أمين الجميل



الرئيس اللبنانى الأسبق فى حوار شائك مع «المصري اليوم»:
سوريا تعمل بكل جهدها لإبعاد مصر عن ملف التسوية فى لبنان
-----------------------------------------------
حوار رانيا بدوى ٢٥/ ١/ ٢٠١١
-----------------------------------------------

بعد سقوط الحكومة اللبنانية بضغط من المعارضة قاده حزب الله لرغبته فى إلغاء المحكمة الدولية، وبعد أن أعلنت تركيا وقطر وقف جهود الوساطة، وفشل المفاوضات «السورية- السعودية»، وصل لبنان إلى مفترق طرق ومنعطف خطير، وبات الخوف يتضاعف كل لحظة من اندلاع مواجهات مسلحة بسبب تسمية رئيس الحكومة الجديدة.

«المصرى اليوم» التقت الرئيس اللبنانى الأسبق، رئيس حزب الكتائب اللبنانية أمين الجميل الذى حضر إلى مصر فى زيارة سريعة التقى خلالها الرئيس مبارك وعدداً من الشخصيات السياسية، وطرحت عليه «الأسئلة الشائكة» التى تشغل الأذهان العربية والمصرية.. وإلى نص الحوار:

■ كيف تصف الوضع فى لبنان حالياً؟

- وضع لبنان دقيق جدا وصعب، فلطالما آمنا بالنظام الديمقراطى البرلمانى الحر، واحترام حقوق الانسان، وانتظام اللعبة السياسية واحترام المؤسسات الرسمية، والمستجد الآن هو عدم انتظام اللعبة الديمقراطية طالما أن هناك فريقاً لم يزل متمسكاً بالتقاليد الديمقراطية، وفريقاً استعمل السلاح والضغط والتهديد لبلوغ أهدافه، وهو فريق مدعوم من قوى خارجية تزوده بهذا السلاح والإمكانيات اللازمة لتحقيق مآربه على حساب النظام اللبنانى، لذلك اختل الميزان والتقاليد.

■ قلت إن هناك تهديدات تمت ممارستها على بعض الكتل السياسية للتحول إلى صف المعارضة من أجل تسمية مرشحهم للحكومة.. ماذا كنت تقصد بذلك؟

- يوم قيام رئيس الجمهورية بالاستشارات التقليدية لتسمية رئيس الحكومة، قام حزب الله بعملية انتشار شبه عسكرية فى شوارع وأزقة بيروت، من أجل التأثير على مجريات الأمور والضغط على السياسيين وتهديد بعضهم لاتخاذ جانب المعارضة.

■ هل أخبروكم بوجود تهديدات مباشرة تعرضوا لها؟

- لا، لم يخبرونا بذلك، ولكن الأمر بات معروفاً لأن الانتشار كان شبه عسكرى علنى، وروع الأهل فى بيروت وأغلقت المدارس والمحال وتوقف السير، من جراء ما حدث، وذلك كله كان رسالة واضحة للبنانيين، إما أن تنتخبوا من نقره، وتصوتوا لصالح الذى نعينه نحن، وإلا سيخرب لبنان.

■ ألهذا نزل الجيش للتأمين؟

- فريق حزب الله لم يستهب الجيش، وهدد بالنزول من جديد إلى الساحة، ولربما يصطدم مع الجيش، فهى ليست المرة الأولى.

■ إذن أنت تقول باحتمال المواجهة المسلحة من جديد فى لبنان؟

- كل السيناريوهات مطروحة الآن فى ظل الانقلاب على الديمقراطية.

■ بماذا تفسر استغلال وجود رئيس الحكومة «سعد الحريرى» خارج لبنان فى جولة أجنبية لإعلان استقالة الوزراء.. ومن ثم إسقاط الحكومة؟

- لا علاقة لعلاقاتنا الدولية بهذا الأمر، فأمريكا وفرنسا صديقتان لنا، والسعودية ومصر وسوريا أشقاء لنا، فمن الطبيعى أن نكون على تواصل مع قيادات دولية. ما الضرر أن يلتقى الحريرى أوباما أو ساركوزى أو مبارك أو غيرهم.

■ ولكن ألا تراها مقصودة، خاصة أن البعض قال إن المعارضة تريد الترويج لفكرة أن الحريرى خسر الوفاق اللبنانى على باب أوباما؟

- ربما تكون مقصودة لإبلاغ رسالة «لسعد الحريرى» وأمريكا فى نفس الوقت، وكأنهم يقولون: لن نقبل برئيس حكومة لا نوافق نحن عليه، وذلك بمعزل عن رغبة الأكثرية النيابية وبمعزل عن العملية الديمقراطية فى البلد.

