بهاء طاهر

الروائى والأديب العالمى فى حوار ساخن لـ«المصرى اليوم» (١ - ٢) :
مصر غير قابلة للتحول إلى دولة دينية إطلاقاً.. لأننا نفكر بمنطق «اللى يعوزه البيت يحرم على الجامع»
---------------------------------------------------
أجرت الحوار رانيـا بـدوى ١٣/ ٦/ ٢٠١١
---------------------------------------------------
كما قال «جورج كليمنصو»، رئيس وزراء فرنسا، خلال الحرب العالمية الأولى، «الحرب أخطر من أن تترك للجنرالات وحدهم».. أيضا السياسة أخطر من أن تترك للسياسيين وحدهم .. فلابد من دور للمثقفين والمبدعين، لأنهم، على حد قول الروائى الكبير بهاء طاهر، هم ضمير الأمة، والأمة التى لا تستعين بمثقفيها أمة بلا ضمير ينبهها ويستوقفها إذا ما أخطأت، ويراجعها إذا ما وقعت فى المحظور.

المبدع بهاء طاهر إحدى القمم الروائية فى مصر والعالم العربى، حاصل على عدد من الجوائز الكبيرة، منها جائزة البوكر العالمية عن روايته «واحة الغروب»، وجائزة أفضل رواية مترجمة فى إيطاليا عن روايته «خالتى صفية والدير» وجائزة أفضل رواية عام ٩٥ عن روايته «الحب فى المنفى».. فهو روائى ومترجم وقاص.. ويؤكد طاهر أن القائمين على الحكم قبل الثورة تعاملوا مع المبدعين على أنهم لا قيمة لآرائهم، وبعد الثورة يتعاملون بنفس منطق مبارك «خليهم يتسلوا» فلم يُدع المبدعون إلى لقاءات الحوار، ولم يؤخذ بأى من اقتراحاتهم.. وفى هذا الحوار حاولنا تكثيف الجهود للوقوف على رأى واحد من أهم ضمائر الأمة وإحدى القمم المبدعة التى تركت بصمة فى تاريخ مصر.. وإلى نص الحوار:

■ أستاذ بهاء، دعنى أبدأ من نقطة الجدال الدائر فى الأوساط السياسية الآن، وهى إشكالية المطالبة بوضع الدستور أولا انتخابات برلمانية ثم دستور ثم رئيس؟

- أنا لست فقيهاً دستورياً لكنى أستمع وأقرأ جيدا للخبراء فى هذا المجال، ومنهم الدكتور محمد نور فرحات، الذى يوضح أن الخطوات المقبلة المحددة بهذا الترتيب الذى يريدونه- أى الانتخابات البرلمانية ثم الدستور ثم الرئاسة- تنطوى على خلل دستورى فظيع، وهناك عوار دستورى يترتب على هذه الخطوات، ومن يعلمون يقولون إن هذا خطأ، وإنه يخل بآليات العمل السياسى، وسيؤدى إلى مشكلات فى المستقبل، فإذا كان أهل العلم والخبرة يقولون ذلك، فما الذى يمنع من الأخذ برأيهم، إلا إذا كان هناك رأى أقوى منه قانونياً ودستوريا، فليقولوا لنا ما هو.

■ ما الذى يجعل المجلس العسكرى يصر على هذا الترتيب؟

- هذا السؤال يوجه إلى المجلس العسكرى نفسه، لأنه حساس جداً للنقد ولا يريد الاستماع إلى كلام أحد، اسأليهم.

وأرى أن الدستور الجديد قضية شديدة الحساسية ولا تستدعى أن يخوّن أحد الآخر، ولا أن يفرض أحد رأيه على الآخر، فليجتمع الفقهاء الدستوريون من أنصار هذا الرأى وذاك ويحاولوا التوافق فيما بينهم، لأنهم أهل الخبرة وعليهم مسؤولية حسم هذا الوضع.

■ هذا الترتيب يمنع ائتلاف شباب الثورة، على سبيل المثال، من المشاركة فى الانتخابات المقبلة لعدم وجود الوقت الكافى للاستعداد ولطرح البرامج.. فما رأيك.. وهل هذا الأمر مقصود؟

- هناك قوة كبيرة جدا بحكم المال تسمى الحزب الوطنى، وأخرى كبيرة أيضا بحكم المال تسمى الإخوان المسلمين، وقد استمعت من قبل إلى يوسف ندا، المسؤول المالى للتنظيم الدولى للإخوان، الذى تحدث عن أن التنظيم الدولى يمتلك مبالغ هائلة تنفق على نشاط الجماعة، فكيف لشباب لا يجدون المليون جنيه المطلوب لعمل الإعلان عن الحزب فى الصحف والمنصوص عليه فى القانون أن ينافسوا من لديهم أموال طائلة ولديهم مشروعات هنا وهناك ويكدسون أموالا؟! وأضاف مبتسما وأقصد بـ«الحلال طبعا» كيف تطلبين من النملة أن تصارع الفيل ،ثم يقولون لنا تكافؤ الفرص.. أى تكافؤ هذا؟!

■ وهل الأموال وحدها هى التى تلعب الدور الأكبر؟ وهل يمكن لحزب على رأسه رجل أعمال مهم مثل ساويرس أن يخوض المعركة بقوة وعلى قدم المساواة؟

- لا.. ليس المال وحده هو الحاكم فى الأمر إنما التاريخ يلعب دوراً كبيراً، فالإخوان يعملون منذ ٨٠ سنة، بينما شباب الثورة مازالوا مبتدئين.

■ بمنطق التاريخ، ما موقع حزبى الوفد والتجمع وغيرهما التى تعمل منذ سنوات طويلة؟

- الأحزاب القديمة التى كانت موجودة فى عهد مبارك «كرتونية» لا ثقل ولا وجود لها، رغم أن حزب الوفد عندما أراه على حاله الآن «قلبى بيوجعنى»، لأننا تربينا على حزب الوفد وخرجنا فى المظاهرات نهتف «يحيا الوفد ولو فيها رفد» وكان هذا الحزب نموذجاً للوطنية المصرية لكن الآن أنا حزين جدا على ما آل اليه حاله، وأتمنى أن يعود حزبا يعبر عن الوطنية المصرية، وعلى وحدة جناحى الأمة المسلمين والمسيحيين وحريصاً على مصالح كل طبقات المجتمع كما كان فى الماضى، فلم يكن حزب الوفد هو حزب الإقطاعيين، وإنما كان حزب الكل الإقطاعيين والغلابة فى الحقيقة، أما الآن فليس له هوية.

