منصور حسن

منصور حسن وزير الثقافة والإعلام الأسبق لـ « المصري اليوم»:
كان يجب على مصر أن تُظهر الغضب لأمريكا وإسرائيل
-----------------------------------
حوار رانيا بدوى ١٠/ ١/ ٢٠٠٩
-----------------------------------
كعادته لا يظهر منصور حسن، وزير الثقافة والإعلام وشؤون الرئاسة، فى عهد الرئيس السادات، إلا عندما يرى أن هناك ما يستحق أن يدلى برأيه فيه.. ورغم مقاومته الشديدة، كعادته، للظهور الإعلامي، فإنه وسط استفزاز مشاهد العنف والقتل والدمار التى ترتكبها إسرائيل فى غزة، ووسط اتهامات تتردد على مسامعه بأن الرئيس السادات هو من كرس لفكر السلام كخيار استراتيجى، حتى تجرأت علينا إسرائيل، لم يجد مخرجا إلا الخروج عن صمته وهدوئه،

فتحدث بحكمة السنين وبعد نظر المستقبل وبموضوعية أصبحت نادرة، ولكن وصوته يمتلأ بآسى وحزن لم أسمعه من قبل وانفعال لم أشاهده على تقاسيم وجهه.. ربما حزن على ما آلت إليه مصر من هوان، وانفعال لتجرؤ الآخرين عليها وانتهاك سيادتها حتى وإن لم يصرح بذلك، لكنه كان واضحا فى رفضه تحميل حماس المسؤولية، ورفض تخوين مصر.. رفض شماتة القوى المعارضة المصرية فى التهجم على السفارات المصرية..

ورفض صمت مصر تجاه تهديدات ليفني.. رفض أن يكون السلام خياراً استراتيجياً.. ورفض أن يستبعد الشعب المصرى نهائيا فكرة الحرب من ذهنه.. فذهبت إليه وأنا أحمل الكاسيت لأقنعه بالتسجيل والتقاط صور له فى حوار مطول بعد غياب كان أحيانا يقطعه بتصريحات قصيرة قبل أن يعود إلى صمته من جديد، ولكن هذه المرة جاءت طلة منصور حسن قوية يتحدث فيها عن سلام السادات وتدليع النظام الحالى لإسرائيل، يشرح سر قوة إيران ويؤكد الفراغ الذى أحدثته مصر فى المنطقة، وإلى تفاصيل الحوار:

* فى البداية: ما رأيك فى تحميل البعض مسؤولية ما حدث فى غزة لتهور حماس؟

ـ استمعت لهذا الكلام، وأسمع بعض الهمهمات فى الشارع المصرى تردد نفس المعنى، حيث يرون أنه لو لم تأخذ المقاومة العزة وجددت الهدنة، لما حدث ما حدث، وأصحاب هذا القول يرون أن المقاومة جرت ما يحدث ولا تلومن إلا نفسها، لكننى أقول لو أننا بدأنا بهذه المنطقة فهى بداية خاطئة جداً فى التقييم ورؤية الأمور بموضوعية فعلينا أن نعود إلى الهدوء النسبى، الذى كان بين المقاومة التى التزمت به إلى حد كبير بل التزمت به إسرائيل،

ولكن فى إطار حصار خانق على هؤلاء الناس، فإسرائيل كانت تريد من حماس التوقف عن ضرب الصواريخ فى حين تحاصر هى هذا الشعب، لذا كان لابد أن يصل الوضع إلى الانفجار، خصوصا أن الدول العربية للأسف شاركت بدورها فى الحصار فلا توجد دولة عربية فكرت أن تكسره، إما من خلال مصر أو من خلال الأردن لتنقذ الفلسطينيين.. لذا لا يجب أن نلوم حماس، فالمسؤولية تقع كاملة على إسرائيل التى خنقتهم حتى الموت.

