بشأنهم.

* إذن الرئيس تقريباً هو الذي يشكل الحكومة وليس رئيس الوزراء؟

ـ طبقاً لنص الدستور رئيس الجمهورية هو رئيس السلطة التنفيذية، ثم إن التشكيل الوزاري يصدر بقرار رئيس الجمهورية.. أنا كرئيس جمهورية لن أوقع قرار اختيار الوزراء دون أن أكون علي معرفة بهم.. هل سأبصم عليه؟ أم سأتدخل في الاختيار؟ هذا شيء منطقي ويجب أن يفهم الناس ذلك.

* رؤساء الحكومات متهمون دائما بأنهم سكرتارية تنفيذية للرئيس؟

ـ إطلاقاً غير صحيح.

* إلي أي مدي لدي رئيس الحكومة صلاحية في رسم السياسات واتخاذ القرارات؟

ـ في السياسات أتفاهم مع الرئيس في كل أمر، أما في القرارات فإذا كان من سلطة رئيس الوزراء فأتخذه دون الرجوع إلي رئيس الجمهورية،أما اذا كان قراراً جمهورياً بعد العرض من قبل رئيس الوزراء فأنا أعرض عليه ويكون القرار قراره إما بالقبول أو الرفض، فمثلا تعيين رؤساء الجامعات سلطة رئيس الجمهورية فيتم التفاهم بين رئيس الوزراء ووزير التعليم ثم يعرض علي رئيس الجمهورية يقره أو يرفضه.

* هل اعترض الرئيس مبارك يوما علي قرار اتخذته؟

ـ لم يعترض علي قرار اتخذته.. وإنما قرار كنت سأتخذه، عند تعيين رئيس جامعة ما اعترض الرئيس علي هذا الشخص وتم استبداله بآخر، ولا أذكر أنه اعترض علي شيء أثناء رئاستي للحكومة، وإنما فعل ذلك عند رئاستي لمجلس الشوري، حيث كنا نناقش تقريراً عن ضريبة التركات وأنا كنت من أنصار إلغائها، لأنها أحد معوقات الاستثمار، وكان الرئيس متخوفاً من أن حصيلة موارد الدولة تتأثر وتقل عن معدلها، وتحدثنا سوياً وقلت له: إن حصيلتها ضعيفة، وأنها معوقة للاستثمار فاقتنع وألغيت بعد ذلك، ولكن في الأول كان لديه تخوف.

* علاقتك بالرئيس مبارك؟

ـ علاقة طيبة فأنا عضو في الحزب الوطني وعضو في أمانة السياسات.

* كيف تحكم مصر؟ كل ما قلته يؤكد أن اختيار المسؤولين في الدولة يتم بمعرفة الرئيس سواء من يختارهم مباشرة أو حتي بتدخله بالرفض أو القبول في ترشيحات الآخرين وهذا يعني أن الجميع سيكونون من أصحاب الولاء للنظام وأفكاره؟ فهل نستطيع أن نقول إن الحكم فردي حتي إن اتخذته مجموعة، لأنها مجموعة تدين للفرد بالولاء؟

ـ الحكم في مصر يتم اتخاذه بمعرفة عدة جهات: رئاسة الجمهورية، مجلس الوزراء، مجلسا الشعب والشوري، والحزب الحاكم، هؤلاء الخمسة هي من تحكم مصر وكل منها له اختصاصات منصوص عليها في الدستور وفي القوانين، ولا تتعدي جهة علي أخري، فمثلا إذا أردنا أن نعمل مشروع قانون هنا تبدأ الحكومة بالاقتراح، وتقدم هذا الاقتراح إلي مجلسي الشعب والشوري، وهما بدورهما من حقهما القبول أو الاعتراض أو التعديل ولو رفضا مشروع القانون لا تستطيع الحكومة تطبيقه، من ناحية أخري الحزب الوطني هو حزب الأغلبية لذا من حقه أن يدرس كل الموضوعات ودراساته ترفع إلي الحكومة تأخذ بها أو لا تأخذ بها وهنا انطلق الدكتور علي لطفي بصراحة تلقائية قائلا: ولكن عادة تأخذ بها، لأن لدينا الحكومة حزبية، فالحكومة هي حكومة الحزب الوطني أما رئيس الجمهورية فله اختصاصات منصوص عليها في الدستور هكذا تدار مصر.

* هل توجه هذه المؤسسات من خلال مؤسسة الرئاسة؟

ـ في حدود سلطات رئيس الجمهورية وطبقا للدستور من حقه أن يوجه الحكومة والوزراء باعتباره رئيس السلطة التنفيذية، ولكن ليس من حقه توجيه مجلسي الشعب والشوري.

* باعتبارك الآن عضواً في أمانة السياسات إلي أي مدي تساهم هذه الأمانة في رسم سياسات مصر وإلي أي مدي تتدخل في إدارتها؟

ـ أمانة السياسات هي أمانة مناقشات ودراسات ورفع تقارير للأمانة العامة للحزب ومنها إلي الحكومة.. وأنا عضو في هذه الأمانه وأقول إن ما يقال عن أن أمانة السياسات تحكم مصر هذا كلام مبالغ فيه وغير حقيقي، فنحن نجتمع مرة أو اثنتين في الشهر نناقش بعض الموضوعات المطروحة علي الساحة ويحضرها الوزير المختص وفي النهاية نصل إلي عدد من التوصيات ترفع إلي الأمانة العامة، والأمانة العامة إذا أرادت تعديل أمر ما تعدله وإذا لم تشأ فهي ترفعها مباشرة إلي الحكومة، والحكومة قد تأخذ بها وقد لا تأخذ.

