يحيى الجمل

دكتور يحيى الجمل أستاذ القانون الدستورى بكلية الحقوق جامعة القاهرة:
القضاة فى مصر مستقلون.. وحل أزمة العدالة يأتى بإصلاح دستورى وتشريعى شامل وحقيقى
------------------
حوار رانيا بدوي
------------------
◄دستور 71 أفضل الدساتير لأنه ينص على أن القانون هو الأصل فى حكم الدولة.
◄الضغوط السياسية تمارس فى المحكمة الدستورية وفى القضاء الإدارى، وتتوقف على مدى صلابة القاضى.

قال شارل ديجول لصديقه الأديب الفرنسى مارلو عن حال فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية، أعرف أن الوضع فى فرنسا سيئ، ولكن كيف حال الجامعة والقضاء؟ فأجابه بأنهما لم يطلهما بعد فساد باقى المجتمع فأجابه إذن نستطيع بناء فرنسا من جديد.

جملة كانت فى عقلى وأنا أسأل الدكتور يحيى الجمل أستاذ القانون الدستورى عن حال القضاء والقضاة.. علاقة الدولة بهم، سلطانها عليهم.. تدخلات وزير العدل فى شئونهم، والى أى مدى يطبق النظام القانون.. وإلى أى مدى قوانينه دستورية.

◄فى بلد ليس فيه عدالة، ليس من المنطق أن نتحدث عن الديمقراطية هل تتفق مع هذا الرأى؟
نعم لديك حق وأتفق تماما.

هل ينطبق ذلك على مصر؟
سيادة القانون جزء من النظام الديمقراطى وكل الأنظمة غير الديمقراطية تتحدث عن سيادة القانون، ولكنها تنفر منها فهى تنتهز كل فرصة للخروج عليه، وسيادة القانون نص موجود فى الدستور خاصة دستور 71، الذى أعتبره أنا شخصيا من أحسن الدساتير حيث ينص على أن القانون هو أساس الحكم فى الدولة، وبعد هذا النص مباشرة يأتى استقلال القضاء كضمانة أساسية من ضمانات الحريات، وأنا أزعم أن القضاء المصرى -برغم كل ما يحيط به-مازال من أفضل الأجهزة فى مصر، وحتى أكون دقيقا، من أقلها سوءا.

وهناك أجهزة لديها مقاومة ذاتية، ولكن بعد فترة هذه الأجهزة يصيبها ما يصيب المجتمع كله وهذا يظهر جليا فى أهم مؤسستين فى مصر: القضاء والجامعة، وأنا أقول هذا وأنا أعيش فى الاثنين باعتبارى رجل قانون وأستاذا جامعيا.

اعطنى أمثلة لما يدور فى القضاء؟
أذكر أنه فى مرة من المرات طلب منى أحد المسئولين فى الكنيسة القبطية، وأنا علاقتى بها جيدة، أن هناك مهندسا صادرا ضده حكم فى قضيه غش تجارى، ويريدنى أن أنظر على القضية لأرى إذا ما كان الرجل مخطئا بالفعل أم مظلوما كما يقول، واتضح أن المهندس استورد قصديرا من الصين ووضعه فى مخازن حكومية، فنزل عليه مطر فتغير لونه، وأثناء مرور ضابط كتب ضده قائلا: عرض سلعة مغشوشة للبيع، وذهبت الورقة للنيابة، فالنيابة استخدمت ورقة مطبوعة مكتوبا فيها يقدم للمحاكمة بمواد كذا وكذا، ودون أن تبحث فى أسباب القضية ثم ذهبت إلى المحكمة فكتب القاضى حكمت المحكمة بالحبس كذا من مواد كذا وكذا وهو أيضا أكليشيه موجود مسبقا لقضايا الغش التجارى، فذهبت إلى محكمة الاستئناف، وأعطيت لهم محاضرة بأن ما يفعلونه عبث وأنا أعرف أنه لا يمكن لمحام آخر أن يقول ما قلته.. أولا لأننى على علم كبير بالقانون، وثانيا لأن القضاة تلاميذى فتقبلوا منى ما قلت وقلت إن هذا الحكم لا يستاهل الحبر الذى كتب به فهو سبة فى جبين القضاء.

