د. ليلى تكلا

صاحبة مشروع القانون الموحد لبناء دور العبادة فى حوار ساخن لـ «المصري اليوم»:
الدولة المدنية ليست «كفراً»
-----------------------------------------------------
أجرت الحوار رانيا بدوى ٢١/ ٥/ ٢٠١١
---------------------------------------------------

قالوا عنها إنها وطنية حتى أطراف أصابعها.. مصرية حتى النخاع: لا تنتمى لحزب أو تنظيم إنما تنتمى إلى مصر، تدعم القرار الرشيد سواء صدر من الحكومة، أو المعارضة، من اليمين أو اليسار، من مسلم أو مسيحى، من رجل أو امرأة، إنجازاتها السياسية والاجتماعية والقانونية متعددة.

كانت أول من طالب بوجود معارضة فى مجلس الشعب، وأول المتحدثين عن حرية الصحافة، وأثارت قضايا البيئة وحقوق الإنسان.. والإدارة.

إنها المفكرة والباحثة الدكتورة ليلى تكلا، صاحبة مشروع القانون الموحد لبناء دور العبادة، التى تحدثت لـ«المصرى اليوم»، مؤكدة أن الدواعى الأمنية تقتضى إصدار القانون فى هذا التوقيت لتحقيق العدل والمساواة، ولأنه ليس مطلباً فئوياً، وإنما هو مطلب قومى يرتبط بتماسك المجتمع وصلابته، ويساهم فى القضاء على الاحتقان الطائفى.

الحوار مع ليلى تكلا تناول رؤيتها للاحتقان الطائفى فى مصر وأسبابه، والدستور الجديد وأولويات الإصلاح السياسى، وعلاقة الدولة المدنية بالأديان وقضايا أخرى داخلية وخارجية، والتفاصيل فى السطور التالية.

■ بصفتك صاحبة مشروع القانون الموحد لبناء دور العبادة أين هذا القانون الآن؟

- هذه قصة طويلة لا يتسع لها المجال. تبدأ أحداثها عندما عدت من دراستى فى الخارج، ووجدت المسيحيين يمارسون الشعائر الدينية فى بدروم إحدى العمارات بالمعمورة لعدم قدرتهم على استصدار ترخيص بناء كنيسة، وعلمت أنهم يحاولون الحصول على هذا الترخيص منذ خمس سنوات. بدأت الرحلة الطويلة (على فكرة كنيسة المعمورة لم يصدر لها ترخيص بعد، رغم أن المحافظ سلم الأرض لبناء كنيسة.. وهذه مهزلة لابد من وضع حد لها)، عندما بحثت هذه القضية ووجدت أنها ليست الحالة الوحيدة، وبدراسة الوضع القانونى تبين أن هناك تصوراً خاطئاً هو أن الخط الهمايونى هو السبب، وهذا غير صحيح، وحتى قرار الداخلية لم يكن يمنع ذلك، إنما وضع شروطا، وأنه لا يوجد قانون لدور العبادة وهناك تفاوت هائل بين سهولة بناء مسجد أو زاوية، وصدور قرار يسمح ببناء كنيسة، على أى حال زاد اهتمامى بهذه القضية مع الأحداث بعد أن عاصرت حالات كثيرة من تعنت بالنسبة لبناء الكنائس.

لتصحيح هذا الوضع بدأت بكتابة قانون موحد لبناء دور العبادة لتحقيق المساواة والعدل، وتقدمت بمشروع القانون للجهات المعنية، وللرئاسة وأجريت مناقشات مع عدد كبير من المسؤولين فى وزارتى الداخلية والخارجية، وأجهزة الأمن والأمن العام، وأيد الطلب رجال الدين الإسلامى ومنهم شيخ الأزهر الحالى والسابق، ووزير الأوقاف الذين أكدوا أن الإسلام يحمى حق المسيحيين فى ممارسة شعائرهم فى دور عبادة.

