د. مصطفى الفقي

في حوار جريء (١ - ٢):
الأفضل أن تترك مصر دون نائب.. وأن نختار رئيسنا القادم.. لا أن يختاره لنا مبارك
-------------------------------------------------
بقلم رانيا بدوى - المصري اليوم ٢٧/ ٣/ ٢٠٠٨
-------------------------------------------------


في مكتبه بالجامعة البريطانية علي بعد ٢٥ كيلو متراً عن وسط القاهرة.. مشوار طويل قطعته علي الطريق الدائري أفكر في شيء واحد هل شخصية مثل الدكتور مصطفي الفقي بدبلوماسيتها وتوازناتها يمكنه الإجابة عن أسئلة من نوع، كيف تُحكم مصر؟.. هل يمكن ان يكشف لنا بصراحة طبيعة الرجال حول الرئيس؟ هل من الممكن أن يصف بدقة شخصية الرئيس في الحكم؟

توقعت أن يرفض أسئلة وتوقعت أن يشعر بمحاولاتي لاستنطاقه فيصمت أو يهرب لكن المفاجأة كانت حواراً جريئاً مع الدكتور مصطفي الفقي، عضو أمانة السياسات بالحزب الوطني.

كان صريحا إلي درجة ربما لا تتواءم مع وضعه في الحزب الوطني، ومنطقي، إلي درجة ربما تخجل الأحزاب المصرية.. كان أهم مافي هذه السطور هو ما بينها، وأجرأ ما في هذه الكلمات هو ماخلفها.. جاءت تعليقاته أحيانا غير مكتملة.. وبعض جمله كانت علي إطلاقها، إلا أن أنها معبأة بالرصاص.. فقد قرر أن يطلق الرصاص علي الجميع.. لكنه علي أي حال قرر استخدام مسدس يتصدر فوهته كاتم للصوت..

* القرار السياسي في مصر كيف يصنع ومن يتخذه؟

- سأتحدث عن الفترة التي عملت فيها في مؤسسة الرئاسة، حيث كان القرار يتخذ من خلال قنوات مختلفة تصب منها المعلومات سواء من المخابرات أو مباحث أمن الدولة أو وزارة الخارجية أو المخابرات الحربية أوهيئة الاستعلامات و غيرها، فضلا عن أن الرئيس يتلقي معلومات مباشرة من أصدقاء قدامي ومن مواطنين مغمورين وعاديين، من خلال تجميع هذه المعلومات يدعو الرئيس إلي اجتماع مع القيادات تتضمن رئيس الحكومة ورئيسي مجلسي الشعب والشوري والوزراء وبعض الوزارات السيادية الهامة وبعض مستشاريه ليتم مناقشة هذه المعلومات وعلي ضوئها يتخذ القرار.. وكانت مهمتي كسكرتير الرئيس للمعلومات هي تميع هذه المعلومات الرسمية وتنسيقها وتقديمها إلي الرئيس من مصادرها المختلفة، ولكنه لم يكن يكتفي بها لأنه لا يريد أن يحتكر أحد أذنيه.

* كيف يصل إليه المواطنون المغمورون والعاديون؟

- هو يلتقي في حديقة منزله صباحا بشخصيات غير معروفة يستمع إليهم في أوقات الأزمات الداخلية أو في المشكلات الخاصة بالشأن الداخلي، هو يعرف مجنداً كان معه في الجيش أو شخصاً عادياً التقي به في مناسبة عامة وأحيانا يتصل به أناس عاديون ويرد عليهم بنفسه كما يجلس مع ضباط صغار من الجيش أو الشرطة، موظفين عاديين في بعض الهيئات أو بعض رجال القضاء، هو يعتبر أن كل صاحب تخصص هو مستشاره في هذا التخصص فهو لا يدعي المعرفة الشاملة في كل الفروع وليس لديه هذه العقد، ولا مشكلة لديه في أن يغير رأيه علي ضوء المعلومات الجديدة.. أو الرأي الذي لم يكن قد سمع به من قبل.

* من هم مستشارو الرئيس؟

- أنا تركت الرئاسة منذ ١٥ عاماً ولا أستطيع الحديث إلا عمن عاصرتهم.. فكان هناك الدكتور أسامة الباز الذي كان كبير مستشاري الرئيس ومستشاره السياسي، وكنت أنا رئيساً لمكتب المعلومات.. وكان هناك مستشار اقتصادي هو السفير سعد الفرارجي، ومستشار إعلامي هو الأستاذ محمد عبد المنعم الصحفي ورئيس مجلس إدارة روزاليوسف السابق، وكان هناك سكرتير عسكري للرئيس وهو أحد الضباط المرموقين، أي أن هناك مجموعة كبيرة تقوم بالتخديم علي مكتب الرئيس، فضلا عن أن مكتب عابدين هو المطبخ الحقيقي، الذي تصب فيه كل مصادر الإعلام والتحليل السياسي، التي يوافي بها سكرتارية الرئيس والتي يترأسها شخصية عاقلة وهادئة جدا، وهو اللواء جمال عبد العزيز وهو أقدم مرافق للرئيس، بدأ معه منذ ١٩٨٦ وحتي الآن.

* قلت في إحدي المرات إن اختيار المسؤولين في عهد الرئيس مبارك يرتكز علي أمرين، الأول: هو التميز التكنوقراطي والثاني: استبعاد المتطلعين إلي المناصب؟

- الرئيس من شدة حرصه من مراكز القوي يخشي من اللاهثين إلي المناصب والساعين إليها ويري أن من يطلب شيئا تكن دوافعه شخصية وليست موضوعية.. اختيارات مبارك تأخذ وقتاً طويلاً جدا إذا رأي شخصاً في مناسبة عامة وأعجب به، يظل يتابعه لعدة سنوات قبل أن يوليه أي منصب، فهو شخص شديد الحذر، باعتباره طيار قاذفات، وهي نوع من الطيران يحتاج إلي قدر كبير من الحيطة والحذر قبل الإقلاع وأعتقد أن لديه نفس التصور في عمله في مؤسسة الرئاسة.

