د.يوسـف القرضـاوي

الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ١ - ٢
قوانين الإرهاب والطوارئ مخالفة للشريعة
-------------------------------------
كتب رانيا بدوي ٨/ ٩/ ٢٠٠٨
-------------------------------------


الدين والدولة.. وفلسفة الحكم في الإسلام، قضية لم تحسم بعد فالمسلمون - منذ صدر الإسلام وحتي الآن، لم يختلفوا في العقيدة ولا العبادات، ولكن سياسة الدولة وطبيعة الحكم هي التي فجرت الصراعات وأدت إلي ظهور التيارات المختلفة، منها الشيعة والمعتزلة وغيرهما.


قضية طبيعة السلطة في الدول الإسلامية، شغلت العلماء كثيراً، اختلفوا عليها وحولها، ولكنها مازالت تطرح مع تزايد المد العلماني في بعض أنظمة الحكم، والفصل بين ما لقيصر وما لله، وتطرف بعض أنظمة الحكم الاسلامي.. وظهور شعارات دينية لا تري الحل إلا في دولة دينية.. أين نقف؟.. فلا الحكم العلماني أخرج العرب من ورطتهم ولا الديني صحح مسارهم..


لذا وجب السؤال من جديد: هل أوصي الإسلام بأن تكون السلطة علي المسلمين دينية، أم مدنية؟ أم أنه لم يحدد موقفاً ولم يوص بطبيعة محددة للسلطة. الثابت تاريخياً أن الإسلام لم يورث أتباعه قواعد محددة جاهزة تصبح بمثابة المعتقدات الجامدة التي لا تقبل المناقشة أو التغيير.
حول الدين والدولة فتحنا باب المناقشة مع الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين..


* هل يوجد في الإسلام ما يسمي «الدولة الدينية»؟
- الدولة التي يقدمها الإسلام ليست دينية بل مدنية، مرجعيتها الشريعة الاسلامية.. دولة مدنية يحكمها مدنيون ولا كهنة.

* الدين والدولة منفصلان أم ملتصقان؟
- الإسلام عقيدة وشريعة كما عبر عنه الشيخ محمود شلتوت، وبتعبير آخر هو عبادة ومعاملة، دين ودنيا، دعوة ودولة، وهذا يعني شمول الإسلام، فهو ليس عقيدة لاهوتية، بل منهج شامل جاء ينظم حياة الناس في جوانبها الروحية والمادية، وليس من الإنصاف أن نحصر الإسلام في الجانب اللاهوتي والعقائدي وحده، فهناك آيات تتعلق بالعقيدة، وأخري بالعبادة، وآيات تتعلق بشؤون الأسرة وأطول آية في القرآن تخص بالمعاملات وهي آ ية المداينة، وتتحدث عن كيف يستطيع الانسان توثيق دينه حتي لا يضيع، إضافة إلي آيات خاصة بالعقاب والحدود والقصاص،

وأخري تتعلق بالجانب الدستوري، وبعض يتحدث عن العلاقات الدولية التي يأمرنا ديننا بأن الأصل فيها هو السلم، وألا نحارب إلا من حاربنا إذ يقول المولي عز وجل في كتابه العزيز «فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلاً»، حتي بعد الحرب إذا أرادوا أن يسالمونا سالمناهم فالقرآن يقول «وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل علي الله إنه هو السميع العليم، وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله» صدق الله العظيم، والمقصود أنه حتي وإن أرادوا الخداع فاستجب إلي دعوة السلم.. فكيف نقول إن الإسلام محصور في ركن في المسجد.


* لكن بعض الإسلاميين يشتركون مع العلمانيين في القول بابتعاد الدين عن السياسة باعتبارها مدنسة وإذا اختلط بها الدين ربما حملوه أخطاء السياسة والسياسيين؟
- المشكلة أن الناس في عصرنا هذا ساء ظنهم بالسياسة التي تقوم علي الغدر والمكر والعبث بالأخلاق، كما أساءوا الظن بالسياسيين واعتبروهم قوماً لا ذمة لهم ولا ضمائر تحكمهم، فكره الناس السياسة والسياسيين، لذا قالوا أبعدوها عن الدين لأنها شر، لكن السياسة الحقيقية هي تدبير أمر الخلق مما يجعل الناس أقرب إلي الصلاح والبعد عن الفساد وما يحفظ عليهم دينهم ونسلهم وعقلهم وأموالهم وأن يعيشوا حياة طيبة، وإذا انحرف الناس بالسياسة فالدين لا ذنب له.

الدين يجب أن يدخل ويشترك في الحكم ليقي السياسة من الدنس وإن وقعت فيه يطهرها، هذه هي مهمة الدين.. الدين إذا دخل في شيء أصلحه.. وهذا أفضل من ترك السياسة لمن لا دين لهم.. لأن هذا يعني أن يسوس الناس من ليس لهم ضمير ولا دين ولا وازع أخلاقي لخير الناس، ومن مصلحتهم أن يحكموا من أناس يعرفون الدين ويتقون الله فيهم، ويرحمون الخلق، أما إذا تحالف أهل المال والسلطة أي رجال الأعمال مع الحكومة وأعضاء مجلس الشعب فسيكون الضحية هم الشعب.. فهؤلاء يعملون علي كسب الملايين علي حساب قوت من لا يجدون ما يمسك الرمق ولا يطفئ الحرق، لذا من الخير أن يدخل الدين في السياسة.


* هل كان الرسول صلي الله عليه وسلم رجل دين وحاكما في الوقت نفسه؟
- نعم كان يؤم الناس في الصلاة ويحكم بينهم في أمورهم.. وكان يسوس الناس ويقودهم في أمورهم الحياتية، وهكذا سار علي نهجه الخلفاء الراشدون وظل الإسلام ديناً ودولة ١٣ قرناً.