■ تقصد وضعه قبل وبعد ثورة يناير؟

- نعم.. والى أن يقضى الله أمرا كان مفعولا. وما أيسر أن يسترد وضعه السابق بالعودة إلى سياساته السابقة، التى تؤلف بين طوائف الشعب وجناحى الأمة - المسلمين والمسيحيين- والتى تؤلف بين الأغنياء والفقراء، فهو كان حزبا يعتبر جبهة وطنية جامعة لطبقات وفئات الشعب كلها، كان بداخله من هم فى أقصى اليمين ومن هم فى أقصى اليسار، وكان ذلك فى تآلف يعكس الطبيعة المصرية تماما كما أن قيادة النحاس باشا له كانت قيادة أبوية، مهما اختلفنا معه فى الرأى، وكان حزبا يعد نموذجا مصريا ومع الأسف لم يعد كذلك .

■ إذن.. الإخوان والحزب الوطنى يسيطران، والأحزاب القديمة كرتونية، وشباب الثورة مبتدئون.. المشهد السياسى القادم سيديره الإخوان والوطنى؟

- الخلاصة أن الاستمرار فى هذا الوضع الذى ينتهجه القائمون على الحكم معناه تسليم مفتاح البلد للإخوان والحزب الوطنى. وإذا كان القائمون على الحكم فى مصر يريدون ذلك فليستمروا فيما يفعلون.

■ وأيهما ترجح كفته فى النهاية «الإخوان» أم «الوطنى»؟ أيهما له السطوة الكبرى؟ وأيهما سيحصل على العدد الأكبر من مقاعد البرلمان فى توقعاتك؟

- إيه رأيك لو كان تحالفاً من الاثنين؟! فقد أثبت التاريخ أن الطرفين يعملان بمنطق «اللى تغلب به العب به» ولو ثبت أن التحالف فى دوائر معينة سيعود بالنفع عليهما سيفعلان ذلك دون أى غضاضة، فالإخوان الأقرب والأكسب لهم هو التحالف مع الحزب الوطنى والعصبيات المحلية.

■ هل بهذا المنطق ستتحول مصر إلى دولة دينية؟

- تصورى أن مصر غير قابلة إطلاقا لأن تتحول إلى دولة دينية، فالشعب المصرى غير ذلك تماما، فهو معتدل، ومن الأشياء الجميلة التى كانت موجودة فى ميدان التحرير يوم جمعة الثورة الثانية، كما أطلق عليها البعض هو وجود الطرق الصوفية الذين قالوا إنهم سيحضرون الجمع التالية بأعداد أكبر، هذا إلى جانب مختلف طوائف الشعب بانتماءاتهم المختلفة، وعلى الجانب الآخر أنا شخصيا أعتقد أن أى مصرى يفكر فى أن يمس ضريح سيدنا الحسين أو السيدة زينب ستشل يده، هذه هى مصر الحقيقية.. الكل منسجم فيها ولا مجال للتشدد ولا للتطرف.

■ لكن نحن شعب تتحكم فيه العاطفة الدينية.. حتى السارق يقول توكلت على الله قبل أن يسرق ويدعو الله بالستر حتى يتم مهمته.. شعب بهذه التركيبة أليس من السهل التأثير عليه بالرسائل والشعارات الدينية؟

- لا تنسى أنه هو نفس الشعب الذى يقول فى بعض الأحيان «اللى يعوزه البيت يحرم على الجامع». لطالما كنا شعباً عاطفياً دينيا، وهذا لم ينل من اعتدالنا ومن تحكيمنا للمنطق والحكم على مصالحنا بالعقل.

■ تقول بصعوبة تحول مصر إلى دولة دينية لكن أحد السيناريوهات المطروحة، وهى أن مجلس الشعب المقبل إذا ما حصل الإخوان على أغلبية المقاعد به سيكون الأشرس فى التاريخ الحديث وسنشهد مساءلات للوزراء وإسقاط الحكومات، وسيكون رئيس الجمهورية القادم هو الأضعف، ومن هنا يقول البعض باحتمال مغازلة كل من الحكومة والرئيس القادمين لمجلس الشعب، بإصدار قرارات على هواه، حتى ولو كانت ضد مدنية الدولة؟

- هذا السيناريو يفترض أن الأمور ستكون أمام الإخوان بلا عقبات، الشعب سيقاوم ولن يستسلم، والتيار الليبرالى سيشتد يوما بعد الآخر، فكلنا لدينا عاطفة دينية، لكن طول عمرنا رغم وجود هذه العاطفة الدينية نأخذ قراراتنا السياسية على أساس مصالحنا، وقد نشهد الآن مغازلة للتيار الدينى تظهر فى شكل قرارات سياسية، وقد بدأت من الآن، كأن يصدر قرار بمنع القبلات والأحضان فى الأفلام رغم وجود أمور كثيرة أكثر أهمية تحتاج إلى إصلاح فى التليفزيون المصرى، لكن لا تنسى أننا كنا نشهد نفاقاً ومغازلة للحزب الوطنى فى السابق يفوق ما يحدث الآن مع التيارات الدينية، ولم ينفع النفاق فى النهاية، وأضاف «طاهر» ساخرا «وإن شاء الله هذه التيارات متقعدش ٣٠ سنة زى الحزب الوطنى».. عموما حتى ولو كان هناك انتصار للإخوان فى المرحلة المقبلة فهذا الانتصار سيخلق مقاومة شديدة لدى الناس.

