محمد فائق

وزير إعلام عبدالناصر في حوار كاشف «١-٢»:
الأمن القومي أخطر من أن يترك للواء شرطة وعصا وبندقية
---------------------------------------
حوار رانيــا بــدوي - المصري اليوم في ٨/ ٣/ ٢٠٠٨
--------------------------------------


المعلومات تحدد مصير البلد، و تفرض الطريقة التي يتصرف بناء عليها الحكام.. المعلومة السليمة تعني اتخاذ قرار سليم.. ومعلومة واحدة خاطئة قد تؤدي إلي أخطار قاتلة.. فمن أين وكيف يستقي الرئيس معلوماته؟

كتب الأستاذ أحمد بهاء الدين في كتابه «محاوراتي مع السادات» قائلاً: «لا أكاد أذكر أنني رأيت يوما الرئيس السادات جالسا في مكتبه. ولا أكاد أذكر أنني رأيته يوما وأمامه في الحديقة أو في الصالون أي أوراق أو ملفات، إنما كان يدير الدولة كلها بالتليفون فقط..

وكنت ذاهبا إليه ذات مرة في المعمورة واستبقاني مدير مكتبه فوزي عبد الحافظ وطلب مني أن أبلغ الرئيس السادات بأشياء هامة -إن لم أكن مخطئا- بأحداث عربية تهم مصر.

وسألت فوزي عبد الحافظ مندهشا: هل توقفت عن إعداد النشرة اليومية التي تقدم للرئيس من أيام عبد الناصر صباح كل يوم وفيها أهم الأنباء؟ وقال لي فوزي عبد الحافظ: ازاي؟ احنا بنعمل النشرة كل يوم وأحسن من الأول! وقام وأخرج لي كمية من هذه النشرات للتدليل علي أنه وجهازه يقومان بواجبهما.

ثم استطرد قائلا: لكن انت عارف الرئيس من زمان «مالوش خلق علي القراية». ودلوقتي بقت مشاغله كثيرة جدا، أنا بحطله التقرير علي «الكمودينو» جنب السرير كل يوم..

لكن يفضلوا يزيدوا لحد ما يبقوا عشرين تقرير، والرئيس مفتحهمش فيقول لي: شيلهم بقي يا فوزي! لازم الحاجات اللي فيهم بقت قديمة. فآخد النشرات وأبدأ من اليوم التالي في وضع النشرات اليومية الجديدة!» (١)

وتوضيحا وليس تطويلا دلل الأستاذ أحمد بهاء الدين في صفحات أخري من نفس الكتاب علي الطريقة التي كان يتعامل بها الرئيس السادات بل والرئيس عبد الناصر مع المعلومة التي بناء عليها يتخذ كل منهما قراره يمينا أو يسارا، قاطعا أو مواربا..

ويروي في نفس الكتاب «قال لي السادات أنا فعلا لم أقرأ صحيفة لبنانية منذ ستة أشهر.. وبدت علي وجهي الدهشة ففي ذلك الوقت كانت الصحافة اللبنانية قد أحرزت لنفسها مكانة مرموقة ومؤثرة في العالم العربي كله. ورأي السادات الدهشة المرتسمة علي وجهي، فاستطرد قائلا: أمال إيه اللي موت عبد الناصر؟

كان بعد ما يشتغل ١٨ ساعة في اليوم وييجي ينام مش يسمع موسيقي أو يأخد حاجة مهدئة، كان منبه إنهم يحطولوا جنب السرير كل الجرائد العربية المليانة شتيمة فيه.

كان يقرا السم الهاري ده قبل ما ينام. وتاني حاجة موتته "المدعوق ده" وأشار بيده إلي الراديو. ثم استطرد قائلا كان حافظ نشرات الأخبار بتاعة العالم كله. سواء كان لوحده أو قاعد معانا كل شويه يفتح الراديو ويقول: لما نسمع أخبار لندن! لما نسمع موسكو! لما نسمع صوت أمريكا أنا بقي علي عكسه تماما.

لما يقولولي ان جرايد بيروت بتشتمك أقولهم مش عايز أشوفها! طيب ما أنا عارف أنا بعمل ايه وهم بيقولوا علي ايه! ايه الفايدة بقي إني أضيع وقتي وأحرق دمي وأقرأ الكلام الفارغ اللي بيقولوه» (٢)

لذا وبعد انتهائي من هذا الكتاب وكتب أخري من مذكرات بعض من عاصروا هذه العهود، التقيت محمد فائق الذي كان وزيرا للإعلام في أخطر المراحل التي مرت بها مصر وهي مرحلة النكسة.. وهو حالياً عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان والأمين العام للمنظمة العربية لحقوق الإنسان، وكان سؤالي الأول له: من أين كان يستقي الرئيس عبد الناصر معلوماته؟ والي أي مدي كان يصدُقه من حوله المعلومة؟

فأجاب: عبد الناصر كان متابعاً جيداً وقارئاً جيداً للتقارير التي كانت تقدم له من جميع المؤسسات والأجهزة الأمنية.. بالإضافة إلي متابعته الجيدة لكل ما ينشر في جميع وسائل الإعلام.

* كيف كان يتخذ الرئيس عبد الناصر قراراته؟

- الرئيس جمال عبد الناصر لم ينفرد قط بقرار، والدولة في عهده كانت دولة مؤسسات.. فكان يستشير الجهات المختصة دائما، فمثلا كان هناك اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكي التي كان يعرض عليها كل القرارات وتساهم في اتخاذ القرار.. وكان هو التنظيم السياسي الوحيد آنذاك، ثم استطرد قائلا: ولكن أعتقد أن الزمن أثبت أن فكرة الحزب الواحد في الحكم فكرة فاشلة.

* ولكن معظم الكتب تشير إلي طبيعة الحكم المركزي في عهد عبد الناصر؟

- نعم.. ولكن عبد الناصر كان يعمِل التخطيط المركزي أكثر منه حكماً مركزياً.

