د. أحمد جلال



مكاسب «٢٥ يناير» تفوق الخسائر المالية
والحكومة لجأت لـ«مناورات سياسية واقتصادية» لـ«حصار الأزمة»
------------------------------------------------------
أجرت الحوار رانيا بدوى ١٣/ ٢/ ٢٠١١
------------------------------------------------------

إدراكاً من «المصرى اليوم» بأن هذا الوطن لم تنضب فيه العقول المستنيرة، التى تملك لبلادها من الأفكار والأحلام ما يسمح بنقلها خطوات كبيرة للأمام، ومع نجاح الثورة الشعبية العظيمة فى شقها السياسى بتحقيق مطلبها الرئيسى بإسقاط النظام، وضمان القوات المسلحة الباسلة الانتقال السلمى للسلطة فى إطار مدنى، لم يبق أمامنا من مهمة سوى حماية مكتسبات هذه الثورة، والانطلاق منها إلى رؤية حقيقية تحدد من أين نبدأ..

ولأن مصر زاخرة بالأفكار والرؤى الناضجة، وبعض هذه الأفكار وأصحابها كانوا يتعرضون للإقصاء والتهميش، ولا يجدون من ينصت لهم، فقد وجدت «المصرى اليوم» من واجبها أن تفتح صفحاتها لهذه الرؤى، مساهمة منها فى إعادة بناء مصر، ووضع خرائط طريق للنهضة على جميع المستويات.

بعد تحقيق ثورة ٢٥ يناير أهدافها المرجوة سياسياً بإسقاط النظام، ودخول مصر فى عهد جديد، بات واجباً على كل المصريين التفكير فى كيفية إصلاح البلاد وتحقيق الديمقراطية المنشودة، علنا نصل إلى مصاف الدول العالمية.. كان علينا ألا نغفل الأثر الاقتصادى لثورة ٢٥ يناير وحجم التكلفة الاقتصادية التى سندفعها فى الفترة المقبلة، وأى أعباء سيتحملها المواطن، ورغم كل ما يقال عن خسائر بالمليارات حدثت فى أيام قليلة، إلا أن الدكتور أحمد جلال، رئيس المنتدى الاقتصادى للبحوث الاقتصادية،

بدا متفائلاً للغاية، وفاجأنى بالقول إنه يجب ألا نشغل بالنا بحصر الخسائر التى تكبدتها مصر نتيجة ثورة ٢٥ يناير، لأن أى تكلفة اقتصادية هى تكلفة محتملة مقارنة بما سيحققه البلد من منافع سياسية واقتصادية فى المستقبل، بل ونقلة نوعية فى حياة المصريين، ورفض ما يقال عن انهيار الاقتصاد أو خسائر موجعة، وأكد أن التحول السياسى الذى تشهده مصر الآن ينبئ بزيادة هائلة فى الاستثمار فى المستقبل، وتحسن فى البيئة الاقتصادية.. ولكن علينا فقط أن نعمل على تقليل حجم الخسائر قدر المستطاع، وإلى نص الحوار:

■ فى تعليق عام على ثورة ٢٥ يناير ومطالب الشباب فى ميدان التحرير ومطالب جموع الشعب المصرى بدأ الدكتور أحمد جلال حديثه قائلاً:

- الناس مشغولة الآن بعملية التحول السياسى وتعديل مواد معينة فى الدستور، وهذا مهم فى الفترة الحالية بكل تأكيد، لكن أكثر ما يهمنى الآن وأعتقد أنه لو تحقق ستكون ثورة الشباب فعلاً أحدثت فرقاً كبيراً فى حياتنا وحياة الأجيال القادمة، هو تغيير الدستور بالكامل، فأنا لست قلقاً من فترة التحول هذه، فما يهمنى الآن هو تغيير الدستور، لأن هذا هو الذى سيضمن التوازن بين القوى المختلفة،

فنحن نريد دستوراً مبنياً على أساس المواطنة وحماية حقوق الأقليات، والتوازن بين السلطات، ثم نغير القوانين التى تنفذ ما جاء فى الدستور الجديد فيما بعد، والقانونيون ليسوا الوحيدين الذين يجب أن يشتركوا فى صياغة الدستور، فالدستور أخطر من أن يترك للقانونيين، بل يجب أن يشترك فى صياغة الدستور كل فئات المجتمع، وأعتقد أنه لو لم ينتج عن هذه الثورة غير دستور جديد يعيد تنظيم وحكم البلد ويخدم المجتمع لسنوات قادمة، سنكون حققنا أسمى وأرفع هدف من الثورة.