■ ماذا إذن كانت العقبة؟

- بالضبط هذا هو السؤال المهم الذى حيرنى.. كيف ولماذا بعد الجهد الخارق والموافقات المتعددة لم يتخذ إجراء حازم بصدد قضية لها جوانب قومية ودستورية وإنسانية ودولية مثل هذه؟ رغم تقديرى الكبير للشرطة المصرية لمواقفها الوطنية ودورها الذى لا غنى عنه ومسؤولياتها الجسيمة، بدأت تدريجياً أرى أن حجة «دواعى الأمن» و«اعتبارات أمنية» و«التوازنات»، هى العقبة، وأن «الاعتراضات» مصدرها قيادات أحد الأجهزة الأمنية الذين «أخذاً بالأحوط» فضلوا بقاء الحال على ما هو عليه، أقول ذلك لأنهم الجهة الوحيدة التى لم توافق على أى صيغة من المقترحات التى أرسلت لهم، بما فى ذلك مشروع القرار الجمهورى الذى وافقت عليه لجنة السياسات.. هذا رغم أنهم هاتفياً وبكل ذوق ولياقة أكدوا اهتمامهم بدراسة القضية.

المطلب لا يزال قائماً والمسيرة سوف تستمر وأدعو كل وطنى مخلص أن يضم صوته إلى تصحيح ذلك الوضع القائم، الذى لا يتفق مع مبادئ العدل والمساواة ولا مبادئ الأديان.

■ لكنك أعلنت من قبل أنك ضد أى مطالب فئوية فى اللحظة الحالية.

- القانون ليس مطلباً فئوياً، بل مطلب قومى يتصل بالأمن الوطنى، ويتعلق بتماسك المجتمع وصلابته، وعلاجه يسهم فى القضاء على محاولات التفرقة وشرخ المجتمع وتقسيمه.. لذلك فقد أسعدنا جميعاً قرار الحكومة باتخاذ إجراء حاسم من أجل إصدار ذلك القانون.

■ لماذا ترين أن دواعى الأمن تقتضى صدور القانون؟

- المسيحيون يمارسون شعائرهم الدينية فى كل الأحوال، هذا واجبهم وحقهم الذى لا يمكن أن يمنعهم عنه أحد، وعندما لا يصدر ترخيص بناء كنيسة فإنهم يمارسونها فى شقق أو بدروم بعض العمارات، كما كان يحدث أيام الرومان، وهو أمر مشين لا يليق بمصر اليوم، أو فى كنائس دون ترخيص مما يعطى المتربصين بأمن الوطن الفرصة كى يعتدوا عليهم بحجة أن هؤلاء المصلين «يقومون بعمل غير قانونى»، وهذا صحيح فهم يمارسون الشعائر الدينية دون ترخيص! هذا الواقع يعنى أن استقرار الأمن يتطلب إصدار التراخيص ببناء دور العبادة وممارسة الشعائر داخلها فى إطار القانون، وأن رفض بناء دور العبادة هو أحد أسباب ما يحدث من شغب.. لذلك فإنى أطالب وألح على أن يصدر فوراً قرار رئاسى باعتبار الكنائس القائمة حالياً مرخصاً بها.

■ هل صدور هذا القانون يصحح الأوضاع الحالية؟

- سوف يخفف بالطبع من وطأة الوضع الحالى وما يثيره من ظلم وغضب، وسيكون خطوة مهمة تأخرت طويلاً كان غيابها سببا فى تفاقم الاحتقان بسبب وضع غير دستورى وغير قانونى وغير إنسانى وغير مصرى.

وصدور القانون علاج جزئى يحمل رسالة ضمنية من الحكومة لجماهير الشعب والمسؤولين بأن المسيحى مواطن كامل الأهلية له نفس الحقوق وعليه نفس الواجبات، ومن حقه ممارسة شعائره الدينية فى دور عبادة.