* إذن لماذا يوصف حكمه بالديكتاتوري؟

- هذا جاء ضمن الحملة الضارية في بداية عهد السادات لتشويه عبد الناصر وطريقة حكمه، نظرا للرغبة في تغيير السياسات السابقة.. وإن كنت أري أن حكم عبد الناصر كان فيه كثير من الديمقراطية، فالديمقراطية الحقيقية ليست فقط الديمقراطية السياسية ولكن أيضا الديمقراطية الاجتماعية التي تعني العدالة الاجتماعية.. وعبد الناصر جاء بالجزء الأصعب من الديمقراطية وهو تحسين حال المجتمع، فحكمه كان من أجل الأغلبية العظمي من الشعب وليس القلة الغنية التي كانت تملك البلد.

* وكيف تري طبيعة الحكم في مصر الآن؟

- نحن لسنا في نظام تعدد حزبي حقيقي، فهناك حزب واحد متضخم جدا في سلطاته استنادا إلي الحكومة، بالإضافة إلي هيمنته علي الانتخابات، حتي التعديل الدستوري الأخير كان يعبر عن آراء هذا الحزب، فقد تم تعديل ٣٤ مادة من قبل مجلس الشعب الذي يتكون من أغلبية من نفس الحزب، وهنا يوجد خلل كبير حيث كان يجب أن يتم التعديل الدستوري بما يفيد جميع فئات الشعب ويعبر عن رغبات التيارات المختلفة،

ولم يكن ليأتي هذا إلا بمشاركة هذه التيارات في التعديل وليس اقتصار الأمر علي تصويت من في مجلس الشعب، لأن هناك تيارات وفئات ليست موجودة بداخله من الأساس، فكان يجب أن يضع التعديل حقوق الجميع بمن فيهم الأقلية في الاعتبار.

حتي التعددية السياسية التي يشير البعض إلي أنها تكمن في المادة ٧٦ بعد تعديلها فهي تحرم الأحزاب من الفرصة في الترشح لرئاسة الجمهورية فهي تعبر عن تعددية غير حقيقية.. وأعتقد أنه لو تغير قانون الانتخاب إلي نظام القائمة يمكن في هذه الحالة دعم الأحزاب،

ولكن لو ظل الأمر علي ما هو عليه في يد الحزب الوطني الذي يلجأ إلي الأغنياء للدفع بهم إلي السلطة وترك كل هذه الأموال والمبالغ الضخمة تتدفق في الانتخابات فلا يجب أن ننتظر إصلاحا.

* هل نحن دولة مؤسسات؟ وإلي أي مدي يوجد ديمقراطية في حكم البلد الآن؟

- أي مؤسسات!! ونحن نجد فجأة قوانين تظهر وقرارات تم الموافقة عليها ولا يعرف أحد متي نوقشت وكيف ومتي صدرت وأي ديمقراطية وحزب الأغلبية يتخذ بالنيابة عن الجميع القرارات.. الديمقراطية تعني مشاركة الرأي العام. كما أن إحدي مشاكلنا الكبيرة الآن هي عدم الشفافية.. عدم الشفافية في القرارات والصفقات الكبري.

* الرئيس عبد الناصر أعلن مسؤوليته السياسية عن النكسة فتنحي، فهل الرئيس مسؤول مسؤولية سياسية عن ممارسات الحكومة والوزراء والحالة الاقتصادية المتردية التي يعاني منها الشعب؟

- أي رئيس مسؤول مسؤولية سياسية كاملة عما يحدث في بلده.

وأضاف في سياق مختلف، يجب أن يكون هناك فرصة للتغيير.. فإذا استمر البطء في عملية الإصلاح هكذا كثيرا فأتوقع حدوث انفجار.. والحل في الشفافية.

* كيف كان يختار الرئيس عبد الناصر الوزراء ومعاونيه بشكل عام؟

- لو تحدثت عن نفسي في البداية فأنا كانت تربطني علاقة جيدة بالرئيس عبد الناصر، فهو كان أستاذي في مدرسة الشؤون الإدارية في الجيش عام ٥١، وقد عرفني أكثر عندما توليت الشؤون الأفريقية في جهاز المخابرات..

وكان هناك احتكاك بشكل مباشر به بعد الثورة، ثم توليت ملف الشؤون الأفريقية برئاسة الجمهورية، وأعتقد أن نجاحي فيه كان سبب اختياره إياي لوزارة الإعلام.. ثم هناك شخصيات مثل محمود يونس الذي نجح في مهمته في تأميم قناة السويس، فأسند له الرئيس منصب رئيس الوزراء..

كما أنه أشرف علي السد العالي.. وآخرون تم اختيارهم من أساتذة الجامعات المتميزين.. بعضهم نجح في الوزارة مثل النبوي المهندس الذي كان وزيرا للصحة ونجح نجاحاً كبيراً، وبعضهم أخفق في العمل الوزاري.

* حديثك يشير إلي أن الرئيس كان يختار أهل الكفاءة، فأين إذن أهل الثقة من اختياراته؟

- قضية الكفاءة كانت الموضوع الأساسي لدي عبد الناصر، أما موضوع الثقة فلا يوجد رئيس دولة يختار أناساً ليسوا محل ثقة أو علي الأقل فيهم قدر من الثقة.

* هل كان الرئيس عبد الناصر يختار كل الوزراء بنفسه؟

- كالعادة هناك بعض الوزارات مثل الوزارات السيادية كوزارة الدفاع والداخلية والإعلام وغيرها يختارهم الرئيس بنفسه، وباقي الوزراء إذا ما ساهم رئيس الوزراء في اختيارهم، فيجب موافقة الرئيس عليهم أولا.

وعموما أعظم مرحلة شهدتها مصر في الحكم هي مرحلة عبدالناصر، فالنتائج تؤكد أن مصر كانت تلعب دوراً بارزاً علي مستوي العالم.. وليس من العدل أن ننسف كل شيء لحدوث النكسة.