■ لو عدنا قليلا إلى «جمعة الغضب الثانية» وما تضمنته من دلالات سياسية مهمة أولا فما تقييمك لمظاهرة هذا اليوم؟

- كل مرة كنت أشارك فيها فى المظاهرات كنت أعلم تماما أنه من الممكن أن يتحرش أو يحتك بى أحد، وحدث ذلك من قبل ومع ذلك لم أكن خائفا ولا متوجسا لكن هذه المرة كنت شديد التوجس، لم أكن خائفا على ذاتى، إنما كنت خائفا على البلد، لأنه كانت هناك حملة دعائية كبيرة تبث رسائل رعب وتقول إنها جمعة الخطر وإنه قد تسيل فيها الدماء، وقد تتحول إلى حرائق تشتعل فى وسط المدينة إلى آخره وكتب ذلك نصاً، لذا نزلت إلى المظاهرات وأنا مرعوب على البلد، وزاد هذا الرعب بمجرد نزولى إلى الشارع عندما وجدت القاهرة التى تضج بالازدحام أصبحت مدينة أشباح، بسبب خوف الناس من النزول إلى الشارع وأغلقت المحال أبوابها، ولم تكن هناك إشارة مرور واحدة مغلقة، لذا كنت فى غاية التوجس إلى أن وصلت إلى الميدان وتجاوزت لجان التفتيش التى أعدها الشباب للحفاظ على سلامة الجميع، ودخلت الميدان فوجدت القاهرة الحقيقية ومصر الحلوة هناك، ولم يحدث إطلاقا أى شغب وكانت مظاهرة على أعلى مستوى من التحضر، فارتفعت معنوياتى بعد أن كانت فى الحضيض.

وهناك وجدت نفس الشباب الذين كنت أراهم من قبل فى الجمعات السابقة، شباب برىء ليس لديه أطماع سياسية، مؤمن بأهداف الثورة رغبة فى استكمال هذه الأهداف والمبادىء، وهذا اليوم رد لى ثقتى فى هذا الشباب، فقد ثبت أن المصريين أفضل كثيرا من فكرتهم عن أنفسهم، وأن بداخلنا إمكانيات وطاقات لم نكن نعرفها عن أنفسنا.

■ هل كانت دعاية الترهيب من النزول يوم جمعة الغضب الثانية مقصودة؟

- طبعا بكل تأكيد.. ولا أستطيع أن أضع يدى على الفاعل، لأن الأمر يحتاج إلى بحث، لكن على الأقل الإخوان المسلمون قالوا ما كاد يكون معناه أن النزول إلى المظاهرة نوع من الكفر وتبعهم فى نفس الموقف السلفيون، وتبعهم حزب الوسط ذو المرجعية الاسلامية، وتبعهم الوفد وبعض التيارات الأخرى.

■ لماذا تلاقت المصالح بين أقصى اليمين وأقصى اليسار.. أى لماذا اتخذ الوفد نفس موقف الإخوان المسلمين؟

- لا أعرف.. ولا أود أن أقول بنظرية المؤامرة، وأن كل هؤلاء كانوا ضد الثورة ويقومون بثورة مضادة.. لكن ربما خشيت الأحزاب أن تنقلب المظاهرة إلى عمليات تخريب، مع العلم أن ما قالوه من عدم المشاركة وترويع الناس من النزول هو الذى يؤدى إلى التخريب.

■ ربما لم يكن هناك لا مؤامرة ولا خوف.. ماذا لو أن كل طرف يغازل المجلس الأعلى للقوات المسلحة ويقدم نفسه على أنه التيار الذى يجب الاعتماد عليه، ظنا أنه فى المستقبل سيكون لهم جزء من الكعكة، خاصة أنه تردد أن هذه الجمعة ستكون ضد قرارات المجلس العسكرى؟

- لم يكن هناك ما يشير الى أن المظاهرة كانت ضد المجلس العسكرى، بل العكس كانت هناك مظاهرة عند النصب التذكارى فى مدينة نصر لتأييد المجلس العسكرى وهذه هى الديمقراطية الحقيقية.

■ ربما خافت بعض الأحزاب أن يفسر نزولهم أنه ضد المجلس العسكرى؟

- لو كان الأمر كذلك لكان خطأ كبيراً جدا، يجب أن يكون فهم هذه التيارات والأحزاب مثل فهمى، وفهم كل الناس أن المجلس العسكرى قابل للحوار مع الناس وقابل للنقد عند الضرورة. وأن يعتبر المجلس العسكرى نفسه سلطة حاكمة لكن ليست محتكرة للحقيقة الكاملة، يجب أن يستمع إلى الآراء المختلفة عن رأيه. ولم يحدث فى الميدان قط أن ارتفع صوت ضد المجلس العسكرى ولم تحدث أى وقيعة كما قالوا إنها ستكون جمعة الوقيعة، حتى عندما قال المجلس العسكرى إنه سيبتعد عن الميدان وإنه واثق من تأمين الشباب للميدان تبين أن ثقته فى محلها.

■ البعض قال إن هذا الموقف تخلى به المجلس العسكرى عن مسؤولياته التأمينية لمتظاهرى التحرير «لاختلافهم معه فى الرأى ورفضهم بعض قراراته»؟

- أفضل التفسير الذى قلته عن أى تفسير آخر.. وأضاف ضاحكا «إنتى عايزانا نروح النيابة العسكرية سوا ولا إيه؟!

■ عدم وصول العدد إلى مليون فى جمعة الغضب الثانية، جعل البعض يؤكد على قوة وتأثير الإخوان وتقريبا أشار بعض الإخوان أنفسهم إلى هذا بأن عدم نزولهم إلى الميدان جعله خاويا؟

- أولا لم يكن الميدان خاويا، ولا أريد الدخول فى لعبة الأعداد لأنها لعبة سخيفة، لكن كان هناك عشرات الآلاف يتوافدون على الميدان حتى الساعة السادسة مساء موعد فض المظاهرة، بناء على قرار المنظمين من الشباب والذى التزم به الجميع، وأؤكد أنه وبعد جو الترويع والرعب الذى انتشر على مدى ٤٨ ساعة فى هذا البلد وتحولها إلى مدينة أشباح، لو أن الميدان كان فيه ٥٠٠ فقط كأنهم مليون، ومع ذلك بعض القنوات الفضائية عرضت صوراً للميدان وهو ممتلئ، من ميدان عبدالمنعم رياض إلى مجمع التحرير، ولا أعرف بحسابات الأرقام كم عددهم، المهم أنهم كانوا أعداداً كبيرة وكانوا متحضرين وسلميين.

