د. حازم الببلاوي



مستشار صندوق النقد العربى لـ«المصري اليوم»:
الاقتصاد المصرى لن ينهار.. و«مكاسب الثورة» ستعوض أى خسائر
---------------------------------------------------------
حوار رانيا بدوى ٢٥/ ٢/ ٢٠١١
---------------------------------------------------------

أشارت بعض التقارير الاقتصادية إلى خسائر بقيمة ١٠٠ مليار جنيه مصرى منذ بداية ثورة ٢٥ يناير، وهى الفاتورة المرشحة للازدياد إذا لم تتم معالجة الوضع السياسى المصرى بشكل سريع ومنظم.. ورغم أن الأرقام قد تبدو ضخمة، فإن الخبير الاقتصادى الدكتور حازم الببلاوى، مستشار صندوق النقد العربى، يؤكد أنها خسائر يمكن تعويضها فى المستقبل إذا ما تحسن الوضع السياسى وتم إعمال الرقابة والمساءلة والشفافية، ولكنه حذر من مغبة الإفراط فى استرضاء الشعب المصرى بالتعويضات والعلاوات حتى لا يؤدى ذلك إلى زيادة عجز الموازنة وإلى نص الحوار:

■ مازالت الفاتورة الاقتصادية التى ستدفعها مصر بعد ثورة ٢٥ يناير ترتفع يوما بعد الآخر والبعض متخوف من عدم القدرة على سدادها فى المستقبل وحدوث انهيار اقتصادى؟

- لا أعتقد أن هناك احتمالا لانهيار اقتصادى، وإن كان هناك بالضرورة بعض الخسائر، خاصة بالنسبة لقطاع السياحة. أما بالنسبة للاستثمارات الأجنبية، فبالرغم من أن هناك احتمالا لخروج بعض الأموال، فإنه فى الغالب سيكون وضعاً مؤقتاً، وتعود الاستثمارات بعد ذلك وربما بأحجام أكبر عندما يتحقق الاستقرار السياسى والأمنى.

■ ولكن بعض التقارير الاقتصادية أشارت إلى خسائر بنحو ١٠٠ مليار جنيه تكبدتها مصر منذ اندلاع الثورة أى بما يوازى ٣٥٠ مليون دولار يوميا؟

- أنا أعتقد أن كل الأرقام هى أرقام تقريبية واحتمالية ولا أحد يعرف حجم الخسائر بالضبط. والأكيد أن هناك خسائر، ولكن لا ينبغى المبالغة كثيراً، فالأكيد أيضاً أن التغيير والإصلاح ستترتب عليهما فوائد ومكاسب هائلة، بحيث تعوض أى خسائر. هذه الخسائر هى بمثابة الاستثمار لمستقبل أعتقد أنه سوف يكون مشرقاً، إذا استطاعت مصر أن تضع أسس نظام سياسى واقتصادى سليم وكفء ونزيه، فهذه مكاسب تبرر أى تكاليف.

■ وما الإجراءات الاقتصادية السريعة التى يجب اتخاذها فوراً لتقليل الخسائر؟

- لا أعتقد أن المشكلة العاجلة هى مشكلة إجراءات اقتصادية، وإنما هى مشكلة استعادة الاستقرار السياسى والأمنى ويكون ذلك باتخاذ الإجراءات السياسية المناسبة، لتوفير الثقة للمواطنين بأن أهداف الثورة محل رعاية وأنها لن تتعرض للاختطاف أو التجاهل، كذلك هناك ضرورة لاستتباب الأمن وشعور المواطنين بأن الشرطة قد عادت إلى مواقعها، وأنها سوف تعمل على تجاوز الأخطاء السابقة، بحيث يعود جهاز الشرطة من جديد للعمل فى خدمة الشعب.

وهكذا، فالمسألة الملحة الآن سياسية وأمنية بالدرجة الأولى والمشكلة الاقتصادية لا يمكن التعرض لها، طالما المشكلة السياسية والأمنية غير مستقرة.