* أي أن الرئيس يعمل بمقولة العرب: طالب الولاية لا يولي؟

- نعم.. فعندما يشعر الرئيس بأن هناك شخصاً ما لديه شبق وهلع شديد للمنصب العام تأتي غريزة الحذر وهي غريزة متأصله لديه في تقييم هذا النوع من الشخصيات ويراجع نفسه كثيرا قبل أن يوكل إليه منصب عاماً أو حساساً لأنه يعتقد أن الدوافع الشخصية في هذه الحالة هي التي تحكمه وليست المصلحة العامة وأنا أعتقد أن الرئيس لديه موضوعية شديدة في الاختيار.

* ولكن طالب المنصب أحيانا يكون مهياً بالفعل عن طريق اندماجه في العمل السياسي بعكس العازف عنه؟

- لديك حق تماما، فأنا أيضا لي رأيي مختلف عن المعمول به فليس هناك ما يجعل طالب الولاية لا يولي، بدليل أن التدريب السياسي يتم في الغرب بشكل منظم ومرتب قبل وصول الشخص إلي المنصب، وقد شاهدتهم في بريطانيا في مطلع حياتي عام ١٩٧٥ وهم يأخذون تاتشر من الصفوف الخلفية إلي الصفوف الأمامية في مؤتمر حزب المحافظين في بلاك بول، كنت ممثلا للسفارة في هذا المؤتمر وهذا يعني أن هناك عملية تأهيل سياسي، وإلا ما جدوي أن يعد إنسان نفسه للحياة السياسية، ثم تقولين له أنت تعد نفسك للحياة السياسية فلا يجب أن تتولي منصباً لأنك تريده، كلمة «طالب الولاية لا يولي» كانت خاصة بالدولة الإسلامية عندما يريد شخص أن يتولي ولاية الشام أو ولاية مصر، فكان هناك تخوف من النزاهة المالية، أما ما عدا ذلك فالأمر مختلف.

* ما هو الفرق بين اختيار الرئيس عبد الناصر والرئيس السادات لمسؤولي الدولة من وجهة نظرك؟

- عبد الناصر كان يختار أهل الثقة، والسادات كانت تأتيه قرارات مفاجئة، يعجب بشخص فيسرع في توليته مايريد علي الفور.. وكان له رؤية مختلفة في اختيار الأشخاص فقد ولي الماركسيين رغم اختلافه معهم في بداية عهده، مثل إسماعيل صبري عبد الله، والدكتور إمام والدكتور إبراهيم حلمي عبد الرحمن وغيرهم، أما الرئيس مبارك فيخضع الأشخاص لاختبارات لمدة طويلة قبل أن يوليهم أي مناصب، فعلاقة الرئيس مبارك بالزمن تشبه علاقة الأسيويين بالزمن أي الشعوب الأسيوية وليس كالشرق أوسطيين، فهم في عجلة من أمرهم، أما هو فيفضل أن يأخذ وقته في اختيار الشخص، واذا ائتنس إليه ووثق فيه يوليه منصباً ويبقي عليه إذا لم يصدر منه شيء يجعله يعدل عن قراره.

* وأي الطرق كانت أجدي وأنفع في حكم مصر؟

- النتيجة توضح لك ذلك.. ففي عهد مبارك لا توجد أخطاء كبري مثل عهدي السادات وعبد الناصر وأيضا ليس هناك فرقعات كبري بينما في عصر كل من عبد الناصر والسادات كانت هناك إنجازات ضخمة وأخطاء ضخمة أيضا، أما السياسة التي اتبعها مبارك فقد جنبت مصر التورط في مشكلات داخلية وإقليمية.

* ما هو الخطأ الفادح في كل من العهدين السابقين؟

- الخطأ في عهد عبد الناصر كان الحملة علي اليمن لأنها كانت مقدمة لاستنزاف قدرات مصر العسكرية وجرها إلي مؤامرة ١٩٦٧، بالإضافة إلي غياب الديمقراطية، فهو كان يري أن شعبيته الكاسحة تغنيه عن الديمقراطية، أما خطأ السادات فكان في التعجل في التسوية في كامب ديفيد، وأنا لست ضد ذهابه إلي القدس، ولست ضد اتفاقية السلام، ولكنني أعتقد أن مزيداً من الوقت كان يمكن أن يكسبه دعما عربيا، يجعل نتائجها أكثر شمولا وتأثيرا.

* وما هو تقييمك للحكم في العهود الثلاثة ولشخصيات الرؤساء في إدارة البلاد؟

- عبد الناصر له إنجازات ضخمة، فقد أقام قومية عربية لا تقارن بأي زعيم آخر، فهو شخص له مفهوم البطل القومي فهو في تاريخنا مثل نابليون في فرنسا، نعم مات مهزوما والأرض محتلة، ولكن لا يجب أن نحكم عليه بالنهاية، فهو يبقي في التاريخ تحولاً فكرياً ضخماً ليس في العالم العربي فقط ولكن في العالم الثالث كله.. أنا عشت في الهند ورأيت مدي تأثرهم بالزعيم عبد الناصر.. أما السادات فهو رجل دولة، بمعني أنه كان يعرف المتغيرات الدولية والإقليمية جيدا.. كان يستطيع أن يعطي إشارة شمال ويدخل يمين..