* لكن مصر تعدد منذ بداية الأزمة ما فعلته وقدمته لغزة؟

ـ مصر «الشهادة لله» كانت تسمح بعبور بعض المواد الغذائية والدوائية، وبالطبع هذا كان بالاتفاق مع إسرائيل وليس رغما عنها، وتفعل ذلك كلما تتأزم الأمور فهو وضع استثنائى لا يسقط المسؤولية من على الدول العربية بأكملها وليس مصر فقط تجاه غزة، فمثلا دول الخليج على سبيل المثال ارتفع سعر البترول فيها من ٤٠ إلى ١٤٠ دولاراً أى مائة دولار زيادة فى كل برميل فى شهر واحد، ألم يكن مسموحا دولار واحد من كل برميل يذهب لغزة وكانت توجد طرق كثيرة لفعل ذلك لو كانوا يريدون،

حتى اللحظة التى تفتق فيها ذهن أنصار السلام الأوروبيين أن يأتوا ويكسروا الحصار على غزة جاءوا من قبرص فى مراكب تحمل بعض المؤن فى رسالة للعالم كله، وكانت هذه البداية بعدها أرسلت قطر مركبا وتبعتها ليبيا، ولكن إسرائيل رفضت السماح لها بالدخول، فأين كان العرب قبل ذلك.. وأعود للقول بإنه كان من الطبيعى ما أقدمت عليه حماس.

* الكاتب اللبنانى جهاد الخازن يقول إن ما تفعله حماس فى غزة ليس مقاومة وإنما انتحار بكل المقاييس.. ما تعقيبك على ذلك؟

ـ بغض النظر عن الأسماء أنا سمعت كلاما مشابها، وهو أن حماس لم تدرك أنها تواجه وحشاً كاسراً وكان عليها الاستعداد جيداً قبل مواجهة إسرائيل، وهذا قول حق يراد به باطل، فما الذى يمكن أن يوصل حماس إلى قوة إسرائيل؟ وهل المقاومة الموجودة فى العراق التى دوخت أمريكا وفرضت عليها الانسحاب وهم مجموعة عصابات هل عملوا حساباً لقوة أمريكا، أقوى دولة فى العالم، والسلاح النووى الذى تمتلكه،

وهل حزب الله بموقفه البطولى فى لبنان وما حققه كان هناك أى نسبة وتناسب بين العتاد المملوك له وبين عتاد إسرائيل؟! إطلاقاً لا توجد مقاومة تبدأ بعتاد يساويها بقوة العدو الذى أمامها، فالمقاومة دائماً مدفوعة بقوة الدفع الذاتى لأنه أمر مفروض عليها، لكى تتخلص من الاستعمار، فهى لا تدخل حرباً إنما تحاول أن تفك الخناق من على رقبتها.

* البعض يرى أن مئات الشهداء وآلاف الجرحى جرم تسببت فيه المقاومة وجنت به على المدنيين، فكيف ترى ذلك؟

- لا.. هذا ثمن ضرورى.. لابد أن يدفع من أجل الاستقلال.. وأتساءل هل يمكن اعتبار الشعب الجزائرى عندما قدم مليون شهيد أمام استقلاله من فرنسا انتحاراً؟، إن إيمان المقاومة بحقها فى الاستقلال هو الذى يدفعها لكى تعمل بما لديها من إمكانيات وأثناء المقاومة لابد أن نتوقع أن يكون عدد الضحايا فى المقاومين أعلى بكثير منه فى جانب المستعمر، لأن المستعمر قوى ولديه سلاح والبديل هو القبول بالاستعمار.

* بم تفسر رفض مصر فتح معبر رفح لدرجة جعلت البعض يتهمها بالتواطؤ مع إسرائيل؟

- مصر أخذت فى الاعتبار أن السلطة الشرعية التى تمثلها السلطة الفلسطينية موجودة فى رام الله ولا يمكن تجاهلها، وأن حماس قامت بانقلاب عليها وأنا مع الآخرين فى إدانة الانقلاب، الذى أعتقد أنه أياً كانت مبرراته ـ وأنا أعلم أنه كانت له مبررات واقعية ـ ما كان يجب أن يصل إلى درجة الانشقاق والاستمرار فيه وصولاً إلى حالة حرب تقريباً بين الطرفين، وهذا هو أخطر تطور حدث فى القضية الفلسطينية.

يكاد يمحوها.. لذا أعتقد أن مصر كانت لا تريد التسهيل لحماس والاعتراف بشرعيتها والسبب الثانى أنها كانت تأخذ فى الاعتبار أن تبقى على قدر من التهدئة مع إسرائيل، ولا تأخذ مواقف متشددة معها لتستطيع أن تقوم بدور الوسيط وهى بالفعل كانت سبب التهدئة التى استمرت طوال الفترة الماضية.