* البعض يقول إن الرسول كان نبي أمة جاء لتعميم الفضيلة والأخلاق وليس حاكم دولة.. والفرق بينهما كبير؟
- بل كان الاثنين معاً فنحن ندرس في علم أصول الفقه تصرفات الرسول صلي الله عليه وسلم، ورأيناه في وقت من الأوقات يتصرف بوصفه المفتي الأعلي والقاضي الأحكم والإمام الأعظم، والإمامة هي الرئيس الأعلي، ونجد علماء السياسة الشرعية عندما يعرفون معني الخلافة يقولون هي «نيابة عن رسول الله في حراسة الدين وسياسة الدنيا به» إذن الخلافة دين ودنيا معا، فالخليفة لم يكن سلطة روحية ومعه حاكم أو سلطة زمنية.


* بماذا ترد علي من يقولون إن النصوص القرآنية لم تتضمن المزيد من التفاصيل الخاصة بالحكم ولا كيفيته ولا ماهيته وإنما اهتمت بالشريعة والمعاملات والعقيدة؟
- لأن هذه هي طريقة الإسلام.. يترك في الشريعة أموراً مفتوحة لتكون متماشية مع الأقطار الاسلامية علي اتساعها وعلي امتداد أزمنتها، لأن شريعة الإسلام هي آخر شريعة لذا يجب أن يكون فيها من المرونة ما يسع كل التغيرات، فهناك أمور كثيرة غير الحكم وكيفيته لم يتطرق إليها القرآن وتركها لعقول المسلمين، والرسول صلي الله عليه وسلم يقول «ما حلل الله في كتابه فهو حلال، وما حرمه الله فهو حرام وما سكت عنه فهو عف، فاقبلوا من الله عافيته فإن الله لم يكن لينسي شيئاً» ثم تلا قول الله تعالي «وما كان ربك نسيا»، وهذا ما نسميه نحن منطقة العفو أو منطقة الفراغ من التشريع والتي يجتهد العلماء في ملئها بالقياس أو بالمصلحة أو برعاية العرف أو بالاستحسان أو بالاستصحاب.

القرآن بطبيعته في كثير من مواقعه نجده كلياً وليس فيه تفاصيل فمثلاً و«أمرهم شوري بينهم» أو «وشاورهم في الأمر» ولم يذكر لنا آليات الشوري، ومن الذين نشاورهم ولا عددهم ولا في أي أمور نأخذ بالشوري، ترك التفاصيل للعقل الإسلامي، لكل عصر أن يجتهد بما يلائمه، وكل دولة بحسب ظروفها، ومع ذلك هناك أمور وردت في القرآن بمزيد من التفصيل مثل شؤون الأسرة والزواج والطلاق والدين لأنها أمور لا تتغير بالزمن.


* البعض يخشي الحكم بالدين فتعود نظرية «الحق الإلهي» التي ظهرت في الحضارة المسيحية في القرون الوسطي ويصبح كل ما يقوله أو يتخذه الحاكم من قرارات محصناً وغير قابل للنقاش تحت دعوي أنه يحكم بالدين.. ومن يستطيع التجرؤ علي الدين؟!
- نعم نظرية «الحق الإلهي» التي تتحدثين عنها كانت أحد اختراعات الكنيسة الغربية لمزيد من إحكام قبضتها علي الشعوب، وكانت النتيجة أن ظهرت العلمانية في وجه هذه النظرية لتفصل الدين عن الدولة، والمقصود هنا دين الكنيسة التي تحكمت في الناس ومصائرهم، فحينما جاءت النهضة - التي تدين بالفضل إلي الحضارة الإسلامية - كانت الكنيسة هي التي تقف في وجه التقدم وتتبني أفكاراً ضد العلم، وكان العلم والدين في تعارض دائم. الكنيسة وقفت مع الحكام ضد الشعوب ومع الجهل ضد العلم، ومع الإقطاعيين ضد الفلاحين، فكان لابد من الوقوف في وجه الدين الذي كان يقف عقبة في سبيل العلم والحرية فانتصروا علي دين وجمود الكنيسة...


* وكيف انتقلت العلمانية إلي الإسلام؟
- انتقلت من باب التقليد الأعمي بدعوي أن الغرب لم يتقدم إلا عندما تحرر من الدين فعلينا أن نفعل مثلهم وهذا خطأ، لأن دين الغرب غير ديننا، والأزهر غير الكنيسة، والمسيحية غير الإسلام، فالعلم عندنا دين والدين عندنا علم.

والغرب غير الشرق وتاريخهم غير تاريخنا، وقد فرضت العلمانية علي المسلمين بالقوة وبالحديد والنار وبالرصاص وبالسجون، وظهر ذلك جلياً في تركيا، حيث انتصرت العلمانية علي الشعب التركي بهذه الطريقة وبقوة الجيش، وحتي اليوم الجيش هو الذي يحرس العلمانية في تركيا.


* في رأيك إلي أيهما تميل الشعوب العربية: الحكم الإسلامي أم العلماني؟
- الشرق عموماً مازال يرفض هذه الفكرة فلو عملت استفتاء في مصر نصه: هل ترضي بالعلمانية أم بالشريعة الإسلامية لحكم مصر؟ طبعاً الأغلبية ستشير إلي الشريعة الإسلامية، وعندما أتحدث عن الشريعة الإسلامية فيجب أن نفهمها فهماً صحيحاً في ضوء اجتهاد عصري صحيح وليس في ضوء الجمود والانغلاق.


