نصر فريد واصل

الدكتور نصر فريد واصل مفتي مصر الأسبق:
المحتكر يحارب الله ومن يصدّر الغاز لإسرائيل آثم والصوفية متسولون
-----------------------------------
حوار رانيا بدوي ٢٠/ ٩/ ٢٠٠٨
---------------------------------

بعباءته الحريرية البيضاء جلس في الطابق السفلي من فيلته بمدينة نصر، وصوت أحفاده يلف المكان بالضجيج.. يحيا حياة طبيعية بعد أن خفتت قليلا عنه الأضواء وعاد إلي مكانته الحقيقية والجليلة، كعالم من علماء الدين في مصر وعضو في مجمع البحوث الإسلامية، بعد أن ترك منصب مفتي جمهورية مصر العربية وذيل لقبه لفظ «السابق» بل أصبح أكثر تحرراً من قيود المنصب فكان هذا الحوار المختلف والجريء..

بدأ الدكتور نصر فريد واصل مفتي مصر الأسبق حديثة برؤية عامة لحال المسلمين قائلاً: بدأ حال المسلمين يسوء من وقت ضعف الخلافة الإسلامية التي كانت تعتبر العالم الإسلامي كله دولة واحدة، والتي كانت تعتبر المسلمين حتي وإن كانوا في قارات مختلفة إلا أنهم تحت قيادة عامة موحدة.

وهذا الضعف الذي وصل إليه المسلمون سببه الأساسي ابتعادهم عن العلم واعتمادهم علي الغير.. فالاستعمار المادي حتي وإن خرج منذ سنوات طويلة من البلاد العربية فإنه عاد واحتلها في أبشع صورة للاستعمار وهو ما نسميه العولمة والاحتلال الاقتصادي، الذي أصبح أبرز سماته أن يأكل القوي الضعيف.. فالدول العربية مازالت مستعمرة حتي وإن خرج منها المستعمر عسكريا.

* سألته: حديثك يؤكد أطروحة البعض بأنه لا حرب علي الإسلام بقدر كونها حرباً علي العرب وثرواتهم؟

- أؤيد هذا الرأي وأعتقد أنها ليست حرباً علي الإسلام، بقدر كونها حرباً علي من يحاولون منعهم من السيطرة علي ثروات هذه البلاد ومنهم الإسلاميون، وذلك بإلصاق تهم الإرهاب والتخلف بالإسلام وبالمسلمين، والادعاء برغبتهم في تحقيق الديمقراطية والمدنية والرخاء..

وبالطبع هناك أسباب تقع علي عاتق المسلمين أنفسهم منها ابتعادهم عن الدين الذي يأمرهم بالعلم والتقدم وعدم الاعتماد علي الغير في سبل الحياة أقصد أننا في مرحلة التخلف الديني والحضاري والبعد عن الثقافة العلمية والتي بدأت منذ القرن السابع عشر حتي الآن.

الصورة السيئة عن المسلمين ليس السبب فيها المسلمون وحدهم وإنما العدو الصهيوني بما يملك من قوة المال والتكنولوجيا ووسائل الإعلام الأقوي والأوسع انتشارًا، الذي أخذ علي عاتقه تشويه صورة الإسلام، لذلك الغرب لا يعرف عن الإسلام إلا ما ينقل من خلال هذه الوسائل، وبالتالي فإن تحسين الصورة يجب أن يكون من المنطلق نفسه.. أي بالحوار المباشر مع الغرب والوصول إليه إعلامياً.

* لكن لدينا علماء عرباً ومسلمين في أنحاء العالم.. في رأيك لماذا لا ينعكس علمهم علي تحسين صورة المسلمين؟

- لأن العلم للأسف أصبح يوظف لخدمة المصلحة الذاتية، فكثير من العلماء ومن بلغوا أعلي المراحل في تخصصهم لم يعد الهدف لديهم تحقيق مصلحة عامة لوطنهم أو أهلهم، إنما المصلحة الذاتية.. وهذا بالطبع بسبب ما نسميه الفصل بين الدين والدولة.

تلك النظرية الغربية التي تقول: «دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله» والمقصود منها تنحية الجانب العقائدي في جانب والحياتي في جانب آخر، ولا يمكن أبدًا للإنسان أن يفصل عقيدته وإيمانه عن الحياة العملية التي يعيش فيها، فالدين هو منهج الحياة.