■ هل تعتقد أن المقصود هو نسف المحكمة الدولية أم الانقلاب وتغيير الحكومة؟

- المقصود هو الانقلاب ووضع اليد على البلد، وفرض سياسة المحاور على لبنان، بدفعه، أى أن يعتمد على محور إقليمى على حساب مصالحه الذاتية، وقد تنبأت لذلك من قبل وقلت إن الانقلاب الزاحف قادم من أجل فرض سياسة خارجة عن تقاليد لبنان الوطنية ومصالحه، وقد قتل الحريرى من أجل ذلك، والآن هم يحاولون نسف المحكمة الدولية للإفلات من العدالة، والمحاسبة، وبالتالى إبقاء لبنان فى خط يتعارض مع مصالحنا وتوجهات السواد الأعظم من اللبنانيين.

■ وهل بات مؤكدا أن المحكمة الدولية ستدين حزب الله؟

- ليس لدى معلومات، ولكن أعتقد أنه إذا لم يكن حزب الله فعلى الأقل عناصر من حزب الله.

■ البعض قال إنه الأحرى بسعد الحريرى أن يجنب لبنان إراقة الدماء ويتنازل عن المحكمة، ويعلن أن دم أبيه ليس فى رقبة أحد.. حقنا لدماء اللبنانيين وإنقاذا للبلد من خطر داهم.

- وهل من المنطق أن نطلب من إنسان أن يتنازل عن المحكمة ولا يعرف من قتل أباه، أليس لى الحق أنا أيضا أن أعرف من قتل ابنى بيير الجميل.

■ إذن أنتم تتمسكون بالمحكمة الدولية لأسباب شخصية؟

- ليس لأسباب شخصية، فابنى بيير الجميل لم يقتل لأنه ابنى بل لأنه مؤثر سياسياً فى البلد، وجبران توينى قتل لأنه كتب فى السياسة اللبنانية، ورفيق الحريرى قتل لأنه رجل سياسى مؤثر على الصعيد اللبنانى ويدافع عن الحق اللبنانى وعن سياسة لبنان الوطنية.

■ ولكن ومن قبل كل هؤلاء قتل الرئيس السابق بشير الجميل والرئيس السابق رينيه معوض وغيرهما ولم تعقد محاكم دولية؟

- إذن المحكمة هى الطريقة الوحيدة لوضع حد لهذه الاغتيالات السياسية، والقبول بنسف المحكمة يعنى إعطاء مكافأة لكل القتلة والمجرمين وتشجيعهم على المضى فى نهج القتل والتدمير، نحن نعمل لمصلحة الوطن وليس فقط للانتقام وتحقيق مآرب شخصية، أو لإشفاء غليلنا.. ومصلحة البعض تقتضى أن يكون الكل مدافعاً عن المحكمة الدولية لأنه حق وطنى وآن الأوان لنضع حداً لهذا الأمر، وأن تتخذ العدالة مجراها، والمحكمة لا علاقة لها بالسياسة ولا التسويات، إنما لها علاقة بلب القضية اللبنانية ومستقبل الحريات والنظام الديمقرطى فى لبنان.. لذا هى فرصة تاريخية علينا أن نتمسك بها.

■ أتفهم أنها فرصة لوضع حد للاغتيالات التى أصبحت سمة من سمات لبنان، ولكن الطرف الآخر يتساءل: ما الضمانات لعدم تسييس المحكمة الدولية، وما الذى يدرينا أن المحكمة لن تستغل اغتيال الحريرى للانتقام من حزب الله لمجرد أنهم فصيل مقاوم لإسرائيل؟

- لا يمكن أن تتخذ محكمة مكونة من ٥٠ دولة قراراً بتصفية حزب الله، ولا يمكن أن يجتمعوا جميعًا على خدمة مصالح إسرائيل.

■ ولماذا لا؟

- المحكمة الدولية لديها معايير، وعلى كل حال إذا كان هناك نقد لهذه المحكمة، فعلى حزب الله أن يأتى ويعطينا دلائل لعدم تورطه، ولكن موقف حزب الله كما هو واضح للجميع يريد نسف المحكمة وليس إيجاد بديل لإحقاق الحق وكشف الحقيقة، وهذا غير منطقى فليتقدم بالبديل.

■ بماذا تفسر «الردة السياسية» التى أصابت وليد جنبلاط وتخليه عن رفيقه سعد الحريرى لصالح قوى المعارضة؟

- لأنه مورست عليه ضغوط شديدة لم يستطع مواجهتها.

■ أى نوع من الضغوط؟

- هو يعرف.

■ هل هدد باستعمال السلاح ضده؟

- اغتيال ابنى ورفيق الحريرى وجبران توينى، ألم يكف لتوجيه رسائل واضحة للجميع بأن كل الوسائل متاحة وتستخدم من أجل فرض رأى وموقف.

■ هل تقصد أن جنبلاط خشى من الاغتيال؟

ربما، لأن جنبلاط كان من أكثر المدافعين عن المحكمة الدولية، وأكثر المقاتلين من أجلها ومن أجل سيادة العدالة، فما الذى حدث سوى أنه مورست عليه ضغوط شديدة وتهديدات.