■ ما توقعاتك لما سيحدث فى البورصة فور فتح أبوابها؟

- القضية كلها قضية ثقة فى الأوضاع الحالية والمستقبلية، فإذا استمر الشعور بعدم الاطمئنان إلى الاستقرار، فإن الأسعار سوف تتعرض للهبوط، وعلى أى حال فإن هذه الفترة مؤقتة بطبيعتها، وهى فترة قلق وعدم يقين، وهى أمور لا تساعد على استقرار الأسعار، وهناك حاجة ماسة إلى استعادة الثقة فى المستقبل. وإذا تحقق ذلك فليس من المستبعد أن تتحسن البورصة بشكل كبير فى مستقبل غير بعيد.

■ كيف تلقيت الأخبار عن وصول حجم ثروات المسؤولين السابقين إلى المليارات وكيف تم تكوين هذه الثروات إذا صحت الأرقام؟

- طبعا كان هناك انطباع عام لدى معظم المصريين بأن درجة الفساد قد زادت فى مصر فى الآونة الأخيرة، وأن زواج السلطة ورأس المال خلق أوضاعاً شاذة يختفى فيها الفاصل بين المال العام والمال الخاص، أما الأرقام التى ذكرت فأعتقد أنها تميل إلى المبالغة ليس لأننى أثق فى ذمة المسؤولين، ولكنى أعتقد أن الأرقام مبالغ فيها وإن كان هناك فساد كبير وشائع وبأرقام كبيرة.

■ ما أكثر المجالات الاقتصادية من وجهة نظرك التى شهدت فسادا ضخما فى الفترة السابقة؟

- هناك مجالات متعددة من أهمها بيع أراضى الدولة، وعمليات الخصخصة، وطرق وكيفية إرساء المشروعات الكبرى، كذلك هناك جهات عرفت عنها درجات عالية من الفساد مثل المحليات وتجارة البترول والغاز.

■ وهل تعتقد أن النظام الجديد، الذى سيشكل بعد أشهر معدودة سيوقف التعاون التجارى مع إسرائيل ويوقف تصدير الغاز المصرى؟

- التعامل مع إسرائيل يحظى باهتمام كبير من الأوساط العالمية فلا أعتقد أنه سيكون من أولويات السياسات القادمة التى تواجه مشاكل هائلة فى سبيل وضع أسس نظام ديمقراطى جديد، وإصلاح العديد من المؤسسات القائمة، وقد أعلنت مصر احترامها جميع التعهدات الدولية والاهتمام الأكبر سيكون موجها للإصلاح الداخلى وعدم فتح جبهات جديدة فى الخارج.

■ اتخذت حكومة تسيير الأعمال بعض القرارات الاقتصادية لطمأنة الناس وامتصاص غضبهم مثل رفع العلاوة الاجتماعية إلى ١٥% ومعاش استثنائى للبعض وكادر لضباط الشرطة وتعويضات للمتضررين، فهل تعتقد أن لذلك تأثيراً على الموازنة العامة أم لا؟

- هذه كلها مسكنات سريعة لا تحل المشكلة، وبطبيعة الأحوال سيكون لها تأثير سلبى على توازن الميزانية، حيث ستترتب عليها زيادة عجز الميزانية وما يلحق بها عادة من ارتفاع فى الأسعار، ولكن الحكومة معذورة، وكان عليها أن تفعل شيئاً وبسرعة، ولكن الحلول الجادة تتطلب وقتا ولكنها الأجدى.

■ كيف تقرأ الاعتصامات والاحتجاجات التى تعج بها البلاد الآن وإلى أى مدى تؤثر على الاقتصاد؟

- هذه الموجة من الاحتجاجات سيكون لها تأثير على تعطيل الإنتاج فى العديد من المصانع والمرافق وبالتالى فإنها ستؤثر على الإنجاز الاقتصادى فى المدة القصيرة، ولا يمكن حل هذه المشكلة بسرعة، وتحتاج إلى إعادة النظر فى العديد من الأمور مثل هيكل الأجور والرواتب بشكل عام، والمطلوب هو استعادة الثقة بأن الحكومة جادة فى الوصول إلى حلول إصلاحية عامة، وليس مجرد مسكنات هنا وهناك مع بقاء التشوهات الخطيرة فى هياكل الأجور والرواتب من ناحية وأولويات الإنفاق من ناحية أخرى، ونتائج مثل هذه الإصلاحات تتطلب بعض الوقت، ولذلك فإن المشكلة هى مشكلة ثقة فى قدرة المسؤولين على الوفاء ببرامج الإصلاح.