ملف الأمن

مابين إشكالية حماية النظام وتأمين الشعوب، وما بين أمن النخبة الحاكمة وقمع حريات الجماهير.. إشكالية التأمين ظاهرة اتفقت واختلفت في الثلاثة عهود.. فما بين ديمقراطية صورية وأخري تشوبها الديكتاتورية فتحت ملف الأمن واستخدام الرؤساء له.. سواء لتأمين البلد أو النظام.

وهنا أذكر لكم ما كتبه الأستاذ محمد حسنين هيكل في كتابه «لمصر لا لعبد الناصر»:

«إن بعض العنف كان حتميا -مهما كان مكروها- خصوصا في عملية استرداد ثروات ضخمة بالإصلاح الزراعي أو التأميم. هذه كلها عمليات لا يمكن تحقيقها بالإقناع والاقتناع الديمقراطي.. ثم عاد الأستاذ هيكل واستطرد قائلا ذلك كله لست علي استعداد لقبوله علي علاته».. وفي موضع آخر من الكتاب يتساءل الأستاذ هيكل: هل كان عبدالناصر يعلم بهذه الممارسات؟

ويجيب نعم.. ولكنه يضيف أن عبدالناصر قال له «لا أتخذ قرارا إذا انفعلت.. إذا أحسست بذلك فإنني أنام الليل علي قرار، ذلك أنه بمثل السلطات التي لدي لا أملك ولا أتحمل أن أتصرف بانفعال».

ويقول الأستاذ هيكل: «أتذكر أنني في صيف ١٩٦٥ وهي الفترة التي وصل فيها عدد المعتقلين إلي قرابة خمسة آلاف أني ذهبت إلي جمال عبدالناصر أقول له: إن معلوماتنا في الأهرام تقول إن عدد المعتقلين خلال الشهر الأخير زاد علي خمسمائة معتقل..

وكان رده: لقد وصلوا الآن إلي سبعمائة مع الأسف، وأنا أعرف ولكن ماذا أفعل لقد كان بين خطط التنظيم السري الذي قبض علي قياداته خطط بنسف كباري أو جسور والقيام بعمليات اغتيالات بالجملة» ولقد وافقت علي حملة اعتقالات واسعة أخذا بالأحوط، ثم إن «البلد لا يستطيع في هذه الظروف أن يتحمل احتكام بعض الناس إلي المسدس يغتالون به من يخالفونهم في الرأي»(٣)

* وهنا سألت محمد فائق هل تتفق مع ما كتب عن الحالة الأمنية في مصر في عهد عبدالناصر؟

فأجاب:

- الثورة جاءت ونصف المصريين «حافيين» وكانت مشاريع التنمية ترفع شعار مقاومة الحفاة، أي أنه كان فقراً مدقعاً، نصف في المائة من الشعب هي التي تملك ٨٠ % من ثروات البلد، وكانت هذه القلة هي التي تشارك في العمل السياسي ولا أحد غيرها.. وأعود لمسألة الأمن والتأمين لا جدال أن الثورة قامت ثورة بيضاء خالية من أي نقطة دم علي عكس كثير من الثورات العالمية، ولأن تغيير العلاقات الاجتماعية كان يحتاج إلي بعض العنف فقد كان يلجأ النظام إلي ذلك في بعض الأحيان.

* وبماذا تصف التجاوزات التي حدثت مع الإخوان والشيوعيين آنذاك؟

- لقد حدثت بالفعل بعض التجاوزات ولكنها أقل بكثير مما حدث في المرحلتين التاليتين لمرحلة عبدالناصر.. لكنها اتخذت كذريعة لضرب مرحلة عبدالناصر، وفيلم الكرنك لم يكن هو واقع وسمة هذا النظام إطلاقا.. فهو فيلم يحمل كثيرا من المزايدة علي هذا العصر.

* الاعتقالات وقمع الحريات وزوار الفجر في العهد الناصري؟

- ضرورة كان لابد منها!!

* إشكالية أمن النظام وأمن الشعب هل تتعارضان؟

- إطلاقا أمن الرئيس من أمن الشعب.

* السياسة الأمنية في عهد الرئيس مبارك هل هي أيضا كان لابد منها؟

- سيطرة الأجهزة الأمنية علي كل مؤسسات الدولة الآن بشكل مبالغ فيه تمثل خطورة بالغة.. ناهيك عن حوادث التعذيب المتكررة والتي أشارت إليها تقارير مجلس حقوق الإنسان.. وإذا كان كيلامنسو قال «إن الحروب أخطر من أن تترك لجنرالات الجيش» فأنا أقول «إن الأمن القومي أخطر من أن يترك للواء الشرطة والعصا والبندقية».

فيا ابنتي الأمر مختلف، ففي العهد الناصري كان هناك إجماع علي عبدالناصر.. والـتأمين رغم ما جاء به من تجاوزات إلا أنه كان يهدف إلي حماية الثورة وهو ما يعني حماية الأهداف السامية ضد بعض أعدائها، أما الآن فما يحدث نوع من الانتهاك والتأمين لا يأتي بالعصا والبندقية كما قلت.. التأمين يأتي أكثر برضا الناس علي القوانين التي تصدر.

* لقد جئت من خلفية أمنية فكيف تنتقد الأجهزة الأمنية في مصر؟

- كنت ضابطاً في الجيش قبل أن يتصل بي السيد زكريا محيي الدين عام ٥٣ ليطلب مني الانضمام إلي جهاز المخابرات.. وأنا عموما لم أكن أحب العمل الأمني، ولكن عرفت بعد ذلك أن المخابرات ليس لها علاقة بالأمن المباشر الداخلي للدولة، بل تتعامل مع أمن الدولة ككل.. ولم تكن هناك هذه التقسيمات الحالية من مخابرات عسكرية ومخابرات عامة فقد كانا جهازاً واحداً..