الخطأ هنا يرجع إلى عدم تأهيل وكلاء النيابة أم ثغرات فى القانون؟
الخطأ مشترك بين جهات متعددة، أولا أن تترك القاضى يحكم فى 500 قضية فى الرول، وثانيا فى أنك تقبل فى كلية الحقوق كل من هب ودب ويطلع من كلية الحقوق ناس لا يحسنون القراءة والكتابة أحيانا، فقط لأنه ابن مستشار أو ابن مسئول، إصلاح القضاء يبدأ من بوابة كلية الحقوق.

مع كل ما نراه من حين لآخر هل نستطيع تعميم جملة نزاهة القضاء؟
القضاء فى جملته نزيه ولكن حالات الانحراف موجودة.

هل تتدخل الواسطة أحياناً فى اختيار القضاة؟
ولكن هناك أناسا تأتون بأحقيتهم.

هل القضاة يأتون بعد اعتمادهم من التقارير الأمنية؟
المفروض أن مجلس القضاء هو الذى يدقق ويختار، ولكن الطلبات أحيانا تصل إلى 5000 طلب، لذا للأسف الشديد يعتمد على التقارير الأمنية.

إذن فى الحالتين- سواء بالواسطة أو بالتقارير الأمنية- هى التى تختار وكلاء النيابة؟
نستطيع القول إن الأمن هو الذى يسيطر على مصر، فجهاز الأمن هو الذى يتولى كل مشاكل مصر.

بما فيها القضاء؟
بما فيها القضاء.. وبما فيها كل شىء.. الأمن يعين موظفى التموين وعمداء الكليات ورؤساء الجامعات ويعين القضاة.. مصر اليوم فى يد جهاز الأمن، وللأسف الشديد التعديلات الأخيرة وما يقال عنها إنها تعديلات دستورية وضعت البلد فى يد البوليس.

وهل نستطيع -بعد تدخلات الأمن من ناحية، وسلطة وزير العدل فى التعيين والمنح والمنع، من ناحية أخرى- أن نتحدث عن استقلال القضاء؟
يوجد قدر من الاستقلال والمسألة تتوقف على القاضى، بمعنى أن هناك قضاة يرفضون أى تدخل مهما كان مصدره، ولكن الفكرة التى تستحق التوقف هى فكرة وزير العدل، فهى فى حد ذاتها فكرة خاطئة، ففى النظم التى بها استقلال القضاء، هذا المنصب يسمى وزير المحاكم أى أن يكون عمله مختصا ومنحصرا فى مبانى المحاكم والأوراق وطباعة «البلوك نوت» والأقلام الرصاص والإشراف على دورات المياه.

قاطعته ضاحكة- تقصد أن تكون مهامه إدارية لا أكثر؟
نعم.. وهى مهام يقوم بها أى موظف كمدير للمحاكم.. ثم يعنى إيه وزارة عدل.. لا صلة لمنصب الوزير من الأساس بالعدل.. العدل يسيطر عليه القضاة إنما لا تقولى لى وزير عدل.

ومن يقوم بمهام الإشراف على القضاة فى هذه الحالة؟
مجلس القضاء.. أى أن القضاة يشرفون على أنفسهم «منهم فيهم» والمؤسف أنه كان لدينا استقلال قضاء فعلا، قبل وضع قانون استقلال القضاء.

إلى أى مدى تمارس ضغوط سياسية على القضاة وإلى أى مدى يستجيبون؟
الضغوط السياسية تمارس فى منطقتين كما أتصور، فى المحكمة الدستورية وفى القضاء الإدارى، والضغوط السياسية تتوقف على مدى صلابة القاضى.

