فاروق الباز

العالم الكبير فاروق الباز فى حوار «كاشف»:
«ترعة السلام» مليئة بالعيوب وتوشكى معزولة.. ولن أيأس من «ممر التنمية»
----------------------------------
حوار رانيا بدوى ٢٩/ ٣/ ٢٠٠٩
---------------------------------


وضعت الحرب على غزة الأخيرة الكل فى مأزق، فوصول الصواريخ الإسرائيلية إلى الحدود المصرية والمطالبة بقوات دولية على الحدود المصرية لمراقبة الأنفاق أعادت طرح السؤال القديم: إلى متى سنترك سيناء صحراء جرداء، والبدو فيها ما بين منتم للوطن وناقم عليه.. ولماذا لا نكمل حلم الرئيس السادات بتعمير سيناء، وبناء حائط صد بشرى بيننا وبين إسرائيل؟!

واستبشر المصريون خيراً عندما دفعت أحداث غزة والأزمة المالية العالمية الحكومة المصرية لإعادة النظر فى ملف سيناء وطرح أفكار تحت عنوان عام وهو «التنمية المتكاملة لشبه جزيرة سيناء» لردع الخطر الإسرائيلى من ناحية، والمساهمة فى حل الأزمة المالية بالاستثمار فى الأرض المباركة من ناحية أخرى،

ولكن الفرحة تحولت سريعاً إلى غصة عندما صرح الدكتور محمود أبوزيد، وزير الرى السابق فى حوار نشرته «المصرى اليوم»، بأن الحكومة ستطرح ما تبقى من ترعة السلام لاستثمار القطاع الخاص وهو ما أعادنا لنقطة الصفر من جديد ودفعنى لمقابلة الدكتور فاروق الباز عالم الچيولوچيا العالمى ومدير مركز دراسات الفضاء بجامعة بوسطن لفتح ملف أكبر مشروعين قوميين فى مصر «ترعة السلام» و«توشكى»،

فكانت المفاجأة الأولى أنه لم يتم استشارته فى المشروعات القومية الكبرى المرتبطة بمجال تخصصة، رغم ما وصل إليه من عالمية واعتراف دولى بأبحاثه وعمله فى أكبر مؤسسة فضاء فى العالم «وكالة ناسا» والمفاجأة الثانية كانت الطريقة التى تدرس بها هذه المشروعات التى تكلف الدولة المليارات ويعقد عليها مستقبل الأجيال القادمة..

وردود المهندسين القائمين على تنفيذ هذه المشروعات والتى يقول عنها عالمنا فاروق الباز إنها «تخبيص وكلام فارغ».. فى حوار يكشف فيه لأول مرة كواليس دراسة «ترعة السلام» و«توشكى»:

* دكتور فاروق هل أنت راض عن مشروع ترعة السلام بوضعه الحالى؟ وهل لديك أسباب علمية لتوقف المشروع أم أنها فقط أسباب مالية كما تصرح الحكومة؟

- ترعة السلام فكرة رائدة ومبادرة طيبة كان الغرض منها توصيل مياه نهر النيل إلى سيناء، إذ كان الرئيس الراحل أنور السادات مقتنعاً بضرورة تعمير سيناء لإعاشة عدة ملايين من البشر وحل أزمة التكدس السكانى فى وادى النيل والدلتا، ولأنه كان يشعر أن خلو سيناء من الناس يشجع الغزاة والطامعين فى واجهة مصر الشرقية.

لم يتم التخطيط لـ«ترعة السلام» بناء على معرفة مستفيضة بخواص المكان والتربة المحلية، وأول مشكلة، حفر بداية الترعة فى سهل الطينة دون تغليفها..

وقد زرت المكان مع مجموعة چيولوچية وقابلنا المهندس المسؤول وأوضحنا أنه إذا لم تغلف الترعة فى هذه المنطقة فسوف تختلط مياه النيل بالمياه المالحة فى سهل الطينة الذى لا تنمو فيه نباتات وقلت للمهندس «الأرض التى نقف عليها الآن متشبعة بالمياه ومع ذلك أنظر على مدى النظر فى المساحات الشاسعة من حولك هل توجد أى نبتة خضراء، هل يوجد برعم واحد رغم وجود المياه؟ مستحيل أن ينمو الزرع لأن الملوحة زيادة عن اللزوم»..