* قلت له: وغالبا تأخذ؟

ـ فأجاب: نعم.

* إذن نحن ندور في دائرة واحدة فبما أن الحكومة هي حكومة الحزب وبما أن أمانة السياسات جزء مهم من تشكيل الحزب الوطني إذن لها دور كبير؟

- بالطبع لها دور كبير.

* رئيس الوزراء في مصر مسؤول عن الشأن الداخلي ومؤسسة الرئاسة مسؤولة عن الشأن الخارجي.. ما صحة هذا الأمر؟

- أنا كنت رئيسا للوزراء وكانت لي علاقة بالشأن الداخلي والخارجي كنت أقابل كل سفراء الدول، وكنت أسافر إلي الخارج، وأقابل رؤساء الدول والملوك ورؤساء الوزارات.

* قاطعته ولكن المقابلات شيء والسياسة الخارجيه شيء آخر وأنا أقصد من يتخذ القرار النهائي بشأن العلاقات الدولية؟

ـ بالتشاور مع الرئيس.. هناك رئيس فوقي يجب أن أتفاهم معه قبل السفر وبعد الرجوع.

* أحمد أبوالغيط وزير الخارجية أعلنها صراحة بأن الرئيس هو الذي يرسم السياسات الخارجية للدولة ولو اعترض وزير الخارجية علي ذلك يخرج من المنظومة التي تنفذ سياسات الرئيس، واستشهد بما حدث مع وزراء خارجية سابقين مثل إسماعيل فهمي ومحمد ابراهيم كامل، فهل أي وزير يجب أن ينفذ السياسة علي مجملها وإن اعترض فليترك منصبه فوراً؟

ـ كل شيء في الحكم يتم بالتشاور وليس كما يعتقد البعض.. ولكن لنقر أن هناك سياسة عامة للدولة لا يجب أن يتصرف كل شخص علي كيفه وبطريقته الخاصة، ومن يعترض فليعتذر عن مهمته.

* في الدول المتقدمة توضع سياسة الدولة ويأتي رئيس الوزراء يكمل المسيرة ويتبع السياسة العامة التي وضعت مسبقا، ولكن هذا لا يحدث في مصر، كل رئيس حكومة يأتي بأولوياته ولا يعترف بما بدأه السابق له؟ لماذا لا توجد سياسة عامة لمصر؟

ـ الاستراتيجية الرئيسية للبلد موجودة ولا تتغير، ولكن الأولويات تختلف من حكومة إلي أخري بل من عام إلي آخر، لكن السياق العام للتنمية في مصر لا يتغير.

* وما السياق العام؟

- زيادة الإنتاج الزراعي باستصلاح ١٥٠ ألف فدان، الاهتمام بالصناعة.

* وهل هذا حدث؟

- مازلنا نسير قدما.

* السؤال بشكل آخر: مصر قبل الثورة كانت دولة زراعية بالدرجة الأولي، ثم أتت الثورة ومعها ثورة في بناء المصانع والاهتمام بالإنتاج، ولكن في ٢٠٠٧ كيف تري مصر دولة زراعية أم دولة صناعية أم رقصنا علي السلم؟

ـ انظري إلي الإنتاج في مصر وحجم التصدير.. ليس صحيحاً أن الإنتاج يساوي صفراً واستهلاكنا بالكامل من الواردات.. هي معادلة، انظري إلي الإنتاج والتصدير بالنسبة للواردات.

* ماذا نصدر؟

ـ نصدر بترولاً ومواد غذائية معلبة وأدوات صحية وحديد تسليح هذا ما يحضرني الآن.

* وماذا عن الزراعة؟

ـ والله لم نجد رئيس حكومة أتي وقال لن أهتم بالزراعة أو رفض استكمال مسيرة الاستصلاح.

* من يضع السياق العام للدولة؟

ـ نحن في دولة المؤسسات، مجلس الوزراء يقترح، ثم تعرض الاقتراحات علي مجلسي الشعب والشوري ليتم تعديله أو إقراره ومن هنا تأتي السياسات العامة للدولة،أي أنه ليس رئيس الجمهورية وحده ولا رئيس الوزراء وحده.

* حكومة رجال الأعمال والمصالح الخاصة بهم هل تتحكم في رسم السياسات العامة للدولة؟

ـ أولا أنا أعترض علي هذا السؤال فالحكومة الحاليه ٣٤ وزيراً وعدد رجال الأعمال بينهم حوالي ٧ رجال أعمال وهي نسبة ليست ضخمة.

وكذلك الأمر في أمانة السياسات أتحدي أن يقول أي شخص أن أغلبهم من رجال الأعمال فهم لا يتعدون أربعة، أفراد والباقي أطباء ومهندسون ومثقفون وعمال وفلاحون وغيرهم.. وبعدين يعني هما رجال الأعمال دول «جربة» هم موجودون في المجتمع ومن حقهم أن يمثلوه سياسياً.

