د. جلال أمين

المفكر الكبير يتحدث إلى «المصري اليوم» عن الفوضى والفتنة والمحاكمات السياسية «١-٢»: المحاكمات الحالية تخضع لـ«مواءمات سياسية».. ولا يجب تملق الجماهير على حساب العدل
-------------------------------------------------------
أجرت الحوار رانيا بدوى ٢٨/ ٥/ ٢٠١١
-----------------------------------------------------

الجلوس أمام قامة كبيرة فى ثقل الدكتور جلال أمين، ليس أمراً سهلاً، والحوار مع مفكر مثله يحتاج الكثير من التركيز والتأمل ليس فقط فى طرح الأسئلة، وإنما أيضاً فى قراءة ما بين الأسطر فى إجابات الرجل، الذى يأتى حديثه دائماً حلواً وبسيطاً رغم ما يحمله من عمق.

ذهبت إليه فى منزله بالمعادى وفى رأسى عشرات الأسئلة الصعبة التى تطرح فى الشارع المصرى، ينقل بعضها على صفحات الصحف وفى برامج «التوك شو»، وتبقى الأخرى حبيسة الهمس على المقاهى، كأن الثورة لم تقم بعد.

فى هذا الحوار طرحنا كل الأسئلة بلا مواربة، وأجاب الدكتور أمين عنها جميعاً- بعضها بشكل واضح وبعضها الآخر تكمن الإجابات عنه بين السطور.

وفى حواره مع «المصرى اليوم» أكد «أمين» أن التيار الدينى لم يتصاعد بعد الثورة فطالما كان يتصاعد طوال السنوات الماضية، والفرق الوحيد هو غياب الأمن الذى كان يتصدى لهم، حسب قوله، وأضاف أنه ليس مستريحاً للاستعانة برموز سلفية فى حل الأزمات الطائفية لأن ذلك إجراء يؤكد ضعف الدولة.

وأضاف أن سيطرة التيارات الدينية على البرلمان الجديد سيناريو وارد، وأن الفوضى التى تحدث حالياً «زادت وغطت»، وأن الوقت الحالى للحسم والتعامل بحزم وليس من خلال الحوار، وتابع أن الديمقراطية التى تزيد على الحد خطأ، وأن المواءمات السياسية تتحكم فى المحاكمات الحالية لرموز النظام السابق، واستنكر تملق السلطة الحالية الجماهير على حساب العدل، نظراً لوجود ميل للانتقام لدى الشعب.. وإلى نص الحوار:

■ «الفتنة الطائفية».. هل هى فكر متأصل فى الشارع المصرى أم مجرد عَرَض من تدبير فلول النظام السابق.. كيف تقرأ المشهد الذى تكرر مؤخراً؟

- تكرار أحداث الفتنة الطائفية مؤخراً، من أسوأ ما حدث فى مصر منذ سنوات طويلة، وتسبب فى قلق شديد لدى معظم المصريين، وإن كان هناك احتمال لوقوف عناصر خارجية خلف ما يحدث، وهو أمر وارد جداً لا أستبعده، لكن الاحتمال الأكبر، من وجهة نظرى، هو وقوف العناصر التى أضيرت من الثورة، خلف هذه الأحداث المؤسفة، فهذه العناصر تخاف من المحاكمات والاعتقالات، لذا تسرع بنشر الفوضى ليس بغرض إعادة النظام القديم، وإنما لوقف مسيرة الثورة، بشغل النظام والسلطة وتعطيل الخطوات القادمة، لأنه من غير المنطقى أن يجلس هؤلاء سواء داخل أو خارج السجن، ينتظرون الأحكام دون أن يفعلوا شيئاً، خاصة أن لهم أتباعاً معتادين على خدمتهم ويتقاضون مقابل هذه الخدمات.

■ إذن هل تعفى التيار الدينى من تدبير هذه الأزمات الطائفية؟

- لا شك أنه توجد تربة خصبة فى مصر، أدت لتزايد هذه الأحداث، وما شهدناه من ردود أفعال فظيعة، فقد مهدت السياسة الاقتصادية والتعليمية والإعلامية لظهور هذا التشنج الدينى الأقرب إلى الجنون، فالسياسة الاقتصادية همشت أناساً كثيرين، وخلقت لديهم ضغينة ضد المجتمع، وعندما يكون لدى الشخص ضغينة ضد مجتمعه، يكون أول فريسة لإخراج هذه الضغينة هم الأقليات، رغم أن المسؤول عن الغضب ليس الأقليات، ومن أذاهم فى الواقع هو النظام، ومن ناحية أخرى يرون ازدواجية فى الحياة، حيث أناس حولهم يعيشون نمطاً مترفاً ومدهشاً من الحياة فى حين أن أوضاعهم سيئة ومتفاقمة، ما يزيد الضغينة بداخلهم.

أما السياسة التعليمية فقد رسخت للفتنة الطائفية بداية من المدرسين الذين يقومون بتقليب الطرفين على بعض، ويسبون أصحاب الدين الآخر والدولة تتركهم دون عقاب وكأنها راضية عن سلوكهم، مروراً بالمناهج التى تبث روح التشدد، والإعلام الذى يبث منذ أكثر من ثلاثين عاماً تفسيرات لا عقلانية للدين، ويهيّج الناس ضد الأقليات، كل هذه أسباب جعلت التربة خصبة لنمو الفتنة الطائفية، خاصة أن الجو العام أصبحت به حرية لم تكن موجودة من قبل، ناهيك عن غياب الأمن والانفلات الواضح للعيان فى الشارع المصرى.