فقال المهندس إنهم درسوا ذلك وجزموا بأن المياه الحلوة سوف تطفو فوق المياه المالحة.. فذكرنا لهم أن ذلك يتم فى وسط هادئ وبعمق كبير للمياه ولكنه لم يقتنع.. واستمر فى العمل بقناعاته التى أدت إلى توقف المشروع.

* وكيف نحل أزمة سهل الطينة؟

- ببساطة عن طريق تغليف مجرى المياه فى طول المسافة التى تسير فيها المياه بالأسمنت.

* وهل تم الأخذ برأيك فى هذا المقترح؟

- لا.

* لماذا؟

- لا أعرف.. ولاتنس أن هذه البرامج لها خطة وميزانية وتقوم شركات بتنفيذها ولو أخذ رأينا قبل إعطاء هذا العرض للشركات كان من الممكن تدارك المشكلة من البداية لكننا أحياناً نعرف بالمشروع بعد إسناده للشركات والاتفاق معها فيكون الموضوع قد انتهى.

* إذا كانت الحلول بهذه البساطة فما العقدة إذن.. ألا يملك المهندسون القائمون على هذا المشروع العلم الكافى لاكتشاف حل بسيط كهذا؟

- المهندس لا يعرف أن هذا أمر چيولوچى علمى وبالتالى لا يدرك الفارق بين لون الأرض السوداء من الصفراء، ولا يفكر لماذا لا ينبت الزرع بالرغم من أن هذا المكان مشبع بالماء.

* وأين الدراسات الخاصة بالچيولوچيا وطبيعة الأرض؟

- كل شىء مكتوب ومدون وموجود فى مكاتب الوزارات ولكن قلما يذهب أحد ليرى هذه الدراسات بل قليلون أيضاً يذهبون لمعاينة هذه الأماكن على الطبيعة.

* هل يتم الاعتماد على أهل الثقة أم أهل العلم فى إعداد المشروعات؟

- أهل الثقة موجودون فى كل شىء.. والمهندسون الذين أسندت إليهم المهمة لديهم الخبرة الكافية ولكن ليس لديهم العلم العام والرؤية الشاملة.

* الدكتور محمود أبوزيد، وزير الرى السابق أخبرنى أن الحكومة تدرس طرح ما تبقى من ترعة السلام للاستثمار لحل المشكلة فما رأيك؟

- بعيداً عن كل الحلول السياسية المطروحة أعتقد أن الحل العلمى هو مراجعة خطة «ترعة السلام» من أولها إلى آخرها، وليس هناك عيب فى الاعتراف بالخطأ لكى يتم تصحيح المسار فى صالح النفع العام.. أما الخطأ فهو التمادى دون مراجعة الخطة الحالية..

وأقترح إعداد دراسة مستفيضة من جديد لما تم إنجازه لكى يمكن التعرف على ما يجب فعله.. وتحديد المسار الآمن للقناة بناء على علم بالواقع، كما يجب البدء فى دراسات المؤسسات البحثية الحكومية وليس الشركات المنتفعة مثل مجموعة تضم خبراء من المساحة الچيولوچية ومعهد التربة ومركز الصحراء، عندئذ يمكن تعديل المسار وحماية مياه الترعة من التملح والتسرب.

* دكتور فاروق دعنى أنتقل معك إلى ملف ممر التنمية.. لماذا لم تنفذ الحكومة مشروع «ممر التنمية» الذى تقدمت به حتى الآن؟

- الحكومة ليست مسؤولة عن الرد على مقترحى بإنشاء ممر التنمية أعلى حافة الهضبة فى صحراء مصر الغربية بمحاذاة وادى النيل والدلتا فالحكومة فى النهاية حرة فى اختيار المشاريع التى تتفق مع خطتها ومع هذا فأنا أعلم أن رئيس الوزراء دكتور أحمد نظيف طلب من مجموعة وزارية النظر فى المقترح من نواحيه الفنية المختلفة، وأعتقد أن اللجنة برئاسة الدكتور عثمان محمد عثمان انتهت من الدراسة المذكورة وتعد تقريرها للعرض على رئيس الوزراء.