* لكن بعد تغير الوضع وتأزمه.. لماذا أصرت مصر على موقفها؟

- مصر لا تريد أن تأخذ مواقف متشددة وتود أن تظل مسالمة، وفى رأيى أن مصر للأسف فى هذا الموضوع بالذات تبدى صبراً وطول بال أكثر من اللازم، وكان لابد فى مرحلة معينة أن تظهر الغضب للولايات المتحدة وإسرائيل، وليس هناك مانع من أن تبلغ مصر الطرفين بأن السلام فى مصر فى خطر لأن الشعب كله عندما يقوم وينتفض ضد السلام وضد علاقات الحكومة مع إسرائيل وقتها الحكومة لن تستطيع أن توقف هذا الغضب إلا بالحديد والنار وإن استطاعت مرة ستفشل فى المرات القادمة.

* البعض طالب بسحب السفير المصرى وطرد الإسرائيلى ولكن البعض يسأل: هل سيحل ذلك القضية الفلسطينية ـ كيف تقيم ذلك؟

- سحب السفير لن يحل القضية.. ولكن جرى العرف أن يكون هذا الإجراء بمثابة رسالة: أن الغضب ليس شعبياً فقط بل رسمى أيضاً، المسألة هى رسالة سياسية قوية، ويكون لها دويها عندما تأتى من مصر بالذات لأنها هى أكبر الدول العربية، ولأن مصر هى التى فتحت الباب أمام السلام، إذن عندما تبدى مصر الرسمية أى تحرك يشتم منه أن السلام فى خطر،

هذا معناه أننا نبلغ العالم أن ما تقوم به إسرائيل من عدوان مستمر ووحشى لا يهدد مستقبل السلام فقط لكنه أيضاً يهدد ما تحقق من سلام من قبل، فهناك احتمال ما استثمر فيه العالم من سلام أن يتلاشى، والدليل على ذلك أن المظاهرات الشعبية التى تتفجر فى جميع أنحاء مصر الآن أثناء هذه الأزمة مستمرة يومياً وبأعداد مهولة وأعمق وأخطر من أي مرة سبقت، وربما ينفجر هذا الغضب فى أى لحظة، فأى سلام تتحدث عنه الحكومات فى هذه الحالة لا معنى له.

* كيف تفسر تأييد قرار المحكمة بالاستمرار فى عدم تصدير الغاز لإسرائيل فى إطار الغضب الشعبى؟

- هذا يدل على أن الشعب والقضاء غاضبون.. وأقول إن التلويح والتهديد بشىء قابل للحدوث يمنع أحياناً المزيد من المهاترات.

* هل تعتقد أن إسرائيل كانت تهدف إلى إحراج مصر بتهديد ليفنى بسحق حماس من القاهرة؟

- لا أعتقد أنها كانت تريد إحراج مصر، فهم يتصورون أنهم أذكى من اللازم، فبهذه الحركة يمكن أن توهم إسرائيل الرأى العام الإسرائيلى والرأى العام فى الخارج أن مصر موافقة ضمناً على ضرب حماس، تماماً مثل ما حدث مع الرئيس السادات من قبل عندما قابل بيجن، فى شرم الشيخ وكانت مقابلة ودية وفى اليوم الثانى ضربت إسرائيل المفاعل الذرى العراقى،

فهنا ظهر السادات وكأنه تقريباً يتفق مع بيجن وهذا أغضبه جداً فمصر استدعت ليفنى لأنها شعرت بنية إسرائيل ضرب غزة لتحذرها ولا يمكن أن أتصور أنها استدعتها للتواطؤ معها، لكن الخطأ الذى حدث أننا لم نعلن وليفنى موجودة فى القاهرة ما يكفى لكوننا معارضين لهذا الضرب.

* ظهر أخيراً خطابان فى المنطقة كل منهما له أنصاره: الأول يرى فى السلام خياراً استرتيجياً والثانى يؤمن بضرورة المقاومة.. كيف ترى ذلك؟

- ليس هناك اختيار بين هذا أو ذاك لأى حركة تستهدف تحقيق الاستقلال فلابد من العمل السياسى والمقاومة معاً بالتبادل والتوازى طوال مرحلة الكفاح.

* لكن أنصار السلام يرددون أن مصر استعادت أرضها وحققت السلام بالمفاوضات؟

- لا.. لم يكن من الممكن لمصر، التى سارت فى طريق مفاوضات السلام، أن تسير فى هذا المسار وتنجح فيه إلا لأنها خاضت حرب استنزاف ثم حرب أكتوبر، وبالتالى لا يرجع الفضل فيما حققته مصر من نجاحات فى الحصول على أرضها فقط إلى السلام، إنما إلى ما قبل مفاوضات السلام من حرب استنزاف وحرب أكتوبر، ولم يحدث فى التاريخ أن دولة استعمارية منحت الشعب الذى تحتله الاستقلال لأنه هادئ ووديع ومؤدب..