ومع ذلك أؤكد أن المهم ليس مجرد صدور القانون المهم تطبيقه بأسلوب عادل ودون تحيز، فالقوانين نصوص جامدة، يحركها ويطبقها البشر حسب القيم المتغلغلة فى النفوس والثقافة السائدة، وأذكر أنه فى السبعينيات عقد الرئيس السادات جلسة استثنائية لمجلس الشعب لمناقشة موضوع الوحدة الوطنية ومناقشة قانون يحميها، صدر بالفعل ذلك القانون لكنه غير مطبق، بل غير معروف للعامة والخاصة على حد سواء، وهناك فى قانون العقوبات فصل كامل به أربع مواد تمنع وتجـرم ازدراء الأديان أو رموزها أو القائمين عليها، بمعنى أن إهانة رجل الدين جريمة تستوجب العقاب، والادعاء بأن المسيحيين مشركون كذلك جريمة، وإهانة القرآن الكريم أو الإنجيل المقدس جريمة، وإهانة البابا شنودة جريمة تستوجب العقاب حسب القانون، رغم ذلك فإن هذه الممارسات والانحرافات ترتكب يومياً وتمر بلا عقاب، أصبح الأمر يقتضى إلى جانب إصدار القانون اتخاذ إجراءات أخرى ونشر ثقافة جديدة.

■ ما الخلفية القانونية الحالية لبناء الكنائس؟

- هناك اعتقاد خاطئ لكنه سائد بأن الخط الهمايونى هو «القانون» الذى يحكم وينظم بناء دور العبادة لغير المسلمين، وأنه المشكلة، وهنا نؤكد أمرين أولهما أن الخط الهمايونى ليس قانونا وليس كله سيئاً، والثانى أنه اليوم ليس سنداً ولا مرجعاً.

«الخط» يعنى «رسالة» «والهمايونى» كلمة تركية مثل الملكى أو السلطانى أو الإمبراطورى، فهو رسالة من السلطان أرسلت لسائر أنحاء الإمبراطورية العثمانية، كان القصد منه التعبير عن تقدير السلطان للدولتين الغربيتين - فرنسا وبريطانيا - اللتين وقفتا فى صفه فى حربه مع روسيا، يقرر الخطاب حق غير المسلمين فى إقامة دور العبادة والمستشفيات والمقابر.. إلخ، وهو ليس قانونا أو فرماناً، إنما هو مجرد خطاب لم تعد تطبقه المحاكم أو الأجهزة فى أى أمر يتعلق بهذه الأمور.

وتبين دراسة هذا الخط أن به إيجابيات منها أنه:

- يحافظ على حق غير المسيحيين فى بناء دور العبادة الخاصة بهم ويحفظ لهم حقوقهم.

- يسمح الترخيص بإقامة وترميم الكنائس والأبنية والمحال والمكاتب والمستشفيات والمقابر لجميع الطوائف المسيحية.

- أعطى المحليات سلطة اتخاذ القرارات المتعلقة بالترميم وللباب العالى الموافقة على الدور الجديدة.

- يصرح ببناء الكنائس بغض النظر عن عدد أفراد الملة التى تريد إقامتها.

- ينهى عن التعرض لغير المسلمين أثناء أداء الصلاة.

وينص أيضا على أن جميع المواطنين من أى ملة سوف يقبلون فى خدمة الدولة ومأمورياتها عندما تنطبق عليهم الشروط دون فرق أو تمييز فى مكاتب الدولة العثمانية العسكرية والمدنية.

وبغض النظر عن ماهيته وما به من مزايا وقصد طيب، فإن هذا الخط لم يعد له اليوم وجود.

وقد يتصور البعض أن سقوط الخط الهمايونى وانتهاءه يعنى أنه لا توجد وثيقة رسمية تنظم أسس بناء دور العبادة وهذا غير صحيح، فهناك الدستور الذى هو أبو القوانين جميعا وعدد من التشريعات تحدد الحقوق والواجبات والمساواة بين المواطنين لابد من الالتزام بها.