* قال لى وزير شاهد على هذه المرحلة إن ممر التنمية هو فكرة الرئيس السادات وليس فاروق الباز وقد طرحها أثناء جولة له مع رئيس السودان حيث وعد الشعب الشقيق بأن يكون لهم ميناء على البحر المتوسط وللوصول إلى هذا الميناء يجب أن يكون هناك ممر فى الصحراء الغربية بمحاذاة الوادى والدلتا ويمكن استغلاله لصالح مصر أيضاً؟

- الرئيس السادات كانت لديه مشروعات ممتازة فى إطار شعار «غزو الصحراء»، وقد سافرت معه إلى مواقع عديدة فى أنحاء الصحراء الغربية وواحاتها.. ولكن للتاريخ لم أسمع منه قط أى كلام عن إقامة ممر بمحاذاة الوادى والدلتا بهدف التنمية الزراعية والصناعية والسياحية ونقل الناس والمنتجات من مكان لآخر كما هو مخطط فى الممر، وإن كنت قد تحدثت عن هذا المشروع وفكرته الأولية فى بادئ الأمر مع شخصين الأول هو الصديق الدكتور إبراهيم كامل والثانى الصديق الوزير الأسبق المهندس حسب الله الكفراوى..

وهما فقط من أطلعتهما على الخطوط العريضة للمقترح قبل عرضه على الحكومة رسمياً فى منتصف الثمانينيات.. ومع كل هذا لا يهم أبداً من الذى اقترح أولاً، الأهم هو كيف نقوم بما ينفع مصر ويؤمن مستقبل أبنائها.

ممر التنمية عبارة عن خط يبدأ من العلمين ويسير بمحاذاة وادى النيل حتى يصل إلى حدود السودان، حتى يتم مستقبلاً الربط مع السودان، على أن يمر بأماكن المياه الجوفية، والثروات المعدنية وبالتالى يمكن إقامة مصانع فى هذه المنطقة، على أن يتم ربط هذا الممر بخطوط عرضية مع وادى النيل.

* ألا تراها مدة طويلة جداً فقد تقدمت بالدراسة بداية الثمانينيات ومازالوا يدرسونها حتى الآن؟

- عندما تقدمت بالمشروع فى الثمانينيات كانت الحكومة هى التى تقوم بتمويل هذه المشروعات والحكومة لم يكن فى استطاعتها القيام بذلك آنذاك، وليست لديها القدرة المادية إذ قيل لى صراحة وقتها «العين بصيرة والإيد قصيرة»، والقطاع الخاص فى مصر كان مهلهلاً وقتها..

لذا توقفت عن عرضه منذ عام ٨٧ وطوال هذه المدة كان المشروع لدى الحكومة حتى أعدت عرضه ثانية منذ حوالى عامين ونصف العام تقريباً. وتم تشكيل لجنة من ٤٠ شخصاً تدرس المشروع ولو رفضوه سأعيد عرضه مرة ثالثة ورابعة.

* ولماذا فى مشروع توشكى لم تكن اليد قصيرة؟

- هذا موضوع مختلف.. مشروع توشكى مساحته محدودة وكانت بها بركة مياه سابقاً، وسيتم توصيل المياه من السد العالى إليه عندما يأتى الفيضان، إضافة إلى المياه الجوفية الموجودة مسبقاً فالوضع أسهل.

* هل استشاروك فى موضوع توشكى؟

- لا. نهائياً، ولديهم علماؤهم.

* ألست من علمائهم؟

- لا، وعمرى ما كنت داخل المطبخ الحكومى.

* ولكنك عالم مصرى والمشروع وطنى قومى؟

- لو استشارونى لأدليت فوراً برأيى ولكن لم يحدث.