* ألم يكن تزايد الاتجاه إلي العلمانية بسبب عدم وجود شخصيات إسلامية جيدة قادرة علي تسيير الأمور وحكم البلاد؟
- دولنا كلها تحكم بالعلمانية، ولا توجد دولة تقول بأنها تحكم بالشريعة الإسلامية إلا السعودية.. فإذا كان هناك خلل في الحكم فهو بسبب العلمانية وليس حكم الإسلام.

* ومع ذلك لم تقدم السعودية نموذجاً يحتذي به في الوطن العربي؟

- ولا البلاد الأخري التي لا تحكم بالشريعة الإسلامية، مثل سوريا والعراق ولا مصر، فلا أحد منهم تقدم وهم يحكمون بالعلمانية.. الشريعة الإسلامية لا تحكم وحدها بل عن طريق رجال، لذا يجب أن نربي رجالاً قادرين علي الحكم.. نحن نقول الآن في مصر إننا نحكم بالديمقراطية فهل نحن نحكم بالديمقراطية فعلاً؟ هذا ليس عيباً في الديمقراطية، إنهم يتبعون ديمقراطية الثلاث تسعات، وهذه ليست ديمقراطية فنحن كما ندعي الديمقراطية ولا نحققها، ندعي أيضاً الإسلام ولا نحققه.. وحتي الآن لم نجد دولة واحدة تقوم بتطبيق الشريعة الإسلامية باجتهاد عصري صحيح. ولكن عموماً الإسلاميون أكثر قبولاً لدي الشعوب العربية والإسلامية.

* ما الدولة التي تعتبرها تطبق الحكم الإسلامي كما يجب أن يكون؟

- ولا دولة.

* أليس غريباً أن تقول إنه لا توجد دولة إسلامية بحق في العالم كله، أليست مسألة تستحق التوقف؟

- إذا لم يسع الناس إلي إيجاد النموذج الإسلامي، فإنه لن ينزل لهم من السماء.. الدولة الإسلامية يجب أن يقيمها المسلمون وإن لم يسعوا لذلك فلن تقوم، فهي مسؤولية المسلمين قبل كل شيء.. يجب أن يتعاونوا فيما بينهم ويتوقفوا عن سوء الظن في بعضهم البعض، وأن يتشاركوا ويتفاهموا.

* وكيف تقيم تجربة الحكم في ماليزيا التي مزجت بين الحكم العلماني وتطبيق الشريعة الإسلامية، وما وصلت إليه من تقدم وازدهار ملموس عالمياً؟

- ماليزيا نموذج له طبيعة خاصة، لأنه يقوم علي عناصر مختلفة منهم الملاويون وهم أصل البلاد ويمثلون حوالي ٥٥% من عدد السكان، إلي جانب العنصر الصيني والهندوسي وباقي الأقليات، وحتي تنجح في التعامل مع هذا التآلف وهذه التعددية حكمت بالعلمانية، ولكنها علمانية غير متطرفة وليست ضد الدين الإسلامي، إضافة إلي إخلاص ماليزيا في التنمية فقد اتبعت المنهج العلمي واستغلت قوة العنصر الصيني المسيطر حقيقة علي معظم ثروات البلاد، رغم أن الملاويين المسلمين هم الأغلبية فالفنادق والبنوك والأبنية الضخمة ملك الصينيين، وهو ما يجعلنا حذرين من التجربة الماليزية، ولكنها حققت التنمية وإن كانت ليست النموذج الأمثل الذي ننشده وأتمني أن تحاول ذلك في المستقبل.

* قلت إن العلمانية في ماليزيا غير مضادة للدين، فهل يمكن أن تكون العلمانية غير مضادة للدين؟

- أقصد أنه كما توجد أنواع من العلمانية المتطرفة المعادية للدين، مثل العلمانية الماركسية التي هي دائماً معادية للدين، وتعتبره أفيون الشعوب هناك علمانيات هادئة لا تضطهد من يدينون بالدين الإسلامي ووسطية في ممارستها الحكم.

* وأين تري العلمانية المتشددة؟

- في تركيا وتونس، فهما نموذجان للتطرف العلماني في مواجهة الإسلام.. فمثلاً الحكومة الديمقراطية المنتخبة في تركيا كاد يطاح بها بحكم محكمة، وهي طبعاً محكمة أسسها علمانيون.

* إذا لم تستطع المحكمة العلمانية التغلب علي أردوغان وجول بانتماءاتهم االإسلامية في تركيا إلا أن العسكريين تغلبوا علي حكومة ديمقراطية منتخبة، وأزاحوها بين ليلة وضحاها في موريتانيا الدولة الإسلامية؟

- المشكلة أن الكثير من البلدان العربية يحكمها العسكريون من وراء ستار.. ففي موريتانيا بمجرد أن حاول الرئيس المنتخب أن يستخدم سلطاته ويعزل رئيس الأركان ورئيس الحرس، انقلبوا عليه.

وهذا ما فهمه وأدركه رجب طيب أردوجان وعبدالله جول في تركيا، فهما يملكان سلطة تغيير أعضاء المحكمة ووضع عدد من القضاة الإسلاميين بدلاً منهم، ولكنهما خافا لأنهما لو فعلا ذلك ستيدخل قادة الجيش، فهم الحكام الفعليون في منطقة الشرق الأوسط والبلاد العربية.

* لماذا وضعت تونس ضمن هذه القائمة رغم أنها دولة عربية إسلامية؟

- العلمانية التونسية شديدة التطرف، فهي مثلاً تري أن من يصلي الفجر مضاد للدولة، يجب أن يوضع علي القائمة السوداء، والمرأة المحجبة تمنع من دخول المدرسة والجامعة ودخول القطاع العام، ولا تستطيع أن تلد في مستشفي حكومي إلا إذا خلعت الحجاب، لذلك تعد نموذجاً للعلمانية المضادة للدين الإسلامي.