■ ما توقعاتك لنسبة النمو فى المرحلة القادمة؟

- إذا تحقق النجاح فى تغيير الأوضاع السياسية والاقتصادية فلا شك أن مصر سوف تعرف فى مستقبل غير بعيد ربما بعد عدة سنوات نهضة اقتصادية، وعلى العكس فإذا لم ننجح فى إحداث التغيرات السياسية والاقتصادية المطلوبة فإن البلد قد يتعرض إلى مشكلة خطيرة.

■ ذكرت لى فى حوار سابق وجود بنود فى الموازنة العامة للدولة يتم من خلالها إخفاء بعض المصروفات بطرق متعددة حتى لا تظهر أمام الرأى العام فكيف ننهى هذا الفساد فى المستقبل؟

- الحقيقة أن المساءلة الحقيقية للحكومة تتم من خلال مراقبة الإنفاق، فالدولة لا تتصرف فى أى شىء إلا من خلال تخصيص موارد مالية للإنفاق، وهكذا فإن الرقابة الحقيقية على نشاط الحكومة هى مراقبة الميزانية من إيرادات وإنفاق، ودونها فإن الحديث عن الرقابة هو مجرد كلام مرسل، وسيطرة الكونجرس الأمريكى على سياسة الحكومة تتم من خلال الرقابة على بنود الميزانية، فالبرلمان الأمريكى لا يستطيع إقالة الرئيس إلا فى حالة ارتكابه جريمة ولكن الأداة الفعالة لمحاسبة الحكومة هى الرقابة الصارمة على بنود الميزانية.

وهذه الرقابة لا تصبح ذات معنى إلا إذا كانت بنود الميزانية واضحة ومحددة ولا تحمل التأويل. والملاحظ على الميزانية فى مصر أنها بالغة التعقيد والتداخل والمرادفات بحيث لا يستطيع أحد أن يعرف تماماً ماذا حدث. ولذلك فإن أولى خطوات الإصلاح هى إعادة النظر فى شكل الميزانية والتأكد من عموميتها وأن تكون بنودها واضحة ولا يجوز التغيير فيها إلا بموافقة من البرلمان أو حتى فى حدود واضحة ومحددة. كذلك فإن تعدد الميزانيات للحكومة والهيئات العامة والمحليات وتداخلها أحد أهم أسباب عدم الوضوح واختلاط الأمور لدى القارئ.

■ كيف يمكن السيطرة على الدين العام فى الفترة القادمة؟

- يجب أن نعرف أن المشكلة كبيرة وحجم الدين العام كبير جداً، وربما سوف يتزايد قبل أن يمكن السيطرة عليه وبداية انخفاضه، وهناك حاجة إلى إعادة النظر بشكل كامل فى أولويات الإنفاق وترشيدها بشكل جوهرى وفعال، كذلك فإن النجاح فى تحقيق الاستقرار السياسى والاقتصادى سوف يساعد على مزيد من الاستثمار من الداخل والخارج فى فترة ليست بعيدة بالضرورة، وهناك شروط لذلك من أهمها كما قلت عودة الشفافية لكل بنود الإنفاق، وأن تكون هذه البنود واضحة، حيث جرت العادة على دمجها بأشكال تجعل من الصعب معرفة ما يتم إنفاقه وكيف، كما أن هناك مجالات كثيرة غير معلنة، وهكذا فإن الشفافية والمساءلة تساعدان على توفير الثقة وهذا بدوره يساعد على ضخ الموارد المالية من الداخل والخارج، وعلاج المشكلة الاقتصادية هو فى جوهره علاج للوضع السياسى والقانونى الذى يخلو من الشفافية والمساءلة.