كل حركات الاستقلال فى العالم كانت نتيجة مقاومة أساساً وعمل سياسى إلى جانبه، لذلك لابد من التوازى والتبادل بين العمل السياسى والمقاومة خصوصاً مع إسرائيل، فماضيها فى هذا الموضوع لا يبشر بأن المهادنة والسياسة كافية لتحقيق أى نتائج معها والدليل على ذلك أول مبادرة قام بها الرئيس عرفات عندما عقد اتفاق أوسلو وقدم فيه كل ما يمكن تقديمه،

فقد غير ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية ورفع منه الكفاح المسلح، بل اعترف بإسرائيل كأمر واقع بما تضع يدها عليه من أراض وقبل استعادته أرضه بالتدريج وعلى مراحل، فعرفات تعاون إلى حد التهاون، ومع ذلك لم يحصل على شىء وفى النهاية قتلوه، وقبل قتله وأثناء حبسه وكان أيامها شارون يتحكم فى الوضع،

قالوا إن عرفات لم يعد شريكاً فى السلام وطلبوا من محمود عباس أن يكون هذا الشريك وكان أيامها خارج السلطة فقالوا يأتى عباس رئيساً للوزراء ونتفاوض معه وكل هذا كان عندا وكيداً فى عرفات ليقللوا من قيمته أمام شعبه، وجاء عباس ولم يعطوه أى إنجاز يستطيع أن يرجع به إلى شعبه لدرجة أنه أحس بالخيبة والإحراج وقدم استقالته بعدها بفترة،

وقتل عرفات وتولى محمود عباس السلطة ومن يومها وحتى الآن هذا الرجل المسالم - الذى يعلن إيمانه العميق والقطعى والوحيد بالعملية السياسية ولا يقبل أى وسيلة عنف - لم يعطوا له أى شىء إذن إسرائيل لم تقدم أى دليل على أن عملية السلام والمهادنة من الممكن أن تكون مفيدة.. فإسرائيل لا تفهم إلا ما يوجعها.

* بدأت تعلو الآن من جديد أصوات اتهام السادات بأنه جر على المنطقة ما نشهده اليوم بسبب عملية السلام؟

- عملية السلام التى قام بها الرئيس السادات وفقاً لجميع المقاييس، لا يمكن اعتبارها الحل المثالى لكنها فى ظل الظروف الصعبة وقتها كانت هى الحل الأمثل المتاح، فبعد الموقف البطولى للقوات المسلحة فى حرب أكتوبر وعبورنا القناة واقتحامنا خط بارليف حصلنا فقط على ١٤ كيلو متراً من أرض سيناء ولم يكن ممكنا لنا أن نتقدم متراً واحداً بعدها لأن أى تقدم كان لابد له من تغطية من قبل الدفاع الجوى وكان المد الجوى لا يمكنه أن يغطى لأطول من هذه المسافة وإلا تم تدمير الجيش بالكامل، و١٤ كيلو بطول القناة تمثل حوالى ٥ آلاف كيلو متر مربع وسيناء بالكامل ٦١ ألف كيلو متر مربع،

هذا يعنى أن تبقى ٥٦ ألف كيلو متر مربع فى يد العدو، وكان يمكن للسادات أن يكتفى بالنصر فى الحرب ويصبح بطل الحرب فقط بعد أن استرد الكرامة المصرية وأن يترك باقى سيناء لتستردها الأجيال المتعاقبة، لكن أعتقد أن من قناعات وطنية السادات أنه لم يكتف بذلك وأخذ على عاتقه إعادة باقى الأرض بقدراته الشخصية وليس بالجيش.

* لكن السادات هو الذى زرع البذرة الأولى لفكرة السلام «خيار استراتيجى» فى المنطقة واستبعد المقاومة والحرب؟

- موقف العرب من السادات جعله يسير فى طريقه بلا رجعة، وكان يجب أن يكون الاختلاف بين العرب بالاتفاق على لعب أدوار مختلفة تصب فى مصلحة المنطقة، وليس اختلافاً يتبعه عداء.. ولكن حقيقة الأمر أن الرئيس السادات خلال تلك الفترة كان يركز على السلام فقط بقوله إن أكتوبر هى آخر الحروب، إلا أنه من الناحية العملية كان لا يمكن التصور أن العلاقة بين دولتين يمكن أن تكون منفتحة للسلام فقط.