■ لكن المشهد الحالى يتصدره السلفيون بدءا من أحداث كنيسة صول مروراً بالمظاهرات المطالبة بتسليم كاميليا ووفاء، وصولاً إلى أحداث كنيستى مارى مينا والعذراء؟

- أود أن يعرّف لى أحد مبدئياً من هم السلفيون؟!.. فمن يؤمنون بالفكر السلفى متعددون وليسوا اتجاهاً واحداً، وليس بالضرورة كل من هو بلحية وجلباب من السلفيين، لكن إذا كان قصدك أن من يقومون بهذه الأفعال يتحدثون باسم الدين، فنعم هذا يحدث من قبل البعض، ولكن جزءاً آخر يقدم على هذه التصرفات لأنهم من المهمشين والمتعطلين.

■ هل تتفق مع من يؤكدون تصاعد التيار الدينى بعد ثورة يناير؟

- أنا لا أوافق على هذا التعبير، لأن المد الدينى يتصاعد منذ ٤٠ سنة، ولم يتصاعد فجأة بعد ثورة يناير، لكن ما يحدث حالياً هو أعمال عنف باسم الدين، كان الأمن يتصدى لها بفاعلية قبل ٢٥ يناير، ولم يصبح كذلك، لكن هذه التيارات موجودة وتتصاعد منذ زمن طويل بأفكارها المتشددة، غير أن تكرار العنف وعلى فترات متقاربة هو الأمر المستجد.

■ هل إخراج رموز هذه التيارات من السجون بعد سقوط النظام السابق له علاقة بظهور هذا العنف؟

- لم يثبت أن من خرجوا من السجون، هم الذين قاموا بهذه الأفعال ولا وقفوا خلفها، لذا لا أستطيع اتهامهم بشىء لست متأكداً منه، لكننى على الجانب الآخر، متأكد من أن إخراجهم من السجن شجع الطائفة المتطرفة والمتشددة من الناس على أن تخرج إلى الشوارع وترتكب ما ارتكبته، أما عن موقف الرموز التى خرجت من السجون مما يقع من أحداث، فأود أن أسألهم وأعرف موقفهم، وأظن أن ما قرأته على لسانهم أنهم ينفون تورطهم.

■ ما رأيك فى الاستعانة ببعض الرموز السلفية مؤخراً لحل الأزمات الطائفية، ولماذا لم تتم الاستعانة بشيخ الأزهر أو حتى أحد معاونيه؟

- التفسير الواضح أن الدولة شعرت بأن الناس تتعاطف مع هذه التيارات أكثر مما تستمع إلى كلام شيخ الأزهر على أساس أن شيخ الأزهر ربما يعبترونه رجل الدولة فى نهاية الأمر، وهم لديهم غضب من الدولة.

لكن فى النهاية أنا لست مرتاحاً للاستعانة ببعض رموز السلفيين لحل أزمة الفتنة الطائفية، فالدولة التى تقدم على مثل هذه التصرفات ضعيفة، لأن هذا الإجراء محاولة للتحدث مع المتطرفين بلغتهم، ولغتهم فى الأصل متطرفة، لذا أرى أن الحل يكمن فى أحد أمرين. إما أن يتم التعامل مع المتطرفين من الجانبين من خلال شخص مثل شيخ الأزهر، أى أحد المعبرين عن الفكر الدينى السليم، أو يتم اعتقالهم لاختراقهم القانون، ولابد من معاملتهم بحسم.

■ كلامك يعنى أن التيارات الدينية المتشددة ربما تكون مسموعة فى الشارع المصرى أكثر من مؤسسة الأزهر؟

- نعم بالتأكيد.

■ هل هم من القوة بحيث يصلون إلى الأغلبية فى البرلمان الجديد؟

- ممكن طبعاً.

■ ماذا لو سيطرت التيارات الدينية على مجلس الشعب الجديد، وأصبح من حقهم كأغلبية إسقاط الحكومة ومساءلة الرئيس؟

- من الممكن جداً تحقيق هذا السيناريو.. وبهذا المنطق أعتقد أنه مهما قالوا عن رغبتهم فى دولة مدنية، فإنه من الممكن جداً أن تتحول مصر إلى دولة دينية.

لذلك أؤكد عدم ضرورة الاستعجال فى إجراء الانتخابات البرلمانية، لأن أحد أسباب الجاذبية الشديدة للمتطرفين هو العذاب الذى رأيناه طوال الثلاثين عاماً الماضية، وأنا عشت فى مصر فى الستينيات وكانت السياسة الاقتصادية جيدة. لذا التطرف لم يكن موجوداً، وأنا فى رأيى أن زيادة التطرف نتيجة ٣٠ سنة من سوء الأحوال الاقتصادية.

■ لكن ٣٠ سنة من سوء الأحوال لا يمكن إصلاحها فى عام أو اثنين. إذن تأجيل الانتخابات بهذا المنطق لن يأتى بالنتائج المرجوة لأن إصلاح الوضع يحتاج سنوات طويلة؟

- صحيح.. لكن إذا تم تأجيل الانتخابات لبعض الوقت من الممكن أن نحرز بعض نجاحات، وعلينا أن نبدأ التصرف بشكل سليم ونتخذ قرارات تعطى أملاً للناس بأننا نسير فى الاتجاه السليم.