■ كيف يتم استرداد أموال التأمينات الاجتماعية وفصلها عن وزارة المالية؟

- أموال التأمينات الاجتماعية مسألة خطيرة، ولكن لا أعرف تفاصيلها. فوزيرة الشؤون الاجتماعية السابقة السيدة ميرفت التلاوى، تقول إن وزارة المالية تستخدم هذه الموارد، ووزير المالية السابق دكتور يوسف غالى يقول إن الوزارة لا تمس هذه الأموال، وطبعاً المساس بأموال التأمينات أمر خطير ويهدر حقوق أصحاب المعاشات. والسؤال: لماذا ترتبط هذه الأموال أصلاً بوزارة المالية، فمجرد خضوعها لوزير المالية يدعو إلى الريبة.. لذا لابد أن يعاد النظر فى هذا الملف.

■ هل آن الأوان لفتح ملف إيرادات قناة السويس وضرورة تخصيصها لما ينفع البلاد بعد ما سمعناه عن تخصيص الجزء الأكبر للإنفاق على مؤسسة الرئاسة؟

- كل هذه تفاصيل والأكيد أن التغيير سيؤدى إلى حسن استخدام الموارد الاقتصادية لكل القطاعات وبكفاءة أكبر.

■ فى كم عام وبأى خطة يمكن أن تصل مصر إلى صف ماليزيا وكوريا الجنوبية وغيرهما من الدول التى كنا نضاهيها فى الماضى؟

- لا أحد يستطيع أن يضع جدولاً زمنياً، ولكن هناك حقيقة وهى أن الاقتصاد المصرى فى مفترق الطرق فقد يستمر فى الأداء العادى الذى كان فى الفترة السابقة وقد ينطلق إلى آفاق قد تدهش العالم، وهذا يتوقف على القدرة على توفير طاقات العمل والمشاركة بين أبناء مصر، وقد بدأت الخطوة الأولى بنجاح وهى ثورة ٢٥ يناير، وأنا شخصيا متفائل بالمستقبل، وكان تحفظى على السياسات الاقتصادية السابقة أنها فى سعيها للنمو لم تكن لديها أى رؤية واضحة لاستراتيجية لمستقبل مصر الاقتصادى، وقد أشرت إلى أن مصر بحاجة إلى استراتيجية تستند إلى ظروفها الخاصة، والتى يمكن اختصارها فى نمو سكانى كبير وموارد طبيعية محدودة، ولذلك فإن المطلوب هو وضع استراتيجية تأخذ فى الاعتبار ثلاثة عناصر أولها سياسة سكانية واعية، فنحن لا نستطيع الاستمرار مع معدل النمو السكانى القائم، حيث يتضاعف عدد السكان كل ٢٨ سنة،

ثانياً: كما نحتاج إلى استراتيجية للتصنيع مع ندرة الموارد الطبيعية فى مصر بعكس ماليزيا أو الصين أو الهند، والمخرج الوحيد من فقر الموارد هو العمل على زيادة الإنتاجية، وهذا لا يتحقق إلا عن طريق الاستخدام المتزايد للتكنولوجيا الحديثة، وهذا مجاله التصنيع، ولكن التصنيع ليس مجرد مصانع هنا وهناك، ولكنه يقوم على بناء مراكز متكاملة للإنتاج ربما تحقق للبلد قدرة محلية على تطوير التكنولوجيا، وليس من الضرورى أن تكون الصناعة لسلع كاملة الصنع، فقد تكون صناعات مكونات الإنتاج مهمة أيضا،

وثالثاً: نحتاج إلى الارتقاء بالتعليم بمختلف مجالاته، ويرتبط بذلك البحث العلمى والتطوير التكنولوجى، وإذا نجحت مصر فى وضع مثل هذه الرؤية فقد تنتقل وتحقق قفزة اقتصادية هائلة فى ثلاثة عقود.. وهى الفترة التى حققت فيها الصين معجزتها الاقتصادية، وتساوى مدة حكم مبارك.
-------------------------
نشر في المصري اليوم بتاريخ 25 فبراير 2011
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=288839&IssueID=2057

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المتابعون