■ ومن يقف خلف دعوات الترهيب؟

- قبل المظاهرة بيوم انتشرت رسائل على الإنترنت من نوعية «روحوا بكرة علشان تعرفوا حجمكم الحقيقى»، «انتوا من غير الإخوان ماتسووش»، ومن الواضح أن هذه الرسائل من شباب تابع للإخوان وإن لم يكن لدى دليل على ذلك، وهنا أرد عليهم أننى كنت آمل أن يأتى الإخوان إلى الميدان ليعرفوا حجمهم الحقيقى، ويتأكدوا أن الشعب قوة حقيقية بدون الإخوان. فالشخص الواحد فى هذا الميدان يعادل ألفا لأنه نزل متحديا جواً من الترويع لم يحدث فى التاريخ على الإطلاق.. كما أنه يعادل ألفاً من الأغلبية الصامته أو كما يقولون عنهم حزب الكنبة، الذين يجلسون يشاهدون الأحداث دون أن يكون لهم دور فعال، ويكتفون بترديد الشائعات والنميمة.

■ الأغلبية الصامتة كان لها مبررها قبل الثورة فبماذا تبررها بعد الثورة؟

- أثبت التاريخ فى كل دول العالم أن من يصنع التاريخ هم الأقلية الفاعلة وليس الأغلبية الصامتة والتى أدينها فى كل كتاباتى.

■ قلت إنك كنت تتمنى أن يأتى الإخوان إلى الميدان ليعرفوا حجمهم الحقيقى فهل تقلل من قوتهم وتأثيرهم؟

- لا على الإطلاق.. الإخوان قوة ولهم كل الاحترام لكن يجب ألا يعتبروا أنفسهم القوة الوحيدة، ويجب ألا يخونوا غيرهم، ويقللوا من شأنهم، ويكفروا كل من يخالفهم، فمثلا أنا فكريا ضد الإخوان ومع ذلك كنت أوقع على بيانات الرفض لمحاكماتهم أمام محاكم عسكرية، وليس معنى أننى فكريا ضدهم أن أكون على المستوى الإنسانى ضدهم، وعليهم التعامل بنفس المنطق مع الجميع، يجب ألا يخوننا الآخر ويجب ألا يكفروا الآخر، فهم مثلا يروجون أن العلمانيين كفرة، وأنا مسلم وآمل أن أكون مسلماً جيداً إن شاء الله ومع ذلك علمانى، فالعلمانية ليست كفرا كما يصورون.. العلمانية لا تناقض التدين فى شىء، أنا مسلم علمانى بمعنى أننى أرى أن الدين له احترامه ومجاله، والحياة المدنية لها مجالها ولا يجب الخلط بين الدين وتسيير شؤون الحياة العملية، وهذا يتفق مع الإسلام الذى ألغى أى سلطة كهنوتية لأى جهة، واعتبر العلاقة بين الفرد وربه علاقه مباشرة دون أى وسطاء.

■ الحوار الوطنى والوفاق الوطنى .. ما رأيك فى هذه اللقاءات؟

- أنا لا أعرف الفرق بين الاثنين، ولا أعرف ما هى مهام هذا ولا أهداف ذلك حتى أجيبك، لكن الحوارات الوطنية لا تقام من قبل السلطة الحاكمة إنما تقام من خلال إرادة شعبية، إذا كانت هناك تيارات وأحزاب تريد أن تتوافق برضاها على خطوات وطنية فليجلسوا ويفعلوا ذلك لكن لا يأتى الأمر من أعلى كما كان يحدث فى عهد «مبارك».

■ وكيف للمجلس العسكرى أن يتواصل إذن مع النخبة.. هو يريد موقفاً موحداً يتم التوافق عليه ليتبناه سواء فى القانون أو الاقتصاد وغيرهما لذا يجد فى توصيات مؤتمرات الحوار حلا للخلاف وللتواصل؟

- إذا كان المجلس العسكرى يريد التواصل معنا أقول لهم كيف، أبسط شىء ألا يكون الاتصال بالناس عن طريق الفيس بوك. أنا واحد من الناس لا أعرف كيف أستخدم الفيس بوك ولا التويتر، عليهم إقامة مؤتمرات صحفية دورية على الأقل كل أسبوع ويكون هناك ممثلون للصحافة ويسألون بكل صراحة، على أن يجيب ممثلو «المجلس» بصراحة. هذه هى طريقة التواصل التى يجب أن تكون.. ولقد اتفق النخب والقانونيون العظام وفقهاء القانون الدستورى على أهمية وضع الدستور أولا قبل الانتخابات البرلمانية.. ماذا كان رد فعل المجلس العسكرى؟!..الكل يعرف.

■ القائمون على الحكم يقولون بكثرة ائتلافات الثورة فمع من نتحدث؟

- لقد وصلوا للنتائج التى يريدون الوصول إليها.. وهذا ما يردده من هم ضد الثورة.

■ لكن النخب مختلفة فيما بينها، الأحزاب ليست على موقف واحد؟

- هذا ليس وضعاً جديداً على مصر لطالما كانت مصر هكذا بل وكل دول العالم، فجميع الدول لديها أحزاب مختلفة وتيارات متجاذبة وأخرى متنافرة، الدول الديمقراطية تتيح فرصة لكل التيارات للحوار، وليس الحوار على شاكلة وضع الناس فى «أوضة يقولوا عليها أوضة الحوار» أنا أقصد مجتمعاً يتحاور، أن تجتمع تيارات سياسية مختلفة ومتباينة، وأن يكون هذا الحوار مجتمعيا على صفحات الصحف وعلى شاشات التليفزيون، وفى النقابات، هذا هو الحوار المجتمعى الذى أفهمه.

■ فى حوار أجريته مع الدكتور جلال أمين مؤخرا قال لى نفهم الديمقراطية بشكل ساذج وليس كل شىء يحتاج إلى حوار وشورى وإنما نحتاج إلى الحسم بدلا من إضاعة الوقت فى الحوار فهل تتفق أم تختلف معه؟

- أتفق مع الأستاذ جلال فى كل ما قاله ألفاً فى المائة، هناك فعلا أمور تحتاج إلى قرارات حاسمة، فمثلا هل يعقل أن يقطع بعض الناس السكة الحديد فى أكثر من محافظة لعدة أيام ويعطلوا السير ومصالح الناس دون أن يواجه هذا الأمر بالحسم لإثبات هيبة الدولة والاكتفاء ببعض المشايخ للحوار مع الأهالى، هناك أمور لا تحتمل الحوار إنما تحتاج إلى تطبيق القانون.