ولا توجد دولة فى العالم يمكن أن تلغى احتمالات الحرب كلية لأنه فى ظل غياب حكومة دولية تعطى الشعوب حقوقها وتحميها فالحرب عامل من عوامل صيانة السلام، لأنها تردع الدول من الاعتداء على دول أخرى.. ثم إن السادات كان يقول كلاماً مناسباً للحظة التى يمر بها فلا يصح لنا أن نعممها وعلينا أن نلوم أنفسنا أننا أخذنا المقولة بهذه الجدية ولا نلوم السادات.

وتوقيعنا لمعاهدة سلام مع إسرائيل لم يكن أبداً معناه أن «ندلع» إسرائيل وأن نكبل أنفسنا بما تصورناه، وأن نرفع شعار السلام خيار استراتيجى.

* البعض يقول إن السادات باع القضية والنظام الحالى يسير على خطاه؟

- إذا رجعت إلى نص كامب ديفيد واتفاقية السلام ستجدين فى مقدمة الاثنين إلتزام إسرائيل بأن تتفاوض من أجل السلام العادل والشامل مع أى دولة من الجيران تبغى ذلك وكان بمقدور هذا النص تمكين مصر من أن تسجل على إسرائيل كل خطوة عدوانية تقوم بها تجاه فلسطين وضد أى دولة عربية،

وتسجل عليها أنها تخترق المعاهدة، وتظهر هذا السجل فى اللحظة المناسبة، ولكن الذى حدث أن إسرائيل هى التى تسجل علينا كل شىء.. مصر فتحت المعابر، مصر تسهل تهريب الأسلحة عن طريق الأنفاق ومزيد من الاتهامات، وضعتنى فى موقف المتهم وأنا أظل أقسم وأدافع عن نفسى.

* كيف تقرأ بعد كل ما قدمناه للقضية على مدى ٦٠ عاماً أن نتهم فى النهاية بالتواطؤ والعمالة من الرأى العام العربى والعالمى؟

- مصر الوحيدة التى كانت تحمل القضية الفلسطينية وقدمت فيها شهداء وأموالاً خلال الحروب، فكل إمكانيات الدولة كانت مسخرة لخدمة القضية الفلسطينية فأيام الرئيس جمال عبدالناصر، كنا نعتبر إسرائيل، العدو الأساسى، ولو تقرأين تقارير السلك الدبلوماسى المصرى كان الشاغل الأساسى بالنسبة له هو تتبع إسرائيل، إذن الدولة بإمكانياتها إلى جانب الشعب كنا ندافع عن قضية فلسطين، وفى سنة ١٩٤٨ ذهب ضباط مصريون للتطوع فى الحرب بقيادة البطل أحمد عبدالعزيز وترك عدد من الضباط الأحرار الجيش وذهبوا للتطوع فى فلسطين، فلو أن هذه الروح المصرية استمرت لما كان هذا هو الحال فى المنطقة الآن.

لكن أن يأتى يوم بعد أن تقطع القضية كل هذه المراحل ويصبح هناك مناخ جديد ينادى بحق الدول فى الاستقلال وحقوق الإنسان ومصر تقوم بمبادرة سلام والفلسطينيون يقدمون كل ما لديهم قرباناً للسلام نجد أن إسرائيل يتملكها الغرور وتضغط أكثر وأكثر وكل ذلك بسبب سياسات مهادنة إسرائيل والصبر على عدوانها المتكرر.

* بماذا تفسر شماتة بعض المصريين أنفسهم قبل العرب والعالم فى التهجم على سفاراتنا بالخارج؟

- يؤسفنى هذا الوضع بشدة فمهما كانت اختلافاتنا مع النظام الداخلى والحكومة، يجب ألا ننسى أن سفاراتنا بالخارج، رغم وجودها على أرض أجنبية ترفع العلم المصرى، وهذا عنوان، لأنها تخضع للسيادة المصرية، وأى هجوم على هذه السفارات هجوم على سيادتنا ويجب أن نشجبه ونواجهه بكل عنف وكل إصرار ولا يجب أن يشمت فى الحكومة والنظام أحد من القوى السياسية المختلفة لأن سفاراتنا تهاجم فى الخارج، لأنها إساءة لنا جميعاً كمصريين مهما كانت اختلافاتنا فى الداخل، وأى دولة عربية أو أجنبية تسمح بمهاجمة السفارات المصرية فيها يجب أن تنال عقابها.