■ هل اهتمامك بقضية بناء الكنائس ينبع من كونك مسيحية؟

- لأنى مسيحية فإنى أشعر بوطأة هذه المشكلة وما تتضمنه من ظلم صارخ، خاصة عندما أرى الكنائس مزدحمة بسبب عدم الموافقة على بناء كنائس أخرى، أو عندما أدرك أن هناك من يسيرون مسافات طويلة للوصول إلى كنيسة لأنهم محرومون من صدور ترخيص لكنيستهم، هذا أمر غير طبيعى ومؤلم ومرفوض، لكنى أهتم به كمصرية ترفض التمييز بأشكاله، وأرفض الظلم والتعصب أياً كان مصدره وأياً كان ضحاياه، هذا جزء من تكوينى ولو كان هناك مسلمون أو يهود محرومون من ممارسة شعائرهم الدينية فى دور عبادة لطالبت بإنصافهم، وقد شاركت أيام الدراسة فى مظاهرات ووقفات احتجاج من أجل شعب فلسطين، وضد العنصرية فى جنوب أفريقيا (الأبارتيد)، ومن أجل السود فى أمريكا، بل حتى بالنسبة لحقوق الهنود الحمر (هذه كانت مظاهرة قادتنا فيها فتاة أصبحت ممثلة مشهورة اسمها جين فوندا!!)، وفى زيارة رسمية للفلبين طالبنا رئيس الجمهورية بإنشاء مسجد فى مانيلا وأصبح بها واحد من أجمل المساجد.

■ يرى البعض أن إجراء الانتخابات الرئاسية قبل البرلمانية قد يؤدى إلى رئيس «فرعون» منفرد بالسلطة.. وأنت ترين إجراء انتخابات الرئاسة أولاً؟

- التخوف من وجود رئيس بسلطات مطلقة صحيح، إذا أجريت انتخابات الرئيس فى ظل الوضع الحالى.. إن «التعديلات المقترحة» لم تتناول أهم قضية وهى تحديد اختصاصات رئيس الجمهورية الشاملة الواسعة غير المحددة التى جعلنا منها حقوقاً دستورية فى المادتين ٧٣ و٨٥، بالإضافة إلى المواد ١٠١، ١٠٢، ١٠٨، ١٠٩، ١١٢، ١١٣ و١٥٦).

وانتخابات الرئاسة التى نطالب بها لابد أن تأتى فى ظل دستور يحدد الاختصاصات الرئاسية حتى يأتى الرئيس الجديد وهو يدرك تماماً مدى سلطاته ويلتزم بها.

■ هل أحد أسباب هذا الاقتراح سرعة عودة القوات المسلحة لمهامها الأصلية؟

- هو ليس السبب، لكنه إحدى نتائجه.. وإنى ممن يؤمنون بالضبط والانضباط الذى توفره المؤسسات العسكرية والذى نفتقده كثيراً فى سلوكنا اليومى، خاصة أن ثقافة الانضباط ليست جزءاً من حياتنا.

القوات المسلحة مفوضة باختصاصات الرئاسة إلى أول سبتمبر لكن المجال مازال غير مهيأ لإجراء انتخابات برلمانية يجب أن تقوم على اختيار بين برامج حزبية متعددة، فإذا لم توجد هذه الأحزاب فإن الانتخابات سوف تصبح خاوية هزيلة صورية متحيزة لا معنى لها بل ستكون اختطاف ما تحقق من تغيير أو إنجازات.

إننا ما زلنا فى حاجة لأحزاب واضحة المعالم والبرامج والتوجهات، وتوعية الجماهير بها، وهو ما يحتاج لوقت ولتعديل قوانين منها: مباشرة الحقوق السياسية، ونظام الأحزاب السياسية، وقانون مجلسى الشعب والشورى، وغيرها من أجل أن تكون مصر جمهورية ديمقراطية مدنية حديثة يقوم نظام الحكم فيها على سيادة القانون، والمساواة، والمواطنة، والعدالة الاجتماعية، واحترام التعددية الثقافية والدينية والسياسية.