* انهيار أسعار البترول، اختطاف الطائرة المصرية في قبرص، اختطاف الباخرة أكيلي لورو، أحداث الأمن المركزي، وإضراب سائقي السكة الحديد كلها أحداث جسام حدثت في عهدك فهل أنت سيئ الحظ؟

ـ كل شيء مقدر وكل شيء بأمر الله أنا شخص متفائل بطبعي.. نعم حدثت أحداث جسام أثرت علي إنجازات حكومتي.. ولكن المهم كيف واجهت الأزمات.

* وهل تعتقد أنك نجحت في مواجهتها؟

ـ أعتقد ذلك، فقد واجهتها بالشكل العلمي، فأنا رجل درست إدارة أزمات فمثلا في إضراب سائقي السكة الحديد فتحنا غرفة إدارة الأزمات في حوالي ٥ دقائق وكانت تضم فيها وزير الدفاع، ووزير الداخلية، وزير النقل، ووزير السياحة، وأنا باعتباري رئيسا للحكومة وتساءلنا كيف ندير الأزمة ووزعنا المهام فمثلا وزارة الدفاع تساهم بإرسال سيارات لنقل الناس، وكذلك وزارة النقل والمواصلات وتمدنا وزارة السياحة بالسيارات السياحية من شركة مصر للسياحة لنقل السائحين من القاهرة إلي أسوان بدلا عن القطار الذي تعطل.. وبعد ذلك نفكر في حل المشكلة، ثم طلبت نقيب السائقين للجلوس معه والتفاوض دون أن يلي ذراعنا أو نخضع له.

أما أزمة السفينة أكيلي لورو فأدرتها عن طريق الاتصالات علي جميع الاتجاهات، حيث فتحنا اتصال بسوريا وأمريكا وفلسطين وكانت برئاسة الرئيس مبارك.

* هل ما يقال إن هذه الأزمة تسببت في تجسس أمريكا علي الرئيس مبارك لتعرف مدي تضامنه مع ماحدث وكيفية حله للأزمة؟

ـ لا أعرف.

أما أحداث الأمن المركزي فقد بُلغت بالخبر حوالي الساعه السادسة أو السابعة بعد الظهر من وزير الداخلية أحمد رشدي وقال لي ما حدث مضيفا أنني لم أرد إبلاغ سيادتك، لأنه موضوع بسيط وأعتقدت أنني أستطيع حله، ولكن الموضوع تعاظم فجأة.. فطلبت منه أن يأتي إلي في مكتبي لنحل الأزمة سويا.

وقلت له: أنت رجل وزير اجلس في مكتبك ولا تجلس معهم علي الأرض حتي لا يصيبك مكروه.. وطبعا كنت علي اتصال برئيس الجمهورية لحظة بلحظة نمده بآخر التطورات واتخذنا قرار إعلان الأحكام العرفية وجمعت مجلس الوزراء وعرضت عليهم الأمر وأصدرنا قراراً بمنع التجول.

* ولكن في الخارج جميع المسؤولين ينزلون إلي موقع الحدث لحل الأزمة وليس من خلف مكاتبهم؟

ـ أنا طلبت من وزير الداخلية ألا يجلس معهم حتي لا تناله طلقة أو ضربة أو ما شابه ذلك وطلبت منه أن يبلغ عبدالحميد حسن محافظ الجيزة آنذاك أن يعود إلي مكانه هو الآخر بعدما أخبرني أنه أصيب في رأسه بزلطة.

* هل تتذكر.. قرار نزول الجيش للشارع كان قرارك أم قرار الرئيس؟

ـ لا أذكر بالضبط فهو قرار جاء عن طريق المناقشة ونزل الجيش الشارع وطبعاً منعت الشرطة من النزول، لأن الأمن المركزي من الشرطة ومن غير المعقول أن تضرب الشرطة بعضها، وكان ذلك قراراً حكيماً، ونزلت وحدات محدودة لتأمين القاهرة ومناطق أخري ولم تمكث سوي ٤٨ ساعة إلم يكن أقل وكان معنا وزير الدفاع آنذاك المشير أبوغزالة، الذي كان متجاوبا للغاية واستطعنا السيطرة علي الموقف.

* إلي أي مدي يتدخل الأمن في الطريقة التي تحكم بها مصر؟

ـ كون ملفات هناك تعطي للأمن فهذه طبيعة عمله.

* وماذا عن الأمن والانتخابات وما يقال عن تدخلهم في تقفيل الصناديق والتدخل لصالح مرشحي الحزب الوطني؟

ـ علي الأقل في الفترة التي ترأست فيها الحكومة لم أطلب من أي جهه أمنية فعل ذلك.. ولكن عمليا بيتدخلوا أم لا الله أعلم.

وهذا لا يعني أنهم يحكمون البلد.. فهم في حكومتي لم يكن يتدخلون في سياسات الدولة ولا في تعيين أواستبعاد شخص ما.

* ولكن يؤخذ برأيهم؟

ـ طبعا اذا كنت أشرح شخصاً ما لموقع مهم طبيعي أن أحصل علي التقارير الأمنية عنه ونسأل الأمن عن ملفاته.

* هل ضمن التقرير الأمني يتم تقييم أفكاره وأسلوب عمله، وهل هو ضد النظام أو يختلف معه في شيء ما؟

ـ بأمانة شديدة لم أقرأ أبداً في تقرير أمني أتي لي كلمة ضد النظام قد يكون حدث بعد ذلك في حكومات أخري، الله أعلم.