* ولكنك اعترضت فى البداية على أمور فنية فى المشروع وليس فقط فكرة ربطه بالوادى والدلتا؟

- كنت فعلاً من المعترضين فنياً فى البداية، حيث كانت الفكرة الأولى هى نقل المياه بكميات هائلة من بحيرة ناصر على مدى ٨٥٠ كيلو متراً مروراً بالواحات الخارجة والداخلة حتى الفرافرة، وكان ذلك المخطط يشمل ترعة مفتوحة بعرض ٢٠٠ متر وعمق ٣٦ متراً، وكان ذلك فى نظرى ونظر الآخرين شيئاً لا يعقل، لأن نقل كمية هائلة من المياه فى ترعة مفتوحة إضافة إلى التبخر، ينتج عنه مشكلات عديدة، منها أن القناة معرضة للطبيعة، وبالتالى لا يمكن أن تمر بسلام وسط الكثبان الرملية التى يمكن لأى منها أن تسد القناة المفتوحة مراراً،

وقمت بإعطائهم دراسة كاملة عن سلبيات هذا المشروع، وقلت إن هناك ضمن المجرى ٧١ كيلو خطوطاً للكثبان الرملية ستؤدى إلى سد المجرى، وقيل لى إنه يوجد جهاز لتنقية المياه من الرمال، وقلت وأين ستعرف مكان سد الرمال؟ ولو لديك هذا الجهاز أين ستضع فيشة الكهرباء.. فى الجبل أم فى الصحراء؟! يعنى كلام مالوش لازمة، وغير علمى.

ثانياً: هناك طبقة من الطفلة غير المسامية تغطى أسطح كل المنخفضات فى الصحراء الغربية التى توجد فيها الواحات، والطبقة الطينية توجد فقط هنا وهناك، إذن فإن وصول كميات هائلة من المياه إلى الواحات دون أن يمكن تصريفها لأنها فى منخفضات سيؤدى إلى تجمع المياه، وبالتالى تكون مرتعاً للذباب والناموس، وما يأتى معهما من الأمراض التى تلوث البيئة المحيطة بأكملها، مما يؤدى إلى كارثة للمنطقة بالكامل.

* قيل إنك تقدمت لرئيس الجمهورية برسالة عاجلة تشرح له فيها الوضع وأسباب اعتراضك، بعدما نصحك المهندس حسب الله الكفراوى بذلك، ونقل الرسالة للرئيس شقيقك الدكتور أسامة الباز؟

- لم أتقدم بمذكرة لرئيس الجمهورية، لأنه لا يخطط للمشروعات التنموية، ولكن هذا العمل يقوم به الجهاز الحكومى التنفيذى، لذلك قدمت اعتراضى على المشروع فى شكله الأول لرئيس الوزراء فى ذلك الوقت كمال الجنزورى، وكذلك إلى وزير الزراعة واستصلاح الأراضى الدكتور يوسف والى، وألقيت محاضرات فى هذا الصدد أولاً فى نقابة المهندسين، ثم الجمعية الجيولوجية، ثم الجامعات، ومنها إلى الصحافة ووسائل الإعلام.

* وهل أخذوا برأيك؟

- فى نهاية الأمر اقتنع الدكتور يوسف والى بما أقول، خاصة قبيل لقائنا مع الوزيرة الدكتورة فينيس جودة التى كانت وزيرة الدولة للبحث العلمى آنذاك، وبحضور مجموعة من وكلاء الوزارة والمتخصصين فى أمور التربة والمياه وما إلى ذلك، وأعلن الدكتور يوسف والى أن قناة توشكى بدلاً من مدها لمسافة ٨٥٠ كيلو متراً سوف تقتصر على ٦٧ كيلو متراً،

إضافة إلى ١٠٠ كيلو متر من القنوات الفرعية التى توصل المياه إلى أماكن صالحة للزراعة غرب بحيرة ناصر، ومعنى ذلك أن المشروع اقتصر على استصلاح الأراضى الصالحة للزراعة غرب البحيرة، مع الاستفادة من مياهها، وهذا شىء يجب أن نشجعه لأن فيه الخير لمصر.

* رغم أنهم أخذوا باعتراضاتك الأولى ونفذ بشكل تراه مناسباً كما قلت، فإن نتائج مشروع توشكى لم تظهر بعد؟

- مشروع توشكى منعزل، وعدم وجود طريق سهل وسكة حديد سريعة لنقل الناس والبضائع من وإلى باقى أجزاء الوطن، هو سبب عدم الاستفادة الكاملة من المشروع، وعدم لمسه على أرض الواقع، لذا يصعب إقامة حياة مستدامة فيه.