وبالمناسبة لا يوجد في تاريخنا رجال دولة فهموا المتغيرات الدولية والإقليمية إلا محمد علي، مؤسس الدولة الحديثة، وأنور السادات، أما حسني مبارك فهو شخص مختلف فهو يريد أن يمنع الضرر أكثر من أن يجلب الفائدة.. ولذلك عندما يقيم التاريخ فسيقول إن عبد الناصر أخطأ عندما فعل كذا وكذا، والسادات أخطأ عندما فعل كذا وكذا، أما مبارك فقد أخطأ أنه لم يفعل كذا وكذا، هذا هو الفارق بين الرؤساء الثلاثة في رأيي الموضوعي.

* أعود لمسألة اختيار الرئيس لمعاونيه هل لك أن تحكي لي كيف تم اختيارك أنت شخصيا لهذا المنصب الحساس؟

- كنت أعمل في مكتب الدكتور أسامة الباز وجدت ظروفاًً غاب فيها، فقمت أنا ببعض الأعمال المطلوبة نيابة عنه فاستدعاني الرئيس وتعرف علي ثم عدت إلي «الخارجية» لمدة عامين٨٣-٨٥ واستدعاني مرة ثانية وكلفني بالعمل معه كسكرتيرالرئيس للمعلومات والمتابعة.

* رجال السياسة كانوا في العهد الملكي من رجال الفكر أما الآن فرجال السياسة أصبحوا موظفين في الدولة، فما السبب؟

- كان الفكر هو الذي يأتي بالشخص إلي المنصب، ولكن بعد ثورة يوليو تغلبت معايير أخري وأصبحنا في صراع ما بين أهل الثقة وأهل الخبرة، ومازلنا في أثرها حتي الأن ولم تعد الخبرة هي المعيار الوحيد في الاختيار، فهناك معايير أخري خاصة بالولاء للنظام ودعم أسلوب الحكم..وعلي امتداد الخمسين عاماً الماضية ابتعد أهل الثقافة والفكر عن العمل العام.. أتذكر الفترة الليبرالية في تاريخ مصر عندما كان أحمد لطفي السيد ومحمد حسين هيكل وزيرا وطه حسين والسنهوري وغيرهم من أهل الفكر يترأسون المناصب العليا في الدولة، ولكن انظري علي سبيل المثال إلي الانتخابات البرلمانية لا يقتحمها إلا أصحاب رؤوس الأموال ومن يمثلون التيار الديني أو من لهم عصبيات عائلية ولا تجدين شخصيات عامة مرموقة ولا أساتذة جامعة.. هناك حالة عزوف من المثقفين وهذا حصر دائرة الاختيار في نطاق أضيق، فأصبح عندما نختار نريده ألا يكون سياسيا سابقا وألا يكون منتميا إلي حزب من الأحزاب الأخري، وألا يكون في تاريخه السياسي صعود وهبوط ومن أمضي تجربة من قبل لا تتكرر ومثل هذا الأمر يضيق دائرة الاختيار.

* هل يخشي الرئيس مبارك أهل الفكر؟

- لا غير صحيح فهو يقدر أهل الفكر والدين والقضاء ولهم مكانة خاصة لديه..لا يهوي التهويلات النظرية والأحاديث الفلسفية يحبذ فكرة الكلام المحدد، والخيارات الواضحة، وأن تأتيه المعلومة المجردة بدون رتوش ويفضل في النهاية الأرقام ولغة الإحصائيات.

* ما هو رأي الرئيس مبارك الحقيقي في مسألة وصول نجله إلي الحكم؟

- لم أسمع في أي لقاء مع جمال مبارك أو مع أبيه أو أي أحد من الأسرة حديثا حول التوريث.

* ولاحتي رئاسة جمال مبارك للحزب الوطني؟

- ولا حتي ذلك، فكل المناقشات تدور حول مشكلات سياسية وأتحدي من يقول إنه قد جري أي حوار عن مستقبل السلطة في مصر.. كل ما أسمعه هو ما نردده نحن في صالونات المثقفين وحوارات المفكرين.

* ألست مع من يقول إن هذا الصمت يسمح بمساحات أوسع من سوء التأويل؟

- ربما كان هذا صحيحا فجزء كبير من انتشار شائعة مرض الرئيس، كان بسبب المساحة الضبابية لفكرة المجهول في المستقبل لدي الناس، فأصبحت هذه الشائعة رغم خبثها لها جاذبية شديدة لديهم.. والأعمار في يد الله في النهاية.

* الشائعة الأخيرة فتحت من جديد باب الحديث عن ضرورة تعيين نائب للرئيس؟

- قضية اختيار نائب في الدستور مسألة جوازية وليست حتمية.. الأمر الثاني أن هناك مشكلة حقيقية في اختيار نائب وهي الاشتباك بين وظيفة نائب رئيس الجمهورية والرئيس القادم.. كان السادات نائبا لعبد الناصر، فأصبح رئيساً وكان مبارك نائبا للسادات فأصبح رئيساً.. إن تعيين نائب سيلقي في ذهن المصريين مباشرة أن هذا هو الرئيس القادم.. إنما كان يجب فض الاشتباك بين نائب الرئيس والرئيس القادم، لأنها ستحدث استقطابا تلقائيا داخل مراكز صنع القرار، وسيتم النظر للقادم الجديد باعتباره هو المستقبل وهي نقطة خطيرة لم يعالجها الدستور المصري، ولا المشرع المصري.

* هل أفهم من ذلك أن الأفضل أن يختار الشعب من يحكمه في المستقبل، بدلا من أن يختاره لنا الرئيس مبارك؟

- أعتقد أن هذا أكثر ديمقراطية.. فهل الأفضل لنا أن يختار شخص من يخلفه أم أن يأتي من خلال عملية ديمقراطية بالانتخاب المفتوح؟.