■ هل دعيت إلى أى من مؤتمرات الحوار هذه؟

- لا.. الحمد لله.

■ لماذا؟ هل مازال يتم التعامل معك «كمعارض عتيد» كما كان الوضع قبل الثورة؟

- أظن أن الموضوع هذه المرة مختلف، المسألة لا علاقة لها بكونى معارضاً بقدر كونى أديباً أو مبدعاً فهم لا يعتبرون المبدعين أناساً مهمين وليس لآرائهم قيمة والدليل هل سمعت أنهم وجهوا الدعوة إلى إبراهيم أصلان أو صنع الله ابراهيم أو أى من الروائيين والمبدعين لمثل هذه الحوارات؟!.. هم يتعاملون معنا على طريقة مبارك «خليهم يتسلوا بعيد عننا»، وأرجو ألا يكون السبب هو كونى معارضاً.

■ لكن الإعلامى حسين عبدالغنى قال لى فى حوار معه إن أحد أعضاء المجلس العسكرى اعترض على ترشيحه لرئاسة قناة الأخبار ونقل له أنه قال إن «حسين» من ثوار التحرير؟

الله.. بدلا من أن يكون الأمر نقطة فى صالحه تحسب ضده.. أنا فعلا مندهش، عموما حتى ولو لم تتم دعوتى إلى هذه الحوارات لكونى معارضاً فأنا لا أعبأ بمثل هذه الأمور، فالعقاب الشديد لى هو أن أمنع من الكتابة، ما عدا ذلك لا ألقى بالا لشىء، فأنا منعت من الكتابة ما بين ٧٥ و٨٣، وكنت كلما رشحت لمنصب يسألون أمن الدولة عنى فيقولون لهم «دا بتاع حركة كفاية» فيبقى كفاية- قالها ضاحكا - لذا آمل بعد الثورة أن يكون عدم دعوتى لأى حوار هو استمرار لمنطق عدم الاعتراف بالمبدعين وليس شيئاً آخر. عموما المثقفون والمبدعون هم ضمير الأمة وطالما لا نستمع لهم فنحن لا نستمع إلى صوت الضمير، وخوف النظام منهم طيلة عشرات السنوات دليل على فاعليتهم وأن رسائلهم كانت تصل إلى الناس.

--------------------------------------------
الروائى بهاء طاهر يستكمل حواره مع «المصري اليوم» (٢-٢)
المشترك الوحيد بين المجلس العسكرى ومبارك: أنك تقول ما تريد وهم يفعلون ما يريدون
-------------------------------------------------------------------------------
أجرت الحوار رانيـا بـدوى ١٤/ ٦/ ٢٠١١
-------------------------------------------
عندما تجلس أمام الروائى المبدع بهاء طاهر تتفتح أمامك رؤى مختلفة للأمور وزوايا جديدة للتحليل فهو بسيط وواضح ولا تخلو تحليلاته من خفة الظل.. فى الجزء الثانى من الحوار معه يؤكد أن الثورة المضادة موجودة وليست «هزار ولا لعب»، والنظام السابق مزدهر جدا والقوى المحركة للثورة المضادة موجودة فى كل محافظات مصر.

وأضاف أنها ليست مثلثاً تتلاقى فيه المصالح بين إسرائيل وطرة وشرم الشيخ إنما هى مستطيل حيث وضعت النفوذ الخليجى بين قوسين.. وأكد طاهر أن الفتنة الطائفية لن تختفى إلا إذا اختفت العوامل المحرضة لها مثل التطرف من قبل المسلمين والمسيحيين على حد سواء والأيادى الصهيونية والنفوذ الخليجى ونفوذ أقباط المهجر، مشيراً إلى أن الشىء المشترك بين عصر مبارك والمجلس العسكرى فى إدارة البلاد هو أنهم يدعونك تقول ما تريد ويفعلون هم ما يريدون.. والى نص الحوار:

■ أستاذ بهاء المثقفون متهمون بالغياب عن المشهد السياسى مما أدى لتصدر التيار الدينى وتوجيهه للرأى العام؟

- أى غياب.. كل ميدان التحرير كان من المثقفين منذ بداية الثورة وحتى الآن بل من قبل، أنا واحد من الناس كنت موجوداً فى الوقفة الاحتجاجية بعد أحداث كنيسة القديسين وتحرش بى الضباط وأطفأ أحدهم الشمعة التى كانت فى يدى، وفى اليوم الذى سبق موقعة الجمل دخلت بعض العناصر إلى الميدان وأرادوا التعرض لى لولا الدكتور هانى عنانى الذى حال دون وقوع ذلك، وكنا دائما فى الشارع، نحن موجودون فى المشهد ولكن السؤال الآن: من المهم لإدارة البلد المثقفون أم السلفيون؟ والإجابة أنه على ما يبدو أن المسؤولين لا يريدون المثقفين، فالسلطة تغلب التيار الدينى.

■ لماذا؟

- لأنها تستشعر أن الشعب يريد ذلك.

■ ولماذا يميل الشعب إلى التيارات الدينية أكثر من المثقفين ورواد التنوير؟

- لا تستهينى بما حدث طوال السنوات الماضية فعلى امتداد ٤٠ سنة والنظام يملأ التليفزيون بالوعاظ يتحدثون ويخطبون فى الناس فى حين يتم تغييب المثقفين ومنعهم من الظهور وهذه كانت سياسة الرئيس السادات واستمرت فى عهد مبارك، هل معقول بعد هذه السنوات أن يكون للمثقفين السطوة فى توجيه الرأى العام كما كان الوضع من قبل.

وعلى ما يبدو أنه قد أريد للثورة أن تقف عند حد لا تتعداه، فتم إقصاء الشباب الذين نظموها وقادوها، واحتضن الإعلام الرسمى وجهات نافذة لا أعرفها، «جماعة الإخوان المسلمين» وتيارات دينية أخرى تصدرت المشهد الإعلامى والسياسى، بل الأصح أن أقول إنها احتكرت هذا المشهد دون سواها، وواصلت هذه الجماعات تنفيذ مخطط كان جاريا منذ سنوات طويلة لهدم مقومات الدولة المدنية حتى تخلو لهم الساحة.