* هل منطقى أن يدفع فى مشروع المليارات وفى النهاية لا توجد به حياة مستدامة، وهل يجب أن نغض البصر عنه مادامت المسائل الفنية فيه صحيحة؟

- الحل فى ممر التنمية، فهو الذى سيحل مشكلة توشكى فى غمضة عين، وهو ليس حلاً لتوشكى وحدها، وإنما للتزايد السكانى وللتوسع العمرانى ومدخل للتنمية والاستثمار.

* هل يوجد فى مصر منهج علمى نسير عليه؟

- المنهج العلمى واحد فى جميع أنحاء العالم ولا يتغير.

* إذن ما مشكلتنا؟

- إننا كمجتمع لا نضع خطين تحت أهمية العلم والتعليم، فنحن لا ننظر للعلم على أنه الهدف الأساسى فى الحياة، ولو فعلنا لتغيرت حياتنا، وما نفتقده فى مصر هو وجود الدافع الشخصى لجمع العلم والمعرفة وثقة طالب العلم فى أن استمرار دراسته وتقدمه فى مجال العلم، يعنى مزيداً من ثقته بذاته ومزيداً من احترام الآخرين له.

*وما سبب نظرتنا المتجاهلة للعلم.. المواطن أم طريقة التربية فى البيوت والمدارس، أم نظام الحكم، أم الحالة الاجتماعية من فقر ومعاناة اقتصادية، أم كل هذه العوامل مجتمعة؟

- السبب فى تكميم الطفل الصغير وهو ظاهرة أسرية مصرية لا يوجد لها مثيل فى العالم، ويتسبب الآباء باتباع سياسة إخراس الأبناء فى قتل كل منابع الإبداع والتفكير لدى الطفل، سواء داخل الأسرة أو فى المدرسة، فأنا أتذكر أن مدرس الأحياء فى المدرسة الثانوية كان يعطينا الفرصة لتشريح الحيوانات، وكان هناك تشجيع للتجريب والمبادرة.

أما الآن فالمدارس لا تعطى الفرصة للطالب حتى يعبر عن رأيه، والأمر نفسه يحدث فى الجامعة، وكذلك فى العمل، ويتم تحطيم روح المبادرة عند الإنسان منذ الطفولة، فماذا تتوقعين لحال العلم بعدها؟!

* هناك دراسة لمنظمة العمل العربية تتحدث عن العلاقة بين البحث العلمى والاستبداد السياسى وديكتاتورية الأنظمة الحاكمة؟

- فى نظرى أن هذا لا يدخل ضمن ديمقراطية الدولة أو عدمها ولا أربط بين الاثنين، والدليل أن روسيا والصين لا يوجد عندهما ديمقراطية من أى نوع، ومع ذلك متقدمتان علمياً، ورغم وجود التكميم السياسى فإن الفرد تتم تربيته وتعليمه بشكل جيد، ويتم إطلاعه دائماً على المتغيرات، الحكاية ليست ديمقراطية ولكن نظرة الإنسان إلى الطفل الصغير، ووضع حقوقه فى الاعتبار وتربيته على منهج الاختيار والمبادرة والتجريب، فهم مستقبلنا وهم من سيبنون البلد وليس نحن.

* وماذا عن الفقر ألا يؤثر على رغبة الأفراد فى الحصول على العلم؟

- أنتمى لعائلة فقيرة، وكنت أحصل على مصروف شهرى ٣ «تعريفة» لأركب الأتوبيس ولم تكن تكفى، فكنت فى نهاية الشهر أسير يومياً من سراى القبة حتى جامعة عين شمس، وكان نصف الشهر يأتى علينا وليس فى البيت «نكلة» ولا طعام ولا شراب، وكنا نستلف من البقال ونأخذ منه الطعام الأساسى لنا على النوتة، حتى يأتى أول الشهر ويدفع أبونا الدين للبقال.

وليس عيباً أن يكون الشاب فقيراً، العيب ألا تكون لديه إرادة قوية لتحقيق ما يريد، والوضع ليس مفتعلاً له خصيصاً، بل هو وضع عام فى البلد «بلدنا كده» فهل نظل مسودى الوجوه وناقمين على الحياة أم نسعى لتحسين أحوالنا بالعلم، نحن فى حاجة إلى سحب حالة الإحباط من نفوس وصدور شبابنا إذا كنا نحبهم ونحب البلد ونريد له التقدم.