■ مع الرغبة فى تأجيل الانتخابات والرغبة أيضاً فى عدم استمرار المجلس العسكرى فى الحكم.. كيف تدار المرحلة الانتقالية إذن؟

- «بلاش مجلس رئاسى».. إذا كان تكوين مجلس رئاسى مستبعداً فيمكن بدلاً من ذلك أن يكون هناك تواصل مستمر بين المجلس العسكرى والحكومة من ناحية، وبين أصحاب الرأى فى مصر بمختلف طوائفهم واتجاهاتهم من ناحية أخرى، ثم يتخذ المجلس العسكرى القرار فى النهاية، فمثلاً فى القضية الاقتصادية أرى أن يتم تشكيل مجلس استشارى اقتصادى صغير يختار المجلس العسكرى أعضاءه من الاقتصاديين المعروف عنهم الكفاءة والمهنية، وما يتمتعون به من احترام عام وليس بالانتخاب، وهذا سهل جداً بصرف النظر عن كون أحدهم إخوانياً أو شيوعياً. المهم أن نثق فى وطنيتهم على أن يكونوا فى حالة اجتماع مستمر، ويتم وضع كل البيانات والمعلومات التى يطلبونها تحت تصرفهم، ويصبح المجلس الأعلى للقوات المسلحة والحكومة على اتصال دائم بهم، على أن تعمم هذه الفكرة فى كل المجالات.

■ يقال إنهم يفعلون ذلك بشكل فردى وليسوا مجلساً استشارياً؟

- لم نسمع عن ذلك.. ياليتنا نسمع ويعلن ذلك إن وجد.

■ ألا تعتقد بنظرية المؤامرة التى تؤكد تعاطف القائمين على الحكم مع التيار الدينى؟

- هذا سؤال صعب.. أنا أحب ألا أصدق هذا التفسير، هذا التفسير يرد على الذهن، لكنه تفسير سيئ لدرجة لا أحب أن أصدقه فيها فلم يصل الأمر إلى هذه الدرجة بعد.

■ الفوضى العارمة فى الشارع المصرى.. هل هى منتج طبيعى لأى ثورة فى العالم، أم أن ذلك شماعة لتبرير عدم الحسم وتطبيق القانون فى التعامل مع البلطجية؟

- كل ما قلت به صحيح، فأى ثورة بطبيعتها يعقبها درجة من الفوضى، لكن الدرجة لدينا زادت وغطت، ففى الأيام الأولى بعد التنحى وظهور الاحتجاجات الفئوية قلنا «يومين وتعدى»، ومع ذلك استمرت أسبوعاً بعد الآخر حتى الآن، وأنا من رأيى أن المطالبات الفئوية كان من الممكن الصبر عليها أسبوعاً أو اثنين، لكن بعد ذلك كان يجب التعامل معها بحسم مع التطمين فى نفس الوقت بإجراءات تدل على أن المسؤولين يريدون حل مشكلات المعتصمين.

■ هل الفوضى مقصودة ليظل المجلس الأعلى للقوات المسلحة باقياً فى الحكم لمدة أطول؟

- أنا أستبعد هذا إطلاقاً، ورأيى أن الجيش مخلص فى أنه لا يريد الاستمرار، ويريد تسليم السلطة لإدارة مدنية.

■ هل تعتقد أن الجيش سيقبل بسهولة أن يسلم السلطة لرئيس مدنى فيكون أول رئيس للقوات المسلحة مدنياً؟

- سيقبل.. ولماذا لا يقبل.. هذا التخوف نابع من التاريخ منذ ثورة يوليو. لكن مر أكثر من ٤٠ عاما، صحيح «السادات» ضابط و«مبارك» ضابط. لكن هذا الأمر لم يكن له أى أثر فى الحياة السياسية، ثم إن العالم كله تغير.. ففى الخمسينيات والستينيات كانت الموضة هى الانقلابات العسكرية. لكن اليوم الوضع اختلف.

■ «من الخطأ التام تصور أن الوقت وقت الاستماع لكل الآراء وأخذ الأصوات».. جاءت هذه الجملة فى مقال لك بعنوان «قصة قصيرة» فهل تقصد أن الديكتاتورية فى اللحظة الآنية إجراء مهم؟

- لا أريد أن استخدم لفظ الديكتاتورية، لكن أقصد إصدار قرارات حاسمة دون أن نبالغ فى الإصرار على جمع الأصوات على كل قرار، فأنا رأيى أننا فى الأشهر القليلة الماضية، بالغنا فى مسألة الحوار فقد حضرت أكثر من حوار، ووجدت أكثرها غير مجد، حيث يحضر سبعون أو ثمانون شخصاً من مشارب مختلفة ونعطيهم أجندة فى كل الموضوعات، فتنة طائفية، إصلاح اقتصادى، الدستور، حالة المرأة، إصلاح التعليم، والنتيجة أنهم يتحدثون فى كل شىء دون أن نخرج بشىء، وهذا أيضاً ليس وقت الحوار فى كل شىء، فنحن نفهم الديمقراطية فى الحقيقة فهماً ساذجاً، فهناك أمور عليها شبه إجماع وليس من المفيد إهدار الوقت بالنقاش حولها.

■ مثل ماذا؟

- مثلاً الشعب المصرى يرفض التوريث، والثورة قامت لأسباب كثيرة منها هذا الرفض. فلم يكن هناك داع للاستفتاء على ذلك. كذلك وقت طويل ضاع فى الحوار، حول الأسماء التى يجب وضعها على رأس المؤسسات الصحفية والتليفزيونية.. «حوار إيه»؟ الأسماء الجيدة واضحة مثل الشمس، فما الداعى للاستفتاء عليهم. أخذ الأصوات ليس دائماً مفيداً، والقرار السليم ليس بالضرورة حصيلة جمع وطرح أصوات.