* وماذا عن العلمانية المصرية؟

- معقولة، فهي تحكم بغير ما هو في الشريعة، ولكنها تترك الناس، كل واحد حر، وإن كانت لا تخلو من بعض المضايقات والاضطهاد كمنع المذيعة المحجبة من الظهور علي شاشة التليفزيون المصري.. ومطاردة الجماعات الإسلامية.

* هل يراعي الدستور المصري الشريعة الإسلامية؟

- الدستور الحالي لا أستطيع أن أحكم عليه لأنني لم أقرأه قراءة مستوعبة، ولكن أعتقد أن من أكثر الدساتير التي كانت تراعي الشريعة الإسلامية في التاريخ المصري الحديث هو دستور ٢٣، إما مراعاة مباشرة أو بشكل غير مباشر، بحيث لا يكون مضاداً تماماً للشريعة.

* ما القوانين التي تراها ضد الشريعة؟

- القوانين التي تبيح الربا وتعطل الحدود، والقوانين التي تبيح الخمر والخلاعة ولا تضع لهما حدوداً، وقوانين تقييد حرية الإنسان مثل قوانين الإرهاب والطوارئ، وهي مخالفة للشريعة الإسلامية مخالفة بينة.

* في رأيك.. لماذا الخوف من وصول الجماعات الإسلامية إلي كرسي الحكم؟

- المجتمع الإسلامي ليس رافضاً للجماعات الإسلامية، بل يرحب بهم، وفي وقت من الأوقات أقبل الناس علي انتخاب الإسلاميين وحصلوا علي ٨٨ مقعداً في البرلمان المصري من حوالي ١٠٠ منطقة رشحوا أنفسهم فيها، أي حوالي ٨٠% من المناطق التي تنافسوا عليها رغم عدم وجود ديمقراطية، والأصل في الأزمة أن الحكام هم الذين لا يريدون أن يتزحزحوا عن مناصبهم.

* وهل أنت شخصياً مقتنع بكفاءتهم للوصول إلي الحكم؟

- نعم ماداموا سيحكمون وفقاً للشريعة.. ولكن فلنقل إنني أساساً مع الديمقراطية، وأن يختار الشعب من يحكمه، يختار الإسلاميين.. يختار الديمقراطيين، أو القوميين، المهم أن يكون للشعب حق الاختيار، وإن أساءت الشعوب الاختيار فعليها تحمل مسؤولية اختيارها.

* مثلما حدث مع حماس؟

- حماس لم تستطع أن تحقق ما تريد، ومنذ يوم وصولها إلي السلطة يحاصرونها بالمشاكل، ولم يمكنوها من عمل شيء، وكما قال الكاتب فهمي هويدي فإنها لم تكن طرفاً في الانقلاب، بل قامت ضد الانقلاب، لأنه كان يدبر لها انقلاب، فسبقت وقامت هي به أولاً، وقالت: «أتغدي بيهم قبل ما يتعشوا بي»، ومع ذلك هناك أمور وتفاصيل كثيرة لا أحب الدخول فيها لكنني أدعو الجميع في فلسطين إلي الوقوف صفاً واحداً، فحرب الفلسطيني للفلسطيني من المحرمات.

وعلي أي حال، تجربة حماس ليست التجربة الإسلامية المنشودة في الحكم، وليست النموذج برغم أنها لم تتمكن - كما قلت - من فعل ما يمكننا من الحكم علي نجاحها أو فشلها.

* إذا كنت مع وصول الإخوان إلي الحكم لماذا خرجت من عباءتهم، وهل هذا يعني خلافاً غير ظاهر بينكما، أو عدم رضا عن أدائهم؟

- خرجت من تنظيم الإخوان المسلمين لأنني لا أريد أن أحصر جهودي في جماعة معينة، وأريد أن أخدم الأمة بأكملها، ففي وقت من الأوقات عرضوا علي منصب المرشد العام للجماعة واعتذرت، أفضل أن أكون مرشداً للأمة بدلاً من أن أكون مرشداً لجماعة معينة.. لكنني أؤازرهم وأدعمهم وأنصحهم.

* ولكنك تعيب علي الإخوان المسلمين من حين لآخر.. وأذكر عنك انتقادك لهم لاستغراقهم في العمل السياسي الذي يستهلك جل طاقتهم وإغفالهم العمل الاجتماعي؟

- نعم، فهم لم يعدوا العدة ليندمجوا في الشعب كما يجب، ولا فهموا احتياجات الشارع كما ينبغي.. وانشغلوا بالسياسة.. وانتقادي لهم من باب التقويم، وأنا والحمد لله لا أميل للمغالاة ولا أرضي بالتفريط ولا بالتشدد.

* وهل ملحوظاتك هذه علي الجماعات الإسلامية هي التي جعلتك تؤلف كتابك «فقه الأولوليات»؟

- ما كتبته في كتابي هذا طويل المدي في أفكاره حتي ٣٠ عاماً قادمة، فقد كنت مهتماً بأولويات المجتمع الإسلامي ككل في المرحلة القادمة، ومن بينها أولويات الحركات الإسلامية في العقود الثلاثة القادمة، فكتبت هذا الكتاب وتناولت الأولويات في الجانب الفكري والسياسي والتربوي.

* وماذا جاء علي رأس أولويات الجماعات الإسلامية؟

- العلم، لا يمكن أن نتقدم إلا بالعلم، والإسلام يحثنا علي اتباع المنهج العلمي، وليس مجرد الحصول علي الشهادات، بل منهج وروح يجب أن يسيطر علينا ويشملنا، والبعد عن عاطفية والغوغائية والارتجالية، عليهم بالتخطيط والإحصاء ولغة الأرقام.. عليهم الانغماس في الشارع وتفهم احتياجاته.

