فساد المعارضة

-----------------------------------
بقلم رانيا بدوي ٢٤/ ٩/ ٢٠٠٦
-----------------------------------

شهدت إحدي قاعات فندق ٧ ستار الأسبوع الماضي، والتي تقع علي النيل مباشرة، حفلاً أقامه سياسي معارض معروف، استضاف فيه عدداً من كبار الشخصيات الأمريكية والإسرائيلية علي حسابه الخاص ولصالح أحد رجال الأعمال المعروفين أيضا ولو علانية بأنه ضد الحكومة.. حفل سيذكره التاريخ يوماً ما، وستتوقف أمامه الأجيال القادمة متهمة قوي المعارضة المصرية بخداع الرأي العام.


بدأ الحفل وستار الدخان يخفي الوجوه وتكاد لاتسمع إلا همهمات وأصوات الكؤوس تدور هنا وهناك بين كفوف من خدعونا.. من جعلونا نضع أحلامنا بين أيديهم، فصرنا بلا رموز بلا أمان أو سكن.. ضقنا من الفقر والجهل والمرض والشجن، وهم يحتسون الشراب في صحة الوطن.


في ركن من القاعة وقف السياسي الشهير وهو ليس وزيراً ولا رئيساً لحزب إنما أحد مفكرينا ممن نطلق عليهم الآن أحد مناضلينا..
لست ضد الحوار مع الآخر، ولا أتهم المعارضة بالكامل، فأنا ضد التعميم، ولكنني ضد أن يكون الرجل كمن يعظ في الناس في صلاة الفجر ويضاجع الغانيات في المساء.


وقف الرجل الوسيم يتبادل مع ضيوفه طرق الدعم الذي سيقدمونه له في حملته ضد فساد الحكومة ومسؤوليها.. في نفس الحفل، كان هناك أحد قيادات الإخوان الذي بات متحفظاً طوال الحفل، لكنه حاول الإلمام بما يدور حوله دون أن يعرف أحد لماذا حضر وبماذا خرج من الحفل من وعود؟! المثير أن الفندق أحيط بسياج أمني ومدرعات أشبه بالتي تخصص للمظاهرات الضخمة.. نعم الأمن بارك الحفل وحرسه طبعاً من أجل الضيوف الأعزاء وهو الأمر الذي يعكس طبيعة الصفقة التي تمت بين السياسي الذي يقنعنا أنه معارض وبين الحكومة!!


المعارضه الزائفة هي أحد إنجازات الحكومة الحالية لأنها بأي حال من الأحوال تضعها وسط الحكومات الراعية للديمقراطية حتي وإن كانت ديمقراطية غير حقيقية.. وتؤكد أنها قادرة علي منح حرية الرأي والتعبير ومتعددة الأحزاب وإن كانت أحزاب كسيحة.. ومؤيدة للأقلام المعارضة وإن كانت أقلام عميلة.. لتكتشف أن الكل هنا رابح، الكل هنا يرقص علي طريقة فيلم «الراقصة والسياسي» عندما قالت نبيلة عبيد لصلاح قابيل: «كلنا بنرقص، أنا بلعّب وسطي وانت بتلعّب لسانك» لكن ما اكتشفته ياسادة أن المعارضة كانت أهم الراقصين والطبالين في هذا الحفل.. لذا لا أريد أحد منكم أن ينزعج إذا ما قرأ عنواناً أو خطبة سياسية شديدة اللهجة حتي وإن كانت فيها إهانة للرئيس!! فالمعارضة الآن أصبحت مرض العصر.. المعارضة تساوي الشهرة التي من أجلها يخلع كل شيء ويباع أي شيء.. والبطولة أصبحت هوس كل من يبحث عن مقعد أو دور.


لن أتحدث عن فساد مرت عليه سنوات، إنما سأتحدث عن أحداث لم ينسها المواطن المصري بعد، علي رأسها جريمة التزوير المتهم فيها رئيس حزب الغد أيمن نور، وجريمة البلطجة واستخدام العنف والسلاح التي تعد وصمة عار في التاريخ السياسي لرئيس حزب الوفد السابق نعمان جمعة وبالطبع تعرفون كم مر علي ضياء الدين داوود في رئاسته للحزب الناصري ورفضه التنحي عن منصبه لتجديد دماء الحزب.. بالإضافة إلي الصراعات المستمرة علي المناصب داخل الأحزاب، والغريب أن هذه الأحزاب نفسها هي التي تطالب بنزاهة الانتخابات وعدم استخدام العنف والبلطجة وعدم البقاء في المناصب لفترات طويلة..


الفساد ليس بعيداً أيضا عن بعض صحف المعارضة التي لم تحترم ثقة الناس بها وباتت تحصل علي دعم مالي مشبوه من رجال الأعمال تارة ومن قوي سياسية معارضة تارة أخري، لتكون بوقاً لها.. حتي أن إحدي الصحف المهمة تحصل علي دعم من إحدي جمعيات الشواذ في أمريكا.


ولو انتقلنا الي الحركات الشعبية المعارضة أتساءل ماذا قدمت حركة «كفاية» للشارع المصري سوي أنها طالبت بالتغيير؟ وما هو التغيير الذي تقصده؟ تغييرالنظام أم تغيير فرد؟ هل تعارض شخصاً أم تعارض أفكاراً؟ الكل ياسادة لا يفكرون في مصلحة المواطن ولا يعملون من أجله.. المواطن الذي يطلب منه الجميع أن يشارك وأن يدلي بصوته وأن يخرج عن صمته .. ففي الوقت الذي يتحدث فيه المثقفون عن الحرية والديمقراطية والإصلاح الداخلي بل وتنفق الملايين علي تنظيم المؤتمرات والتغطيات الإعلامية، لم يلتفت أحد منهم أن مؤتمراتهم لا يسمع عنها المواطن لأنه مشغول بالنبش في صفائح الزبالة بحثا عن لقمة عيش.


يا سادة، فساد المعارضة أخطر من فساد الحكومة، لأنها الأمل الذي تعلق به الجمهور والقشة التي يتمسك بها المواطن الغريق.
نحن لا نحتاج الي المعارضة لإصلاح حال الحكومة، نحن نحتاج لأن نعمل بضمير وصمت حتي ينصلح الحال وينعدل الميل.


عموماً كل عام والشعب المصري بخير، كل عام ورمضان يأتي والحال غير الحال، أناس لا تعيش علي القيل والقال، وأحزاب لا تنافق ولا تظهر علينا بألف وجه كذاب.. كل عام ومؤسسات العمل المدني لا تعيش علي المعونات وإن عاشت لا تنفقها علي مؤتمرات ٥ نجوم.. كل عام والفاسدون - حكومة ومعارضة - مسلسلون كالشياطين في رمضان.
-------------
نشر في المصري اليوم بتاريخ 24/9/2006
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=31501

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المتابعون