وبعد ثورة يوليو ٥٢، ظللنا قابلين بفكرة عدم وجود الديمقراطية لحوالى ثمانى سنوات على الأقل بعد الثورة، لأننا كنا سعداء بما قامت به الحكومة من أفعال جيدة لصالح الشعب المصرى مثل الإصلاح الزراعى، تأميم قناة السويس، وحدة مصر وسوريا.. وحتى لا يفهم كلامى بشكل خاطئ أنا لست ضد الديمقراطية، لكن الذهاب فى الديمقراطية إلى أبعد من اللازم أيضاً خطأ.

■ ما أضرار التطرف فى الديمقراطية؟

- لقد قلت عن الحالة التى نمر بها حالياً فى أحد مقالاتى بأننا طردنا من بيتنا طيلة ٣٠ عاما، وفجأة استلمنا بيتنا، وكلما حاولنا فتح غرفة فوجئنا بمصائب، فالغرفة الأولى يقبع خلف بابها ثعابين، والثانى خلفه قطط متوحشة، وهكذا، فنحن فى حالة غير طبيعية. لذا لا نستطيع أن نأخذ الأصوات فى كل شىء فنحن لدينا مهام جسيمة، وما أقصده أن الظروف التى تمر بها مصر الآن بعد ثلاثين عاما من التخريب، تحتاج طريقة مختلفة فى التعامل لا أن نجرى انتخابات بعد أشهر معدودة.

■ هل القائمون على الحكم فى مصر حالياً يحاولون استرضاء الشعب بكل الطرق حتى ولو كان ذلك بقرارات ليست فى مصلحة البلد؟

- أنا عاجز فى الحقيقة عن فهم تصرف المجلس الأعلى للقوات المسلحة والحكومة وأشعر أن هناك أموراً كثيرة غامضة.

■ هل لديك أى ملاحظات على طريقة سير محاكمات النظام السابق؟

- هذه أيضاً من الأشياء التى لا أفهمها، وهناك أسئلة كثيرة تحتاج إجابات مثل لماذا هذا الشخص يحاكم قبل ذاك، ولماذا هذا يحاكم على جريمة مالية قبل جريمة جنائية، ولماذا هذا الشخص خرج بعد تحقيقات بسيطة رغم أن كل الشواهد تؤكد تورطه فى أعمال كثيرة، وهل مسموح للسجناء الاتصال بالخارج وبمعاونيهم أم لا.. هناك أمور كثيرة غير واضحة.

■ هل تعتقد أن منطق المواءمات السياسية يتحكم فى طريقة سير المحاكمات؟

- نعم.. لكن ياليته منطق سياسى واضح، إضافة إلى أن هناك بعض القضاة عليهم تحفظات، ويقال عنهم إنهم كانوا ممن يتلقون أوامر من النظام السابق لإصدار أحكام على هواه.

■ ما رأيك فى التصالح مع رموز النظام السابق مقابل الحصول على الأموال المنهوبة؟

- بشكل عام أميل إلى أن يحصل كل شخص على العقوبة التى يستحقها. لكنى راغب بشدة فى استعادة الأموال المنهوبة، والأهم هل نستطيع أن نجمع بين الاثنين.. أتمنى ذلك.

وأنا مع الرأى القائل بأن جرائم الفساد السياسى عموماً لابد أن تكون أمام محكمة سياسية، على أن تنشأ محكمة خاصة على غرار المحاكم التى أنشئت بعد ثورة يوليو.

■ لكن ما تقوله من الممكن أن يفتح علينا باباً خطيراً ونشهد محاكم مثل محاكم العيب.. فالمحاكم الاستثنائية عموماً إذا أسىء استخدامها سيدفع الشعب الثمن غالياً؟

- كل شىء مهما كان صالحاً، يمكن أن يكون مضراً لو استخدم فى غير محله، ويجب أن يكون هناك حدود لكل شىء، لكن أيضاً محاكمة هؤلاء الأشخاص على الجرائم السياسية أمام المحاكم العادية، لن تلبى طلبات الشعب، لأنه لا يوجد فى القانون ما يسمى الجرائم السياسية.

■ ماذا لو قيل هل يمكن محاسبة شخص بأثر رجعى وبقانون وضع بعد ارتكاب الجرائم؟

- فى الدستور والقوانين مبادئ عامة تلزم المسؤولين بالعمل لصالح الوطن وعدم خيانته، والذى حدث من العهد السابق هو إخلال بهذا الالتزام.

■ الأستاذ «هيكل» ومن قبله المستشار عدلى حسين اقترحا أن تكون المحاكمة على الجرائم السياسية أمام مجلس الشعب الجديد؟

- لا أميل لهذه الفكرة لأن البعض يعتبرها بحق من قبيل التأجيل للمحاكمات، خاصة ونحن نطالب بتأجيل انتخابات مجلس الشعب.

■ من التهاون إلى التشدد.. هل تعتقد أن بعض الأحكام سيعطى الحد الأقصى للعقوبة فيها لمجرد إرضاء الرأى العام؟

- يوجد اتجاه حالياً نحو تملق الجماهير على حساب العدل حالياً.. ولا يجب أن نخضع لرغبات مصدرها مجرد الميل إلى الانتقام لدى الشعب.