* هنا يبقي أن أطرح عليك السؤال الملح: ماذا يحدث إذن لو غاب الرئيس؟

- سوف يتولي رئيس مجلس الشعب بحكم الدستور مهام الرئاسة التي لا تزيد علي ٦٠ يوماً ويفتح باب الترشيح ويعرض علي البرلمان، وفقا للقواعد المعمول بها بعد التعديلات الدستورية، وفي هذه الحالة يسمح لأكثر من مرشح أن يتقدم.

* وهل هناك بديل قوي يستطيع أن يحل محل مبارك؟

- لم لا! الحياه دائما منجبة فعندما رحل سعد زغلول توهم الناس أنها النهاية ثم جاء مصطفي باشا النحاس وهو أفضل في رأيي من سعد زغلول، وعندما رحل عبد الناصر توهم كثيرون أنها النهاية ثم جاء السادات وأصلح أموراً كثيرة، عندما ذهب روزفلت توهم الأمريكيون أنه ليس هناك من يملأ الفراغ بعده ثم جاء رومني وكان رئيسا جيدا.. الحياة لا تتوقف علي شخص بعينه.

* أفهم من ذلك أنه ليس هناك أي خطورة من عدم وجود نائب للرئيس كما يعتقد البعض؟

- مادام هناك ضمانات دستورية واضحة فهناك سيناريو محدد.. مشكلتنا أننا حبيسو الماضي، نريد نائبا لكي يكون رئيسا، أنا في رأيي أن اختيار نائب فيه قدر كبير من تحكم الرئيس الحالي في الرئيس القادم.. لكن لو كنا فضضنا هذا الاشتباك بأن قلنا إن نائب الرئيس يتولي بشكل مؤقت لحين انتخاب رئيس للجمهورية في هذه الحالة يمكن تعيين نائب.

* بشكل شخصي هل أنت مع وصول جمال مبارك لي الحكم؟

- أنا لست مع شخص ولست ضد شخص بعينه.. يهمني العملية التي تتم بها عملية الانتخابات إذا كانت عملية ديمقراطية شفافة، وليس فيها أي قدر من التدخل للتمييز بينه وبين مرشح آخر فأهلا به، ولكن هو شخص جيد وله الحق مثله مثل غيره، المهم كما قلت الطريقة التي يأتي بها.

* الأصدقاء في حياة الرئيس؟

- موجودون لكنني أستطيع أن أجزم أنهم لا يؤثرون في أي شيء، بل علي العكس، صداقة الرئيس والقرب منه تعدم صاحبها الامتيازات الشخصية لأن الرئيس يقظ دائما لإمكانية أن يستغل أصدقاؤه أو أقاربه وضعه.

* إلي أي مدي تتحكم الأجهزة الأمنية في اختيار الوزراء والمسؤولين ممن يحكمون مصر؟

- قلت لك إن الرئيس يعتمد علي مصادر كثيرة في معلوماته عن الأشخاص وبالتالي لا يوجد ما يمكن اعتباره مصدرا وحيدا للمعلومة سواء جهة أمنية أو غيرها.

* ولكن لها اعتبار؟

- طبعا لها اعتبار.. فهناك بعض الملاحظات الأمنية علي أشخاص لايمكن تجاوزها لا في مصر ولا غير مصر.

* كان وزراؤنا قبل ثورة يوليو سياسيين فلماذا اختفي الوزير السياسي؟

- الرؤية السياسية مهمة والوزير يضع الخطوط العريضة باعتباره مسيسا، ويوجد وكيل للوزارة يسير دولاب العمل اليومي..الاختيار يتم علي أساس الكفاءات ولكن باستثناء ذوي الاتجاهات التي يري النظام أنها لا تتمشي مع توجهاته، إنما في النهاية يتم الاختيار علي المستوي الشخصي والفردي وليس علي المستوي الحزبي أو المؤسسي وهذا أعدم الوزير السياسي.

* إلي أي مدي أمانة السياسات تسهم في وضع الاطار العام للدولة؟

- تسهم إلي درجة كبيرة جدا وتسهم بالأفكار والدراسات شديدة التميز.

* في الخارج توجد سياسة عامة للدول تظل ثابتة حتي ولو تغير المسؤولون في حين يتم تعيين المسؤول هنا فينسف السياسة السابقة عليه ويطبق سياسته الخاصة .. ألا يوجد إطار عام لسياسة الدولة؟

- هذا صحيح إلي حد كبير، المشكلة لدينا أن كل مسؤول يأتي بسياسته الخاصة وكل شخص يري في رؤيته وسياسته ما هو صحيح، والغريب أنه عند اختيار الحكومة لا يضع صاحب القرار عضوية الحزب الوطني من عدمها في الاعتبار، ولكن عندما يتولي الوزير يصبح تلقائيا عضواً في الحزب الوطني..

* الحياة البرلمانية؟

- لايزال أمامها الكثير لكي تتواءم مع ما تستحقه مصر، فنعم لا يوجد سقف لحدود المناقشة داخل البرلمان الآن.. ولكن في النهاية طغيان الأغلبية في مواجهة ديكتاتورية الأقلية يؤدي إلي ضياع كثير من الفرص، أما البرلمان فالأغلبية الطاغية تفرض رأيها بالكثرة العددية في التصويت والأقلية الديكتاتورية تفرض رأيها بالصياح والانسحاب، وكلاهما شيء معيب.