وكلفت بالعمل في قسم إسرائيل، وللأسف قامت الثورة ولم يكن لدينا أي معلومات عن إسرائيل.. وبدأنا ننشئ هذا القسم وكان رئيس القسم هو محرز مصطفي، الذي تولي بعد ذلك رئيس المخابرات الحربية.. بدأنا نجمع معلومات عن العدو واهتممنا بالصحافة العبرية وجلبنا مترجمين للغة العبرية.. حتي استطعنا تجنيد أول ضابط إسرائيلي،

وتم ذلك بحذر شديد وكان من أصل ألماني وأمدنا بحصيلة كبيرة من المعلومات الخاصة بالجيش الإسرائيلي، والغريب أننا اكتشفنا أن أجهزة المخابرات السورية والأردنية لديها معلومات كثيرة تفوقنا بمراحل عن إسرائيل، فبدأنا نستعين بهم، ومن هنا بدأ تجميع المعلومات عن إسرائيل.. وفي أواخر ٥٣ أسند إلي الملف الأفريقي وبدأت بالسودان..

وكان جهاز المخابرات في ذلك الوقت بمثابة المكتب السياسي لعبدالناصر، لأنه لم يكن لديه تنظيم سياسي محدد، وكان يوجد بداخله أقسام مختلفة مهتمه بالنواحي الداخلية والخارجية والسياسية والاقتصادية، أو بمعني آخر كان هو المطبخ السياسي للرئيس.

ملف الإعلام

عاشت مصر مؤخرا لحظة حرجة في تاريخها السياسي والإعلامي عندما انتشرت شائعة مرض الرئيس مبارك وتداولتها الوسائل الإلكترونية قبل الصحفية، ووقفت الصحافة القومية عاجزة عن الرد أو التفسير.. بينما هللت بعض الصحف المستقلة استنادا علي التكهنات والتخمينات.. أما التليفزيون والإذاعة المصرية فلم يحركا ساكنا..

لتتكشف الحقيقة ونجد أنفسنا أمام صحف تعتمد مجبرة علي اللامعلومة وصحف وأجهزة لم تصل حتي إلي درجة الإعلام التعبوي الذي كان له دور مهم ومصدق في العهد الناصري، حتي وإن كان يكذب علي الناس.. لنصبح أمام حقيقة إعلامية وهي أن لدينا إعلام اللامعلومة وإعلام اللاتعبوي..

عموما حال الإعلام يعكس الحالة السياسية وسيطرة الحكومة علي الإعلام وفوق كل هذا علاقة رئيس الدولة بأجهزة الإعلام، لذا سألت محمد فائق وزير الإعلام الذي شهد مرحلة النكسة قائلة:

* من كان مسؤولاً عن صياغة الرسائل الإعلامية في عهد عبدالناصر؟

- الجهاز بالكامل فكان لدينا مكتب للشؤون الأفريقية وفتحي الديب كان مدير مكتب الشؤون العربية في رئاسة الجمهورية وأنا كنت أشرف عليها باعتباري وزيرا للإعلام.

* إلي أي مدي كان الرئيس عبد الناصر يتدخل في مهامك كوزير للإعلام وفي صياغة الرسائل الإعلامية؟

- عندما أوكل لي الرئيس عبدالناصر مسؤولية وزارة الإعلام قال لي: «بس متزهقش مني لأني أنا هوايتي الإعلام حتصل بيك كتير يا فايق».. فأجبته: علي العكس يا فندم أنا جديد في هذا المجال وأحتاج إلي مساعدتك.

* أنت المتهم الأول في تضليل الشعب المصري فيما سمي «إعلام النكسة» فما رأيك؟

- الإعلام كثيرا ما يحمل أشياء لا علاقة له بها، ولا ذنب له فيه، البيانات التي أذيعت في الأيام الأولي للنكسة كانت بيانات عسكرية وليس من حق أي شخص أن يغير فيها حرفا واحدا، أو حتي يعترض عليها وإلا أصبحت جريمة يعاقب عليها.. الجيش وحده هو المسؤول عن النكسة وعن إعلام النكسة، الإعلام فقط يعكس الصورة التي وضعها أمامه الجيش.

* هل قرأت هذه البيانات قبل إذاعتها علي الناس؟

- لا.

* كيف وأنت وزير الإعلام؟

- كان هناك نظام معمول به وهو أن تأتي البيانات إلي المذيع المسؤول في الإذاعة مباشرة.

* دون أن تمر علي وزير الإعلام؟!

- هذا نظام معمول به.

* من وضعه؟

- متعارف عليه.

* وأين دورك كوزير للإعلام.. وأنت تعلم أن التاريخ سيحاسبك علي كل تفاصيل المهمة التي توليتها في هذه المرحلة؟

- الإعلام جاء دوره بعد النكسة لتهيئة الناس وتعبئتهم لتحمل ما حدث ، والبداية من جديد، ولا تستهيني بخطورة أن نذيع للناس خبر وقف إطلاق النار.. فكانت مهمة في منتهي الخطورة، بعد أن اتصل بي السيد زكريا محيي الدين من مركز القيادة العامة وقال لي أنا ومعي الرئيس عبدالناصر وطلب مني أن أبلغك بأننا سنقبل قرار وقف إطلاق النار،

ووقع علي الخبر كالصاعقة وبعد فترة من الصمت أخبرته أنني أخشي من الآثار السلبية لهذا القرار علي المصريين ويجب التمهيد أولا، وبالفعل تم تأجيل قبول وقف إطلاق النار حتي مهدنا الأمر للناس.

* كيف؟

- تم صياغة رسائل إعلامية تفيد بأن الحرب انتقلت إلي داخل الأراضي المصرية، وأن المقاومة مستمرة، وابتعدنا عن نغمة دمرنا وأسقطنا.

* هل كنت تعلم بخطاب التنحي؟

- أنا شخصيا لم أكن أعلم، الوحيد الذي كان يعرف هو هيكل، لأنه شارك في صياغة الخطاب.. كل ما اهتممت به هو تأمين الأوضاع وقتها.

* إلي أي مدي كان يحاسب الرئيس نفسه؟

- الدولة كلها راجعت نفسها.. الرئيس والحكومة وكل المؤسسات وتم إعادة النظر في كل شيء من جديد، والدليل أن بيان مارس كان أكبر مراجعة للنفس.