* هل تعتبر الإخوان حزباً سياسياً في وضعهم الحالي؟

- ماداموا مشغولين بهموم الأمة ومسألة الحكم ودخول الانتخابات فهم حزب سياسي أراد الآخرون أم لا.. هم يقومون بكل الممارسات الحزبية وأنا أعتبرهم «حزب وزيادة شوية».

* بمعني؟!

- لديهم اهتمام أكثر بالجانب التربوي والأخلاقي، إلي جانب السياسة، وهذا ما يميزهم عن باقي الأحزاب.

* رغم أنهم غير معترف بهم وليست لديهم شرعية كباقي الأحزاب؟

- الشرعية الحقيقية هي التي يمنحها لك الشارع وليس الحاكم، والأحزاب الموجودة الآن غير حقيقية.. فالأحزاب تنشأ أولاً ثم تأتي بالحكومة، ولكن هذه أحزاب أنشأتها الحكومة، فهي مصطنعة تقوم علي المنفعة، والحزب الوطني ليس حزباً حقيقياً، بل حزب تكون أعضاؤه ممن لهم مصالح ويريدون الانتفاع بدخولهم فيه وليس عن إيمان بمبادئه.

-------------------------
نشر في المصري اليوم 8-9-2008
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=177767


------------------

الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ٢ - ٢:
نصيحتي للرئيس مبارك:
لا تمدد ولا تورث.. ولا تظلم ابنك بالحكم
----------------------------------
حوار رانيا بدوي ٩/ ٩/ ٢٠٠٨
---------------------------------

يقول الشيخ يوسف القرضاوي إن من حق كل امرئ في الشعب أن ينصح الحاكم، ويأمره بالمعروف، وينهاه عن المنكر، مراعياً الأدب الواجب في ذلك، وأن يطيعه في المعروف، ويرفض الطاعة في المعصية المجمع عليها، أي المعصية الصريحة البينة، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

وجوهر الديمقراطية أن تختار الشعوب من يحكمها ويقود مسيرتها، ولا يفرض عليها حاكماً يقودها رغم أنفها. وهو ما قرره الإسلام عن طريق الأمر بالشوري والبيعة، وذم الفراعنة والجبابرة، وأمر باتباع السواد الأعظم، وأن يد الله مع الجماعة، وقول الرسول لأبي بكر وعمر: «لو اتفقتما علي رأي ما خالفتكما» إذ سيمثلان صوتين أمام واحد.

ويضيف الشيخ القرضاوي قائلاً: ما يهمنا في الديمقراطية هو ضماناتها وآلياتها التي تمنع أن تزيف وتروج علي الناس بالباطل، فكم من بلاد تحسب علي الديمقراطية، والاستبداد يغمرها من قرنها إلي قدمها، وكم من رئيس يحصل علي (٩٩%)، وهو مكروه كل الكراهية من شعبه.. وإلي الجزء الثاني من الحوار.

* دكتور يوسف كيف لي كمواطنة عادية أن أنصح الحاكم وآمره بالمعروف وأنهاه عن المنكر في ظل تعقيدات النظام السياسي وصعوبة الوصول للرئيس بل سيطرة الأجهزة الأمنية؟

- الحاكم عندنا ليس مقدساً ولا يحكم بالحق الإلهي أو باسم السماء، فهو حاكم من الناس وكما قال سيدنا أبوبكر: «وليت عليكم ولست بخيركم إن رأيتموني علي حق فأعينوني وإن رأيتموني علي باطل فسددوني، أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم».. وقال سيدنا عمر بن الخطاب: «من رأي في منكم اعوجاجاً فليقومني» وقال عمر بن عبدالعزيز: «إنما أنا واحد منكم غير أن الله جعلني أثقلكم حملاً»، الشعب هو الذي اختار الحاكم لذا من حق الشعب أن ينصحه ويقومه إن اعوج.

* يا شيخنا هذا كلام نظري نكتبه ونقرؤه ولكن كيف أصل بصوتي ورأيي للرئيس وأنا مواطن لا حول لي ولا قوة؟

- يمكن أن أنصح الرئيس بالمباشرة إن استطعنا الوصول إليه أو ننصحه من علي المنبر يوم الجمعة أو في وسائل الإعلام والفضائيات والصحف.

عندما أتحدث عن المواطن لا أقصد كل فرد بنفسه، ولكن عن طريق الآليات المتاحة له، هذه الأمور تحتاج إلي آليات، ففي البلاد الغربية أوجدوا آليات لعزل الحاكم إذا خرج عن الدستور بأغلبية أعضاء البرلمان، لذا يجب أن يكون لدينا نحن أيضاً هذه القدرة التي تبدأ بالاختيار الصحيح لأعضائنا ليكون لدينا برلمان حقيقي يستطيع أن يقول للحاكم لا... لكن إذا كان الحاكم يضع البرلمان في جيبه كما هو الآن ويضمن الموافقة والتصفيق علي كل ما يريده فكيف سنعزله إذا أخطأ.

* وهل هذا ممكن؟

- باكستان استطاعت بالضغط الشعبي وبالمظاهرات السلمية أن تقيل الرئيس وتجبره علي الرحيل، ولكننا لم نصل حتي إلي مستوي الديمقراطية الباكستانية.. فلم نجد في بلادنا رئيساً يكتفي بمدة ولا حتي اثنتين بل يريد أن يبقي أبد الدهر وإن تخلي عن المقعد يريد أن يورثه لأبنائه.