---------------------------


المفكر الاقتصادى والاجتماعى يواصل حديثه لـ«المصري اليوم» «٢-٢»
د. جلال أمين: الذين قاموا بالثورة لم يحددوا ماذا يريدون و«الخبز والحرية والكرامة الإنسانية» شعارات تصلح للميدان
-------------------------------------------------
أجرت الحوار- رانيا بدوى ٢٩/ ٥/ ٢٠١١
------------------------------------------------
قال المفكر الاقتصادى والاجتماعى الدكتور جلال أمين، إن الذين قاموا بثورة ٢٥ يناير لم يحددوا ماذا يريدون، معتبراً أن ما كانوا ينادون به فى البداية وهو «الخبز والحرية والكرامة الإنسانية» شعارات تصلح للميدان، معتبراً أن الثورة لا توجد بها أشياء صلبة مثل التى فعلتها ثورة يوليو ١٩٥٢، ومنها قانون الإصلاح الزراعى، مشيراً إلى أن الذين شاركوا فى الثورة الأخيرة غير مسيسين لأن النخبة الثقافية «تعفنت» والمعارضة أصيبت بأنيميا بسبب طول عهد مبارك، والدولة كانت تعامل بعض المثقفين مثل الفئران، مرة تعطيهم قطعة جبن وأخرى صدمة كهربائية فأصيبوا بحالة عدم اتزان، مؤكداً أن الوضع الاقتصادى خطير الآن، مؤيداً الاقتراض من المؤسسات الدولية بشرط الابتعاد عن الفائدة المرتفعة والشروط السياسية، رافضاً توجيه الموارد إلى المشروعات الضخمة مثل «ممر التنمية».

وأضاف أمين فى الجزء الثانى من حواره مع «المصرى اليوم»، أن التليفزيون يعتبر إحدى وسائل الخروج من المأزق الحالى ويمكن أن يصبح أداة تنويرية خلال ٦ أشهر، مطالباً بمكافحة الفتنة الطائفية عن طريق الدراما مثل مسلسل «خالتى صفية والدير».. وإلى نص الجزء الثانى من الحوار:

■ تحدثت فى الجزء الأول من الحوار عن أن كل الثورات يعقبها ارتباك سياسى لكن لماذا طالت فترة هذا الارتباك فى مصر؟

- نحن فى ورطة لأن من قاموا بالثورة ليسوا هم من يحكمون، أى فصل الملكية عن الإدارة، كما أن من قاموا بالثورة لم يحددوا ماذا يريدون بالضبط، إضافة إلى الوضع الغريب الذى نعيشه، فنحن لا نعرف بالضبط هل الرئيس السابق مسجون أم لا، مريض أم ليس مريضاً، يحقق معه أم لا، وكما يقول الأستاذ محمد حسنين هيكل هذه الثورة الأولى التى نراها فى التاريخ يعامل فيها الرئيس السابق بهذه الطريقة.

■ قلت إن من قاموا بالثورة لا يعرفون ماذا يريدون لكن ائتلاف الثورة صاغ مبادئ محددة للثورة؟

- رغم ما قيل عن ثورة ١٩٥٢ بأن أفكارها ومبادئها غير واضحة لكن كانت هناك أمور صمم عليها صناع الثورة من البداية وقبل القيام بالثورة، فمثلاً قانون الإصلاح الزراعى الذى غير التاريخ فى مصر وأحدث انقلاباً كبيراً فى الحياة الاجتماعية، تم قبل مرور شهرين على الثورة، كذلك إلغاء الألقاب، البكوية والباشوية وغيرها من القرارات، فى حين نجد أن ثوار يناير كانوا ينادون بالخبز والحرية والكرامة الإنسانية وهى تصلح كشعارات فى الميدان، وكنا نريد أن نرى شيئاً أكثر صلابة يحدث بعد الثورة مباشرة.

■ ربما لأن شباب يناير غير مسيس كما كان الثوار فى الخمسينيات.

- هذا صحيح إلى حد كبير فمن بين جرائم النظام السابق أنه جعل حالة المعارضة يرثى لها، الشباب معذور جداً، فلم يكن له مرشد يوجهه أو بوصلة يستعين بها، فحتى فى السبعينيات وبداية الثمانينيات كان هناك دائماً أناس تعلم الشباب أمثال فتحى رضوان، وأحمد بهاء الدين، وحلمى مراد وغيرهم الذين كانوا يمثلون بوصلة للشباب بما يكتبونه ويطرحونه من أفكار، ولكن بعد أن طال العهد بمبارك فإن النخبة الثقافية «عفنت» والمعارضة «أصيبت بأنيميا» فصحف المعارضة قبيل ٢٥ يناير كانت تقوم على الشتيمة وتتنافس فيما بينها على من يشتم أكثر وبخفة دم أكثر، وجزء من المثقفين والصحفيين المعارضين قبل الثورة ضاعوا وتاهوا بسبب ما فعله بهم النظام، وجزء ظل على موقفه لسنوات طويلة وعندما فقد الأمل فى التغيير باع كل شىء، وهناك نوع آخر، النظام السابق لخبطه وعامله معاملة الفأر، باختصار الدولة عاملت المثقفين مثل هذا الفأر أعطتهم إشارات متضادة فحدث لهم عدم اتزان.

■ فى ظل أجواء مشحونة بالطائفية والاعتصامات والارتباك السياسى وغيبة المثقفين عن المشهد كيف يمكن الخروج من المأزق؟

- هناك وسائل كثيرة منها التليفزيون الذى له تأثيره الضخم، ويجب أن نضع على رأس التليفزيون أشخاصاً أقوياء وعقلاء، فأنا من الممكن أن أحول التليفزيون فى ٦ أشهر إلى أداة تنويرية، وفى عام واحد يخيل إلى أنه من الممكن القضاء على الأمية بعمل برامج جذابة يتم الإنفاق عليها وإعدادها بشكل جيد وستؤتى نتائج أفضل من فصول المدارس، أيضاً من الممكن مكافحة الفتنة الطائفية بشكل فعال ببرامج ومسلسلات مشوقة، فمثلاً رائعة بهاء طاهر «خالتى صفية والدير» تعالج قضية الأقباط والمسلمين بطريقة فعالة ومقنعة ورقيقة جداً إذا ما أعطيناها لمخرج متميز وأحسن ممثلين محبوبين ستؤتى بنتائج أفضل من حديث المثقفين والدعاة، وأنا لو رئيس التليفزيون فسوف أصدر هذا القرار غداً، فالناس مرتبطة بالدراما ويمكن استغلال هذا الارتباط فى التنوير.