* وهل فصل الدين عن الدولة جائز شرعا؟

- الإسلام لا يفصل الدين عن الدولة، لأن الدين يعني الأخلاق والقيم والعدل، وفصل الدين عن الدولة يعني بالضرورة فصل هذه القيم عن الدولة مما أدي إلي فساد المجتمع والاحتكار، وأزمة الخبز، وكل مشاكل غياب الديمقراطية، وعدم الثقة في العدالة، بدليل أن المتخاصمين أمام القضاء يتحايل بعضهم علي القانون علي اعتبار أنه قانون وضعي وليس قانوناً مستمداً من روح الشريعة.. فالعالم كله الآن يعيش عدل الجاهلية..

وسئل أحد العرب آنذاك ما هو العدل في نظرك؟ فقال: العدل أن أُغير علي جاري فأسلبه ماله وأهله وإبله، قيل وما هو الظلم؟ فأجاب أن يغير علي هذا الجار فيسترد مني ماله وأهله وإبله.. وهذا هو العدل الذي يطبق الآن خصوصاً من جانب أمريكا وإسرائيل.

* في رأيك.. ما سبب الخوف من وصول الأنظمة الإسلامية إلي الحكم؟

- إنه هوس المحتكرين والمستغلين وأصحاب المليارات.. فهم أصحاب المصلحة في عدم وصول هؤلاء إلي الحكم.

* ونموذج «حماس»؟

حماس ليست حجة.. فهل ما تفعله حماس أوفتح أو حتي ما يحدث في السودان أو الصومال وهي دول تحكمها الشريعة الإسلامية، من الإسلام في شيء! بل هم جهلاء بالإسلام وبالمنهج الصحيح تماماً مثلما حدث في فترة من الفترات في مصر وظهور جماعات متطرفة كالجهاد والتكفير والهجرة وهم شباب مسلوبو الإرادة لا يفقهون من الدين شيئاً، ولكنهم يتحدثون باسم الإسلام.. فحماس ليست نموذجاً للإسلاميين ولا للحكم الإسلامي.

* هل قرأت البرنامج السياسي لحزب الإخوان المسلمين؟

- نعم.

* هل هو النموذج الأمثل للحكم الإسلامي في وجهة نظرك أم أنه في حاجة إلي تعديلات؟

- بصرف النظر عما قدمه الإخوان المسلمون، نحن نحتاج إلي تطبيق روح التشريع السماوي ولن يأتي هذا إلا بنظم تعليم إسلامية، فالتعليم الآن افتقد التربية والعلم.. وأصبح مادياً، ولا يزيد علي كونه بيزنس.

* لم تجب عن سؤالي؟

- العبرة بالتطبيق وليس بالشعارات.. وعندما يقول الإخوان المسلمون نحن نتمسك بالدين وبالشوري والديمقراطية والشريعة الإسلامية في السياسة والاقتصاد، لا نستطيع أن نقول إن هذا خطأ ولكن العبرة في التطبيق وليس في الشعارات.

* قلت إن الحاكم المستبد لا يعاقب وحده إنما شعبه الذي استكان له؟

- طبعاً.

* ولكن القبضة الأمنية علي البلد لا تسمح لنا بالاعتراض؟

- الحديث الشريف يقول «من رأي منكم منكرا فليغيره بيده ومن لم يقدر فبلسانه ومن لم يقدر فبقلبه...».

* كيف أعلن ذلك بلساني وقلبي؟

- أن تعلني اعتراضك.

* وهل تعلن أنت اعتراضك؟

- نعم.

* دعني أطرح السؤال بطريقة أخري: هل أنت راض عن حال الحكم في مصر وعن حال الشعب؟

- لست راضيا علي الإطلاق عن الصورة التي عليها مصر الآن من استغلال واحتكار وفساد.

* من أوصل الحكم إلي الاستبداد؟!

- الشعب نفسه.. يجب ألا يري أحد ما يحدث ويظل صامتا بل عليه أن يعلن عدم رضاه.. وأقل أنواع الجهاد هو كلمة حق عند سلطان جائر.. صمت الدكتور نصر قليلا، واستطرد: ولكن تبقي المشكلة من هو السلطان الجائر؟! فنحن في مجتمع به مؤسسات ومجلسا شعب وشوري وحكومة.. المؤسسة الكاملة مسؤولة بمن فيها الوزير ورئيس المدينة ورئيس الحي.. كل المؤسسة التي حدث في ظلها الإفساد تعد مسؤولة.