* من هم مستشارو رئيس الجمهورية؟

ـ الرئيس مبارك ليس له مستشارون.. ولا يحب أن يكون له مستشارون ويقول إن المستشار الاقتصادي مثلا حيضرب في وزير الاقتصاد وهكذا، ولم يكن له إلا مستشار في الشؤون السياسية وهو الدكتور أسامة الباز.. أما أنا عن نفسي أري أن فكرة المستشار مهمة جداً، فعندما كنت رئيسا للوزراء كان لي مستشار قانوني وآخر اقتصادي، ولكن كل واحد حر في طريقة إدارته.


---------------------
د. علي لطفي رئيس الوزراء الأسبق:
«٢ ـ ٢» الخصخصة ليست بيعاً فقط.. إنما إعادة هيكلة
---------------------------------------------
حوار رانيا بدوى ٢٠/ ٣/ ٢٠٠٨
---------------------------------------------
* هل وزع جمال عبدالناصر اشتراكية الفقر بدلا من اشتراكية الغني؟.. وهل خرب السادات اقتصاد مصر وفتح باب النهب والسلب سداح مداح حتي تعاظمت ديون مصر؟ وهل أصلح مبارك الاقتصاد؟

ـ رد هيكل في كتابه «لمصر لا لعبد الناصر» دفاعاً عن عبدالناصر وأدان السياسة الاقتصادية للسادات.. أما الدكتور علي لطفي فقد قررت محاورته لنقيم العهد الاقتصادي للرئيس مبارك الذي لم يكتب عنه أحد بعد:

قال هيكل: لقد بدأت التنمية في عهد عبدالناصر بخطوة تبدو الآن مرتجلة لكنها في الحقيقة كانت الخيار الوحيد المطروح أمامه وقتها.. أما عن كيف اتخذ الرئيس عبدالناصر قرارات التنمية في ظل عدم وجود وقت كاف للدراسة يقول الأستاذ هيكل (١)

تحرك عبدالناصر في ثلاثة اتجاهات علي طريق التنمية جاء بالمشروعات التي وردت في وعود وزارات ما قبل الثورة أثناء خطب العرش، واعتبر أن هذه المشروعات درست بما فيه الكفاية وأنشأ مجلساً أعلي للإنتاج خارج اطار الجهاز الحكومي وضم فيه مجموعة من أبرز خبراء مصر الاقتصاديين قبل الثورة وجعل علي رأسهم حسين فهمي وهو اسم من ألمع الأسماء الاقتصادية وقتها وكان قد تولي وزارة المالية من قبل، وكان من أبرز المشروعات التي نفذت تحت إشراف مجلس الإنتاج: مصنع حديد حلوان، ومصنع السماد في أسوان، وكهربة خزان أسوان وكهربة خط حلوان.. إلي آخره.

ثم أقر عبدالناصر بتوصية لمجلس الإنتاج في ذلك الوقت، بأن يعهد إلي بيت خبرة أمريكي عالمي هو بيت «آرثر دوليتل» الشهير بإجراء مسح شامل لإمكانات مصر الاقتصادية وكيف يمكن التخطيط لها تخطيطاً شاملاً، وقامت هذه المجموعة بمهمة استغرقت سنتين كاملتين وجاءت حرب السويس وكانت في حقيقتها حرب التنمية في مصر.. فقد كان محورها هو السد العالي، وكان تأميم قناة السويس هو رد عبدالناصر علي سحب المساهمة الأمريكية البريطانية في السد العالي، وعلي إحجام البنك الدولي إثر ذلك عن أن يقوم بتمويل المشروع..

ويستطرد هيكل قائلا مع بداية سنة ١٩٧٥ كانت الفرصة قد أصبحت متاحة للتخطيط المدروس الشامل وبدأ العمل، واستمر حتي سنة ١٩٦٧، طوال هذه السنوات العشر كانت نسبة النمو الاقتصادي في مصر تسير بمعدل ٦.٢ % سنويا بالأسعار الثابته الحقيقية، بل إن هذه النسبة ارتفعت في وسط الفترة أي من سنة ١٩٦٠ إلي سنة ١٩٦٥ إلي معدل ٦.٦ % ومصدر هذا الرقم تقرير البنك الدولي رقم ٨٧٠ ـ أ عن مصر الصادر في واشنطن بتاريخ ٥ يناير ١٩٧٦ ويضيف الأستاذ هيكل متسائلا: وما الذي يعنيه هذا الرقم؟

ويجيب علي نفسه قائلا: يعني أن مصر استطاعت في عشر سنوات في عصر عبدالناصر أن تقوم بتنمية تماثل أربعة أضعاف ما استطاعت تحقيقه في الأربعين سنة السابقة علي عصر عبدالناصر، ويشير هيكل تفصيلاً إلي كيف لهذا الاقتصاد أن يتحمل صدمة النكسة وعبء إعادة بناء القوات المسلحة وإتمام بناء السد العالي وأعباء مشروعات جديدة ضخمة أبرزها مشروع مجمع الحديد والصلب الذي وصفه السادات بأنه مشروع «لا يقل ضخامة عن مشروع السد العالي».. وتحمل هذا الاقتصاد فوق ذلك كله عبء تثبيت أسعار السلع الاستهلاكية.