■ إذن الدولة المدنية مهددة فى مصر؟

- بناء القيم الإيجابية يستغرق وقتا أطول بكثير من هدمها، وقد هدمت معاول كثيرة بنيان الدولة المدنية خلال العقود الماضية، لهذا يستطيع الإخوان المسلمون وأنصار التيارات الدينية الأخرى القول بأنهم يؤيدون الدولة المدنية وهم يعلمون أن هذه الدولة لم يعد لها وجود وأن الساحة قد خلت لهم أو فلنقل إنهم يتصورون ذلك!
فأنا مازلت وسأظل أعلق آمالا كبيرة على شباب ثورة ٢٥ يناير وأنصارهم فى المجتمع المصرى، لقد استطاعوا أن يقلبوا موازين معادلة أصعب من تلك حين أسقطوا حكم مبارك، وندائى لهم فى كل مرة هو أن يوحدوا صفوفهم وأن يعملوا من جديد مع الشعب الذى ضحوا من أجله بدمائهم الطاهرة، هذه المرة يجب أن نجتمع كلنا للدفاع عن الدولة المدنية التى تكفل لنا الوحدة والحرية.

■ وهل يمكن استعادة مكانة المثقفين فى التأثير فى الرأى العام بعد تغير الأوضاع بعد الثورة؟

- ممكن جدا استعادة المكانة ولكن هذه الأمور الفكرية تحتاج إلى تراكم لسنوات طويلة لنصحح تراث الأربعين عاما الماضية بشرط عدم وجود معوقات وأناس تحارب المثقفين وتعترض رسالتهم، فنحن نقول ونكتب وننبه ولا أحد يأخذ بآرائنا، فالشىء الوحيد المشترك بين المجلس العسكرى وعصر مبارك هو أنك تقول ما تريد وهم يفعلون ما يريدون.

■ كتبت كتابا مهما منذ عشرين عاما بعنوان «أبناء رفاعة: الثقافة والحرية» تحدثت فيه عن تطور الفكر المصرى بما فيه استبدال المثقفين بالوعاظ.. فمن الذى ساند أفكار الكتاب؟

- لا أحد، لأن أفكار الكتاب كانت ضد أفكار الوعاظ، وقد خرج الكتاب للنور وحصل على الجائزة ولكن تم التعتيم عليه.

يا ابنتى كما يقولون فى الأمثال «يد واحدة لا تصفق»، و«زهرة واحدة لا تصنع الربيع». يجب أن تكون هناك مجموعة من رواد التنوير كما كان الوضع من قبل، حيث صنع رواد التنوير النهضة الثقافية والتنويرية من القرن الـ١٩ حتى الآن، ورواد التنوير موجودون، ولكنهم متفرقون ويحارَبون بلا انقطاع. بالطبع لدىّ أمل فى أن الثورة تغير جميع الأوضاع بما فيها وضع الثقافة والمثقفين، ولكن لست ساذجا، وأعلم أن استعادة المكانة تحتاج إلى وقت طويل وتراكم، المهم أن نبدأ من الآن.

■ إلى أى مدى تعتقد فى تأثير الثورة المضادة أم أن هناك تهويلاً لحجمها؟

- النظام السابق مزدهر جدا الآن وهو عصب الثورة المضادة التى تحدث، ومن هم فى طرة مجرد قيادات، لكن القوى المحركة موجودة فى كل المحافظات، أتباع من هم فى طرة وربما آخرون يحمون مصالحهم. الثورة المضادة شىء حقيقى وليست «لعب ولا هزار»، وهناك من يتعمد إفساد كل شىء.

■ وهل تؤمن بالمثلث الافتراضى فى الثورة المضادة «إسرائيل.. شرم الشيخ.. طرة»؟

- ربما يكون مستطيلا وليس مثلثا، فكل الأطراف التى قلت بها صحيحة، ولكن هذا فضلا عن تدخل أطراف عربية خليجية كارهة لنموذج التسامح الدينى المصرى، ولها فى الشارع رجالها إلى جانب الأيادى المتآمرة فى الخارج، وعلى رأسها إسرائيل، فرئيس المخابرات السابق لإسرائيل أعلن من قبل أنهم سعداء بالنجاح فى زرع الفتن الطائفية فى مصر، إضافة إلى الدعاية المضادة كالرسائل التى تتردد على المقاهى وفى الميكروباصات حتى يرددها ويكررها الناس ويؤمنوا بها على شاكلة «مبارك كبير فى السن ومريض» لاستعطاف الناس، أو «الولاد دول» فى إشارة إلى شباب التحرير للتقليل منهم، «المظاهرات تعطل الإنتاج»، مع أن وزير الصناعة قال إن الإنتاج الصناعى زاد ولم يقل إن الإنتاج تعطل فى مظاهرة تقام يوم إجازة.. هذه دعاية مضادة.

■ ولكن البعض يؤكد ضعف الإنتاج فعلا ولا يعتبره دعاية مضادة والمقصود الاعتصامات والإضرابات وليس مظاهرات الجمعة فقط؟

- أنا أستشهد برأى الأستاذ لويس جريس الذى أقدره والذى قال إن على الإعلام تحرى المعلومات التى تنشر، وتساءل: هل أى من الصحفيين ذهب مثلا إلى المصانع فى العاشر من رمضان ليعرف إذا كانت تعمل أم متوقفة؟! أنا ذهبت ورأيت أن كل الأمور على ما يرام وأن حركة الإنتاج لم تتوقف- فى إشارة إلى الأستاذ لويس- إذن هناك شهادات أخرى غير شهادات وزير الصناعة تؤكد أن الوضع ليس كما يصورونه لنا وأن الإنتاج لم يتوقف بسبب المظاهرات ولا الوقفات الاحتجاجات.