* إذن أنت مع الإضرابات والمظاهرات تعبيراً عن الرفض؟

- نعم هي حق للمسلم الذي وقع عليه ظلم.

* ما حكم الدين في نقل رجال ومعاوني الرئيس معلومات خاطئة إليه لا تعبر عن واقع الشعب الفعلي؟

- كل من يضلل الحاكم يحمل وزره فهو تدليس وتزوير وعقوبته بحسب درجة الضرر الذي يقع علي الشعب.. والتدليس غش ومن غشنا فليس منا وهو حرام شرعا.

* واحتكار رجال الأعمال بعض السلع؟

- حرام.. حرام.. حرام.. وظلم وظلمات.. والرسول عليه أفضل الصلاة والسلام قال: «المحتكر ظالم وإن الله لا يحب الظالمين» والاحتكار محاربة لله ورسوله.

* وحكم التربح من المال العام؟

- هذا غلول والرسول يقول «من غل غلة في النار».. وهو أشد أنواع الجرم أن يغل من مال الدولة.

* والقرعة المزيفة في بيع الأراضي والشقق للشباب؟

- تزييف وتزوير وحرام.

* وعدم ضبط أسعار السلع من قبل الدولة؟

- الأصل في الإسلام عدم التسعير ولكن عند الضرورة والحاجة أباح فقهاء الإسلام التسعير لمنع الضرر.. خاصة في السلع الضرورية والأساسية، لذا علي الدولة وضع ضوابط للتسعير.

* هل تعد الضرائب زكاة؟

- لا.. الزكاة لها موارد معينة ولها نية.. أما الضرائب فلها موارد أخري وهي شرعية وواجبة وعدم تسديد الضرائب يعد إثماً كبيراً لأن الدولة تستعين بها في إنشاء الطرق والمواصلات ورواتب الموظفين.

* وسرقة المال العام؟

- يقام علي سارقه حد قطع اليد.. وأضاف ساخراً: «بس اللي يقطع بقي وينفذ».

* هل للدولة الحق شرعا في بيع الغاز لإسرائيل وهي دولة عدوة للمسلمين؟

- لا.

* وما حكم الدين؟

- حرام قطعا ومخالف للشرع.

* هل يعد من اتخذ قرار بيع الغاز لإسرائيل آثماً؟

- آثم.. آثم.. آثم.. وهذا ينطبق علي كل ما فيه قوة للعدو، يعني مثلا من يصدر الأسمنت إلي إسرائيل لبناء الجدار العازل بدعوي حرية التجارة.. فهم يأخذون الغاز لتشغيل مصانع السلاح، والأسمنت لبناء جدار عازل ومستوطنات..

وبما أننا في حالة من الضعف الشديد علينا بأضعف الإيمان وهو الضغط علي أعداء الإسلام بالمقاطعة الاقتصادية بألا نعطيهم مالنا ولا نشتري سلعهم.. عليهم أن يشعروا برفضنا ما يحدث.. لكننا للأسف نكتفي بالتنديد ونتهمهم بارتكاب المجازر في فلسطين، وعلي الجانب الآخر نعاونهم ليصبحوا أكثر قوة.. والله هذا ليس من الدين في شيء.

* وهل ينطبق الأمر نفسه علي معاملاتنا مع أمريكا؟

- باختصار كل ما يمكن أن نحصل عليه من جهة أخري غير أمريكا علينا الحصول عليه، ومادامت هناك إمكانية للتعامل مع غيرها فلماذا لا نفعل؟ ولم الضعف أمام أمريكا؟.. كما علينا علي الجانب الآخر أن نؤمن غذاءنا وأن نعمل بجدية لتوفير احتياجاتنا فنصبح أمة قوية لا تؤثر فينا الضغوط الخارجية.