■ ما حجم التكلفة الاقتصادية الذى ستدفعه مصر من ثورة يناير؟

- لا أحاول حتى حصر هذه التكلفة.. كبيرة كانت أم صغيرة، لأننى أعتقد أنه حتى ولو كانت التكلفة الاقتصادية ضخمة فهى تكلفة محتملة فى النهاية، ولا تقارن بحجم الإنجازات التى سنحققها جراء هذه الثورة، ولا أقصد هنا المكاسب السياسية فحسب، وإنما أيضاً المكاسب الاقتصادية، فأنا أتوقع تحسن المناخ الاقتصادى والاستثمار بشكل يفوق كثيراً ما شهدناه من قبل.

■ لكن هل يمكن أن نطمئن إلى كونها تكلفة لن تؤدى إلى الانهيار الاقتصادى؟

- لا.. ولا أرى أى سبب لانهيار الدولة اقتصادياً.. وعادة الاقتصاد يتأثر بعض الشىء فى بداية الأزمة ثم يعود ويتوازن، بل سيتحسن أكثر فى المستقبل.. الأزمات التى يمكن أن تهز البلد حقيقة هى أن نكون غير قادرين على دفع التزاماتنا من الديون الخارجية وهذا لن يحدث بإذن الله، والأمر الثانى أن تحدث هرولة على البنوك لسحب الودائع، مثلما حدث فى الأرجنتين وهذا فعلاً يحدث خللاً كبيراً، لكن البنك المركزى اتخذ إجراءات سليمة فى هذا الاتجاه وحدد حداً أقصى لسحب الأموال.. وعموماً الخسائر الاقتصادية أياً كان حجمها لا تعادل حجم النفع، وأنا لست قلقاً بل أنا محتفل بما يحدث الآن، والذى أرى أنه كان لابد أن يحدث منذ زمن طويل.. والتكلفة تستحق أن نتحملها لأن العائد سيكون أكبر بكثير.

■ لكن قد تسوقنا الفرحة بما يحدث إلى زيادة الخسائر وبالتالى قد تطول مدة الإصلاح؟

- لم أقصد بما قلت أنه يجب أن نخسر أكثر، لكننى كنت فقط أوضح أنه لا شىء دون ثمن، والثمن محتمل، ولكن فعلاً المطلوب الآن فى ظل الأزمة، هو محاولة تقليل الخسائر، بعدد من الإجراءات يأتى على رأسها سرعة إتمام التحول السياسى وحل الأزمة الراهنة، والحل الثانى يكمن فى السياسات الاقتصادية التى سنتبعها خلال وبعد الأزمة، منها- على سبيل المثال- إغلاق البنوك عدة أيام كما حدث فى بداية الأزمة، ففى مثل هذه الأزمات يحدث قلق لدى الناس،

وأول ما يفكرون فيه هو الهرولة على البنوك لسحب ودائعهم، ظناً أن البنوك ستفلس، خاصة أن الفكرة الأساسية فى البنوك أنه لا يتم وضع ودائع الناس داخل البنك، فهناك جزء مسلف للشركات وللأفراد، فلو أن الكل ذهب إلى البنك لسحب ودائعهم فلن يجدوا أموالهم، لذا حدد محافظ البنك المركزى حداً أقصى لسحب الأموال، وأنا أتصور أن هذا قرار سليم، ومن ناحية أخرى خرج محافظ البنك المركزى ليطمئن الناس أن كل ودائعهم يضمنها البنك المركزى، وكل الإجراءات التى اتخذت فى هذا السياق جيدة للغاية.

■ هل إغلاق البورصة حتى الآن نوع من المناورة السياسية لتقليل الخسائر أيضاً؟

- نعم بكل تأكيد، هى مناورات سياسية واقتصادية، فإغلاق البورصة مؤقتاً أيضاً قرار جيد، لأن هذه الفترة تمنح بعض المستثمرين فرصة للتروى والتفكير، والهدوء النسبى للأمور قد يؤجل عمليات البيع، التى كان مصراً عليها البعض فى بداية الأزمة، ومع ذلك من المؤكد أن البعض سيخرج من البورصة.

■ ما أكثر القطاعات تضرراً من وجهة نظرك؟

- التضرر فى قطاع السياحة واضح تماماً للعيان، وإغلاق بعض المصانع وحرق بعض المنشآت له تأثير أيضاً، لكن أكثر ما يزيد قلقنا هو هروب «رأس المال الساخن» فور فتح البورصة كما قلت، وفى الغالب سيقرر عدد كبير من المستثمرين الأجانب الخروج من مصر.