الهزيمة تحدث في كل دول العالم الكبري ولكن المهم هل تنهار الدولة؟ أم نأخذ من نقطة الهزيمة للانطلاق من جديد؟ وفعلنا ذلك بالفعل، وبدأنا نخاطب العقل وليس العاطفة، وبدأ الاهتمام بالعلم وانعكس ذلك علي الجيش الذي أفادنا بالانتصارات التي حققها بعد ذلك، والمتمثلة في معركة رأس العش وتدمير المدمرة إيلات.

* يقال إن عبدالناصر كان يميز بين جريدة الأهرام وباقي الصحف لعلاقته بهيكل؟

- لأن هيكل كان صحفياً ورئيس تحرير متميزاً وعبدالناصر أعطي كثيراً من الصحفيين نفس الفرصة، لكنهم لم يؤدوا الأداء الواجب.

* إلي أي مدي تري أن هناك تعارضاً بين عملك كوزير للإعلام وبين هيكل الذي كان تقريبا المستشار الإعلامي والسياسي للرئيس عبدالناصر؟

- إطلاقا لم يكن هناك أي تعارض بل تنسيق كامل وتعاون.

* هل كان هيكل يملي علي عبدالناصر بعض القرارات؟

- لا.. القرارات كانت تصدر دائما من مجلس الثورة.

الهوامش:

(١) محاوراتي مع السادات - أحمد بهاء الدين - ص ١٠١

(٢) المصدر نفسه - ص٩٩

(٣) لمصر لا لعبد الناصر - محمد حسنين هيكل - ص ٧٢

----------------------------------------------------


محمد فائق وزير إعلام عبدالناصر (٢-٢)
الخصخصة بشكلها الحالي.. انتهاك لحقوق الإنسان
----------------------------------
حوار رانيا بدوي ٩/ ٣/ ٢٠٠٨
---------------------------------
في ١٥ أكتوبر سنة ١٩٧٠ أصبح أنور السادات رسميا رئيسا للجمهورية العربية المتحدة بعد استفتاء نال فيه ٩٠.٠٤% من أصوات الذين اشتركوا في الاقتراع علي رئاسته.

وعن سر نسبة الـ٩٠% التي يحصل عليها الحاكم أو حزبه في الاستفتاءات المختلفة في مصر، كتب باحث إسرائيلي يدعي عامي إيلون في دراسة نشرت ضمن مجموعة من الدراسات الاسرائيلية.(١)

عن حالة التزوير في مصر، واستعان الباحث بنكتة مصرية في توصيفه لحالة التزوير في الانتخابات مستهجنا ومستنكرا نسبة الـ٩٠% التي كان يحظي بها موقف الحاكم من الناخبين والمعارك الانتخابية التي يفوز فيها الحزب الحاكم بنسبة مماثلة، وقال إنها ظاهرة مألوفة في مصر قائلا: (تروي حكاية مصرية مشهورة أن شخصا صوت في استفتاء ضد موقف السلطة، ولدي عودته إلي منزله شعر بالندم،
وعندما عاد إلي لجنة الانتخاب وطلب من الضابط هناك البحث عن بطاقته الانتخابية ليغيرها رد عليه بقوله: لا تتعب نفسك نحن نغير هذا علي أية حال)، كما أشارت الدراسة إلي الآلية التي كان يستخدمها الرئيس في تمرير قراراته الاستثنائية والتي تعتمد بشكل كبير علي فكرة الاستفتاء معلوم النتيجة مسبقا فتقول الدراسة:
أدي التطلع إلي وجود حكم واسع الصلاحيات، وجهاز متعدد الأحزاب في آن واحد في عهد السادات، إلي إلزام الرئيس بأن يرقب الساحة عن قرب، ويرقب القوي الجديدة التي دخلت الساحة، وبالفعل عندما بدأت اللعبة تخرج من المسار المتوقع، قام السادات بأعمال تشريعية واتخاذ إجراءات أخري ليعيدها إلي المسار المطلوب.

وظهر المثال الأول وربما الأبرز في مايو سنة ١٩٧٨ عندما قرر السادات كما نذكر ضرب الأحزاب التي أصبحت عدوانية للغاية، وأصدر السادات مجموعة من القيود الملحوظة علي العمل الحزبي كما تقرر حظر النشاط السياسي لكل من اشترك في إفساد الحياة السياسية في الدولة قبل الثورة، وكذلك بالنسبة لمن يشتغل بأنشطة تهدف إلي الإضرار بالحياة السياسية في الدولة، وتعريض الوحدة الوطنية والنظام الاجتماعي للخطر سواء بصفة شخصية أو في إطار حزبي، وهذه تعريفات مطاطة ليس لها حدود تقريبا علي حد قول الدراسة، التي أشارت إلي أن الاستفتاء العام علي هذه الأوامر بعد مضي نحو أسبوع بأغلبية ٩٨% وفي هذه المرحلة تسني لمجلس الشعب أن يحول الأوامر إلي قانون سمي «قانون حماية الجبهة الداخلية والنظام الاجتماعي». (٢)

وهنا عرضت علي محمد فائق ما قرأت ودار الحوار حول التزوير في الانتخابات والاستفتاءات علي الرئيس و التعديل الدستوري، والوضع الحزبي في العهود الثلاثة.. لنستكمل حواراً بدأناه بالأمس تحت عنوان كيف تحكم مصر؟

* أليس غريبا أن يتكون التنظيم الطليعي في عهد عبدالناصر بشكل سري وهو تنظيم الرئيس وعلي رأس الدولة؟

- التنظيم كان سريا لعدة أسباب منها أنه كانت هناك صعوبة أن تنشئ حزباً وأنت في السلطة.

* وما صعوبة ذلك؟

- لأنه إذا تم الإعلام عن أن الرئيس ينشئ حزباً سيتقدم الجميع لعضويته وبعضهم سيكون منافقاً للرئيس.. ولكن عبدالناصر كان يريد أن يختار العناصر التي تنضم إلي التنظيم بشكل انتقائي، وكانت نيته أن يتم الإعداد له ثم يتم الإعلام عنه وأعتقد أنه كان إحدي المراحل التي ربما قد تمهد لفتح باب الأحزاب.