* صدر مؤخراً عدد من القوانين أثار جدلاً واسعاً بين علماء الأزهر منها قانون الطفل وتجريم الختان فمارأيك في الأمر؟

- صدور القانون كان لمنع التجاوزات التي تحدث أثناء الختان ولكن عموما فكرة الختان مفهومة بشكل خاطئ وهو أن يقطع جزء من عضو الأنثي وهذا غير صحيح، فالمقصود هو قطع الجزء البارز من العضو هذا إن برز.. والحقيقة العلمية تقول إن حوالي ٩٠ % أو ٩٥ % من النساء يكون عضوهن طبيعياً ولا يحتاج إلي الختان، وحتي نسبة الـ١٠% الأخري لا تظهر زيادة هذا الجزء من العضو إلا في البلوغ ولا يمكن أبدا حسم الأمر في الطفولة.

وبالتالي من حيث المبدأ الختان ليس حراماً ولكن الختان وفق هذه المعايير وليس كل النساء، ولا يقطع إلا الجزء البارز أكثر من اللازم لدرجة أنه خرج وتدلي من العضو وأصبح يسبب إزعاجاً للمرأة وهنا يتعامل مع الأمر طبيب النساء، ماعدا ذلك لا يجب أن تخضع الفتاة لأي عملية ختان، لذا جاء القانون لوقف الممارسة الخاطئة للختان.

الدين كرم الفتاة، وعضوها الأنثوي يجب أن يحترم، وما يحدث من عمليات ختان بالصورة التي نراها جريمة بشعة تستحق عليها الفتاة الدية، فهذا العضو هو الوحيد من الجسم الذي إذا بتر يحكم لصاحبه بدية النفس الكاملة أو القصاص.. لقد نسب للإسلام ما ليس فيه.

* وما رأيك في القانون الذي رفع سن زواج الفتاة إلي ١٨ سنة؟

- عندما عرض هذا الأمر علي مجمع البحوث تم رفضه وأنا منهم.

* لماذا أليست الفتاة غير مؤهلة ولا مدركة مسؤوليات الزواج قبل هذه السن؟

- الفتاة يتكون لديها الوعي الكامل بمجرد البلوغ، أما تحملها مسؤوليات الزواج فهي في النهاية مسألة تأتي بالتدريب، ولكن ليست هناك حرمانية وأنا ضد تجريمه، ولكنهم يقولون إن تحديد السن بـ١٨ فيه مصلحة حتي تكمل الفتاة تعليمها والمرحلة الثانوية.. وهنا أقول إنه يمكن عقد القران في سن البلوغ ولا يدخل بها الزوج إلا بعد إنهاء تعليمها الثانوي تحقيقا للمصلحة.

* دعني أعد مرة أخري إلي صورة الدين الإسلامي وكيفية التعامل مع الآخر في الداخل والخارج، لذا قل لي في نقاط محددة شكل الحوار الأمثل الذي يجب أن يكون عليه خطاب المسلمين؟

- يجب أولاً الاتفاق علي القضايا العامة الرئيسية من خلال مؤتمرات عالمية وعلي النقاط التي يجب أن يكون خطابنا فيها موحداً، سواء في السياسة أو الدين أو الاقتصاد.. وثانيا استخدام وسائل التكنولوجيا والإعلام المتعددة من خلال خطة مدروسة لمخاطبة العالم كله بلغته وتكون الرسالة الأساسية أننا لسنا أعداء لكم ولا أنتم أعداء لنا، وليس لأحد منا أن يستغني عن الآخر فلماذا الحروب بيننا؟

ومحاولة محو الصورة الخاطئة عن الدين الإسلامي بأنه إكراه وإجبار وأن الإسلام والسيف وجهان لعملة واحدة والتأكيد أن الإسلام يحترم حرية العقيدة، فالإسلام لم ينتشر إلا بالتبليغ.

* دعني أستغل الفرصة وأطرح عليك ما يطرح علينا يوميا علي النت أو من قبل الأجانب لنفهم أولا كمسلمين ديننا ولنملك الرد الصحيح إذا ما سُئلنا.. يقول البعض إن الفتوحات الإسلامية هي نوع من الغزوات حتي ولو غيرتم اسمها إلي فتوحات؟

- لا.. الإسلام لم يغز بلداً والغزو هو انتهاك حقوق المواطنين وسلب أموالهم ونسائهم والإسلام في كل بلد دخلها احترم النساء والأقليات وبلغ الدعوة وترك حرية الإيمان للناس وهناك دول عديدة دخلها الإسلام بشكل سلمي مثل مصر حيث فتح له المصريون الباب ورحبوا بالدعوة.