---------------------
د. مصطفي الفقي في حوار جريء (٢ ـ ٢)
كل إنجاز يتم يجري تفسيره علي ضوء التوريث..وهذا ما يجهض عملية الإصلاح
----------------------------------------------------
حوار رانيــا بــدوي - المصري اليوم ٢٩/ ٣/ ٢٠٠٨
---------------------------------------------------

بعد توليه عمله كسكرتير للمعلومات في مكتب الرئيس قال الدكتورمصطفي الفقي: إن الرئيس مبارك يراهن علي الديمقرطية ، وإن نفسه طويل، وصبره بلا حدود، فإلي أي مدي مازال الفقي مصرا علي ماقاله، وهل مازالت لديه القناعات نفسها؟.. هل الإصلاح السياسي والتعديل الدستوري كان امتثالا لضغوط خارجية؟

في هذه الحلقة من الحوار فتحنا ملف الديمقراطية مع الدكتور الفقي باعتباره أحد المفكرين الذين اقتربوا من قصر الرئاسة ومازال عضوا بارزا في الحزب الوطني وأمانة السياسات فتحدث بصراحة يشوبها بعض الدبلوماسية ودبلوماسية فيها كثير من الجرأة:

* هل مازلت مقتنعا بما قلته في حق الرئيس في عام ١٩٨٦؟

- الظروف أثبتت صحة ما قلته انظري إلي الصحف الحزبية والمستقلة لتدركي التحول الذي حدث في مساحة الحرية في مصر.

* قاطعته: ولتنظر أنت إلي حكم قضائي بحبس ٤ رؤساء تحرير صحف مؤخرا؟

- بغض النظر عن الأحداث الأخيرة، والتي كان سببها التجاوزات، وإن كنت أنا وبوضوح ضد حبس الصحفيين علي الإطلاق، وحبس أي شخص صاحب رأي.. ولكن يجب أن يتحري الصحفيون الدقة في المعلومات.. علي أية حال اتساع مساحة الحرية التي نعيشها الآن سبق بكثير الفترة الليبرالية من ١٩١٩ إلي عام ١٩٥٢ التي كنا نتباهي بها.، ونرجو أن تتوقف مثل هذه المنغصات عند حدود معينة ليظل هذا العصر ناصع البياض في التعامل مع الصحافة والصحفيين، وأعتقد أن الرئيس يؤكد دائما علي هذا المعني، وأن ما حدث هو عارض لا نرجو أن يتكرر وهو بمثابة لفت نظر.

* لفت نظر بحبس أربعة من أهم الصحفيين في مصر بأقصي العقوبتين السجن والغرامة؟!

- لا تعليق لي علي أحكام قضائية ولكني أتذكر أنه أثناء المناقشات الخاصة بقانون الصحافة في مجلس الشعب كان موضوع حبس الصحفيين مستبعدًا إلي حد كبير، ولا يأتي إلا في الضرورات القاسية جدا التي نتمني ألا تحدث.

* جريدة الشعب صدر لها ١٤ حكمًا قضائيا بالصدور ولم تصدر؟

- ليس لدي خلفية كاملة عن هذا الموضوع وأعتقد أن الأمر متعلق باتجاهات معينة للحزب.

* كنت أحد المسؤولين المقربين من دائرة الحوار والنقاش في مطبخ التعديلات الدستورية فهل أنت راض عنها؟

- كل ما أستطيع قوله أن هذه التعديلات لو كانت حدثت في أي دولة أخري غير مصر لكانت طبيعية إنما مشكلة من ينتقدونها ومعهم حق أن تلبيسها علي الحالة المصرية يدعو إلي سوء التأويل.. لدينا مشكلة حقيقية تتمثل في أن كل إنجاز تم في السبع سنوات الأخيرة يفسر علي ضوء ظاهرة التوريث التي يتحدث عنها الناس لذا جري إجهاض لعملية الاصلاح وكل إصلاح يتم لا يتم تفسيره تفسيرا وطنيا بل تفسير شخصي.. من هنا دخلت التعديلات الدستورية في هذا الاطار حيث يظن كثيرون أنه تم تعديل المادة ٧٦ لأننا نريد أن نمهد للتوريث.. وأن تعديل المادة ١٧٩ مقصود به ضرب الإخوان المسلمين وهكذا

* ومن فتح الباب إلي سوء التأويل؟!

- سوء التأويل هو طبيعة التراكم التاريخي للتجربة المصرية وهذا سوف يأخذ وقتا طويلا.. وأنا قد ترجمت بعض نصوص التعديل لشخصيات أجنبية كثيرة فلم يعترضوا عليها..فهذه التعديلات طبيعية جدا اذا حدثت في أندونسيا أو بلغاريا أو أي من الدول المتوسطة في تاريخ الديمقراطية.

* ما تقييمك للتعديلات الدستورية عموما.. وما المواد التي كنت مع تعديلها وما المواد التي لم تعدل؟

- أعتقد أنه كان هناك بعض المواد التي كان يمكن ان يتم تعديلها فنحن نثق في الرئيس مبارك وفي حكمه ولكننا لا نعرف القادم الجديد، لذلك كنت أتمني أن تتحدد مدة الرئاسة بتعديل المادة ٧٧ بمدتين أو ثلاث.. ثاني: أنا أعرف ظروف الإرهاب ومواجهته وأن الرئيس سيلجأ إلي المحاكم العسكرية في أضيق الحدود، ولكنني أشعر ببعض القلق في المستقبل من استخدام القضاء العسكري والإحالة اليه في بعض القضايا التي ليست بالضرورة عسكرية.

* هل أنت موافق علي تعديل باقي المواد بشكلها الحالي؟

- أعتقد أن مادة التعليم المجاني بشكلها الحالي مادة خادعة لأنه ليس صحيحًا أن التعليم في مصر مجاني والدليل مليارات الجنيهات التي تنفق سنويا علي الدروس الخصوصية، حتي إنه أصبحت هناك إعلانات في الشوارع علي الدروس الخصوصية علي الملأ ودون مواربة.. أيضا مادة العمال والفلاحين (٥٠ % في المجالس النيابية المنتخبة) أسيء استخدامها لأن الظروف تغيرت ولم يعد تعريف العامل والفلاح هو ذلك التي انطلقت منه فلسفة هذه الفكرة عندما تحددت في الستينات من القرن الماضي.. كنت أتمني أيضا الدخول اليها لأنني أرفض الازدواجية، وأن نقول مالا نفعله، فأنا أريد أكبر قدر ممكن من صدق الوطن مع ذاته هذه كانت بعض آمالي في التعديل الدستوري.