* وهل نصحت الرئيس من قبل؟

- لم أقابل الرئيس مبارك سوي مرة واحدة في مناسبة عامة، أما الأمير القطري فأقابله كثيراً وأنصحه واقترح عليه بعض الأمور، وكذلك نصحت الرئيس الليبي معمر القذافي في إحدي المرات بأن يوقف حكماً علي بعض الإسلاميين بالإعدام، لأن الإعدام لا مرد له ولو خسرنا الإنسان لن نستعيده مرة أخري، ولكن ربما الحكم عليه بالمؤبد يرد سلوكه أو نكتشف بعد ذلك براءته فهو أمر مردود، وقد استجاب القذافي وتصالح مع الإسلاميين بناء علي نصيحتي وهكذا الرئيس الأسد، وأحياناً أنصح الرؤساء ورجال الأعمال والحكومات من علي المنبر، فمثلاً في قطر وجدت أن الناس غالت في إيجارات المنازل فتكلمت في أكثر من خطبة علي هذه القسوة وهذا الظلم الذي يمارسه أصحاب الملايين.

* بماذا تنصح الرئيس مبارك إذن؟

- أنصحه أن يستجيب للناس وأن يتخلي عن فكرتي التوريث والتمديد.. فلا يمدد لفترة رئاسية جديدة ويترك الحرية للناس لاختيار الرئيس القادم، ولا يورث ابنه الحكم، فلماذا يحمل ابنه هذه المسؤولية الخطيرة فسيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما قالوا له رشح عبدالله ابنك قال: «بحسب آل الخطاب أن يحمل المسؤولية منهم واحد، وودت أن أخرج منها كفافاً لا لي ولا علي» فكيف للرئيس مبارك أن يحمل نفسه المسؤولية ويحمل أولاده من بعده.

* كيف تري الوضع الاقتصادي الآن في مصر في ظل الشريعة الإسلامية؟

- الحكومة تطبق العلمانية في كل شيء ومنها الاقتصاد ولن ينصلح حال هذا الاقتصاد ولا اقتصاد باقي الدول العربية إلا بالإنتاج والابتعاد عن كل ما يغضب الله من ظلم الناس واحتكار للسلع واستغلال الأقوياء للضعفاء.

الاقتصاد الاسلامي قائم علي عدالة التوزيع والموازنة بين الإنتاج والاستهلاك، نحن دول تستهلك ولا تنتج وتستورد ولا تصدر علينا بزيادة الإنتاج من جانب ونعلم أمتنا كيفية ترشيد الاستهلاك من جهة ثانية، فالرسول صلي الله عليه وسلم قال: «إذا وقعت اللقمة من أحدكم فليمط عنها الأذي وليأكلها ولا يتركها للشيطان».

ولو جمعنا فضلات الناس الناتجة عن استهتارهم وسفه استهلاكهم فإنها تساوي مليارات الجنيهات.

* لك رأي واضح في تحريم فوائد البنوك بأنها الربا الحرام فكيف أستثمر مالي وأنا لا أفهم في مجال الأعمال؟

- الحل إما أن يشغلها البنك بطريقة إسلامية أو أن تذهبي إلي بنك إسلامي. وهذا ليس رأيي وحدي بل رأي جمهور العلماء الذين يقولون إن فوائد البنوك هي الربا الحرام.

* هل الضرائب تغني عن الزكاة؟

- لو أن مصر دولة إسلامية حقاً كانت ستدفع الزكاة أولاً وتحرص عليها وتكمل بالضرائب، فالزكاة لن تكفي لأنها نسبة معينة ٢.٥% من المدخرات والتجارات وهي نسبة لا تستطيع أن تكفي دولة للإنفاق علي بناء السدود والقناطر والطرق والمواصلات، ومن الممكن أن تخصم الزكاة من الضرائب إذا دفعها المواطن ففي أمريكا وبعض الدول الأوروبية الشخص الذي يدفع للجمعيات الأهلية يخصمونها من الضرائب ولكن لا الزكاة تغني عن الضرائب ولا الضرائب تغني عن الزكاة، ولكن للضرائب مقننات وليس للدولة أن تثقل علي مواطنيها بالضرائب بما لا يتوازن مع دخولهم.

* أشرت في الحلقة السابقة إلي أن هناك منطقة في الدين تسمي «الفراغ من التشريع» ليجتهد علماء كل عصر بما يتناسب وعصرهم ولكنها من ناحية أخري كانت سبباً في الاختلاف بين علماء المسلمين في بعض الأمور، وصل إلي البلبلة والشتات في أمور كثيرة؟

- لكي يكون الاجتهاد مقبولاً يجب أن يكون من أهله وفي محله.. من أهله تعني أن يكون الشخص جامعاً لشروط الاجتهاد، عالماً بالقرآن وبالحديث، عالماً في اللغة العربية ومتمكناً منها، عالماً بأصول الفقه والقياس ومقاصد الشريعة، يعرف المتفق عليه والمختلف عليه في الفقه وفي الأحاديث، فلا يجب أن يأتي إنسان لا يحسن قراءة سطرين من كتاب من كتب أصول الفقه أو التفسير، لا يعرف في النحو والصرف والبلاغة، ليجتهد في الشرع، لكل علم أصول وقواعد، هل يستطيع مهندس أن يتحدث في الطب.. أو طبيب في المحاسبة، أو عالم ذرة في طب الجراحة، لماذا إذن جعلنا من الدين مجالاً لكل من يعرف ومن لا يعرف، وشأن مباح، بل باب من غير بواب.

أما في محله فهي تعني أن يكون الاجتهاد في منطقة الاجتهاد، فلدينا منطقة مغلقة لا يصح فيها الاجتهاد وهي الأحكام القطعية. أما الاجتهاد ففي مجال الأحكام الظنية.. ومعظم الأحكام ظنية.