* من التنظيم الطليعي في عهد عبدالناصر إلي المنابر الثلاثة في عهد السادات إلي التعددية الحزبية الآن.. كيف تري تاريخ الوضع الحزبي في مصر؟

- ليس لنا موقع علي الخريطة.. صحيح ربما يكون هناك تطور ولكننا سارعنا جدا في الليبرالية الاقتصادية وتأخرنا جدا في الليبرالية السياسية.. فحزب الأغلبية هو الذي يشكل الحكومة في أي بلد.. لكن هنا السلطة هي التي تشكل الحزب.

* ولكن الحكومة هي حكومة الحزب أي أن الحزب هو الذي يختارها ويشكلها؟

- غير صحيح.. فالحكومة حكومة الحزب في حالتنا هذه تعني أن الحكومة تخدم الحزب فقط، فالحزب في الفترة الأخيرة بدأ يأخذ شكلاً مختلفاً وأصبح يتدخل في كل مؤسسات الدولة، ويضع السياسة العامة لها، والقوانين والقرارات، وبدأنا نجد له وزناً وثقلاً داخل المؤسسات الصحفية أيضا، ولكن يفترض أن الحكومة هي حكومة الشعب كله بجميع طوائفه.. صحيح أن الحكومة حكومة الحزب ولكن بمجرد أن تشكلت فقد أصبحت حكومة لكل الناس.. والأدهي أنه يوجد الآن خلافات وصراع داخل الحزب نفسه علي السلطة والحكم.

* تحدثت تقارير المجلس القومي لحقوق الإنسان عن العديد من الانتهاكات والتزوير في الانتخابات الماضية؟

بعد أن وصلنا إلي نظام يضمن عدم التزوير في الصناديق وهو الإشراف القضائي، وجد الأمن نفسه غير قادر علي التزوير فبدأ يتبع أسلوب منع الناخبين من الوصول إلي الصندوق من الأساس، ولكن علي الأقل كان هناك ضمان لعدم التزوير.. ثم فوجئنا بأنه تم رفع ضمانة القضاة ولم يتم وضع بديل جيد، واكتفوا بلجنه عليا وهي لا تستطيع أن تراقب أو أن تحمي حتي الصناديق.

* كيف كان يختلف الرئيس عبد الناصر مع معارضيه؟

هناك فرق بين أن يختلف الرئيس مع أحد القيادات الكبري وهنا يوجد أصول للعبة وهي أن من يختلف يعتذر ويترك منصبه ويجلس في بيته معززاً مكرماً.. لا أعتقد أن هناك أحداً اعتقل لخلاف في الرأي حول طريقة الحكم، أما موضوع الأمن والتأمين فهو أمر آخر وهنا ليس خلافا ولا معارضة ولكن أمان البلد.. بعكس الطريقة التي اختلف فيها السادات مع مراكز القوي فأدخلهم السجن.

* وكيف تري محاكمة أيمن نور هل هي دليل علي الوضع الذي سيؤول إليه أي شخص يختلف مع الرئيس مبارك أو يقف أمامه؟

- أيمن نور رفعت عنه الحصانة بشكل استثنائي في يوم جمعة ونحن نعلم الإجراءات التي يتم اتباعها في حالة رفع الحصانة عن أي عضو.. حبسه احتياطيا كان إلي حد ما طريقة استثنائية وكان من الممكن أن تتم محاكمته دون حبسه.. وقد زرته أنا وكمال أبوالمجد ولكن حكم المحكمة لا نستطيع التحدث بشأنه..الإجراءات استثنائية والسبب واضح ومعروف.

١٥ مايو ٧١ حدث اختلفت حوله الآراء وكتب التاريخ.. من توصيف من سموا مراكز القوي في عهد السادات بمجموعة خونة يريدون قلب نظام الحكم، إلي مجموعة وطنية أزاحها السادات عن طريقه لينفرد بالحكم.. والحقيقة لم تُعرف بعد!! وقبل أن أسأل محمد فائق أحد المتهمين في قضية مراكز القوي وجدت ضرورة عرض ما كتبه الأستاذ هيكل عن هذا الموضوع حيث قال: يوم ٢١ إبريل ١٩٧١ شن علي صبري هجوما عنيفا علي مشروع وحدة مقترح بين مصر وسوريا وليبيا ولم يكن الخلاف علي مشروع الوحدة - في الواقع - إلا غطاء للخلافات الحقيقية حول السلطة.

كان السادات يبدو متحمسا للمشروع، وفي نيته أن تغيير شكل الدولة سوف يعطيه الفرصة لإعادة تكوين مؤسسات السلطة كاللجنة المركزية ومجلس الأمة. وكانت الأغلبية الساحقة في هاتين المؤسستين لمجموعة مراكز القوي الذين استكشفوا نوايا السادات الدفينة فعارضوا المشروع ليس كرها في الوحدة ولكن إبقاءً علي ما هو قائم من مؤسسات الحكم" (٣)(٤)

ولكن محمد فائق صاحب هذا الحوار روي القصة والأسباب بشكل مختلف تماما عما رواه هيكل عندما سألته:

* باعتبارك كنت أحد المتهمين في قضية مراكز القوي.. فلماذا اختلفتم مع السادات.. وكيف اختلف السادات معكم؟ لماذا قدمت استقالتك وهل ما فعلتموه كان تمرداً أم اختلافاً في الرأي أم محاولة لقلب نظام الحكم؟

- في البداية كانت هذه المجموعة هي المجموعة التي كانت قريبة من الرئيس عبدالناصر، وكنا نعتبر أنفسنا مسؤولين مع عبدالناصر عن النكسة.. بالاضافة إلي أنه كان هناك اتفاق أنه بمجرد أن تجهز الدولة لدخول المعركة فيجب أن تقوم الحرب لايوم قبل ولا يوم بعد، وقد تحدد هذا الموعد بربيع ٧١ وبالمناسبة كانت ظروف الدولة أفضل بكثير جدا مما كانت عليه في أكتوبر ٧٣ وبمجرد أن استعدت مؤسسات الدولة ذهب الفريق محمد فوزي بقرار الحرب إلي الرئيس السادات ليوقعه لكن الرئيس السادات رفض التوقيع حيث كانت لديه فكرة أن أوراق اللعبة بنسبة ٩٩% في يد أمريكا وكنت من أكثر المعارضين لهذا الرأي لأنه يجب أن يكون هناك اعتبار كبير للإرادات المحلية، كما كان يري أن الخلاف الأساسي كان بين عبدالناصر وأمريكا ومادام عبدالناصر قد رحل يمكن وقتها أن نسوي الأمر مع أمريكا، وهو أيضا اعتقاد غير صحيح لأن الخلاف لم يكن مع عبدالناصر بل كان بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية في تحيزها الكامل لإسرائيل.