* ولكن هناك فتوحات تمت بإعلان الحرب واستخدام السيف؟

- أحيانا كانت تقوم حروب ولكن في حالة واحدة فقط إذا تم منع المسلمين من التبليغ بالرسالة حتي لا يموت من لم تصلهم رسالة الدين الإسلامي علي دين آخر، خاصة أن نشر الدعوة مسؤولية سيتحملها كل من كلف بها..

وهنا كان يقف أصحاب المصالح الخاصة والمال ضد الدعوة لأنها تحرر العبيد وتساوي بين الغني والفقير وبالتالي كانت تعلن الحرب علي المسلمين حاملي الدعوة.. وهنا فإن الأمر كان دفاعاً عن النفس.

* دعني أقل لك ما يقوله المسيحيون: أنتم تدعون إلي الإسلام ولا يقف أحد أمامكم فلماذا نحن عندما ننشر الدين المسيحي نتهم بالتنصير والتبشير ألا تتحدثون دائما عن حرية العقيدة؟

- فليدعوا إلي دينهم كما يريدون ولكن خذي بالك من الفرق بين التبليغ والتبشير.

* وما هو الفرق؟

- التبليغ هو الإعلان ثم اترك الاختيار للشخص إما الدخول في الدين الإسلامي أو لا.. ويعني التبليغ أن هناك ديناً سماوياً جديداً وهو آخر الأديان ودعوته أن الله واحد وأننا جميعا إخوة في الإنسانية، ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر..

أما التبشير فمعناه التبليغ مع وضع الترغيب بطرق مادية من أجل جذب الناس إلي هذا الدين مع محاولة تشويه الدين الآخر وإغراء الناس بالماديات وهو نوع من الإكراه المعنوي، فمثلا يقولون: «لو دخلت المسيحية هديك فلوس أو حوظفك أو سأعطيك شقة للزواج إلي آخر ذلك».

* وما الخوف من شخص خرج علي الإسلام ليدخل المسيحية وهل الإسلام كسب بوجوده أوخسر بخروجه! ولماذا كنت أنت من أكثر المتشددين في تطبيق حد الردة علي كل من خرج عن الدين إلي آخر، خاصة أن كل الآيات القرآنية التي ذكرت الردة لم تذكر أي عقوبة دنيوية؟

- القرآن والسنة هما وحي من الله سبحانه وتعالي فيقول المولي عزوجل «ما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا».. «أطيعوا الله وأطيعوا الرسول» لذا مالم يأت في القرآن وجاء في أحاديث الرسول يجب العمل به، وهناك حديث عن الرسول صلي الله عليه وسلم يقول «من بدل منكم دينه فاقتلوه».. ولأن الدين عند الله الإسلام..

لذا من يدخل عن عقيدة وإيمان حقيقيين لا يمكن أن يرجع عنه ولكن من يرد الرجوع فهو ليس في قلبه إيمان ولو ترك سيصبح مثل الخلية السرطانية، خلية واحدة يمكن لها أن تفسد الجسم كله وستبدأ في الانتشار فيجب أن يكون قدوة لضعاف النفوس لأنه سيغري غيره وغيره يغري غيره، وحرية العقيدة لا تعني حرية الدخول والخروج من دين إلي آخر، وإلا أصبحت فوضي فالحرية تعني أنه لا إكراه في الدين، ولكن اذا آمنت بالإسلام ودخلت فيه ليس لك أن تخرج كيفما تشاء.. لأنه من الأساس لم يكرهك أحد علي الدخول فيه.

* لكن البعض لم يدخل الدين الإسلامي عن إيمان كامل بقدر اعتباره ديناً موروثاً عن والديه وهكذا باقي الأديان؟

- ولكنه أصبح عقداً اجتماعياً.. وقد وصل الإنسان إلي القمة في مجال الأديان والعقيدة باعتبار الدين الإسلامي آخر الأديان، وبعد أن بلغه التكليف فهو ملزم.. باختصار لو تركنا الأمر دون ضوابط ستتغير هوية الدولة الإسلامية وسيتغير شعارها.