* كيف لنا أن نعرف صاحب أهلية الاجتهاد فيما الفضائيات تضج بالمشايخ والدعاة؟

- الإنسان عندما يمرض ابنه يظل يسأل عمن هو أفضل طبيب فيذهب لمن يجتمع عليه الناس ويجمعون علي خبرته، فلماذا نتكاسل فيما يخص الدين، فلنأخذ ممن عرف عنهم العلم والخبرة، ونبعد عمن يفرخون الفتوي لإرضاء السلطة، والبعد عن علماء السلطة وعملاء الشرطة ونأخذ ممن معروف عنه الثقة.

* فتح باب الدين والاجتهاد لكل من هب ودب - حسب قولك - هل تعتقد أنه مقصود أم أنه تقصير من العلماء؟

- تقصير ممن بيدهم الأمور والمسؤولون عن تأهيل العلماء للظهور للناس فأحياناً يظهر شخص في فضائية من الفضائيات وهو ليس أهلاً ولكن لأنه قريب الوزير الفلاني أو نسيب المسؤول الفلاني فيقدمونه ويؤخرون من هو أولي منه.

وإذا كنت أري أن العلماء عليهم قدر من المسؤولية إلا أن المجتمع أيضاً مسؤول، فإذا قال المجتمع هذا لا يصح، لن يظهر ثانية، فلا أحد يستطيع أن يقاوم رغبة المجتمع.

* وأين دور الأزهر في الرقابة والتأهيل؟

- الأزهر لا يملك هذا فهو لا يملك التليفزيون ولا الإذاعة، وإنها وسائل في يد الدولة، والعلماء موظفون لدي الدولة لا حول لهم ولا قوة.

* وكيف تحول العالم من راد لجنوح الحاكم إلي مجرد موظف تحركه الدولة؟

- العلماء في الماضي كانوا أقوياء لأن الأوقاف كانت في أيديهم وكانوا يأخذون رواتبهم من الأوقاف أما الآن الأزهر وعلماؤه ليس في يدهم أي أوقاف فهي في يد الدولة.. ومن يملك راتبي يتحكم في..

وهذا ما يفسر قوة علماء الشيعة مقارنة بعلماء السنة، لأنهم ليسوا موظفين عند الدولة بل يأخذون رواتبهم من الشعب الشيعي، فهو يعطي ٢٠% من صافي الدخل للإمام أو للمرجع الديني، لذلك فإن علماءهم أغنياء ولديهم مليارات، لكن الموظف هنا إذا غضبت الدولة عليه تحجب عنه، وإذا رضيت عنه منحته، فمن شيخ الأزهر مروراً بالمفتي ورئيس جامعة الأزهر من أكبر عالم إلي أصغر عالم كلهم موظفون لدي الدولة.. ليست لديهم قوة، فالحسن البصري كان من أكبر العلماء وكان ناقداً للحكام والولاة في عصره..

وسأل الأشخاص من بني أمية: ما سر قوة هذا الرجل؟! فأجابه أحد الأعراب: سر قوة هذا الرجل أن لديه مالاً لذا احتاج الناس إلي علمه ودينه واستغني هو عن دنياهم.. والكارثة أن يكون العالم في حاجة إلي مال الحاكم والحاكم في غني عن علمه ودينه وهذا سر ضعف علماء المسلمين السنة عامة وعلماء الأزهر خاصة.

* أيهما تري أنه الأخطر والأكثر نفاذاً: المد الوهابي أو المد الشيعي؟

- في السنوات الأخيرة اشتعل الفكر الوهابي بقوة وكان له دعاة ومدعمون والعيب فيه هو التعصب له ضد الأفكار الأخري وهو قائم علي المذهب الحنبلي، ولكنهم لا يرون ولا يؤمنون إلا برأيهم فهم يعتبرون أن رأيهم صواب لا يحتمل الخطأ، ورأي غيرهم خطأ لا يحتمل الصواب..

أما الشيعة فهم مسلمون، ولكنهم مبتدعون وخطرهم يكمن في محاولتهم غزو المجتمع السني وهم مهيئون لذلك بما لديم من ثروات بالمليارات وكوادر مدربة علي التبشير بالمنهج الشيعي في البلاد السنية خصوصاً أن المجتمع السني ليست لديه حصانة ثقافية ضد الغزو الشيعي فنحن العلماء لم نحصن السنة ضد الغزو المذهبي الشيعي لأننا دائماً نعمل القول «ابعد عن الفتنة لنوحد المسلمين» وتركنا علماء السنة خاوين.

للأسف وجدت مؤخراً مصريين شيعة، فقد حاول الشيعة قبل ذلك عشرات السنوات أن يكسبوا مصرياً واحداً ولم ينجحوا، من عهد صلاح الدين الأيوبي حتي ٢٠ عاماً مضت ما كان يوجد شيعي واحد في مصر، الآن موجودون في الصحف وعلي الشاشات ويجهرون بتشيعهم وبأفكارهم. الشيعة يعملون مبدأ التقية وإظهار غير ما بطن وهو ما يجب أن نحذر منه، وما يجب أن نقف ضده في هذه الفترة أن نحمي المجتمعات السنية من الغزو الشيعي، وأدعو علماء السنة للتكاتف ومواجهة هذا الغزو لأني وجدت أن كل البلاد العربية هزمت من الشيعة: مصر، السودان، المغرب، الجزائر وغيرها فضلاً عن ماليزيا وأندونسيا ونيجيريا.

* هل الخلافات الدينية بيننا وبين الشيعة بسيطة أم أنها في أصل الدين؟

ـ الخلاف في الأفرع ليس مهما لكن الخلافات في العقيدة هي المهمة. فكثير منهم يقول إن القرآن الموجود هو كلام الله ولكن ينقصه بعض الأشياء مثل سورة الولاية، نحن نقول إن السنة سنة محمد أما هم فلديهم سنة المعصومين محمد والأئمة الأحد عشر، ويعتبرون سنتهم مثل سنة محمد.. نحن نقول أبوبكر رضي الله عنه وعمرو رضي الله عنه وعمر رضي الله عنه وعائشة رضي الله عنها وهم يقولون لعنهم الله.. فهم يرون أن الرسول قبل أن يموت أوصي علي ابن أبي طالب أن يكون الخليفة من بعده.. ويعتبرون الصحابة خانوا الرسول ووصيته واختاروا آخرين.