■ ماذا عن ارتفاع سعر الصرف؟

- كما قلت المتوقع هو هروب بعض الأموال إلى الخارج، إضافة إلى نقص الدخل من قطاع السياحة، وكذلك نقص عوائد التصدير إلى آخره، وكلها أمور ستؤثر على سعر الصرف، بتقليل قيمة الجنيه، والسؤال هنا هو هل البنك المركزى لديه النية فى الدفاع عن هذا السعر أم لا.. بمعنى هل سيستخدم البنك المركزى الاحتياطى النقدى لديه والبالغ ٣٦ مليون دولار لتقليل الضغط على الجنيه المصرى؟!

■ هل من المفيد تدخل البنك المركزى بضخ الاحتياطى النقدى لديه؟

- رأيى أنه يجب أن يستخدم حزمة من الإجراءات يسير جميعها فى نفس التوقيت، فلا يصح أن يقول البنك المركزى إن لديه احتياطات كثيرة وإنه سيضخها للحفاظ على قيمة الجنيه، فالتجارب الأجنبية التى انتهجت هذا النهج أنفقت احتياطاتها بسرعة شديدة دون أن تتمكن فى النهاية من إنقاذ عملتها، ومثال على ذلك المكسيك،

فالاعتماد على الاحتياطات فقط ليس فكرة جيدة، إنما يجب أن يترك سعر الجنيه يتغير بعض الشىء، وفى مرحلة ثانية يتدخل البنك المركزى بالاحتياطات للحفاظ على سعر الصرف، بمعنى أنه يجب اتباع حزمة من القرارات تسير بالتزامن لمحاولة السيطرة على الأمر، وهناك حلول أخرى من الممكن أن تساعد محافظ البنك المركزى على الحفاظ على سعر الصرف، لكنها خارجة عن إرادته، وتتمثل فى سرعة الحل السياسى للأزمة، وأن تتم طمأنة المستثمرين.

■ قلت إن الخوف الحقيقى يكمن فى هروب رأس المال الساخن والسريع، لأنه يمثل النسبة الأضخم فى نوعية الاستثمار.. هل معنى ذلك ترتب حدوث كارثة فادحة بسبب ذلك؟

- لست متأكداً من حجم الأموال الساخنة فى مصر، ولكن من المؤكد أن جزءاً من الأموال سيخرج خارج مصر، مما سيشكل ضغطاً على الجنيه المصرى، وسيصبح هناك تباطؤ إلى حد ما فى نمو الاقتصاد، لكن بالأدوات التى ذكرتها سواء التى يملكها البنك المركزى أو التى يملكها السياسيون يمكن الخروج بأقل الخسائر الممكنة.

■ البعض يتوقع هروب الاستثمار من مصر إلى أجل غير مسمى؟

- أنا متأكد أن هذا التحول السياسى، الذى تمر به مصر حالياً سيحقق اجتذاباً قوياً للاستثمار فى المستقبل وأكبر بكثير مما شهدنا فى الماضى، ليس فى الاستثمار الخارجى فقط إنما أتوقع أيضاً زيادة الاستثمار الداخلى أيضاً، فالاستثمار يتطلب بيئة فيها شفافية، ومحاسبة وقدرة على توقع المستقبل وعدم وجود قلق من التغيير فى السياسات بشكل فجائى، وهذا ما أتوقعه للمستقبل المصرى، بعد الانتهاء من عملية التحول السياسى، ولا يجب أن ننسى أن حجم الاستثمار سيتوقف أيضاً على سياسة الحكومات المتعاقبة من الآن وصاعداً.

■ ما الأخطاء الكبرى التى وقعت فيها الحكومات السابقة وأدت إلى تردى الأوضاع الاقتصادية التى عانى منها الشعب طوال الفترة الماضية؟

- الحكومات المتعاقبة منذ عام ٩١ حتى نهاية فترة حكومة ما قبل ثورة ٢٥ يناير، كانت تهتم بالنمو عن طريق جذب الاستثمار والتركيز على القطاع الخاص فقط، وأنا أرى أنه كان ينقصهم أن يعطوا نفس القدر من الاهتمام إلى العدالة الاجتماعية، وكان يجب أن يتم توزيع عوائد النمو فى نفس اللحظة التى يحدث فيها النمو وليس بعدها.