* ولكن محامي «محمد حجازي» المتحول من الإسلام إلي المسيحية استند في دعواه إلي فتوي للدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية الحالي أجاز فيها تغيير ديانة المسلم اذا أراد ذلك باعتبار الدين مسألة بين العبد وربه والله تعالي كفل للبشرية حق اختيار الدين دون إكراه؟

- الدكتور جمعة يجتهد، وكل مجتهد يخطئ ويصيب. هذا رأيي ولا تعليق علي رأي المفتي.. وطبعا هناك فارق بين وقوع الحد وتنفيذه.. فالحد يقع ولكن التنفيذ في يد الدولة وهي لا تطبق الحدود أصلا ولكن هذه مسؤوليتها.

* ما حكمك علي البهائيين؟

- غير مسلمين علي الإطلاق.

* والقرآنيون؟

- فصل السنة عن القرآن ينطبق عليه القول بأن من أنكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة «يعتبر غير مسلم قطعا».

* حتي وإن قال لا إله الا الله محمد رسول الله؟

- وقتها يكون منافقاً لأنه علي الجانب الآخر يرفض الاعتراف بالسنة الشريفة..

* زرت إيران كثيرا وتقابلت مع الشيعة.. هل الفرق بيننا وبينهم في الدين كبير؟

- الخلافات في أسلوب الحكم فهم يؤمنون بالولاية ويختلفون عنا في بعض فروع الدين، فمثلا هم يبيحون زواج المتعة اعتمادا علي أحاديث عن ابن عباس، كما أنهم ولظروف الفتنة التي حدثت آنذاك كانوا يعتمدون علي الأحاديث المروية من جانبهم ويشككون في المنقول عن الطرف الآخر وهذا لظروف سياسية.. ولكنهم مسلمون ويجمعنا معهم القرآن وفقه واحد ومعاملات واحدة ويصومون ويصلون مثلنا.

* هل تظن أن للشيعة أطماعاً سياسية تهدف إلي إزاحة السنة؟

- هذا ما يحاول أن يصوره لنا الغرب من باب «فرق تسد»، وثبت تاريخيا أن افتراق المسلمين وخلافهم الديني خاصة بين السنة والشيعة أضعف شوكتهم وأعطي الفرصة للآخر.

وكما قلت بيننا وبين الشيعة وحدة إيمان وعقيدة ووحدة معاملات وفقه ووحدة الكتاب حتي وإن اختلفوا عنا في بعض الفروع.

* الوهابية؟

- هم أتباع محمد بن عبد الوهاب، وكان متشدداً للغاية ليحمي الإسلام والمسلمين من الخروج عليه لظروف صعبة آنذاك، ولكن أتباعه أخذوا هذه الفتاوي المتشددة التي لم تعد تصلح للعصر الحالي لتطبيقها وأخذوا الفتاوي كما هي من القرن الثالث الهجري إلي الآن، بما يعني مرور أكثر من ألف سنة، وتشددهم لجهلهم بطبيعة العصر، والفتوي يجب أن تكون للمصلحة.

* الصوفية؟

- الصوفية الحقيقية تعني صفاء النفس وتغليب الجانب الروحاني علي الجانب المادي، ولا غبار علي هذا المنهج فهو منهج إسلامي وشرعي وكان موجوداً في عهد الرسول صلي الله عليه وسلم.

ولكن المشكلة كانت في الأتباع الذين أخذوا المنهج الروحي البحت وتركوا الدنيا وبدأوا «يتدروشون» مع أن الصوفية الحقة أن يمسك الإنسان بالدنيا، ويصل إليها كلها لكن وفي الوقت نفسه يكون لديه القدرة علي الاستغناء عنها، لأن وظيفتنا علي الأرض تعمير الدنيا والسعي فيها، وليس تركها للنوم في الشوارع، وارتداء الملابس الممزقة.. فهؤلاء متسولون، ومسلمون جهلة، وليسوا صوفيين.

* سؤال أخير دكتور نصر: نسمع كثيرا عن فتاوي سياسية لصالح النظام فما رأيك في هذا؟

- لم أسمع بذلك من قبل.

* ألم يطلب منك يوما وأنت في منصب مفتي جمهورية مصر العربية أن تفتي في إطار معين؟

- لم يطلب مني هذا أبدا لا من قريب ولا حتي بالتلميح.. وأشهد الله أن كل ما أفتيت به كان بما يرضي الله ورسوله وبناء علي بحث ودراسة.

-------------
نشر في المصري اليوم ٢٠/ ٩/ ٢٠٠٨
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=179195

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المتابعون