أما عن ديون مصر في عهدي عبد الناصر والسادات فيقول هيكل (٢):

سنة ١٩٧٠ «سنة رحيل الرئيس عبدالناصر» كان مجموع الديون التي تتحملها مصر هو أربعة آلاف مليون دولار، هي مجموع الدينين المدني والعسكري، وكانت معظمها للاتحاد السوفيتي، علي أقساط ممتدة، وبسعر فائدة قدره ٢.٥ بالمائة.

وكان الدين المرهق هو الدين قصير الأجل وكان حجمه ١٠٤ ملايين جنيه وهو ما وصل في يناير ٧٥ إلي ١٠٠٤ ملايين جنيه أي زاد عشر مرات (٣).

ويقول هيكل في هامش كتابه «من سنة ٧٥ حين استشهدت بهذه الأرقام الي ست سنوات بعدها أي سنة ١٩٨١ وصل مجموع الديون الخارجية علي مصر إلي أكثر من ثلاثين ألف مليون جنيه».

يقول هيكل معلقاً علي سياسة الانفتاح في عهد السادات «يقال إن الحل هو الانفتاح» وتشجيع رأس المال الخاص علي استثمار أمواله.. تقول الأرقام إن القطاع العام يسيطر علي ٣٠ بالمائة من وسائل الإنتاج، وإن القطاع الخاص يسيطر علي ٧٠ بالمائة ومع ذلك، فإن القطاع العام أسهم مباشرة في ميزانية الدولة سنة ١٩٧٥ بما قيمته ٨٠٠ مليون جنيه بينما إسهام القطاع الخاص لا يزيد علي ثلاثين مليون جنيه!!

ولست أريد أن أقلل من أهمية نشاط القطاع الخاص، ولكن قوة التقدم الكبري تبقي هي القطاع العام، ويشير هيكل في كتابه إلي أنه وبرغم أصابعنا العشر التي أوقدناها شموعاً لرأس المال الأجنبي، فإن مجموع استثماراته في مصر حتي شهر يوليو ١٩٧٥ ـ من أولها إلي آخرها ـ ثلاثة ملايين جنيه استرليني بالتمام والكمال، جاءت مساهمة في مشروعات مشتركة أبرزها مشروع ويمبي لبيع اللحم المشوي، ثم مشروع دجاج كنتاكي لبيع الدجاج المقلي، وقد دخلت في الاستثمارات تحت بند مشروعات سياحية (٤).

ولكن إعمالا للإنصاف يجب أيضا أن أعرض ما قاله الباحث الإسرائيلي حجاي أرليخ عن ازدهار الاقتصاد في عهد السادات، ولكنه أرجع المشكلة إلي عدم توظيف واستثمار المبالغ بشكل يخفف الضغط علي المواطنين، بل أكدت الدراسة أن جزءاً كبيراً من عوائد الانفتاح تم استغلالها في إحكام قبضة السلطة وتعزيز النظام الحاكم، حيث تحسنت الوسائل التي تستخدمها أجهزة الأمن. (٥)

وهنا عدت للدكتور علي لطفي رئيس الوزراء السابق والخبير الاقتصادي وسألته:

* في خطاب لك في ديسمبر ٨٥ رفضت الخصخصة.. وأكدت أن القطاع العام هو قاطرة التنمية إلي أي مدي أنت مستعد لتغيير رأيك الآن؟

ـ أولا هذا الكلام غير صحيح بالمرة فلم أقل هذا الكلام.

* إنه تصريح كررته في حوار لك مع الكاتب الكبير مكرم محمد أحمد في مجلة المصور (٦)!

ـ غير صحيح فأنا طوال عمري من أنصار الخصخصة، والخصخصة ليست بيعاً فقط إنما إعادة هيكلة واستئجار، ونحن لن نبيع القطاع العام بأكمله، وإنما جزءاً منه، والخصخصة ليست هدفاً في حد ذاته وإنما وسيلة.

* ولماذا أنت مع الخصخصة؟

ـ لأن القطاع الخاص أكثر كفاءة من القطاع العام.. فالقطاع العام في مصر فيه سرقات واختلاسات وتزوير وخسائر وميزانيات وهمية.

* هل يمكن إصلاحه بدلاً من بيعه؟

ـ لا يجدي معه، لأن طول ما الناس بتتعامل مع القطاع العام إنه بتاع الحكومة حينتجوا ليه؟ كده كده مرتبها ماشي.. ثم إننا نريد أن تتفرغ الحكومة لمهامها الأساسية فأنا مثلا أخجل أن أكون رئيس حكومة من ضمن مهامها «تقلي سمك وتشوي فراخ» مثل شركة النيل وشركة المجمعات، هذا يجب أن يكون من اختصاصات القطاع الخاص، وأنا أتفرغ للصرف الصحي والمياه والطرق والكباري والتعليم والصحة هذه هي مسؤوليتي كحكومة.

* وماذا عن بيع البنوك فهذه لا تقلي سمك ولا بتشوي فراخ؟

ـ المبدأ واحد، ولكن هناك بعض الاستثناءات، فمثلا لو نظرنا إلي بنك القاهرة كان غارقا في الديون ومليئاً بالسرقات، ورئيسه تحول للمحاكمة ومات في السجن وضاع علي هذا البنك ما لا يقل عن ١٠ أو ١٥ ملياراً.. وهذا البنك كي يتم إصلاحه يحتاج علي الأقل إلي ٢٠ مليار جنيه، والحكومة لا تملك هذه المبالغ.. ثم إن لدينا بنكين كبيرين جدا يفوقان بنك القاهرة وهما بنكا مصر والأهلي، وقد تم التصريح بعدم النية في بيعهما.