ومازال رأيي كما هو لو تمت الحرب في عام ٧١ كانت أمور كثيرة تغيرت.. وربما تغير وجه التاريخ.

* ولهذا استقلت؟

- لم يكن أمامي بديل آخر لأن ذلك كان رأيي وكنت متمسكاً به والوزير لايملك أن يفرض علي رئيس الجمهورية رأيه وبالتالي الشيء الوحيد الذي أملكه هو أن أستقيل.

* ولماذا كان هناك اتفاق علي استقالة جماعية وكأنه تحد للرئيس؟

- لم يكن هناك اتفاق مسبق ولم يكن تحدياً ولكن فور أن علمنا برفض الرئيس قرار الحرب صدمنا وقررنا الاستقالة وقد قدم كل شخص علي حدة قرار استقالته.

* ولكن هناك صفحات في كتب بتوقيع من شهدوا هذا العصر يؤكدون أنكم أذعتم بيان الاستقالة قبل عرضها علي الرئيس فهل التاريخ يكذب؟

- القرارات كانت قد عرضت علي الرئيس بالفعل ولكننا أذعناها قبل أن يقبلها الرئيس.

* كيف أعطيت نفسك الحق في استغلال نفوذك كوزير للإعلام في إذاعة بيان الاستقالة؟

- الاستقالة حق يكفله لي الدستور.

* ولكني لا أعتقد أن القيام بأمر بالغ الخطورة ويهدد أمن الدولة كالاستقالة الجماعية للحكومة بهذه الطريقة، بل بدون علم الرئيس، وكأنه محاولة للانقلاب - حق دستوري؟

- إطلاقا أنا لم أستغل منصبي.. أنا كنت وزيراً للإعلام وهي ليست جريمة ولا مخالفة دستورية والدليل أنني حتي هذه اللحظة لم أسأل فيها قانونيا.. ولكن لنقول إنه عمل قد لا يكون مجاملا لرئيس الجمهورية وكنت أعلم ذلك.

* هل كنت تتوقع أن رد فعل السادات سيكون القبض عليكم والحكم علي أغلبكم بالأشغال الشاقة المؤبدة؟

-لا!

* هل كان هذا هو الخلاف الأول بينكم؟

- لا.. كانت هناك خلافات كثيرة وأغلبها كان يدور حول مسألة الحرب.. ومسألة فتح قناة السويس، ومن حسن الحظ أنه لم يقدم علي هذا التصرف وإلا لأصبحت كارثة، فهو كان سيصبح إعلاناً صريحاً بعدم خوض الحرب نهائيا.. وهكذا كانت هناك أشياء كثيرة سوف تؤثر علي المجهود الحربي.. وربما يكون السادات قد أجل الحرب حتي يتخلص من هذه المجموعة وهذا حقه ولكنني معترض علي الطريقة التي تخلص بها منا.

* هل كان هناك أي خلاف شخصي بينك وبينه بعيدا عن الاختلاف في وجهات النظر الخاصة بالسياسة؟

- إطلاقا لم يكن بيني وبينه أي حساسيات، وخلافه الحقيقي كان مع علي صبري ومحمود رياض وفوزي لأنهم متشددون في القضية.. والدليل حديثه مع وزير الخارجية الأمريكي الذي كان في زيارة إلي مصر، وصرح له صراحة بنيته في التخلص من هذه المجموعة.

* بماذا تفسر اعتماده في الأول علي رجال عبدالناصر ثم التخطيط علي حد قولك للتخلص منهم، ولماذا لم يأت برجاله من البداية؟

- لأن الناس لم تكن لتصدقه آنذاك، فهو جاء بعد زعيم عظيم ثم إنه قال بمجرد وصوله إلي الرئاسة: لقد أتيت علي طريق عبدالناصر.

* ما هو توصيفك لمحاكمة مراكز القوي؟

- كانت «كلام فارغ» ومحاكمة استثنائية، لذا أنا أكثر المعارضين للمحاكم العسكرية والاستثنائية في مصر.

* وما رأيك فيما قيل إنه كان هناك تخطيط لقلب نظام الحكم من أجل الصراع علي السلطة؟

- هذا كلام فارغ.

* متي جاءك هذا الوسيط وما هي تفاصيل المقايضة؟

- هذا الوسيط جاءني بعدما أمضيت ٥ سنوات في السجن، وكان ذلك مساء ليلة العيد، فقال لي: مبروك يا فندم قرار العفو عنك، فالرئيس السادات ليس حزينا علي دخول أي من المجموعة السجن باستثنائك، وهو يطلب منك التوقيع علي هذا الاعتذار ليتم الإفراج عنك.. فقلت إذا كان هناك من هو مدين بالاعتذار للآخر فأعتقد أن الرئيس مدين لي بالاعتذار.

* ترفض الاعتذار وتقضي خمس سنوات أخري خلف القضبان أيعد هذا تصرفاً منطقياً؟

- المسألة مسألة مبدأ لم أكن أبدا لأسامح نفسي إذا فعلت ذلك.

* ولماذا قبض عليك مرة أخري في أحداث سبتمبر مادام الرئيس السادات كان حزيناً لسجنك في المرة الأولي؟

- هذه هي الواقعة الوحيدة في حياتي التي حاولت ومازلت أحاول جاهدا إيجاد تفسير لها ولم أجد.