ولكن كل ما أخشاه الآن أن الحكومة الجديدة والحكومات المقبلة يتحول تركيزها إلى العدالة الاجتماعية وتنسى فكرة النمو، أى من النقيض إلى النقيض، وهذا خطر أيضاً لأننا وقتها سنوزع مالاً لا نملكه كرد فعل لما كان يحدث من قبل.

■ تقصد زيادة العلاوة الاجتماعية إلى ١٥٪؟

- نعم.. بل وأيضاً تخصيص ٥ مليارات كتعويضات لمتضررى ثورة ٢٥ يناير، وغيرها من السياسات التى تهدف إلى استرضاء الشعب دون النظر إلى عجز الموازنة ومصدر الأموال والأثر الاقتصادى لها وغيرها من الأمور، وأنا أعذر الحكومة فى هذا لأنها لم يتم منحها الوقت الكافى بعد لتدبير الأمور.

■ ما أفضل الحلول إذن؟

- أن نتبع نفس النهج الذى اتبع فى تشيلى بعد عهد «بينوشية» حيث أبقوا على جميع السياسات الاقتصادية التى تستهدف النمو إلى جانب سياسات اجتماعية رشيدة ورصينة، وأن نعيد النظر فى سياسات الدعم والضمان الاجتماعى وبنك ناصر وغيرها من الموضوعات التى غرقنا وتهنا فيها ولم نصل لحل لها حتى الآن. بمعنى آخر الحل يكمن فى المزاوجة بين السياسات الاقتصادية التى تحفز النمو والسياسات الاجتماعية التى تحقق مردوداً للنمو على الناس.

■ لكن حتى السياسات الاقتصادية السابقة التى كانت تستهدف النمو كانت بها أخطاء؟

- عملية الإصلاح الاقتصادى مستمرة دائماً ولا تتوقف، وأنا عن نفسى لدى بعض التحفظات على السياسات الماضية مثل القانون الأخير الذى صدر بشأن مشاركة القطاع الخاص والحكومة فى تقديم الخدمات العامة، حيث لم أر منطقاً فى هذه الشراكة، فالقطاعات التى نتحدث عنها متنوعة ومختلفة ولا يمكن الحديث عنها كلها بنفس المنطق ووضعها فى نفس البوتقة، فالصرف الصحى مختلف عن التعليم ومختلف عن الكهرباء إلى آخره، فمثلاً مشكلة التعليم فى مصر ليست فى بناء المدارس لأشارك القطاع الخاص ليبنيها لى، إنما هى أعمق وأكبر وأخطر وأكثر تعقيداً، فنحن فى حاجة إلى حل أزمة المناهج وأساليب التعليم وتحسين أحوال المعلم.

كما لم أفهم كيف يتم إلقاء المسألة برمتها على وزارة المالية للبت فيها، من قال إن إصلاح التعليم مثلاً مسألة مالية بحتة، لا يجب التعامل مع مشكلات مصر على أنها مشكلة مالية ونحتاج إلى القطاع الخاص فى الشراكة فى هذه الخدمات وتم وضع سياسات التسعير، وطرق لحفظ الحق للمستهلك والمنتج، وهذا هو دور الدولة.

■ هل لديك ملاحظات أخرى على السياسات الاقتصادية؟

- هناك أمور كثيرة لا أود تفصيلها جميعاً، لكنى مثلا لست راضياً عن زيادة عجز الموازنة وعدم وصولنا بالسياسات المالية إلى ما نطمح إليه، فكان يفترض وفقا لقانون صدر فى ٢٠٠٣ أن يستهدف البنك المركزى معدل التضخم بدلاً من سعر الصرف ولكن لم نصل إلى ذلك حتى الآن، إضافة إلى سياسات اقتصادية بدأناها ولم ننته منها بعد.

■ البعض اعتبر الاعتصامات والاحتجاجات التى شهدتها مصر طوال السنة الماضية والخاصة بالأجور وتردى الأوضاع الاقتصادية كانت مؤشراً من مؤشرات الثورة؟

- أولا أنا أختلف مع من يقول إن ثورة يناير كانت بدوافع اقتصادية بحتة، فهذا تفكير قاصر، والدليل خروج الأغنياء وطلبة الجامعات الخاصة، إنما المطلوب هو الحرية والكرامة، والاقتصاد كان أحد الأسباب، ولكن رأيى أن الأسباب الرئيسية هى اختفاء النظام الشمولى من العالم والدول تقلد بعضها فلم يعد هناك نظام شمولى نقلده، وأهم دافع على الإطلاق هو زيادة الفوارق الاجتماعية، فالغنى والفقر فى مكان واحد بشع ولا يساعد على الاستقرار السياسى، والمفروض الأغنياء يقلقون أكثر من الفقراء.. فالأزمة لم تكن أزمة بطالة وحسب وإنما أزمة تطلعات، كل مواطن ينظر لما عند المواطن الآخر.