■ وماذا عن التعليم؟

- يحتاج إلى وقت أطول للإصلاح، فلدينا طائفة واسعة من المدرسين لديهم الصفات التى انتقدناها من قبل لأن لديهم ضغينة ضد المجتمع- وبدلاً من الخروج إلى الشارع والهتاف يخرجون هذه الضغينة على طلابهم فى المدارس، لذا يجب زيادة رواتب المدرسين وتحسين أحوالهم، وعند ذلك سنقضى على الشحن الطائفى.

■ وماذا عن المناهج؟

- تغيير المناهج من أسهل الأمور، فبدلاً من ترك وكيل الوزارة يوكل إلى ابن عمه وضع القصة المقررة مثلما كان يحدث من قبل، نأتى بمتخصصين على درجة عالية من الكفاءة والوعى لوضع المناهج، ونصدر قراراً بإعادة طبع الكتب التى كانت مقررة فى الثلاثينيات والأربعينيات، لأن المقررات فى ذلك العهد كانت جيدة جداً.

■ هل تتفق مع من يطالب باختيار المحافظين عن طريق الانتخاب؟

- لا.. فليس هذا هو الوقت المناسب على الإطلاق، وهذا يتفق مع ما قلته عن الذهاب بالديمقراطية إلى أبعد من اللازم، كما أن البلد لا يحتمل انتخابات للمحافظين فى الوقت الراهن.

■ وما رأيك فى مطلب إلغاء مجلس الشورى؟

- قرار سليم وصحيح إن اتخذ.

■ وإلغاء المجالس المحلية؟

- أنا ضد إلغائها لأنها تكبح جماح المحافظ.

■ هناك مطالب مستمرة بوضع دستور جديد قبل اتخاذ أى خطوة سياسية مثل إجراء الانتخابات.. ما رأيك؟

- لا يوجد مانع لدى.

■ ما رأيك فى مناداة البعض بإلغاء المادة الثانية من الدستور؟

- إلغاؤها خطأ كبير، وهى خطوة لا داعى لها، لأنه فعلاً يجب الإبقاء على الإسلام مصدراً أساسياً للتشريع، وإلغاء المادة الثانية من الدستور يهدد بحدوث فتنة طائفية رهيبة.

■ هناك من يطالب بإعادة صياغتها وإضافة ما يؤكد حقوق الأقليات؟

- أنا أرى تجنب فتح هذا الباب نهائياً نظراً للظروف التى تمر بها البلاد، وهنا أود أن أذكر قصة ذكرها الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين، حيث جلس مع أحد زعماء الإخوان وكانوا يتناقشون فى مسألة تطبيق الشريعة الإسلامية، فقال له بهاء الدين: نحن لسنا ضد تطبيق الشريعة، ولكن قل لى من سيطبق الشريعة، ومن سيفسرها، وهنا أقصد أن تفسير الشريعة قد يكون معتدلاً مثل تفسيرات الشيخ محمد عبده، وممكن أيضاً أن يتم إخراج الشريعة فى التفسير من سياقها.

■ لأيهما تميل نظام برلمانى أم رئاسى؟

- هذه النقطة فى وجهة نظرى غير جوهرية، وأشعر بأن هناك تضخيماً لهذا الأمر أكثر من اللازم، وإن كنت أفضل كمبدأ عام النظام البرلمانى، ولكن فى الظروف الحالية أفضل النظام الرئاسى ولو لفترة، لأننى أريد رئيساً قوياً ولكن بالطبع بصلاحيات أقل من صلاحيات الرئيس السابق.

■ ما رأيك فى الأسماء التى أعلنت عن رغبتها فى الترشح فى الانتخابات الرئاسية؟

- بعض الأسماء جيدة ولو جاء منهم الرئيس أظن أنه سيكون رئيساً جيداً، رغم أن كل واحد منهم عليه انتقادات ولكن بالطبع هناك أسماء أخرى لو جاء منهم الرئيس سيكون إحباطاً كبيراً للثورة وخسارة ضخمة.

■ لمن ستعطى صوتك فى الانتخابات الرئاسية القادمة؟

- سأعطى صوتى للدكتور محمد البرادعى ما لم يترشح شخص أفضل منه.

■ هل كنت تأمل تطبيق قانون الطوارئ فى هذه الظروف المنفلتة أمنياً؟

- لماذا، أليست الطوارئ مطبقة بالفعل؟! عموماً إجابتى ستكون: لا يجب أن نلغيه الآن.