* كيف يكون هناك خلاف في العقيدة وهي أصل الدين ومع ذلك يكونون مسلمين؟

ـ هم يؤمنون بالله والقرآن والرسول.

* إذا كان الشيعة ينكرون أصولاً في العقيدة ومع ذلك تعتبرهم مسلين فلماذا لا نفعل الأمر نفسه مع القرآنيين بدلاً من تكفيرهم؟

ـ من قال إنه لا يؤمن بالسنة كافر، لأن معني هذا أنه لا يؤمن أن الصلوات خمس وصلاة الظهر أربع ركعات، والصبح ركعتان وإلا كيف عرف فهي تفاصيل لم تذكر في القرآن بل في السنة.. من ينكر السنة فهو كافر.

* ثار مؤخراً جدل شديد حول نقل الأعضاء بين المسلم والكتابي وقد أفتي البعض بحرمانيته فما رأيك؟

ـ نقل الأعضاء أفتي بجوازه عدد من المجامع الإسلامية ولكن بشروط، إما نقل من ميت أوصي بأعضائه أو موتي الحوادث أو حي يتبرع لحي.. وكان أحد شروط التبرع أن يكون للأقرباء بدرجات معينة لذا من الطبيعي أن الكتابي ليس في القائمة ومن هنا جاء عدم جواز الأمر وليس لكونه كتابياً.. ولكن الشيء الذي أجمع الجميع علي حرمانيته هو بيع أجزاء من الجسد مقابل المال والحرمانية هنا تقع علي البائع والمشتري.

* حتي ولو تم ذلك تحت ضغط الفقر؟

ـ حتي تحت ضغط الفقر لا يجوز للإنسان بيع أعضائه بأي حال من الأحوال، لأنها ليست ملكه.

* وماذا عن ميراث الكتابية هل من حقها أن تحصل علي ميراث من زوجها المتوفي؟

ـ لا ولكن من حق زوجها أن يرث فيها.

* وهل هذا عدل؟

ـ يقام العدل عن طريق الوصية فالدين أمر الزوج بأن يكتب لزوجته الكتابية وصية، يقول المولي عز وجل «كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين» والرسول قال: لا وصية لوارث.. وفسرها الرسول بأن المقصود بالوصية لغير المسلمين. سواء زوجة أو والد أو والدة من الكتابيين».

* ولو لا قدر الله مات الزوج فجأة قبل أن يكتب لزوجته وصية؟

ـ فكر الشيخ القرضاوي قليلاً ثم قال: نستطيع في هذه الحالة أن نطلب تشريعاً خاصاً واستثنائياً لمعالجة مثل هذه الأمور، ولكن الأصل أن الزوج المسلم يوصي لزوجته الكتابية.

* لك فتوي أثارت الجدل حول تحليلك الغناء.. فهل مازلت مصراً علي رأيك رغم الهجوم عليك؟

ـ نعم.. ولكن الغناء الذي حللته حددت شروطه بأن يكون موضوع الغناء نفسه مقبولاً إسلامياً، لا يخالف العقيدة ولا الشريعة، فلو أن هناك أغنية تشكك في العقيدة مثل طلاسم إيليا أبوماضي التي يقول فيها «جئت لا أعلم من أين ولكن أتيت، ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت كيف جئت كيف أبصرت طريقي لست أدري.. إلي آخرها»، أو قول أبونواس و«داوني بالتي كانت هي الداء» ويقصد الخمر أو أن يغني أحد ما قاله شوقي: «رمضان ولي هاتها يا ساقي.. مشتاقة تسعي إلي مشتاق». أو أن عبدالحليم حافظ يغني «أبوعيون جريئة» والإسلام يدعو إلي غض البصر.. أي أغنية تخالف عقائد أو آداب الإسلام أرفضها، ومن ناحية الآداب يجب أن ألا تكون في الأغنية ميوعة ولا تكسر ولا إغراء، فالقرآن يقول: «فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض».

* ماذا عن شعر الغزل؟

- الرسول سمع من قبل شعراً للغزل، فلا بأس، المهم ألا يكون مكشوفاً.. كما لا يجب أن لا يختلط الغناء بما هو محرم من شرب أو رقص، فنحن نجد الآن كل أغنية فيها بنات يتراقصن أمام المطرب بشكل خليع.

* وهل تلاوة المرأة للقرآن أمام الرجال مباحة؟

- لا مانع فيها.

* إذن صوت المرأة ليس عورة؟

- لا ليس عورة.. كيف يكون عورة والله تعالي يقول: «وإذا سألتموهن متاعاً فسألوهن من وراء حجاب».. السيدة عائشة كانت تفتي وتروي الأحاديث وترد علي أسئلة الصحابة.

* ما رأيك في الفتوي التي أصدرتها هيئة الشؤون الدينية التركية التي تجيز استخدام اللاصق الطبي خلال نهار رمضان؟

- إذا كان المراد من هذا اللاصق الطبي تقليل الشعور بالجوع خلال الصيام، فإن استخدامه مكروه، لكنه لا يبطل الصوم. فاستعمال اللاصق يقلل من الحكمة التي أرادها الشارع من الصوم ،مثل تحمل المشقة والشعور بمعاناة الفقراء، ورأيي أن استخدام هذا اللاصق يقلل من أجر الصائم.


----------------
نشر في المصري اليوم 9-9-2008
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=177870

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المتابعون