■ ألم تكن لك ملاحظات على سياسة الخصخصة التى زادت الأمور احتقانا؟

- رأيى أننا لم نخصخص ما يكفى، فالخصخصة وسيلة لتحقيق نفع عام، إذا تمت بطرق جيدة، وقد تضر إذا تمت بطريقة سيئة، وما تم بيعه فى مصر يعد عدداً بسيطاً جداً مما تملكه الدولة، فالدولة تتحكم فى قطاع الأعمال أكثر مما يجب، بل فى نشاطات لا تتمتع الدولة بقدرة على إدارتها بكفاءة، الخصخصة عموما مفيدة جدا للمجتمع، ولكن المهم كيف تنفذ.

■ فى رأيك كيف تم تنفيذها فى مصر؟

- الخصخصة، نفذت على طريقة «ولا تقربوا الصلاة»، ونسوا «وأنتم سكارى».. وتم اختزال الخصخصة فى موضوع بيع «عمر أفندى»، الدولة عليها أن تملك النشاطات التى لها طبيعة احتكارية بحكم التكنولوجيا مثل الاتصالات أو خدمات توزيع الكهرباء أو شبكات المياه، لا أن تملك شركات الأسمنت والسكر والمنسوجات.

■ لكنها سلع استراتيجية؟

- ماذا تعنى كلمة سلع استراتيجية؟! المعنى فى بطن الشاعر، والمسألة نسبية، فلا يجب إدارة الاقتصاد على طريقة امتلاك بعض السلع لتحقيق الأمان، فهذا ليس منطقاً اقتصادياً، الدولة يجب أن تنوع اقتصادها فى كل ما لها فيه ميزة نسبية، والتنويع فى حد ذاته يحقق التقدم الاقتصادى فكل الدول التى بدأت معنا وتحولت إلى قوى اقتصادية ضخمة مثل كوريا الجنوبية قامت على التنوع فى التصنيع.

■ السياحة والبترول وقناة السويس وتحويلات العاملين بالخارج.. إلى أى مدى ترى تأثر موارد الدخل الأساسية لمصر بثورة يناير؟

- منذ منتصف السبعينيات والاقتصاديون يقولون لنا إن اقتصادنا يعتمد على قناة السويس وتحويلات المصريين فى الخارج وإننا عرضة للانهيار فى أى لحظة، وأنا أعتقد أنهم فى ذلك «نصف صح» بمعنى أن هذه موارد دخل أساسية فعلاً، لكن منذ السبعينيات حتى الآن كل التغيرات فى هذه الموارد بسيطة، وحتى ولو تغير بشدة فى لحظة ما سرعان ما يعود ويتوازن، لذا لا يوجد قلق من ذلك،

المشكلة الحقيقية أننا لم نستطع استغلال إمكانياتنا بالشكل الأمثل لتحقيق عائد اقتصادى أعلى.. فمثلاً السياحة فى مصر غنية ومتنوعة ومع ذلك فشلنا فى استغلالها كمصدر حقيقى لزيادة الدخل. كما أننا تجاهلنا إمكانيات أخرى كان من الممكن أن تحقق دخلاً كبيراً لمصر، وهى تصدير العمالة المصرية، طوال الوقت نوقع اتفاقيات تجارة حرة لتصدير سلع وخدمات والتى عائدها ليس على المستوى حتى الآن، نريد الآن عمل اتفاقيات تجارة حرة مع الدول العربية لتصدير العمالة المصرية، هجرة مؤقتة، فالثروة البشرية ميزة نسبية يمكن استغلالها فى زيادة الدخل.