* تقييمك لشخصية السادات؟

- كان رجل دولة لا شك في ذلك.. ولكن رؤيته لم تكن سليمة، فهو تصور أن مصر بدون العرب ستكون أقوي وسينطلق للعالم دون دعم عربي، وما حدث هو العكس.. والعرب أيضا لهم دور في ذلك، فإذا كانت اتفاقية كامب ديفيد عزلت مصر عن العرب بنسبة ٦٠% فجاءت قرارات العرب بمقاطعة مصر بالقطيعة النهائية ١٠٠%.

* في الشأن الداخلي.. السيادة كانت للقانون أم لشخص السادات؟

- السادات كان أكثر مركزية من عبدالناصر بمراحل، وقراره كان فردي فإن كان هناك مراكز قوي منذ عهد عبدالناصر ففي عهد السادات لم يجرؤ أحد علي الوقوف أمام السادات..القرارات في عهد السادات كانت تعكس فوضوية وعبثية.

* هل كان السادات يعمل الدستور؟

- لا أريد اطلاق أحكام علي عمومياتها ولكن علي الأقل ما فعله في مايو مع من سماهم مراكز القوي كان ضد الدستور.

والغريب أنه وضع فقرة في دستور ٧١ تسمح له بتكرار ما فعله في مايو فيما بعد، وهو ما رُفع في التعديل الدستوري الأخير.

* من التعديل الدستوري أيام السادات إلي التعديل الدستوري أيام مبارك.. ما هي ملاحظاتك؟

- لا تعليق ولا مقارنة.

* توليت لسنوات طويلة الملف الأفريقي، فكيف تري السياسة الخارجية المصرية بشكل عام، وعلاقتها بأفريقيا بشكل خاص؟

- الدور المصري الخارجي بشكل عام تراجع، وأفريقيا أهملت استمراراً لما حدث في عهد السادات.. مصر الآن لا تهتم بقضية السودان كما يجب، ودورنا في دارفور لم يكن علي المستوي المطلوب ولا حتي في الاتجاه السليم للأسف.

* هل كانت هناك مجاملة للإدارة الأمريكية علي حساب دارفور من قبل مصر؟

- تنهد قائلا: هذه هي النقطة المهمة.. فإذا أردت أن يكون لك دور خارجي فيجب ألا يكون هناك اعتماد كبير علي أمريكا، فهذا الاعتماد الكبير علي الولايات المتحدة أضعف دور مصر علي جميع الأصعدة، خاصة أن الولايات المتحدة ليست فقط متحالفة مع إسرائيل، ولكنها مندمجة معها في انتهاكاتها لحقوق الإنسان في فلسطين، وهنا لا تستطيع مصر اتخاذ موقف قوي حفاظا علي علاقتها بأمريكا.لا أقول المواجهه مع أمريكا ولكن علي الأقل تقليص الاعتماد عليها.

* باعتبارك عضوا في المجلس القومي لحقوق الإنسان لمن ترفع تقارير المجلس؟

- لرئاسة الجمهورية ورئيس الوزارء ورئيس مجلس الشعب.

* هل يقرأ الرئيس مبارك هذه التقارير؟

- لا أعرف، ولكن هي تصله بالتأكيد.. والتاريخ سيحاسب المسؤولين عن ماذا فعلوا عندما بُلِّغوا.

* هل رد حبيب العادلي علي ما جاء في التقارير الخاصة بالتعذيب في أقسام الشرطة؟

- لم يتصل بنا مباشرة، ولم يتم نفي أي من الحوادث التي تم رصدها.. وهذا يعني أنها حدثت بالفعل.. وصحيح أن هناك عدداً من الضباط قُدموا للمحاكمات علي انتهاكاتهم، ولكن هذا ليس كافيا، يجب أن تكون هناك آلية تنفذ لمنع حدوث ذلك ثانية لأن الظاهرة مازالت مستمرة، لابد أن تكون هناك رقابة وأن تشرف النيابة علي السجون.. قضية حقوق الإنسان أصبحت جزءًا من القانون الدولي ولم يعد في الإمكان تجاهلها،لأنه مع العولمة لم تعد الانتهاكات في أي بلد شأناً داخلياً.

* هل الخصخصة ضد حقوق الإنسان؟

- في جانب منها نعم، فإذا كانت خصخصة لمجرد الخصخصة دون أي اعتبار لمصالح الناس نعم فهي ضد حقوق الإنسان.

* أقصد الخصخصة المطبقة في مصر الآن؟

- هم يبيعون كل شيء للتخلص منه.. والدولة لا يجوز أن تستقيل من كل مهامها، ولا يجوز أن كل شيء يتعب الدولة تعملُّه شركة وتبيعه.. الخصخصة بهذا الشكل المطبق في بلد نموه الاقتصادي ضعيف وفيه زيادة هائلة في نسب الفقر هي أكبر انتهاك لحقوق الإنسان.. ورغم ذلك فأنا أقول دائما إنني لست ضد الخصخصة علي إطلاقها.

* الإصلاح السياسي في عهد مبارك؟

- بطيء جدا ويحتاج إلي ضغط شديد.

* وكيف نخرج من المأزق؟

- إعمال القانون.. والإسراع في عملية الإصلاح.

الهوامش
-------
(١) النظام الحاكم والمعارضة في مصر في عهد السادات - مترجم عن العبرية - صادر عن الهيئة العامة للاستعلامات - بقلم الباحث الإسرائيلي عمي ايلون - صـ١٥٤

(٢) المصدر نفسه - صـ١٥٣

(٣) خريف الغضب - محمد حسنين هيكل - صـ٩٧

(٤) كشف الفريق محمد صادق لأول مرة أثناء نشره مذكراته عام ١٩٨٢عن وجود وثيقة تشير إلي محاولة محمود فوزي وزير الحربية عمل انقلاب عسكري ضد السادات.


--------------
نشرت في المصري اليوم بتاريخ 8 و 9 مارس 2008
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=96472
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=96647

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المتابعون