* وهل أعربت عن رأيك هذا بصراحة أثناء المناقشات؟

- نعم وكان هناك من يتفقون معي ومن يختلفون فمثلا الأستاذ حسين مجاور اعترض، وقال لي إن أي مساس بهذه المادة ربما يكون سببا في احتشاد مائة ألف عامل في ميدان التحرير.. لقد ناقشت بصراحة وأعربت عن رأيي بصراحة.. لكن القرار في النهاية للأغلبية.

* كيف توصل الرئيس من الأساس لقرار التعديل الدستوري.. وهل أشار به أحد عليه؟

- بدا هناك تحول في المناخ السياسي ليس فقط في مصر بل في العالم بشكل عام نتيجة التغير في الظروف الدولية خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر.. والاتجاه إلي توسيع دائرة الإصلاح والحريات فرأي الرئيس بأن هناك مطالبة دائمة بأن يكون هناك أكثر من مرشح لمنصب رئيس الجمهورية، وأعتقد أنه قراره الشخصي ربما لأنه كان متأكدًا من أنه سيحظي بالأغلبية في مواجهة أي مرشح آخر نتيجة تاريخه السياسي وتاريخه في الحكم، وبالتالي أقدم علي تعديل المادة ٧٦ في خطابه الشهير في محافظة المنوفية في فبراير ٢٠٠٥.

* كيف تقيم الديمقراطية في الثلاثة عهود؟

- عبد الناصر كان يري أنه لا يجب أن يتحدث عن الديمقراطية وأن حماس الجماهير له كل يوم في الشوارع بمثابة استفتاء شعبي عليه لا يحتاج معه إلي ديمقراطية، أما الرئيس السادات فكان مؤمنًا بالديمقراطية ذات الأنياب وهو مصطلح جديد أي أن الديمقراطية تقف عند حد معين وهذه كانت طبيعة المرحلة والتحول من مجتمع مركزي مغلق إلي مجتمع منفتح.. وأنا أعتقد أن مساحة الحرية التي أعطاها الرئيس مبارك والتي لا أقول إنها مائة بالمائة والا أكون كاذبا، ولكنها نسبيا خطوة متقدمة جدا علي الطريق.

* كثيرًا ما لجأ الرئيس السادات إلي القرارات الاستثنائية وحقه في المادة ٧٤ التي أتاحت له اتخاذ كثير من القرارات الاسثنائية وهو ما ظهر جليا سواء في أحداث يناير أو أحداث سبتمبر، فمتي يلجأ الرئيس مبارك إلي القرارات الاستثنائية؟

- لا يقدم علي ذلك بسهولة فأنا أذكر أيام أحداث الأمن المركزي لم يقدم علي قرار حظر التجول إلا لحماية للمنشأت العامة ولفترة ليلة أو اثنتين.

* هل كان القرار قراره؟

- كان قرارًا لابد منه، واتفقت عليه جميع أطراف صناعة القرار السياسي آنذاك.. فهي مشكلة فئوية من بعض الجنود ظروفهم الحياتية صعبة، ليست مشكلة شعبية.. ولو كانت تركت ربما أصبحت مشكلة أكبر بعد أن تندس فيها قوي كثيرة، ولكل نظام من معه ومن عليه.

* إلي أي مدي الرئيس حر في اتخاذ قراره خاصة أنك قلت أن هناك قوي كثيرة لا تجعل قرار الرئيس حرًا مائة بالمائة؟

- كل رئيس حر في اتخاذ قراره.. ماعدا مراعاته للبعد الاجتماعي والظروف الاقتصادية واحترام الوحدة الوطنية وبالمناسبة هذا هو أكبر مكسب لمصر لأنه تم النص عليه في المادة الأولي سابقا علي مادة الشريعة الاسلامية وهذا إنجاز ضخم للدولة المدنية المصرية.

* لكن أقصد بسؤالي إلي أي مدي يتأثر الرئيس بالضغوط الخارجية في اتخاذ قراره؟

- مبارك بطبيعته شديد الحساسية للضغوط الخارجية ولا يقبلها.. أذكر أنني كنت سكرتيرا له وطلبت الولايات المتحدة الأمريكية انزال ٢٠٠ طائرة هليكوبتر في إحدي القواعد العسكرية علي البحر الأحمر استعدادا للعمليات العسكرية ضد العراق عام ١٩٩١ ولكن الرئيس رفض وكاد يضحي بالتحالف لأنه رأي أن سيادة مصر لا تمس.

* دخولنا في اتفاقية مثل «الكويز»، وتوتر العلاقة من قبل مع ايران، وموقفنا من حماس، هل له علاقة بارضاء أمريكا؟

- إيران بالذات علاقاتنا بها جيدة والرئيس حريص عليها.. فهو استقبل كل مسؤول ايراني جاء إلي مصر بل والأكثر أنه استقبل الرئيس خاتمي وهو بعيد عن السلطة، ودعاه إلي إفطار عمل معه وهذا خارج السياق البروتوكولي، لا يقدم عليه الرئيس إلا إذا كان يقدر وزن الدولة الأخري، وأعتقد أنه هو الذي يرفع صوته دائما بأن أي عمل عسكري ضد إيران سيؤدي إلي انفجار في المنطقة.. أما اتفاقية الكويز فلا أستطيع أن أدلي برأيي فيها لأنني غير متخصص في الاقتصاد ولا أعرف حجم الفائدة أو حتي الخسائر من ورائها.. عموما لا يجب أن نعطي الضغوط الخارجية حجمًا أكبر من حجمها فالرئيس في النهاية لا يرضخ لأي ضغوط.