* البعض أشار بقوة إلى إيران وتحميلها جزءاً مما يحدث الآن فى المنطقة والبعض راح إلى فكرة أنها هى التى حرضت حماس على التهور لحسابات خاصة بها؟

- مصر لن تسمح بقيام إمارة إسلامية على حدودها، خصوصاً فى ظل الشكوك حول علاقة حماس بالإخوان المسلمين فى مصر، وبالتالى يمكن لها أن تثير القلاقل فى الداخل وإن كنت أتفهم أن لهذا التصور منطقه، لكن أيضاً أعتقد أنه ممكن لمصر ألا تجعل هذا الوضع يقلقها لهذه الدرجة التى تجعلها تبدو أمام العالم وكأنها متعاونة فيما يحدث لغزة.

وإيران لا شك تلاعب الولايات المتحدة الأمريكية فى السياسة الدولية، بسبب تحفز أمريكا لها بشأن المشروع النووى، وثانياً لتزايد نفوذ إيران فى العراق.. طبعاً خلف كل هذا إسرائيل، فالتطور النووى إن حدث لا يهدد أمريكا، إنما يهدد إسرائيل التى نحرضها على إيران إلا أن الأخيرة تعى أن أمريكا تحاصرها عن طريق عمل تكتل عربى ضدها بمساعدة دول الخليج والدول المعتدلة، مستعملة فى ذلك أنها تخوف العرب من أطماع إيران فى المنطقة ومستعملة سلاح الشيعة ضد السُنة، حتى أصبح هناك أزمة حقيقية سُنية - شيعية لم تكن موجودة من قبل،

وفى المقابل إيران حاولت أن تخترق هذا الحصار وتمد يدها لأى قوة مستعدة لأن تتعاون معها، خصوصاً إذا كانت قريبة من إسرائيل، وكأنها تقول لأمريكا: إن تم الضغط علىَّ سأضغط على إسرائيل.. لكن الذى ساعد على امتداد نفوذ وتأثير إيران، هو الفراغ العربى فلو كانت ظروف مصر تسمح لها بأن تقوم بذلك، لفعلت مسؤولياتها فى العالم العربى ولم تترك الساحة مفتوحة لما حدث ما حدث.

فمصر للأسف فى أزمة لبنان لو كانت احتضنت القضية اللبنانية وحزب الله، لما تمكنت قطر من التدخل للعب دورها، لكن لأننا أخذنا موقفاً مع الحكومة ضد حزب الله وأعوانه لم نكن مؤهلين لتسوية الخلاف، وكذلك فى فلسطين اتخذنا موقفاً مع عباس ضد حماس وباقى الفصائل، وربما مصر معذورة لأنه ليس لديها إمكانات فإيران تمول حزب الله وحماس وقطر تدفع أموالاً فى عملية الوساطة.

* أليست لدينا كروت أخرى بخلاف المال؟

- بالطبع لدينا مميزات عديدة منها ميزة القرب من إسرائيل وحماس، ومن الممكن أن نتحكم فى إدارة عملية السلام أو المقاومة، وعندئذ إذا أرادت إيران أن تساهم فى الحل أو مساعدة أى طرف يكون ذلك من خلالنا، وأجعل إيران غير فعالة إلا عن طريقنا ونكون نحن أصحاب القرار.

* لماذا لم نتخذ هذا الموقف؟

- هذا السؤال مع السؤال الذى يسبقه، وكل أسئلتك الخاصة بالحيرة: لماذا لا نأخذ هذه المواقف، ردى عليه.. يبدو أننا فى السياسة الخارجية طبقنا مبدأ الأخذ بالأحوط أكثر من اللازم، ليس هناك استعداد للدخول فيما يسميه البعض «المغامرات»، وهى سياسة مختلفة تماماً عن السياسة التى كانت متبعة فى عهدى عبدالناصر والسادات، التى كانت تأخذ بمبدأ المبادرات فى السياسة الخارجية.

* ما رؤيتك بالنسبة لسيناريوهات المستقبل؟

- لا أعتقد أن إسرائيل ستحاول أن تعيد احتلال غزة، ولكنها ستبقى الباب مفتوحاً لتدخل وتخرج من حين إلى آخر بهدف القضاء على صواريخ المقاومة، وتحطيم أكبر قدر من البنية التحتية لحماس، مستغلة فى ذلك الإمكانيات والوقت، ولكنها مهما فعلت لن تقضى على المقاومة، فالمقاومة لن تهدأ حتى تحقق أهدافها، هكذا علمنا التاريخ

-------------------------------------------
نشر في المصري اليوم بتاريخ 10-1-2009
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=194200

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المتابعون