■ ننتقل إلى ملف الاقتصاد.. ما رأيك فى الوضع الاقتصادى المصرى بعد الثورة، خاصة بعد الإعلان عن الخسائر الضخمة فى الاقتصاد وارتفاع معدلات التضخم؟

- أعتقد أنه من الممكن جداً وصف حالة الاقتصاد المصرى الآن بأنها حالة خطيرة، ومن الممكن أيضاً أن يكون المرء أكثر تفاؤلاً، ولكل من الموقفين مبررات قوية، أساس الموقف الأول أن التدهور الذى حدث فى كثير من المصادر الأساسية للدخل والإنتاج سريع جداً وغير مألوف، وكلها حدث فى وقت واحد، فعادة لا يكون تدهور الصادرات الصناعية فى نفس وقت تدهور السياحة، وهذا لا يكون فى نفس وقت انخفاض تحويلات المصريين فى الخارج، وتخوف المستثمرين بالإضافة إلى عودة المصريين من ليبيا، كلها أشياء سيئة حدثت فى الوقت نفسه، وكلها يمثل عناصر مهمة فى الاقتصاد. ومن ناحية ثانية، ما يخفف من التشاؤم أن كل هذه الأشياء سببها الأساسى واحد، وهو التدهور الأمنى، فهو المسؤول عن كل ما حدث للسياحة والصادرات وتحويلات العاملين بالخارج وتدهور الإنتاج، وإذا نجحنا فى استعادة الأمن فى الشارع فمن الممكن أن ينصلح الوضع، وهذا يجعل الانزعاج أقل، وقد قلت منذ فترة قصيرة إن الأزمة الخانقة التى تمر بها مصر يمكن أن تحل فى ٦ أشهر ومازلت أميل إلى ذلك.

■ ما هذه الخطوات؟

- مثل تطبيق السياسة «الكينزية» فى الاقتصاد نسبة إلى الاقتصادى الإنجليزى الكبير «كينز» الذى تعتمد نظريته على حل أزمات مشابهة لأزمتنا حيث البطالة العالية جداً، وتقول هذه السياسة إنه فى مثل هذه الظروف التى نمر بها على الحكومة أن تنفق ببذخ على مشروعات البنية الأساسية، لأن هذا سينعكس على زيادة القوة الشرائية للناس، وبالتالى سيزداد الطلب، وزيادة الإنفاق تنشط عجلة الاقتصاد، كما أن على الحكومة أن تدرس جدياً حماية بعض الصناعات التى تتعرض لمنافسة شديدة من الواردات، مثل صناعتى المنسوجات والأثاث وبعض الصناعات الغذائية، وهذا الأمر مشروع فى مثل هذه الظروف التى نمر بها، وهناك نصوص فى اتفاقية التجارة الدولية تسمح فى ظروف معينة بأن نحد من وارداتنا.

■ هل من الممكن أن ننفق من الاحتياطى النقدى لتجاوز الأزمة.. أم أن هناك خطورة من هذه الخطوة؟

- مهمة الاحتياطى النقدى فى الأساس هى مواجهة مثل هذه الظروف، وهناك حد للأمان يجب عدم النزول عنه، ونحن مازلنا بعيدين عن هذا الحد، فلا داعى للقلق، من الممكن أيضاً أن نزيد من الاتفاقيات الثنائية مع الدول القريبة من مستوانا الاقتصادى، ونقلل من اعتمادنا على الدول الكبرى التى تصدر لنا سلعاً أعلى ثمناً، وهى دول أقل احتياجاً لوارداتنا.

■ هل تشجع الاستدانة من الخارج واللجوء إلى البنك الدولى للاقتراض فى هذه اللحظات العصيبة؟

- أنا لا أرفض الحصول على بعض القروض فى اللحظة الراهنة، المسألة فعلاً تحتاج إلى ذلك لكى يستطيع الاقتصاد استعادة توازنه، لكن يجب أن نحذر بشدة من تكرار تجربة السبعينيات، وهى الاقتراض بأسعار فائدة عالية جداً، وشروط سياسية صعبة، وهذا يتطلب أن نمارس الحذر فى اختيار من نلجأ إليه فى طلب الاقتراض أو المعونة، فطبعاً الدول العربية أفضل فى ذلك، وبعض الدول الأوروبية أفضل من غيرها.

■ وماذا عن المؤسسات المالية الدولية كالبنك الدولى؟

- لا بأس من اللجوء إليها، ولكن بشرط أن نراقب شروطها جيداً.

■ هل تؤيد فكرة الحصول على عائدات قناة السويس بالجنيه المصرى لدعم قيمته؟

- أرفض هذه الفكرة لأنها لا تحقق أى ميزة، الأمر نفسه ينطبق على فكرة مساهمة المصريين فى شراء أسهم فى البورصة لدعمها، فإذا كانت المساهمة بشراء أسهم شركات موجودة بالفعل لمجرد رفع سعرها، فإن ما نحتاجه هو المساهمة فى إنشاء مشروعات جديدة، فمثلاً فى الثلاثينيات، دعا الزعيم المصرى أحمد حسين إلى مشروع «القرش» لإنشاء مصانع للطرابيش، وكان أيامها منتجاً مهماً، وكان هناك أناس تدفع قرشاً وآخرون يدفعون عشرة.. وهكذا، لكن المقصود هو المساهمة الشعبية، لذا من الممكن أن نستغل الروح الحماسية للشباب بعد ثورة يناير ورغبتهم فى رفع شأن بلدهم بأفكار على غرار مشروع «القرش» وجمع مساهمات مالية تستثمر فى عمل مشروعات منتجة تستوعب جزءا من البطالة.

■ يطالب البعض بالبدء فى ضخ أموال فى المشروعات القومية الكبرى كممر التنمية وإعمار سيناء، واستكمال توشكى لتحقيق نقلة نوعية لمصر.. فما رأيك؟

- أنا ضد أن نوجه مواردنا الاقتصادية إلى مشروعات ضخمة تحتاج إلى إنفاق ضخم دون أن تساهم مساهمة كبيرة فى خلق فرص عمالة، كما أنه ليس من السهل نقل الشباب من الوادى إلى الصحراء للعمل، لما تحتاجه عملية النقل من نفقات عالية لتمهيد الطرق وإقامة مساكن وخدمات وغيرها، فهذه مشروعات يمكن إقامتها فى المدى الطويل أما الآن فنحن نريد التخطيط للخروج من الأزمة الاقتصادية فى سنة أو أقل.