* أود تذكيرك أننا سمعنا نفس التصريح عند بيع بنك الإسنكدرية وتعهدت الحكومة أمام مجلس الشعب بأنها لن تبيع أي بنوك أخري؟

ـ أنا لست الحكومة لتحاسبيني أنا مسؤول عن كلامي فقط، وأنا عن نفسي مع بيع بنك القاهرة.. وإن كنت أفضل أن مجموعة من رجال الأعمال المصريين يتكتلون ويقومون بشراء البنك مثلما فعل رجلا الأعمال محمد أبو العينين ومحمد فريد خميس وكسبا مناقصة العين السخنة من شركة إعمار وهي شركة ضخمة.

* باعتبارك خبيراً اقتصادياً، هل لديك أي شروط أو محددات لعملية البيع؟

ـ التقييم السليم من أكثر من جهة.. مراجعة التقييم من قبل البنك المركزي.. وضع كراسة البيع بكل شفافية أمام الجميع.. تنص علي عدم فصل أي عامل إجباريا إلا إذا كانت تلك رغبة العامل ويعطي التعويض الملائم.. وينص العقد علي عدم بيع أي فرع أرض فضاء وألا يغلق الفرع.. وأن يستحضر من الخارج أعلي تكنولوجيا المصارف إلي البنك.

* وهل هذه الشروط طبقت في الشركات والبنوك التي تم بيعها؟

ـ أعتقد أنه باستثناء أول شركة تم بيعها لم يأخذوا بالهم من مسألة بيع الأرض، ولكن بعد ذلك انتبهوا ووضعوها في الشروط.

* قلت قبل الحديث إنه قد طلب من مكتبك تقييم إحدي الشركات لبيعها فقلت لهم بيعوها ببلاش وأعطوا المشتري ٥٠ مليون جنيه فوقها فهل لي أن أنشر هذه الواقعة؟

ـ نعم فقد طلب من مكتبي تقييم لإحدي الشركات للبيع فطلبت منهم أن يبيعوها بصفر أي أن يعطوها للمشتري ببلاش ويعطوه فوقها ٥٠ مليون جنيه.

* هل أنت جاد أم أنها كناية عن سوء وضع الشركة؟

ـ كنت جاداً، وأقصد ما أقوله، فبعد تقييم الشركة وجدتها تدين بحوالي ١٥٠ مليون جنيه وأصول هذه الشركة من مبان وأرض وغيرها لا تتجاوز الـ ١٠٠ مليون جنيه فاقترحت بيعها ببلاش بشرط أن يلتزم المشتري بسداد الديون، أو الحل أن الحكومة تسدد الديون، ثم تبيعها بالـ ١٠٠ مليون «وطبعا هيه هيه».

* وزارة الاستثمار أوكلت إليك تصفية عدد من الشركات فهل هذا تكريم لأنك من الحكومة؟

ـ لا، والدليل أن هذا المكتب مفتوح منذ عام ٩٠ منذ آخر منصب توليته وهو رئاسة الشوري أي منذ ١٧ عاما وعمر الخصخصة ١٥ سنة، ورغم ذلك لم يطلب مني تقييم سوي شركتين فقط ليس تكريماً انما باعتباري خبيرا اقتصاديا.

* وماذا عن بيع المرافق العامة؟

ـ أعتقد أنها آخر شيء يمكن أن نفكر في بيعه وإن تم التفكير في ذلك فهناك بعض المرافق لا يجب أن تباع فأنا لا أتصور أن أحداً يستطيع تشغيل السكة الحديد، لأنه سيخسر إذا حافظ علي نفس التعريفة فهي مدعمة من الدولة لذا سيلجأ إلي رفع التعريفة وهذا أمر صعب.. إلا إذا خصخصناها وأعطينا المستثمر دعما للدرجة الثالثة بحيث لا يرفع سعر التذكرة.

* لو أن الدولة ستضطر للدفع فلماذا إذن الخصخصة؟

ـ من أجل الإدارة الجيدة ومنع السرقات وتطوير الخدمة.

* أذاعت قناة الـ «سي إن إن» تقريراً بتاريخ ٤/٦/٢٠٠٦ أن مصر تحتل المرتبة السبعين بين قائمة الدول الجاذبة للاستثمار، وأنها مصنفة عالميا في المركز الـ ١١٠ في الأداء الاستثماري فما تعليقك؟

ـ أساس مشاكل مصر إداري.. وأعتقد أنه لا يوجد دول متخلفة اقتصاديا، ولكنها متخلفة إداريا، وهذا التخلف الإداري ينتج عنه تخلف اقتصادي.. النظام الإداري لدينا يحتاج إلي تغيير شامل لذا يجب إدخال الحكومة الإلكترونية في كل مكان والتخلي عن الورق والملفات.. وإعادة النظر في إجراءات التقاضي فالقضايا تتداول أحيانا في المحاكم لأكثر من ثماني سنوات حتي يستطيع المستثمر أن يأخذ حقه وهذا أحد معوقات الاستثمار الرئيسية.