* هل أنت راضٍ عن مستوى التعليم فى مصر؟

- لا، على الإطلاق، والحل فى تحسين أحوال الجامعات وفتح باب المنافسة، فقد كان لمصر دور ريادى فى الرقى العلمى والفنى، ولكن انهار المستوى رويداً رويداً حتى تأخرت مصر فى كل فروع العلم والمعرفة، فى نفس الوقت الذى ازداد فيه دخل دول الخليج التى أنفقت الكثير على الدعم المالى للتعليم والبحث العلمى والصحة، فتقدم الكثير منها مثل قطر والسعودية والإمارات، وفى نفس الوقت خطت دول فقيرة مثل الأردن وتونس وحتى سوريا خطوات لا بأس بها، ولكن الوضع فى مصر مازال محزناً.

* هل تعتقد أن مصر فى الظروف الحالية قادرة على إنشاء مشروع نووى سلمى؟

- لو تمت الاستعانة بالشباب المصرى وضمهم إلى برنامج تدريب محدد لغرض ما ممكن جداً أن يصبحوا أفضل من أى مكان فى العالم.

* وهل لدينا هذه المراكز القادرة على التدريب والتأهيل؟

- يوجد لدينا البعض ولا يوجد الكل، ولكن ما الذى يمنع إرسالهم فى بعثات للخارج مثل الهند وروسيا وأمريكا، وأقوم بتجميع كل العلم لنصل لأفضل شىء، وصدقينى من الممكن أن يصل شبابنا إلى أفضل مما توصلت إليه باقى الدول، فالخامة المصرية بالتدريب الجيد ممكن أن ترتقى إلى أفضل مستوى.

* ألا تعتقد أننا تأخرنا كثيراً فى هذا المجال؟

- المشروع مطروح منذ عهد الرئيس جمال عبدالناصر، وكان هناك علاقة بين عبدالناصر ونهرو فى الهند، واتفقا على التعاون فى مجالى تصنيع صواريخ تذهب إلى القمر وقنابل نووية، وقد صنعت بالفعل الهند صواريخ ترسلها إلى القمر بل وصنعت القنبلة الذرية، فى حين أننا لم نرسل صاروخاً للقمر وعملنا هيئة الطاقة الذرية التى لم تنتج لا قنبلة ولا «نووى سلمى»، ومفاعل إنشاص لم ينتج شيئاً، فهل هذا يصدق؟!

الهند التى كانت أفقر منا فى الستينيات وكانت لديها مجاعة، بل والأدهى أنها تتحدث حوالى ٣٠٠ لغة ولديها تعددية دينية ومختلفون مع بعضهم البعض فى الثقافة والطبقات الاجتماعية، ومع ذلك أصبحوا أفضل منا ولم نفعل ربع ما فعلته الهند، فقد تأخرنا كثيراً، الهند التى كانت تعانى مجاعات كل سنة وقفت مع نفسها وقالت سنطعم أنفسنا خلال ١٥ سنة.. وعملوها.

مصر تستطيع بسهولة أن تعود منارة للمنطقة إذا أصلحت ونستطيع أن نفعل ذلك فى عقدين من الزمان كما فعلت دول مثل ماليزيا وكوريا الجنوبية وتركيا، وأملى كبير فى أن تستعيد مصر بفضل شبابها مكانتها بين الأمم.

* ماذا لو تم إسناد المشروع إلى شخص لا علاقة له بالعلم بعدما تردد عن إسناده من الباطن لبعض رجال الأعمال وشخصيات حكومية؟

- سيخرب.

* وما رأيك فى أن يكون على رأس المجالس العلمية المتخصصة فى مصر رجل سياسى؟

- يبقى البحث العلمى فى مصر حيخرب، لأنه لا يمكن لهذا الشخص أن يدعم أفكار العلماء، وتدعيم مشروعاتهم وأى مشروع وقتها لن يصلح بل سيفسد.

«ولا أعرف إذا كان الدكتور فاروق الباز يعرف أن السيد كمال الشاذلى على رأس المجالس المتخصصة أم أنه أجاب فى العموم لأنه غير متابع لحركة رؤساء الهيئات فى مصر بحكم تواجده خارج البلاد».
---------------
نشر في المصري اليوم بتاريخ 29-3-2009
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=204703

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المتابعون