* قلت إن الرئيس مبارك يعطي القرار السياسي أكبر قدر من الاستقلالية فاذا عرض عليه أكثر من بديل يختار فورا ما يعكس المصلحة الوطنية؟ فهل يمكن أن تحقق لي هذا الكلام بـأمثلة؟

- أذكر حادث السفينة أكيلي لوروا عام ١٩٨٥، وكان هناك رأي يقول بتسليم الفلسطينين المتهمين للولايات المتحدة الأمريكية، ولكنه بخيار وطني وقوي رفض ذلك.. وقرر أن يرسلهم إلي قيادتهم الطبيعية في تونس لمحاكمتهم فاعترضت الولايات المتحدة الأمريكية الطائرة وأجبرتها علي النزول في إيطاليا، وهو موقف يعكس وطنية مبارك وحسه القومي.

* في مؤتمر الحزب الوطني عام ٢٠٠٢ تقرر أن يكون رئيس الحزب بالانتخاب الحر المباشر وهو القرار الذي سبق تعديل المادة ٧٦ بأكثر من عام أي أنه يفترض أن يكون الحزب قد أفرز قيادات قادرة علي الدخول في المنافسة علي رئاسة الحزب.. فهل تم ذلك ومن هم هؤلاء القيادات؟

- مازالت الإصلاحات في الحزب الوطني فوقية ولم تصل بعد إلي القاعدة، تماما مثل الاقتصاد القومي فكل المؤشرات العالمية تؤكد أن المؤشرات الاقتصادية في مصر تتجه إلي التحسن في العامين الأخيرين ولكن هذا لم يصل لي قاع المجتمع ولم يشعر به الفقراء.. يجب إعادة النظر في هيكلة الحزب الوطني وإصلاحه حتي لا تظل فوقية.

* هل يعني ذلك أنه لا يوجد قيادات قوية داخل الحزب الوطني؟

- هناك قيادات كثيرة ومتعلمة وعندما أحضر اجتماع أمانة السياسات أري حولي معظم العقول المفكرة من المثقفين والعلماء وأساتذة الجامعات في مصر.

* لماذا لا نري دورًا بارزًا لهؤلاء الأعضاء ولماذا الأبرز بينهما علي الاطلاق هو جمال مبارك؟

- لا.. هذا كلام غير صحيح جمال عضو من أعضاء هيئة مكتب الحزب وليس هو الوحيد ولكن لأنه ابن الرئيس فهو لامع بالضرورة وهو أمر لا يمكن تحاشيه في ظل تركيبة الشخصية المصرية.

* هل تري أنه يوجد قيادات داخل الحزب الوطني قادرة علي خوض انتخابات رئاسية؟

- لايبدو لي ذلك متاحًا ولكن مصر ليست دولة عقيمة ولكن لديها كثير من الكفاءات التي يمكن أن تخوض هذه الانتخابات وليس بالضرورة من داخل الحزب الوطني.

* ولكنه حزب الأغلبية؟

- لكنه ليس الحزب الوحيد.

* نري أن الزعيم في مصر أقوي من الحزب في حين في الخارج نجد الحزب أقوي من الزعيم؟

- هذه قضيه موجودة في مصر فعلا، فالفرد أقوي من المؤسسة، بينما يفترض أن المؤسسة هي الباقية لكن الذي يحدث هنا هو العكس ليس فقط داخل الحزب الوطني إنما كل الأحزاب فحزب التجمع هو: خالد محيي الدين تاريخيا مع احترامي لرفعت السعيد، وحزب الأحرار هو، مصطفي كامل مراد، وحزب الوفد هو فؤاد سراج الدين، مع احترامي للدكتور محمود أباظة ومن سبقه.. نحن مازلنا نعيش في ظل الشخصيات التاريخية.

* وما السبب في هذا الخلل؟

- الخلل في أننا نعيش حالة حزبية ضعيفة.. لم يوجد لدينا حزب بالمعني المفهوم الا حزب الوفد من عام ١٩١٩ إلي عام ١٩٥٢ ليس لأنه كان حزبا تنظيميا بالمعني المفهوم ولكن لأنه كان يعبر عن الحركة الوطنية أي أن النظام الحزبي بتركيبته الحالية ضعيف تاريخيا.. فليس لدينا أحزاب برامج، ولكنها أحزاب أشخاص.

* هل تتفق مع القول الذي يقول بأن الأجهزة الأمنية تضيق علي الأحزاب وأنها السبب في ضعف الأحزاب؟

- كلام صحيح إلي حد كبير كما أن الحزب الوطني ضيق أيضا علي باقي الأحزاب.

* هنا يجب أن أطرح عليك وجهة النظر الأخري، ومن يقولون أن الأمن حجة البليد، والدليل تواجد الإخوان المسلمين في الشارع المصري رغم تضييق الأمن عليهم أيضا؟

- الإخوان يعملون بلا ضوابط ولا قوانين بعكس الأحزاب فهم أصحاب أكبر حرية حركة في الشارع المصري رغم كل القيود عليهم لأنهم لا يخضعون لضوابط ولا قواعد بحكم أنهم خارج إطار الشرعية. وان كنت ضد فكرهم مائة بالمائة فأنا مع حقهم في وجود منبر مدني يعبر عن وجهة نظرهم.

* وليكن الحزب؟

- نعم ولكن علي ألا يستند إلي مرجعية دينية ولا شعارات دينية.

* هل هناك استحالة لتطبيق النموذج التركي في مصر؟

- في الظروف الحالية نعم نتيجة تجذر الدين في الشارع المصري، واختلاط التدين بالإسلام السياسي خاصة إن كلمة العلمانية كلمة كريهة في المجتمع المصري، وكأنها تقف علي الطرف النقيض من التدين وهذا غيرصحيح بالمرة.. العلمانية ليست ضد الايمان، فقد يكون هناك مسلم متدين متعمق في إيمانه لكنه علماني في توجهاته السياسية هكذا كان محمد علي وعبد الناصر أي مؤسس الدولة الحديثة وأكبر زعيم في تاريخنا القومي كانا ذا توجهات علمانية.