■ ننتقل إلى توازنات القوى العالمية وعلاقتها بمصر بعد الثورة.. ما تفسيرك لترحيب الغرب والولايات المتحدة بثورة يناير رغم أن مبارك من قبل كان يعد الحليف الاستراتيجى لأمريكا فى المنطقة والكنز الاستراتيجى لإسرائيل؟

- حتى الآن لم يظهر بوضوح ما هو الموقف الحقيقى من جانب الولايات المتحدة أو أوروبا لما حدث فى مصر، صحيح أن الإدارة الأمريكية عبرت عن تأييدها وترحيبها بما حدث، بما فى ذلك تنحى الرئيس السابق وعودة الديمقراطية، لكن نحن لا نعرف بالضبط ما الذى يخفونه، فالسياسة الدولية كثيراً ما تظهر غير ما تبطن، وقد يظهر التأييد فى العلن ولكن يكون المراد شيئاً مختلفا جدا عن أمانى الشعب المصرى، فأحد الأسئلة المهمة ما موقف الولايات المتحدة من أثر الثورات العربية على مستقبل إسرائيل؟ وأنا لا أستطيع أن أقتنع بأن الولايات المتحدة الأمريكية وهى تحدد موقفها من التطورات العربية لم تأخذ هذه الآثار فى حسابها، الإجابة عن هذه الأسئلة ستصبح أوضح مع مرور الأيام.

■ كتبت الصحف الإسرائيلية عن ترشح عمرو موسى للرئاسة بأن وصوله للرئاسة فى مصر خط أحمر.. فهل تؤمن بالقول بأن الرئيس القادم لمصر يجب ألا يكون مرضيا عنه من أمريكا وإسرائيل؟

- يجب علينا أن نأخذ كل التصريحات التى تصدر من الدول الكبرى أو إسرائيل وكأنها تعبر عن مشاعرهم ورغباتهم الحقيقية فقد يتظاهرون بمعارضة شخص وهم يؤيدونه والعكس أيضاً صحيح.

■ ولكن هل سيقبلون برئيس يعمل ضد مصالحهم؟

- تتوقف الإجابة على ما الذى سيحدث ليس فى مصر وحدها بل فى المنطقة العربية ككل، بل أضيف إلى ذلك أن الأمر سيتوقف على علاقات القوى الكبرى بعضها ببعض، فمن الممكن أن يقول المرء إن توازن العلاقات الدولية يمر الآن بمرحلة دقيقة وأن الولايات المتحدة الأمريكية ليست بنفس الدرجة من حرية التصرف كالتى كانت عليها منذ ٢٠ عاماً، فتركيا، فضلاً عن إيران، تبدو كأنها تفعل أشياء لا ترضى عنها الولايات المتحدة ولا إسرائيل، ومع ذلك لم يحدث شىء للنظام التركى، والسؤال: هل يا ترى لو حدثت فى عدد من البلاد العربية المهمة تطورات أدت إلى استعادة هذه البلاد درجة عالية من الإرادة- هل تستطيع هذه البلاد أن تضع الولايات المتحدة وإسرائيل فى موقف يشبه ما أدت إليه التجربة التركية؟ هذا سؤال لست قادراً على الإجابة عنه، أنا فقط قادر على إثارته والتفكير فيه ومتابعة التطورات يوما بعد يوم حتى يتوصل المرء إلى إجابة مقنعة.

■ هل يمكن أن تتنازل إسرائيل ومن خلفها أمريكا عن حلم «الشرق الأوسط الكبير» أم أنهما تنتظران ما ستسفر عنه الثورات العربية ثم تبدآن التحرك من جديد؟

- نحن كثيراً ما نتصور أن إسرائيل وأمريكا لديهما قدرة غير محدودة على تنفيذ ما تريدان، والحقيقة فى رأيى غير ذلك، فمثلا أنا أعتقد أن قيام الولايات المتحدة الأمريكية باحتلال العراق لم يمكنها من تحقيق كل الأهداف التى كانت تريد تحقيقها، والسبب فى رأيى يتعلق بالعلاقات الدولية أكثر بكثير مما يتعلق بالمقاومة العراقية الداخلية، وبالتالى أشير أيضاً إلى أن مشروع إسرائيل للشرق الأوسط الكبير الذى أيدته الولايات المتحدة الأمريكية يعود إلى ما لا يقل عن ٢٠ عاماً فماذا حدث له، ولماذا وضع على الرف كل هذه المدة، بعد أن كان يبدو فى أوائل التسعينيات بعد سقوط الاتحاد السوفيتى مباشرة أن أمريكا وإسرائيل آخذتان فى محاولة تنفيذه فى أقرب فرصة، فما الذى حدث بالضبط؟!

أيا كان السبب فالمؤكد أن هناك عقبات ظهرت فى طريق تحقيقه، ويمكن الآن أن أقول إن نفس الشىء فى الإجابة عن هذا السؤال. نحن لا نعرف بالضبط مدى قوة الرفض الذى يقابل به هذا المشروع من جانب قوى دولية مهمة سواء فى أوروبا، خصوصا روسيا أو بعض الدول الآسيوية مثل الصين وربما اليابان ناهيك عن الدول الأصغر مثل إيران وتركيا.


-----------------
نشرت في المصري اليوم بتاريخ 28 و29 - 5 - 2011
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=298412

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المتابعون