* روشتة العلاج من وجهة نظرك؟

ـ استكمال برنامج الإصلاح الاقتصادي بكل حزم وحسم وجرأة دون تردد أو تراجع.. ضرورة إعطاء أهمية كبري لمشكلة البطالة.. مزيد من تشجيع الاستثمار للعرب والأجانب والمصريين.. الاهتمام بالصناعات والمشروعات الصغيرة.. ضرورة الاهتمام بالصناعات المغذية للصناعات الكبري.. الاهتمام بالأسر المنتجة.. حل مشكلة الفرق بين الأجور والأسعار.. العلاوة لا يجب أن تكون نسبة مئوية.. ولكن يجب أن تعطي بحسب العبء والوضع الاجتماعي أي أن علاوة الأعزب غير المتزوج ولا يعول غير المتزوج ويعول.

* ما رأيك في الاقتصاد الحالي؟

ـ ما يحدث الآن هو استكمال لحالة الإصلاح الاقتصادي الذي بدأ منذ أكثر من ٢٥ عاما.. فعندما تولي الرئيس مبارك مقاليد الحكم دعا إلي مؤتمر اقتصادي، وهذا دليل علي اهتمامه بالجانب الاقتصادي، فتقدم الدول في الآونة الأخيرة يقاس بتقدمها الاقتصادي، هذا المؤتمر وضع توصيات من أهمها ضرورة إعداد وتنفيذ برنامج للإصلاح الاقتصاي.

* وهل وضع ونفذ؟

ـ نعم نفذ جزء منه ومازال تنفيذه مستمرا.. فعلي سبيل المثال قد تمت عملية الإصلاح المالي والإصلاح النقدي مثل عملية توحيد سعر الصرف وتحريره، وتحرير سعر الفائدة وكذلك عملية الإصلاح السكاني فقد تم الحد من الزيادة السريعة للسكان، فمعدل النمو اليوم بلغ ٧ % وكان نتيجة ذلك تحقق عدد من الإيجابيات منها انخفاض عجز الموازنة العامة للدولة كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي، وانخفاض معدل التضخم، كما أصبح هناك فائض في ميزان المدفوعات، واستقر سعر صرف الجنيه أمام الدولار، إن لم يكن تحسن في الشهور الأخيرة، وأخيرا تحقق نقد أجنبي احتياطي لدي البنك المركزي زاد علي ٢٨ مليار دولار.

* ولكن الناس تعاني معاناة شديدة؟

ـ من منطلق الحديث بصراحة، ترجع معاناة الناس إلي البطالة تلك المشكلة التي لم تحل حتي الآن، وكذلك مشكلة الأسعار وعدم توازنها مع الدخول، ومشكلة البيروقراطية بالإضافة إلي ما ظهر مؤخرا من مشكلات مثل نقص مياه الشرب وانقطاع التيار الكهربائي عن بعض المناطق.

* وماذا بعد ذلك أليس هذا كافيا لخلق حالة من الاختناق لدي الناس؟

ـ لا، فرغم ذلك هناك إيجابيات كثيرة تحققت وهذا ما كنت أقصده بأن عملية الإصلاح عملية مستمرة للقضاء علي المشاكل المتبقية.

* ولكنك أحصيت بنفسك عدداً من المشكلات التي تواجه الناس؟ إذن، هناك خلل ما فمن المسؤول عنه؟

ـ المشكلة في الناس وطموحاتهم التي تزداد يوما بعد الآخر فإذا كان طموح المواطن أن يسكن في قصر وأنا أعطيته فيلا لن يشعر بالرضا، فقد أدي انتشار الفضائيات إلي توليد طموحات كثيرة عند الناس مهما جاهدت الحكومة فلن تسد احتياجاتهم وان أعطتهم هم لا يشعرون.

* أنا أتحدث عن الفقراء في القري والعشوائيات وليس من يمتلكون الفيلات ويطمحون في القصور؟

ـ إذا نظرت إلي العشوائيات ستجدين عددا كبيرا منهم لا يجدون قوت يومهم ويمسكون الموبايل في أيديهم.

* أعدت عليه السؤال بشكل آخر: مازلنا لا نشعر بارتفاع مؤشرات النمو الاقتصادي التي تتحدث عنها الحكومات المتعاقبة؟

ـ أجاب ساخرا: هذا كلام مواطن غلبان قاعد علي القهوة مش فاهم حاجة في الاقتصاد.

* أعتقد أن هذا المواطن الغلبان الذي لا يفهم شيئا في الاقتصاد من حقه أن يفهم وأعتقد أنه أتي بالحكومة التي يفترض أنها تفهم عنه الكثير لتحل له مشاكله؟

ـ أنا أقول لهذا المواطن.. هذا الكلام غير صحيح فنحن ننتج ولكن هذا الإنتاج لا يكفي الاحتياج لذا نستورد من الخارج، وأنا أتمني أن نقلل وارداتنا ونزيد من صادراتنا لضبط الميزان التجاري ولكن غير صحيح أن نقول إن وضعنا الاقتصادي سيئ أو أننا نستورد فقط ولا ننتج والأرقام الرسمية تؤكد ذلك.

* الأرقام الرسمية أيضا تؤكد وجود ملايين تحت خط الفقر في العشوائيات؟

ـ من هم تحت خط الفقر في مصر حوالي ٢٠ % وهي نسبة أعرف أنها ليست بسيطة ولكن العشوائيات ـ والفقر ـ لم تأت بين يوم وليلة لذا هي ستحل بعشرات السنوات أيضاً.