■ هل تعتقدين أن وضع دستور جديد مهمة سهلة؟

- وضع دستور جديد ليس مسألة سهلة، وهو يختلف عن تعديل الدستور، وليست هناك علاقة وجود متبادلة بين وضع دستور ووجود برلمان، بمعنى أن وجود البرلمان المنتخب ليس شرطاً لوضع دستور جديد، لكن العكس صحيح، أى أن إجراء الانتخابات يكون عادة فى ظل دستور ينظمها، والدساتير الجديدة تأتى بعد تحولات جذرية، سواء كانت ثورة أو انقلاباً أو استقلالاً أو تقسيماً، تحولات يكون لها مفكروها وقياداتها، هؤلاء يترجمون أهدافهم الجديدة إلى واقع وأسلوب فى الحياة، وعدد كبير من الدساتير المستقرة لم تصدرها برلمانات، وضعها مجموعة من الخبراء المتخصصين وممثلى الفئات المختلفة للمجتمع، وليس هناك ما يمنع من تشكيل مجلس وطنى لوضع الدستور الجديد وينظم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.

■ لك اقتراح تقدمت به فى مجلس الشعب منذ حوالى ٢٠ سنة بتخفيض سن الترشيح لمجلس الشعب، هل أنت متمسكة به حتى الآن؟

- نعم، بل أرى أن الحاجة إليه اليوم أكثر إلحاحاً، الاقتراح كان بتخفيض سن الترشيح لمجلس الشعب من ٣٠ سنة إلى ٢٥ سنة، وذلك حتى يصبح للشباب فرصة التعبير عن آرائهم داخل المؤسسات الدستورية وليس خارجها، وأطلقوا عليه اسم «استمعوا للشباب»، لكن الاقتراح رفض بشدة.. وأثبتت الأيام أن الشباب يريد أن يشارك، وأننا لابد أن نستمع إليه والاستفادة من حيوية مبادراته، كما عليه الاستماع والاستفادة لصوت الخبرة والتجربة، يجب أن يحترم الشباب الأجيال الأكبر بحكمتهم وخبرتهم ومعرفتهم السياسية.. لأنه ليس كل ما يقوله الشباب صحيحاً، طبعاً هناك جوانب كثيرة صحيحة، ولكن هناك أيضاً جوانب يجب أن يستمعوا فيها إلى صوت الخبرة.

■ ما رأيك فى أولويات الإصلاح السياسى؟

- أربع أولويات ليست سياسية، لكن الإصلاح السياسى لا يتحقق بدونها هى: عودة هيبة الدولة، واستتباب الأمن والاستقرار، والقضاء على البلطجة والفوضى، وتوقف الإضراب عن العمل، وكلها أمور تضرب التنمية والاستثمار والإنتاج. إن تجاهل البعد الاقتصادى ونتائج التدهور الاقتصادى لا يساعد على نجاح أى إصلاح سياسى. مطلوب تشكيل لجنة لاقتراح التعديلات الاقتصادية المطلوبة التى لا تقل أهمية عن التعديلات السياسية، وسد منابع التوتر الطائفى الذى يقسم المجتمع ويهدد كلاً من مبدأى المساواة والمشاركة وغيرهما التى هى أساس الإصلاح السياسى والمبادئ التى جاءت بها «الثورة».

وقبل ذلك كله البدء فى تخطيط وتنفيذ نهضة تعليمية شاملة تصنع المصرى الذى يمكنه علماً وثقافة ووعياً ووطنية وسلوكاً، بناء مصر التى نريدها جميعاً.