* إلي أي مدي تري الخارجية المصرية ملامة أو بريئة من تراجع الدور المصري مؤخرا.. والفشل في كثير من الملفات؟

- لا أستطيع أن أقول إن وزارة الخارجية فشلت، فجهاز الدبلوماسية المصري عريق وجهاز وطني، وهو يفعل ما يوكل اليه فهو لا يصنع سياسة بل هو منفذ سياسة، وأعتقد أن الرئيس هو الواضع الأساسي للسياسة الخارجية لمصر؟

* وهل تري أنه هناك فروقًا فردية بين منفذ ومنفذ؟

- طبعا فالعامل الفردي يختلف، فخارجية عمرو موسي تختلف عن خارجية أحمد ماهر، التي تختلف عن خارجية أبو الغيط.

* أيهما أصلح؟

لا أستطيع المفاضلة فكلهم زملاء ،وكل له طريقته فخارجية عمرو موسي هي دبلوماسية الكبرياء الوطني، أحمد ماهر دبلوماسية الخبرة الهادئة، أبو الغيط الدبلوماسية العملية التي تقوم علي الأسس الموضوعية.

* هل دفعت ثمن كونك صوتًا متفردًا في مؤسسة من هذا النوع «مؤسسة الرئاسة»؟إ

- إلي حد ما النظام يحسبني علي المعارضة المعتدلة والمعارضة تحسبني علي غيلان العاملين في النظام وهو أمر يسعدني لأنه يعني أنني محسوب علي مصر قبل الجانبين.

* هل آن الأوان أن تصرح بالأسباب الحقيقية التي أخرجتك من منصبك كمدير لمكتب المعلومات؟

- لقد قلت الأسباب الحقيقية من قبل ومفادها أنني ارتكبت مخالفة أمنية نتيجة أن سيدة كانت تتصل بي تليفونيا تشكو لي أوضاعها مع صهرها وكانت هذه السيدة علي اتصال بمسؤولين آخرين في الدولة الأمر الذي اعتبر خرقا للقواعد الأمنية لمؤسسة الرئاسة.

* ما المخالفة الأمنية التي يجب علي شخص تجنبها إذا كان يعمل في مؤسسة من هذا النوع؟

- أنا بطبيعتي يسمونني المتحدث وأنا أعمل في وظيفة لها قيود أمنية وأنا شخص لي اهتماماتي الأدبية والفكرية والأكاديمية ولي ندواتي ومؤتمراتي، ولي دور في الحياة العامة وهي أشياء تتعارض مع نوع الوظيفة التي أشغلها.

* وكيف تصف علاقتك الآن بالأجهزة الأمنية؟

علاقة ودية للغاية، ولست طرفا معهم في عمل.

* هل يلومك أحد منهم علي تصريح أدليت به؟

- لا إطلاقا فعندما يكون لي تصريح لا يتفق مع سياسة الدولة تأتيني الملاحظة من الرئيس شخصيا، وليس من الأجهزة الأمنية.

* هل تري أن تاريخك مع الرئيس مبارك لم يكن ليشفع لك في هذه المخالفة الأمنية؟

- هذا يؤكد موضوعية الرئيس مبارك فأنا تركت العمل ولكنني ظللت علي صلة شخصية به وبأسرته.

وهو أعطاني مساحة من السماحة طويلة المدي فهو لديه رحابة صدر واسعة نتمني أن تستمر حتي النهاية.

* اشرت كثيرا إلي المكائد وسوء التأويل اللذين تعرضت لهما ولكنني هنا أسألك إ لي أي مدي التأويل والمكائد يؤثران علي طبيعة الحكم في م- صر؟

- الحياة في كل مكان في العالم في دائرة صنع القرار صعبة، وعندما يكون هناك رجال حول الرئيس، يجب أن يكون الإنسان يقظًا مائة بالمائة، وأنا دخلت الرئاسة وعمري ٣٩ عامًا وهي سن صغيرة نسبيا للخبرة في مثل هذا المجال، هناك صراعات وكواليس ولابد أن يلتفت الإنسان ويحذر كثيرا، ولكن للأسف الحذر ليس من صفاتي.

* وهل يعلم الرئيس بما يدور حوله في الكواليس؟

أعتقد فهو لديه خبرة طويلة في معرفة الأفراد منذ تخرجه عام ١٩٤٨ هو عمل فترة طويلة أستاذا في كلية الطيران و مديرا لها كان يقود فرقًا ومجموعات.

* ما طبيعة الرجال حول الرئيس؟

- لابد أن يكونوا من الكفاءات العالية كل في تخصصه وأن تكون لديهم قدرات قوية في فهم الرأي العام. وتحليله، وأن يكونوا علي قدر كبير من الصدق والشفافية، هذا ما يجب.

* وهل هذا هو الموجود فعلا؟

- لكل بلد ظروفه لا أستطيع أن أجزم أو أحسم شيئًا.

* هل هذه الدائرة حول الرئيس تمنع وصول أحد إليه، ولا تسمح إلا بمساحات صغيرة من القرب؟

- هذه ظاهرة موجودة في العالم كله، وفي كل زمان ومكان وليست في مصر فقط.

* ولكن هل هي طريقة تشوش علي اتخاذ القرار السليم؟

- لا أعتقد هذا، فكما قلت لك، للرئيس مصادر متعددة في الوصول إلي الرأي العام إذا أراد ذلك.

------------
نشر في المصري اليوم بتاريخ 28 و 29/3/2008

http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=98863&IssueID=992
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=99113

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المتابعون