* هناك تقارير تؤكد أن سوء التخطيط يتسبب في الأزمة وسوء التخطيط في حلها يتسبب في أزمة أكبر؟

ـ سوء التخطيط هذا أمر لا وجود له، هناك استراتيجية عامة مقسمة إلي خطط خمسية مقسمة بدورها إلي خطط سنوية خاضعة للتنفيذ، ومن يضع هذه الخطط خبراء وطنيون مصريون وعلماء لا يمكن أن نتهم بالخيانة ولا بالجهل من هم قبلي ومن هم بعدي.

لا تنسي أنه في الأول كانت كل موارد مصر مخصصة للمجهود الحربي، لماذا ننسي الحروب التي دخلتها مصر في ٥٦ و٦٧ و٧٣ والشعار الذي كان مرفوعا «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة» أي أن كل موارد مصر تسخر لخدمة القوات المسلحة وما يفيض يعطي للشعب ليأكل به.. المواطن نفسه الذي ينجب ١٠ أطفال ألا يتسبب ذلك في مشاكل للحكومة فهم في حاجة إلي التعليم والرعاية الطبية، في حين أنا وضعت خطتي كحكومة علي أساس أن كل مواطن ينجب ثلاثة أطفال، وهنا نقول إن السبب هو سوء التخطيط أم أن الخطأ هو خطأ المواطن الذي أخطأ في حق نفسه وحق المجتمع.

* في فترة ما كان لا صوت يعلو فوق صوت المعركة.. ولكن بعد حرب ٧٣ وفور تولي الرئيس مبارك الحكم تم تخصيص المليارات لإنشاء البنية التحتية.. ولكن في ٢٠٠٧ لدينا مشاكل في هذه البنية وكأننا نبدأ من الصفر من جديد فما الذي حدث؟

ـ البنية التحتية تم عمل مشاريع ضخمة فيها تكلفت عشرات المليارات، ولكن مع النمو السريع للسكان نحتاج الي بنية جديدة لأنه تم استهلاك البنية السابقة، والزيادة السكانية تستهلك البنية التحتية بشكل سريع. لو أتينا للتعليم نجد الدولة تخصص له ٢٥ مليارا والعلاج ٨ مليارات حتي يكون التعليم والعلاج مجانيين، وفي الآخر نتساءل: أين موارد وأموال مصر؟ المشكلة الحقيقية من وجهة نظري، والتي أضاعت جزءا من موارد مصر هي موضوع الدعم.. أنا لست ضد الدعم ولكن السؤال: الدعم لمن؟ الدعم يجب أن يكون للفقير الذي يستحق الدعم وليس لكل المواطنين المليونير والفقير وهذا أدي إلي ضياع موارد الدولة.

* أي وزارة تراها استكمالا لسياستك الاقتصادية؟

ـ عاطف صدقي الله يرحمه رجل ممتاز ورئيس وزارة جيد جدا، سار علي كثير من الأشياء التي وضعتها وغير بعض الأشياء وتأخر في برنامج الإصلاح الاقتصادي فقد أتي إلي الحكومة عام ٨٦، ولكن بدأ البرنامج الإصلاحي عام ٩١ وهو ما يؤخذ عليه، أنا لو كنت مازلت في منصبي كنت سأسير أسرع بكثير وهذا هو الفرق بيني وبينه.. سرعة تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي، فرق آخر وهو أنني كنت أتخذ قرارات سريعة وحاسمة تؤدي أحيانا إلي غضب بعض السادة الوزراء ولم يتقبلوها..

فمثلا قرار عدم سفر أي وزير إلي الخارج الا للضرورة القصوي «لكن هو كان بيريح الوزراء علشان يحبوه».. مثال آخر، قراري بمنع استيراد بعض المنتجات مثل الجوز واللوز والبندق، لأن لدي نقصا في النقد الأجنبي، وانهيارا في أسعار البترول لذا كان طبيعيا أن أوفر ١٠٠ مليون دولار يتم استيراد منتجات بها مثل هذه.. كما غضب بعض رجال الأعمال من محاربتي التهرب الضريبي، ولكن المهم بالنسبة لي هو أن أعمل للصالح العام.. طبعا عاطف صدقي أتي وألغي هذا القرار وهذه وجهة نظره. فهو بطبعه «مابيحبش يزعل حد».

* وماذا عن حكومة دكتور نظيف؟

ـ لا تعليق.

الهوامش
-------
(٢) لمصر لا لعبدالناصر ـ محمد حسنين هيكل ـ ٩٥

(٣) أرقام صادرة عن تقرير رسمي للبنك المركزي المصري قدمه إلي البنك الدولي وورد في تقرير البنك الدولي رقم ٨٧٠ ـ أ عن مصر، الصادر في ٥ يناير ١٩٧٦.

(٤) لمصر لا لعبدالناصر ـ محمد حسنين هيكل ـ ٩٨.

(٥) الشباب يواجه الانفتاح ـ دراسة إسرائيلية ـ حجاي أرليخ ـ مترجمة من العبرية بمعرفة الهيئة العامة للاستعلامات.

(٦) حوار مكرم محمد أحمد مع علي لطفي ـ مجلة المصور.


---------------------
نشرت في المصري اليوم بتاريخ 19 و20 مارس 2008
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=97867
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=98012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المتابعون