■ ننتقل للساحة العربية لنسألك: كتب سعيد كمال، سفير فلسطين، فى مذكراته، أن لك دوراً محل تقدير كبير، وصرح نبيل شعث بأن لك مكانة اعتزاز من ياسر عرفات والقيادات الفلسطينية لمواقفك فى دعم القضية الفلسطينية!

- قضية فلسطين ومآسى شعبها تشكل جزءا كبيراً من حياتى وجهدى وكتاباتى.. كانت لا تغيب عن بالى ولها مكان فى كل ما شاركت فيه من مؤتمرات أو لقاءات فى المنطقة أو خارجها، فهى قضية إنسانية عادلة ترتبط بمصر وتحدد مصير المنطقة، لن يوجد سلام أو تنمية بدون إيجاد حل عادل لها، كنا من مجموعة «الشباب» المصرى والفلسطينى نجتمع من أجل هذه القضية وكان أستاذنا ورائدنا الراحل الكبير د. أحمد صدقى الدجانى، وكان معنا سعيد كمال ونبيل شعث وخالد الحسن ومحمد صبيح وفاروق قدومى ونبيل العربى وعمرو موسى وعبدالرؤوف الريدى.. وغيرهم. كنت دائماً حريصة على اجتماعات المجلس الوطنى الفلسطينى، وطرح قضية فلسطين فيما أشارك فيه من مؤتمرات ولقاءات والدعوة لحلها فى المحافل والمنابر الدولية.. وكان السفير الأمريكى هيرمان أيلتس يخشى كثيراً أن أرتب لقاء بين المسؤولين الأمريكيين والفلسطينيين، وهى قصة عايشها سعيد كمال، حيث كنت أرتب لهم لقاءات مع عدد من الشخصيات الدولية.

وفى الاتحاد البرلمانى الدولى استصدرت قراراً بإدانة الانتهاكات الإسرائيلية لم تصوت أمريكا ضده لأول مرة، مما أغضب وفد إسرائيل الذى اتهمنى بالتحيز!! إن حل القضية الفلسطينية كان ولايزال جوهر قضية الشرق الأوسط وضرورة أساسية ليس فقط لأجل فلسطين لكنه أيضاً من أجل مصر والمنطقة بل والسلام الدولى، حتى نتفرغ للتنمية والإنتاج والتقدم فى سلام واستقرار، لذلك كنت من القلائل فى مجلس الشعب الذين لم يوافقوا على كامب ديفيد ومعاهدة السلام، ليس عن عدم رغبة فى السلام لكن لثقتى بأن هذه المعاهدة لن تصل بنا للسلام العادل، واليوم رغم التفكك والصراع الذى أصاب «أصحاب القضية» فإننى أرى أنها قضيتنا جميعاً ولا يمكن التخلى عنها، ونقطة البداية هى المصالحة الفلسطينية، وهو ما تفعله مصر.

■ هناك صورة للرئيس عرفات وهو يقبّل رأسك أمام مؤتمر دولى.. ما قصة هذه الصورة؟

- كنت تمكنت من إصدار قرار بدعوة عرفات للحديث أمام مؤتمر برلمانات العالم لعرض حقيقة الأحوال فى فلسطين وشرح الموقف الفلسطينى بالنسبة للسلام، فقد كانت إسرائيل تدعى أنها تريد السلام مع أنها كانت تضع العراقيل، وعندما دخل عرفات القاعة قوبل بتصفيق حاد ثم اتجه نحوى يصافحنى وقبّل رأسى.. عرفات شخص تلقائى بسيط مع أنه أيضا مناضل ثائر وقائد حكيم.