■ ولكن وزير المالية قال إن عجز الموازنة وصل إلى ١٧٠ ملياراً والتضخم ارتفع.. أليس هذا إشارة إلى تدهور الوضع الاقتصادى؟

- لا شك أن هناك قطاعات تأثرت بالثورة وهذا طبيعى فى أعقاب أى ثورة ضخمة مثل التى حدثت فى مصر، طبيعى أن نجد تضخماً وتأثراً لبعض القطاعات، ولكن ما أقصده أن المليونيات لا علاقة لها بالوضع، ولو حدث بعض التضرر فهنا تأتى مسؤولية وزيرى المالية والصناعة. والسادة الخبراء المتخصصون فى الاقتصاد عليهم إيجاد حلول للتقليل من الآثار الاقتصادية قدر الإمكان، والحد من هذه المصاعب لا أن يصدروها لنا مرة أخرى. ما هى مهمتهم إذن لو أنهم سيخرجون علينا من حين إلى آخر لإعلان تدهور الاقتصاد، عليهم محاولة تلافى آثار ذلك وتخفيض الآثار إلى أقصى مدى.. ثم إن جزءاً من أزمة الإنتاج يعود فى الواقع إلى تدهور الحالة الأمنية والتى ظلت لأشهر طويلة لا يجد لها أحد مبررا، وعليهم إصلاح الأمن أولاً. وقتها سينصلح الإنتاج والاقتصاد فى قطاعات مثل السياحة والاستثمار وغيرهما.

■ وزير الداخلية قال فى حوار للإعلامية منى الشاذلى عن شهداء الثورة! هناك أناس توفوا فى التحرير ومجموعة أخرى أمام الأقسام أثناء اقتحامها لسرقة السلاح وإخراج المساجين فى هذه الفترة ولم تحرر أى محاضر عن هذه الأحداث وبالتالى لم تعرض على النيابة العامة أى محاضر موثقة للأحداث، واختلطت الجثث بحيث لا يمكن التفرقة بين النوعين من المتوفين.. هذه الرواية- كما قال أحد القانونيين الكبار- تعطى فرصة كبيرة للضباط المتهمين بقتل المتظاهرين بالبراءة مستندين على أقوال وزير الداخلية؟

- فى جميع الأحوال مهمة الشرطة هى أن تبحث عن المجرم وتحاول أن توسع نطاق البحث والتحقيق للوصول إلى الأيادى المجرمة، أنا غير موافق على الإطلاق على هذا التفسير، كيف أن هناك عشرات تم إطلاق النار على أعينهم مباشرة حيث أصيب بعضهم بالعمى وآخرون فقدوا عيناً واحدة وبعضهم توفى نتيجة ضرب رصاص بالليزر محدد وموجه، ولا أظن أن البلطجية يملكون مثل هذا السلاح، هذه جهة لديها هذا النوع من السلاح الذى يؤدى إلى مثل هذه الإصابات ومن السهل جدا على أجهزة التحقيق أن تعرف من الذى يملك مثل هذه الأسلحة وتجرى التحقيق وتوجه له الاتهام لكن من غير المعقول أن يتفرق دم الشهداء بين القبائل، أنا مختلف تماما مع وزير الداخلية فيما قاله وأطلب منه أن يوجه كل أجهزة التحقيق فى البحث عن المجرمين الذين قاموا بهذه الأفعال وهذه مهمته وليست شيئا يمكن أن يتنصل منه، وهذه الأمور لها الأولوية المطلقة فى تحقيق سريع وعادل ولو تطلب الأمر الاستعانة بأجهزة متخصصة.

■ وماذا لو كان غرض وزير الداخلية فض الاشتباك بين الشرطة والشعب؟

- الاشتباك لن ينفض الا بمعاقبة الجناة والمجرمين، والضباط الذين لم يخطئوا نضعهم على رؤوسنا من فوق ونساعدهم.. والتحقيق هو الذى سيظهر من الضابط الذى أطلق النار على الشباب فى الميدان ومن الذى أطلق البلطجية، لا أحد ينادى بمعاقبة ضابط دافع عن مكانه وحمى سلاحه، هم يعرفون من نريد أن نحاسب.

■ ننتقل إلى ملف الفتنة الطائفية.. قلت من قبل إن العلاقة بين المسلمين والمسيحيين قضية عمرك.. فبادرنى الأستاذ بهاء طاهر بالقول نعم.. فسألته: الفتنة الطائفية فى مصر مرض أم عرض؟

- هذا سؤال مهم، أنا شخصيا باعتبارى ابن ثورة ١٩ بمعنى أننى ابن فكرة الوحدة الوطنية أعتقد أن الفتنة الطائفية عرض، لكنه عرض متشبث ويجب بذل مزيد من الجهد لإزالته.

■ ما أدلتك؟

- أنه مثلا، ورغم حالة الانفلات الأمنى الشديد وقت الثورة، لم تسجل حالة اعتداء واحدة لا على كنيسة ولا جامع، لأن هذه هى مصر الحقيقية، وإذا كان سؤالك القادم: لماذا ظهرت بعد الثورة؟ سأجيبك لأنه ظهرت عوامل أخرى تسعى لذلك، منها الأيادى الصهيونية بالإضافة للنفوذ الخليجى، بالإضافة إلى نفوذ أقباط المهجر.. كل هذه عوامل مهمة جدا.

■ اختصرت أزمات المسيحيين مؤخرا فى «قانون دور العبادة الموحد» فهل بصدور هذا القانون ستختفى الفتنة الطائفية؟

- كان لابد أن يصدر هذا القانون من زمان، ومع ذلك أنا لا أرى أن هذه هى المشكلة، الفتنة الطائفية ستختفى إذا اختفت مسبباتها، ومنها الأصابع الصهيونية، التطرف والتعصب الدينى لدى الطرفين مسلمين ومسيحيين، عندما تتحقق العدالة فى المجتمع وقتها ستعود روح الأخوة الفعلية وستهدأ الأمور ولن يكون قانون بناء دور العبادة الموحد مشكلة ولاغيره من القوانين.

■ هل لديك تفسير لحالة الارتباك السياسى التى نعيشها الآن، وهل لها ما يبررها؟

- الارتباك طبيعى بعد أى ثورة، لكنه زاد فى الحالة المصرية، لأننا لم نستلهم روح الثورة ولم نجعل الثورة تعمل، فقد تم استبعاد شباب الثورة من المشهد.

■ ولكن رئيس الوزراء خصص لهم غرفة بالقرب من مكتبه لاستشارتهم فى القرارات المختلفة؟

- أجاب ساخرا.. «آه حطهم فى أوضة الفيران».