فى رأيك ما هى المناصب المسيسة داخل مؤسسة القضاء؟
منصب رئيس المحكمة الدستورية العليا إلى حد كبير يعد منصبا سياسيا لأنه كان المستقر عليه أن يأتى رئيس المحكمة الدستورية العليا من أقدم مستشارى المحكمة، ومن بعد الدكتور عوض المر رحمه الله بدأت عملية التسييس، خاصة فى عهد الدكتور فتحى نجيب وكان رئيسا لمحكمة النقض، ثم تولى رئيس المحكمة الدستورية العليا ومع ذلك كان قاضيا عظيما ومستنيرا ومتفتحا ومن القلائل من رجال القضاء الذى يتحدث فى الفلسفة والأديان والقانون والمنطق، ولكن تسييس المحكمة كان جليا وواضحا بمجىء ماهر عبد الواحد، لأنه لا علاقة له بالقانون الدستور

وأنت أستاذ القانون الدستورى ما هى الممارسات والقوانين غير الدستورية فى مصر؟
يوشك أن يكون كل شىء فى الدولة.

كل شىء؟
يوشك أن يكون كل شىء فى الدولة مخالفا دستوريا، يعنى مثلا أن يوجد مجلس شعب لا سلطان له، ويأتمر بأمر السلطة التنفيذية أمر غير دستورى، أن توجد تعديلات والأصل فى الدساتير أنها تأتى لتزيد مساحة الحرية وتقيد السلطة فيحدث العكس فى التعديلات الدستورية وتقيد الحرية وتزيد مساحة السلطة هذا غير دستورى.

ألم تشارك فى هذه التعديلات باعتبارك من أهم أساتذة القانون الدستورى فى مصر؟
أخذوا رأيى.. وأرسل الدكتور فتحى سرور فى طلبى، وذهبت إلى مجلس الشعب وأدليت برأيى وملاحظاتى لمدة ساعة ونصف، ولم يأخذ بها أحد.

هل نحن فى حاجة إلى إصلاح تشريعى؟
نحتاج أولا إلى إصلاح دستورى، ثم يأتى الإصلاح التشريعى ثانيا.

وماذا تسمى التعديلات الدستورية الأخيرة أليست نوعا من الإصلاح الدستورى؟
التعديلات الأخيرة لا تسمى بالإصلاح الدستورى، فالأصل فى الدستور أنه يوضع لكى يحمى الحرية الفردية ويقيد السلطة، والتعديلات الدستورية التى حدثت مؤخرا عملت العكس، ضيقت مساحة الحرية الفردية، ووسعت مساحة السلطة وهذا مناف تماما لروح الدستور.. إضافة للقوانين المقيدة للحريات وعلى رأسها قانون الإرهاب.

ما هى ملاحظاتك عليها؟
بدون الدخول فى تفاصيل قانونية، أنا أرفض القانون من الأساس أولا لأنه لا يوجد إرهاب فى البلد، والحالة الأمنية مستقرة إلى حد كبير، ثم إن مجرد مناقشة قانون للإرهاب تحد من الاستثمار الاقتصادى، وتضرب السياحة فى البلد.

ما هى أكثر المواد التى كنت ومازلت رافضا لها؟
المادة 179 التى هى أساس قانون الإرهاب، وتعطيل مواد الحريات 40 و41، وذهنى ليس حاضرا الآن لذكر أمثلة ولكن التعديل الدستورى بصفة عامة كان ضد الحريات وكان يهدف إلى تقوية قبضة الأمن وتقوية السلطة.

وما هى القوانين التى تعترض عليها؟
قانون الكسب غير المشروع الذى لا يفعل إلا لأعداء الدولة، بعد أن تحاك لهم قضايا مخصوصة، وعلى المقاس ومنتقاة ويحاكمون بهذا القانون.

هل الثوب القضائى مازال أبيض بعد كل ما قلته؟
ما قلته كان من منطلق حرصى على القضاء، ولأننى جزء منه فأنا بدأت حياتى قاضيا ومازلت أقول إن ثوب القضاء مازال أبيض ناصع البياض، لذا أى فساد يشوبه يظهر فيه جليا وبسهولة.
-------------
نشر في اليوم السابع بتاريخ 14 نوفمبر 2008
http://www.youm7.com/News.asp?NewsID=49929

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المتابعون