■ ما نوع الاستثمار الذى يجب دعمه فى المستقبل؟

- ليس على الدولة أن تدعم نوعاً معيناً من الاستثمار، إنما عليها تحسين مناخ الاستثمار بشكل عام، وتوفير البنية التحتية أهم بكثير من دعم نوع معين من الاستثمار هذا أولاً، ثانياً علينا التفكير فى طرق جديدة ومبتكرة لتشجيع الاستثمار، فمثلاً من الممكن أن أدعم الشركات التى تشغل عدداً أكبر من العمال، أو أدعم الشركات التى تعيد استثمار أرباحها فى الشركات مرة ثانية وهنا أشجع الاستثمار والتشغيل فى نفس الوقت، يهمنى أيضا العدالة فى التوزيع الجغرافى للاستثمار وهنا يجب أن أنفق أكثر على البنية التحتية فى الصعيد وتدريب شباب الصعيد.

■ ما رأيك فى الاتهامات التى وجهت إلى حكومة رجال الأعمال السابقة.. وإلى أى مدى ترى تأثيرهم على الاقتصاد؟

- المشكلة الحقيقية تكمن فى الإطار الذى يعمل فيه الناس فعندما تكون قواعد اللعبة مشوهة، لا توجد مساءلة ولا منافسة سياسية، وقتها يأتى رجال أعمال إلى الحكومة، أو رجال اقتصاد، أو رجال تكنوقراط، سنجد دائماً أن هناك مشكلة وفساداً، فأنا متأكد أنه كان هناك فساد، فهذا الفساد كان موجوداً أيضاً فى غير رجال الأعمال، وأنا لا أدافع عنهم لكن ما أقصده أن أى مجتمع غير منفتح وليس فيه مساءلة لابد أن يكون هناك فساد، كون رجال الأعمال زادوا الأمر إلى حد ما فهذا متوقع، لكن المشكلة فى النهاية فى النظام السياسى وليس فى الأشخاص،

فلو أتينا بحكومة ليس بها رجال أعمال نهائياً وقواعد اللعبة السياسية كما هى سيبقى الفساد ولن يتغير شىء، ونحن كاقتصاديين نلاحظ أنه مع الانفتاح الاقتصادى فى مصر أصبحت الرشاوى والفساد أقل فى مجالات التعامل مع السلع التى تتم التجارة فيها دولياً، ومعظم السلع التى يحدث فيها فساد فى مصر هى التى لا نبيعها أو نشتريها مع دول العالم، مثل الأراضى وشبكات الكهرباء، والمياه وغيرها، والفساد فيها كبير لأن صفقة واحدة يمكن أن تحقق ملايين وأحياناً بلايين.

■ ما حقيقة توجيه البنك الدولى وصندوق النقد الدولى للاقتصاد المصرى؟

- مدى استفادة الدول أو عدم استفادتها من روشتات البنك الدولى، متوقف على الدول فى الأساس ولا يتوقف على البنك الدولى، صحيح أنه فى بعض الأحيان عندما تعانى دول من أزمات مالية دون مساندة البنك الدولى فإن دور صندوق النقد يكون أقوى من العادى، لكن فى الأغلب الأعم المسؤولية تقع على الدول نفسها، وهاتان المؤسستان متغيرتان فى سياستيهما فى حين لانزال نحن نراهما بمنطق الخمسينيات ونردد أن البنك الدولى رفض تمويل السد العالى ونعمل نظرية المؤامرة،

عندما تكون الدولة محددة أهدافها وتعرف مصلحتها جيداً تستطيع أن تستفيد من هذه المؤسسات، فالدول هى التى تجعل منها خيراً أو شراً، وأنا عملت أكثر من ٢٠ عاماً فى البنك الدولى ودرست أوضاع ٣٠ دولة، وأعلم أن الاقتصاد يختلف من بلد إلى آخر، وليس ثابتاً، لذا أعنى أن المسؤولية تقع على الدول نفسها.

■ كيف تقرأ عرض صندوق النقد الدولى تقديم المساعدة لمصر أثناء الثورة.. وكيف تقرأ رفض الحكومة المصرية؟

- صندوق النقد كان يعرض المساعدة بشكل عادى على اعتبار أن الثورة ستحدث بعض الخسائر المالية، لكن فى اعتقادى أن رد الحكومة المصرية على عرضهم بالرفض، أتى من منطق الخوف من إعطاء انطباع بأزمات فى الاقتصاد المصرى، وإن كنت أرى أن الحكومة لو ارتأت أنها فى حاجة إلى المساعدة عليها أن تطلبها.

■ سؤال أخير.. علمت أنه عرض عليك تولى وزارة المالية فى الحكومة الجديدة لكنك رفضت.. لماذا؟

- لا تعليق.
----------------------------------------
نشر في المصري اليوم بتاريخ 13/2/2011
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=287717

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المتابعون