■ الشباب غير جاهز وغير مسيس ومنع من ممارسة السياسة فى الجامعة لسنوات طويلة فمن الطبيعى ألا يكون بديلاً جاهزاً لإدارة البلد!

- وكيف كان لديه قدرة على أعظم عمل فى التاريخ الحديث وهو الثورة؟

■ الأمر مختلف.

- إذن كان لابد أن يعطى الشباب الفرصة ويمنحوا الوقت لممارسة العمل السياسى، ليتحولوا من هواة إلى محترفين لكن ما حدث أنهم أبعدوهم تماما عن المشهد وعن الساحة بدلا من تتم إتاحة الفرصة لهم لكى يتطوروا، عزلناهم حتى يختفوا، كان مطلوباً أن تتاح لهم فرصة تكوين أحزاب بدون تقييد لهم بشروط قاسية ،ويمنحوا الفرصة للتعبير عن آرائهم وأفكارهم.

■ ما تقييمك لشباب الإخوان؟

سبق أن وجهت لهم التحية هم وألتراس الكورة، حيث علمت أنهم من كانوا يحمون الشباب فى ميدان التحرير من البلطجية وأصحاب موقعة الجمل، لكن أن ينشأ خلاف بينهم وبين قياداتهم فهو أمر يخصهم ويحسمون موقفهم داخليا.

■ هل تشعر أنهم أكثر انفتاحاً؟

- دون أن يكون لدى أى أدلة أعتقد أن التحام هؤلاء الشباب مع بقية الشباب فى ميدان التحرير والتحامهم مع تيارات شبابية أخرى لها أفكار مختلفة مثل شباب ٦ أبريل وشباب الأحزاب المختلفة، وأظن أنه بالتحام شباب الإخوان بزملائهم من الشباب فى التيارات المختلفة أصبح تفكيرهم أكثر انفتاحاً من قياداتهم التنظيمية، وكان من الممكن أن تكون القيادات التنظيمية من الذكاء بحيث تستفيد من تقارب شباب الإخوان من نظرائهم بدلا من أن تحاربهم وتعزلهم وتفرض عليهم عقوبات، وبحكم الواقع والظروف هذا ما سيحدث، إن هؤلاء الشباب سيفرضون وجهة نظرهم على الأجيال الأقدم فى التنظيم.

■ هل لديك ملاحظات على محاكمة النظام السابق؟

- طبعاً أريدها محاكمات مدنية عادلة ولا خلاف فى هذا، ولكن على الجانب الآخر توجد محاكمات عبثية، فمثلا ما قصة المحاكمات على اللوحات المعدنية هذه؟ هل يصح أن نترك الأمور المهمة ونمسك فى الأقل، طبعاً يجب أن يعاقب الإنسان على أى خطأ ولكن لا يجب أن أترك المحاكمات الخاصة بضرب النار على المتظاهرين وأترك دم الشهداء، قضايا القتل أولاً ثم اللوحات المعدنية.

■ وماذا عن المحاكمات السياسية والمعنوية بالرغبة فى إقصاء جميع رموز النظام السابق والذى يصفه البعض بالمنطق «المكارثى» الذى لا يليق بمصر فى حين المعارضون لهذا المنطق يؤكدون أن البلد لن ينصلح حاله إلا بتطهيره من كل من تعامل مع النظام السابق؟

- الإقصاء ينطبق فقط من وجهة نظرى على الرموز الكبيرة التى كان لها يد فى صنع السياسات ولا يجب أن يعمم الأمر، خاصة إذا كان شخصا اضطر إلى مسايرة الوضع العام لإنهاء مصالحه، وإلا سيتم إقصاء نسبة كبيرة جدا من الشعب المصرى.

■ روايتك «حب فى المنفى» تركز على الأيادى الصهيونية والعلاقة بين الأنا العربية والآخر الغربى فهل المؤامرة الصهيونية حاضرة فى الثورات العربية وإعادة تشكيل المنطقة العربية.. وهل ما يحدث يندرج تحت ما يسمى «الفوضى الخلاقة» تعبير كونداليزا رايس الشهير؟

- الحمد لله أن المؤامرة الصهيونية واضحة وحاضرة عندى دائما ولم أتجاوزها وأعيها جيدا، ولكن القول بأن ما يحدث فى العالم العربى الآن مخطط ومدبر تحت مسمى الفوضى الخلاقة فهذا كلام فارغ. الثورات العربية هى نتاج إرادات شعوب يا ابنتى نحن على مدى عشر سنوات نخرج فى مظاهرات ضد النظام مكونة من ١٠٠ فرد أو ٢٠٠ ثم ألف واثنين، معنى ذلك أن البلد كان يتململ دائما حتى جاءت الفرصة، وليس الفضل فى نجاح ثورة يناير هو تدخل أمريكا وإنما الفرصة جاءت بفضل «ذكاء حبيب العدلى» فلولا ذكاؤه ما كان حدث شىء وكانت المظاهرة ستكون مثل مظاهرات كفاية وحسب.

أوباما فى أول يوم للثورة قال النظام فى مصر راسخ، وعندما وجد الأمر خرج عن الحدود انقلب الوضع وبدأ يتحدث عن دعم الثورة المصرية، ومن ناحية أخرى هل قولهم هذا أثر على مجازر ليبيا أو اليمن.

■ وهل تعتقد أن أمريكا وإسرائيل ستتركان المنطقة العربية تتشكل على غير هواهما ورغبتهما؟

- أنت مخطئة لأنك تعطى إسرائيل حجماً أكبر من حجمها.

■ فى إطار إيمانك بالوحدة الوطنية ما تقييمك لرواية «عزازيل» للكاتب يوسف زيدان؟

- لا تعليق.

■ هل يجب أن يتحرر الكاتب من كل القيود وهو يكتب أم يجب أن يضع فى رأسه المسؤولية الاجتماعية؟

- بالطبع يجب أن يضع فى اعتباره المسؤولية الاجتماعية، فمثلا لو خطرت ببالى فكرة سأكتب بها رواية تأخذ جائزة نوبل وشعرت أن هذه الرواية ممكن أن تسىء إلى بلدى أو وحدة بلدى فلن أكتبها.


--------------------------
نشرت في المصري اليوم بتاريخ 13 و14 يونيو 2011

http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=300298

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المتابعون