■ نعود إلى الطائفية لنسألك ما الأسباب الأخرى للاحتقان الطائفى الذى يهدد مصر؟ وهل من الممكن التصدى له، وما وسائل الحد منه؟

- تحديد الأسباب أمر مهم جداً حتى يأتى العلاج بنتائجه وإنى على يقين بأن هذه المشكلة ممكن الحد منها، فهى دخيلة على المجتمع لكنها تقتضى إرادة سياسية وصبراً وبث ثقافة جديدة فى المجتمع من خلال شقين أولهما: سد منابع التعصب والاحتقان بإجراءات مطلوبة ومعروفة، والثانى التخفيف من حدة الحالة التى وصلنا لها بسبب تجاهل المشكلة وذلك بتصحيح المفاهيم، وكل منهما مهم وكتب فيه الكثير والحديث فيه يطول.

قبل كل شىء لابد من الاعتراف بأن هناك توترا أو مشكلة طائفية، أول أسباب تفاقمها أننا تجاهلنا أبعادها وتخاذلنا فى سد منابع التعصب الذى انتقل إلى تطرف ثم إلى إرهاب واخترق المجتمع وباء خطير.. وارتكب بسبب الاحتقان الطائفى أكثر من مائة حادث مؤسف، كنا دائماً ننكر أنها طائفية ولا نعترف بخطورتها إلى أن وصلنا لمرحلة حرق الكنائس وقطع الآذان وتطبيق الحدود، وأصبحت القضية مسألة أمن قومى تهز كيان المجتمع المصرى كله واستقراره. كثر الحديث عن الأسباب الاقتصادية، والتدخلات الخارجية، وتأثير العائدين من الدول البترولية.. كل هذا وارد لكن هناك أسباباً أخرى لعل أخطرها المناهج الدراسية التى تسيطر عليها السلفية وتدعو بصراحة للدولة الدينية. إضافة إلى أن عدم العدالة والتهاون فى توقيع العقوبات الرادعة يشجعان الانحراف. على سبيل المثال جرائم الكشح التى قتل فيها ٢٢ شخصاً ولم توقع فيها عقوبة على أحد، والأمثلة كثيرة.

■ هناك فهم خاطئ بأن الدولة المدنية ضد الأديان.

- الدولة المدنية ليست ضد التدين، هى فقط تعنى عدم الخلط بين الدين والسياسة، فكل منهما يقوم على علاقة مختلفة تماماً.. الديانة هى علاقة بين الخالق والمخلوق لا تقبل النقد أو المناقشة أو التغيير، ولا تقوم على الندية والمساواة، والسلطة فيها للخالق وحده، عكس السياسة التى هى علاقة بين الحاكم والمحكوم، ومصدر السلطة فيها للمحكوم الذى جاء بالحاكم بتفويض منه وله أن يناقشه ويحاسبه ويغيره إن لم يقم بواجبه.

والدولة المدنية ليست كفراً، إنها تشجع الديانات وتحميها وتطور السياسة، لا تجمع بين الاثنين، ونحن فى حاجة لأن نكون شعباً متديناً فى دولة مدنية وليس العكس.

الخلط بينهما يهدر ما للعقيدة الدينية من مكانة سامية، ويعطى السياسة والقائمين عليها سلطات ليست من حقهم.

■ تتردد كثيراً عبارة الاستقواء بالخارج.. ما رأيك؟

- من الخطأ أيضاً، بل من الخطر الإشارة إلى «الاستقواء بالخارج» وإدانة كل «أقباط المهجر» بسبب الأسلوب غير اللائق الذى عبر به قلة منهم عن غضبهم وثورتهم على تكرار الحوادث الطائفية.. إن أغلب جماعات «المصريين» فى الخارج ملتزمة متزنة تجمع مصريين مسيحيين ومسلمين، كلهم حريصون على أمن مصر واستقرارها. إن الخطر هو الاستقواء بالجماعات المتطرفة التى تمد أعوانها داخل الوطن بالمال والسلاح من أجل التخريب وقلب نظام الحكم. هؤلاء هم مصدر الخطر والأولى بالمواجهة والنقد.
------------------------------------
نشرت في المصري اليوم بتاريخ 21-5-2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المتابعون