■ هل تحدثت معه؟

- أكثر من مرة وكان يقول اعذرونى ليس بإمكانى أن أتكلم.

■ لم يبرر موقفه؟

لم يبرر، ولم يقل شيئا ورفض الحديث عن هذا الأمر ولكن «كل لبيب بالإشارة يفهم»، ونحن نفهم تماما أن التخلى بهذه السرعة عن المواقف إنما نابع من أسباب لها علاقة بالتهديدات.

■ إلى أى مدى سيؤثر موقفه على المستقبل القريب فى لبنان والحكومة القادمة؟

- بالطبع سيؤثر بالسلب ليس موقفه وحده، وإنما موقف كل من تم الضغط عليهم، فكما تم الضغط على جنبلاط يتم التأثير على غيره لتحويل المسار الديمقراطى فى الاتجاه المعاكس.

■ إعادة الحديث عن نزع سلاح حزب الله الآن إثر أزمة المحكمة الدولية، ألا يعد استغلالاً من قبل الأكثرية للفرصة لإعادة طرح الملف؟

- سلاح حزب الله ليس بمعزل عن الأزمة الحالية لأنه أصبح «سلاحاً سياسياً بامتياز»، وليس سلاح مقاومة، إنما هو للاستخدام فى اللعبة السياسية الداخلية وتوريط البلد، ولقتل الأبرياء.

■ ولكن هذا هو السلاح الذى تفوق به حزب الله على إسرائيل وجلب النصر للبنان بأكملها أكثريتها وأقليتها؟

- لنا نظرية مختلفة بشأن هذا الأمر، فنحن نعتبر أنه بعد عام ٢٠٠٠ انتهت مهمة المقاومة بعد انسحاب الجيش الإسرائيلى من لبنان، أما القول بأن السلاح موجود لحين تحرير مزارع شبعا، فهى أصبحت قضية فى يد الأمم المتحدة والمشكلة الآن فى احتلال سوريا لمزارع شبعا فهى تحت السيطرة السورية، التى ترفض حتى اليوم الاعتراف بشكل قانونى بأحقية لبنان فيها.

■ هل هذا رأيك؟

- لا هذا ليس رأيى، إنما هو حقيقة يقرها القانون الدولى وكل من يدرس الملف يعلم بوضع يد سوريا على المزارع وإنها تحت سيطرتها. المهم أن قضية «المقاومة ارتدت» انتهت فلا داعى لهذا السلاح الذى يرهب المواطنين.

■ ألهذا فشلت المفاوضات السورية - السعودية بشأن التسوية اللبنانية؟

- كانت الاجتماعات السورية - السعودية تتم فى سرية مطلقة، وبالتالى لا أحد لديه خفايا الأمور ولكن فى النهاية تبين أن سوريا تطالب بأمور من الصعب أن يقبل بها لبنان ومن الصعب أن تغطيها السعودية.

■ إذن، سوريا كانت طرفاً فى الإفشال؟

- هذا هو الواقع الحالى، لأن سوريا الآن هى التى تتزعم مباشرة المطالب التى ترفعها المعارضة فهى جزء لا يتجزأ من استراتيجية المعارضة، فالمصالح متداخلة بقوة بينها وبين قوى المعارضة، وسوريا لا تخفى ذلك على الإطلاق، وفى الأجندة المطروحة للنقاش كان هناك بنود تتعلق بالمصالح السورية مباشرة، ومن هنا نجدها متمسكة بتوجيه الحل فى لبنان بشكل يخدم مصالحها.

■ لماذا أبعدت مصر عن ملف التسوية اللبنانية فى حين دخلت أطراف مثل قطر وتركيا وفرنسا؟

- لأن العلاقات بين مصر وسوريا متأزمة للغاية، لذلك سوريا تعمل بكل جهدها لإبعاد مصر عن ملف التسوية، ومصر لا تريد أن يكون دخولها سببا فى مزيد من التعقيدات، فهى تساعد بطريقتها الخاصة لحل أزمة لبنان، وبعيدا عن الأضواء لكى لا تعقد الحل أكثر مما هو معقد، وتخفيفا للحساسيات.

■ بعيدا عن الأزمة اللبنانية ما هو السبب الحقيقى لزيارتك للبابا شنودة والشيخ أحمد الطيب؟

- اللقاءات ما هى إلا محاولة لفهم أسباب التشنج بين الطوائف، وما يحدث فى الآونة الأخيرة من عنف شديد، وبصورة عامة ما يحدث بحق المسيحيين فى العراق ومصر وآخرها أحداث الإسكندرية، وكيف يمكن أن نساعد فى تقريب الناس ووجهات النظر، ووضع حد لهذا العنف الذى شهدناه فى الآونة الأخيرة، ومحاولة ايجاد منهج للحل الذى يجب ألا يكون بمجرد مبادرات أو أعمال فردية.. وكان الاجتماع مفيداً للغاية.
----------------------------------
نشر في المصري اليوم بتاريخ 25/1/2011
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=285897

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المتابعون